الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقال عند الصباح وعند المساء
اعلم أن هذا الباب واسع جدًّا، ليس في الكتاب باب أوسع منه، وأنا أذكر إن شاء الله تعالى فيه جملًا من مختصراته، فمن وُفق للعمل بأكلها فهي نعمة وفضل من الله تعالى عليه وطوبى له،
ــ
تحضر الصلاة والنوم بين العشاءين يحرم الرزق اهـ. قال الحافظ في الفتح وأخرج سفيان ابن عيينة في جامعه عن خوات رضي الله عنه قال نوم أول النهار خرق وأوسلطه خلق وآخره حمق وسنده صحيح اهـ، وفي الأدب المفرد للبخاري عن خوات بن جبير قال نوم أول النهار خرق وأوسطه خلق وآخره حمق وفي نزهة العيون لنجم الدين بن فهد النوم في أول النهار عيلولة وهي الفقر وعند الضحي فيلولة وهي الفتور وقبل الزوال قيلولة هي الزيادة في العقل وبعد الزوال حيلولة أي حيل بينه وبين الصلاة وفي آخر النهار غيلولة أي تورث الهلاك اهـ.
باب ما يقال عند الصباح وعند المساء
في القاموس الصباح الفجر وأول النهار والمساء ضده اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير قال شيخنا يعني السيوطي فائدة وهي عزيزة النقل، فرع، أول المساء من الزوال ذكره الفقهاء عند كلامهم على كراهة السواك للصائم بعد الزوال أما الصباح فقل من تعرض له وطالما فحصت عنه إلى أن وقفت عليه في ذيل فصيح ثعلب للعلامة موفق الدين البغدادي قال الصباح عند العرب من نصف الليل الأخير إلى الزوال ثم المساء إلى آخر نصف الليل الأول اهـ. ما نقله قلت ومن فوائده أنه يشرع ذكر الألفاظ الواردة بالأذكار المتعلقة بالصباح والمساء وهذا واضح في الأذكار التي فيها ذكر المساء والصباح أما التي فيها ذكر اليوم والليلة فلا يتأتى فيها ذلك إذ أول اليوم شرعًا من طلوع الفجر والليل من غرب الشمس اهـ، وقال ابن حجر في شرح المشكاة بعد كلام الموفق والظاهر أن المراد في الأحاديث بالمساء أوائل الليل وبالصباح أوائل النهار ثم رأيتني في شرح سيد الاستغفار ذكرت لذلك زيادة وهي قوله ومن
ومن عجز عن جميعها فليقتصر من مختصراتها على ما شاء ولو كان ذِكْرًا واحدًا.
والأصل في هذا الباب من القرآن العزيز قول الله سبحانه وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] وقال تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ
ــ
إطلاقه المساء على ما ذكر أي من غروب شمس اليوم والصباح على ما يأتي أي طلوع الفجر يؤخذ ما قررناه سابقًا أن الأذكار المقيدة بالصباح والمساء ليس المراد فيها حقيقتهما من نصف الليل إلى الزوال في الأول ومنه إلى نصف الليل في الثاني كما نقل عن ثعلب وإنما المراد بهما العرف من أوائل النهار في الأول وآخره في الثاني ويؤيده أن ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذن الأذان الثاني الذي هو علامة على الفجر الصادق حتى يقال له أصبحت أصبحت والصباح ابتداؤه من هذا الوقت وما قرب منه لا من نصف الليل وشروع الأذان منه عندنا لا يدل على أنه من حينئذ لا يسمى صباحًا اهـ، وسبقه لذلك ابن الجزري فقال من قال إن ذكر المساء يدخل بالزوال فكيف يعمل في قوله أسألك خير هذه الليلة وما بعدها وهل تدخل الليلة إلَّا
بالغروب اهـ، وسبقه أيضًا لذلك العلامة الرداد وزاد بيان آخر الوقت في كل منهما فقال في موجبات الرحمة وعزائم المغفرة وقت أذكار الصباح من طلوع الفجر إلى الضحي وما بقي وقتها فحكم الصباح منسحب عليه والمختار منه من طلوع الفجر إلى أن تكون الشمس من ناحية المشرف كهيئتها من ناحية المغرب عند العصر ووقت أذكار المساء من بعد صلاة العصر إلى المغرب إلى أن يمضي ثلث الليل أو نصفه والله أعلم، وقال ابن حجر في شرح المشكاة في الكلام على حديث عثمان الآتي في الباب ثم ظاهر في الصباح والمساء وحين يصبح وحين يمسي أنه لو قال أثناء النهار أو الليل لا تحصل تلك الفائدة وعظيم بركة الذكر يقتضي الحصول وسيأتي في الكلام على ذلك الحديث لهذا المقام مزيد. قوله:(عجزَ) بفتح الجيم على الأفصح. قوله: (وسبح، بحمد ربكَ) قال في الكشاف بحمد ربك في موضع الحال أي وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه والمراد بالتسبيح الصلاة أو على ظاهره. قوله: (قبْلَ طُلوع الشَمسِ) قال الواحدي يريد الفجر. قوله: (وقبْلَ غرُوبهَا) يعني العصر.
وَالْإِبْكَارِ (55)} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205] قال أهل اللغة: الآصال جمع أصيل: وهو ما بين العصر والمغرب. وقال تعالى:
ــ
قوله: (وَالإبكارِ) قال في زاد المسير الإبكار ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الضحي قال الزجاج أبكر الرجل يبكر إبكارًا وبكر يذكر في كل شيء تقدم فيه اهـ. قوله: (وَاذْكر ربكَ) قال أبو حيان في النهر لما أمرهم الله تعالى بالاستماع والإنصات إذا قرأ أي بقوله: ({وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] الآية ارتقى من أمرهم إلى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى في نفسه أي بحيث يراقبه ويذكره في الحالة التي لا يشعر بها أحد وهي الحالة العليا وقوله "ربك" أي مالك أمرك "في نفسك" متعلق باذكر و "تضرعًا وخيفة ودون الجهر" معطوف على قوله في نفسك أي اذكر في نفسك وذكرًا دون الجهر أي يذكره بالقول الخفي الذي يشعر بالتذلل والخضوع من غير صياح ولا تصويت كما يناجي الملوك ويستجلب منه الرغائب وكما قال صلى الله عليه وسلم للصحابة وقد جهروا بالدعاء إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا اربعوا على أنفسكم اهـ. قوله: (بالغدو) قال في النهر إن كان جمعًا لغداة فهو مقابل للجمع وهو بالآصال وإن كان مصدرًا لغدًا فهو على حذف تقديره بأوقات الغدو والظاهر اقتصار الأمر بالذكر على هذين الوقتين وقيل المراد بهما الأوقات أي سائرها واقتصر عليهما لأنهما ظرفان للأوقات اهـ. مع يسير تغيير. قوله: (جمع أصيل) مثله في النهر لأبي حيان والسلاح لابن همام وغيرهما لكن قال الواحدي الآصال واحدها أصل وواحد الأصل أصيل قال الزجاج الآصال العشايا جمع الجمع اهـ، وهو مخالف لكلام المصنف وفي مفردات الراغب ما يؤيد كلام المصنف وهو قوله الآصال العشايا يقال للعشية أصل وأصيلة فجمع الأصيل أصل وآصال وجمع الأصيلة أصائل اهـ، فهو مصرح بأن آصال جمع لأصيل كأصل لا أنه جمع لجمعه. قوله:(وهُو ما بيِّن والمَغرب الخ) قال الرداد في موجبات الرحمة وهو المساء في اعتبار معنى الأحاديث الواردة في أذكاره وأدعيته
{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]
ــ
فهو محل الذكر المقيد بالعشاء والمساء فيأتي العبد فيه بما أتى
به من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس من الذكر إلا ما اختص به الصباح وإن عرض عارض وشغل شاغل عن الإتيان بما ذكر في هذا الوقت أتى به بعد صلاة المغرب فإن حكم المساء باقٍ عليه إلى وقت العشاء مقدمة ومؤخرة اهـ. قوله: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)[الأنعام: 52] الخ) في النهر قال سعد بن أبي وقاص نزلت فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قالت قريش إنا لا نرضى أن نكون لهؤلاء أتباعًا فاطردهم عنك فنزلت ولما أمر تعالى بإنذار غير المتقين لعلهم يتقون أردف ذلك بتقريب المتقين وإكرامهم ونهاه عن طردهم ووصفهم بموافقة ظاهرهم لباطنهم من دعاء ربهم وخلوص نياتهم والظاهر في قوله يدعون ربهم يسألونه ويلجؤون إليه ويقصدونه بالدعاء والرغبة وذكر في زاد المسير خمسة أقول في المراد بذلك باقيها الصلاة العبادة تعلم القرآن دعاء الله بالتوحيد والإخلاص له وعبادته اهـ. قوله: (بالغداةِ وَالعَشي) كناية عن الزمان الدائم ولا يردا بهما خصوص زمانهما كما يقول الحمد لله بكرة وأصيلًا يريد على كل حال فكنى بالغداة عن النهار وبالعشي عن الليل أو خصمها بالذكر لأن الشغل فيهما غالب على الناس ومن كان في هذين الوقتين يغلب عليه ذكر الله تعالى ودعاؤه فكان في وقت الفراغ أغلب عليه اهـ. قوله: (يُريدُونَ وجْههُ) جملة حالية وذو الحال الواو في يدعون وهي الفاعل ويدعون هو العامل قال الواحدية قال ابن عباس يطلبون ثواب الله ويعملون ابتغاء مرضات الله والمعنى يريدون الله بطاعتهم ويذكر لفظ الوجه للتعظيم كما يقال هذا وجه الرأي وفي الحديث عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله في صحف مختتمة فيقول الله تعالى اقبلوا هذا ودعوا هذا فتقول الملائكة ما علمنا إلا خيرًا فيقول الله هذا ما أريد به وجهي وهذا لم يرد به وجهي ولا أقبل إلَّا ما أريد به وجهي اهـ، وفي النهر وجهه هو كناية عن الله سبحانه إذ الجسمانية تستحيل بالنسبة إليه تعالى وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في تأويل الآيات والأحاديث المتشابهة اعلم أنه إذا اطلق
الآية قال أهل اللغة:
العشي: ما بين زوال الشمس وغروبها. وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
…
} الآية
[النور: 36، 37]. وقال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ
ــ
الوجه في الآية الكريمة فالمراد به الذات المقدس وعبر عنه بالوجه على عادة العرب الذين نزل القرآن بلغاتهم يقول أحدهم فعلت ذلك لوجهك أي لك وكنى عن الذات بأوجه لأنه المرئي من الإنسان غالبًا وبه يتميز الإنسان عن غيره ولأن الرأس والوجه موضع الفهم والعقل والحسن المقصود من الذات ولأن الوجه مخصوص بمزيد الحسن والجمال ويظهر عليه ما في القلب من رضا وغضب فأطلق على الذات مجازًا وقد يعبر بالوجه عن الرضا وسبب الكناية عنه أن الإنسان إذا رضي بالشيء أقبل عليه بوجهه وإذا كرهه أعرض بوجهه عنه ويطلق الوجه ويراد به القصد ومنه قول الشاعر.
رب العباد إليه الوجه والعمل اهـ، وهذا كله بناء على مذهب الخلف القائلين بالتأويل وهو أحكم ومذهب السلف في ذلك وأمثاله تنزيهه تعالى عن ظاهره وتفويض المراد منه إلى الله تعالى وهو أسلم وسيأتي لهذا المقام مزيد. قوله:(الآيةَ) بحركات الإعراب الثلاثة كما تقدم فيما يقال في المسجد والمراد إلى قوله فتطردهم فتكون من الظالمين.
قال الواحدي قال ابن الأنباري عظم الأمر في هذا على النبي صلى الله عليه وسلم وخوف بالدخول في جملة الظالمين لأنه قد هم بتقديم الرؤساء وأولي الأموال على الضعفاء ذوي المسكنة فأعلمه الله أن ذلك غير جائز ونقله أيضًا ابن الجوزي في زاد المسير. قوله: (قَال أَهلُ اللغةِ الخ) حكاه في النهاية ثم قال وقيل أنه من زوال الشمس إلى الصباح وحكى المصنف في باب ما يقول بعد زوال الشمس عن أبي منصور الأزهري أن العشي ما بين أن تزول الشمس إلى أن تغرب اهـ، وفي المهذب العشي من المغرب إلى العتمة أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر والعشي والعشية آخر النهار اهـ، وفي المغرب المشهور أنه آخر النهار. قوله:{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} [ص: 18] قال الواحدي في تفسير سورة سبأ كان إذا سبح داود
بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ [ص: 18].
وروينا في "صحيح البخاري"
ــ
سبحت الجبال معه وقال في سورة سبحان في قوله تعالى ({وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي يخضع له ويخضع فصرف التسبيح إلى لازمه وقال السيوطي في الجلالين يسبح متلبسًا بحمده أي يقول سبحان الله وبحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم لأنه ليس بلغتكم اهـ، وهذا ظاهر التنزيل والتلفظ لا يتوقف على جارحة اللسان كما هو الصحيح عند المتكلمين لأن الذي أقدر اللسان على النطق يوجده بغيره سبحانه وتعالى وقال ابن حجر في شرح المشكاة والظاهر أنه بلسان المقال لأن الأصح حمل النصوص على ظاهرها ما أمكن. قوله: (بالعَشي وَالإشراق) قال الواحدي يروى عن ابن عباس بطرق أنه فسر التسبيح بالإشراق في هذه الآية بصلاة الضحا ثم ساق بسنده حديثًا مرفوعًا عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحي وقال يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق اهـ.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيح البخاري) عطف على "من القرآن قوله" الخ. إلَّا أن في الكلام محذوفًا يبينه السياق أي ومن السنة ما روينا الخ. قال الحافظ ورواه أحمد والنسائي عن شداد في الاستعاذة وعمل اليوم والليلة وابن عدي قال في السلاح وليس لشداد في الصحيحين سوى حديثين أحدهما هذا والآخر في مسلم أن الله كتب الإحسان على كل شيء اهـ، وفي الجامع الصغير رواه أحمد والبخاري والنسائي عن شداد اهـ، وأخرج الحافظ الحديث من طريق الطبراني في كتاب الدعاء من حديث بريدة رضي الله عنه أخرجه عن الوليد بن ثعلبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي فذكر بمثله إلّا أنه قال فاغفر لي ذنوبي جميعًا وقال في آخره فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة وقال بعد تخريجه هو حديث حسن صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من غير الوليد بن ثعلبة وقد وثقه يحيى بن معين وكنت أظن أن روايته هذه شاذة وأنه سلك عن العبادة حتى رأيت الحديث من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه أخرجها ابن السني فبان أن للحديث عن بريدة أصلًا
عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَيدُ الاسْتِغْفَارِ:
ــ
وقد أخرجه البزار من حديث بريدة كما قاله في الحصين قال الحافظ وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة ومن حديث جابر وغيرهما أخرجهما الطبراني وغيره قاله الحافظ. قوله: (عَنْ شدادِ بْنِ أَوْس) هو أبو يعلى وقيل أبو عبد الرحمن شداد بن أوس بن ثابت
الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان بن ثابت قيل هو بدري وغلط قائله إنما البدري أبوه قال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء كان شداد من أولي العلم والحكمة سكن بيت المقدس وأعقب بها توفي سنة ثمان وخمسين أو إحدى وأربعين أو أربع وستين عقب خمس وسبعين سنة ودفن بها وقبره بظاهر باب الرحمة باقٍ إلى الآن روي له خمسون حديثًا انفرد البخاري منها بواحد وهو حديث الباب ومسلم بآخر وهو حديث الإحسان. قوله: (سيدُ الاستغْفارِ) أي سيد ألفاظه قال الطيبي استعير لفظ السيد من الرئيس المقدم الذي يصمد إليه في الحوائج لهذا الدعاء الذي هو جامع التوبة لمن تأملها إذ هي غاية الاعتذار قال في فتح الإله وهذا الذكر كذلك وتعقب بأنه يفيد أن المراد بالاستغفار التوبة والظاهر من الحديث الإطلاق وبالمنع من جامعيته لمعنى التوبة إذ ليس فيه إلّا الاعتراف بالذنب الناشئ عن الندامة أما العزم على ألا يعود أو أداء الحقوق لله أو العباد فلا يفهم منه أصلًا ويمكن أن يقال أن الظاهر من استعاذته من سوء صنعه العزم على عدم عوده وأما أداء الحقوق فيسأل من الله غفرانها وبالغفران يحصل المقصود والله أعلم قال الكرماني.
أن قلت ما الحكمة في كون هذا الذكر أفضل الاستغفارات.
قلت هو وأمثاله من التعبدات والله أعلم بذلك لكن لا شك أن فيه ذكر الله بأكمل الأوصاف وذكر نفسه بأنقص الحالات وهو أقصى غاية التضرع ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلَّا هو، أما الأول فلما فيه من الاعتراف بوجود الصانع وتوحيده الذي هو أصل الصفات العدمية المسماة بصفات الجلال والاعتراف بالصفات السبع التي هي الصفات الوجودية المسماة بصفات الإكرام وهي القدرة اللازمة للخلق الملزومة للإرادة والعلم والحياة والخامسة الكلام اللازم من الوعد والسمع والبصر اللازمان من المغفرة إذ المغفرة للمسموع وللمبصر لا يتصور إلَّا بعد السماع والإبصار، وأما الثاني فلما فيه أيضًا من الاعئراف
اللهُم أنْتَ رَبي لا إله إلا أنْتَ، خَلَقْتَني وأنا عَبْدُكَ وأنا على عَهْدِكَ ووعْدِكَ ما استَطَعْتُ،
ــ
بالعبودية وبالذنوب في مقابلة النعمة التي يقتضي نقيضها وهو الشكر اهـ. قال شارح عدة الحصين.
أن قلت أين لفظ الاستغفار في هذا الدعاء وقد سماه الشارع سيد الاستغفار.
