المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ لَا تَتَخَرَّمُ غَالِبًا وَإِذَا عَدِمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٣

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِبَيَانِ أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يُبْطِلُهُ الدَّيْنُ]

- ‌[كِتَابُ الذَّيْلِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَاب الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[بَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[بَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[رَفْعُ الشُّبَهِ وَالرِّيَبِ عَنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ بِأُخُوَّةِ الزَّوْجَةِ الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحِلِّ مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا ظَاهِرًا وَحِلِّهَا لَهُ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ]

- ‌[بَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

- ‌[بَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَد]

- ‌[كِتَابُ الْإِتْحَافِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَجْرُ نَاظِرٍ عَلَى وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكَانَ الْمَوْقُوفَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيْتٍ وُقِفَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ عَامِرٍ أَجَّرَهُ نَاظِرُهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ]

- ‌[بَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ]

- ‌[بَابُ الْجِعَالَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

الفصل: عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ لَا تَتَخَرَّمُ غَالِبًا وَإِذَا عَدِمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ

عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ لَا تَتَخَرَّمُ غَالِبًا وَإِذَا عَدِمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِاعْتِرَافِ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْدَمْهَا جَازَ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى أَنَّهُ مَا اعْتَرَفَ لَهُ أَوَّلًا بِمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا قَالَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَا يُطَالَبُ أَحَد مِنْهُمْ أَيْ: الْأُمَنَاء كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُقَارِضِ وَالْمُرْتَهِنِ بِإِقَامَةِ حِسَابٍ بَلْ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فَالْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْوَصِيِّ وَالْهَرَوِيُّ فِي أُمَنَاءِ الْقَاضِي وَمِثْلُهُمْ بَقِيَّةُ الْأُمَنَاءِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إلَى رَأْي الْقَاضِي بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ مِنْ

الْمَصْلَحَةِ

. اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرِّبْحِ وَمِقْدَارِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَصَارِيفِ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ كَمَا قَدَّمْته.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ مِائَةً لِآخَرَ يُسَافِرُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا بِشَرْطِ أَنَّهُ إذَا عَادَ بِالسَّلَامَةِ يُسَلِّمُ إلَيْهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَوَاءٌ رَبِحَ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ أَضْعَافًا أَوْ خَسِرَ خُسْرَانًا بَيِّنًا وَمَعَ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَالُ لَا يَصِيرُ الْقَابِضُ ضَامِنًا كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة أَهْلِ الْهِنْدِ وَيَتَعَامَلُونَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَالْمَسْئُولُ بَيَانُ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَهَلْ حُكْمُ ذَلِكَ كَحُكْمِ الرِّبَا أَوْ الْقِرَاضِ أَوْضِحُوهُ لَنَا إيضَاحًا وَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ وَمُبْطِلٌ لِعَقْدِ الْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ بِهِ مُحَرَّمٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْل أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا الشَّرْطِ مَالًا فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إلَى اللَّه سبحانه وتعالى فَإِنْ قُلْت فَمَا حُكْمُ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَامِلُ بِهَذَا الشَّرْطِ قُلْت هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ فَيَدُ الْعَامِلِ يَدُ أَمَانَةٍ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ طَمِعَ الْعَامِلُ فِي زِيَادَةِ رِبْحٍ لَهُ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ لَا شَيْءَ لَهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ لَوْ طَلَبَ الرَّصَدِيُّ نَقْدًا وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْقِرَاض أَوْ تَعَسَّرَ إحْضَارُهُ أَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ أَنْ لَا يُبَاعَ لِذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَأَعْطَاهُ مِنْ مَالِهِ وَأَشْهَدَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ كَنَظَائِرِهِ أَوْ لَا وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ وَنَحْوِهِمْ حَيْثُ جَازَ لَهُمْ الدَّفْعُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ لِمَنْ ذُكِرَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَرَبَ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ وَالْجَمَّالِ وَنَحْوِهِمَا قَاضٍ بِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ مِنْ عَامِلِ الْقِرَاضِ أَوْ نَحْوِهِ مَا يُحْسَبُ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيّ وَالْمِكَاس وَتَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ وَزْنُهُ مِنْ الْمَالِ فَأَعْطَاهُ الْعَامِلُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَوْ مَعَ إشْهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ لِيَرْجِعَ أَوْ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ لِفَقْدِ الْقَاضِي أَوْ تَعَسُّرِهِ لِكَوْنِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْآن رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ لِتَبَرُّعِهِ، وَاَللَّه سبحانه وتعالى أَعْلَم.

[بَابُ الْإِقْرَارِ]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ أَقَرَّ لِأَوْلَادِهِ بِمَالٍ وَفِيهِمْ حَيٌّ وَمَيِّتٌ فَهَلْ يَدْخُلُ الْمَيِّتُ فِي الْإِقْرَارِ وَيَكُونُ لِوَارِثِهِ كَمَا لَوْ خَصَّهُ بِالْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُ فِيهِمْ وَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ لَوْ قَالَ لِهَذَا الْمَيِّتِ عَلَيَّ كَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ جَوَازُ الْإِقْرَارِ بِتَقْدِيرِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ اهـ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ تَقْدِيرِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ لَيْسَ هُوَ مُلَخَّصُ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَإِنَّمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَهُ مَيِّتًا لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الْمِلْكِ لَهُ حِينَ الْإِقْرَارِ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَانِعًا لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ.

وَإِذَا اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَصِحَّةِ الْإِقْرَارِ اتَّضَحَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيَّ لِأَوْلَادِي كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ لِأَحَدِهِمْ فَدَخَلُوا كُلُّهُمْ أَحْيَاؤُهُمْ وَأَمْوَاتُهُمْ لِاسْتِوَاءِ وَصْفِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ بِالْمَالِ وَانْفَصَلَ حَيٌّ وَمَيِّتٌ اسْتَحَقَّ الْحَيُّ جَمِيعَ الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ وَكَانَ الْمَيِّتُ كَالْمَعْدُومِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ

ص: 111

وَمَسْأَلَتِنَا وَاضِحٌ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى نَحْوِ إرْثٍ أَوْ أَطْلَقَ وَانْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ حَقِيقَةً أَوْ احْتِمَالًا إلَّا بِذَلِكَ فَالْمَيِّتُ الْمُنْفَصِلُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ وَصَحَّ لِلْحَيِّ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ عُهِدَ لَهُ قَبْلَ الْآنَ مِلْكٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَصَحَّ إسْنَادُ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ فَدَخَلَ فِي مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوْلَادِ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ يُخْرِجُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا لِحَيٍّ؛ لِأَنَّا لَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت فَرَّقَ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ قُلْت فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ عِلْمِ الْأُصُولِ وَمَبَاحِثِهِ، وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ غَالِبًا فَإِنْ قُلْت فَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمَوْتَى مِنْهُمْ حَتَّى لَا يُصْرَفَ مِنْهُ شَيْءٌ لِوَرَثَتِهِمْ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ جَلِيٌّ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالْحَقُّ السَّابِقُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَالْحَيُّ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إنْشَاءُ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَاشْتُرِطَ فِيمَنْ يُوقَفُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْوَقْفِ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ الْآنَ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِدُخُولِهِ فِيهِ فَالْمَلْحَظُ فِي الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفٌ بَلْ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَوْنِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ كَامِلِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ مِنْ أَرْضٍ وَأَخْشَابٍ وَبِنَاءٍ الْمَعْرُوفِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصَّائِرِ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ الشَّرْعِيِّ وَجَمِيعَ الْبَيْتِ الصَّائِرِ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ أَوْلَادِ إدْرِيسَ الْكَائِنِينَ بِالْحِجَازِ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ذَلِكَ مِنْ سَقِيَّةٍ وَمَنَافِعَ وَحُقُوقِ مِلْكٍ لِبِنْتِهِ فَاطِمَةَ مَثَلًا ثُمَّ وُجِدَ فِي مَكْتُوبٍ شِرَاءُ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْمُقِرِّ مِنْ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَيْ: اشْتَرَى مِنْهُ سَقِيَّتَهُ وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ بِجَمِيعِ السَّقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ذَلِكَ مِنْ سُقْيَةٍ وَمَنَافِعَ إنَّمَا هُوَ قَيْدٌ لِكَامِلِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ فَالضَّمِيرُ فِي سَقِيَّتِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَالْمَرْجِعُ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِهِ الْبُسْتَانُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ.

فَتَكُونُ السَّقِيَّةُ أَيْضًا مُقَيَّدَةً بِقَيْدِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَإِلَّا يَكُنْ الْقَيْدُ لَغْوًا مَحْضًا فِي الْوَصِيَّةِ فَالْمُقَرُّ بِهِ إنَّمَا هُوَ جَمِيعُ السَّقِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمُشْتَرَى مِنْهُ لَا السَّقِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَحِينَئِذٍ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذِهِ السَّقِيَّةَ تَكُونُ زَائِدَةً عَلَى كِفَايَةِ الْبُسْتَانِ الْمُرْجَعِ لِلضَّمِيرِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ أَرْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَهَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِقْرَارِ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الْمُقَرِّ لَهَا جَمِيعُ السَّقِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَمْ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ، ثُمَّ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الْكِفَايَةِ فَكَيْفَ الْعَمَلُ فِيهَا أَيْضًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ وَسَقِيَّتَهُ، ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِسَقِيَّتِهِ سَقِيَّتُهُ الْمَوْجُودَةُ لَهُ حَالَ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَائِدَةً عَلَى السَّقِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُسْتَنَدِ الشِّرَاءِ أَمْ لَا فَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لِمَالِكِ هَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا حُمِلَ عَلَى مَالِكِهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ لِمَالِكٍ آخَرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ قَدْ يَعْهَدُهَا وَلَا يَعْلَمُ انْتِقَالَهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ يَشْتَرِيهَا أَوْ يَتَّهِبُهَا أَوْ يَرِثُهَا أَوْ يَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَيَقُولُ آخَرُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَالِكِهَا الْآنَ قَطْعًا اهـ.

فَتَأَمَّلْ رِعَايَتَهُمْ لِلظَّاهِرِ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَالِكِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْمُخْبِرِ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ سَبْقُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ وَأَيْضًا فَمَالِكٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَالِكِهَا حَالَ الْإِقْرَارِ مَجَازٌ فِي مَالِكِهَا قَبْلَهُ فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ وَمَحِلُّ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَرَادَهُمَا الْمُتَكَلِّمُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالسَّقِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَيَكْفِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَهَا ثُبُوتُهُ لَهَا قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ لَهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا حَالَ الْإِقْرَارِ وَيُنْزِلْ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا وَلَا نَظَرَ لِسَقِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي

ص: 112

مُسْتَنَدِ الشِّرَاءِ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْ سَقِيَّتِهِ الثَّابِتَةِ لَهُ يَوْمَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ أَوْ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ وَطَرْحِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سَقِيَّتُهُ حَالَ الْإِقْرَارِ دُونَ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ إذَا تَخَالَفَتَا فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ دُونَ السَّقِيَّةِ السَّابِقَةِ طَرْحًا لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ وَكَوْنُ الضَّمِيرِ فِي سَقِيَّتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْبُسْتَانِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ مُشْتَرًى مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْبُسْتَانَ قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَقٌّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّقِيَّةِ فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَيْهَا حَالَ الْإِقْرَارِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ النَّظَرِ لِمَا قَبْلَهُ فَانْدَفَعَ ادِّعَاءُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ عَلَى أَنَّ هَهُنَا مَانِعًا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ شُرْبُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَتَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْتَرِي وَجَعَلَ لَهُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ أَوْ زَادَ حَتَّى بَقِيَتْ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، ثُمَّ أَقَرَّ فَلَوْ حَمَلْنَا إقْرَارَهُ عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ دُونَ الْإِقْرَارِ لَكَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْقَاعِدَةِ وَكَلَامِهِمْ إذْ اعْتِبَارُ السَّابِقِ الْمُقْتَضِي وَالْإِعْرَاضِ اللَّاحِقِ الْمَوْجُودِ بَعِيدٌ مَعَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا حَالَ التَّلَفُّظِ بِهَا وَالْأَذْهَانُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ حَمْلُهَا عَلَى مَدْلُولِهَا حَالَ التَّلَفُّظِ بِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ لَمْ يَكُنْ لَا فِي جَوَابِ دَعْوَى إقْرَارًا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَيْدَ لَغْوٌ خِلَافًا لِمَا فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ فِي الْبُسْتَانِ تَعْرِيفُهُ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَفَائِدَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي سَقِيَّتِهِ لِلْبُسْتَانِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ رَبْطُ السَّقِيَّةِ الْمُقَرِّ بِهَا بِذَلِكَ الْبُسْتَانِ الْمُقَيَّدِ إذْ لَوْ حُذِفَ الضَّمِيرُ

فَقَالَ وَسُقْيَةُ لَكَانَ إقْرَارًا بِمَجْهُولٍ مُطْلَقٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ فَوَجَبَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْبُسْتَانِ حَتَّى تَرْتَبِطَ السَّقِيَّةُ بِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ حُمِلَ عَلَى دَرَاهِمِ الْبَلَدِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ وَلَا نَظَرَ لِدَرَاهِمِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْته هُوَ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ نَقْلِ مَا يُخَالِفُهُ. اهـ.

