الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَوَفَّاهُ، خَيرًا لَنا، وَشَرًّا على أعْدَائِنا، والحَمْدُ لِلهِ رَب العَالمِينَ".
باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَنْزِلُ رَبُّنا
ــ
بل هما حديثان في السند والمتن ومحل القول ثم ذكره بنحو ما ذكرته أول الباب. قوله (توقاهُ) بضم الفوقية بالبناء للمفعول لكن سبق انفًا عن طرف الفوائد تتوقاه بتاءين مبني للفاعل ولعله كذلك في نسخة وإلَّا فالذي في كتاب ابن السني كما ذكر المصنف هنا والله أعلم.
باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من الليل
قوله: (رَوَينَا في صحيحَي البُخارِي ومسلم الخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة زاد النسائي حتى يطلعَ الفجر وزاد ابن ماجة فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله كذا في السلاح وزاد الحافظ وأخرجه أحمد. قوله: (ينزلُ ربنا) قال الإمام مالك وغيره أي ينزل أمره ورحمته أو ملائكته وأيده بعضهم بالحديث الصحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد إن الله عزّ وخل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا ينادي فيقول هل من داع فيستجاب له الحديث رواه النسائي وصححه وقال آخرون ونسب إلى مالك أيضًا على سبيل الاستعارة والمراد الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة كما هو عادة الكرماء سيما الملوك إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين وفي شرح مسلم وشرح محمد عبد الحق قال القرطبي في التفسير وهو يرفع الإشكال ويوضح كل الاحتمال وأن الحديث الأول على حذف مضاف أي ينزك ملك ربنا قال وقد روي ينزل بضم التحتية وهو مبين ما ذكرناه اهـ. فعلم من هذا الحديث وشبهه من أحاديث الصفات وآياتها مذهبان مشهوران فمذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين الإيمان بحقيقتها على ما يليق بجلاله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيهه سبحانه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن سائر سمات الحدوث وفي مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف وحكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعليه الخبر مؤول بتأويلين وذكر ما قدمته اهـ، ومنه كغيره من كلام محققي أئمتنا يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر كالمجيء والصورة والشخص والنزول والاستواء على العرش في السماء عما يفهمه ظاهرها مما يلزم عليه محالات قطعية تستلزم أشياء مكفرة بالإجماع فاضطر ذلك جميع السلف والخلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره وإنما اختلف فيه هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نؤوله بشيء آخر وهو مذهب أكثر السلف وفيه تأويل إجمالي أو مع تأويله بشيء وهو مذهب أكثر الخلف وهو تأويل تفصيلي ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح معاذ الله أن نظن ذلك بهم إنما دعتهم لذلك الضرورة في أزمنتهم لكثرة المجسمة والجهوية وغيرهم من فرق الضلال
ولاستيلائهم على عقول العامة فقصدوا ردعهم وإبطال أقوالهم وقد اعتذر كثير منهم وقالوا كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفة العقائد وعدم المبطلين ما خضنا في ذلك وقد اتفق سائر الملوك على تأويل نحو وهو معكم أينما كنتم وقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم وهذا الاتفاق بين صحة ما اختاره المحققون أن الوقف على الراسخون في العلم لا الجلالة كذا نقل بعض المحققين أن الجميع متفقون على التأويل وإن اختلفوا في الإجمال والتفصيل لكن نقل القاضي عياض في باب إثبات القدر في حديث حج آدم موسى عن الشيخ أبي الحسن الأشعري في طائفة من أصحابه أن كل صفات سمعية لا نعلمها إلَّا من جهة السمع نثبتها صفات ولا نعلم حقيقتها وذكر مذهب السلف من إمرارها وتنزيه الله عن ظواهرها ومذهب الخلف من التأويل على مقتضى اللغة وبه يعلم أن المراد بالكل في الكلام الكثير المعظم لا الشامل للجميع كما يثبته كلام القاضي نفع الله به واختار كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ ويكون تعين المراد منها إلى علمه تعالى وعله توسط بين المذهبين واختار ابن دقيق العيد توسطًا
كُلَّ لَيلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُوني
ــ