قلت الاستغفار في لسان العرب طلب المغفرة من الله تعالى وسؤاله غفران الذنوب السالفة والاعتراف بها وكل دعاء كان فيه هذا المعنى فهو استغفار مع أن الحديث فيه لفظ الاستغفار وهو قوله فاغفر لي الخ. قوله: (أَنت رَبي) أي ورب كل شيء فقد رببت الوجود وأهله بالإيجاد ثم بالإمداد فوجب علي وعلى سائر العباد العود إلى ساحتك العلية بلسان الاعتذار والقيام في حال الذل والانكسار. قوله: (لَا إِلهَ إلا أَنْتَ) أي فلا يطلب من غيرك شيء لأنه مقهور لا ينفع نفسه ولا يدفع الضر عنها وما أحسن قول العارف الكبير أبي الحسن الشاذلي:
آيست من نفع نفسي لنفسي
…
فكيف لا آيس من نفع غيري لنفس
ورجوت الله لغيري
…
فكيف لا أرجوه لنفسي
قوله: (خلَقْتني) شرح لبيان التربية المدلول عليها بقوله أنت ربي. قوله: (وأَنا عَبدُكَ) أي مخلوقك ومملوكك جملة حالية محققة أو معطوفة وكذا جملة وأنا على عهدك الخ. قوله، (على عَهدِكَ وَوَعْدِكَ) قيل عهدك أي ما عاهدتني بالإيمان المأخوذ يوم ألست بربك أي أنا مقيم على ما عاهدتني في الأزل من الإقرار بربوبيتك وقيل عهدك أي على ما عاهدتني أي أمرتني به في كتابك وبلسان نبيك من القيام بالتكاليف ووعدك أي مستنجز وعدك في المثوبة والأجر في العقبى على هذه العهود وأنا موقن بما وعدت به من البعث والنشور وأحوال القيامة فالمصدر مضاف لفاعله وقيل ما عاهدتك عليه في الأزل من الإقرار بالوحدانية المأخوذ يوم ألست بربكم ووعدك أي ما وعدتك به من الوفاء بذلك فالمصدر مضاف للمفعول قيل ولا يبعد أن يراد الجميع من الكلمة الجامعة لما ذكر وغير ذلك مما يخطر ببال. قوله:(ما استطعت) أي قدر استطاعتي فما مصدرية واشتراط ظرفية الاستطاعة اعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب في حقه تعالى أي لا أقدر أن أقوم بعهدك حق القيام به لكن أجتهد قدر طاقتي قال صاحب النهاية استثنى بقوله ما استطعت موقع القدر السابق لأمره
أبُوءُ لكَ بِنِعْمتِكَ عَلي، وأبوءُ بِذَنبي فاغْفِرْ لي فإنه لا يَغْفِرُ الذنوبَ إلا أنتَ،
ــ
أي إن كان قد جرى القضاء على أن أنقض العهد يومًا فإني أميل عند ذلك إلى الاعتذار بدفع الاستطاعة في رفع ما قضيت. قوله: (أَبُوءُ) قال المصنف معناه أقر وأعترف قال في السلاح وأصله من بؤت بكذا إذا احتملته ومنه قوله تعالى فباءوا بغضب على غضب قال بعض المفسرين معناه احتملوه ورجعوا به اهـ، وفي شرح المشكاة أصله التزم والأنسب هنا أقر وأعترف ثم هو بهمزة مفتوحة فموحدة مضمومة وبعد الواو همزة وقال ابن الجزري أي ألتزم وأرجع وأقر وأعترف بالنعمة التي أنعمت بها علي. قوله:(وأَبُوءُ لَك بذَنْبي) معناه الإقرار بالذنب والاعتراف به أيضًا لكن فيه معنى ليس في الأول لأن العرب تقول باء فلان بذنبه إذا احتمله كرهًا لا يستطيع دفعه عن نفسه ولذا ورد في بعض الروايات الصحيحة أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي بإثبات لك مع النعمة وبحذفها في ذنبي وهو أدب حسن قال الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة وأبوء بذنبي أي الذنب العظيم الموجب للقطيعة لولا واسع عفوك وهامع فضلك اهـ، وتعقبه في المرقاة بأنه ذهول وغفلة منه أن هذا لفظ النبوة وهو معصوم عن الزلة اهـ، ولك أن تقول ليس في هذا إثبات وقوع الذنب منه صلى الله عليه وسلم حتى ينافي العصمة إنما المقصود أنه لكمال فضله وخضوعه لربه يرى ذلك وكلما كمل الإنسان زاد اتهامه لنفسه ومثاله في الشاهد أن البريء من الذنب المقرب مثلًا إذا قال للملك أنا مسيء في حقك ونحو ذلك عد منه تواضعًا وسببًا لترقيه عنذ ذلك الملك وليس فيه إثبات للذنب والله أعلم.
وقد تقدم لهذا نظير في أماكن كثيرة منها في دعاء الافتتاح وقال الطيبي اعترف أولًا بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل الأنعام ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يفم بأداء شكرها وعد ذنبًا مبالغة في التقصير وهضم النفس اهـ، وتعقبه ابن حجر بأنه لا يتفرع عليه ما قرنه بفاء التفريع المفرع ما بعدها عما قبلها في قوله فاغفر لي وفيه أن الاعتراف المقتضي لعفو الاقتراف موجود في كلام الطيبي فيناسب تفريع سؤال الغفران عليه ولذا قال في المرقاة إن كلام الطيبي في كمال الحسن.
قوله: (فإنهُ لَا يغْفرُ الذنوبَ) أي جميعها وظاهر خروج الكفر منها فلا يغفر أو حتى الكفر إذا كان الغفران بالتوبة
أعوذُ بك من شر ما صنعت، إذا قال ذلك حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، أو كان من أهل الجنة، وإذا قال ذلك حين يصبح فمات من يومه
…
مثله" معنى أبوء: أقر وأعترف.
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قال حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسي: سُبْحانَ اللهِ وبحَمْدِهِ. مائَةَ مَرة
ــ
من العصيان. قوله: (أَعوذ بكَ الخ) ما فيه مصدرية أو موصولة أي أعوذ بك من صنعي أو مما صنعته مما لم أستطع على كف نفسي عنه من الأعمال التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي قال في الحرز والمراد به غفران الأوزار وعدم الإصرار ولذا كان سيد الاستغفار. قوله: (فماتَ) أي في ليلته كما جاء في رواية أخرى للصحيح. قوله: (دَخَلَ الجَنة) أي ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن المؤمن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصى الله تعالى أو لأنه تعالى يتفضل فيعفو عنه ببركة هذا الاستغفار أشار إليه الكرماني جوابًا عما يقال المؤمن يدخل الجنة وإن لم يقل هذا الذكر والله أعلم.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) في المشكاة متفق عليه وأقره ابن حجر والقاري لكن في الحصين رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وأبو عوانة كلهم عن أبي هريرة ولم يذكر في رواته البخاري وكذا لم يذكره صاحب السلاح وقال أن اللفظ لمسلم وعند أبو داود سبحان الله العظيم وبحمده ولفظ الحاكم من قال إذا أصبح مائة مرة وإذا أمسى مائة مرة سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ورواية ابن حبان في صحيحه بمعنى رواية الحاكم اهـ، وكذا لم يذكر الحافظ فيمن خرجه البخاري بل زاد فذكر في مخرجيه مالك لكن قال غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وابن السني قال من عدة طرق إلَّا أنه خالف باقي الرواة فإنه قال عن سهل بن صالح عن أبيه وكذا أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من عدة طرق عن سهل عن أبيه بإسقاط سمي وقال مالك ومسلم وأبو داود عن سهل عن سمي وهو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح والصواب إثبات سمي والله أعلم. قوله:(مَنْ قال حينَ يصبحُ الخ) الظاهر من قال حين يصبح سبحان الله وبحمده
لم يأتِ أحَد يومَ القِيامَةِ بأفْضَلَ مِما جاءَ بِهِ إلا أحَد قال مثلَ ما قال أو زادَ عليْهِ".
وفي رواية أبي داود: "سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وبِحَمْدِهِ".
وروينا في سنن أبي داود والترمذي، والنسائي وغيرها بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن خُبيب -بضم الخاء المعجمة- رضي الله عنه، قال: "خرجنا في ليلة مَطيرة وظلمة شديدة نطلب النبي صلى الله عليه وسلم ليصليَ لنا، فأدركناه فقال:
ــ
مائة مرة وحين يمسي كذلك ويحتمل الحديث أن المراد أنه يأتي بالمائة في الوقتين لكن وقع في كلام للمؤلف ما يصرح بالثاني قاله الرداد في موجبات الرحمة وينبغي أن يسبح هذا التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لما ورد في ذلك من الآيات الكريمة ليكون جامعًا في عمله هذا بين ما جاء في الكتاب والسنة ولذا ينبغي الجمع بين الروايتين فيقول سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة اهـ. قوله: (مما جاءَ بهِ) أي قول سبحان الله وبحمده مائة مرة. قوله: (إِلا رَجل قَال مثْل مَا قَال الخ) استشكل بأنه يقتضي أن من قال مثل قوله أو زاد عليه يكون أفضل منه ولا إشكال في الزيادة إذ الثواب بقدر العمل إنما الاستشكال مع المماثلة فإنها تقتضي المساواة لا الأفضلية، وأجيب بأن الاستثناء بالنسبة إليه منقطع والتقدير لم يأت رجل بأفضل مما جاء به لكن رجل قال مثل ما قاله فإنه يأتي بمساو
له لتعذر الاتصال فيه إلَّا أن يقدر لم يأت أحد يمثل ما جاء به ولا بأفضل منه إلّا أحد الخ. أو أن أو فيه بمعنى الواو وقال ميرك الجواب الصحيح أن يقال الاستثناء وإن كان في الظاهر من النفي لكن في الحقيقة من الإثبات والمعنى أن من قال ذلك أتى بأفضل مما جاء به كل أحد إلَّا أحد قال مثل ذلك فإنه مساو له أو زاد عليه فإنه أفضل منه قال والمراد بالأفضل منه جنس أذكاره لأنه أفضل الأدعية لا أنه أفضل من جميع الأعمال فإن الإيمان وكثيرًا من الطاعات أفضل منه اهـ. قال المصنف وفي قوله أو زاد دليل واضح على أن هذا مما يجوز فيه الزيادة وليس من التحديد الذي نهى عن اعتدائه ومجاوزة عدده وإن زيادته لا فضل فيها أو تبطل كالزيادة في أعداد الوضوء والصلاة اهـ، وتقدم في باب الذكر له مزيد قيل ولعل الفرق بين القسمين أن الأول للتشريع والثاني للتحديد.
قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) أي واللفظ له. قوله: (والترْمذِي) أي وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه. قوله: (وغيْرهَا) فرواه الطبراني أيضًا بالأسانيد
قُلْ، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قُلْ، فلم أقل
شيئًا، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قُلْ هُوَ الله أحَد والمُعَوِّذتينِ حِينَ تُمْسِي وحِينَ تُصْبِحُ ثلاثَ مَراتٍ
ــ
الصحيحة قال الحافظ مدار هذا الحديث على أسيد بن أبي أسيد البراد أي الراوي له عن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني عن أبيه رضي الله عنه وليس من رجال الصحيح وقال الدارقطني يعتبر به وقد أخرج له النسائي متابعًا في هذا الحديث من رواية زيد بن أسلم عن معاذ بنحوه وليس فيه قصة الظلمة والمطر ولا ذكر (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدُ)[الإخلاص: 1] أخرجه النسائي من طريق حفص بن ميسرة عن زيد وأخرجه أيضًا من طريق عبد الله بن سليمان الأسلمي عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني فذكره بنحو رواية زيد بن أسلم والحديث معروف بعقبة بن عامر الجهني جاء عنه بألفاظ مختلفة.
قلت وقد بين بعضها الحافظ في تخريج الأذكار التي تقال بعد الصلاة وتقدم ذكر خلاصته ثمة قال وذكر النسائي له طرقًا منها ما أخرجه هو والبزار عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر المعروف بغندر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن يزيد بن رومان عن عامر بن عقبة وفي رواية السلمي عن عقبة بن عامر ثم اتفقا عن عبد الله الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره وقال قل فلم أدر ما أقول فذكر نحو الحديث المتقدم وقال فيه هكذا فتعوذ فما تعوذ المتعوذون بمثلهن قال النسائي بعد تخريجه هذا خطأ اهـ. قال الحافظ وبسبب هذا الاختلاف قلت الحديث حسن وتوقفت في تصحيحه واتضح مما سقته أنه ليس في الكتب الثلاثة وغيرها عن عبد الله بن خبيب قال في السلاح ليس لعبد الله بن خبيب عند الستة سوى هذا الحديث وقال البرقي له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان وقال أبو الفرج بن الجوزي له ثلاثة أحاديث وخبيب قال المصنف بضم الخاء المعجمة زاد في الحرز وموحدتين مصغر وهو كما في أسد الغابة عبد الله بن خبيب الجهني حليف الأنصار عداده في أهل المدينة له ولأبيه صحبة ثم أسند الحديث المذكور وقال أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر. قوله: (قلْ) أي
اقرأ. قوله: (قلْ هُو الله أَحدٌ) أي اقرأ هذه السور الثلاث الملقبة بهو الله أحد والمعوذتين قيل وكأن قراءة الإخلاص بمنزلة الثناء قبل الدعاء لتفيد سرعة الإخلاص. قوله: (ثلاثَ مراتٍ) أي
تكْفِيكَ مِنْ كُل شَيء" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه وغيرها
ــ
فإن من أدب الدعاء الإلحاح وأقله التثليث. قوله: (تكفيكَ) أي هذه السور أي تدفع عنك. قوله: (منْ كل شَيْءٍ) قيل من فيه زائدة في الإثبات على مذهب جماعة بل وعلى مذهب الجمهور لأن يكفيك متضمنة للنفي كما علم من تفسيرها بيدفع ويصح أن تكون لابتداء الغاية أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إلى آخرها أو تبعيضه أي بعض كل نوع من أنواع السوء قيل ويحتمل أن يكون المعنى تغنيك عن كل ما عداها ولعل وجهه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وورد لن يقرأ سورة أبلغ عند الله من (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَق) الفلق: رواه أحمد والنسائي والدارمي من حديث .. واعترض بأنه إذا فسر يكفي بما سبق وأبلغ بمعنى أبلغ في التعويذ من كل سورة فما وجه ذكر الثلاثة في الحديث المذكور، وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخبر بالقليل أولًا ثم بالكثير إعلامًا بمنة الله تعالى عليه وعلى أمته إذ لم يعطوا ذلك إلّا بسببه فأخبر أن الثلاثة تكفي من كل سوء ثم عظمت عليه المنة فأخبر بأن وسطاها وخلاصتها في ذلك تحصل الكفاية بها وحدها ويمكن الجمع أيضًا بأن يجعل من كل سوء خاصا بالثلاث وهو ما في حديث الباب و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَق) أبلغ أي عند الله في كفاية شيء مخصوص من أنواع السوء وقيل ويحتمل على بعد أن يكون المراد في حديث أحمد أبلغ من (قُل أَعُوذُ برَبِّ الفَلِق) أي و (قُل هُوَ اللَّهُ أحد) [الإخلاص: 1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] بقرينة حديث ابن خبيب فيتفق الخبران. قوله: (والترمذِي) أي وقال هذا حديث حسن. قوله: (وغيْرهَا) قال في المرقاة قال ابن الجزري رواه أحمد والأربعة وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة ولفظهم في الصباح النشور وفي المساء المصير.
قلت وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد وأخرجه النسائي في الكبرى كما قاله الحافظ قال وأخرجه الترمذي وابن ماجة بصيغة الأمر إذا أصبح أحدكم فليقل وفي سند كل منهما مقال قال ابن الجزري وجاء في أبي داود فيهما النشور وفي الترمذي فيهما المصير اهـ. وبه يعلم أن ما في الكتاب لفظ أبي داود وفي الحرز نقلًا عن ابن الجزري يقال نشر ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت ولذا ناسب أن يقال في الصباح وإليه النشور
بالأسانيد الصحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح:"اللَّهُم بكَ أصبحنا وبك أمسَينا، وَبكَ نَحْيا، وبكَ نَمُوت، وإليكَ النشُورُ" وإذا أمسى قال: "اللهُم بِكً أمْسَينا، وبِكَ نحيا، وبكَ نموتُ وإليكَ النُّشُورُ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر
ــ
فإنه يقع في القيام من النوم وهو كالموت وناسب أن يقال في المساء إليه المصير لأنه يصير إلى النوم وهذا هو الصحيح في الحديث ورواه أبو عوانة في صحيحه وغيره وما ورد غير ذلك فإنه وهم من الراوي اهـ، ويشير به إلى ما ذكره في تصحيح المصابيح أنه جاء في أبي داود فيهما النشور وفي الترمذي فيهما المصير اهـ، ولا يخفى أنه بمجرد تحسين المناسبة المعنوية ولا يجوز الطعن بالوهم وغيره فيما ثبت من الروايات لا سيما ورواية أبي داود والترمذي أكثر اعتبارًا من رواية أبي عوانة مع أن مؤدي النشور والمصير واحد وهو الرجوع إلى الله تعالى بعد الموت نعم المغايرة بينهما أتم على أن قوله بك نحيا يناسبه النشور وبك نموت يناسبه المصير ففيه نوع لف ونشر
اهـ. وأيضًا فإن النهار محل الكسب فيناسب الانتشار والليل محل السكون فيناسبه المصير اهـ. قوله: (بالأَسانيدِ الصحيحةِ).
قال الحافظ بعد تخريجه الحديث أنه حديث صحيح غريب. قوله: (إِذَا أَصبَحَ) أي دخل في الصباح. قوله: (بكَ أَصْبحنَا) أي بسبب نعمة إيجادك وإمدادك أصبحنا والظرف خبر مقدم على حذف مضاف. قوله: (وبكَ نحيَا الخ) حكاية الحال الآتية يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال ومثله حديث حذيفة السابق في باب ما يقول إذا استيقظ من نومه اللهم باسمك أحيا وأموت أي لا أنفك عنه وتقدم في ذلك الباب الكلام على هذا الخبر بما يغني عن الإعادة والمقصود من ذلك التبري من الحول والقوة. قوله: (النشورُ) أي البعث بعد الموت والتفرق بعد الجمع. قوله: (وَرَوَينْا في صحيح مُسلم الخ) وكذا رواه أبو داود كما في الحصين والسلاح زاد الأخير ورواه الحاكم وزاد فيه بعد قوله لك ثلاث مرات ويرفع بها صوته زاد الحافظ وأخرجه النسائي وابن خزيمة والحديث صحيح غريب قال وقد وجد له شاهد
وأسحر يقول: "سَمَّعَ سامِع بِحَمْدِ اللهِ وحُسْنِ بلائهِ عَلَينا، رَبنا صاحِبْنا، وأفضِلْ علَيْنا عائِذا باللهِ مِنَ النارِ".