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ حَمَلُوا الدَّرَاهِمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ حُمِلَتْ عَلَى دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْوَازِنَةُ الْخَالِصَةُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَوْهُ فَإِذَا خَالَفُوا الْقَاعِدَةَ تَحْكِيمًا لِلْمَعْهُودِ حَالَ الْإِقْرَارِ حَتَّى حَمَلُوهَا عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ السَّقِيَّةُ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى السَّقِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلْبُسْتَانِ بِقَيْدِهِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّقِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَمِمَّا سَيَأْتِي وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا وَالشَّجَرَةُ مُثْمِرَةٌ لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ وَلَا الثَّمَرَةُ.

قَالُوا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَاوَلَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَالشَّجَرَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ بِأَنْ كَانَا مُوصًى بِهِمَا فَإِذَا أَخْرَجُوهُمَا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ فَأَوْلَى إخْرَاجُ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُقِرَّ تَصَرَّفَ فِيهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ حَالَ كَوْنِ الْبُسْتَانِ عَلَى مِلْكِهِ، ثُمَّ إذَا انْتَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ السَّقِيَّةِ وَوُجُودُهَا حَالَ الْإِقْرَارِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا أَمْرُ هَذَا الْبُسْتَانِ وَأَنَّهَا الَّتِي أَقَرَّ بِهَا دُونَ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ رَأَيْتُ مَا هُوَ أَصْرَحُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّا مَرَّ وَهُوَ مَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالُوا قَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَضَابِطُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَاءِ الْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ اهـ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا الضَّابِطَ وَجَدْته شَامِلًا لِمَسْأَلَتِنَا فَتَكُونُ مَنْقُولَةً إذْ مَا دَخَلَ تَحْتَ كَلَامِهِمْ كَذَلِكَ يَصْدُقُ

ص: 113

عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْقُولُهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَوَجْهُ شُمُولِهِ لَهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْبُسْتَانَ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ وَسَقِيَّتَهُ وَكَانَتْ سَقِيَّتُهُ الْمَوْجُودَةُ وَقْتَ الْبَيْعِ دُونَ تِلْكَ السَّقِيَّةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ الْمُتَفَقِّهُ فَضْلًا عَنْ الْفَقِيهِ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ الضَّابِطِ أَيْضًا أَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَاهُ لَا يَتَنَاوَلُ أَشْيَاءَ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُهَا فَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْبَيْعُ شَيْئًا كَانَ الْإِقْرَارُ أَوْلَى بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْيَقِينِ أَيْ: أَوْ الظَّنِّ الْقَوِيِّ لَمَا مَرَّ فَاتَّضَحَ بِمَا ذَكَرْته سِيَّمَا مِنْ هَذَا الضَّابِطِ أَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَةَ حَالَ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلسَّقِيَّةِ حَالَ الشِّرَاءِ أَمْ أَنْقَصَ عَنْهَا أَمْ أَزْيَدَ وَسَوَاءٌ أَكَفَتْ السَّقِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ حَالَ الْإِقْرَارِ الْبُسْتَانَ أَمْ زَادَتْ عَنْهُ أَمْ نَقَصَتْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا، ثُمَّ أَسْكَنَهَا شَخْصًا آخَرَ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكٌ مِنْ أَمْلَاكِ السَّاكِنِ الْمَذْكُورِ وَصَدَّقَهُ السَّاكِنُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَزَلْ مُسْتَمِرًّا عَلَى سُكْنَاهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُقِرُّ الْمَذْكُورُ فَادَّعَى بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَعْنِي الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ أَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ حَالَ الْإِقْرَارِ مَبِيعَةٌ لِشَخْصٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ عِدَةٍ وَأَمَانَةٍ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَوْ تُسْمَعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى مِمَّنْ تَسُوغُ لَهُ وَثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ فَهَلْ تُنْزَعُ الدَّارُ مِنْ السَّاكِنِ أَوْ لَا وَإِذَا اُنْتُزِعَتْ فَعَادَتْ إلَى الْوَارِثِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِلْمُقِرِّ أَوْ لَا وَهَلْ عَوْدُهَا إلَى الْوَارِثِ بِغَيْرِ إقَالَةٍ كَعَوْدِهَا بِهَا أَوْ لَا وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ السُّكْنَى بِالدَّارِ الْمَذْكُورَةِ تَلْزَمُ السَّاكِنَ إذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا.؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَيْعُ الْعِدَةِ الْخَالِي عَنْ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَمَحِّضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِنْ الْوَارِثِ قَبْلَ إقْرَارِهِ انْتَزَعَ الْعَيْنَ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَيَلْزَمُهُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِهَا مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَحَيْثُ عَادَتْ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْمُورَثِ فِي إقْرَارِهِ انْتَزَعَهَا الْمُقَرُّ لَهُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مُورَثِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْعَوْدِ إلَيْهِ إرْثَهُ كَالْإِقَالَةِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ أَوَّلًا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَمْ يَنْتَزِعْهَا مِنْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةً فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ مَثَلًا ثُمَّ بِدَيْنٍ آخَرَ مَثَلًا ثُمَّ بِآخَرَ مُرَتَّبًا مَثَلًا ثُمَّ بِوَقْفٍ سَابِقٍ مَثَلًا ثُمَّ بِهِبَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْبُوضَةٍ سَابِقَةٍ مَثَلًا ثُمَّ بِعِتْقٍ سَابِقٍ مَثَلًا ثُمَّ أَوْصَى لِجِهَاتٍ مَثَلًا ثُمَّ دَبَّرَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ مُرَتِّبًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مَثَلًا ثُمَّ بِجِنَايَةٍ مَثَلًا ثُمَّ بِرَهْنٍ وَالْحَالُ أَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ تَفِ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَمَنْ الْمُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْضِحُوا لَنَا وَصَدَّرَ الْبَعْضَ فِي مَجْلِسٍ وَالْبَعْضَ فِي مَجَالِسَ لَكِنَّهُ مُرَتَّبًا كَمَا ذُكِرَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الدُّيُونَ الْمُقَرَّ بِهَا الْمُتَرَتِّبَةَ تَسْتَوِي كُلُّهَا فِي كَوْنِهَا تَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَفِ بِهَا وَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا لِمُوجِبٍ آخَرَ.

، وَأَمَّا التَّقَدُّمُ فِي الْإِقْرَارِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لِتَقَدُّمِ وَفَاءٍ وَلَا تَعَلُّقٍ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْوَقْفِ السَّابِقِ عَلَى الْمَرَضِ وَبِالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَقْبُوضَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمَرَضِ أَيْضًا وَبِالْعِتْقِ السَّابِقِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَهُوَ صَحِيحٌ فَيُخْرَجُ الْمُقَرُّ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ دَيْنٌ وَلَا تُزَاحِمُهُ وَصِيَّةٌ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَيَصِحُّ أَيْضًا إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ وَالرَّهْنِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِمَا فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَقَدَّمَ الْإِقْرَارَ بِالْجِنَايَةِ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الرَّهْنُ إلَّا إنْ عَفَا ذُو الْجِنَايَةِ عَنْهُ وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَاتٍ، ثُمَّ دَبَّرَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَرَتِّبَةً أَمْ غَيْرَ مُتَرَتِّبَةٍ وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِيهَا عِتْقٌ أَمْ لَا لِاشْتِرَاكِهَا فِي وَقْتِ نَفَاذِهَا وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ فَسَقَطَ الثُّلُثُ عَلَى الْوَصَايَا وَعَلَى الْمُدَبَّرِينَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْمِقْدَارِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِينَ مِائَةً وَالْوَصَايَا بِمِائَةٍ وَالثُّلُثُ مِائَةٌ عَتَقَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْمُدَبَّرِينَ وَكَانَ لِأَرْبَابِ الْوَصَايَا خَمْسُونَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) أَفَاضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إنْعَامَهُ وَبَلَّغَهُ فِي الدَّارَيْنِ مَرَامَهُ فِي شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْوَقْفِ الْكَائِنِ بِكَذَا وَلَا فِي مَعْلُومِهِ شَيْئًا قَلَّ وَلَا جَلَّ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ

ص: 114

فِيهِ حَقًّا حَالَ الْإِقْرَارِ مَثَلًا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا هَلْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِهِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْإِقْرَارِ الْمُخَالِفِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الشَّرْعُ فَإِنْ كَانَ لَهُ احْتِمَالٌ مَا أَخَذْنَا الْمُقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.

وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَيْ: وَإِنْ خَالَفَ إقْرَارُهُ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَقَدْ نَقَلَ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ هَذَيْنِ الْإِفْتَاءَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحُوا مِنْهُمَا شَيْئًا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَوْ وَقَفَ دَارًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِشَخْصٍ وَصَدَّقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ الْوَقْفُ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ وَيُصْرَفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَأَفْهَمَ إطْلَاقَهُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ حَقِّهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَخَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَكَانَ لَهُ احْتِمَالٌ مَا أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ احْتِمَالٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ احْتِمَالٌ ظَاهِرًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ احْتِمَالٌ بَاطِنًا وَالْمُقِرُّ أَعْرَفُ بِنَفْسِهِ فَآخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ الشَّرْعُ حِينَئِذٍ مُكَذِّبًا لِلْإِقْرَارِ خِلَافًا لِمَا ادَّعَاهُ السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَيْثُ رَاعَى مَا قُلْنَاهُ لَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا لِلْإِقْرَارِ فَانْدَفَعَ تَعْلِيلُ السُّبْكِيّ بِذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ أَقَرَّ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ وَقْفٌ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعُذِرَ بِجَهْلِهِ لَغَا إقْرَارُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ بَاعَ دَارَ أَبِيهِ فَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بَطَلَ الْبَيْعُ فَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِأَبِيهِ حِينَ بَاعَهَا وَثَمَّ أَطْفَالٌ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ سُمِعَتْ وَبَطَلَتْ دَعْوَى الْوَقْفِيَّةِ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ الْأَطْفَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نَصِيبَ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِإِقْرَارِهِ عَنْ كَوْنِهِ قَيِّمًا لَهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ الْمُقِرُّ مُدَّعِيًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ الْبَغَوِيّ كَمَا قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَلَوْ ادَّعَى الْمُقِرُّ جَهْلَهُ بِالْوَقْفِ حَالَ الْإِقْرَارِ صَدَقَ بِيَمِينِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ بِأَنْ كَانَ طِفْلًا وَقْتَ الْوَقْفِ. اهـ.

فَكَلَامُ الْعَبَّادِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ إلْغَاءِ إقْرَارِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِعُذْرِهِ فَالْحَاصِلُ نُفُوذُ الْإِقْرَارِ مِنْ الْعَالِمِ مُطْلَقًا لَا مِنْ الْجَاهِلِ سِيَّمَا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ اهـ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ادَّعَى وَارِثٌ عَلَى وَرَثَةٍ أَنَّ أَبَاكُمْ أَقَرَّ لِي بِأَرْضِ كَذَا الَّتِي تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاءُ زُبَيْدٍ كَيُوسُفَ الْمُقْرِي وَأَهْلِ عَصْرِهِ وَالْوَجْهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ لِبُطْلَانِ يَدِ مُورَثِهِمْ الَّذِي تَلَقَّوْا عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي شَخْصٍ قَالَ لَيْسَ لِي عِنْدَ أَوْ مَعَ فُلَانٍ شَيْءٌ هَلْ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ؟

(فَأَجَابَ) الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ أَعَارَتْ بِنْتَهَا مَصَاغًا وَحُلِيًّا وَفُرُشًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَهَا وَأَقَرَّتْ الْبِنْتُ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا مِنْ حُلِيٍّ وَمَصَاغٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَدَّدَتْ أَنْوَاعَ ذَلِكَ مِلْكٌ لِأُمِّهَا وَأَنَّهُ فِي يَدِهَا عَارِيَّةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ مَنَافِعِهِ سِوَى بُشْخَانَةٍ وَجَارِيَةٍ اسْمُهَا كَذَا وَلَمْ يَزَلْ جَمِيعُ ذَلِكَ بِيَدِهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَمِيعِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا زُفَّتْ بِهِ إلَيْهِ وَأَنَّ إقْرَارَهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ غَيْرِهِ وَأَنَّ عَلَى وَالِدَتِهَا إثْبَاتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مِلْكٌ لَهَا وَأَنَّهَا اسْتَجَدَّتْ أَمْتِعَةً وَمَصَاغًا بَعْدَ إقْرَارِهَا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعَاوِيهِ هَذِهِ جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا وَهَلْ الْمُصَدَّقُ هُوَ أَوْ أُمُّهَا فِي جَمِيعِهَا وَبَعْضِهَا.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ لِأُمِّهَا بِمَا ذُكِرَ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَالَ الزِّفَافِ أَمْ بَعْدَهُ أَمْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُخْتَارَةً رَشِيدَةً وَدَعْوَى الزَّوْجِ الثَّانِي أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَقَعْ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ وَقَعَ مِنْهَا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا طَلَبُهُ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهَا تُثْبِتُ أَنَّ الْأَعْيَانَ الَّتِي مَاتَتْ عَنْهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَعَلَيْهَا إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْهُ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي مَاتَتْ عَنْهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا هَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ

ص: 115

الْإِقْرَارِ أَمْ لَا صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا يُنْسَبُ إلَيَّ أَوْ مَا فِي يَدَيَّ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ نَازَعَهُ زَيْدٌ فِي عَيْنٍ هَلْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ صُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَعَلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي مِمَّا فِي يَدَيَّ إلَّا كَذَا وَالْبَاقِي لِزَيْدٍ قَالَ جَمْعٌ وَمِثْلُ الْمُقِرِّ وَارِثُهُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ الرَّوْضَةِ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ وَمَا فِيهَا لِفُلَانٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ وَنَازَعَ وَارِثُهُ الْمُقَرَّ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ فَقَالَ الْوَارِثُ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الدَّارِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَعَاكَسَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أُقِرَّ لَهُ بِهَا وَبِمَا فِيهَا وَوَجَدْنَا الْمَتَاعَ فِيهَا فَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ فِيهَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ اهـ.

