المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الدعاء بعد التشهد الأخير - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٣

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب الدعاء بعد التشهد الأخير

- ‌باب السلام للتحلل من الصلاة

- ‌باب ما يقول الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة

- ‌باب الأذكار بعد الصلاة

- ‌باب الحث علي ذكر االله تعالى بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقال عند الصباح وعند المساء

- ‌باب يقال في صبيحة الجمعة

- ‌باب ما إذا طلعت الشمس

- ‌باب ما يقول إذا استقلت الشمس

- ‌باب ما يقول إذا استقلت الشمس إلى العصر

- ‌باب ما يقوله بعد العصر إلى غروب الشمس

- ‌باب ما يقوله إذا سمع أذان المغرب

- ‌باب ما يقوله بعد صلاة المغرب

- ‌باب ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها

- ‌باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه

- ‌باب كراهية النوم من غير ذكر الله تعالى

- ‌باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده

- ‌باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم

- ‌باب ما يقول إذا كان يفزع في منامه

- ‌باب ما يقول إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره

- ‌باب ما يقول إذا قصت عليه رؤيا

- ‌فائدة

- ‌باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة

- ‌باب الدعاء في جميع ساعات الليل كله رجاء أن يصادف ساعة للإجابة

- ‌باب أسماء الله الحسنى

- ‌كتاب تلاوة القرآن

- ‌فصل: في الأوقات المختارة للقراءة

- ‌فصل في آداب الختم وما يتعلق به:

- ‌فصل: فيمن نام عن حزبه ووظيفته المعتادة:

- ‌فصل في الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان:

- ‌فصل: في مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها

- ‌كتاب حمد الله تعالى

- ‌فصل:

- ‌‌‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب أمر من ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه والتسيم صلى الله عليه وسلم

- ‌باب صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب استفتاح الدعاء بالحمد لله تعالي والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعًا لهم صلى الله عليهم وسلم

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات

- ‌باب دعاء الاستخاره

الفصل: ‌باب الدعاء بعد التشهد الأخير

بسم الله الرحمن الرحيم

‌باب الدعاء بعد التشهد الأخير

اعلم أن الدعاء بعد التشهد الأخير مشروع بلا خلاف.

روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال في آخره: ثم يتخير [بعد] منَ الدُّعاءِ".

وفي رواية البخاري: " [ثم ليتخير من الدعاء] أعْجَبَهُ إليْهِ فيدعُو".

وفي روايات لمسلم: "ثم لَيَتَخَيَّرْ مِن المسألة ما شاءَ".

ــ

باب الدعاء بعد التشهد الأخير

في السيرة الكبرى للشامي حاصل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ثمانية مواطن عقب تكبيرة الإحرام في حديث أبي هريرة اللهم باعد بيني وبين خطاياي الخ، وإذا مر بآية رحمة أو عذاب وفي الركوع وفي الاعتدال منه وفي السجود وفي الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأخير اهـ. قوله:(روَينا في صحيحي البُخارِي ومُسلم الخ) قال الحافظ وفي روايات لمسلم ثم ليتخير من المسألة ما شاء هذا لم يقع عند مسلم جزمًا إلَّا في رواية واحدة وله أخرى قال فيها ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو أحب وله ثالثة مثل البخاري لكن ينقص عنها وله رابعة صرح فيها بأن الزيادة لم تذكر فيها، وأما البخاري فله أربع روايات إحداها المذكورة والأخرى قال فيها من الكلام ما شاء وثالثة فيها من الثناء ما شاء ورابعة لم يذكر فيها الزيادة ومدار الحديث عند الصحيحين على أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود وبسط الحافظ بيان طرق الحديث عندهما. قوله:(ثُمَّ ليتخيرْ منَ الدعاءِ الخ) ترجم البخاري باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب قال ابن العز الحجازي المنفي وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء أي لا يجب دعاء مخصوص ويحتمل أن يكون التخيير ويحمل الأمر الوارد به على الندب وقوله ثم ليتخير من الدعاء الخ. استدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي

ص: 2

واعلم أن هذا الدعاء مستحب ليس بواجب، ويستحب تطويله، إلا أن يكون إمامًا، وله أن يدعوَ بما شاء

ــ

من أمر الدنيا والآخرة وخالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا إنه لا يدعو إلَّا بما يوجد في القرآن أو ثبت في الحديث لكن ظاهر حديث الباب يرد عليه وعلى ابن سيرين في قوله لا يدعو فيها إلّا بأمر الآخرة ولا شك أن الدعاء بالمحرمة مطلقا لا يجوز اهـ. قال في الحرز قال الشافعي يجوز الدعاء في الصلاة بما شاء من أمر الدنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا قال ابن عمر إني لأدعو في صلاتي حتى بشعير حصاري وملح داري وقال الحنفية يدعو بما شابه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة ثم بسط ذلك بكلام للحنفية حاصله بطلان الصلاة بنحو اللهم أعطني شعيرًا أو ملحًا لأنه من جنس كلام الناس وهو مبطل وأشارر في شرح عدة الحصين إلى تقوية ما نحاه الشافعي بنقلة الدعاء بأمر الدنيا وبغير المأثور عن جمع كثير ثم قال وإذا انضاف قول هؤلاء