قال القاضي عياض وصاحب "المطالع" وغيرهما: سمَّع
ــ
عن ابن عمر لكنه غير مرفوع فأخرجه الحافظ عن مجاهد عن ابن عمر أنه كان إذا غشيه الصبح وهو مسافر نادى سمع سامع بحمد الله فذكر مثله لكن زاد يقولها ثلاث مرات. أخرجه أيضًا عنه لكنه بلفظ أسمع سامع وباقيه سواء وزاد ولا حول ولا قوة إلَّا بالله قال وروينا في كتاب الدعاء للمحاملي من وجه آخر عن مجاهد عن نعيم بن مسعود موقوفًا أيضًا ورواية أسمع بالهمزة تؤيد ما اذهب إليه القاضي عياض من ضبط سمع بتشديد الميم اهـ. قوله: (فاسْحَرَ) أي دخل في وقت السحر وهو قبيل الصبح قال الزمخشري السدس الأخير من الليل قيل سمي بذلك لاشتباهه بالضياء ذكره صاحب العين. قوله: (بحِمدِ الله) أي بحمدنا الله فالمصدر مضاف للمفعول زاد أبو داود "ونعمته" وقيل المراد أي سار إلى السحر وعلى هذا فيختص هذا الذكر بالمسافر بخلافه على الأول. قوله: (وحسن بلائهِ) بالجر عطفًا على حمد الله وفي نسخة من الحصين بالرفع على أنه جملة من مبتدأ وخبر أي حسن نعمته أو حسن اختباره واقع علينا وثابت له بنا قال ابن الجزري قوله على نعمه وحسن بلائه أي على ما أحسن إلينا وأولانا من النعم وحسن البلاء بالنعمة الاختبار بالخير ليتبين الشكر وبالشر ليظهر الصبر، وفيه أن قوله على نعمه مشعر أن لفظ على من متن الحديث وليس موجودًا في الأصول المصححة والنسخ المعتمدة. قوله:(ربنا) أي يا ربنا. قوله: (صاحِبنْا) بسكون الباء من المصاحبة أي كن مصاحبًا لنا بالإعانة والإغاثة وفي حاشية الإيضاح لابن حجر الهيتمي في قوله أنت الصاحب في السفر يستفاد منه أن هذا من أسماء الله تعالى لكن هل هو
يقيد في السفر اتباعًا للفظ الحديث إذ أسماء الله توقيفية ولم يرد إلا مقيدًا أو لا يتقيد بذلك محل نظر والأقرب الأول اهـ. ولك أن تقول أن لفظ حديث الباب مشعر بجواز اطلاف الصاحب من غير تقييد سيما على مذهب من يكتفي في الإطلاق بوروده في الفعل أو أصله والله أعلم. قوله: (وأَفْضِلْ) بصيغة الأمر من الإفضال أي نسألك الإفضال من نعمك بفضلك. قوله: (عائِذًا بالله) هو منصوب على المصدر أي أعوذ عياذًا أقيم اسم الفاعل
بفتح الميم المشددة، ومعناه: بلغ سامع قولي هذا لغيره، تنبيهًا على الذِّكْر في السَّحَر والدعاء في ذلك الوقت، وضبطه الخطابي وغيره، سمع: بكسر الميم المخففة، قال الإمام أبو سليمان الخطابي: سمع سامع، معناه: شهد شاهد. وحقيقته: ليسمع السامع وليشهد الشاهد حَمْدنا لله تعالى على نعمته وحسن بلائه.
ــ
مقام المصدر كما في قولهم قم قائمًا أو على الحال من الضمير المرفوع في قوله اسحر فيكون من كلام الراوي قاله القاضي ويريد أنه إذ كان مصدرًا فهو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان حالًا فمن كلام الراوي وجوز المصنف أن يكون حالًا وأن يكون من كلامه أي إني أقول ذلك حال كوني عائذًا من النار اهـ، وهذا أرجح لئلا ينخرم النظم قاله الطيبي وقال ابن الجوزي أي مقسمًا ونصبه على الحال اهـ، قيل ويحتمل أن يكون حالًا من فاعل سمع اهـ. وروي عائذ بالرفع أي أنا عائذ وختم بهذا تعليمًا للأمة أنه ينبغي ضم الخوف للرجاء وهضمًا لنفسه وتواضعًا لربه سيما بعد حمده على نعمه الخطير عليه وزيادة في شكرها وإذعانها وإشاعتها كما هو شأن كل خطير يطلب دوامه والثبات عليه. قوله:(بتشديدِ المِيم) قال الطيبي هو كذلك في أكثر روايات مسلم كذا في المرقاة. قوله: (معْنَاهُ شَهِدَ الخ) أي ومعناهَ أي بمعنى شهد شاهد فيكون شاهد بدلًا من الضمير والضمير عائد إليه مثل اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم وعبارة السلاح وقال الخطابي بكسر الميم المخففة ومعناه شهد شاهد قال ابن حجر الهيتمي والباء في بحمد الله زائدة على التشديد وبمعنى على على التخفيف ونازعه في المرقاة بأن كليهما غير صحيح لأنه يقال بلغ الناس بكذا وسمع بهذا الخبر أما إذا كان بمعنى شهد فيتعين وجود الباء لأنه يقال شهد بكذا سواء المشهود عليه والمشهود به اهـ، وفيه أن بلغ يصل إلى مفعوله بنفسه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (67)} [المائدة: 67]، فالباء عليه صلة والله أعلم. قوله:(وحقيقته) أي حقيقته على قول عياض ومن تبعه أنه أمر بلفظ الخبر عدل إليه لأنه لكونه مجازًا أبلغ كما قيل به في قوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] ورجحه الطيبي ومثل ما ذكر في النهاية وقال ابن الجوزي معنى سمع سامع أي ظهر وانتشر فسمعه السامعون اهـ. فأبقاه على ظاهره من الخبرية وقال التوربشتي الحمل على الخبر
وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: "أمسينا وأمْسى المُلكُ للهِ، والحَمْدُ للهِ،
ــ
أولى لظاهر اللفظ والمعنى سمع من كان له سمع بأنا نحمد الله ونحسن نعمه وإفضاله علينا والمعنى أن حمد الله تعالى على نعمه وإنعامه علينا أشهر وأشيع من أن يخفى على ذي سمع وسامع نكرة قصد به العموم كما في تمرة خير من جرادة والله أعلم، وقوله على نعمه يقتضي أن هذا اللفظ من الحديث ولم يورده المصنف وقد علمت أن لفظ نعمته عند أبي داود أما على فليمست من متن الخبر وقد سبق بيان ذلك.
قوله: (وَرَوَينْا في صحيحِ مُسلْم الخ) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي كذا في السلاح والنسائي أخرجه في الكبرى كما قال الحَافظ وزاد في الحصين وابن أبي شيبة في مصنفه قال الحافظ وللحديث شاهد من حديث البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له اللهم إني أعوذ بك من الكسل وعذاب القبر أخرجه الحافظ من طريق الطبراني في كتاب الدعاء قال وأخرجه ابن السني هكذا من وجه آخر وسنده حسن اهـ. قوله: (أَمسَينَا وأَمسَى المُلكُ لله) أي دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنا لله ومختصًا به والجملة حالية من فاعل أمسينا بتقدير قد أو بدونه أي أمسينا وقد صار بمعنى كان ودام الملك لله أو خبر لأمسينا بناء على جواز زيادة الواو في خبر كان وأخواتها وعليه فيفرق بينه وبين منعها في خبر المبتدأ بأن اسمها يشبه الفاعل وخبرها يشبه الحال وقيل التقدير أمسينا أي دخلنا في المساء وصرنا فيه مغمورين في كلاءة الله وأمسى الملك لله أي دام وصار والثانية معطوفة على الأولى فأمسى في أمسينا على هذين ناقصة ولا يخفى بعد الأول من الأخيرين ثم رأيته في الحرز أشار إلى فساده. قوله: (والحمدُ لله) الأقرب أنه معطوف على الملك لله كذا قال ابن حجر في شرح المشكاة قال وعطفه على جملة أمسينا بعيد وعكس في الحرز وقال لا يضر كون المعطوف فيه إخبار والمعطوف عليه خبر مبني إنشاء معنى لأنه يجوز التعاطف في ذلك على الصحيح.
قال الطيبي فإن قلت ما معنى أمسى الملك لله والملك لله أبدا وكذا الحمد لله، قلت هو بيان حال القائل أي عرفنا أن الملك لله والحمد له لا لغيره فالتجأنا له واستعنا به وخصصناه بالعبادة والثناء عليه والشكر
لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ" قال الراوي: أُراه قال فيهن: "لَهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُل شَيءٍ قدير، رَب أسألُكَ خَيرَ ما في هَذِهِ الليلَةِ وخَيرَ ما بَعْدَها وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَر ما في هذِهِ الليلةِ وَشَرِّ ما بَعْدَها، رب
أعوذُ بكَ مِنَ الكَسَلِ
ــ
له ثم طلب استمرار ذلك بدخوله في الليل والنهار واستعاذ مما يمنعه من الدعاء والثناء بقوله أسألك من خير هذه الليلة اهـ. قوله: (لَا إلهَ إلا الله) استئناف بياني أو تعليل أو معطوف بحذف العاطف وقال ابن حجر في شرح المشكاة هو عطف على ما قبله بتأويل ودامت الوحدانية مختصة بالله وأتى بهذه الجمل مقدمة لما أراد بعدها من الدعاء ليكون أبلغ في إجابته ودوام فائدته والكلام على قوله وحده إلى قدير تقدم في باب فضل الذكر فأغنى عن الإعادة. قوله: (خيْرَ مَا في هذِهِ الليْلةِ) أي خير ما أردت وقوعه في هذه الليلة لخواص خلقك من الكمالات الظاهرة والباطنة وإضافته إليها لكونها ظرفها أو خير ما يقتضيه أي أخيره فخير على الأخير افعل تفضيل وخير ما يقع فيها أي من العبادات التي أمرنا بها فيها أو المراد خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة. قوله: (منْ شرهَا) أي من شر أردت وقوعه فيها من شر ظاهر أو باطن ولا ينبغي حمل شر على أفعل التفضيل لأن الشر يستعاذ من أدناه أو المراد شر كل موجود الآن مما فيه شر قال ابن الجوزي والمراد باليوم في
ذكر الصباح هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وبالليلة من غروبها إلى طلوع الفجر وقد أغرب من قال أن ذكر المساء يدخل بالزوال اهـ، وسكت عن وقت الذكر المتعلق بالصباح والذكر المتعلق بالمساء وإن كان في كلامه الإشارة إلى الأخير فعلم أن كلامه في اليوم والليلة المذكورين في أدعية الصباح والمساء وإن كان ظاهر إيراده له في هذا المقام المعنون بهما ربما يوهمه وبه يندفع قول الحرز بعد إيراده وقد سبق ما يستفاد منه أن الصحيح في هذا المقام أن يراد بالصباح أول النهار وبالمساء أول الليل كما يدل عليه لفظ اليوم والليلة صريحًا عليهما أما إرادة الليل والنهار جميعًا من الصباح والمساء كما يوهمه كلام المصنف وإن كان صحيحا بطريق الحقيقة والمجاز كما قالوا في قوله تعالى:{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إلا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)} [مريم: 62]، ولكن المراد هنا أطرافهما كما يشير إليه العنوان ويشعر به حديث من قرأ حين يصبح حفظ حتى يمسي وعكسه والله أعلم. قوله:(الكَسلِ)
والهرم وَسُوءِ الكِبَرِ، أعُوذُ بكَ منْ عَذَابٍ في النارِ وعَذابٍ في القَبْرِ، وإذا أصْبَحَ قال ذلك أيضًا: أصْبحنا وأصْبَحَ المُلْكُ للهِ
…
".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
ــ
بفتحتين التثاقل عن الطاعات مع الاستطاعة وسببه غلبة داعي الشر على داعي الخير وقال الطيبي الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة وقدم على ما بعده لأنه أخف منه إذ يمكن معه من العبادات ما لا يمكن مع ما بعده. قوله: (والهرم) بفتحتين كبر السن المؤدي إلى تساقط بعض القوى أو ضعفها وهو الرد إلى أرذل العمر وتقدم في الأذكار بعد التشهد حكمة الاستعاذة منه. قوله: (وسُوءِ الكِبَر) بضم السين ويجوز فتحها وبهما قرئ عليهم دائرة السوء وهما لغتان كالكره والكره والكبر بفتح الباء قيل وهو الأصح رواية ودراية أي مما يورثه الكبر من ذهاب العقل واختلاط الرأي وغير ذلك مما يسوء به الحال وإلّا فقد ورد طوبى لمن طال عمره وحسن عمله وروي بكسر فسكون والمراد به البطر أي الطغيان عند النعمة أي ما يورثه الكبر من أرذل الناس وتضييع حقوقهم قال ابن حجر في شرح المشكاة قول الشارح يعني الطيبي الأول أشهر يعني رواية أما دراية فالثاني يفيد ما لا يفيده الأول فهو تأسيس محض بخلاف الأول فإنه إنما يفيد ضربًا من التأكيد والتأسيس خير منه اهـ. وروي من غير هذا الطريق عنه أيضًا وسوء الكفر أي سوء عاقبته والمراد بالكفر كفران النعمة فيطابق رواية الكبر بسكون الباء. قوله (منْ عذَاب ألخ) التنوين فيهما للتنكير الشامل للقليل والكثير وقال ابن حجر الهيتمي من فيه للتفخيم والتهويل وسبقه إليه الحنفي وهو بعيد لأن العذاب المستعاذ منه لا يتقيد بكونه فخيما كما هو ظاهر.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مسلم الخ) قال في السلاح رواه الجماعة إلَّا البخاري وفي رواية للترمذي من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ يكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضره حمة بضم المهملة وتخفيف الميم لدغة ذي حمة أي سم وقيل فوعة السم والفوعة بفتح الفاء وإسكان الواو ثم عين مهملة الحدة والحرارة كالعقرب تلك الليلة قال سهيل أهلنا تعلموها فكانوا
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيتُ من عقرب لدغتني
ــ
يقولونها كل ليلة فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعًا وقال هذا حديث حسن اهـ. قوله: (جاءَ رجل) لم أجد من
سماه. قوله: (ما لقِيتُ) ما استفهامية أي أي شيء لقيت أي لقيت وجعًا شديدًا أو للتعجب أي أمرًا عظيمًا والخبر محذوف أي الذي لقيته لم أدعه لشدة والمراد لقيت شدة عظيمة كذا قال ابن حجر وتبعه في المرقاة ويمنعه أن ما التعجيبية لا يكون بعدها إلّا أفعل وهو مفقود هنا والله أعلم. قوله: (لدَغَتني) في شرح الجامع الصغير رأيت بخط شيخنا أبي أحمد يونس الحلبي الحنفي ما صورته: هذا ما سألني عنه بعض الإخوان عن الكشف في بعض كتب اللغة عن أربعة ألفاظ ليصير المتكلم بها على بصيرة واستيقاظ لدع بالمهملين ولذغ بالمعجمتين وبإعجام الدال وإهمال العين وعكسه، فأما الأول والثاني فقد أغفلهما في الصحاح والقاموس ولسان العرب وأساس البلاغة والمصباح المنير وغيرها من عدة كتب تصفحتها من كتب اللغة فالظاهر أن العرب أهملتهما وذكر الشيخ محمد بن عبد السلام ابن إسحاق بن أحمد الأموي في كتابه الذي ذكر فيه شرح الألفاظ الغريبة الواقعة في المختصر الفرعي في باب اللام في فصل الذال المعجمة ما نصه لذغته العقرب تلذغه لذغا وتلذاغًا فهو ملذوغ ولذيغ قلت وكأنه مستند ابن حجر في شرح المشكاة أنه بالذال والغين المعجمتين لكن قال القاري في المرقاة أنه من تحريف الكتاب المخالف للنسخ المصححة ولوجه الصواب اهـ. قال ابن يونس الحلبي الحنفي ولم أقف له يعني الأموي في ذلك على مستند وأما الثالث فمذكور في الكتب المذكورة وغيرها ففي القاموس لذع الحب قلبه كمنع آلمه والنار الشيء لفحته وفي لسان العرب اللذع حرقة كحرقة النار وقيل هو مس النار لذعته النار لذعًا لفحته وأحرقته ولذع قلبه المه ولذع الطائر رفرف ثم حرك جناحيه قليلًا وفي الأساس لذعته النار والحر فالتذع وتلذعت النار تضرمت ومن المجاز لذع الحب قلبه قال أبو داود:
فدمعي من ذكرها مسبل
…
وفي الصدر لذع كلذع الغضى
البارحة؟ قال: "أمَّا لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيتَ: أعُوذُ بكلِمَاتِ اللهِ
ــ
ولذعته بلساني وقيح يلذع القرحة وأنه لذاع لمن يعد بلسانه خيرًا ثم يلذع بالخلف وأما الرابع فمذكور في الكتب المذكورة وغيرها ففي القاموس لدغته العقرب والحية كمنع لدغًا وتلداغًا فهو ملدوغ ولديغ وقوم لدغى ولدغاء وقاع في الناس وفي لسان العرب اللدغ عضة الحية والعقرب وقيل اللدغ بالفم واللسع لذوات الإبر وفي الأساس لدغته العقرب ورجل لديغ وقوم لدغى وألدغته أرسلت عليه حية أو عقربًا فلدغته ومن المجاز لدغته بكلمة نزغته بها اهـ، ومن خطه نقلت اهـ. قوله:(البارحةَ) أي الليلة الماضية قال المصنف في التهذيب البارحة اسم الليلة الماضية قال ثعلب والجمهور لا يقولون البارحة إلا لما بعد الزوال ويقال فيما قبله الليلة وقد ثبت في صحيح مسلم آخر كتاب الرؤيا متصلًا بكتاب المناقب عن سمرة بن جندب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر أقبل علينا بوجهه هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا هكذا هو في جميع النسخ البارحة فيحمل قول ثعلب على أن ذلك حقيقة وهذا مجاز وإلا فقوله مردود بهذا الحديث اهـ. لكن قال منصور اللغوي من الغلط أن يقول فيما بين صلاة الفجر إلى الظهر فعلت البارحة كذا والصواب فعلت الليلة كذا إلى الظهر وبعده فعلت البارحة إلى آخر اليوم ويمكن أن يحمل قوله من الغلط أي إذا أريد الحقيقة وإلّا فهو مردود
بالحديث. قوله: (أَما) للتنبيه "لو" فيه شرطية. قوله: (بكلمَاتِ الله) قال في السلاح قال الهروي وغيره هي القرآن وذكر فيه حديث تعويذ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين بكلمات الله التامة "والتامات" الكلمات التي لا يطرقها عيب ولا نقص بخلاف كلام الناس قال البيهقي بلغني عن أحمد أنه استدل بذلك على كون القرآن غير مخلوق ونقل مثله الخطابي عن أحمد وقال ويقول أنه صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق وقال ابن حجر في شرح المشكاة أي كلامه النفسي أو علمه أو أقضيته وشؤونه المشار إليها بقوله كل يوم هو في شأن أو أسمائه وصفاته وتعقب تفسيره لها بالشؤون بأنه غير صحيح لفظًا لعدم إطلاق الكلمة على الشأن ومعنى لأن من جمله الشؤون المخلوقات وقد صرح هو إنما يتعوذ بالقديم لا بالمحدث وقد قالوا شؤون يبديها لا يبتديها فإنها مقدرة قبل وجودها
التاماتِ مِنْ شَر مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ". ذكره مسلم متصلًا بحديث لخَولة بنت حكيم رضي الله عنها هكذا.