وَكَالْوَارِثِ فِي هَذَا الْمُقِرُّ وَوَجْهُ عَدَمِ اسْتِشْكَالِ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ مَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ أَنَّهُ هُنَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تُؤَيِّدُ صِدْقَ الْمُقَرِّ لَهُ فَقَوِيَ بِذَلِكَ جَانِبُهُ عَلَى جَانِبِ الْمُقِرِّ فَصُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ مَعَ مُسَاعَدَةِ أَصْلِ الِاسْتِصْحَابِ لِدَعْوَاهُ، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْبَغَوِيِّ لِلْقَاضِي فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَعِنْدِي لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ كَانَ فِي الدَّارِ حَالَةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ يَدَّعِي أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْمُورَثِ فَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَهُ بِمَا فِي الدَّارِ صَحِيحٌ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّتُهُ فَإِنْ قُلْت مُقِرًّا عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِلْكُ زَوْجَتِي مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَقَالَ الْوَارِثُ هَذِهِ الْأَعْيَانُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ حَلَفَ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْبَيْتِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي الدَّارِ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حِصَّتُهَا مِنْ الْمِيرَاثِ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ قَالَ وَلَا يَكْفِي حَلِفُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ إلَّا إذَا لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي حُجَّةً وَمِنْ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ يَكْفِي قَوْلُ الْخَصْمِ فِي الْجَوَابِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا قُلْت مَا قَالَهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي إذْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ.

وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ مَا فِيهَا وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَلَا نَظَرَ هُنَا إلَى كَوْنِهِ عَيَّنَ الْبَيْتَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ مُقَرًّا بِهِ حَتَّى يَكُونَ مَا فِيهِ تَابِعًا لَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ فَلَمْ تَقْوَ حِينَئِذٍ الْقَرِينَةُ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الدَّارَ وَمَا فِيهَا مُقَرًّا بِهِمَا فَاسْتَتْبَعَتْ الدَّارُ مَا فِيهَا حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ فَلِذَا قَوِيَ جَانِبُ الْمُقَرِّ لَهُ وَصُدِّقَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ سَاكِنَةً مَعَهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ وَلَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فِي مَتَاعِ الْبَيْت وَلَا بَيِّنَةَ وَلَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِيَدٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الْآخَرِ فَإِذَا حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ كَمَا لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَحَلَفَ وَمِثْلُهُمَا وَارِثَاهُمَا وَوَارِثُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ وَسَوَاءٌ أَصَلُحَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنْ قُلْت إذَا أَقَرَّ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ مِلْكُ فُلَانٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ.

وَمَاتَ فَمَا كَيْفِيَّةُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ قُلْت الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ كُلَّ مَا عَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ وَقْتَ إقْرَارِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلْت) عَنْ رَجُلٍ قَالَ فُلَانٌ أَوْ هَذَا ابْنُ عَمِّي أَوْ وَارِثِي مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَهَلْ يَرِثُهُ الْمُقَرُّ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ لَا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ (فَأَجَبْت) إذَا قَالَ هَذَا ابْنُ عَمِّي وَبَيَّنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمٍّ لِغَيْرٍ أَمْ صَحَّ إلْحَاقُهُ لَهُ بِعَمِّهِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُخْتَارًا وَالْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولُ النَّسَبِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِقٌّ لِلْغَيْرِ وَلَا وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ الْغَيْرِ وَإِنْ نَفَاهُ وَأَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ وَلَدًا لِلْمُلْحَقِ بِهِ وَهُوَ الْعَمُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُلْحَقُ بِهِ مَيِّتًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْعَمِّ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ بِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَعَ رَدِّ إشْكَالٍ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ أَوْ رَدُّوهُ عَلَى ذَلِكَ.

فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَمَاتَ الْمُقِرُّ وَلَا وَارِثَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمُسْتَلْحَقِ وَرِثَهُ أَمَّا إذَا قَالَ هَذَا

ص: 116

ابْنَ عَمِّي وَأَطْلَقَ فَلَا يَرِثُ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْهُ شَيْئًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ لِأُمٍّ وَإِنْ قَالَ وَارِثِي فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْهَرَوِيِّ وَالْقَفَّالِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي إشْرَافِهِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ هَذَا وَارِثِي قُبِلَ قَالَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ غَرِيبَةٌ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا مَنْ تَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ فُلَانٌ عَصَبَتِي وَوَارِثِي إذَا مِتُّ مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ إنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهِ هَذَا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا مَا لَمْ يُفَسِّرْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِعَصَبَتِهِ أَنَّهُ أَخُوهُ وَرُبَّمَا يُرِيدُ أَنَّهُ عَمُّهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّفْسِيرِ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ هُوَ أَخِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعُ وَارِثِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ عَمًّا فَيَكُونُ هُوَ وَارِثُ جَمِيعِ مَالِ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَمِّهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَارِثُ عَمِّهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ عَلَى طَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ فُلَانٌ ابْنُ عَمِّي وَهُوَ وَلِيِّي فِي النِّكَاحِ وَوَارِثِي إذَا مِتُّ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَتْ فَجَاءَهُ يَطْلُبُ مِيرَاثَهَا قَالَ الْقَفَّالُ لَا يَكُونُ لَهُ مِيرَاثُهَا وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ التَّزْوِيجُ إنْ كَانَ قَدْ زَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ أَلْحَقَتْ نَسَبًا بِجَدِّهَا وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَارِثَةٍ جَمِيعَ مَالِ الْجَدِّ فَلَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ وَلَا يَرِثُهَا اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ أَوْجَهُ مَعْنًى وَنَقْلًا أَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ هَذَا أَوْ فُلَانٌ وَارِثِي كَانَ مُجْمَلًا غَيْرَ مُبَيَّنٍ فِيهِ جِهَةُ الْإِرْثِ لِشُمُولِهِ لِلْوَارِثِ بِفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ وَعَلَى كُلٍّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ إذَا مِتُّ مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ أَوْ بِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ عَمِّهِ مَثَلًا وَلِإِلْحَاقِهِ بِنَفْسِهِ شُرُوطٌ وَبِغَيْرِهِ شُرُوطٌ مِنْهَا تِلْكَ الشُّرُوطُ وَزِيَادَةُ كَوْنِهِ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ تِلْكَ الشُّرُوطِ إلَّا مَعَ بَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ مِنْ بُنُوَّةٍ أَوْ أُخُوَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ هَلْ وُجِدَتْ فِي هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ أَوْ لَا فَكَانَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مِنْ الْإِبْهَامِ مَا يُوجِبُ تَعَذُّرَ الْعَمَلَ بِهِ فَوَجَبَ إلْغَاؤُهُ وَإِنْ قَالَ لِمَنْ ذَكَرَ هَذَا عَصَبَتِي كَانَ فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ الْمَذْكُورِ نَحْوَ مَا تَقَرَّرَ لِشُمُولِهِ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْعَصَبَةِ فَهُوَ شَامِلٌ لِعَصَبَةِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ وَالْجُدُودَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعِنْدَ شُمُولِهِ لِتِلْكَ الْجِهَاتِ وَتَرَدُّدِهِ فِيمَا بَيْنَهَا يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِ فَوَقَعَ لَغْوًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ التَّرِكَةِ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْوِرَاثَةِ وَجِهَتِهَا مِنْ نَحْوِ بُنُوَّةٍ أَوْ أُخُوَّةٍ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ إلَّا إنْ ذَكَرَتْ هَذَيْنِ أَعْنِي الْوِرَاثَةَ أَيْ: كَوْنَهُ وَارِثًا وَبَيَّنَتْ جِهَتَهَا وَقَالَتْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ

وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ حَالِ مُورَثِهِ بِنَحْوِ صُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ فَإِنْ لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ أَوْ قَالَاهُ وَلَمْ يَكُونَا خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ الْحَالِ وَكَانَ سَهْمُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ أَوْ كَانَ مُقَدَّرًا لَكِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ لَمْ يُعْطَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ حَتَّى يَبْحَثَ الْقَاضِي عَنْ حَالِ مُورَثِهِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي سَكَنَهَا أَوْ طُرُقِهَا فَيَكْتُبُ إلَيْهَا أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي فِيهَا أَنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلْيَأْتِ الْقَاضِيَ فُلَانًا أَوْ يَبْعَثُ إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ أَعْطَاهُ حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ سَهْمُهُ مُقَدَّرًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ أُعْطَى أَقَلَّ فَرْضَيْهِ عَائِلًا بِلَا بَحْثٍ وَأَكْثَرَهُمَا بَعْدَ الْبَحْثِ وَلَوْ قَالَا وَهُمَا غَيْرُ خَبِيرَيْنِ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ لَمْ يَقْدَحْ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ أَخْطَأَ مِنْ جِهَةِ الْقَطْعِ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقٍ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا شَهِدَا بِمَا اعْتَقَدَا وَلَمْ يَقْصِدَا الْكَذِبَ وَإِنْ شَهِدَا بِأَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ مَثَلًا وَلَمْ يَذْكُرَا كَوْنَهُ وَارِثًا نَزَعَ الْمَالَ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَأُعْطِيَهُ بَعْدَ بَحْثِ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ دُونَ مَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُ كَلَامِ الْقَفَّالِ دُونَ كَلَامِ الْهَرَوِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْهَرَوِيِّ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ فَقِيهٍ عَارِفٍ بِشُرُوطِ الِاسْتِلْحَاقِ وَبِحَقِيقَةِ قَوْلِهِ هَذَا وَارِثِي وَمَا يُشْتَرَطُ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْتَمَلَ حُدُوثُ حَاجِبٍ لِلْمُقَرِّ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ مِنْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا الْقَفَّالُ مُنْتَفِيَةٌ حِينَئِذٍ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ الْفَقِيهِ الْمُقِرِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ

ص: 117

مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ فِي بَابِ الْإِلْحَاقِ بِالنَّفْسِ وَبِالْغَيْرِ فَإِنَّ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ لَا تَنْتَفِي إلَّا عِنْدَ مُوَافَقَةِ مَذْهَبِ الْحَاكِمِ لِمَذْهَبِ الْمُقِرِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِلَّا فَتِلْكَ الِاحْتِمَالَاتُ قَائِمَةٌ فَلَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْغَالِبَةَ فِي الْإِقْرَارِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غَالِبَ أَحْكَامِهِ أَوْ جَمِيعَهَا أَنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ كَمَا نَصَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى ذَلِكَ

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ لِآخَرَ بِدَيْنٍ وَأَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ مَالِي عِنْدَك دَيْنٌ وَلَا بَقِيَّةَ دَيْنٍ وَأَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ الْمُثْبَتَةِ فَهَلْ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنِّي أَسْتَحِقُّ عَلَيْك أَلْفًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي بَيِّنَةٌ أَنَّك أَقْرَرْت أَنَّ مَا لِي عِنْدَك دَعْوَى فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ وَيُبْطِلُ دَعْوَاهُ أَمْ لَا وَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَأَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُقِرِّ دَيْنًا وَلَا بَقِيَّةَ دَيْنٍ.

وَالْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّهُمَا قَبْلُ فَبِأَيِّهِمَا يُعْمَلُ وَهَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ أَجَابَ يُحْكَمُ بِبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِهِ شَغْلٌ إذْ لَوْلَاهُ لَجَعَلْنَا إقْرَارَ الْمُقَرِّ لَهُ تَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ وَلَا يُصَارُ إلَى ذَلِكَ بِالِاحْتِمَالِ وَإِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الشُّغْلِ وَالْقَوْلِ بِتَصْدِيقِ الْإِقْرَارَيْنِ مَعًا فَلَا يُصَارُ إلَى تَصْدِيقِهِمَا بِتَقْدِيرِ تَأْخِيرِ الْإِقْرَارِ النَّافِي عَنْ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتِ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ طَرَيَان الْبَرَاءَةِ وَالْإِسْقَاطِ فَإِنَّا لَا نَتْرُكُ أَصْلَ الشَّغْلِ بِاحْتِمَالِ تَعَقُّبِ الْمُسْقِطِ فَتَعَيَّنَ تَصْدِيقُهُمَا بِتَقْدِيرِ وُقُوعِ الْإِقْرَارِ النَّافِي قَبْلَ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ هَذَا فَذَلِكَ مَقْبُولٌ. اهـ. كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَيُنَازِعُ فِيهِ أُمُورٌ مِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرُّوهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا بِأَلْفٍ ادَّعَاهُ لِيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَقَامَ خَصْمُهُ شَاهِدًا بِإِقْرَارِهِ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ شَاهِدِهِ وَسَقَطَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. اهـ. فَأَصْلُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ هُنَا اقْتَضَى تَرْجِيحَ الشَّاهِدِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ فَقُدِّمَ عَلَى الشَّاهِدِ بِشَغْلِ الذِّمَّةِ بِالْأَلْفِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ عَلَى الْمُثْبِتَةِ لِاعْتِضَادِ الْأُولَى بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ

وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالْمُثْبِتَةِ شَغْلُ ذِمَّتِهِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا ذَلِكَ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِ النَّافِيَةِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَتُقَدَّمُ النَّافِيَةُ لِاعْتِضَادِهَا بِالْأَصْلِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَرْكُ أَصْلِ الشَّغْلِ بِاحْتِمَالِ تَعْقِيبِ الْمُسْقِط خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ طَرَفَيْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ هُنَا مُحْتَمَلٌ فَإِذَا وُجِدَ مُرَجِّحٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ وَالْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْيِ لَا لِلْإِثْبَاتِ فَلْيُقَدَّمْ طَرَفُ النَّفْيِ عَلَى الْإِثْبَاتِ لِاعْتِضَادِهِ وَعَدَمِ اعْتِضَادِ مُقَابِلِهِ فَإِنْ قُلْت يُمْكِن الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ وَمَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِأَنَّ مَسْأَلَتَهُ فِيهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَ أَصْلُ الشَّغْلِ مُحَقَّقًا وَيَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِهِ انْتِفَاءُ أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُمَا فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ بَلْ بَعْضُهَا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا شَغْلٌ فَنَظَرُوا حِينَئِذٍ إلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَجَعَلُوهُ مُرَجِّحًا لِطَرَفِ النَّفْيِ الْمُوَافِقِ لَهُ دُونَ طَرَفِ الْإِثْبَاتِ الْمُخَالِفِ لَهُ قُلْت هَذَا الْفَرْقُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَخَيَّلَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ إلَى الْفَرْقِ بِالصُّورَةِ دُونَ الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةَ فِي مَسْأَلَتِهِ لَمَّا عَارَضَتْهَا الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ لَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا مِنْ وُجُودِ الْمُعَارِضِ لَهَا وَاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ دُونَهَا فَسَاوَتْ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَ وَحْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ

فَكَمَا رَجَّحَا النَّافِيَ عَلَى الْمُثْبِتِ لِمَا مَرَّ كَذَلِكَ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ النَّافِيَةِ عَلَى الْمُثْبِتَةِ فِي مَسْأَلَتِهِ لِذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ نَازَعَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ فِي رَوْضَتِهِ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْمَالِ وَأُخْرَى بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ فَبَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ أَوْلَى إنْ أُطْلِقَتَا وَإِنْ وُقِّتَتَا فَالْمُتَأَخِّرَةُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ بَيِّنَةٌ وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةٌ فَبَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ كَمَا لَوْ ذَكَرْنَا وَقْتًا وَاحِدًا فَيَتَعَارَضَانِ. اهـ. كَلَامُ شُرَيْحٍ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عَقِبَهُ وَهَذَا قَدْ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. وَمُنَازَعَتُهُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ سِيَّمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّ

ص: 118

قِيَاسَ مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَالِ مُقَدَّمَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ بِهَا شَغْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ تَعْقِيبِ الْمُسْقِطِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ شُرَيْحٌ إلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْهِمَا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ أَبِي عَمْرٍو فِيهَا إقْرَارَانِ مُتَعَارِضَانِ لَا يَسْتَدْعِي أَحَدُهُمَا قِدَمَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ شَيْءٍ مُسْتَحَقٍّ أُقِرَّ بِانْتِفَائِهِ بَلْ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ هَذَا مِمَّنْ لَا دَيْنَ لَهُ وَلَا حَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ شُرَيْحٍ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْتَلْزِمُ مُبَرَّأً مِنْهُ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْمَالِ فَلِذَا قُدِّمَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاق بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ فَتَقْدِيمُهَا لِاعْتِضَادِهَا بِمَا ذُكِرَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَأَخُّرِهَا عَنْ شَغْلِ الذِّمَّةِ وَرَفْعِهَا لِمَا اشْتَغَلَتْ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو قُلْت يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِبْرَاءِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ تَقَدُّمِ الْإِبْرَاءِ مِنْ دَيْنٍ آخَرَ أَوْ لَا مِنْ دَيْنٍ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَالِ الشَّاهِدَةُ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْمُعَارِضَةُ لِبَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ فَلَيْسَ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ لِذَلِكَ فَحَسْبُ

وَإِنْ تُوُهِّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ بَلْ لِكَوْنِهَا اعْتَضَدَتْ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ لَهُ سَبَبَانِ اسْتِلْزَامُهَا أَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَاعْتِضَادُهَا بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو لِاعْتِضَادِهَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهَا السَّبَبُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي النَّظَرُ إلَيْهِ مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِلْزَامَ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ تَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا بَعْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى بِخُصُوصِهِ وَوَاضِحٌ أَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ هَذَا الْخَاصَّ فَكَانَ الْأَوْلَى تَعْلِيلُ تَقْدِيمِهَا بِاعْتِضَادِهَا بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْخَاصُّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ غَيْرِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ قُلْت وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اسْتِلْزَامَهُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا اعْتَضَدَتْ تِلْكَ الْإِشَارَةُ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ اقْتَضَتْ تَرْجِيحَ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ وَكَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو وَاعْتَضَدَتْ بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ يُعَضِّدُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ زَيْدٍ لَهُ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِهَا لِزَيْدٍ قَبْلَهُ وَجُهِلَ التَّارِيخُ. أُقِرَّتْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا انْبَهَمَ تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي وَضْعِ الْيَدِ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يَرْفَعُهُ وَحِينَئِذٍ فَقِيَاسُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا انْبَهَمَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ النَّافِيَةِ إلَّا أَنَّ مَآلَ هَذَا وَذَيْنَك إلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُدَّعِي وَبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَانْتَفَتْ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَالُ لِأَبِي عَمْرٍو إمَّا أَنْ تَنْظُرَ إلَى أَنَّ لِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُرَجِّحًا فَهُوَ لِلنَّافِيَةِ فَقَطْ وَإِمَّا أَنْ تَنْظُرَ إلَى أَنْ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِي جِهَتِهِ.

، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِهِ وَأَنَّ هَذَا مُرَجِّحٌ لِلْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالنِّزَاعِ؛ لِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَاهُ قُلْنَا عَارَضَهُ أَصْلُ الْبَرَاءَةِ الْمُرَجِّحُ لِلنَّافِيَةِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ نَظَرًا إلَى مُعَارِضِهِ قُلْنَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِنْهَا مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو عَمْرٍو وَنَفْسُهُ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَالِكَ هَذِهِ الدَّارِ رَهَنَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَقْبَضَهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ مَثَلًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا شَهْرًا مِنْ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ صِحَّةَ الرَّهْنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَيَتَسَاقَطَانِ فَلَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ وَلَا الْإِقْرَارُ. اهـ. فَكَمَا حُكِمَ بِالتَّعَارُضِ هُنَا وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّهْنِ تَحَقَّقَ بِهَا شُغْلُ الْعَيْنِ وَشَكَكْنَا فِي تَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ الشَّاهِدِ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطُ أَعْنِي الرَّهْنَ بِالِاحْتِمَالِ فَكَانَ قِيَاسُ

ص: 119

مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ التَّعَارُضِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِهِ السَّابِقَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَقُولُ فِي الْأُولَى بِتَقْدِيمِ الْمُثْبِتَةِ وَيَقُولُ هُنَا بِالتَّعَارُضِ فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ أَيْ نَظَرٌ لِاسْتِوَاءِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَجِيءِ نَظِيرِ مَا عَلَّلَ بِهِ تِلْكَ فِي هَذِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ وَيَلْزَمُ مِنْ مَجِيءِ عِلَّتِهِ الَّتِي قَالَهَا، ثُمَّ هُنَا اسْتِوَاؤُهُمَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

فَعُدُولُهُ عَنْهُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْعِلَّةِ يَقْدَحُ فِيمَا قَالَهُ فِي تِلْكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَجْهَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، ثُمَّ أَيْضًا وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ)(- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ امْرَأَةٍ سَاكِنَةٍ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ زَوْجُهَا قَالَ لَهَا الْمَالِكُ إنَّك وَجَدْت فِي الدَّارِ كِيسًا لِمُوَرِّثِنَا ضِمْنُهُ عَشْرَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَأَجَابَتْ بِأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ إلَّا أَلْفَ دِينَارٍ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ مُعْتَبَرٌ فَيَلْزَمُهَا مَا أَقَرَّتْ بِهِ لِمَالِك الدَّارِ وَهَلْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا لِلدِّينَارِ بِغَيْرِ مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ وَهَلْ الْيَدُ عَلَى الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ لِلْمَالِكِ وَهَلْ فِي ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهَا وَهَلْ عَدَمُ تَعْيِينِهَا بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فِي الدَّارِ يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِ مُؤَاخَذَتِهَا بِالْإِقْرَارِ.

وَهَلْ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِصُورَةِ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هَلْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، ثُمَّ اسْتَفْسَرَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِمَا صُورَتُهُ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ إقْرَارِهَا لَمْ أَجِدْ لَهُ إلَّا أَلْفَ دِينَارٍ كَانَ إقْرَارًا مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ خُذْهُ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا أَوْ لَا أُنْكِرُ أَوْ قَالَ أَظُنُّ أَوْ أَحَسَب أَوْ أُقَدِّرُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

قَالُوا وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ غَيْرَ عَشْرَةِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مَعَ مِائَةِ لَمْ تَجِبْ الْأَلْفُ وَلَا الْمِائَةُ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَإِذَا قُلْنَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهَا لِلدِّينَارِ بِغَيْرِ مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا إنْ وَصَلْته بِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ وَالْيَدُ عَلَى الدَّفِينِ الَّذِي فِي الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِاتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ إلَّا الْمُزَنِيَّ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ قَالُوا لَكِنَّ مَحَلَّ تَصْدِيقِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يُحْتَمَلُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ الدَّفِينُ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ بَعْدَ عَوْدِهَا إلَى الْمَالِكِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا دَفَنْته بَعْدَ عَوْدِ الدَّارِ إلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ قَالَ كَانَ مَدْفُونًا قَبْلَ وَضْعِ الْمُسْتَأْجِرِ يَدَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ اعْتَرَفَ بِحُصُولِ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَفْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ الرُّجُوعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ بِتَفْصِيلِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُعَيِّنَ مَحَلًّا مَخْصُوصًا مِنْ الدَّارِ وَعَلَى الْحَاكِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَدَّدَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُحَرِّرَهُ وَيَحْكُمَ بِمُوجِبِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدَهُ لَفْظُ الشُّهُودِ بِالْإِقْرَارِ اسْتَعَادَ شَهَادَتَهُمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ ثَانِيًا كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغَزِّيِّ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَعْلِيمُ الشَّاهِدِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ فَلَوْ فَعَلَ وَأَدَّى الشَّاهِدُ بِتَعْلِيمِهِ اُعْتُدَّ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّأْجِيلَ وَالْأَصَحُّ وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ أَيْسَرْت فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ بَطَلَ أَوْ التَّأْجِيلَ صَحَّ وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ صَحَّ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ لِآخَرَ فِي غَيْبَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ الْمُقَرَّ لَهُ وَيَرُدُّ الْإِقْرَارَ فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ عَدَمُ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَذَبَ بَطَلَ الْإِقْرَارُ وَإِلَّا صَحَّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَسْمَعَ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ

ص: 120

يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ مَلَّكَهُ وَرَثَتَهُ إنْ لَمْ تُكَذِّبْ الْمُقَرَّ لَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ بِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ ثَابِتٍ مَحْكُومٍ بِهِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَلَهُ عَقَارَاتٌ فَمَرِضَ مَرَضًا مَاتَ بِهِ فَأَقَرَّ فِي الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَنَّ وَلَدَهُ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَقَارَاتِ كَذَا وَابْنَتَهُ تَسْتَحِقُّ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا إلَى أَنْ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْعَقَارَاتِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُوَفَّى بِهِ دَيْنُهُ وَمَاتَ فَهَلْ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَلَدِهِ بِعَقَارٍ هُوَ مَعْرُوفٌ بِهِ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ مَانِعٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْوَلَدِ إلَّا كَانَ حَيًّا أَمْ يُحْمَلُ عَلَى تَبَرُّعِ الْمَرِيضِ فِي الْمَرَضِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً وَلَا يَسْرِي إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلَا يُمْنَعُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ مَلَّكَ وَارِثَهُ كَذَا وَقَالَ فِي عَيْنٍ عُرِفَ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْمَرِيضِ هَذِهِ مِلْكٌ لِوَارِثِي فَلْيُنْزَلْ ذَلِكَ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى إقْرَارِ الْمُفْلِسِ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَرِيضَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِإِبْرَاءِ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي الْمَرَضِ وَلَهُ نَظِيرٌ فِي إقْرَارِ الْوَالِدِ بِمِلْكٍ لِلِابْنِ إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْهِبَةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ. اهـ.