إلى قول ابن عمر جرى مجرى الإجماع إذ لا مخالف لهم وروي عن ابن شبرمة إنه قال يجوز الدعاء في المكتوبة بأمر الآخرة لا بأمر الدنيا فقال له ابن عون أليس في القرآن اسألوا الله من فضله فسكت اهـ، ومذهب المالكية جواز الدعاء بأمر الدنيا والآخرة. قوله، :(اعلْم أَن هذَا الدعاء مستحب) قال في العباب فيكره تركه قال شارحه كما اقتضاه النص قال السبكي كأنه يريد ترك الأولى ويؤيد الكراهة أن لنا خلافًا شهيرًا في وجوب بعض الأدعية الآتية وقد صرحوا بأن الخلاف في الوجوب يقوم مقام النهي فيقتضي الكراهة. قوله: (ويستحب تطويله) في القواعد لابن عبد السلام واستحب الشافعي أن يكون دعاء التشهد دون قدر التشهد اهـ، والمراد بالتشهد هو والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده وعبارة المنهاج ويسن ألا يزيد يعني الإمام في الدعاء على قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أي أقلها وقال الأذرعي بل المراد ما يأتي به منهما وبحث ابن الرفعة أن المراد أكملهما قال في شرح العباب الحاصل أن المنقول الأقل وإن كان لما بحثه الأذرعي وجه وهو أوجه من بحث ابن الرفعة وقضية كلام المنهاج أنه لا يسن عدم المساواة اهـ، وفي الروضة وغيرها الأفضل أن ينقص عن ذلك لأنه تابع لهما فإن ساواهما كره قال في شرح العباب وهو الأوجه إذ هو منصوص في الأم والمختصر والمأموم تابع لإمامه، والمنفرد قضية كلام الشيخين

ص: 3

من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعوَ بدعوات يخترعها، والمأثورة أفضل. ثم المأثورة منها ما ورد في هذا الموطن، ومنها ما ورد في غيره، وأفضلها هنا ما ورد هنا.

وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة، منها ما رويناه في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

أنه كالإمام لكن أطال المتأخرون في أن المذهب أنه يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو ومثله إمام من مر وظاهر أن الخلاف فيمن لم يسن له انتظار نحو داخل. قوله: (منْ أُمورِ الدُّنيَا والآخرَةِ) أي والأخرى أولى لأن ذلك هو المقصود الأعظم ومحل جواز الدنيوي فيها أن أبيح خارجها وإلا أبطلها كما اعتمده المصنف وغيره. قوله: (والمأْثُوَرُ أْفضلُ) أي الدعاء بالمأثور بالمثلثة أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره وظاهر كلام المصنف وغيره حصول أصل السنة بالدنيوي المباح لكن نقل الأذرعي عن الماوردي وغيره أنه مباح ويجري ذلك في سائر أذكار الصلاة وميل الجويني إلى بطلان الصلاة بنحو اللهم ارزقني جارية صفتها كذا أي بيضاء هيفاء إلى آخر الأوصاف المستحسنة خلاف الصواب كما في المجموع للأحاديث السابقة وبه يرد اعتماد الأذرعي لكلام الجويني وقوله لا أحسب أحدًا يسارع فيه. قوله: (منهَا مَا روَينَاهُ في صحيحي البخارِي ومسلم الخ) في السلاح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال رواه الجماعة إلَّا البخاري وفي رواية أخرى لمسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد

الأخير فليستعذ بالله من أربع وساق الحديث كما ساقه المصنف اهـ، وصريحه أنه بهذا اللفظ عند مسلم فقط وقد اقتصر على عزوه إلى مسلم فقط في المشكاة وفي الحصين على عزوه إليه وإلى أصحاب السنن الأربعة وابن حبان والله أعلم وقال الحافظ وقع في بعض نسخ الأذكار روينا في صحيحي البخاري ومسلم وفي بعضها في الصحيحين وفي بعضها في صحيح مسلم والسبب في ذلك أن اللفظ الذي ذكره لمسلم وحده كاللفظ الثاني

ص: 4

"إذا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّد الأخير فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنْ أرْبعٍ: مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ،

ــ

أما البخاري فأخرج أصل الحديث ليس فيه التقييد بالتشهد ولا صيغة الأمر فحيث جمع بينهما أراد أصل الحديث وحيث أفرد أراد اللفظ المخصوص، وقد ذكره في شرح المهذب فقال رواه البخاري ومسلم واللفظ له اهـ. قال الحافظ ولفظ البخاري ذكره في كتاب الجنائز من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك الخ فذكر الحديث اهـ. قوله: (إِذا فَرَغَ أَحدُكْم منَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ) خرج به التشهد الأول فلا يسن فيه دعاء بل ولا صلاة على الآل كما مر لبنائه على التخفيف بخلاف الأخير فإنه يسن في جميع ما ورد هنا وفي غيره اتباعًا له صلى الله عليه وسلم. قوله: (فليتعوذ) قال بعض رواة هذا الحديث بوجوب هذا الدعاء لما ورد في حديثه بلفظ قل أو فليقل والأصل في الأمر الوجوب وكان أمر ولده أن يعيد ما صلاه بغير هذا التعوذ والمختار عند العلماء الاستحباب والأمر مصروف إليه قال المصنف في شرح مسلم وظاهر كلام طاوس حمل الأمر به على الوجوب فأوجب إعادة الصلاة لفواته وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ولعل طاوسًا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه اهـ. وقال القلقشندي أوجبه ابن حزم الظاهري لظاهر الأمر ونقل عن طاوس أنه أمر ابنه بإعادة الصلاة لما ترك هذا الدعاء وحملوه على أنه أراد بذلك خشية أن يعتاد ترك السنن لا أنها فسدت بترك الواجب اهـ. قوله: (عذَاب جهنَّمَ) قدم لأنه الغاية التي لا أعظم في الهلاك منها وفي التهذيب للمصنف جهنم اسم لنار الآخرة نسأل الله الكريم العافية منها ومن كل بلاء قال الإمام أبو الحسن الواحدي قال يونس وأكثر النحويين جهنم اسم للنار التي يعاقب بها في الآخر وهي أعجمية لا تنصرف للتعريف والعجمة قال وقال آخرون جهنم اسم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها ولم تصرف للتعريف والتأنيث قال قطرب حكي لنا عن رؤبة أنه قال ركية جهنام يريد بعيد القعر هذا ما في سورة البقرة منه، وقال في الأعراف جهنم لا تنصرف للتعريف والتأنيث قال وقال بعض أهل اللغة اشتقاقها من الجهومة وهي الغلظ يقال يهم الوجه أي غليظه فسميت جهنم لغلظ أمرها في العذاب اهـ.