آخر فقال إن كان التأويل من المجاز البيِّن الشائع فالحق سلوكه من غير توقف أو من المجاز المعين الشاذ فالحق تركه وإن استوى الأمران فاختلاف جوازه وعدمه مسألة فقهية اجتهادية فالأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين وربما يقرر علم بطلان اعتقاد تلك الظواهر وإنه تعالى منزه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث وهذا معتقد أهل الحق ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة وما وقع في كلام بعض المحدثين والفقهاء مما يوهم الجهة أو التجسيم أوله العلماء وقالوا أن ظاهره غير مراد فعليك بحفظ هذا الاعتقاد واحذر زيغ المجسمة والجهوية أرباب الفساد. قوله: تبارك وتعالى تقدم بيان معناه في القنوت وغيره والفصل به بين الفعل ومتعلقه إشارة إلى أنه ليس المراد بالنزول منه تعالى ظاهره تعالى عن ذلك علوا كبيرًا. قوله: (إِلى السماءِ الدُّنيا) روى يهبط من السماء العليا إلى السماء، وتأويله أما بتنقل من مقتضى صفات الجلال من القهر والانتقام إلى مقتضى صفات الجمال من الكرم والرحمة أو بتنقل ملائكته من تلك السماء العليا إلى السماء الدنيا. قوله:(حيِنَ يبقى ثُلثُ الليلِ) وفي الرواية الآتية حين يمضي ثلث الليل الأول وفي الرواية بعدها إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه قال القاضي عياض الصحيح حين يبقي ثلث الليل الآخر كذا قال شيوخ الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه، قال ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد منه بعد الثلث الأول وقوله من يدعوني بعد الثلث الآخر قال المصنف بعد نقله قلت يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم اعلم به وسمع أبو هريرة الحديثين فنقلهما جميعًا وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكر مسلم في الرواية الأخيرة وهذا ظاهر وفيه رد لما أشار القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول وكيف يضعفها وقد روى بها مسلم في صحيحه بإسناد لا
مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما اهـ، وجرى عليه ابن حجر في شرح المشكاة فقال يحتمل أن يتكرر النزول عند الثلث الأول والنصف والثلث الآخر واختص زيادة الفضل به لأن النية فيه
فأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرنِي فأغْفِرَ لهُ".
وفي رواية لمسلم: "يَنزِلُ اللهُ سبحانه وتعالى إلى السماءِ الدنْيا كُل لَيلَةٍ حِينَ يمضِي ثُلُثُ اللَّيلِ الأولُ فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ أنا المَلِكُ، من ذا الذي يَدْعُوني فأسْتَجِيبَ لهُ، مَنْ ذَا الذي
يَسالُني فأعْطِيَهُ، مَنْ ذا الذي يَسْتَغْفِرُني فأغْفِرَ لهُ، فلا يَزال كذَلِكَ حتى يُضيءَ الفَجْرُ".
وفي رواية: "إذا مَضَى شَطْرُ الليلِ أو ثُلُثاهُ".
وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن عمرو بن عَبْسةَ رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقْرَبُ ما يَكُونُ الرب مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ الليلِ الآخِرِ،
ــ
أخلص والخشوع فيه أوفر وبحثه تعالى على الاستغفار بالأسحار ولاتفاق الصحيحين على روايته اهـ، وجمع به ابن حبان بأنه يحتمل أن يكون النزول في بعض الليالي هكذا وبعضها هكذا قوله:(فأستَجيبَ لهُ) بالنصب فيه وفيما بعده لوقوعه في جواب الاستفهام.: (وفي روَايةِ لمسلم) قال الحافظ وأخرجها الترمذي أيضًا. قوله: (أَنا المَلك الخ) قال المصنف في شرحه هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتأكيد والتعظيم. قوله: (فلا يَزَالُ كذلكَ الخ) فيه دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر وفيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى إضاءة الوقت وفيه تنبيه على أن آخر الليل للصلاة والدعاء وغيرهما من الطاعات أفضل من أوله. قوله: (وفي روَايةٍ) يعني لمسلم وأخرجها النسائي وابن خزيمة.
قوله: (وَرَوَينْا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ والترمذِي) قال في السلاح واللفظ للترمذي وكذا رواه النسائي والحاكم في المستدرك وقال الحاكم صحيح على شرط. قوله: (أَقرَبُ مَا يكُونُ الربُّ) أي رضاه وإنعامه. قوله: (في جَوفِ الليلِ) خبر أقرب أي أقربيته من العباد بالفضل والإمداد كائنة في جوف الليل الآخر أي لأنها ساعة التجلي المعبر عنه بالنزول فيما مر ويحتمل أن يكون حالًا من الرب أي قائلًا في جوف الليل من يدعوني الخ. سدت مسد الخبر أو من العبد أي قائمًا في جوف الليل داعيًا مستغفرًا على نحو قولك ضر بي