وَقَدْ اخْتَصَرَ الْبُلْقِينِيُّ كَلَامَ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي الْمَرَضِ أَنَّهَا أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ بِأَنَّهُ وَهَبَ لِوَارِثِهِ فِي الصِّحَّةِ أَيْ وَالْأَصَحُّ مِنْهُ الْقَبُولُ ثَمَّ فَكَذَا هُنَا قَالَ وَلَوْ أَطْلَقَ الْمَرِيضُ الْإِقْرَارَ بِالْعِتْقِ حُمِلَ عَلَى عِتْقِهِ فِي الْمَرَضِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِبَةِ عَيْنٍ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَهَا فِي الْمَرَضِ وَيُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَوْ أَطْلَقَتْ الْمَرِيضَةُ أَنَّهَا أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَصِحُّ أَيْ إنْ لَمْ يُجِزْهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ. اهـ. وَالرَّاجِحُ فِي النَّظِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَالْهَرَوِيِّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ أَيْ: تَنْزِيلًا عَلَى أَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ وَأَدْنَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ أَنَّ الْأَبَ وَهَبَهُ لَهُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يُنَزَّلُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْأَضْعَفِ وَهُوَ وُقُوعُ التَّمْلِيكِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ حَتَّى يَكُونَ تَبَرُّعًا وَلِلدَّائِنِ رَدُّ التَّبَرُّعِ مَحْسُوبًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَإِلَّا وُقِفَ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ رَجَّحَ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ مُقَابِلَ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ فَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ ابْنِي وَهِيَ فِي يَدِي أَمَانَةٌ مَثَلًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ لَهُ مَثَلًا ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ مَثَلًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ وَكَذَّبَهُ الْوَلَدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلَدِ. اهـ.

وَرَجَّحَ هَذَا فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَنَافٍ وَلَا تَنَافِيَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأُولَى تَأَخُّرُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةِ الْمَرَضِ فَاعْتَضَدَتْ دَعْوَى وُقُوعِهِ فِيهِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَقُبِلَتْ وَالْأَصْلُ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ بَقَاءُ مِلْكِ الِابْنِ فَاعْتَضَدَتْ دَعْوَاهُ تَكْذِيبَ الْوَالِدِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَصُدِّقَ دُونَ الْوَالِدِ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا مِلْكَهُ وَشَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِهِ وَهُوَ الْهِبَةُ فَلَمْ يُصَدَّقْ مُدَّعِيهَا وَهَذَا وَإِنْ دَفَعَ التَّنَاقُضَ عَنْ الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَ مَا قَالَهُ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ لِمَا مَرَّ مِنْ رَدِّهِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مُوَافَقَةَ الْقَاضِي هُنَا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ رَدَّهُ بِأَنَّا نَتَمَسَّكُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُطْلَقَ مُنَزَّلٌ عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا كَمَا يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ الْمِقْدَارَيْنِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْأَصْلُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْعَبَّادِيُّ فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَلَا يَرُدُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مُطْلَقًا، ثُمَّ فَسَّرَ بِثَمَنٍ مَبِيعٍ لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ وَالْإِلْزَامَ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمُوجِبِ قَوْلِهِ عَلَيَّ نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُ النَّوَوِيِّ لَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ وَمَاتَ وَادَّعَى الْوَارِثُ كَوْنَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ وَادَّعَى الْمُتَّهَبُ كَوْنَهُ فِي الصِّحَّةِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ. اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَلْزِمَةً لِمِلْكِ الْمُتَّهَبِ فَادِّعَاءُ الْوَارِثِ وُقُوعَهَا فِي الْمَرَضِ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ وَرَفْعٌ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ رَفْعِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ

ص: 121

وُقُوعُهُ فِي الْمَرَضِ فَصَدَّقْنَا الْمُتَّهَبِ لِذَلِكَ إذْ لَا قَرِينَةَ وَلَا أَصْلَ يَدُلَّانِ عَلَى خِلَافِ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي فَالْقَرِينَةُ تُصَدِّقُ الْوَارِثَ وَهِيَ وُقُوعُ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ وَكَوْنُ الْعَيْنِ مَعْرُوفَةً بِأَنَّهَا لَهُ إلَى حَالَةِ مَرَضِهِ وَحِينَئِذٍ فَتَنْزِيلُ الْإِقْرَارِ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ سَابِقٍ وَيَكْفِي فِي تَحَقُّقِ سَبْقِهِ كَوْنُهُ قَبْلَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ فَنُزِّلَ عَلَيْهَا لِلِاعْتِضَادِ بِهَاتَيْنِ الْقَرِينَتَيْنِ الظَّاهِرَتَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يَنْدَفِعُ اعْتِمَادُ الْبُلْقِينِيُّ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا قَوْلُ الْقَمُولِيِّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي تَنْزِيلُ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ عَلَى الْمَرَضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمَرَضِ عَلَى بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ. اهـ.

وَبِمَا تَقَرَّرَ اتَّجَهَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ صُورَةُ السُّؤَالِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ مَا يُوَافِقُهُ فَقَالَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ أَيْ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالْعَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا تَحَقَّقَ مِلْكُهُ لِلْعَيْنِ إلَى حَالَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهَا مُطْلَقًا وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ هُوَ عَنْ هِبَةٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ عَنْ مُعَاوَضَةٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ نَظِيرُ الْأَبِ يُقِرُّ لِوَلَدِهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُفَسِّرُهُ بِالْهِبَةِ لِيَرْجِعَ فَيُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ.

وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ شَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهَا فَقَالَ فِيهَا شَخْصٌ أَقَرَّ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَعْيَانٍ هَلْ يَحْتَاجُ لِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَجَابَ إذَا ظَهَرَ مَا يَقْتَضِي صُدُورَ انْتِقَالِ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الصِّحَّةِ لِمَنْ ذَكَرَ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِعِوَضٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ كَانَ مَالِكَهُ إلَى حَالَةِ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِيَمِينِهِ وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ. اهـ.

وَفِي الْأَشْرَافِ لِلْهَرَوِيِّ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَثَلًا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ قَالَ السُّبْكِيّ: وَهَذَا فِي بَيِّنَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ وَبَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ تَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ. اهـ.

وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَحَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَتَنْزِيلِهِ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ وَبَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِقْرَارِ وَنُزِّلَ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرُوا فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي مَا تَدَّعِيه أَنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا فَهَلْ أَجَرَنِي كَذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِالْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ شَرْطُ مُلْحَقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أُقِرَّ بِعَمٍّ وَهُوَ حَائِزٌ تَرِكَةَ أَبِيهِ الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ جَدِّهِ فَلَا إلْحَاقَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَ عَمُّهُ الْكَافِرُ فَحَقَّ الْإِلْحَاقُ بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَا لِابْنِهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَقَدْ يُجَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ حَقَّ الْإِلْحَاقِ ثَبَتَ لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ عَلَى انْفِرَادِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ بِمَوْتِهِ لِابْنِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْمُورَثِ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ فَطُرُوِّ إسْلَامِ الِابْنِ لَا يَرْفَعُ مَا ثَبَتَ لِابْنِ الْمُسْلِمِ مِنْ حَقِّ الْإِلْحَاقِ فَاخْتَصَّ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ عَمُّهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ وَهُوَ الْكُفْرُ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ لِمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْته.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّ لِوَلَدِهِ بِدُورٍ بِمَكْتُوبٍ لَكِنَّ صِيغَةَ لَفْظِ الْمَكْتُوبِ وَأَقَرَّ الْمُشْهَدُ

ص: 122

الْمَذْكُورُ أَنَّ الدُّورَ الْمُخَلَّفَةَ عَنْ وَالِدِهِ مِلْكٌ لِوَلَدِهِ فُلَانٍ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ عُلِمَ قَصْدُ الْمُقِرِّ أَوْ جُهِلَ لِمَوْتِهِ مِنْ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ بِهِ حَالَ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي لِفُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَوَجْهُهُ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ التَّنَاقُضِ فِيمَا هُوَ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ دَارِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ لِلسُّكْنَى أَوْ الْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِضَافَةِ الْمِلْكُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّنَاقُضِ.

وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ نَقَلَهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ فِيهَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ مَمْنُوعٌ بَلْ تَوَارَدَا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْته نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ هَذَا قَوْلُهُ نَفْسَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي تَرَكَهَا أَبِي لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَيُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَرَكَهَا أَبِي لَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ مِلْكٍ لَهُ صَرِيحًا وَلَا لُزُومًا بِخِلَافِ وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مِلْكِهِ لَهَا بِالْإِرْثِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَيْنُ الْفُلَانِيَّةُ تَرِكَةُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ وَلَا لِوَارِثِهِ بِالْيَدِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ: لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهُوَ إلْزَامُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَرَكَهَا أَبِي لَا يَسْتَدْعِي مِلْكَهُ وَلَا مِلْكَ أَبِيهِ لَهَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا مَعَهُ إذْ لَا مَانِع فِيهِ بِخِلَافِ وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمِلْكِ الْمُنَافِي لِلْإِقْرَارِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُوَثِّقِ وَأَقَرَّ الْمُشْهَدُ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِلَفْظِ كَلَامِ الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنْ يَكُونَ عَبَّرَ عَمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ بِحَسَبِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ فَهْمُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْهُ الدُّورُ الَّتِي وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي لِوَلَدِي فُلَانٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْكُومٌ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الدُّورُ الْمُخَلَّفَةُ لِي عَنْ وَالِدِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الدُّورُ الَّتِي تَرَكَهَا أَوْ خَلَّفَهَا وَالِدِي لِفُلَانٍ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُ الْمُوَثِّقِ فَقَاعِدَةُ بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَقِينِ مَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا قَوِيًّا فِي خِلَافِهِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْمُوَثِّقِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَقَرَّ إلَخْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَمَعْنَيَيْنِ بَاطِلَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْمَعَانِي أَظْهَرَ مِنْهُ فِي الْآخَرِ فَلَا وَجْهَ لِتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا بِأَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُوَثِّقِ أَنَّهُ يَحْكِي لَفْظَ الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ الْعَمَلُ بِهِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ إنْ سَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّاهِرِ يُرَجَّحُ بِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ أَشْيَاءُ وَمَيْلُ النَّفْسِ الْآنَ إلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِبَارَةِ الْمُوَثِّقِ الْمَذْكُورَةِ لِاحْتِمَالِهَا وَعَدَمِ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَعَانِيهَا عَلَى بَعْضٍ بِمُرَجِّحٍ قَوِيٍّ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي عَدَمِ النَّظَرِ إلَى ظَوَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَحَرِّي الْيَقِينِ مَا أَمْكَنَ عُلِمَ صِحَّةُ مَا ذَكَرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَابَ فَادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ شَافِعِيٍّ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ شَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا بِيَدِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ كَذَلِكَ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ مَعَ الْجَهْلِ؟

(فَأَجَابَ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ وَقُبِلَتْ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ مَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ يَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَوْ أَعْيَانٍ هَلْ كَانَتْ بِيَدِهِ إذْ ذَاكَ يَصْدُقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَى الْمُقِرِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَمِثْلُهُمَا وَارِثَاهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا قَالَ شَخْصٌ ذُو أَوْلَادٍ مَعَهُ فِي بَلَدِهِ لِي وَلَدٌ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ فَإِذَا مَاتَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَوْلَادِهِ حِصَّةَ وَلَدٍ وَيَحْفَظَهَا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَخْذًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَمَتَانِ فَأَتَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِوَلَدٍ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ ابْنِي فَهَلْ يُوقَفُ مِيرَاثُ ابْنٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُوقَفُ فَكَذَا يُقَالُ فِي صُورَةِ

ص: 123

السُّؤَالِ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لِشَخْصٍ فَهَلْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ كَإِقْرَارِ الْمُفْلِسِ بِالْأَعْيَانِ بَلْ أَوْلَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا اُسْتُلْحِقَ شَخْصٌ وَصَدَّقَ الْمُسْتَلْحَقُ بِأَنَّهُ أَبُوهُ ثَمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ انْتَسَبَ لِشَرِيفٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِاسْتِلْحَاقِهِ أَوْ وِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ وَلَا بَيِّنَتُهُ نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ بِاسْتِلْحَاقِ الشَّرِيفِ لَهُ فِي صِغَرِهِ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِ الثَّانِي سُمِعَتْ وَكَذَا إنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ قَالَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ اُشْتُرِطَ تَعَرُّضُهَا لِشُرُوطِهِ.