ص: 5

وَمِنْ عذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمات، ومِنْ شَرِّ المَسْيحِ

ــ

وفي المطلع للبعلي قال الجوهري جهنم لا تنصرف للعلمية والتأنيث وهي من أسماء النار التي يعذب الله بها عباده ويقال هو فارسي معرف وقال ابن الجواليقي وقيل عربي اهـ. قوله: (ومنْ عذَاب القبْرِ) فيه أبلغ رد على المعتزلة في إنكارهم له ومبالغتهم في الحط على أهل السنة في إثباته حتى وَقع لسني أنه صلى على معتزلي فقال اللهم أذقه عذاب القبر فإنه كان لا يؤمن به ويبالغ في نفيه وتخطئة مثبته. قوله: (ومنْ فِتنةِ المحيَا والمماتِ) أي الحياة والموت ويحتمل أنه زمن ذلك لأنه معتل العين من الثلاثي يأتي من المصدر

والزمان والمكان بلفظ واحد والمراد الاستعاذة من جميع فتن الدارين في الحياة من كل ما يضر ببدن أو دين أو دنيا للداعي ولمن له به تعلق مع عدم الصبر وفي الموت قبيله عند الاحتضار من تسويل الشيطان الكفر حينئذٍ بطرائق جاءت في الأخبار ومن شدائد سكراته وأضيفت إلى الممات لقربها منه وبعده من سؤال الملكين مع الخوف والانزعاج وأهوال الكفر وشدائده وقد صح حديث أسماء أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال وحينئذٍ فلا يكون مكررًا مع عذاب القبر لأن عذاب القبر مرتب على فتنة الممات ومتسبب عنها والسبب غير المسبب ولكون عذاب جهنم وعذاب القبر أعظم فتن الممات وفتنة الدجال أعظم من فتن الدنيا خصت بالذكر وعطف على الأولين من عطف العام على الخاص وعكسه في قوله وفتنة المسيح الخ، والعطف بنوعيه المذكورين شائع سائغ سيما أن قارنه محسن كما ذكرناه وحكمة تقديم ذكر عذاب القبر على فتنة الدجال وغيرها أن عذابه أطول زمنًا وأبلغ مكانة وأفظع موقعًا وأخوف هلاكًا لخطره وتأخير فتنة الدجال أنه إنما يقع آخر الزمان قرب قيام الساعة.

فائدة

قال القاضي عياض الفتنة عرفًا اختيار كشف ما يكره يقال فتنت الذهب إذا أدخلته في النار لتخبره وتنظر جودته ويسمى الصائغ الفتان وماضيه فتن وحكي افتن وأنكره الأصمعي وقال الفراء أهل الحجاز يقولون ما أنتم عليه بفاتنين وأهل نجد بمفتنين كذا في غاية الأحكام. قوله: (ومنْ شَرِّ) هذا من عطف خاص كما تقدم يدل على عظيم فتنته وقوة بليته ويمكن أن يكون كناية عن الكفر في الحياة والممات لأنها نتيجة فتنته وقوة بليته ولا شك أنها أعظم الفتن فحقيقة بأن تختم الدعاء به فيحصل حسن الخاتمة بسببه. قوله: (المسِيح) هو بالحاء المهملة المخففة يطلق على عيسى بن مريم

ص: 6

الدَّجَّالِ" رواه مسلم من طرق كثيرة.

وفي رواية منها:

ــ

صلى الله عليه وسلم ويطلق على الدجال لكن إذا أريد الدَّجَّال قيد به كما هنا وقال أبو داود المسيح مشددًا الدجال ومخففًا عيسى والأول هو المشهور وقيل بالتشديد والتخفيف واحد يقال لكليهما واختلف في تلقيب الدجال به فقيل لأنه ممسوح العين وأن إحدى عينيه ممسوحة وقيل أن أحد شقي وجهه خلق ممسوحًا لا عين ولا حاجب فيه وقيل لأنه ممسوح من كل خير أي مبعود ومطرود وعلى هذه فهو فعيل بمعنى مفعول وقال أبو الهيثم أنه بوزن السكيت وأنه الذي مسح خلقه أي شوه وليس بشيء وقيل هو فعيل بمعنى فاعل لأنه يمسح الأرض أي يقطعها كلها إلّا الحرمين إذا خرج في أيام معدودة وقيل هو بالخاء المعجمة بمعنى ممسوخ العين ونسب قائله إلى التصحيف وقال ابن دحية في مجمع البحرين أنه خطأ وضبطه. بعضهم بفتح الميم وإسكان السين وكسر الياء وقال أبو عبيدة أظنه بالشين المعجمة كما تنطق به اليهود ثم عرب وأما عيسى فقيل لأن الله مسحه أي خلقه مليحًا وقيل لأنه لا يمسح مريضًا إلَّا برأ وقيل لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها بسياحته وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها وقيل للبسه المسوح جمع أمسح وقيل أنه بالعبرانية ماشيح فعرب بالمسيح وقيل لأن المسيح الصديق. قوله: (الدجالِ) أي المبالغ في الكذب

بادعائه الإحياء والإماتة وغيرهما مما يقطع كل عاقل فضلًا عن مؤمن بكذبه فيه لكن لما سخر له بعض الجوامد عظمت فتنته واشتدت بليته حتى أنذر به كل نبي أمته واستعاذ صلى الله عليه وسلم من فتنته حثًّا لنا على الاستعاذة منها فإنه لا يسلم منها إلَّا الفذ النادر أعاذنا الله منها بمنه وكرمه، قال القاضي عياض استعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور مع أنه عصم منها إنما هو ليلتزم خوف الله والافتقار إليه والاقتداء به ولا يمتنع تكرير الطلب مع تحقق الإجابة إذ فيه تحصيل الحسنات ورفع الدرجات وليبين لهم صفة الدعاء في الجملة اهـ، وأجاب بعضهم عن استعاذته من فتنة الدجال أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه لا يدركه ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم أن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه أو أنه أراد به تعليمنا أو أنه تعوذ منه لأمته. قوله:(ورَواهُ مسلِم منْ طرُقٍ كثيرَةٍ. وفي روَايةٍ منها) قال الحافظ

ص: 7

"إذا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بالله مِنْ أرْبعٍ، يَقُولُ: اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَاب القَبْر، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَمَاتِ، وَمِنْ شرِّ فِتْنَةِ المَسِيَح الدَّجَّالِ".