ــ
وأيضًا فلا يلائم التمام في قوله التامات وفي الآخر نظر يعلم مما يأتي قريبًا. قوله: (التاماتِ) قيل هي الكاملات ومعنى كمالها أنه لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس وهي صفة كاشفة إذ كلماته جميعها أي أقضيته وشؤونه لا يتطرق إليها نقص بوجه كيف وهي أقضية الحكيم العليم كذا قيل وينبغي أن يكون قوله أي أقضيته أي مثلًا وقيل هي النافعات الشافيات من كل ما يتعوذ منه فينتفع بها المتعوذ وتحفظه من الآفات ويكفي ببركتها من أذى سائر المخلوقات. قوله: (متصلًا بحديثِ خَولةَ بنْتِ حكِيم) ولفظه أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا نزل أحدكم منزلًا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه وقد ذكره المصنف في أذكار المسافر قال يعقوب وقال القعقاع بن حكيم عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة فساق الحديث قال الحافظ مدار الحديثين على يعقوب بن عبد الله بن الأشج بسندين له إلى الصحابيين فحديث خولة مقيد بنزول المنزل وقد ذكره الشيخ في أذكار المسافر وحديث أبي هريرة مطلق اهـ. بمعناه وخولة بنت حكيم خرج لها مسلم هذا الحديث فقط وخرج عنها الأربعة غير ابن ماجة وفي المرقاة وليس لها في الكتب غير هذا الحديث قال ابن الأثير وقال لها خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهية بن سليم السلمية امرأهَ عثمان بن مظعون وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم في قول بعضهم وكانت صالحة وهي التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن فتح الله عليك الطائف فاعطف على باذنة بنت غيلان فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن كان لم يؤذن في ثقيف أخرجه الثلاثة وأسند حديث الباب على عادته رحمه الله قال القرطبي بعد إيراده حديث التعوذ المذكور هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلًا وتجربة فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته لدغتني عقرب بالمهدية ليلًا
وروينا في كتاب ابن السني، وقال
ــ
فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات فقلت لنفسي ذامًّا لها وموبخًا ما قاله عليه السلام للرجل الملدوغ أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات لم يضرك شيء. قوله: (وَرَوينا في كتابِ ابْنِ السني) وكذا رواه الطبراني في
الأوسط والدارمي كلهم عن أبي هريرة أيضًا فيما يقال في الصباح والمساء كذا في الحصين وفيه عز وتثليث الذكر المذكور إلى الترمذي والدارمي وابن السني قال شارحه عن معقل بن يسار ولفظه من قاله وكل به سبعون ألف ملك يصلون عليه لكن أخرجه الحافظ من حديث أبي هريرة وقال هو عند النسائي أيضًا فعزوه إليه أولى ولفظه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال إذا أمسى ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم تضره حمة تلك الليلة قال فكان أهلنا قد تعلموها فكانوا يقولونها كل ليلة فلدغت جارية منهم فلم تجد لها ألمًا قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه النسائي في الكبرى من طريقين وأخرجه ابن حبان في أوائل صحيحه وقال هو والنسائي فيه في إحدى طريقيه ثلاث مرات ولم يقولا كلها وكذا أخرجه النسائي أيضًا من رواية حماد بن زيد عن سهل وقال فيه ثلاثًا ومن هذا الوجه أخرجه ابن السني عن النسائي واختلف عن سهيل في صحابي هذا الحديث ففي رواية النسائي عن سهيل عن أبيه عن رجل من أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يمسي فذكر مثل لفظ الحديث قبله لكن قال لم تضره لدغة عقرب حتى يصبح ولم يذكر قصة الجارية وفي رواية مالك وأخرجه النسائي أيضًا وابن ماجة أنه أبو هريرة لكن ليس فيه ثلاثًا وكلهم لم يذكروا كلها والأول رواه عن سهيل وهيب بن خالد وشعبة وابن عيينة في آخرين ورجحه الدارقطني قال الحافظ وكأنه رجح بالكثرة لكن يعارضه كون مالك احفظ لحديث المدنيين من غيره وقد رواه أبو هاشم الصراف عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه الحافظ قال الحافظ والذي يظهر لي أنه كان عند سهل على الوجهين فإن له أصلًا من رواية أبي صالح عن أبي هريرة كما تقدم في رواية مسلم وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مع الاختلاف في الواسطة بين الزهري وأبي هريرة وذلك كله يدل على أنه له عن أبي هريرة أصلًا اهـ. قوله: (وقَال
فيه: "أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّاماتِ مِنْ شَر مَا خَلَقَ ثَلاثًا لَمْ يَضُرَّهُ شَيءٌ".
وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: "قُلِ: اللهُم فاطِرَ السماوَاتِ والأرْضِ، عَالِمَ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ
ــ
فيهِ الخ) لفظه قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثًا لم يضره شيء وقد ذكر الشيخ الحديث في كتاب آداب المسافر وسيأتي فيه بعض فوائد إن شاء الله تعالى. قوله: (لَمْ يَضُره شي) قال ابن حجر في حاشية الإيضاح لا يخفى شموله حتى للنفس والهوى كغيرهما وسيأتي له مزيد في حديث عثمان رضي الله عنه.
قوله: (وَرَوَيناهُ بالإسنَادِ الصحْيح في سُننِ أَبِي دَاوُدَ) أي واللفظ له (والترمذِيّ) وكذا رواه النسائي أي في الكبرى كمَا قاله الحافظ وَالحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح الإسناد وزاد الترمذي من طريق آخر وأن نقترف على أنفسنا سوءًا أو نجره إلى مسلم كذا في السلاح وسيأتي من المصنف أن هذه الزيادة خرجها أبو داود ولعل مراده من طريق آخر لحديث أبي هريرة وما سيأتي عن أبي داود في حديث أبي مالك والله أعلم. أفاد الحافظ أن الحديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من طريقين. قوله: (مُرْني بكلمَاتٍ أَقولهَا) أي دائمًا بطريق الورد. قوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1] أي خالقهما ومبدعهما ومخترعهما على غير مثال سبق
ونصبه على أنه منادى حذف منه حرف النداء أو بدل من المنادى لا صفة له لما سبق أن اللهم لا يجوز وصفه عند سيبويه وهو المختار. قوله: (عالمَ الغَيب والشهَادَة) أي ما غاب من العباد وما ظهر لهم وقيل أي السر والعلانية وفي رواية المشكاة تقديم عالم الخ، على فاطر السموات والأرض ورواية هذا الكتاب على طبق ترتيب آي الكتاب وأما رواية المشكاة فقال شارحها قدم العلم لأنه صفة ذاتية قديمة وقدم الفاطر في الآية لأن المقام للاستدلال
رَب كُل شَيءٍ وَمَلِيكَهُ. أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِنْ شَر نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيطَانِ وَشِرْكِهِ، قال: قُلْها إذَا أصْبَحْتَ وإذَا أمْسَيتَ وإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا نحوه في "سنن أبي داود" من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنهم قالوا:
يا رسول الله علمنا كلمة نقولها إذا أصبحنا وإذا أمسينا واضطجعنا، فذكره، وزاد فيه بعد قوله: "وَشِرْكِهِ،
ــ
وقال آخر لما كان المراد اتحاف الصديق بالعلوم الإلهية والمعارف الربانية ناسب تقديم ما يدل على ذلك والآية للاستدلال فناسب أن يقدم فيها ما يدل على ذلك وهو فاطر السموات الخ. قوله: (ربَّ كل شيءٍ) بالنصب أي مربيه بجلائل نعمه ودقائق لطفه وكرمه (ومليكَهُ) أي مالكه وقاهره ملكًا وقهرًا بالغين أعلى مراتب الكمال والتمام كما دل عليه التعبير بفعيل. قوله: (أَشهدُ الخ) أي فلا أكل أمري إلَّا إليك. قوله: (منْ شر نفْسي) أي شر هواها المخالف للهدى قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] أما إذا وافق الهوى الهدى فهو كزبد وعسل وقيل الاستعاذة منها لكونها أسرع إجابة إلى داعي الشر من الهوى والشيطان وحاصله مزيد الاعتناء بتطهير النفس فقدم إشارة لكمال الصديق أن يفعله ليكون وسيلة لكل كمال يترقى إليه بعد إذ الترقي يتفاوت بحسب تفاوت مراتب ذلك التطهير مثل ذلك يقال في قوله في الخبر السابق قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا الخ. قوله: (شَر الشيطَان) أي وسوسته وإغوائه وإضلاله ثم يحتمل أن يكون المراد جنس الشياطين أو رئيسهم وهو إبليس وخص لأنه كثير التلبيس. قوله: (قلْها) أي هذه المقالة. قوله: (إِذَا أَصبحْتَ وإذَا أَمْسيْتَ) أي كما التزمت وسألت. قوله: (إِذَا أَخذْتَ مضجَعكَ) زاد هذا على ما سأله رعاية لكمال اللائق به هذا الكمال في الأحوال الثلاثة.
قوله: (وَرَوَينْا نَحوَهُ في سُننِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه أبو داود ورواته موثقون إلَّا محمد بن إسماعيل بن عياش فضعفه أبو داود وقال أبو حاتم الرازي لم يسمع من أبيه شيئًا أي وهو قد روى هذا الحديث عن أبيه لكن أبو داود
وأنْ نَقْتَرِفَ سُوءًا على أنْفُسِنا أو نَجُرَّهُ إلى مُسْلِمٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "وشركه"، روي على وجهين: أظهرهما وأشهرهما: بكسر الشين مع إسكان الراء من الإشراك: أي: ما يدعو إليه ويوسوس به من الإشراك بالله تعالى.
ــ
لما أخرجه استظهر بقول شيخه محمد بن عوف قرأته في كتاب إسماعيل بن عياش قال الحافظ ومع ضعف محمد فقد خالفه الحفاظ عن أبيه في سنده فإنه أخرجه عن أبيه عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري ورواه سليمان بن عبد الرحمن عن إسماعيل بن عياش حدثنا محمد بن زياد الألهاني عن أبيه راشد الحبراني قال أتيت عبد الله بن عمر فقلت حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى إلي صحيفة وقال هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فنظرت فإذا فيها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر قل فذكر مثل رواية أبي مالك لكن ليس فيه أشهد إلى قوله إلَّا أنت وقال فيه أعوذ بك من شر نفسي والباقي سواء قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في الأدب والترمذي والمعمري في اليوم والليلة ورجاله رجال
الصحيح إلَّا إسماعيل بن عياش ففيه مقال لكن روايته عن الشاميين قوية وهذا منها إلَّا أبا راشد الحبراني بضم المهملة وسكون الموحدة قيل اسمه أخضر وقيل النعمان وقد وثقه العجلي وقال لم يكن بالشام أفضل منه وذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة العليا التي تلي الصحابة قال الحافظ وعجبت من عدول الشيخ عن هذه الطريقة القوية إلى تلك الضعيفة وبالله التوفيق اهـ. قوله: (وأَنْ نقتَرِفَ) عطف على قوله من شر نفسي واستشكل من حيث مجيء أعوذ بصيغة الإفراد ولعله في رواية أبي داود والترمذي نعوذ بك الخ. ونقترف أي نكتسب. قوله: (سوءًا أي إنما. قوله: (أَو نَجرهُ) أي ننسب السوء إلى مسلم بريء من ذلك السوء قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19] أو نضيف السوء الذي فعلناه إلى مسلم قال تعالى: ({وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)} [النساء: 112]. قوله: (وشركه هو علي الوجهين تخصيص بعد تعميم قوله (بكسر الشين الخ) وعليه فهو مصدر مضاف لفاعله أي إشراكه بأن يوقع
والثاني: شَرَكه بفتح الشين والراء: أي: حبائله ومصائده، واحدها: شَرَكه بفتح الشين والراء، وآخره هاء.
وروينا في "سنن أبي داود" و"الترمذي" عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ
ــ
في الشرك والكفر وإلَّا فلا يعرف في الأمم الضالة أحد يشركه مع الله تعالى وأما أن لا تعبدوا الشيطان فمعناه لا تطيعوه في عبادة غير الله ولذا قال أنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم. قوله: (والثاني بفتحِ الشين) وعليه فالإضافة محضة. قوله: (أَي حبائلهِ) واحده أحبولة وهي التي يمسك بها الصيد إذا غفل عنها أو اغتر بما فيها مما تشتهيه نفسه وغلبه على أخذه هواه فتزل قدمه ويحق ندمه والمراد بحبائله هنا تسويلاته وتزييناته التي يرى بها الباطل حقًّا والقبيح حسنًا أعاذنا الله والمسلمين من ذلك آمين. قوله: (ومصايدهِ) جمع مصيدة وهي ما يصاد بها من أي شيء كان.
قوله: (وَرَوَينَا في سُنن أَبِي دَاوُدَ والترمذِي) واللفظ له كما سيأتي وقال في السلاح رواه الأربعة والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وقال الحاكم صحيح الإسناد وزاد في الحصين وابن أبي شيبة وقال الحافظ بعد تخريجه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن ابان عن عثمان مرفوعًا كما ذكره المصنف إلَّا أنه قال إلَّا لم يضره شيء بزيادة إلا وقال حديث حسن صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجة وأخرجه الحافظ عن عثمان أيضًا مرفوعًا بلفظ من قال باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثًا لم يفجأه بلاء حتى الليل ومن قالها حين يمسي لم يفجأه بلاء حتى يصبح وقال
أخرجه أبو داود والمعمري والبزار وأخرجه ابن حبان في صحيحه قال الحافظ قال البزار لا نعلم هذا اللفظ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا عن عثمان ثم أشار إلى اختلاف في سنده وفي اسم الراوي عن أبان قال الحافظ بعد نقل كلام البزار وما فيه وللحديث طرق أخرى عند النسائي وأبي يعلى مرفوعة وموقوفة وذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه قال ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد بسند متصل أي عن أبيه عن أبان قال وهو أحسنها إسنادًا قال الحافظ وهي الطريق التي بدأنا بها اهـ. قلت ومن تلك الطريق أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ومن ذكر معهما ممن تقدم كما بينه الحافظ. قوله: (مَا منْ عبدٍ) من فيه زائدة للتنصيص على العموم.
في صَبَاح كل يَوْم ومَسَاءِ كل لَيلَةٍ: بسْم اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيءٌ في الأرْضِ وَلا في السماءِ وهُوَ السمِيعُ العَلِيمُ، ثَلاثَ مَراتٍ لمْ يَضُرّهُ شَيءٌ" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، هذا لفظ الترمذي.
ــ
قوله: (في صبَاح كل يوْم الخ) قال ابن حجر في شرح المشكاة قد يقال ظاهره أن المساء من الليل كما أن الصباح من النهار لأنه من الفجر فيكون المساء بعد الغروب وهو خلاف ما صرحوا به لأنا نقول هذا مما لا دخل للقياس فيه لأن ملحظه السماع لا غير لكن الظاهر أن المراد هنا القول من أول الليل وإن فائدته الآتية لا تحصل بقوله قبل الغروب على أن تفسير ابن عباس المساء في آية ({فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)} [الروم: 17] بالمغرب والعشاء يدل على أن المساء قد يطلق على ما بعد الغروب ثم ظاهر في صباح ومساء وحين يصبح وحين يمسي أنه لو قال أثناء النهار أو الليل لا تحصل له تلك الفائدة وعظيم بركة الذكر مقتضى الحصول اهـ، وتقدم في كلام الرداد أول الباب ما يؤيد قوله وعظيم الخ. قوله:(باسم الله) قيل متعلقه أصبحنا أن ذكر في الصباح وأمسينا إن قرئ في المساء وقيل متعلقه أستعين وأتحفظ من كل مؤدٍ. قوله: (لَا يُضر معَ اسمهِ شَيْءٌ) أي لا يضر مع ذكر اسمه باعتقاد حسن ونية صالحة شيء من طعام أو عدو من حيوان أو غيره في العالم السفلي المشار إليه بالأرض والعالم العلوي المشار إليه بقوله ولا في السماء بإعادة لا لتأكيد النفي وذكر السماء ولأرض لأن المخلوق لا يخلو عنهما وفيه إيماء إلى تنزيه البارئ عن المكان وإن غيره لا يحدث نفعًا ولا ضرًّا في شأن ولا زمان. قوله: (ثلاثَ مراتٍ) ظرف يقول. قوله: (لا يضر مع اسمه شيء) وفي السنن عقبه من رواية أبي داود الطيالسي وكان أبان وهو ابن عثمان قد أصابه طرف فالج فجعل رجل منهم ينظر إليه نظرًا شديدًا فقال له أبان أتعجب من هذا الحديث كما حدثتك والله ما كان علي يوم إلَّا وأنا أقوله إلّا اليوم الذي أصابني فيه فإني أنسيت لموضع القضاء وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي نقلًا عن القرطبي هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا دليله دليلًا وتجربة فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمدينة ليلًا فتفكرت فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات قال الدميري روينا عن الشيخ فخر
وفي رواية أبي داود: "لَمْ تُصِبْهُ فَجْأةُ بَلاء".