(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ بِإِقْرَارٍ صُورَتُهُ أَقَرَّ فُلَانٌ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِبَنَاتِهِ مَبْلَغًا جُمْلَتُهُ كَذَا وَأَنَّ ذَلِكَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ لَهُنَّ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ بَاعَ لَهُنَّ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ فُلَانَةَ بِوَادِي كَذَا وَقَبَضَ لَهُنَّ صُرَّا وَمَعَالِيمَ وَأُجْرَةَ بُيُوتٍ وَغِلَالًا وَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالُ أَنَّ وَالِدَةَ الْبَنَاتِ أَقَرَّتْ لِبَنَاتِهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا مِنْ الْعَقَارِ مِلْكٌ لَهُنَّ ثَمَّ تُوُفِّيَتْ الْأُمُّ بَعْدَ وَضْعِ يَدِ وَالِدِهِنَّ عَلَى الْعَقَارِ وَبَاعَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ وَفَاتِهَا وَتَضَمَّنَ هَذَا الْإِقْرَارَ وَغَيْرَهُ مَسْطُورٌ شَرْعِيٌّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ ثَبَتَ عِنْدِي ذَلِكَ وَحَكَمْت بِمُوجِبِهِ فَهَلْ يَتَضَمَّنُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَ مَقَاصِدِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى مَقَاصِدِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِشُمُولِهِ لِلْمَقَاصِدِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يَتَسَلَّطُ عَلَى قَوْلِهِ بَاعَ لَهُنَّ إلَخْ وَيَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ كَوْنِ الْأَمَاكِنِ مُخَلَّفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ حَتَّى يَكُونَ لِوَارِثٍ غَيْرِهِنَّ التَّمَسُّكُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ هَذَا الْمُخَلَّفِ.

وَإِذَا قُلْتُمْ بِشُمُولِهِ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ فَهَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُنَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَاعَ فَقَطْ أَوْ بِهِ وَبِقَوْلِهِ مُخَلَّفَةٌ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَانِعًا لِلْغَيْرِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ إلَّا مَا هُوَ مُخَلَّفٌ لَهُنَّ أَوْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى التَّعَلُّقِ بِقَوْلِهِ بَاعَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مُخَلَّفَةٌ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ شُمُولِ الْحُكْمِ لِلْمَقَاصِدِ فَهَلْ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي غَيْرِ الْمَقَاصِدِ وَمَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِمَا يَقْتَضِيه نَظَرُهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجِبِ كَذَا أَوْ بِالْمُوجِبِ فِي كَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْحَاكِمِ فَقَدْ أَتَى بِصِيغَةٍ شَامِلَةٍ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى جَمِيعِ الْآثَارِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَنَاوُلِهِ الْآثَارَ الْمَقْصُودَةَ وَغَيْرَهَا فَيَتَسَلَّطُ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحَكَمْتُ بِمُوجِبِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ بَاعَ لَهُنَّ إلَخْ وَمَعَ شُمُولِهِ لِذَلِكَ وَكَوْنِهِ حُكْمًا بِمَا يَضْمَنُهُ فَلَيْسَ لِوَارِثٍ غَيْرِهِنَّ مُطَالَبَتُهُنَّ مِنْ هَذَا الْمُخْلِف بِمَا يَخُصُّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ صَرِيحًا بَلْ وَلَا دَالًّا دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مُخَلَّفِ تِلْكَ الْوَالِدَةِ جَمِيعِهِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُتَرَتِّبَ فِي ذِمَّتِهِ لِبَنَاتِهِ لَهُ أَسْبَابٌ مِنْ جُمْلَتِهَا بَيْعُ أَمَاكِنَ لَهُنَّ مُخَلَّفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ فَجَعْلُهُ هَذَا سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ لَهُنَّ إلَّا مَا خَصَّهُنَّ مِنْ مُخَلَّفِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مَا خَصَّ غَيْرَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَسِيَاقَهُ يَنْبُو عَنْ بَيْعِهِ مَا خَصَّ غَيْرَهُنَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَاللَّفْظُ الْمُحْتَمَلُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْإِقْرَارِ عِنْدَنَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَيْ مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَلِهَذَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا أَلْزَمَهُ إلَّا ظَاهِرَ مَا أَقَرَّ بِهِ بَيِّنًا وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَا قَالَ.

وَمِنْ هُنَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ ظُهُورُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ مُخَلَّفَةٌ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ مُخَلَّفَاتِهَا وَلَا عَلَى بَعْضِهِ الشَّامِلِ لِحِصَّةِ بَقِيَّةِ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بَلْ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُلْزِمَ بِهِ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ لِلْوَارِثِ حَتَّى يَطْلُبَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا تَقَرَّرَ أَنْ يُعَلَّقَ قَوْلُهُ لَهُنَّ بِمُخَلَّفَةٍ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بُعْدٍ وَبَيْنَ أَنْ يُعَلَّقَ بِبَاعَ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا أَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ مُخَالِفٍ لَلشَّافِعِيِّ

ص: 124

أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ مَا شَمِلَهُ حُكْمُهُ بِالْمُوجِبِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِمُوجِبِهِ وَغَيْرِ مَقَاصِدِهِ مِنْ جَمِيعِ الْآثَارِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته فِي مُخَلَّفَةٍ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَالَ الْعَيْنُ الْفُلَانِيَّةُ تَرِكَةُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِفُلَانٍ وَلَا لِوَارِثِهِ وَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْيَدِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهُوَ إلْزَامُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ اهـ.

وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مُخَلَّفَةٌ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ لِلْوَارِثِ عَلَى تَرِكَةِ الْمُقِرِّ بِشَيْءٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَا لِلْوَالِدَةِ وَلَا لِوَارِثِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ فِي مَكْتُوبٍ وَصِيَّتَهُ لِوَلَدَيْهِ مَحْمُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ مَثَلًا بِالسَّوِيَّةِ بِمِلْكِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ الْكَبِيرِ الْكَائِنِ بِالْحِجَازِ بِضَيْعَةِ كَذَا وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَأَخْشَابٍ وَفَوَاكِهَ وَسَائِرِ حُقُوقِهِ مِلْكًا شَرْعِيًّا وَأَقَرَّ أَيْضًا لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ مَثَلًا بِمِلْكِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ الْكَائِنِ بِالْحِجَازِ بِالضَّيْعَةِ الَّتِي بِهَا الْبُسْتَانُ الْكَبِيرُ الْمَذْكُورُ أَعْلَاهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ مِنْ سَقِيَّةٍ وَبِنَاءٍ هَذَا صُورَةُ لَفْظِهِ فِي مَكْتُوبٍ وَقَفَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ سَقِيَّةِ كُلِّ بُسْتَانٍ مِنْهُمَا مِنْ قَرَارِ الضَّيْعَةِ الْمُسَمَّاةِ أَعْلَاهُ الْكَائِنُ بِهَا الْبُسْتَانَانِ الْمَذْكُورَانِ فَإِذَا كَانَ بِيَدِ الْمُقِرِّ الْمَذْكُورِ سَقِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبُسْتَانَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْبُسْتَانَيْنِ سَقِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ مُعْتَادَةٌ حَالَ الْإِقْرَارِ نَزَلَ الْإِقْرَارُ عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مَالِكُ كُلِّ بُسْتَانٍ إلَّا قَدْرَ تِلْكَ السَّقِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةً نَزَلَ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ كُلِّ بُسْتَانٍ إلَّا قَدْرَ مَا يَكْفِي بُسْتَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ عَبَّرَ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ وَسَائِرُ أَوْ جَمِيعُ حُقُوقِهِ وَالْحَقُّ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ تَفَقُّهًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ بَغِيٍّ رُمِيَتْ بِابْنِهَا بِزِنًا فَنَفَاهُ فَنَفَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَعَهَا نِكَاحٌ وَلَا وَطْءٌ مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ هَذَا وَلَدِي جَاهِلًا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الْإِقْرَارِ لِجَهْلِهِ وَهَلْ لَوْ قَالَ لِمَجْهُولِ الْأَبِ هَذَا وَلَدِي عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ يَلْحَقُهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَفْيُهُ الْأَوَّلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهِ فَيَلْحَقُهُ بِقَوْلِهِ هَذَا وَلَدِي حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ وَإِنْ جَهِلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ نَفْيَهُ الْأَوَّلَ يَمْنَعُ مُؤَاخَذَتَهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَرُجُوعُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوِفَاقًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْعِمْرَانِيِّ وَصَاحِبِ الِانْتِصَارِ وَالْفَارِقِيِّ.

قَالَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ هَاتَيْنِ الْمَقَالَتَيْنِ قَبْلُ وَلَمْ يُفْصِحَا بِتَرْجِيحٍ وَعَدَمُ تَصْرِيحِهِمَا بِالتَّرْجِيحِ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُمَا تَرَكَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ كَلَامِهِمَا إذْ قِيَاسُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ وَرَجَعَ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعْلُومٌ ضَعْفَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا مِنْ أَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ وَمَنْ نَقَلَهُمَا بَعْدَهُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ مَا مَرَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَأَقَرَّاهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا فَكَذَّبَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَنْدَفِعْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُقَرُّ لَهُ تَحْلِيفَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ. اهـ. فَقَدْ أَقَرَّ الشَّيْخَانِ ابْنَ الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِقْرَارَ وَقَوْلَهُمَا عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي غَيْرَ مَا فِي شَامِلِهِ إذْ الَّذِي فِيهِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا فِي الذَّخَائِرِ وَغَيْرِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الرُّجُوعِ فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُسْتَلْحَقُ لَمْ يُقْبَلْ جَزْمًا وَإِنْ ادَّعَى جَهْلًا وَنَحْوَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي وَفَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ لَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ وَلَدَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي اللَّقِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الْمُسْتَلْحَقِ بَيْنَ الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْمُلْتَقِطِ مِنْ أَيْنَ هُوَ لَك فَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ الِالْتِقَاطَ

ص: 125

يُفِيدُ النَّسَبَ. اهـ.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ إقْرَارِهِ فِي جَوَابِ قَوْلِنَا مِنْ أَيْنَ هُوَ لَك هُوَ مِنْ الِالْتِقَاطِ لِأَنِّي أَرَاهُ يُفِيدُ النَّسَبَ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا إذَا قَالَ أَقْرَرْت بِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَلْحَقُ الزَّانِيَ قُلْت لَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا ذَكَرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَيَعْتَقِدُ كَثِيرٌ أَنَّهُ يُفِيدُ النَّسَبَ فَسُنَّ سُؤَالُهُ لِيُزَالَ تَوَهُّمُ إفَادَتِهِ لِلنَّسَبِ وَيَبْطُلُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ كَوْنِهِ وَلَدَهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ بَلْ نُبْطِلُهُ وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا اسْتِنَادَهُ إلَى أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَقَعُ فِي اعْتِقَادِ كَثِيرٍ مِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ مَجْهُولًا وَلَدُهُ لَيْسَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَة وَلَا خَفِيَّةٌ تُخَالِفُ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى يَحْتَمِلَ إسْنَادُهُ إلَيْهَا فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ مُطْلَقًا إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ أَلْبَتَّةَ وَدَعْوَاهُ اعْتِقَادَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَلْحَقُ الزَّانِيَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ تُسَاعِدُهُ وَلَا ظَاهِرَ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَأَعْمَلْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ عُلِمَ اسْتِنَادُ إقْرَارِهِ إلَى الِالْتِقَاطِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَزَالَ نَسَبُ اللَّقِيطِ عَنْهُ مُطْلَقًا فَقَوْلُ الْأَزْرَقِيِّ كَابْنِ عُجَيْلٍ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ حَتَّى إذَا مَاتَ وَرِثَهُ اللَّقِيطُ وَلَا عَكْسَ ضَعِيفٌ بَلْ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا لِمَا قَرَّرْته

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ وَنَحْوَهَا مِلْكٌ لِشَخْصٍ بَالِغٍ مُكَلَّفٍ أَوْ قَاصِرٍ فَهَلْ يَمْلِكُ الشَّخْصُ الْمُقَرُّ لَهُ بِتَصْدِيقِهِ أَوْ الْقَاصِرُ بِتَصْدِيقِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ فِي حَالِ قُصُورِهِ بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَبُولِ وَالْإِذْنِ فِي قَبْضِهِ إذَا قُلْتُمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ وَالْإِذْنِ فِي حَوْزِهِ إذَا جَعَلْتُمُوهُ إنْشَاءً؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ فِي دَارٍ لِآخَرَ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ شُرُوطِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ تَكْذِيبِهِ

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى كِتَابًا مَثَلًا مِنْ شَخْصٍ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْقُوفٌ فَهَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ هَذَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ إذَا قَصَدَ بِشِرَاءِ هَذَا الْكِتَابِ اسْتِخْرَاجَهُ وَاسْتِنْقَاذَ الْوَقْفِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَانْدِرَاسِهِ بِتَدَاوُلِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَسِيرًا مُسْلِمًا حُرًّا مِنْ كَافِرٍ صَحَّ اسْتِنْقَاذًا لَا تَمْلِيكًا وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِمَنْ شَهِدَ بِطَلَاقِ امْرَأَةِ فَرْدٍ مَثَلًا ثُمَّ اخْتَلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ.