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة:"اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنْ عَذَاب القَبْرِ، وأعُوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيح الدَّجَّالِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ المأثَم والمَغْرَم".

ــ

طرقه عند مسلم سوى ما تقدم ثلاثة ليس فيها شيء بقيد التشهد وليس فيها بلفظ الأمر إلا روايته عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عوذوا بالله من عذاب القبر عوذوا بالله من فتنة المحيا والممات عوذوا باللهِ من فتنة المسيح الدجال وأخرجه بهذا اللفظ النسائي اهـ. قوله: (إِذَا تشهَّدَ) أي فرغ من التشهد والمراد الأخير لما في الحديث قبله وبه يندفع قول ابن دقيق العيد أنه عام في التشهد الأول والأخير ومن خصه بالأخير لا بد له من دليل راجح وإن كان نصًّا فلا بد من صحته اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحي البخارِي ومسلم) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي وقال الحافظ بعد تخريجه وزاد فيه ما سيأتي قريبًا وأخرجه أحمد. قوله: (وأَعوذُ بكَ منْ فتْنةِ المحيَا والمماتِ) هذا تعميم بعد تخصيص على طريق اللف والنشر المشوش لأن عذاب القبر دخل تحت فتنة الممات وفتنة الدجال دخلت تحت فتنة الحياة وقال ابن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات والمحن والبليات.

فإن قلت لم تقدم مع ذكر الخاص ما يتعلق بالآخرة وهو عذاب القبر ومع ذكر العام ما يتعلق بالدنيا وهو فتنتها.

قلت لأنه لا يلزم من السلامة من عذاب القبر السلامة من سائر فتن الآخرة ولا يلزم من السلامة من فتنة الدجال السلامة من سائر فتنة الدنيا فكانت فتنتها أهم بالذكر لأنه لم يسبق ما يغني عنها بخلاف فتنة القبر فقد سبق ما يغني عنها كما تقرر فافهمه. قوله: (أَعوذُ بكَ منَ المأْثم والمغرمِ) وتتمته كما قال فقال له قائل وفي رواية عثمان عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من

المغرم فقال أن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف والمأثم هو الإثم نفسه أو الأمر الذي يأثم به الإنسان من جميع العصيان أو ما فيه الإثم ولا بدع في سؤال

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غير النبي السلامة من ذلك لأنه وإن لم يعصم فقد يحفظ والفرق أن العصمة يستحيل معها الإثم بخلاف الحفظ فمن ثم كانت العصمة للأنبياء والحفظ لبعض الأولياء والمغرم أي غرم المال في المعاصي أو الاستدانة لمعصية أو لطاعة مع العجز عن وفائه قيل أما استدانته لحاجته مع القدرة على الوفاء فلا يستعاذ منها اهـ، ولا مانع من الإطلاق فإنه قد يكون كذلك فيموت ولا يوفي عنه ورثته فتصير نفسه محبوسة عن مقامها الكريم لما في الحديث الصحيح نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضي عنه دينه وإن قيل محله في الاستدانة للمعصية أو فيمن لم يخلف تركة أو المراد بالمغرم ما يلزم الإنسان أداؤه بسبب جناية أو معاملة ونحوه ويدل لكون المراد الدين وأنه على العموم في تتمة الحديث فقال له قائل الخ. كذا قال ابن حجر في شرح المشكاة وخالفه الجمهور في ذلك وفي شرح العمدة لا مخالفة بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه مرفوعًا أن الله مع المدين حتى يقضى دينه لكن ما لم يكن فيما يكره الله لأن حديث النهي فيمن استدان فيما يكره الرب تعالى أو لا يريد المستدين قضاءه والإباحة في الاستدانة فيما يرضي الرب ويريد المستدين قضاءه مع قدرته على ذلك فالله يكون في عونه على قضائه فإن مات قبله يرضى غريمه من كرمه وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن القاسم مولى معاوية أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تداين بدين وهو يريد أن يقضيه حريص على أن يؤديه فمات ولم يقض دينه فإن الله تعالى قادر على أن يرضي غريمه بما شاء من عنده ويغفر للمتوفى ومن تداين بدين وهو لا يريد أن يقضيه فمات على ذلك ولم يقض دينه يقال له أظننت أنا لا نوفي فلانًا حقه منك فيؤخذ من حسناته فيجعل زيادة في حسنات رب الدين فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات رب الدين فجعل في سيئات المطلوب اهـ. واستعاذته صلى الله عليه وسلم من الدين الذي لا يطيق قضاءه وإلا فقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي فعلم أن الحالة التي استعاذ منها غير التي رخص فيها وقد استدان عمر وهو خليفة وقال لما طعن انظروا كم عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ثمانين ألفًا فأكثر وكان على الزبير دين كثير فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من استدانتهم دليل واضح على أن اختلاف الأمر في ذلك كان علامة على اختلاف حال المستدين اهـ، وأجاب ابن حجر عن

ص: 9

وروينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهُم اغْفِرْ لي ما قدَّمْتُ ومَا أخَّرْتُ، ومَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ،

ــ

الاستدلال باستدانته صلى الله عليه وسلم بأن محل الحبس لمن مات مدينًا في غير الأنبياء على أن كثيرين قالوا إن شرط حبس النفس فيه ألا يخلف المدين وفاء له وإلا يستدينه لطاعة ويصرفه فيها وإلا فلا حبس وبالجملة فالمأثم إشارة إلى حق الله والمغرم إلى حق العباد. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم عن علي رضي الله عنه كذا في السلاح قال الحافط وهذا طرف من حديثه الطويل المشتمل على دعاء الافتتاح وغيره قال ووجدت لحديث علي شاهدًا من حديث أبي هريرة لكنه مطلق ولفظه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يقول اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت فذكر مثل حديث علي سواء لكن زاد في رواية "إنك" قبل أنت المقدم وقال في رواية حديث وإسرافي بدل وما أسرفت قال

الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي قال ووقع بعض هذا الدعاء في حديث ابن عباس الطويل في القول عند صلاة الليل وفي آخره فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا اله إلَّا أنت اهـ. قوله: (اللَّهم أغفر لي الخ) اختلف المحققون في سبب كثرة الاستغفار فقال بعضهم سببه فترات وغفلات عن الذكر الذي كان دأبه فكان يستغفر من تلك الغفلات وقيل كان سبب ما اطلع عليه من أحوال أمته وما يكون منها بعده فكان يستغفر لهم وقيل كان ذلك لما يشغله من النظر في أمور أمته ومصالحهم ومحاربة عدوه عن عظيم مقامه فكان يري ذلك وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال نزولًا عن علو درجته ورفعة مقامه فيستغفر ربه وقيل كان استغفاره وتضرعاته ودعواته وتعويذاته قيامًا بحق الوظيفة العبودية واعترافًا بحق الربوبية لتقتدي به أمته صلى الله عليه وسلم فتستجاب دعوتهم وتقبل توبتهم وقيل كان ذلك لمعنى لطيف أشار إليه بعض الفضلاء وهو استدعاء محبة الله قال تعالى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وهذه الأجوبة جارية في استغفار سائر الأنبياء وتضرعاتهم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين كذا رأيته في منسك لبعض المالكية وهو كلام نفيس. قوله: (وما أخرت) قال في الحرز أي من الأعمال

ص: 10

وَما أسْرَفْتُ، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ".

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"، عن عبد الله بن عمرو بن العاص،

ــ

السيئة التي تبقى آثارها أو ما أخرت بأن تركت أفعالها من الأعمال الواجبة اهـ. أو ما أخرت أي ما سيقع مني في الزمن المستقبل من المخالفة قال الأسنوي في شرح المنهاج بعد أن نقل عن أبي الوليد النيسابوري أن المراد بالتأخير إنما هو بالنسبة إلى ما وقع لأن الاستغفار قبل الذنب محال ما لفظه ولقائل أن يقول المحال طلب مغفرته قبل وقوعه أما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه اهـ. قال بعضهم وإذا علم أن الله تعالى مالك كل شيء له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى لم يمتنع أن يعطي من شاء ما شاء وأما ما ورد في بعض الأعمال أنها سبب لغفران ما تأخر من الذنب كقيام ليلة القدر وصيام يوم عرفة ففي المجموع نقلًا عن الحاوي ما معناه إما غفران ما يقع فيه وإما العصمة عن وقوع ذنب فيه وعن السرخسي أن هذين قولان للعلماء وقال الحافظ ابن حجر في رسالة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة أن الأئمة تكلموا على قوله صلى الله عليه وسلم في أهل بدران الله اطلع عليهم فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أن المراد أن كل عمل يعمله البدري لا يؤاخذ به لهذا الوعد الصادق وقيل المعنى أن أعمالهم السيئة تقع مغفورة لهم فكأنها لم تقع وقيل أن ذلك على أنهم حفظوا فلا يقع من أحدهم سيئة اهـ. وفي فتح الباري المراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلَّا فلو وجب على أحدهم حد مثلًا لم يسقط في الدنيا وقال في الرسالة السابقة وحديث صوم يوم عرفة وإن كان مقيدًا بسنة واحدة لكنه دال على جواز التكفير قبل الذنب فهو من شواهد صحة ذلك ثم ذكر أدلة أخرى تشهد بذلك والله أعلم. قوله: (ومَا أَسْرَفْت) أي على نفسي بارتكاب المعاصي القاصرة أو المظالم المتعدية وهو تعميم بعد تخصيص. قوله: (أَنْتَ المقَدِّمُ) أي لمن تشاء بالتوفيق والمعونة.

قوله: (وأَنتَ المُؤخِّرُ) أي لمن تشاء بالخذلان وترك النصرة وسبق بسط ما يتعلق بهاتين الجملتين فيما يقول إذا قام للتهجد. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحي البخَاريِّ ومسلِم الخ) وكذا رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولفظهم واحد قال الحافظ وفي سنده لطيفة تابعيان في نسق أي هما يزيد بن أبي حبيب وشيخه

ص: 11

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء

ــ

في الحديث أبو الخير الراوي عن عبد الله بن عمرو قال وصحابيان في نسق أي عبد الله بن عمرو وأبو بكر عبد الله الصديق ففيه رواية الإقران في موضعين هكذا رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير الخ. وخالفه عمرو بن الحارث وابن لهيعة فجعلاه من مسند عبد الله بن عمرو ولفظهما عن يزيد عن أبي الخيرانة سمع عبد الله بن عمرو يقول إن أبا بكر الصديق قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي زاد يونس بن عبد الأعلى وفي بيتي قال فذكر بقية الحديث مثله سواء أخرجه البخاري ومسلم والنسائي لم يذكر البخاري ابن لهيعة ومسلم والنسائي كنيا عنه ولفظ مسلم أخبرني رجل سماه وعمرو بن الحارث ولفظ النسائي أخبرني عمرو بن الحارث وذكر آخر قبله وأخرجه أبو عوانة في صحيحه اهـ. قوله: (عَنْ أَبِي بكْرِ الصدِّيقِ) هو أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره ورفيقه في الغار وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وهو أول من أسلم من الرجال وأول أمير أرسل على الحج وأول من جمع القرآن بين اللوحين وأول خليفة عهد بالخلافة أسلم على يده خمسة من العشرة المبشرة بالجنة هم عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وأمه أم الخير سلمى بنت صخر وأسلم أبواه وتأخر وفاة أبيه بعده ومات في خلافة عمر في المحرم سنة أربع عشرة وشهد أبو بكر المشاهد كلها وهاجر وترك ماله وأولاده وعياله ولد بعد الفيل بثلاث سنين تقريبًا وقيل بسنتين وثلاثة أشهر وروي له عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل مائة واثنان وأربعون حديثًا اتفقا منها على ستة وانفرد البخاري بأحد عشر ومسلم بحديث واحد واستخلف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهو أفضل الصحابة مطلقًا وعتيق الله من النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث عائشة وفي الصحيحين سئل صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال عائشة فقيل من الرجال قال أبوها وفيهما أيضًا قصة الغار فيها يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وفيهما أيضًا لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي وفي البخاري

ص: 12

أدعو به في صلاتي، قال: "قُلْ: اللهُم إني

ــ

القصة التي فيها أنه كان بينه وبين عمر شيء وأنه أتى إلى عمر وسأله أن يغفر له فأبى عليه فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا وأخرج أبو داود عن أبي هريرة مرفوعًا أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي وأمره النبي صلى الله عليه وسلم حين مرض أن يصلي بالناس وفي الغيلانيات من طريق مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن علي خيرنا بعد نبينا أبو بكر ثم عمر وأخرج الترمذي والطبراني عن ابن عمر مرفوعًا أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر وفي الحلية لأبي نعيم عن أنس مرفوعًا اللهم

اجعل أبا بكر يوم القيامة معي في درجتي الحديث في قصة الغار وفضائله كثيرة جدًّا ويكفيه من الفضائل أن عمر حسنة من حسناته كما أخرجه يعلى عن عمار بن ياسر مرفوعًا وأفردت ترجمته في مجلدة ومات رضي الله عنه شهيدًا من سم أكله أخرج ابن الأثير في أسد الغابة عن عقيل بن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر ارفع يدك يا خليفة رسول الله والله أن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد قال فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة اهـ. وقيل مات كمدًا على فراقه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وقيل يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة على الصحيح وصلى عليه عمر ودفن في الحجرة الشريفة رضي الله عنه. قوله: (أَدْعُو بِهِ في صلاتي) أي في الموضع اللائق بالدعاء شرعًا وهو السجود لقوله صلى الله عليه وسلم وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء وبعد التشهد لقوله صلى الله عليه وسلم ثم ليتخير من المسألة ما شاء قال ابن دقيق العيد لم يبين في الحديث محل الدعاء ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين إما في السجود وإما بعد التشهد ولعله يترجح الثاني بظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل وقال الفاكهاني في هذا الترجيح نظر والأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين قال ابن الملقن ويؤيد ما قاله ابن دقيق العيد احتجاج البخاري والنسائي والبيهقي وغيرهم بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة كما قال المصنف كما سيأتي وهو استدلال

ص: 13

ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ

ــ

صحيح فإن قوله في صلاتي يعم جميعها ومن مظان الدعاء في الصلاة هذا الموطن اهـ. ووجه الكرماني أيضًا بأن لكل مقام ذكرًا مخصوصًا فتعين أن يكون مقامه بعد الفراغ من الكل وهو آخر الصلاة وتعقبه في فتح الباهري بأن البخاري بوب عليه بأن الدعاء قبل السلام وهو يصدق على جميع أركان الصلاة كما جزم به ابن المنير فيطالب بدليل اختصاص الدعاء بهذا المحل وقال ابن الجوزي في كشف المشكل أولى المواضع به بعد التشهد ورجح بعضهم السجود عليه لشرفه وللإجماع على ركنيته وفي هذا اللفظ إشعار بأن أمور الصلاة توقيفية فيترجح به مقالة الحنفية من أنه لا يدعى في الصلاة بغير الوارد وما أشبهه وأجيب بأنه على سبيل الأولوية إلّا الوجوب لحديث ابن مسعود ثم ليتخير من المسألة ما شاء. قوله: (ظَلمْتُ نَفْسي) أي بملابسة ما يوجب العقوبة أو ينقص حظها وأصل الظلم وضع الشيء في غير محله وهو على مراتب أعلاها الشرك والنفس يذكر ويؤنث واختلف هل النفس هي الروح أم لا قال ابن الملقن الظاهر أن المراد بالنفس هنا الذات المشتملة على الروح أي ظلمتها بوضع المعاصي موضع الطاعات وجزم به البرماوي. قوله: (ظلمًا كَثِيرًا) أكد بالمصدر ووصفه تحقيقًا لدفع المجاز وفي شرح العمدة لابن جمعان في الحديث دليل على تكذيب مقالة من زعم أنه لا يستحق اسم الإيمان إلَّا من كان لا خطيئة له ولا جرم وزعموا أن أهل الإجرام غير مؤمنين وإن سائر الذنوب كبائر وذلك أن الصديق أفضل الصديقين من أهل الإيمان وقد أمره الشارع أن يقول ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا الخ. وفيه دليل على أن الواجب على العبد أن يكون على حذر من ربه في كل أحواله وإن كان من أهل الاجتهاد في عبادته في أقصى غاية إذ كان الصديق مع موضعه في الدين لم يسلم مما يحتاج إلى

استغفار ربه تعالى منه اهـ. قوله: (ولا يَغفِرُ) من الغفر وهو الستر والمعنى أنه سأل أن يجعل ساتر بينه وبين الذنب أن لم يوجد وبينه وبين ما يترتب عليه من العقاب واللوم أن وجد قال القلقشندي وبهذا التقرير يندفع الإشكال في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة مع عصمته وفيه نظر بالنسبة للشق الأخير لأن فيه إثبات الذنب وطلب الستر في العقاب المرتب عليه والأحسن ما تقدم قريبًا من الأجوبة عن ذلك. قوله: (الذُّنُوبَ) هو جمع ذنب وهو الجرم مثل فلس

ص: 14

إلّا أنْتَ، فاغفِرْ لي مَغْفِرةً مِنْ عِنْدِكَ، وارْحَمْني إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرحِيمُ"

ــ

وفلوس يقال أذنب يذنب والذنب اسم مصدر والأذناب مصدر لكنه لا يستعمل. قوله: (إلا أَنْتَ) فيه إقرار بالوحدانية له تعالى واستجلاب المغفرة وهذا كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ} [آل عمران: 135]، وفي الآية الحث على الاستغفار قيل كل شيء أثنى الله على فاعله فهو أمر به وكل شيء ذم فاعله فهو نهي عنه.

قوله: (فاغْفرْ لي) قال القلقشندي قال بعضهم هو أرجح في الاستغفار من قوله استغفرك لأنه إذا قال ذلك ولم يكن متصفًا به كان كاذبًا وضعف بأن السين فيه للطلب فكأنه قال اطلب مغفرتك وليس المراد الإخبار بل الإنشاء للطلب فكأنه قال اغفر لي سيما وقد ورد في الشرع صيغة استغفر أمرًا وفعلًا فيتلقى ما جاء عن الشارع بالقبول اهـ. وسيأتي لهذا المقام مزيد في كتاب الاستغفار آخر الكتاب. قوله: (مغْفرَةً منْ عنْدِكَ) قال ابن الجوزي معناه هب لي المغفرة تفضلًا وإن لم أكن أهلًا لها بعملي وذكره ابن دقيق العيد وقال أنه أحسن مما بعده أعني كونه إشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلّا أنت فافعله لي أنت اهـ. قيل وظهر من هذا أن تقييد المغفرة بكونها من عنده تعالى وهي لا تكون إلا كذلك للتأكيد وقال الطيبي دل التنكير في قوله مغفرة على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرى كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه لأنه الذي يكون من عنده لا يحيط به وصف وتبعه الكرماني وحاصله أنه طلب مغفرة خاصة في غاية الجلالة والعظمة ترفعه إلى أعلى ما يليق به من مقامات القرب من حضرة الحق ولذا عقبه بطلب الرحمة العامة الشاملة لكل ما يلائم النفس واتبعه بقوله وارحمني الخ. قوله: (إِنكَ أَنْتَ الغَفورُ الرحِيمُ) بكسر همز إن على الاستئناف البياني المشعر بتعليل ما قبله ويجوز الفتح وسبق بيان وجهيهما في بيان ما يقول إذا استيقظ في الليل وأنت لتأكيد الكاف ويجوز أن يكون للفصل والاسمان وصفان للمبالغة ذكرًا ختمًا للكلام على جهة المقابلة لما تقدم فالغفور لقوله اغفر لي والرحيم لقوله ارحمني قال ابن حجر في شرح المشكاة يؤخذ منه أن من أدب الدعاء أن يختم بما يناسبه من أسمائه تعالى لما فيه من التفاؤل بحصول المطلوب والتوسل بما يوجب تعجيل إجابته وحصول طلبته اهـ، وفي الحرز هذا الدعاء من الجوامع لأنه في الاعتراف بغاية التقصير وطلب غاية

ص: 15

هكذا ضبطناه: "ظُلْمًا كثيرًا" بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم:"كَبِيرًا" بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يجمع بينهما فيقال:"ظُلْمًا كَثيرًا كَبِيرًا".

وقد احتج البخاري في "صحيحه"، والبيهقي، وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث على الدعاء في آخر الصلاة، وهو استدلال صحيح، فإن قوله: في صلاتي، يعم جميعها، ومن مظان الدعاء في الصلاة هذا الموطن.

ــ

الإنعام فالمغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات ففي الأول طلب الزحزحة عن النار وفي الثاني طلب إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم اهـ. قوله: (هكذَا ضبطنَاهُ الخ) قال الحافظ بين مسلم أن رواية كبيرًا بالموحدة عنده من رواية محمد بن رمح عن الليث قال الحافظ ولم يقع عنده ولا عند غيره ممن ذكرنا إلَّا بالمثلثة نعم أخرجه أحمد من وجه عن ابن لهيعة

وصرح أنه عنده بالموحدة اهـ. قوله: (فينبغِي أَن يْجمَعَ بَينَهمَا الخ) اعترضه العز بن جماعة وتبعه الزركشي وغيره بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينطق بهما كذلك وإنما يجمع بين الروايتين بأن يقال هذا مرة وهذا أخرى والاتباع إنما يحصل بذلك لا بالجمع اهـ. ويرد بأن أحدهما نطق به صلى الله عليه وسلم يقينًا أو ظنًّا والآخر يحتمل أن الراوي رواه بالمعنى وإن فرض أنه بعيد فلرعاية هذا الاحتمال ندب الجمع بينهما في كل مرة ليتحقق النطق بما نطق به صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر هذا مرة وهذا مرة فيلزم عليه أنه في إحدى المرتين نطق بغير ما نطق به صلى الله عليه وسلم فظهر أن الجمع في كل مرة أولى لسلامته من ذلك الاحتمال.

فإن قلت لا يحتاج إلى ذلك ويحمل اختلاف الروايتين على أنه صلى الله عليه وسلم نطق بكل منهما فالنطق بكل منهما سنة وإن لم ينطق بالأخرى فلا يحتاج للجمع ولا أن يقول هذا مرة وهذا مرة. قلت هو محتمل لكن ما ذكره أحوط فقط لاحتمال أن إحدى الروايتين بالمعنى وإن كان بعيدًا كيف وقد قال المصنف في شرح مسلم في قول ابن الصلاح في رواية تقديم الحج على الصوم في خبر بني الإسلام على خمس يحتمل أنها رواية بالمعنى وهذا ضعيف إذ لو فتح باب احتمال التقديم والتأخير في مثل هذا قدح في الرواة والروايات فإنه لو فتح ذلك لم يبق لنا وثوق بشيء من الروايات إلَّا القليل ولا يخفى بطلان هذا

ص: 16

وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: "كيْفَ تَقُول في الصَّلاةِ؟ " قال: أتشهَّد وأقول: اللهُم إني أسألكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسن دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

ــ

وما يترتب عليه من المفاسد وتعلق من يتعلق به ممن في قلبه مرض ولأن الروايتين قد ثبتتا في الصحيحين وهما صحيحتا المعنى لا تنافي بينهما اهـ. ملخصًا وبتأمله يعلم قوة ما ذكر من أن النطق بكل منهما سنة وأنه لا يحتاج إلى الجمع المذكور لا لمجرد الاحتياط قاله بعض المحققين وهو مؤيد لابن مالك فيما سبق من إثبات القواعد النحوية بالأحاديث النبوية والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا بإسنَادٍ صحيحٍ في سُننِ أَبي دَاوُدَ) وفي السلاح رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو صالح اسمه ذكوان وقال الحافظ هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحافظ وقد رواه جرير عن الأعمش فعين الصحابي ثم أخرج الحافظ من طريقه فقال بسنده إلى جابر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكر مثل الرواية المذكورة سواء إلّا أنه قال أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار قال الحافظ وهكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وابن ماجة وعجبت للشيخ كيف أغفل التنبيه على ذلك مع كثرة نقله عن ابن ماجة وحرصه على تبيين المبهم وقد ذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه على الأعمش ورجح رواية

زائدة أي التي فيها إبهام الصحابي قال الحافظ والعلم عند الله اهـ. قوله: (أَصْحابِ النبِي صلى الله عليه وسلم) هو أبو هريرة كما رواه عنه ابن ماجة وخرجه الحافظ. قوله، :(قَال لرَجلٍ) قال في السلاح قال الخطيب هو سليم الأنصاري السلمي اهـ. قال في أسد الغابة سليم الأنصاري السلمي من بني سلمة شهد بدرًا وقتل يوم أحد قاله ابن منده وأبو نعيم ونسباه فقالا سليم بن الحارث بن ثعلبة السلمي ثم أسند إلى معاذ أن رجلًا من بني رفاعة بن سلمة يقال له سليم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن معاذًا يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار

ص: 17

"حَوْلَها نُدندن".

الدندنة: كلام لا يفهم معناه، ومعنى:"حولها ندندن" أي: حول الجنة

ــ

لينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم يا معاذ لا تكن فتانًا إما أن تصلي معي واما أن تخفف على قومك ثم قال يا سليم ماذا معك من القرآن قال معي أني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل دندنتي ودندنة معاذ إلَّا أنا نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار قال سليم سترون غدًا إذا لقينا القوم إن شاء الله تعالى والناس يتجهزون إلى أحد فخرج فكان في الشهداء ذكر هذا الثلاثة يعني ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر وزاد ابن منده عليهما أنه روي عن ابن إسحاق في هذه الترجمة فيمن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني دينار بن النجار ثم من بني مسعود بن عبد الأشهل سليم بن الحارث بن ثعلبة وروي أيضًا فيها عن ابن إسحاق فيمن قتل يوم أحد من بني النجار سليم بن الحارث وأفاد أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة معاذ هو الذي ذكر عن ابن أبي إسحاق أنه شهد بدرًا وقتل يوم أحد وظنهما ابن عبد البر اثنين فجعلهما ترجمتين هذه إحداهما والثانية قال فيها سليم الأنصاري ونسب الثاني إلى دينار بن النجار وذكر في هذه الترجمة حديث معاذ وفي الثانية أنه قتل يوم أحد وأظن أن الحق معه فإن ابن منده قضى على نفسه بالغلط فإنه قال في صلاته مع معاذ إن رجلًا من بني سلمة يقال له سليم وذكر عن المقتول بأحد والذي شهد بدرًا أنه من بني دينار بن النجار فليس الشامي للعراقي برفيق فإن بني سلمة لا يجتمعون مع بني دينار بن النجار إلّا في الخزرج الأكبر فإن بني سلمة من ولد جشم بن الخزرج والنجار هو ثعلبة بن مالك بن الخزرج ومما يقوي أن المصلي من بني سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعل في كل قبيلة رجلًا منهم يصلي بهم ومعاذ بن جبل ينسب في بني سلمة وكان يصلي بهم وهذا سليم أحدهم اهـ. قوله: (حَوْلها) الضمير فيه ضمير الواحدة الغائبة وهو ما في السنن عائد للجنة أي في طلبها ندندن ومنه دندن الرجل إذا اختلف في مكان واحد مجيئًا وذهابًا وظاهر قول المصنف في بعض النسخ حولهما ندندن أي حول الجنة والنار الخ، أن الضمير فيه ضمير الاثنين. قوله:(الدَّندَنةُ الخ) قال في النهاية الدندنة أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا يفهم وهو أرفع من الهينمة قليلًا وفي السلاح نقلًا عن الهروي عن أبي عبيد

ص: 18

والنار، أو حول مسألتهما، إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، والله أعلم.

ومما يستحبُّ الدعاء به في كل موطن: اللهم إني أسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، والله أعلم.

ــ

كذلك قال وهو مثل الهينمة

والهتملة إلَّا أنها أرفع قليلًا منهما اهـ. قوله: (اللَّهم إِنِّي أَسأَلُكَ العفْوَ والعافيةَ) قال الحافظ هو من حديث أنس والذي بعده من حديث ابن مسعود وقد ذكرهما الشيخ آخر الكتاب في باب جامع الدعوات مفرقين وسيأتي الأول قريبًا من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره أولًا أما لفظه الذي ذكره في جامع الدعوات فبصيغة الأمر قال صلى الله عليه وسلم لرجل سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة اهـ. قوله: (اللَّهم إِني أَسأَلُكَ الخ) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود وسيأتي عزوه في كتاب جامع الدعوات إلى صحيح مسلم قال الترمذي يعني بالهدى الهداية إلى الصراط المستقيم والتقى يعني به الخوف من الله والحذر من مخالفته ويعني بالعفاف الصيانة عن مطالع الدنيا وبالغنى غنى النفس وقال المصنف العفة والعفاف هو التنزه عما لا يباح والكف عنه والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم وقال الطيبي أطلق الهدى والتقي ليتناول كل ما يتقى من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب التوقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم وقال غيره العفاف التنزه والكف عما لا يباح والغنى غنى النفس والاستغناء عما في أيديهم وقال زين العرب الهدى الرشاد والدلالة والعفاف هنا قيل الكفاف والغنى غنى النفس اهـ. نقله عنه العلقمي في شرح الجامع الصغير ثم يستفاد من هذه الأحاديث وغيرها أنه يتأكد على كل مصلٍّ إلَّا الإمام حيث لم يرضوا بتطويله نظير ما مر الدعاء سرًّا بعد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقبل السلام لنفسه قال بعض أئمتنا وللمؤمنين والمؤمنات بما أحب والمتعلق بالآخرة أولى لأنه المقصود الأعظم وإنما يباح الدينوي أن أبيح وإلا حرم وأبطل الصلاة، واعترض قول أئمتنا يسن الجمع بين الأدعية المأثورة أي ما لي يخف وقوعه في سهو على خلاف فيه بأن الجمع لم يرد بل ينبغي أن يقال هذا مرة، وهذا مرة وتقدم آخر أذكار الركوع

ص: 19