ــ
الدين عثمان بن محمد التوزي قال كنت يومًا أقرأ على شيخ لي بمكة من الفرائض أفبينما نحن جلوس إذا بعقرب يمشي فأخذها الشيخ وجعل يقلبها في يده فوضعت الكتاب فقال لي اقرأ فقلت حتى أتعلم هذه الفائدة فقال لي هي عندك قلت ما هي قال من قال حين يصبح ويمسي باسم الله الخ، وقد قلتها أول النهار اهـ، وفي تاريخ علماء
القيروان في ترجمة البهلول عنه قال أقمت ثلاثين سنة أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء الخ. فلما كان في يومي مع العكي نسيت أن أقولها فبليت به قلت وذلك أنه ضربه نحو عشرين سوطًا فكان سبب موته قال أبو عثمان إني لأقولها كل صباح ومساء خمسين مرة مذ كم شاء الله من الدهر اهـ، ولعل أبا عثمان ممن يرى أن الزيادة في مثل ذلك لا تضر في حصول الفائدة أو زاد ذلك للاحتياط ليكون من الإتيان بالعدد الوارد على نفسه. قوله:(وفي روَايةِ أَبِي دَاوُدَ الخ) تقدم في كلام الحافظ تخريجه لكن بلفظ لم يفجأه بلاء وقال أخرجه أبو داود والمعمري والبزار. قوله: (فجأَةُ بلاءٍ) هو بضم الفاء ممدود كما في أصل مصحح وقيل بفتح الفاء وإسكان الجيم وكذا هو مضبوط في أصل معتمد مقابل على نسخة ابن العطار وفي مختصر النهاية فجأه الأمر وفجئه فجاءة بالضم والمد وفجأة بالفتح وسكون الجيم من غير مد وفاجأه مفاجأة أي إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب اهـ، وفيه إشارة إلى أن المراد بالفجاءة ما يفجأ به والمصدر بمعنى اسم المفعول أعم من أن يكون بالمد وغيره وبه يظهر حكمة التقجيد بالفجاءة إذ ما يطرق من البلاء من غير مقدمات له اقطع واعظم من الذي يأتي على التدريج فكأنه قال لم يصبه بلية عظيمة لأن المؤمن لا يخلو من علة أو قلة أو ذلة قال ابن حجر وقد يفهم من ذاك انتفاء هذا أي ما يأتي على التدريج بالأولى اهـ، وفيه ما لا يخفى ثم رأيت صاحب المرقاة تعقبه بأنه لا دليل عليه فهو مسكوت عنه قيل ويمكن أن تكون هذه الرواية وهي المخصوصة بمضرة الفجاءة تكون مفسرة ومبينة لعموم المضرة المذكورة في الرواية المتقدمة أو المراد بنفي المضرة عدم الجزع والفزع في البلية جمعًا بين الأدلة اهـ، وفي الأول أن المذكور في الرواية الثانية بعض أفراد الغام وهي لا تخصصه وفي
وروينا في كتاب الترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قال حينَ يُمسِي: رَضِيتُ بالله رَبًا، وبالإسْلامِ دِينًا، وَبمُحَمدٍ صلى الله عليه وسلم نَبيًّا، كانَ حَقًّا على اللهِ تعالى أن يُرْضيَهُ". في إسناده سعيد بن المرزبان أبو سعد البقال بالباء، الكوفي مولى حذيفة بن اليمان، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، فلعله صحَّ عنده من طريق آخر.
ــ
الثاني أنه صرف اللفظ عن ظاهره من غير قرينة ولا داع إليه والله أعلم. قوله: (رَوَينَا في كتاب الترمذِي الخ).
قال الحافظ حديث حسن. قوله: (رضِيتُ بالله ربًّا) تمييز أي رضيت ربوبيته والمراد بالرضا على وجه التحقيق والرضا بالله ربًّا يشمل الرضا بالأحكام الشرعية والقضايا الكونية وفي الخبر من لم يرض بقضاي فليتخذ له ربًّا سواي. قوله: (وَبمُحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا) أي بنبوته ويلزم قبول مراتب الإيمان الإجمالية. قوله: (وبالإسْلام دِينًا) أي بدين الاسلام وهو ملة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام وفيه التبري عن نحو اليهودية والنصرانية. قوله: (كانَ حقًّا عَلَى الله أَنْ يُرْضيَه) أي واجبًا عليه لوعده الذي لا يخلف إرضاؤه بإعطائه المرضى عنه من واسع فضله ما يرضى به فحقًّا خبر كان مقدمًا وأن ومدخولها اسمها. قوله: (وهوَ ضعِيفٌ باتفَاقِ الحُفاظِ) قال أبو حاتم في كتاب الجرح والتعديل أنه كثير الوهم فاحش الخطأ ضعفه يحيى بن معين وقال أبو إسحاق الطالقاني سألت عنه ابن المبارك فقال
كان قريب الإسناد وكتبنا عنه لقرب إسناده ولولا ذلك لم نكتب عنه شيئًا اهـ، وقال الحافظ نقل الاتفاق على تضعيف أبي سعد البقال فيه نظر فقد نقل العقيلي أن وكيعًا وثقه وقال أبو هاشم الرفاعي حدثنا أبو أسامة حدثنا أبو سعد البقال وكان ثقة وقال أبو زرعة الرازي لين الحديث صدوق لم يكن يكذب وقال زكريا الساجي صدوق وأخرج له البخاري في الأدب المفرد نعم ضعفه الجمهور لأنه كان يدلس وتغير بأخرة اهـ. قوله:(هذَا حدِيث حسن صحيح غَريبٌ) لم يذكر في السلاح عنه قوله صحيح ولعله ساقط
وقد رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه، فثبت أصل الحديث، ولله الحمد. وقد رواه الحافظ أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين"، وقال: حديث صحيح الإسناد.
ووقع في رواية أبي داود وغيره: "وبمحمد رسولًا". وفي رواية الترمذي: "نبيًّا"، فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما
ــ
من أصله وعليه يستغنى عن قوله هنا فلعله الخ. أي فلعل حديث الباب صح أي لغيره بمجيئه من طريق آخر ثم رأيت الحافظ قال قال الترمذي حديث حسن غريب ووقع في كلام الشيخ أنه قال حديث حسن صحيح غريب ولم أر لفظ صحيح في كتاب الترمذي لا بخط الكزوخي الذي اشتهرت روايته من طريقه ولا بخط الحافظ أبي علي الصدفي من طريق أبي علي السنجي ولا في غيرهما من النسخ ولا في الأطراف فلعل الشيخ راه في نسخة غير معتمدة. قوله: (وقدْ رَوَاهُ أَبو دَاودَ والنسائي الخ) ورواه الحاكم قال في السلاح وقد وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف فرواه أبو داود والنسائي من طريق شعبة ورواه النسائي أيضًا من طريق هشيم كلاهما عن أبي عقيل عن سابق بن ناجية عن أبي سلام وهو ممطور الحبشي أنه كان في مسجد حمص فمر به رجل فقالوا هذا خدم النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه فقال حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة سابق بن ناجية قال لنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن أبي عقيل هاشم بن بلال عن سابق بن ناجية عن أبي سلام عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث حديثًا أعاده ثلاثًا ومن ذا الوجه أخرج أبو داود هذا الحديث في سننه وقال مسلم في الكنى أبو سلام ممطور الحبشي عن ثوبان أو أبي أمامة وكذا عد ابن عبد البر أبا سلام فيمن روى عن ثوبان من التابعين وقال ابن أبي حاتم ممطور أبو سلام الأعرج الحبشي روى عن ثوبان والنعمان بن بشير وأبي أمامة وأبي سلمى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر في ترجمة أبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي وقال في ترجمة أبي سلمى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أدري أهو راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره أم غيره
فيقول: "نبيًّا ورسولا" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملًا بالحديث.
وروينا في
ــ
وقال ابن عساكر في تاريخه ومن مواليه عليه الصلاة والسلام أبو سلمى ويقال أبو سلام وهو راعي النبي صلى الله عليه وسلم واسمه حريث فعلى هذا يحتمل أن يكون الرجل المبهم في الحديث هو ثوبان ويحتمل أن يكون أبا سلمى وأما ابن ماجة فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشير عن مسعر عن أبي عقيل عن سابق عن أبي سلام خادم النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أورده أبو عمر في الاستيعاب من هذا الوجه وقال هذا هو الصحيح في إسناد هذا الحديث ثم قال ورواه وكيع عن مسعر فأخطأ في إسناده فجعله عن مسعر عن أبي عقيل عن أبي سلامة عن سابق خادم النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في أبي سلام أبي سلامة فأخطأ أيضًا وقال في ترجمة سابق ولا يصح سابق في الصحابة وقد ذكر ابن عساكر في الأشراف في مسند أبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث من رواية ابن ماجة عن أبي سلام كما أوردناه وقال كذا في كتابي وفي نسخة أخرى عن أبي سلامة والصواب أبو سلمى وأما رواية الحاكم فهي من طريق شعبة كرواية أبي
داود والنسائي إلَّا أنه قال عن أبي سلام سابق بن ناجية قال كنا جلوسًا في مسجد حمص الحديث فجعل أبا سلام سابقًا وهذا غريب مخالف لجميع ما تقدم والله أعلم اهـ. وقال الحافظ رواية شعبة ومن وافقه ارجح من رواية مسعر أي وإن صححها ابن عبد البر لأن أبا سلام ما هو صحابي هذا الحديث بل هو تابعي شامي معروف واسمه ممطور أخرج له مسلم وغيره وهو بتشديد اللام وخادم النبي صلى الله عليه وسلم المذكور هنا لم يقع التصريح بتسميته وجوز ابن عساكر أنه أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم واسمه حريث وقد جاءت الرواية عنه من طريق أبي سلام عنه عند النسائي في حديث آخر ولست استبعد أن يكون هو ثوبان المذكور أولًا وهو ممن خدم النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا ولأبي سلام عنه عدة أحاديث عند أبي داود ومسلم وغيرهما اهـ، وفي قول الشيخ بأسانيد نظر فإن الحديث ليس له عند أبي داود والنسائي وغيرهما سوى إسناد واحد ثم بين ذلك بنحو ما تقدم في كتاب السلاح. قوله:(فيقولَ نبيًّا رسُولًا) أي أو يقول ورسولًا بواو العطف لأن المراد إثبات الوصفين له عملًا بقضية الخبرين وقدم نبيًّا على رسولًا مع أن الأخير رواية الجميع لتقدم وصف النبوة على الرسالة في الوجود أو لإرادة العموم والخصوص.
قوله: (وَرَوَينْا في
"سنن أبي داود" بإسناد جيد لم يضعفه عن أنس رضي الله عنه: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قال حِينَ يُصْبِحُ أو يُمْسِي: اللهُم إني أصْبَحْتُ
ــ
سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) في السلاح ورواه الترمذي والنسائي وزاد فيه وحدك لا شريك لك اهـ، وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في الدعاء ومن طريق أخرى إلّا أنه قال فيها إنك أنت الله وحدك لا شريك لك بدل لا إله إلَّا أنت فقال هذا حديث غريب أخرجه أبو داود والخرائطي في مكارم الأخلاق ثم أشار الحافظ إلى أنه وقع في مسند الحديث في نسخة الخطيب من سنن أبي داود وعبد الرحمن بن عبد المجيد قال الحافظ كما هو في روايتنا وفي بعض النسخ بتقديم الحاء المهملة على الميم وكذا هو في رواية الخرائطي والغريابي وجزم به صاحب الأطراف ورجحه المنذري وأنه أبو رجاء المكفوف فإن كان ذلك فهو بصري صدوق لكنه تغير بأخرة وإن كان عبد المجيد فهو شيخ مجهول وقد خولف في اسم شيخه أي فإنه عند أبي داود والخرائطي عن عبد الرحمن هذا عن هشام بن الغاز فقال عن أبان بن أبي داود والخرائطي عن عبد الرحمن هذا عن هشام بن الغاز فقال عن أبان بن أبي عياش بدل مكحول وأبو بكر المذكور ضعيف وأبان متروك ففي وصف هذا الإسناد بأنه جيد نظر ولعل أبا داود إنما سكت عنه لمجيئه من وجه آخر عن أنس ومن أجله قلت إنه حسن ثم أخرجه الحافظ من طريق بقية بن الوليد حدثنا مسلم بن زياد قال سمعت أنس بن مالك
يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث بمثله لكن قال لا إله إلَّا أنت ولم يقل وحدك لا شريك لك وقال فإن قالها وقال ثلاث مرار وقال في آخره أعتقه الله ذلك اليوم من النار وقال أخرجه البخاري في الأدب المفرد والنسائي في اليوم والليلة وأخرجه ابن السني وبقية صدوق أخرج له مسلم إنما عابوا عليه التدليس والتسوية وقد صرح بتحديث شيخه له وبسماع شيخه فانتفت الريبة وشيخه توقف فيه ابن القطان وقال لا نعرف حاله ورد بأنه كان على خيل عمر بن عبد العزيز فدل على أنه آمين وذكره ابن حبان في الثقات وجاء عن بقية فيه لفظ آخر أخرجه الغريابي لكن قال في آخره غفر الله له ما أصاب من ذلك اليوم أو تلك الليلة من ذنب ولم يذكر التجزئة وكذا أخرجه أبو داود أيضًا لكن في رواية ابن داسة وأخرجه النسائي في الكبرى والترمذي وقال غريب وكأنه لم يستحضر طريق ابن مكحول وجاء للحديث شاهد
أُشْهِدُكَ وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أنَّكَ أنْتَ الله الذي لا إلهَ إلا أنْتَ، وأن مُحَمدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أعْتَقَ اللهُ رُبُعَهُ مِنَ النارِ، فَمَنْ قَالهَا مرَّتَين أعْتَقَ الله نِصْفَهُ مِنَ النارِ، وَمَنْ قالهَا ثَلاثًا أعْتَقَ الله ثَلاثةَ أرْبَاعِهِ، فإن قالهَا أرْبَعًا أعْتَقَه الله تعَالى مِنَ النارِ".
ــ
من حديث أبي سعيد عند الطبراني في الدعاء وفيه من قالها أربعًا كتب الله له براءة من النار وسنده ضعيف وفيه أيضًا عن سلمان في المعجم الكبير اهـ. كلام الحافظ. قوله: (أُشْهِدُكَ) بضم الهمزة من الإشهاد أي أجعلك شاهدا على إقراري بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار للشهادة وتأكيد لها في كل صباح ومساء وغرضه من نفسه أنه ليس من الغافلين عنها. قوله: (حَملةَ عَرشِكَ) أي المقربين في حضرتك وخدمتك. قوله: (وملائِكَتَكَ) بالنصب عطف على حملة تعميم بعد تخصيص أي وأشهد جميع ملائكتك سائرهم وباقيهم الداخل فيهم الكرام الكاتبون والحفظة الحاضرون. قوله: (وجميعَ خَلقِكَ) أي مخلوقاتك تعميم آخر للتعميم والتكميل. قوله: (أنكَ) بفتح الهمزة أي على شهادتي واعترافي بأنك أنت الله الواجب الوجود. قوله: (أَعتَقَ الله رُبُعَهُ منَ النَّارِ الخ) قال ابن العماد في كشف الأسرار عما خفي من الإنكار ما الحكمة على ترتيب العتق على قول ذلك أربع مرات قيل لأنه أشهد الله وحملة عرشه وملائكته وجميع خلقه فعتق الله بشهادة كل شاهد ربعه وهذا كما أن الإنسان يهدر دمه إذا شهد عليه أربعة في الزنى كذلك يعصم الله دم هذا من النار إذا شهد أربعة على إيمانه وقال بعض الأشياخ تكريره هذه الكلمات أربع مرات يبلغ حروفها ثلثمائة وستين حرفًا وابن آدم مركب من ثلثمائة وستين عضوًا فعتق الله منه بكل حرف منها عضوًا من أعضائه فإذا قالها مرة أعتق الله ربعه وهذا إنما يكون على الرواية الأخرى وهي أنت الله لا إله إلَّا أنت بإسقاط الذي أما بإثباته فيبلغ فوق ذلك اهـ. والجواب الأخير حسن أما الجواب الأول فقضيته أن يحصل التكفير بقول ذلك مرة واحدة لأنه أشهد أربعة وبكل شاهد يعتق منه ربع. ولعل من حكمة ذلك أن عدة كلمات الذكر أي بزيادة وحدك لا شريك لك أربعة وعشرون عدد
وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد جيد لم يضعفه، عن عبد الله بن غنام، بالغين المعجمة والنون المشددة، البياضي الصحابي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ قَال حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ
ــ
الساعات الواقعة في الليل والنهار فتكون كل كلمة مكفرة لكل ما جناه في كل ساعة أو يقال العتق للنفس من موبقات المخالفات الناشئة عن الهوى ووسوسة الشيطان وهو يجري من الإنسان مجرى الدم والذنوب الواقعة من الإنسان
سببها وسوسة الشيطان البخاري من الإنسان مجري الدم وهو مستمد من الطبائع الأربع فجعل المكفر من العدد أربعًا ليكون كل مرة مكفرة لأثر كل واحدة من تلك الطبائع والله أعلم.
قوله: (وَرَوَينْا في سُنَنِ أَبِي داوُدَ) قال في السلاح ورواه النسائي وزاد فيه اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه بهذه الزيادة من حديث ابن عباس وفي الحرز رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن غنام وابن حبان والنسائي عن ابن عباس اهـ، وقال الحافظ بعد تخريجه عن يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عنبسة عن ابن غنام حديث حسن أخرجه النسائي في الكبركما والغريابي في الذكر وأخرجه أبو داود وسمى ابن غنام كما ذكر الشيخ ورواه جماعة عن عبد الله بن وهب عن سليمان بن بلال بسنده لكن قال عن عبد الله بن عباس قال الحافظ أخرجه كذلك النسائي والمعمري وابن حبان في صحيحه من طرق عن عبد الله بن وهب ووافق ابن وهب سعيد بن أبي مريم عند الطبراني في الدعاء قال أبو نعيم في المعرفة من قال فيه ابن عباس فقد صحف وقال ابن عساكر في الأطراف هو خطأ وقد وافق ابن وهب في رواية له الأكثر فقال ابن غنام أخرجه الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب بهذا اهـ. قوله:(عبْدِ الله بْنِ غَنَّام البيَاضي) نسبة إلى بياضة بطن من الأنصار قال في أسد الغابة هو ابن غنام بن أوس بن مالك بن بياضة الأنصاري البياضي له صحبة يعد في أهل الحجاز ثم أسند حديثه المذكور وقال أخرجه الثلاثة قال أبو نعيم قد صحف فيه بعض الرواة من رواية ابن وهب فقال عن عبد الله بن عباس وقيل هو عبد الرحمن بن غنام وقيل ابن غنام من غير ذكر اسمه وقد رواه ابن منده من
مَا أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لك لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يوْمِهِ وَمَنْ قَال مِثْلَ ذلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ".