وَكَمَا لَوْ قَالَ فِي عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ هُوَ حُرٌّ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ تَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ صَدَّقَهُ الشَّرْعُ وَهُوَ الْبَائِعُ لِكَوْنِهِ ذَا يَدٍ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ عُمَرَ أَغْصَبَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ عُمَرَ وَصَحَّ الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ أَوْ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ هَذَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانَةَ أُخْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ عَلِمَ الْوَقْفَ كَانَ شِرَاؤُهُ افْتِدَاءَ نَظِيرِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ ظَنَّهُ صَحَّ شِرَاؤُهُ ظَاهِرًا وَأُدِيرَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ فَيُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ وَمُجَرَّدُ ظَنِّ الْمُشْتَرِي وَإِنْ اعْتَضَدَ بِقَرَائِنَ لَا يَرْفَعُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لَا يُنَافِيه مَا قَالُوهُ فِي فُلَانَةُ أُخْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُهَا بَلْ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَكِنْ مِنْ زِنَاهُ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَهَلْ يَرِثُهُ الْمُقَرُّ بِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ هَذَا ابْنِي وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ الْمُقَرَّرَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ مِنْ زِنًا بَلْ يَصِيرُ وَلَدُهُ يَرِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ وَهُوَ أَعْنِي ذَلِكَ الرَّفْعَ لَا يُقْبَلُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَكِنْ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ وَيَلْغُو قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ فَكَذَا يَصِيرُ هُنَا ابْنَهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ زِنًا فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي فَإِنْ قَالَ مُنْفَصِلًا أَرَدْت مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ أَوْ مُتَّصِلًا قُبِلَ فَهَلَّا جَرَى هَذَا التَّفْصِيلُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذَا وَصُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ زِنًا رَافِعٌ لِلْإِقْرَارِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَوْ قَبِلْنَاهُ لَرَفَعْنَا إقْرَارَهُ بِكَوْنِهِ ابْنَهُ وَأَبْطَلْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ الْأُخُوَّةَ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ فَهُوَ غَيْرُ رَافِعٍ لِلْإِقْرَارِ بَلْ مُخَصِّصٌ لَهُ فَإِنَّ الرَّضَاعَ وَإِنْ كَانَ

ص: 126

كَالنَّسَبِ لَكِنْ لَا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَشَأْنُ الْمُخَصِّصِ لِلْإِقْرَارِ أَنَّهُ يُقْبَلُ إنْ اتَّصَلَ لَا إنْ انْفَصَلَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَفَسَّرَهُ بِنَاقِصٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا وَارِثَهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ مَا الْحُكْمُ؟

(فَأَجَابَ) يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ وَيُقْبَلُ حَصْرُهُ الْإِرْثَ فِيهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتُهُ فَقَالَ يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ وَكَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ قَالَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ.

وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ فِي الْحَصْرِ الشَّرْعُ فَلَوْ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدٍ مِنْهُ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ النَّفْيِ لَمْ يُقْبَلْ حَصْرُهُ الْوَرَثَةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَلَدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِوَقْفِيَّةِ مِلْكٍ فِي يَدِهِ لِعَمْرٍو مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِبَكْرٍ يُؤَاخَذُ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي أَمْ لَا وَمَا مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا تَكُونَ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْ غَيْرِ جِهَةِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَنْوَارِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ لَوْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ آخَذْنَاهُ بِمَا يَخُصُّهُ لِلْجَامِعِ بَيْنَهُمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْحُكْمِ بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَتَصَرُّفِهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا وَكَوْنُهُ مُسْتَقِلًّا بِالْيَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ يَدِهِ كَذَلِكَ كَانَ كَلَامُهُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا دَعْوَى عَيْنٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِمَّا شَهَادَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا لَكِنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ عُومِلَ الْآنَ بِقَضِيَّةِ إقْرَارِهِ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَلَوْ أَقَرَّ أَجْنَبِيٌّ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ، ثُمَّ مَلَكَ تَرِكَتَهُ قَضَى ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْهَا مُعَامَلَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ لِعَمْرٍو وَدِيعَةً مَثَلًا فَأَقَرَّ بِوَقْفِيَّتِهَا مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِعَمْرٍو يَكُونُ إقْرَارُهُ الْآنَ لَغْوًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيهَا وَيُؤَاخَذَ بِهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ يَدِهِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِنَحْوِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِبَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِإِقْرَارِهِ بِوَقْفِيَّتِهَا قَبْلَ إقْرَارِهِ لَهُ بِمِلْكِهَا فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُمْ وَمِنْهُ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ أَقَرَّ بِمِثْلِيٍّ أَوْ مُتَقَوِّمٍ كَدَارٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا عَلَى التَّرَاخِي أَوْ الْفَوْرِيَّةِ لِعَمْرٍو بَعْدَ إقْرَارِهِ لِزَيْدٍ كَأَنْ قَالَ هَذَا لِزَيْدٍ، ثُمَّ لِعَمْرٍو أَوْ بَلْ لِعَمْرٍو أَوَّلًا بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْته مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ أَوْ بَلْ أَوَّلًا مِنْ عَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْ زَيْد وَغَصَبْته مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَ الْمُقَرُّ بِهِ لِزَيْدٍ لِسَبْقِ الْإِقْرَارِ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا يُرْجَعُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَحَذَفَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ يُؤَاخَذُ مُكَلَّفٌ وَغَرِمَ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ.

وَلَوْ مِثْلِيًّا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي وَإِنْ تَلَف ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ فِي يَدِ زَيْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ لِلْإِقْرَارِ فَيَغْرَمُ لِعَمْرٍو مِثْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ غُرْمُ الْمُقِرِّ إلَّا لِلْحَيْلُولَةِ وَلَوْ مَعَ التَّلَفِ لِعَمْرٍو وَإِنْ كَانَ الَّذِي سَلَّمَ لِزَيْدٍ هُوَ الْحَاكِمُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَيْ: الْمُقِرُّ مَا ذَكَرَ بَلْ أَخْطَأَ فِيهِ لِلْحَيْلُولَةِ وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا لِآخَرَ وَأَقْبَضَهَا لَهُ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ خِيَارِهِ أَوْ خِيَارِهِمَا بِبَيْعِهَا لِآخَرَ أَوْ بَعْضِهَا مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ بَيْعُهُ الْأَوَّلُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ وَإِقْبَاضِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِقْبَاضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا حَيْلُولَةَ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ. اهـ.

الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورُ فَإِنْ قُلْت لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِقَوْلِهِمْ كَدَارٍ فِي يَدِهِ وَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت هَذِهِ غَفْلَةٌ عَمَّا قَدَّمْته أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ مَثَلًا ثُمَّ صَارَ فِي يَدِهِ صَارَ إقْرَارُهُ السَّابِقُ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ الْآنَ فَيُعَامَلُ بِهِ وَيَكُونُ كَمَنْ أَقَرَّ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ لَا تَكُونَ يَدُهُ نَائِبَةً إلَخْ مَعْنَاهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْيَدِ الِاسْتِقْلَالُ فَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْ غَيْرِهِ بِأَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لِآخَرَ وَذَلِكَ الْمَالُ إنَّمَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ

ص: 127

لِيَتِيمٍ أَوْ جِهَةِ وَقْفٍ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ أَيْ: الْآنَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُقَرَّ بِهَا إلَى الْآنَ لَمْ تَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَإِذَا دَخَلَتْ فِي يَدِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ عُومِلَ بِذَلِكَ الْإِقْرَار وَسُلِّمَتْ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا تَكْفِي الْيَدُ بِدُونِ اسْتِقْلَالٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَقَرَّ مُفْلِسٌ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَخَذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَوِلَايَتِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ نَاظِرُ الْوَقْفِ بِهِ لِآخَرَ مَثَلًا ثُمَّ قَسَمَهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا يَغْرَمُ قَطْعًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ الْغُرْمُ بِالْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو. اهـ.

وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الصُّلْحِ لَوْ بَنَى بِأَرْضٍ مَسْجِدًا وَأَقَرَّ بِهَا لِمُدَّعِيهَا غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِوَقْفِهَا وَمُرَادُهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ بِهَا أَنَّهُ وَقَفَهَا مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُ مُخْتَصِرِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَنْوَارِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِآخَرَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَسُلِّمَتْ لِلْآخَرِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَسْرِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْمُؤَاخَذَةِ بِهِ إذَا صَدَرَ فِيمَا تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَاسْتِقْلَالِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مَا دَامَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُقِرِّ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاظِرًا وَفَارَقَ الْمُفْلِسُ فِيمَا مَرَّ بِصِحَّةِ عِبَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِلْغَاءِ عِبَارَةِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِمَالٍ فِي يَدِهِ لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ هَلْ هَذَا مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي حَقِيقَةً بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ إنَّمَا يَنْفِي مِلْكَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيه وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُثْبِتَهُ بِطَرِيقِهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَنْفِي الْمِلْكَ مَعَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُقِرِّ فَبِالْأَوْلَى إذَا أَقَرَّ وَهُوَ بِيَدِ الْغَيْرِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ مِلْكَهُ وَمَنَافِعَهُ فَإِنْ قُلْت مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْهُمْ هَلْ يُنَافِيه قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ كَانَ مُؤَدَّاهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا صَحِيحًا قُلْت لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُ هُنَا نَفَى صَرِيحًا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةَ مِلْكٍ أَوْ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ أَوْ أَمَانَةً فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي نَزْعُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا مَرَّ فَهُوَ لَمْ يَنْفِ إلَّا وِلَايَةُ الْمِلْكِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ وَبَقِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَمُكِّنَ مِنْ دَعْوَى مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ أَقَرَّ أَنَّ ثَمَرَةَ بُسْتَانِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا مَوْضُوعُ إقْرَارِي إبَاحَةٌ وَأُرِيدُ أَرْجِعُ فِي الْإِبَاحَةِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي لِزَيْدٍ صَرِيحٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ فَدَعْوَاهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ إبَاحَةُ ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ لَفْظِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِمِلْكِ الثَّمَرَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ تَعْقِيبَ الْإِقْرَارِ بِمَا يُبْطِلُهُ بَاطِلٌ وَهَذَا يُشْبِهُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ وَلَكِنْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ فَإِنْ قُلْت هَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ قُلْت لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا فَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَكِنْ إلَخْ مُنَاقِضًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا صَرِيحًا فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعُمِلَ بِهِ

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ لِمَ لَا قَيَّدَ الْإِرْشَادَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ وَأَلْفٌ وَأَلْفٌ وَأَلْفٌ ثَلَاثَةٌ بِلَا فَصْلٍ وَاخْتِلَافٌ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ الثَّانِي كَمَا قَيَّدَهُ فِي الطَّلَاقِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبَارَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تُفْهِمُ مَا تُفْهِمُهُ الْأُخْرَى فَلَا تَحْتَاجُ الْأُولَى إلَى التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.

وَإِيضَاحُهُ أَنَّ دَاعِيَ الِاخْتِصَارِ لَمَّا أَلْجَأَهُ إلَى إدْخَالِ حُكْمِ أَلْفٍ وَأَلْفٍ وَأَلْفٍ فِيمَا قَبْلَهَا أَدْخَلَهَا فِيهَا لَكِنَّهَا تَمَيَّزَتْ عَمَّا قَبْلَهَا بِاحْتِيَاجِهَا إلَى شُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: قَصْدِ

ص: 128

التَّوْكِيدِ، وَاتِّفَاقِ اللَّفْظِ، وَعَدَمِ الْفَصْلِ قَيَّدَهَا بِتِلْكَ الثَّلَاثِ لِاسْتِفَادَتِهَا مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ الثَّانِي فَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ عَمَّا إذَا قُصِدَ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ أُطْلِقَ لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ وَبِقَوْلِهِ الثَّانِي عَمَّا لَوْ أَرَادَ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ لِعَدَمِ اتِّفَاقِ اللَّفْظِ فِيهِمَا وَتَخَلُّلِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَخِيرَةِ أَعْنِي تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ وَمِنْ ثَمَّ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْفَاصِلِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِسَكْتَةٍ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعَيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ امْتِنَاعِ تَأْكِيدِ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ شَيْئَانِ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ لِزِيَادَةِ الْوَاوِ فِي الْمُؤَكِّدِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَتَخَلُّلُ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا بِالثَّانِي فَظَهَرَ أَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرهَا فِي الطَّلَاقِ صَرِيحَةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا إنْ لَمْ يُؤَكِّدْ الثَّانِي فَلَمْ تَحْتَجْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْهَا اسْتِفَادَةً ظَاهِرَةً كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا حِكْمَةُ تَصْرِيحِهِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فِي الطَّلَاقِ فَهِيَ أَنَّهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ الِاخْتِصَارُ عَلَى تَكْرِيرِ اللَّفْظِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْإِقْرَارِ لِطُولِ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا فَضْلًا عَنْ تَكْرِيرِهَا ثَلَاثًا فَلَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ هَذَا التَّكْرِيرُ احْتَاجَ إلَى إجْمَالٍ يَشْمَلُهُ فَقَالَ وَمَا تَكَرَّرَ عُدَّ وَلَمَّا أَتَى بِهَذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشَارَة إلَى شُرُوطِ الْعَدِّ إذْ لَا تُمْكِنُهُ الْإِشَارَة إلَّا لَوْ كَرَّرَ وَقَالَ إنْ لَمْ يُؤَكِّدْ الثَّانِي كَمَا فِي الْإِقْرَارِ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ بِلَا فَصْلٍ وَاخْتِلَافٍ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا فَصْلٍ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ لِتَخَلُّلِ الْفَاصِلِ وَكَذَا لَوْ فَرَّقَهَا بِفَوْقِ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعَيِّ وَبِقَوْلِهِ وَاخْتِلَافُ تَأْكِيدِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرَيْنِ الْمُقْتَرِنَيْنِ بِالْعَاطِفِ فَيَقَعُ ثَلَاثًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَخِيرَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ لِاقْتِرَانِهِمَا بِحَرْفِ الْعَاطِفِ وَتَجَرُّدِهِ أَعْنِي الْأَوَّل عَنْهُ بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرَيْنِ صَحِيحٌ فَتَقَعُ وَاحِدَةً فَقَطْ فَاتَّضَحَ بِمَا قَرَّرْته مَعْنَى الْعِبَارَتَيْنِ وَحُكْمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا فِي الْمَحَلَّيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى ذُكِرَتْ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ الْمُكْتَفَى بِهَا فِي مِثْلِ الْإِرْشَادِ، وَالثَّانِيَةَ ذُكِرَتْ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَعْرِفْ تَحْقِيقَ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَدِقَّةَ نَظَرِهِ وَجَلَالَةَ مَقْصِدِهِ وَكَمَالَ حِكْمَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِيَّانَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ

(وَسُئِلَ) عَنْ إقْرَارِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكِ يَنْزِلُ عَلَى الشُّيُوعِ أَوْ الْحَصْرِ فِي حِصَّةِ الْمُقِرِّ وَيُؤْخَذُ جَمِيعُ الْمُقَرِّ بِهِ أَمْ مِنْ الْحِصَّةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ اضْطَرَبَ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَطَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْكَلَامَ فِيهَا وَقَدْ لَخَّصْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ بِنِصْفِ الْمُشْتَرَكِ انْحَصَرَ فِي نَصِيبِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْعِتْقِ الْإِشَاعَةَ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ: لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ وَضَعَّفُوا مَا هُنَا وَهَذَا مِنْ إفْرَادِ الْقَاعِدَةِ الْمُضْطَرَبِ فِيهَا أَعْنِي قَاعِدَةَ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ.

وَالْمُرَجَّحُ فِي الْخُلْعِ الْإِشَاعَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَنْزِيلُ إقْرَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِائَةُ شَرِكَةٍ نِصْفَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِهَا لِثَالِثٍ نَزَلَ إقْرَارُهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَيَصِحَّ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ نِصْفُ حِصَّتِهِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَصْرِ يَصِحُّ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي هِيَ قَدْرُ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهَا كُلَّهَا الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ حَيْثُ نَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ حَيْثُ يَنْزِلُ عَلَى الْحَصْرِ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّابِقِ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي دُخُولِهِ تَحْتَ مَدْلُولِهِ أَوْ ظَاهِرًا ظُهُورًا مُتَبَادِرًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِذَا قَالَ أَقْرَرْت لَك بِنِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا اللَّفْظُ صَرِيحًا وَلَا ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُقِرِّ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِكَوْنِ النَّصِّ الْمُقَرِّ بِهِ شَائِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ فَلَا نُوجِبُ بِهِ إلَّا الْمُتَيَقَّنَ وَهُوَ رُبُعُهُ لَا نِصْفُهُ لِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَشْهُورَةِ فِي الْإِقْرَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْإِقْرَارِ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ أَيْ: الظَّنَّ الْقَوِيَّ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ أَيْ: وَمُجَرَّدَ

ص: 129

الظَّنِّ وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ أَيْ: مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ فَهِيَ مِنْ حَيِّزِ الْإِنْشَاءَاتِ وَالْإِنْشَاءُ إذَا أُطْلِقَ فِي شَيْءٍ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمَمْلُوكِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ بِعْتُك نِصْفَ هَذَا الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ انْصَرَفَ الْبَيْعُ لِجَمِيعِ حِصَّتِهِ وَانْحَصَرَ فِيهَا دُونَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إنْشَاءٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْخُلْعِ تَخْلِيصَ الْعِصْمَةِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بِالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُقَرَّرُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقُوهُ بِالْإِقْرَارِ فِي تَنْزِيلِ عِوَضِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَبْوَابِ وَسِرِّ تَخَالُفِ مَدَارِكَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَقَدْ اتَّضَحَ سَبَبُ تَخَالُفِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ فُلَانٍ بِشَيْءٍ فَهَلْ يُقَسَّمُ كَإِرْثِهِمْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ بِالسَّوِيَّةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُقَسَّمُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الِاسْتِحْقَاقَاتِ الْمُسَاوَاةُ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ عَمِّي لَا وَارِثَ لِي غَيْرُهُ وَرِثَهُ عَمُّهُ كَمَا قَالَهُ الْقَزْوِينِيُّ. اهـ.

فَهَلْ ذَلِكَ إذَا بَيَّنَ جِهَةَ الْعُمُومَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كَمَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِهَا أَمْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَهَلْ ذَلِكَ فِي مَعْرُوفِ الْعُمُومَةِ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِ دُونَ مَجْهُولِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ الْقَزْوِينِيُّ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ قَوْلِهِ لَا وَارِثَ لِي غَيْرُهُ إلَى بَيَانِ جِهَةِ الْعُمُومَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى قَوْلِهِ عَمِّي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ اعْتِرَافِهِ بِانْحِصَارِ الْإِرْثِ فِيهِ.

فَإِنْ قُلْت يُنَافِي هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا وَارِثِي وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ لَا يَرِثُهُ وَكَذَا قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ فُلَانٌ عَصَبَتِي أَوْ وَارِثِي إلَّا لَمْ يَكُنْ لِي عَقِبٌ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ فُلَانٌ وَارِثِي قُبِلَ قُلْت لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ جِهَةَ الْإِرْثِ مَعَ انْحِصَارِهِ فِيهِ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ عَمِّي لَا وَارِثَ لِي غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا جِهَةَ الْإِرْثِ فَضْلًا عَنْ انْحِصَارِهِ فِيهِ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ قُلْت قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَاطُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ أَوْ أَخُوهُ لَمْ يُقْبَلَا لِصِدْقِهِ بِابْنِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ وَبِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخُوَّةُ لِلْأُمِّ لَا تَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْ: حَمْلًا لِكَلَامِ الْمُقِرِّ عَلَى مَا لِلْإِقْرَارِ فِيهِ مَدْخَلٌ إذْ الْمُكَلَّفُ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا نَظَرَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِهِ لِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَالْإِسْلَامِ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحَقُّقٍ أَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ وَرَثَتِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ بَعْدَ الْبَحْثِ وَبَيَانُ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسِيَاقِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ لَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا مِنْ ذِكْرِ جِهَةٍ كَالْأُخُوَّةِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ أَيْ: حَالًا لِمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ وَالْإِرْثِ بِأَنْ يَشْهَدَ خَبِيرَانِ بِبَاطِنِ حَالِ الْمُورَثِ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارِ حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ فَتُدْفَعُ لَهُ التَّرِكَةُ وَإِنْ كَانَ ذَا فَرْضٍ وَشَهِدَا لَهُ كَذَلِكَ أُعْطِيَ فَرْضَهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمَا قَطْعُهُمَا بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ وَإِنْ أَخْطَآ بِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا شَهِدَا بِمَا اعْتَقَدَاهُ وَلَمْ يَقْصِدَا الْكَذِبَ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ أَوْ قَالَاهُ وَلَمْ يَكُونَا خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ سَهْمُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ أَوْ مُقَدَّرًا لَكِنَّهُ مِمَّنْ يُحْجَبُ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ حَالًا بَلْ بَعْدَ بَحْثِ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الْوَرَثَةِ فِيمَا سَكَنَهُ الْمَيِّتُ أَوْ طَرَقَهُ مِنْ الْمَحَالِّ مَعَ النِّدَاءِ فِيهَا أَنَّ فُلَانًا مَاتَ فَمَنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلْيَأْتِ أَوْ يُوَكِّلْ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَعْطَاهُ حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ وَلَمْ يَكُنْ ثِقَةً مُوسِرًا أَوْ مُقَدَّرًا وَهُوَ لَا يَحْجُبُ أَعْطَى أَقَلَّ فَرْضِهِ عَائِلًا حَالًا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ، ثُمَّ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَحْثِ وَعَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ وَلَمْ يَذْكُرَا

ص: 130

كَوْنَهُ وَارِثًا نُزِعَ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَأُعْطِيَهُ بَعْدَ الْبَحْثِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ فَإِذَا اكْتَفَوْا فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِعْطَائِهِ حَالًا مِنْ غَيْر بَحْثٍ وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ لِإِعْطَائِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فَأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ فِي الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ هَذَا وَارِثِي لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلشَّهَادَةِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْإِقْرَارِ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَا ذَكَرْته وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ لِمُنَابَذَتِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْأَصْحَابِ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي شَهَادَةٍ بَعْدَ ذِكْرِ جِهَةٍ فِي الدَّعْوَى فَكَانَتْ الْجِهَةُ مَذْكُورَةً فِي الشَّهَادَةِ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا لَا يُلَاقِي كَلَامَ الْقَفَّالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْجِهَةِ وَالْقَفَّالُ إنَّمَا مَنَعَ الْإِقْرَارَ الْخَالِيَ عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ قُلْت هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُلَاقِيه لِمَا عَرَفْت أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي الشَّهَادَةِ بِمَا لَمْ يُشَدِّدُوا بِهِ فِي الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَبْعُدْ مَعَ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَرَرْته، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَمَلَ كَلَامَ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ أَنَّ مُرَادَ الْمُقِرِّ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَعَرَفَ انْحِصَارَهَا فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَمَا ذَكَرْته أَوْجَهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فَإِنْ قُلْت مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَزْوِينِيِّ السَّابِقُ مِنْ ثُبُوتِ حَصْرِ الْوَرَثَةِ بِالْإِقْرَارِ هَلْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ قُلْت نَعَمْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا سِيَّمَا الْإِمَامَ أَبَا عَمْرو بْنِ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتُهُ يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ فَكَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ قَالَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت مَا ذُكِرَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةٍ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ فَإِنْ قَالَا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ وَالْجَمَّالِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِأَفْضَل الْحَضْرَمِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا قُلْت الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالشَّيْخَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ سَمَاعِ الدَّعْوَى ذِكْرُ الْجِهَةِ وَعِبَارَتُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ وَطَلَبَ إرْثَهُ وَجَبَ بَيَانُ جِهَةِ إرْثِهِ مِنْ نَحْوِ أُخُوَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا أَخُوهُ وَوَارِثُهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَلَا تُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ قَالُوا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّبَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَجِبُ فِيهَا تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ كَالدَّعْوَى وَذَكَرُوا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا بُدَّ مِنْ جِهَةِ الْإِرْثِ عَلَى طِبْقِ مَا ذُكِرَ فِي الدَّعْوَى فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْحَصْرَ لَا يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّ لِذِكْرِ الْجِهَةِ مِنْ خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ الْمَيِّتِ أَفَادَ الْحُكْمَ بِالْإِرْثِ وَإِعْطَاءِ التَّرِكَةِ حَالًا وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لِذِكْرِ الْجِهَةِ بِأَنْ اقْتَصَرَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهَا أَوْ ضَمَّاهُ وَلَيْسَا خَبِيرَيْنِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِي إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ الْقَوِيِّ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَا وَارِثَ آخَرَ فَذَلِكَ هُوَ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْحَصْرِ، وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّهُ يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ فَهُوَ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ كَالدَّعْوَى بِهِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَكْفِ تَفْصِيلُ الدَّعْوَى عَنْ تَفْصِيلِ الشَّهَادَةِ هُنَا قُلْت عِلَّتُهُ الِالْتِبَاسُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ فِي جِهَاتِ الْإِرْثِ وَتَمَيُّزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ وَمَنْ يَحْجُبُ وَيُحْجَبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَوَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ بَيَانُ الْجِهَةِ سَوَاءٌ أَضَمَّ لِذَلِكَ الْحَصْرِ أَمْ لَا وَهَذَا أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِمَّا اعْتَمَدَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَغَيْرِهِ وُجُوبَ التَّفْصِيلِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: هَلْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دِرْهَمًا مَثَلًا إذَا عُرِفَ سَبَبُهُ كَأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَشَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا فِيهِ وَجْهَانِ أَشْهُرُهُمَا لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وَافَقَ الْحَاكِمَ فِي مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَسْبَابِهَا بَلْ وَظِيفَتُهُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ رَآهُ سَبَبًا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا

ص: 131