وروينا بالأسانيد الصحيحة
ــ
حديث يحيى بن صالح الوحاظي عن سليمان فقال عن ابن غنام ولم يذكر اسمه اهـ. قوله (ما أَصبحَ) ما فيه شرطية. قوله: (منْ نعمةٍ) من فيه زائدة لتأكيد العموم وتصييره قطعيًّا بعد أن كان ظنيًّا. قوله: (وحدَك) حال من الضمير المتصل من قوله فمنك أي فهو حاصل منك منفردا قال الطيبي الفاء جواب الشرط أي رابطة للجواب بالشرط كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] ومن شرط الجزاء أن يكون مسببًا عن الشرط ولا يستقيم في الآية إلا بتقدير الإخبار والتنبيه على الخطأ وهو أنهم كانوا لا يقيمون بشكر نعم الله بل يكفرونها بالمعاصي فقيل لهم إني أخبركم أن ما التبس بكم من نعمة فهو سبب لأني أخبركم أنها من الله تعالى حتى تقوموا بشكرها والحديث بعكس الآية أي إني أعترف بأن كل النعم الحاصلة الواصلة من ابتداء الحياة إلى انتهاء دخول الجنة فمنك وحدك فأوزعني أن أقوم بشكرها ولا أشكر غيرك فيها اهـ. ثم قوله إلى انتهاء دخول الجنة المراد به التأبيد لا التقييد وقال ابن حجر الآية والحديث على حد سواء في أن ما بعد الفاء ليس هو الجواب الحقيقي إنما هو دال عليه والجواب الحقيقي فاشكروه وحده لأن ذلك منه وحده فقوله فمن الله أو فمنك سبب الجواب لا هو والشكر متسبب عن وصول النعم الينا فالآية
والحديث على حد سواء اهـ. قوله: (فلَكَ الحمد الخ) تقرير للمطلوب ولذا قدم الخبر على المبتدأ في الجملتين المفيد للحصر أي إذا كانت النعمة مختصة بك فهأنا أنقاد لك وأخص الحمد والشكر لك قائلًا لك الحمد لا لغيرك ولك الشكر لا لأحد سواك. قوله: (مثْلَ ذلِكَ) أي لكن بإبدال أصبح بأمسى. قوله: (فَقَدْ أَدَّى شكْرَ لَيْلتِه) هذا يدل على أن الشكر هو الاعتراف بالمنعم الحقيقي ورؤية كل النعم دقيقها وجليلها منه وكماله أن يقوم بحق النعم ويصرفها في مرضاة المنعم.
قوله: (وَرَوَينَا بالأَسانيدِ الصحيحةِ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث
في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهُم إني أسْألُكَ العافية في الدنيَا والآخِرَةِ، اللهُم
ــ
عبادة بن مسلم إلَّا بهذا السند أي جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم أنه كان جالسًا عند ابن عمر فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه حين يصبح وحين يمسي لم يدعه حتى فارق الدنيا أو حتى مات اللهم إني أسألك العفو إلى آخره وقول الشيخ بالأسانيد الصحيحة يوهم أن له طرقًا عن ابن عمر كذلك وليس وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم كلهم عن عبادة قال ووجدت له شاهدًا من حديث ابن عباس أخرجه البخاري في الأدب المفرد وفي سنده راو ضعيف اهـ. قوله: (في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال في السلاح واللفظ له ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك وقال صحيح الإسناد وابن حبان في صحيحه. قوله: (لَمْ يكُنِ النبي صلى الله عليه وسلم يدَعُ هؤُلاءِ الدعَواتِ) أعربه في المرقاة شرح المشكاة أن كان فيه ناقصة وجملة يدع خبرها أي لم يكن تاركًا لهن في هذين الوقتين بل يداوم عليهن وخالف ابن حجر فقال الظاهر أن يكن تامة وأن يدع جملة حالية من الفاعل أي لم يوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه تاركًا لها حين يمسي وحين يصبح اهـ، ونوقش بأن فيه ركاكة في المعنى مع قطع النظر عن ظهور نقصان الكون وخفاء تمامه قال ابن حجر وقال الشيخ يعني الطيبي أخذًا من كلام الكشاف لم يكن يدع هؤلاء أي لا يتأتى منه ذلك ولا يليق بحاله أن يدعها اهـ، وفيه نظر ظاهر بل يتأتى منه تركها ويليق بحاله لبيان جواز الترك الواجب عليه أو للاشتغال بما هو أهم منها اهـ، وتعقب بأنه قد تقدم في تقرير مثله من التصريح بمداومته على هذه الدعوات ومراد كل منها المبالغة في المواظبة عليها كما يستفاد من الرواية وإلَّا فمن الإجماع المعلوم بالضرورة أن قراءة هذا الذكر لم تجب عليه في وقت فلا يناسب قوله بل يتأتى منه تركها إلى آخره والله أعلم. قوله:(اللهم الخ) هو بيان الكلمات. قوله: (العافِيةَ) أي السلامة من الآفات الدينية والنقائص الحسية والمعنوية والحادثات الدنيوية أي عدم الابتلاء بها والصبر بقضائها ولجمع العافية لذلك كان الدعاء بها أجمع الأدعية وكأنه السبب في قوله صلى الله عليه وسلم للعباس لما سأله أن يعلمه دعاء يا عم سل
إني أسْألُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأهْلِي وَمَالِي، اللهُم اسْتُرْ عَوْرَاتي وآمِنْ
ــ
الله العافية في الدنيا والآخرة وفي بهجة المجالس عن عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله ما العافية قال العافية في الدنيا القوت وصحة الجسم وستر العورة والتوفيق
للطاعة وأما في الآخرة فالمغفرة والنجاة من النار والفوز بالجنة اهـ، وسبق في باب ما يقول إذا استيقظ من نومه بسط متعلق بها. قوله:(إِني أَسأَلكَ العفْوَ وَالعافيَةَ الخ) العفو محو الذنوب سواء اقتضت العتاب أو العقاب وإن كان القول صادرًا منه صلى الله عليه وسلم ولا يلزم منه تحقق الذنب لما تقدم أنه من الخضوع لحق الربوبية والقيام بمقام العبودية ولا حاجة إلى قول الشيخ ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة العفو عما صدر مني مما يقتضي عتابًا هذا بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم أو عذابًا بالنسبة لغيره فالعفو التجاوز عن العتاب فيمن لا يتصور في حقه ذنب وهو المعصوم أو عن الذنب ونحوه فيمن يتصور منه ذنب وهو غيرهم وسبق ما يعلم منه أن العافية تأمين الله لعبده من كل نقمة ومحنة ولذا استعملها في قوله في ديني إذ هو متعلق بها وحدها وما بعده معطوف عليه فيكون كذلك والعافية في الدين دوام الترقي في كمالاته والسلامة من نقص يهوي بالعبد إلى دركاته وفي الدنيا سلامته من النكبات المكدرة والمعيشة المنغصة وفي الأهل والمال ألا يرى فيهما ما يسيء قيل ولا يبعد أن يكون ما في قوله ومالي موصولة أي والذي هو لي ومختص بي فيكون فيه تعميم بعد تخصيص قيل ما له من المال والعلم والجمال وسائر أسباب الكمال وفي النهاية العفو محو الذنوب والعافية السلامة من الأسقام والبلايا اهـ. باختصار لا يخفى أن الأنبياء دعوا الله بالعفو ولا شك أن دعوتهم مجابة ومع هذا أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيتعين أن تقيد الأسقام بسببها كالبرص والجنون والجذام مما تنفر عنه طباع العوام ولذا ورد التعوذ من سيئ الأسقام وكذا يقيد في الأمور الدينية أو الدنيوية بالشاغلة عن الأحوال الأخروية وفي لطائف المنن لابن عطاء الله أن بعض الناس دخل على الشيخ أبي العباس وهو مريض فقال له عافاك الله فسكت عنه ثم قال ذلك ثانيًا وثالثًا فقال له يا هذا وأنا سألمت الله العافية قبلك وما أنا فيه هو العافية لأن العافية على ما يعلم والله أعلم، اهـ. قوله:(عوْرَاتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري قال الشيخ أبو الغيث بن جميل عورة كل مخلوق شهوة نفسه وخير الملابس عندنا ما ستر العورة مقطعًا ولا يسترها سوى الموت عن كل مباح ومحظور بحكم الضرورة والله بكل شيء عليم خبير وخير ملابس التقوى ما يستر
رَوْعَاتي، اللهُم احْفَظْنِي مِنْ بَينِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفي، وَعَنْ يَمِينِي، وعَنْ شِمالي، ومِنْ فَوْقي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَال مِنْ تَحْتي" قال وكيع: يعني الخسف. قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإسناد.
ــ
العورة وشر ملابس التقوى ما أشهر العورة اهـ، والمعنى استر عورتي التي يسوءني كشفها وسبق فيما يقول إذا لبس ثوبًا جديدًا معنى العورة شرعًا وما يتعلق بها ومنه أنه قرئ عورات بفتح الواو وبه يندفع قول الحرز أنه بإسكان الواو وفتحها من لحن العامة. قوله:(رَوْعاتي) أي فزعاتي التي تخيفني أي ارفع عني كل خوف يقلقني ويزعجني وإيرادهما وما قبله بصيغة الجمع في هذه الرواية إشارة إلى كثرتها وبالأمن منها يتم كمال الإنسان وينعدم منه الإساءة والنقصان. قوله: (احفَظْني) أي ادفع عني البلاء من جهاتي الست لأن كل بلية تصل للإنسان إنما تصله من أحدها وهي ما تضمنها قوله من بين يدي الخ، وبالغ في جهة السفل لرداءة الآفة أشار إليه الطيبي. قوله:(وعَنْ يَمينيِ وعَنْ شِمالي) قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17]، إنما عدي الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منها متوجه إليهم وإلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم ونظيره قوله جلست عن يمينه اهـ، وقال ابن عباس في الآية من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من قبل الدنيا وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم اهـ. قوله:(أَنْ أُغتَال) أي أوخذ غيلة (منْ تَحتي) لرداءة آفتها ولا يخفى حسن موقع عظمتك وأغتال مبني للمجهول قال زين العرب والاغتيال هو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد. قوله: (قَال وكيع) وهو ابن الجراح قال الحافظ لما أخرج الحديث إلى قوله أغتال من تحتي قال جبير وهو الخسف قال عبادة فلا أدري أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم -أو من قول جبير يعني هل فسره من قبل نفسه أو رواه قال الحافظ وكأن وكيعًا لم يحفظ هذا التفسير فقاله من نفسه اهـ. قوله: (يعني) أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتيال من التحت الخسف في القاموس خسف الله بفلان الأرض غيبه
وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وغيرهما بالإسناد الصحيح عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه: "اللهُم إِني أعُوذ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وبِكَلِمَاتِكَ التَّامةِ مِنْ شَر ما أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللهُم أنْتَ تَكْشِفُ
ــ
فيها.
قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) واللفظ له كما في السلاح والنسائي وغيرهما كابن أبي شيبة كما في الحصين وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى قال وفي سنده علتان تحطه من مرتبة الصحيح أحدهما أن الحارث بن عبد الله الأعور أحد رجال سنده ضعيف وباقي رجاله ثقات خرج لبعضهم مسلم والثاني أنه اختلف في سنده على أبي إسحاق فعند أبي داود والنسائي عن أبي إسحاق عن الحارث وأبي ميسرة كلاهما عن علي رضي الله عنه قال الحافظ ولم أره من طريقه إلَّا بالعنعنة وجاء عند الطبراني من طريق المعمري حدثنا هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن حدثنا أبو إسحاق عن أبيه قال كتب لي رضي الله عنه كتابًا فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذت مضجعك فقل فذكر مثله اهـ قوله: (مضجَعِهِ) اسم مكان أو زمان أو مصدر وقصره ابن حجر في شرح المشكاة على الأخير. قولهْ (بوَجْهِكَ الكَرِيم) أي بذاتك كما تقدم ما فيه أول الباب والكريم أي النافع والكامل الجامع أو البالغ أعلى غايات الشرف والنفع للغير. قوله: (وبكَلِماتِكَ) أي كتبك أو أسمائك أو أقضيتك في خلقك الناشئة عن باهر قدرتك وإرادتك وعلمك وحكمتك قال الطيبي وخص الاستعاذة بالكلمات بعد الاستعاذة بالذات تنبيهًا على أن الكل تابع لإرادته وأمره أعني قوله كن، قيل وفي الحديث تلويح إلى قوله تعالى:{مَا مِنْ دَابَّةٍ إلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] وقال ابن حجر جمع بينهما للإشارة إلى أن الاستعاذة بالذات والصفات أكمل من الاستعاذة بأحدهما. قوله: (منْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيتهِ) أي هو في ملكك وتحت سلطانك وفي قبضتك وأنت متصرف فيه على ما تشاء والناصية شعر مقدم الرأس كما في الصحاح والأخذ بالناصية كناية عن الاستيلاء التام والتمكن من التصرف العام وإنما لم يقل من شر كل شيء
المَغْرَمَ والمَأثمَ، اللهُم لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ ولا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ".
وروينا في سنن أبي داود، وابن ماجه، بأسانيد جيدة
ــ
وإن كان مؤدى العبارتين واحدًا إشعارًا بأنه تعالى المسبب لكل ما يضر وينفع والمرسل له لا أحد يقدر على منعه ولا
شيء ينفع في دفعه وقيل للإشارة إلى أن المستعاذ منه بلغ الغاية في الإضرار إذ الأخد بالناصية إنما شأنه فيمن يكون كذلك قال ميرك كنى بالأخذ بالناصية عن فظاعة شأن ما تعوذ من شره. قوله: (المغرَمَ) هو مصدر ميمي وضع موضع الاسم أي الغرم وهو أما الذنوب وأما الدين الذي أخذ لمعصية لو عجز عن أدائه وإلا لم يستعذ منه كذا قالوه واعترضه ابن حجر بما تقدم منه في قوله في الأذكار بعد التشهد أعوذ بك من المغرم والمأثم. قوله: (والمأْثمَ) أي ما يأثم به الإنسان وهو الإثم نفسه من وضع المصدر الميمي موضع الاسم. قوله: (لَا يُهزَمُ) بالبناء للمفعول أي لا يغلب. قوله: (جُندُكَ) أي من أردت لهم النصر وهم أهل الإسلام والإضافة للتشريف. قوله: (ولا يُخلَفُ) بالبناء للمفعول من الإخلاف وفي رواية بتاء المخاطب فيبنى للفاعل ووعدك منصوب أي لا يخلف وعدك أي بإثابة المطيع بخلاف تعذيب العاصي فإن خلف الوعيد كرم وخلف الوعد بخل وسبق فيما يقال إذا استيقظ من الليل تحقيق الكلام في جواز خلف الوعيد.
قوله: (وَرَوَينَا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) واللفظ له كما في السلاح قال الحافظ بعد تخريجه كما أورده المصنف حديث صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجة والغريابي من طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي عياش ورجاله من رجال مسلم لكن خولف حماد في اسم الصحابي فرويناه في الذكر للغريابي وفي مكارم الأخلاق للخرائطي من رواية إسماعيل بن جعفر ومن رواية سليمان بن بلال كلاهما عن سهيل عن أبيه عن ابن عائش بتقديم الألف على التحتية واتفاق إسماعيل وسليمان أرجح من انفراد حماد وقد رواه سعيد بن أبي هلال عن أبي صالح كما قالا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والطبراني في الدعاة من طريق سعيد ولكن لا يقدح ذلك في صحة المتن حتى لو أبهم الصحابي، وفي قول الشيخ بأسانيد نظر فإنه ليس له عند أبي داود وابن ماجة إلّا سند
عن أبي عياش -بالشين المعجمة- رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قال إذَا أصْبَحَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَه المُلْك ولَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ، كانَ لَهُ عَدْلَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم، وكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وَحُطّ عَنْهُ عَشْرُ سَيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وكانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وإنْ قالها إذا أمْسَى كانَ له مِثْلَ ذلِكَ حَتى يُصْبِحَ".
وروينا في "سنن أبي
ــ
وحماد إلى منتهاه وفي المشكاة والسلاح قال في حديث حماد وهو ابن سلمة فرأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم فقال يا رسول الله إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا فقال صدق أبو عياش رواه أبو داود والنسائي قال في المرقاة وهذا ذكر استطرادًا لا دليلًا للإجماع على أن رؤية المنام لا يعمل بها لا للشك في الرؤيا لأنها حق بالنص كما في الأحاديث بل لأن النائم لا يضبط فربما نقل خلاف ما يسمع أو كلامه يحتاج إلى تأويل وتعبير ويقع الخلاف في التفسير لأنها أن وافقت ما استقر في الشرع فالعبرة به وإلَّا فلا عبرة بها لأنها إذا خالفت لم يجز نسخها بها اهـ. قوله: (عَنْ أَبِي عَيَاشٍ) قال في السلاح هو بالياء آخر الحروف الشين المعجمة ويقال ابن أبي عائش ويقال ابن عائش الزرقي الأنصاري واسمه زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل غير ذلك وليس له عند الستة سوى هذا الحديث اهـ. قال المنذري في الترغيب وحديث آخر في قصة الصلاة رواه أبو داود قال في المرقاة وكفى بقوله صدق أبو عياش منقبة في حقه ودلالة على صدقه اهـ. قوله:
(كَانَ لَهُ) أي كان ذلك المقال لمن قاله. قوله: (عَدُلَ رقَبةٍ) قال في السلاح العدل بفتح العين هو المثل وما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وكان نظيره وقال البصريون العدل والعدل لغتان وهما المثل.
قلت وحكي في المرقاة قولًا عكس القول الأول. قوله: (منْ وَلَدِ إسْماعيلَ) بفتحتين وقيل بضم فسكون أي أولاده والتخصيص بهم لأنهم أشرف من سبي. قوله (حرْزٍ) أي حفظ ومنع (منَ الشيطَانِ) أي من وسوسته وإغوائه. قوله: (وإن قَالهَا) أي المقالة المذكورة. قوله: (مِثلُ ذَلِكَ) أي مثل ما ذكر من الجزاء. قوله: (وَرَوَينْا في سنَنِ أَبِي
داود" بإسناد لم يضعفه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصْبَحَ أحَدُكم فَلْيَقُلْ: أصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، اللهم إني أسألُكَ خَيرَ هذا اليَوْم فَتْحَه وَنصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما فِيهِ وشرِّ ما بَعدَهُ، ثُم إذا أمسَى فَلْيَقُلْ مِثَلَ ذلِكَ".
ــ
دَاوُدَ بإِسنَادٍ لَمْ يُضعفهُ الخ).
قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن محمد بن إسماعيل بن عياش وباقي سنده هو قوله حدثني أبي حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال الحافظ ومحمد بن إسماعيل ضعيف قال أبو حاتم الرازي لم يسمع من أبيه شيئًا وقول الشيخ إن أبا داود لم يضعفه كأنه أراد عقب تخريجه في السنن وإلَّا فقد ضعفه خارجها قال أبو داود الآجري في أسئلته لأبي داود سألته عنه فقال لم يكن بذاك قال الحافظ وكان أبا داود سكت عنه لأنه ذكر عن شيخه محمد بن عوف أنه رأى الحديث المذكور في كتاب إسماعيل بن عياش فكأنه تقوى عنده بهذه الوجادة وتقدم لهذا نظير بهذا الإسناد والله أعلم. قوله: (ربّ العالميِنَ) بالجر على البدلية ويجوز رفعه ونصبه كذا في الحرز ولا يتعين كونه بدلا بل يجوز كونه نعتًا نعم إن قدر أنه صفة مضافة لمعمولها تعين ما قاله أي مربي العالمين وخالقهم وسيدهم ومصلحهم وفيه تغليب ذوي العقول لشرفهم. قوله: (فَتحَهُ) أي الظفر على المقصود قال الطيبي قوله فتحه وما بعده بيان لقوله خير هذا اليوم، والفتح هو الظفر بالتسليط صلحًا أو قهرًا، والنصر الإعانة والإظهار على العدو وهذا أصل معناهما ويمكن التعميم فيهما فيفيد التأكيد اهـ. أي بأن يراد بالفتح ما فتح الله لعبده على وفق قصده والنصر الإعانة على العدو الظاهري والباطني، والنور التنبيه الإلهي للعبد حتى يبصر به طريق الحق فيعمل به، والبركة دوام الطاعة، والهدى الهداية إلى طريق الاستقامة على المداومة إلى حسن الخاتمة. قوله:(وأَعوذُ بكَ منْ شر ما فيهِ) أي اليوم (ومَا بعْدَهُ) أي من الأيام وهو حصول الأمر المضر في الدارين بحيث يشغل العبد عن خدمة مولاه ويبعده عن حضرته وكأنه وجه الاستعاذة من
شر ما بعد اليوم دون سؤال خيره أن الاعتناء بدفع المفاسد أهم منه بجلب المصالح ومن قواعدهم
وروينا في "سنن أبي داود" عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، أنه قال لأبيه: يا أبت إني أسمعك تدعو كل غداة: "اللهُم عافِني في بَدَني، اللهُم عافِني في سَمْعِي،
ــ
درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. قوله: (وَرَوينا في سنَن أبِي دَاوُدَ) الأخصر وروينا فيهما وكذا رواه النسائي وابن السني وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه إسحاق في مسنده وابن حبان في صحيحه عن العقدي وأخرج الحافظ بسند رجاله موثقون إلَّا أن فيه انقطاعًا سمع أبو بكرة ابنًا له يدعو بدعوة فقال أي بني أنى لك هذه الدعوة قال سمعتك تدعو بها قال فادع بها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها وإلَّا فصمتا سمعته يقول اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وأعوذ بك من عذاب القبر فهو من الشواهد لحديث الباب المروي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه. قوله: (عنْ عبد الرحمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ) وهو البصري الثقفي وله بالبصرة سنة أربع عشرة حيث نزل بها المسلمون وهو أول مولود ولد بها للمسلمين تابعي كثير الحديث سمع أباه وعليًّا وعنه جماعة كذا في المرقاة ووقع في نسخة من الحصين عزو الحديث إلى عبد الرحمن بن أبي بكر والمعروف ما في الكتاب. قوله: (يا أَبتِ) أي بكسر التاء وفتحها وفي النهر قرئ يا أبت بفتح التاء وجمهور القراء على كسرها وهي عوض من ياء الإضافة فلا يجتمعان فلا يقال يا أبتي اهـ، ومراده بلا يجتمعان أي على وجه الحسن وإلَّا ففي القطر وغيره ويا أبت ويا أمت بفتح وكسر ولحاق الألف أو الياء قبيح قال في شرحه والثانية أقبح وينبغي أن لا تجوز إلَّا في ضرورة اهـ. قوله:(أَسْمعُكَ تقول) قال في المرقاة أي أسمع منك أو أسمع كلامك حال كونك تقول اهـ، وفي الأول ما لا يخفى لأن سمع يصل بنفسه إلى المفعول الأول من غير خلاف. قوله:(عافني في بدَني) أي أعطني العافية من الآفات المانعة من الكمالات لأقوى على الطاعة أو عافني في بدني أي سلمه بأن لا يقع من شيء منه معصية أو عافني أي أعف عني ما يقع من المخالفة مني في بدني. قوله: (اللهُم عافني في سمعي) أي من كل خلل حسي أو معنوي بأن لا يدرك الحق أو لا يقبله أو يسمع ما لا
اللَهُمَّ عافِني في بَصَرِي، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ والفَقْرِ، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِن عَذابِ القَبْرِ، لا إله إلّا أنتَ"، تعيدها حين تصبح ثلاثًا، وثلاثًا حين تمسي، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأنا أحبُّ أن أستن بسنته.
وروينا في "سنن أبي داود" عن ابن عباس رضي الله عنهما
ــ
يجوز سماعه. قوله: (اللهم عافِني في بصَرِي) من العمى ومن عدم مشاهدة آياتك البينة الواضحة ومن النظر إلى محرم ويؤيد ذلك ما ورد اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري ومن شر مني وذكر السمع والبصر بعد البدن الشامل لهما لشرفهما فإن بالسمع يدرك آيات الله المنزلة على الرسل وبالعين تدرك آياته المنبثة في الآفاق فهما جامعان لدرك الآيات النقلية والعقلية وإليه نظر قوله صلى الله عليه وسلم اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعلهما الوارث منا وفي تقديم السمع كما في سائر الآيات والأحاديث إيماء إلى أنه أفضل من البصر خلافًا لمن خالف وبيانه أن مع فقدان البصر يكون الشخص مؤمنًا عالمًا كاملًا بخلاف من فقد منه السمع فإنه لا يتصور منه شيء من ذلك كسبًا إلّا أن يعطي ذلك من عنده تعالى وهبًا مع أن فقد السمع الخلقي يستلزم فقد النطق اللساني أيضًا كما هو معلوم وفي قوله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر تصريح بما ذكرناه والله أعلم، وهذا لا ينافي تفضيل البصر من حيث
إن بعض مرئياته ذاته تعالى إذ قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل كقوله صلى الله عليه وسلم للصحابة أفرضكم زيد مع أن الصديق أفضلهم. قوله: (منْ الكُفْرِ والفَقرِ) أي فقر القلب ولذا قارنه بالكفر في قوله كاد الفقر أن يكون كفرًا أي حيث لا يرضى بالقضاء أو يعترض على رب السماء وهذا تعليم للأمة أو تخضعًا لما للربوبية من الحق والخدمة أو المراد بالكفر الكفران والفقر الاحتياج إلى الخلق على وجه الانكسار والمذلة وقلة المال مع عدم القناعة والصبر وكثرة الحرص وقد سبق في الأذكار قبل السلام في هذا الحديث زيادة كلام. قوله: (تُعيدُها) أي هذه الجمل أو هذه الدعوات والجملة بدل أو حال. قوله: (ثلاثَ مَرَّات) ظرف لقوله تعيدها وكذا حين في قوله. قوله: (حِينَ تُصبِح وحِينَ تمسي) قوله: (أَنْ أَستَنَّ) أي اقتدي.
قوله: (وَرَوَينْا في سنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وكذا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن قال حِينَ يُصْبحُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
ــ
رواه ابن السني كما في الحصين وقال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب. قوله: (فسبحانَ الله) أي نزهوه عما لا يليق به وفي خبر مرسل أنه صلى الله عليه وسلم قال في قول العبد سبحان إنها براءة الله من السوء لا يقال النفي لا يتمدح به إلّا إذا تضمن ثبوتًا إلَّا فالنفي المحض لا مدح فيه لأنا نقول نفي السوء والنقص عنه يستلزم إثبات جميع الكمال له سبحانه وكذا كل ما جاء في الكتاب والسنة من نفي السوء والنقص عنه يتضمن إثبات ذلك له كقوله تعالى: ({لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)} [ق: 38] قال في المرقاة والكمال مسلم ثبوته له تعالى عند الكل ولذا ما جاءت الرسل إلَّا للأمر بالتوحيد والعبادة على وجه التفريد اهـ. قوله: (تمسُونَ) أي تدخلون في المساء و (تصبحونَ) أي تدخلون في الصباح فالفعلان تامان وقد سبق أن المساء الشرعي من غروب الشمس والصباح الشرعي من طلوع الفجر. قوله: (ولهُ الحمدُ) أي له لا لغيره الحمد ثابت (في السمواتِ والأرضِ) أي كائن على ألسنة أهلهما وإن من شيء إلا يسبح بحمده أو ثابت في أجزائهما وقيل في للتعليل أي له الحمد في هاتين النعمتين العظيمتين لأهلهما فيجب عليهم حمده والجملة معترضة وسيأتي حكمة الفصل بهما. قوله: (وعَشيًّا) عطف على حين وسبق أن العشي ما بين زوال الشمس إلى غروبها وحكاية أقوال آخر وفي المغرب المشهور أنه آخر النهار. قوله: (تَظهرُونَ) أي تدخلون في الظهيرة. قوله: (يُخرِجُ الحي منَ الميتِ) بالتشديد والتخفيف أي الطائر من البيضة والحيوان من النطفة والنبات من الحبة والمؤمن من الكافر والذاكر من الغافل والعالم من الجاهل والصالح من الطالح روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عكرمة بن أبي جهل فقرأ هذه الآية فهذا تفسير للنبي صلى الله عليه وسلم أن المراد من الحي المؤمن ومن الميت الكافر وفي معناه العالم والجاهل والصالح والطالح والذاكر والغافل وبعكسه قوله "ويخرج الميت من الحي". قوله: (ويُحيي الأرضَ بعدَ مَوتها) أي بإنبات
النبات بعد موتها أي يبسها أو أرض الروح بالإيمان والتوفيق بعد موتها أي فسادها
وَكَذَلِكَ تُخْرَجون} [الروم: 17 - 19] أدْرَكَ ما فاته في يومِه ذلكَ، ومَنْ قالهُنّ حِينَ يُمسِي أدْرَكَ ما فَاتَهُ في لَيْلَتِهِ"
ــ
بأضداده. قوله: (وكذلك تُخرَجُونَ) أي مثل ذلك الإخراج أو الخروج اللازم منه أو مثل ذلك الإحياء تخرجون أي من قبوركم للحساب وما يترتب عليه من العذاب أو النعيم وحسن المآب وهو بالبناء للمفعول من الإخراج وفي قراءة على صيغة المعلوم من الخروج والمعنى أن الإعادة والإبداء متساويان في قدرة من هو قادر على إخراج الميت وعكسه فاعتبروا يا أولي الابصار. قوله: (أَدركَ مَا فاته) أي حصل ثواب ما فاته من ورد وخير. قوله: (ذلِكَ) أي الذي قال فيه هذا الذكر. قوله: (قالهنَّ) أي الكلمات أو هذه الآيات قال ابن حجر في شرح المشكاة وسبب إدراك ذلك أن من قال ما ذكر مستحضرًا لمعناه من أنه أمر بقوله ذلك أي فسبحوه في هذه الأوقات حمله على دوام شهود تنزيه الحق تعالى عن كل ما لا يليق به وفي ذلك الشهود من الثواب ما يخلف ما مر وبهذا يعلم أن المتبادر من هذا التسبيح أن المراد من سبحان الله الأمر بالتسبيح في تلك الأوقات ولا ينافيه ما جاء كما في معالم السنن قال نافع ابن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن قال نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال جمعت المواقيت الخمس اهـ. فتمسون المغرب والعشاء وتصبحون الصبح وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر لأن هذا باعتبار الحقيقة واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه سائغ عند الشافعي رضي الله عنه وأكثر أصحابه وغيرهم يجعله من عموم المجاز ويدعون أنه التحقيق قال الطيبي: فإن قلت كان مقتضى الظاهر أن يعقب قوله وله الحمد بقوله فسبحان الله كما جاء سبحان الله وبحمده. وقوله: {وعشيًّا} بقوله: {وَحينَ تُصبحُونَ} [الروم: 17] فما فائدة الفصل ولم خص التسبيح بظرف الزمان والتحميد بظرف المكان، قلت قد مر أن الحمد أشمل من التسبيح فقدم وعلق به الإصباح والإمساء وأخر التحميد وعلق به السموات والأرض وإنما أدخله بين المتعاطفين ليجمع الحمد بين ظرفي الزمان والمكان إذ لافتراق الشيء بالشيء تعلق معنوي وإن لم يوجد تعلق لفظي ولو تقدم الحمد لاشتركا في الظرفين ولو أخر لخص الحمد بالمكان اهـ، وهو من
لم يضعفه أبو داود، وقد ضعفه البخاري في "تاريخه الكبير" وفي كتابه "كتاب الضعفاء".
ــ
الحسن بمكان غير أنه لم يتعرض لحكمة العدول عن مقابلة العشي بالصباح إلى مقابلته بالظهيرة ولعله لمراعاة الفواصل وحسن التقابل وفهم ابن الجزري هذه المقابلة حيث قال أبعد من قال أن المساء يدخل بالزوال فإن أراد دخول وقت العشي فقريب أو أراد المساء فبعيد فإن الله يقول فسبحان الله الخ، فقابل المساء بالصباح والظهيرة بالعشي اهـ، وقال ابن حجر وحكمة الفصل بين المتعاطفات في الآية بقوله وله الحمد الخ، إنه لما ذكر المساء والصباح المحيطين بطرفي النهار حثهم على المحافظة على إحياء هذين الطرفين المستلزم لإحياء ما بينهما أيضًا بأن أهل السموات والأرض وهم من جملتهم عليهم أن يقوموا بإحياء مقام الحمد دائمًا الذي يقابل التسبيح باعتبار دلالة الحمد على الصفات الثبوتية والتسبيح على الصفات السلبية والأولى أكمل وأفخم ومستلزمة للثانية ولا عكس وإنما لم يعقب التسبيح بالحمد كما هو في سبحان الله وبحمده المذكور في أكثر الآيات والأحاديث لأن القصد هنا الإشارة إلى مقامين متغايرين مقام التسبيح المشار به إلى الصلاة المختصة ببعض أهل الأرض ومقام الحمد الباعث عمومه لأولئك البعض على إدامة ما
خصوا به فناسب حينئذٍ فصل هذا وجعله اعتراضًا بين أجزاء ذلك ليكون حاملًا عليها ومؤكدًا لطلبها ولما كان القصد من التسبيح ما ذكر من الأمر به أو بالصلاة على ما مر وذلك يقتضي التجدد. والحدوث ومن الأخبار بأن الحمد له فيما ذكر الدلالة على الدوام والثبات والاستمرار ناسب ذكر ظرف الزمان في الأول وظرف المكان في الثاني قال وهذا أولى مما قبله. قوله: (لمْ يضَغفْهُ أَبُو دَاوُدَ) أي فهو عنده صحيح أو حسن لكن قال الحافظ لعل أبا داود سكت عن تضعيفه لأنه من الفضائل. قوله: (وقَدْ ضعَفه البخارِيُّ) قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف أخرج الحديث أبو داود العقيلي وابن عدي من حديث ابن عباس وإسناده ضعيف وقال البخاري لا يصح اهـ، وقال الحافظ في أماليه على هذا الكتاب قوله وضعفه البخاري الخ. لفظ البخاري في الكتابين سعيد بن بشير النجاري روى عن السلماني وروى عنه الليث لم يصح حديثه وكذا نقله ابن عدي في ترجمة سعيد وأورد الحديث وقال لا أعلمه روى عنه غير الليث ولا أعلمه
وروينا في "سنن أبي داود" عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها
ــ
روى إلَّا هذا الحديث ثم نقل كلام البخاري فيه وقال أنه عنى هذا الحديث قال الحافظ والحديث ضعيف بغير سعيد فإن شيخه ابن البيلماني ضعيف جدًّا قال ابن عدي كل ما يرو به ابن البيلماني فالبلاء فيه منه قال ابن حبان روى عن أبيه نسخة قدر مائتي حديث كلها موضوعة والنجاري بنون مفتوحة وجيم مشددة والبيلماني بموحدة ولام مفتوحتين وتحتية ساكنة قال الحافظ ووجدت للحديث شاهدًا بسند معضل لا بأس برواته ثم أخرجه عن زيد العمي وقال وهو بفتح المهملة وتشديد الميم نسبة إلى بني العم بطن من تميم وقيل لأنه كان يقول إذا سئل عن شيء حتى أسأل عمي وهو مختلف فيه عن محمد بن واسع من قال حين يصبح ثلاث مرات فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون لم يفته خير كان قبله من الليل ولم يدركه يومه شر ومن قالها حين يمسي مثله وكان إبراهيم خليل الرحمن يقولها ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى قال الحافظ ولم أره مصرحًا برفعه لكن مثله لا يقال بالرأي ولبعض حديثه شاهد بسند ضعيف مصرح فيه برفعه عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم لم سمى الله تعالى خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون أخرجه أحمد وفي سنده ابن لهيعة وفي شيخه زبان بفتح الزاي وشدة الموحدة وآخره نون وهو ابن فايد مقال وكذا في ابن لهيعة وقد سكت عن نقل التضعيف المذكور عن البخاري صاحبا المشكاة والسلاح وكأنه لكونه غير مؤثر في العمل بمضمون الخبر لكون التضعيف إنما يمنع من العمل إذا كان شديدًا كما تقدم نحوه في كلام الحافظ في سكوت أبي داود عن بيان ضعفه. قوله: (وَرَوَينا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وكذا رواه كما في الحصين النسائي وابن السني قال ميرك كلهم من حديث عبد الحميد مولى بني هاشم عن أمه قال في السلاح وكانت تخدم بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ بعد تخريجه الحديث حديث غريب أخرجه أبو داود في كتاب الأدب وأخرجه النسائي في
اليوم والليلة وأخرجه ابن السني عن النسائي وأبو نعيم
فيقول: "قولي حينَ تُصْبحِينَ: سُبْحانَ الله وَبِحَمْدِهِ، لا قوَّةَ إلَّا بالله، ما شَاءَ اللهُ كانَ، وما لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ، اعْلَمُ أنّ الله عَلى كل شيء قَدِير، وأنّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُل شَيءٍ عِلْمًا، فإنهُ مَنْ قَالهُن حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسِي ومن قالهُن حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ".
وروينا في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري رضي
ــ
في اليوم والليلة وتكلم في رجال السند إلى أن قال وعبد الحميد وسالم يعني الراوي للحديث عن عبد الحميد ذكرهما ابن حبان في الثقات لكن قال أبو حاتم الرازي عبد الحميد مجهول اهـ. قال الحافظ المنذري أم عبد الحميد لا أعرفها وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمها وكأنها صحابية وفي التخريج له أم عبد الحميد لم أعرف اسمها ولا حالها لكن يغلب على الظن أنها صحابية فإن بنات النبي صلى الله عليه وسلم متن في حياته إلّا فاطمة فعاشت بعده ستة أشهر أو أقل وقد وصفت بأنها كانت تخدم التي روت عنها لكنها لم تسمها فإن كانت غير فاطمة قوي الاحتمال وإلَّا احتمل أنها جاءت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم والعلم عند الله اهـ. قوله: (فيقولُ) هو بيان للتعليم وفي المرقاة يحتمل أن تكون الفاء تفسيرية اهـ. قوله: (سبحانَ الله وبحمدهِ) أي أنزهه عن كل سوء وابتدئ بحمده وفي المغرب سبحتك بجميع آلائك وبحمدك سبحتك وفي الحرز الأظهر في المعنى أن يقال أسبحه وأنزهه عما لا يليق به من الصفات السلبية وأقوم بحمده وثنائه الجميل من النعوت الثبوتية فالواو عاطفة للجملة على ما قبلها ويجوز أن تكون زائدة وتقدم بسط ذلك في باب فضل الذكر. قوله: (لَا قوةَ إِلَّا بالله) أي لا قدرة للعبد على حركة أو سكون إلَّا باقدار الله أي وقيل لا قوة أي لا قدرة على التسبيح والتحميد وغيرهما. قوله: (مَا شاءَ الله كانَ الخ) سواء شاء العبد أو لا وعلى هذا اتفق السلف ولا عبرة بخلف بعض الخلف وهذا معنى قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] وفي الحديث القدسي تريد وأريد ولا يكون إلَّا ما أريد فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ويفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد وقد عقد الشافعي معنى هذه الجملة في قوله:
ما شئت كان وإن لم أشأ
…
وما لم تشأ إن أشأ لم يكن
قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب
الله عنه، قال: دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال "يا أبا أمامَة! ما لي أراك جالسًا في المسْجِدِ في غيرِ وقتِ صَلاةٍ؟ " قال: هموم لزمتني
ــ
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة وهو آخر حديث فيه ويليه كتاب الزكاة وسكت عليه في السنن وسئل عنه في أسئلة أخرى فقال غسان بن عوف شيخ بصري والحديث غريب اهـ، وغسان المذكور ذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقد أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب الدعاء عن عقبة بن مكرم عن الغداني عن غسان بن وهب فإن كان محفوظًا فلعل وهبًا جده أو كنيته فتصحفت الأداة ولم يذكروا له إلَّا هذا الحديث ثم أول سياق هذا الحديث ظاهر في أنه من مسند أبي سعيد وعلى ذلك اقتصر من صنف في الأطراف وفي رجالها ويستدرك عليهم أن في أثنائه ما يقتضي التصريح بأنه من مسند أبي أمامة وليس في الصحابة من الأنصار من يكنى أبا أمامة إلّا سعد بن زرارة ومات في أول الإسلام وسبطه أسيد بن سهل بن حنيف ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير فلعله هذا لكن أفرد ابن منده في الصحابة صاحب هذا الحديث بترجمة وتبعه أبو القاسم يعني البغوي وأما الحاكم في
الكنى فلم يتعرض لهذا فيمن عرف اسمه ولا فيمن لم يعرف اهـ، ولحديث أبي سعيد شاهد من حديث أنس إلّا في القصة ثم أخرجه الحافظ عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهم والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال وقال بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وأبو عوانة قال وبعضه في الصحيحين من وجه آخر عن أنس وفيه زيادة ليست في هذا وعند مسلم من حديث زيد بن أرقم مثله لكن الزيادة غير الزيادة المذكورة وقد ذكرهما المصنف في كتاب الدعوات اهـ، وفي الحرز بعد ذكر الحديث عن أبي سعيد كما ذكره المصنف ما لفظه وفي الجامع رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس ولفظه ضلع الدين وروى صاحب الفردوس عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال يوم الجمعة اللهم أعني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله وأصل الحديث أخرجه أحمد والترمذي اهـ. قوله:(هُموم لَزِمَتني) ابتدأ به لأن
وديون يا رسول الله، قال:"أفَلا أُعَلمُكَ كلامًا إذا قُلْتَهُ أذْهَبَ اللَّهُ هَمَكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "قُلْ إذَا أصْبَحْتَ وإذَا أمْسَيْتَ: اللهُم إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالحَزَنِ وأعُوذُ بكَ مِنَ
ــ
التنوين فيه للتكثير أو للتعظيم أي هموم كثيرة أو عظيمة لزمتني وأحاطت بي فلم أجد منها مخرجًا ولا من ضيقها فرجًا ويؤيده قوله يا رسول الله فإن الاستغاثة تدل على عظم ما وقع فيه حتى استغاث منه بهذا اللفظ الدال على سرعة الإجابة. قوله: (ودُيونٌ) أي لزمتني وحذف لدلالة الأول عليه وكأنه عطف تفسير لبيان أن تلك الهموم هي تلك الديون ويؤيده الحديث الدين هم بالليل مذلة بالنهار. قوله: (أَفلا أُعلمُك) الهمزة فيه للاستفهام والفاء عاطفة لما بعدها على جملة مقدرة دل عليها السياق ولا مزيدة للتأكيد نظير ما منعك أن لا تسجد والتقدير اتمتثل ما أمرك به فاعلمك ويدل لذلك قوله في الجواب فقلت بلى ووقع في عبارة الطيبي ما يوهم أن لا أصلية وليس مرادًا. قوله: (إِذَا قلتَه الخ) فائدة الإتيان به التحريض على الإتيان بذلك الكلام خصوصًا وفيه تعجيل البشرى بإزالة تعجيل ما طلب إزالته من الهم والدين. قوله: (الهم والحَزَنِ) بضم الحاء المهملة وإسكان الزاي وبفتحهما ضد السرور وفرق بينهما بأن الهم يختص بالمتوقع والحزن بما وقع وقيل الهم الحزن الذي يذيب الإنسان لشدة الغم الذي تلقاه مأخوذ من همني المرض أذابني والحزن أصله من الخشونة وهو يصدق بأدنى شدة وغم وقيل الحزن ما يحصل لفقد ما يشق على المرء فقده والهم ما يذيب الإنسان فيكون تعوذه من الشيء الذي ينحل الجسم وقال الداودي الهم ما شغل الضمير وليس شيء أضنى على البدن منه قال والحزن أن يصاب الرجل في أهله وهما عند الفراء سواء وقال الحنفي الهم عام في أمور الدنيا والآخرة واعترض بأن هم الآخرة كالمنبوذ منه بل هو محمود ففي الحديث من جعل الهموم هما واحدًا هم الدين كفا الله هم الدنيا والآخرة وفي شرح العدة نقلًا عن الخطابي لا ينبغي للمؤمن أن يهتم بشيء من أمر الدنيا فإن الله تعالى قدر الأمور وأحكمها وقدر الأرزاق وقسمها فلا يجلب الهم للعبد خيرًا في دنياه ولا يأتيه ما لم
يقدر له وكان عمر بن عبد العزيز يقول اللهم رضني بالقضاء وحبِّب إليِّ القدر حتى لا أحب تقديم ما أخرت ولا تأخير
العَجْزِ وَالكَسَلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ
ــ
ما قدمت ومن آمن بالقدر فلا ينبغي له أن يهتم على شيء فإنه من الدنيا ولا يتهم ربه ففيما قضى له الخير وإنما ينبغي للعبد الاهتمام بأمر الآخرة وعرضه على ربه وكيف ينجو من سؤاله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا فلذلك يحسن الهم والبكاء اهـ. قوله: (العجْز) بسكون الجيم هو في الأصل التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابل القدرة فقيل هو ذهاب القدرة في وجه وكلاهما يحسن التعوذ منه واستعاذ من العجز لئلا يعجز عن القيام بمهمات العبادات الناشئ عن ارتكاب الذنوب لأنها توجب لمرتكبها توالي العوائق وتسابق الموانع إليه قال ابن بطال اختلف في معنى العجز فأهل الكلام يجعلونه ما لا استطاعة لأحد على فعله مما يعجز عنه لأنها عندهم مع الفعل وأما الفقهاء فيقولون هو ما لا يستطيع أن يعمله إذا أراد لأنهم يقولون الحج ليس على الفور ولو كان على المهلة عند أهل الكلام لم يصح معناه لأنها لا تكون إلّا مع الفعل. قوله: (والكسلِ) بفتحتين هو فترة النفس والمراد التثاقل عن صالح الأعمال مع القدرة عليه إيثارًا لراحة الأبدان على التعب ولكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه وقد ذم الله سبحانه المنافقين بأنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى إما من تثاقل منها لمرض أو ضعف أو كبر فلا يدخل في الذم والله سبحانه أعلم. قوله: (من الجُبْنِ) بضم فسكون أو فضم صفة الجبان يقال فيه جبن يجبن جبنًا وجبنًا وجمع الجبان جبن والجبانة وهو الخوف من العدو الشامل للصوري وهو الكافر والمعنوي وهو النفس والشيطان وسبب الخوف يمنعه المحاربة أو يحمله على الموافقة والجبانة هي ضد الشجاعة وإنما يكون من ضعف القلب وخشية النفس والجبان الذي يرتدع في الحرب ويضعف وذلك يؤدي إلى الفرار من الزحف وهو كبيرة واستعاذته صلى الله عليه وسلم منه تعليم لأمته لأنه يؤدي إلى عذاب الآخرة كما قاله المهلب لأنه يفر من الزحف فيدخل تحت وعيد قوله تعالى: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ} [الأنفال: 16]، وربما يفتن في دينه فيرتد لجبن أدركه وخوف على نفسه من القتل والأسر والعبودية، والجبن والكذب من الخلال المذمومة التي لا تصلح أن تكون في رؤوس الناس من إمام وخليفة وحامل
والبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ غلَبَةِ الديْنِ وَقَهْرِ الرجَالِ". قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني.
وروينا في كتاب ابن السني بإسناد صحيح، عن عبد الله بن أبزى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: "أصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلام وَكلِمَةِ الإخْلاصِ، وَدِينِ نَبينَا محمد صلى الله عليه وسلم، وَمِلةِ أبينا إبراهِيمَ صلى الله عليه وسلم حَنِيفًا مُسْلِمًا ومَا أنا مِنَ المُشرِكينَ" قلت كذا وقع في كتابه: "ودين نبينا محمد" وهو غير ممتَنِع، ولعله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهرًا ليسمعه غيره فيتعلمه، والله أعلم.
وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن أبي أوفى
ــ
علم إذ الكذب فجور أو يهدي إليه كما جاء في الحديث. قوله: (والبَخَلِ) بضم فسكون وفي نسخة من الحصين
بفتحهما وذكرهما في شرح العدة وغيره يقال بخل يبخل بخلًا وهو أن يبخل بأداء الواجبات كمنع الزكاة وقراء الضيف وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي البخل في الشرع منع الواجب وعند العرب منع السائل عما يفضل عنده وقيل البخيل الشحيح وقال ابن مسعود أن لا يعطي شيئًا والشح أن يشح بما في أيدي الناس أي يحب أن يكون له ما في أيديهم من الحلال والحرام وقيل البخل دون الشح اهـ، وفي الصحاح الشح البخل مع حرص واستعاذ صلى الله عليه وسلم من البخل لقوله تعالى:({وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9]، وقال صلى الله عليه وسلم أي داء أدوى من البخل.
رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: "أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلكُ للهِ عز وجل، والحَمْدُ للهِ، والكِبرِياءُ والعَظَمَةُ للَّهِ، والخَلْقُ والأمرُ والليلُ والنهارُ وما سَكَنَ فِيهِمَا للهِ تعالى، اللَهُمَّ اجْعَلْ أوَّلَ هذا النهارِ صَلاحًا، وأوْسَطَهُ نجاحًا، وآخِرَهُ فَلاحًا، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".
وروينا في كتابي الترمذي وابن السني بإسناد فيه ضعف، عن معقل بن يسار رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قال حينَ يُصْبِحُ ثلاثَ مَراتٍ: أعُود بالله السمِيع العَليم من الشَّيطانِ الرجيمِ، وَقَرأ ثلاثَ آياتِ مِنْ سُورَةِ الحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ تَعالى بهِ سَبْعِينَ ألفَ مَلَكٍ يُصلُّونَ عَلَيهِ حتَّى يُمْسِيَ، وَإنْ ماتَ في ذلكَ اليَومِ مَاتَ شَهِيدًا، ومن قالها حينَ يُمْسِي كانَ بتِلْكَ المنزِلَةِ".
وروينا في كتاب ابن السني، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه رضي الله عنه قال: وجَّهَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فأمَرَنا أن نقرأ إذا أمسينا وأصبحنا:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)} [المؤمنون: 115]، فقرأنا فغنمنا وسلمنا.
وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوة إذا أصبح وإذا أمسى: "اللهُم إني أسألُكَ مِنْ فجأةِ
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الخَيرِ، وأعُوذُ بِكَ مِن فَجأةِ الشَّرِّ".
وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: "ما يَمْنَعُكِ أن تَسْمَعِي ما أُوصيكِ بهِ؟ تَقُولينَ إذا أصْبَحْتِ وإذا أمْسَيتِ: يا حيُّ يا قيومُ بِكَ أسْتَغِيثُ فأصْلحْ لي شَأني كُلَّهُ ولا تَكِلْني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ".
وروينا فيه بإسناد ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الآفات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قُلْ إذا أصْبَحْتَ: بسمِ اللَّهِ على نفْسي وأهْلي ومالي، فإنه لا يَذْهَبُ لكَ شَيء"، فقالهن الرجل فذهبت عنه الآفات.
وروينا في سنن ابن ماجه، وكتاب ابن السني، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال:"اللَّهُمَّ إني أسألُكَ علمًا نافعًا، ورِزْقًا طَيبًا، وعملًا مُتَقَبَّلًا".
وروينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إذَا أصْبَحَ: اللهُم إنِّي أصْبَحْتُ مِنْكَ في نِعْمَةٍ وعَافِيةٍ وسِتْرٍ، فأتِمَّ نِعْمَتكَ عَليَّ وعافِيَتَكَ وسِتْرَكَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ثَلاثَ مَراتٍ إذا أصْبَحَ وإذا أمْسى، كان حَقًّا على اللهِ تعالى أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ".
وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صَباح يُصبِحُ العبادُ إلا مُنادٍ يُنادي: سُبْحانَ الملكِ القُدُّوسِ" وفي رواية ابن السني: "إلا صَرَخَ صارخٌ: أيها الخَلائقُ سَبِّحوا المَلكَ القُدُّوسَ".
وروينا في كتاب ابن السني، عن بُريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قال إذا أصبَحَ وإذا أمْسى: رَبِّيَ اللهُ، تَوَكَّلتُ على اللهِ لا إلهَ إلا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وهوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيم، لا إلهَ إلا اللهُ العَلِي العَظِيمُ، ما شَاءَ اللهُ كَانَ، ومَا لَمْ يَشَأ لمْ يَكُنْ، أعْلَمُ أن اللهَ على كل شيءٍ قَدِيرٌ، وأن اللهَ قَدْ أحاطَ بِكُل شَيءٍ عِلمًا، ثَم ماتَ دَخَلَ الجَنَّة".
وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أيَعْجزُ أحدُكم أنْ يكونَ كأبي ضمْضَمٍ؟ قالوا: ومَنْ أبو ضَمْضمٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: كان إذا أصبَحَ قال: اللهُمَ إني قد وهَبْتُ نَفْسِي وعِرْضي لكَ، فلا يشتِمُ مَنْ شتَمَهُ ولا بَظْلِمُ مَنْ ظَلَمَهُ، ولا يَضْرِبُ مَنْ ضرَبَهُ".
وروينا فيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قال في كل يَومٍ حِينَ يُصْبِحُ وحِينَ يُمْسِي: حَسْبيَ اللهُ، لا إلهَ إلا هو، عَلَيهِ توكَّلْتُ وهو رَب العَرْشِ العَظيمِ سَبع مَراتٍ، كَفَاهُ اللهُ تعالى ما أَهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنيا والآخرة".
وروينا في كتابي الترمذي وابن السني بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قرأ (حم المُؤمِنَ) إلى: (إلَيهِ المَصيرُ) وآيةَ الكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِما حتى يُمْسِيَ، ومَنْ قَرأهُما حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِما حَتَّى يُصْبِحَ".
فهذه جملة من الأحاديث التي قصدنا ذِكْرها، وفيها كفاية لمن وفقه الله تعالى،
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .