الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولْتُصَفِّقِ النساء".
وفي رواية: "التَّسْبيحُ للرجالِ والتَّصْفيقُ للنساءِ".
باب الأذكار بعد الصلاة
أجمع العلماء على استحباب الذِّكْر بعد الصلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعددة، فنذكر طرفًا من أهمها.
روينا في كتاب الترمذي، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الدعاء
ــ
داود. قوله: (ولْيصفِّحِ) التصفيح والتصفيق بمعنى واحد صرح به الخطابي والجوهري وقال القاضي عياض أنه بالحاء الضرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى وبالقاف ببطانها على باطن الأخرى وقيل بالحاء الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه بالقاف بجميعها للهو واللعب قال أئمتنا والأولى في التصفيق كونه ببطن كف على ظهر أخرى وعكسه لا ببطنهما بل يبطل الصلاة أن قصد اللعب ولو تكرر تمض المرأة ثلاثًا متوالية أبطل الصلاة. قوله: (وفي روايةٍ فيه) أي في الصحيح وقد تقدمت بلفظ إنما في أوله أخرجها البخاري في الرواية السابقة مختصرًا وجاء بدونها عن أبي هريرة أخرجها البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وأبو عوانة والطحاوي من نحو عشر طرق تنتهي إلى سفيان الثوري وهو يرويه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأخرجه مسلم أيضًا من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة بمثله لكن قال القوم بدل الرجال وزاد في آخره الصلاة كذا يتلخص من كلام الحافظ.
باب الأذكار بعد الصلاة
قال ابن القيم في الهدى أما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة سواء المنفرد وغيره فلم يكن من مديه صلى الله عليه وسلم أصلًا ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن وخصص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء بعده ولا أرشد إليه أمته إنما هو استحسان رآه من رآه عوضًا عن السنة قال وغاية الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها قال وهذا هو الأليق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه فإذا سلم منها انقطعت المناجاة وانتهى موقفه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقربه فكيف يترك سؤاله حال قربه ومناجاته والقرب معه وهو مقبل عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه اهـ. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وما ادعاه من النفي مطلقًا مردود فقد ثبت عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني الخ. رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر حديث أبي بكر في قوله اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر كان صلى الله عليه وسلم يدعو بهن دبر كل صلاة أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم وحديث زيد بن أرقم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة اللهم ربنا ورب كل شيء وخالق كل شيء ويا من بيده ملكوت كل شيء اغفر لي حتى لا تسألني عن شيء الحديث رواه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك ثم قال: فإن قيل المراد بدبر الصلاة قرب آخرها وهو التشهد قلنا قد ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة والمراد به بعد السلام إجماعًا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالف وقد أخرج الترمذي وقال حسن حديث أبي هريرة قيل يا رسول الله أي الدعاء اسمع قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة
لفضل المكتوبة على النافلة وأخرج الطبري عن جعفر الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفى الدعاء بعد الصلاة مطلقًا وليس كذلك فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استقبال المصلي القبلة وإيراده عقب السلام أما إذا انفتل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذٍ اهـ، والمراد من الصلاة المطلوب بعدها ما يأتي من الأذكار الفريضة وإن كان في بعض الأحاديث ما يقتضي التعميم للنافلة أيضًا قال الحافظ في الفتح وقد جاء في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها اهـ. قال أئمتنا ويسن للإمام أن يقوم عقب سلامه ثم يجلس بمجلس آخر للذكر والدعاء فإن لم يرد هذا الأكمل وجلس فليكن يسيرًا بقدر اللهم أنت السلام الخ. فإن لم يرد هذا أيضًا جعل يمينه إليهم ويساره للمحراب وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لأنه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه على أنه يؤخذ من قوله بعد الصلاة أنه لا يفوت بفعل الراتبة وإنما يفوت به كماله لا غير كذا في التحفة والحاصل أن الأفضل عندنا تقديم أذكار الصلاة
أسمع؟ " قال: "جَوْفُ الليل الآخِرُ، وَدُبُرَ الصّلَوَات المَكْتوبات".
ــ
على الرواتب وأنه لو قدمها على الذكر لم يفت سوى كماله وسيأتي له مزيد قريبًا. قوله: (أسمَعُ) أي أسرع إجابة قيل والمعنى أي أوقات الدعاء يكون فيها أسرع للإجابة بدليل قوله جوف الليل وقيل التقدير أي الدعاء أسرع وأقرب إجابة قال جوف الليل أي دعاء جوف الليل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وروي بنصب جوف أي الدعاء جوف الليل. قوله: (الآخِر) نعت لجوف ففيه النصب والرفع وإنما كان ذلك الوقت أنفع والدعاء فيه أسمع لأن فيه التجلي أكثر كما ورد في الأخبار الصحيحة. قوله: (ودبُرُ الصلَوَاتِ المكتُوباتِ) برفع ونصب دبر عطفًا على جوف قال المصنف في شرح مسلم دبر بضم الدال هذا هو المشهور والمعروف في الروايات وقال أبو عمر المطرز في كتابه اليواقيت دبر كل شيء بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة أو غيرها قال هذا هو المعروف في اللغة وأما الجارحة فبالضم وقال الداودي عن ابن الأعرابي دبر الشيء ودبره بالضم والفتح آخر أوقاته والصحيح الضم ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره اهـ، وفي القاموس الدبر بالضم وبضمتين نقيض القبل ومن كل شيء عقبه ومؤخره اهـ، وإنما كان ذلك لما يحصل بواسطة الصلاة من القرب إلى حضرة الحق المتكفل بالإجابة وفي حاشية شرح المنهج للشيخ نور الدين الزيادي قوله دبر كل صلاة يقتضي أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فإن كان الفاضل يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد كآية الكرسي فلا يضر وهل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلًا بين المكتوبات والذكر المذكور أو لا محل نظر شرح البخاري لابن حجر بل وجه النظر أنه إن طال الفصل ضر وإلَّا فلا وعلى هذا التفصيل ينبغي حمل ما تقدم من أن الفائت بتأخيرها عن الراتبة الكمال والله أعلم، وذكر في الحرز أن الأفضل عندهم الفصل بين المكتوبة والراتبة بنحو اللهم أنت السلام
الخ، وباقي الأذكار يأتي بها بعد الراتبة وأطال في بيان ذلك ناقلًا له عن ابن الهمام شارح الهداية وسيأتي له مزيد في حديث المغيرة وظاهر الخبر ككلام الأكثرين استحباب الدعاء مطلقًا ويؤيده حديث الدعاء هو العبادة وفي رواية مخ العبادة وفي أخرى من لم يسأل الله يغضب عليه ومن ثم قال الغزالي وغيره الدعاء أفضل العبادات وأنجح القربات وأسنى الطاعات وقيل السكوت عن الدعاء أفضل رضا بما قضى به القدر وقبل يدعو بلسانه ويرضى بجنانه فيأتي بالأمرين
قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت أعرف انقضاءَ صلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير".
ــ
جميعًا وقال القشيري الأولى أن يقال الأوقات مختلفة ففي بعض الدعاء أفضل بأن يجد في قلبه إشارة إليه وهو الأدب وفي بعض السكوت أفضل بأن يجد ذلك وهو الأدب أيضًا قال ويصح أن يقال ما للمسلمين فيه نصيب أو لله فيه حق فالدعاء به أولى لكونه عبادة وإن كان لنفس الداعي فيه حظ فالسكوت أتم اهـ، ويتجه أن محله أن كان الباعث عليه غرض النفس وإلا فالدعاء أفضل للأحاديث السابقة وإن كان الاشتغال بالذكر أفضل منه للحديث الصحيح من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وسيأتي بسط هذا في آداب الدعاء. قوله:(رَوَاه الترْمذي الخ) قال في السلاح ورواه النسائي واللفظ للترمذي وقال هذا حديث حسن وقال قد روي عن أبي ذر وابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جوف الليل الأخير الدعاء فيه أفضل أو أرجى أو نحو هذا. قوله: (حدِيث حسن) قال الحافظ قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وفيما قاله نظر لأن له عللًا منها الانقطاع بين ابن سابط وأبي أمامة قال ابن معين لم يسمع عبد الرحمن بن سابط من أبي أمامة ومنها عنعنة ابن جريج عن ابن سابط ومنها الشذوذ فإنه جاء عن خمسة من أصحاب أبي أمامة أصل هذا الحديث من رواية أبي أمامة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن عبسة واقتصروا كلهم على الشق الأول قال وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال قلت يا رسول الله هل من ساعة أقرب من الأخرى يعني الإجابة وهل من ساعة يبتغي ذكرها قال نعم أن أقرب ما يكون العبد من الدعاء جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى تلك الساعة فافعل حديث صحيح أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم وأخرجه أحمد مختصرًا كلهم عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة بلفظ جوف الليل الآخر أجوبه دعوة وفي لفظ أوجبه بتأخير الجيم عن الواو اهـ، وبما ذكر من كلام الحافظ يعلم ما في قول شرح المشكاة وسنده صحيح. قوله:(وَرَوَينَا في صحيحي البخارِي ومسلم الخ) قال الحافظ لفظ الحديث للبخاري ولفظ مسلم عن ابن عباس كنا نعرف الخ، كما أشار إليه الشيخ. قوله:(بالتكبيرِ) المراد به هنا مطلق الذكر
وفي رواية مسلم: "كنا" وفي رواية في "صحيحيهما".
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رفع الصوت بالذِّكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال ابن عباس:"كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتُه".
ــ
بدليل روايته الآتية وعبر به لأنه ينتجه سلب النقائص بالتسبيح وإثبات الكمالات بالتحميد والتهليل إذ من سلب عنه كل نقص وثبت له كل كمال هو المستحق لنهاية الكبرياء والعظمة ولأن رفع الصوت عنده أعلى منه عند البقية ولأنه آلة الإعلام بأفعال الإمام فليكن آلة الإعلام بالفراغ منها وفي شرح البخاري لابن العز الحجازي اختلف في كون ابن عباس قال هذا أي في سبب ذلك فقال عياض الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه
كان صغيرًا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به وقال غيره يحتمل أن يكون حاضرًا في أواخر الصفوف. قوله: (وفي روَايةِ في صحيحَيْهمَا) وأخرجه كذلك أحمد وأبو داود وفي قوله كنت أعرف إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب قيل وفي هذا الحمل نظر لإشعار كان بالمداومة والكثرة وأجيب بأنها تستعمل في الشيء النادر أيضًا. قوله: (أَن رَفْعَ الصَّوتِ بالذكرِ الخ) حمل الشافعي جهره صلى الله عليه وسلم بالأذكار والدعاء عقب الصلاة على أنه كان لأجل تعليم المأمومين فمن ثم قال ويجهر لتعليمهم فإذا تعلموا أسر لقوله تعالى: ({وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110]، الآية نزلت في الدعاء كما في الصحيحين قيل وفي هذا الحمل نظر لإشعار كان بالمداومة والكثرة وأجيب بأنها تستعمل للشيء النادر أيضًا كما تقدم نظيره في اللفظ السابق، واستدل البيهقي وغيره لطلب الإسرار بخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بترك ما كانوا عليه من رفع الصوت بالتكبير والتهليل وقال إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا أنه معكم سميع قريب اهـ، وبه يرد على بعض المتأخرين في منازعته في ذلك بأن ظاهر الحديث ندب الجهر بالذكر دائمًا وليس كما قال لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يخلو ممن يرد عليه فيسلم أو يكون قريب الإسلام فكان جهره لتعليمهم فمن أين للمنازع أنه جهر لا للتعليم وجهره من الوقائع الفعلية وقد تطرق إليها ذلك الاحتمال الظاهر فتعين الأخذ به ذكره في شرح المشكاة.
فائدة
يسن الإسرار في سائر الأذكار أيضًا إلَّا في القنوت للإمام والتلبية وتكبير ليلتي العيد وعند رؤية الأنعام في عشر ذي الحجة وبين كل سورتين من الضحى إلى آخر القرآن وذكر السوق
وروينا في "صحيح مسلم"، عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: "اللهُم
ــ
الوارد وعند صعود الهضبات والنزول من الشرفات. قوله: (وَرَوينَا في صحيحِ مسلم الخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة والطبراني وابن السني عن ثوبان كذا في الحرز. قوله: (إِذَا انصرَفَ) هذا لفظ رواية مسلم وعند جماعة آخرين بسند حديث مسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال اللهم أنت السلام الخ. أخرجه هكذا أحمد والترمذي وأبو داود وابن خزيمة وأبو عوانة كلهم بهذا اللفظ وأخرجه ابن خزيمة أيضًا بلفظ كان يقول قبل السلام قال ابن خزيمة أن كان عمرو بن هشام الراوي له عن الأوزاعي حفظه فمحل هذا الذكر قبل السلام ورواية إذا أراد أن ينصرف موافقة لهذه ويمكن رد رواية إذا انصرف إليها لكن المعروف أن هذا الذكر بعد السلام قال الحافظ ويؤيده حديث عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يجلس بعد الصلاة إلَّا قدر ما يقول وفي رواية عنها كان إذا سلم لم يقعد إلَّا
بمقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام أخرجه مسلم وابن ماجة قال الحافظ ويمكن الجمع بأنه كان يقول ذلك في الموضعين وظاهر حديث عائشة أنه كان لا يقول الأذكار الواردة في هذا المحل غير ما ذكر إلَّا حال قيامه ويعارضه حديث جابر بن سمرة كان صلى الله عليه وسلم إذ صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس أخرجه مسلم، ويمكن الجمع الصبح، وأولى منه أن يحمل النفي على الهيئة المخصوصة بأن يترك الاستقبال والتورك ويقبل على أصحابه كما ثبت ذلك في خبر آخر قال وقد ورد التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك إذا سلم ثم أخرج من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وقال حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. قوله:(أستغفر الله ثلاثًا) حكمته منه صلى الله عليه وسلم إظهار هضم النفس وأنها لم تقم بحق الصلاة ولم تأت بما ينبغي لها فكانت في غاية التقصير والمقصر يستغفر لعله أن يتجاوز عنه تقصيره وكأن هذا سبب قول المصنف ينبغي تقديم الاستغفار على سائر أنواع الذكر الوارد عقب السلام قال غيره ثم يقول اللهم أنت السلام إلى الإكرام ثم (لا إله إلَّا الله) إلى (قدير) ثم رتب كثيرًا كذلك وقد أشار إلى ذلك بحرق في مختصره وابن حجر في شرح العباب
أنتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السلامُ، تَبَارَكْتَ يا ذا الجَلالِ والإكْرَام".
قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله.
ــ
وأطال فيه. قوله: (أَنتَ السلامُ) أي السالم من التغيرات والآفات أو معطي السلامة لمن تشاء. قوله: (ومِنْكَ السلامُ) أي يرجى ويستوهب ويتوقع وقال السيوطي في حاشية سنن النسائي السلام الأول من أسماء الله تعالى والثاني السلامة ومعناه أن السلامة من المهالك إنما تحصل لمن سلمه الله قال ابن الجوزي في التصحيح وأما ما يزاد بعد قوله ومنك السلام من نحو وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام فلا أصل له بل هو مختلق اهـ، وقال ابن حجر في شرح المشكاة على أن قوله وإليك الخ، معناه كالذي قبله بيان لأنت السلام أي ليست سلامتك من النقائص والحوادث والغير ناشئة عن غيرك بل ذلك ثبت لك لذاتك من حيث الذات لا بواسطة أحد كيف وأنت الذي تسلم الغير من المخاوف وإليك يرجع جميع سلام المسلمين إذ ليس منهم إلّا صورته أما حقيقته فصادرة منك وراجعة إليك. قوله:(يا ذا الجلال والإكرام) هذه إحدى روايات مسلم وفي رواية أخرى له ذا الجلال بحذف حرف النداء ذو بمعنى صاحب وهو لكونه كناية أبلغ منه وفي حاشية شرح التفتازاني للعقائد النسفية للعلامة ابن أبي شريف ما لفظه ومعنى الجلال كما دل عليه كلام القشيري في التخيير استحقاق أوصاف العلو وهي الأوصاف الثبوتية والسلبية وعليه فالإكرام المقابل له اكرام العباد بالإنعام عليهم وعلى هذا جرى الغزالي في المقصد الأسنى وفسر بعضهم الجلال بالصفات السلبية لأنه يقال فيها جل عن كذا وعن كذا والإكرام بالصفات الثبوتية وممن جرى على ذلك البيضاوي في شرح الأسماء الحسنى والكرماني في شرح البخاري وفسر بعضهم الجلال بالصفات الثبوتية والإكرام بالسلبية عكس التفسير السابق ويعبر هؤلاء عن الصفات السلبية بالنعوت فيقولون صفات الجلال ونعوت الإكرام اهـ. قوله: (قيل للأوزاعي) القائل له أبو الوليد كما في مسلم وذكره الحافظ كذلك والأوزاعي نسبة إلى الأوزاع قال في لب اللباب وهي قرى متفرقة فيما أظنه
بالشام منها أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي والأوزاع التي ينسب إليها قرية خارج باب الفراديس مات سنة سبع وخمسين ومائة وقال الشيخ عز الدين الصواب أنه الأوزاع بطن من ذي الكلاع من اليمن وقيل بطن من همدان
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"
ــ
نزلوا الشام فنسبت القرى التي سكنوها إليها اهـ. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحَي البخارِي ومُسلم الخ) وفي شرح العمدة للقلقشندي أخرجه أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي في شرح السنة وغيرهم اهـ. وزاد في الحرز وأخرجه ابن السني قال وأخرجه البزار والطبراني من حديث ابن عباس.
قلت قال الحافظ بعد تخريجه من حديث ابن عباس قال كان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. هذا حديث غريب أخرجه البزار وقال تفرد به يحيى بن عمر وهو ضعيف وخالفه أبان بن أبي عياش وهو أضعف منه عن أبي الجوزاء أي بفتح الجيم والزاي عن عائشة فقال في المتن بيده الخير بدل قوله يحيي ويميت الذي وقع في رواية البزار المذكورة وكذا أخرجه جعفر الغرياني في كتاب الذكر اهـ.
فائدة نفيسة
قال الحافظ وقع لنا في بعض طرق هذا الحديث لفظة اشتهرت في هذا الذكر ولم تقع في الطرق المشهورة ثم أخرج من طريق عبد بن حميد وحدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم لا مانع لما أعطيت ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم أخرجه الحافظ من وجه آخر عن عبد الملك بالسند المذكور إلَّا أنه من طريق أبي نعيم عن مسعر عن عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة قال كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إليّ بشيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم لا مانع لما أعطيت ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال الحافظ وسمعت شيخنا يقول هذا حديث صحيح رواته ثقات ثم أشار إلى رواية معمر السابقة وذكر أنها في الكنجروديات للبيهقي بالزيادة المذكورة قال الحافظ وقد راجعت الكنجروديات فلم أر فيها إلا كالجادة فلعلها سقطت من نسختي وأما رواية مسعر فوقع في نسخة شيخنا كالجادة وزيادة ولا راد لما قضيت قال الحافظ
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
ــ
بعد كلام ساقه فغلب على الظن أن رواية مسعر كرواية معمر فلذلك سقته نظير رواية معمر قال الحافظ وحديث المغيرة رواه عن عبد الملك جماعة من الحفاظ الأثبات منهم شعبة وسفيان الثوري وأبو عوانة وهشيم وابن عيينة وأحاديثهم في الصحيحين ومنهم زائدة بن قدامة وعمرو بن قيس والأعمش وزيد بن أبي أنيسة وأسباط بن محمد وأحاديثهم عند الطبراني وغيره كاللفظ المشهور بغير هذه الزيادة اهـ قوله: (عن المغيرَةِ) هو أبو عبد الله وقيل أبو عيسى وفي أبي داود عنه كناني النبي صلى الله عليه وسلم أبا عيسى وقيل أبو محمد المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف،
الثقفي الكوفي الصحابي الجليل ابن أخي عروة بن مسعود أسلم عام الخندق سنة خمس من الهجرة وقدم مهاجرًا وقيل أول مشاهده الحديبية وكان رجلًا طوالًا موصوفًا بالفضل والكرم من دهاة العرب كثير التزوج قال الذهبي تزوج سبعين امرأة قال ابن الأثير قيل أنه أحصن ثلثمائة امرأة في الإسلام وقيل ألف امرأة روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وثلاثون حديثًا اتفقا منها على تسعة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين ولاه عمر البصرة ثم عزله إلى الكوفة فلم يزل عليها إلى أن قتل عمر فأقره عثمان عليها ثم عزله فلما كان أمر الحكمين لحق بمعاوية فولاه الكوفة واستمر بها حتى مات ويقال أنه أول من وضع ديوان البصرة وقال عبد الله بن عباس بن معبد بن عباس أنه أول من خضب بالسواد وشهد اليمامة وفتح الشام والقادسية والأهواز وهمدان ونهاوند وذهبت عينه يوم اليرموك ويقال أنه صلى الله عليه وسلم قص له شاربه وهي منقبة عظيمة وكان يقال له مغيرة الرأي لكمال عقله ودهائه قال الشعبي دهاة العرب أربع معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه وحج بالناس سنة أربعين ومات بالطاعون في شعبان سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين وقيل سنة تسع وأربعين وله سبعون سنة رضي الله عنه والمغيرة بضم الميم وحكى جماعة منهم ابن قتيبة والزمخشري كسرها قال الزمخشري كسرت الميم إتباعًا كما يقال منتن ومنتن لأن مفعلًا ليس من
إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: "لا إله إلا الله وحْدَهُ لَا شَريكَ له، لهُ المُلْكُ ولهُ الحَمْدُ وَهُو على كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، اللهُم لا مانِعَ لِمَا أعْطَيتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ".
ــ
الأبنية اهـ، والهاء فيه للمبالغة كعلامة قاله السهيلي. قوله:(إِذا فرغَ منَ الصلاةِ) ظاهره شامل للمكتوبة والنافلة لكن في عمدة الأحكام للمقدسي في هذا الحديث كان صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة، قال القلقشندي فهي مقيدة للرواية الأخرى اهـ، ورواية الكتاب مبينة للمراد بدبر الصلاة في رواية الصحيحين المذكورة في العمدة أي بعد السلام منها قال القلقشندي والمراد بدبر الصلاة عقب السلام لما وقع في بعض طرقه عند مسلم كان إذا فرغ من الصلاة والسلام الخ، وبه يعلم أن لفظ رواية المصنف هذه إنما هي لمسلم وعزوه للبخاري بمعنى أن الحديث مروي فيه لا بخصوص هذه العبارة والله أعلم. قوله:(لَا إله إلَّا الله ألخ) تقدم الكلام عليه إلى قوله قدير في باب فضل الذكر وعلى باقيه في ذكر الاعتدال، هذا وظاهره أنه كان يأتي بالأذكار عقب الفراغ من غير فصل قال الحافظ الزين العراقي وفي قوله صلى الله عليه وسلم إذا صليتم فقولوا ما يدل على أن الشرع في الذكر يكون عقب التسليم، فإن فصله يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا عن الإتيان به أو كثيرًا ناسيًا فالظاهر أنه لا يضر بخلاف ما إذا تعمد فإنه لا يحصل له السنة المشروعة وإن أثيب عليه من حيث الذكر، ثم قال ولا يضر طول الفصل بين التسبيح ونحوه بغيره من الواردات والمراد بالتكلم فيما ورد أنه يقوله قبل التكلم وهو ثان رجليه قبل التكلم بأجنبي لا تعلق به بالمشروع اهـ.
قال القلقشندي في الحديث مشروعية هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتملت عليه من معاني التوحيد ونسبة الأفعال إلى الله تعالى والمنع والإعطاء وتمام القدرة فيكون الاعتراف به عقب الصلوات أدعى لقبولها وأرجى لحصول المقصود وعظم ثواب هذا الذكر القليل مع خفته على اللسان لأجل مدلولاته فإنها راجعة إلى الإيمان الذي هو أعظم الأمور اهـ. قال والسلاح وفي رواية للبخاري
والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التهليل وحده ثلاث مرات قال القلقشندي تكرار الذكر أي جميعه إلى
وروينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُلكُ ولهُ الحَمْدُ وهُو على كل شَيءٍ قديرٌ، لا حَولَ ولا قُوةَ إلا بالله، لا إله إلا اللهُ
ــ
قوله الجد كما هو ظاهر كلامه ثلاثًا ففي بعض طرقه عند أحمد والنسائي وابن خزيمة أنه كان يقوله ثلاثًا. قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مسلِمٍ) رواه أبو داود والنسائي وابن أبي شيبة كلهم عن عبد الله بن الزبير وأخرجه الحافظ من طريق الإمام أحمد بن حنبل ومن طريق أبي نعيم عن ابن الزبير قلت وأخرجه أبو نعيم وابن السني كلاهما في عمل اليوم والليلة. قوله: (عنْ عبْدِ الله بْنِ الزُّبير) هو أبو خبيب عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ابن العوام القرشي الأسدي أمير المؤمنين أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة بالمدينة ولما ولد فرح المسلمون بولادته لأنه قيل لهم أن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم ولد حي، أتي النبي صلى الله عليه وسلم به فحنكه بريقه فكان أول شيء دخل جوفه ريق النبي صلى الله عليه وسلم وسماه باسم جده أبي بكر وكناه بكنيته ودعا له وبرك عليه وقال له أيضًا كبش بين ذئاب وذئاب عليها ثياب ليمنعن البيت أو ليقتلن دونه وجاء في رواية في البخاري ومسلم أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع أو ثمان سنين ليبايعه وكان الزبير أمره بذلك فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلًا ضحك في وجهه ثم بايعه وكان عبد الله غاية في العبادة نهاية في الشجاعة وشدة البأس وشهد فتح إفريقية وكان العزم والفتح على يديه وشهد مع أبيه وخالته يوم الجمل حيث استشهد وكان أطلس لا لحية له ولا شعر بوجهه وكان كثير الصوم والصلاة كريم الجدات والأمهات والخالات قال ابن كيسان ما رأيت ابن الزبير يعطي كلمة قط لرغبة ولا لرهبة سلطان أو غيره روي أنه شرب حجامة دم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ويل لك من الناس وويل للناس منك لا تمسك النار إلَّا تحلة القسم بويع له بالخلافة سنة أربع وستين بعد موت معاوية واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق والخراسان وبنى البيت على قواعد إبراهيم وتخلف عن بيعته ابن عباس وابن الحنفية وحج ثمان حجج ثم حصره الحجاج بمكة في أول ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين ونصب عليه المنجنيق وألح عليه بالقتال من كل جهة وحبس عنهم الميرة من كل جهة ثم قتل يوم الثلاث النصف من شهر جمادى الأولى
ولا نَعْبُدُ إلا إياهُ لهُ النعْمَةُ ولهُ الفَضْلُ، ولهُ الثناءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إلا اللهُ مُخْلِصِينَ لهُ الدين
ــ
سنة ثلاث وسبعين وعمره ثلاث وسبعون سنة وكانت مدة الحصر ستة أشهر وسبع عشرة ليلة روي أنه لما اشتد عليه الحصر شاور أمه في الاستسلام فقالت يا بني لأن تموت كلما أحب إليّ أن تموت سلمًا فقال أخشى المثلة فقالت إن الشاة لا تألم بالسلخ، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون حديثًا اتفقا منها على تسعة وانفرد البخاري بستة ومسلم بحديثين وخرج عنه الأربعة وغيرهم رضي الله عنه وهو أحد العبادلة الأربعة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وابن عمر قاله أحمد بن حنبل وغيره من المحدثين قيل لابن حنبل فابن مسعود قال ليس هو منهم قال البيهقي لأنه تقدمت وفاته وهؤلاء عاشوا طويلًا حتى احتيج إلى علمهم فإذا اتفقوا على شيء قيل هذا قول العبادلة أو فعلهم ويلحق بابن مسعود فيما ذكر سائر المسمين بعبد الله من الصحابة وهم نحو من مائتين وعشرين وقول الجوهري منهم ابن مسعود وأخرج
ابن عمرو بن العاص غلط نبه عليه المصنف في التهذيب وغيره. قوله: (ولا نعبدُ إلا إِياهُ) الظاهر أنه عطف على قوله لا إله إلَّا الله وقيل حال من فاعل محذوف أي نقول لا إله إلا الله حال كوننا غير عابدين إلَّا إياه. قوله: (له النعمة) هي كل مستلذ ملائم محمود العاقبة ومن ثم قيل لا نعمة لله على كافر إنما ملاذه استدراج وتقديم الظرف يؤذن بالحصر وأل للجنس والاستغراق أي ما من نعمة دقيقة ولا جليلة إلَّا وهي من الله تعالى وإن كانت على يد وسائط لأنهم ليس لهم إلَّا الصورة والائم فقط وأما الحقيقة فهي لله تعالى وسيأتي حديث من قال إذا أصبح اللهم ما أصبح بي أو بأحد من خلقك من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فقد أدى حق ذلك اليوم وفي رواية لمسلم أهل النعمة والفضل. قوله: (ولهُ الفضلُ) على عباده بما لا يستحقونه. قوله: (ولهُ الثنَاءُ الحسَنُ) أي النعت المستحسن فهو يستحقه على عباده بطريق الذات لا بواسطة نعمة ولا غيرها بل وإن انتقم. قوله (مُخلِصينَ لهُ الدينَ) قيل هو حال من فاعل نقول الدال عليه ولو كره أي قولنا الكافرون أي نقولها حال كوننا مخلصين وقيل الأولى جعله حالًا من فاعل نعجد المذكور أي لا نعبد إلَّا إياه معتقدين اتصافه بهذه الأوصاف ومخلصين، والدين مفعول به لمخلصين والمراد به العبادة، وله ظرف قدم للاهتمام والمعنى لا نقصد بالعبادة إلّا ذاته ثم
ولَو كَرِهَ الكافِرونَ".
قال ابن الزبير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دُبُرَ كل صلاة.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثُور بالدرجات العلى
ــ
أن أثاب فبمحض فضله وإن عاقب فبعدله. قوله: (ولوْ كرهَ الكافرُونَ) هو غاية للقول المقدر أي نقول قولنا وإن كره الكافرون فمفعول كره القول وقدر المظهري المفعول بقوله أي كوننا مخلصين الدين لله وكوننا عابدين له غير مشركين به شيئًا وقال ابن حجر هو غاية لمحذوف دل عليه السياق أي تظهر ذلك ونعتقده وندين به وإن كره الكافرون ذلك منا لأنه الحق الذي ستروه بعنادهم والصدق الذي لم يذعنوا له لضلالهم وفسادهم اهـ. قوله: (وكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الخ) وفي لفظ آخر لمسلم أورده في المشكاة عنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى لا إله إلَّا الله الخ. قال العاقولي ففيه دليل على استحباب رفعه بالذكر خلف الصلاة وقال ابن حجر رفع الصوت لتعليم أصحابه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ما يتعلق بذلك. قوله: (وَرَوَينَا في صحيح البخَاري ومُسلِم الخ) رواه النسائي كما في السلاح وقال القلقشندي أخرج أصله مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني والجوزقي وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم اهـ. قوله: (أَنَّ فقَرَاءَ المهَاجرِينَ) قال ابن العز الحجازي سمي منهم في رواية محمد ابن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر أخرجه أبو داود وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي اهـ. وإضافة
الفقراء للمهاجرين من إضافة الموصوف إلى صفته كصلاة الأولى وأصله أن الفقراء المهاجرين وقال البرماوي يحتمل أن تكون من إضافة الصفة إلى موصوفها كجرد قطيفة ويكون التقدير المهاجرين ولعله أقرب وأحسن. قوله: (بالدَّرجاتِ العلا) بضم العين جمع عليا تأنيث الأعلى والباء فيه للمصاحبة ثم يجوز أن تكون الدرجات حسية وهي درج الجنان ويجوز أن يكون معنوية أي في ارتفاع قدرهم وقربهم من الله تعالى والمراد ذهب أهل الأموال الباذلين لها في الطاعات لسد الخلاف والحاجات مصاحبين وفائزين بدرجات الجنة
والنعيم المقيم، يصلون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، فقال: "ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِه مَنْ بَعْدَكُمْ، ولا يَكُونُ أَحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إلا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال:
ــ
ونعيمها الخاص بمن آتى المال على حبه وأنفقه في وجوه قربه أو بالقرب من الرضوان بما غرسوا من الإحسان وما ذكر من الصحابة على سبيل الغبطة وهو طلب مثل نعمة المغبوط وهي في أمر العقبى محمودة لا الحسد أي تمني زوال نعمة المحسود. قوله: (والنعِيم المُقِيمِ) أي الدائم ووصفه بذلك إشارة إلى أنهم لا يغبطون على ضده وهو النعيم الزائل فإنه قلما يصفو عن شوائب الأكدار فإن فرض صفاؤه بطريق الندرة أو فرض وقوع المحال فهو معرض لسرعة الانفصال والزوال. قوله: (يصلونَ الخ) جملة استئناف بياني جوابًا لسؤال مقدر قيل لم ذلك فقالوا لأنهم يصلون الخ، وقد جاء مصرحًا بالسؤال والجواب في رواية في الصحيح عند مسلم ولفظها فقال وما ذاك فقالوا:(يصلون الخ) في أفراد مسلم زيادة ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق وفي بعض طرقه زيادة وجاهدوا كما جاهدنا. قوله: (تُدْركونَ بهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وتَسبقُونَ بهِ مَنْ بعْدَكم) أي من أهل الأموال الذين يمتازون بالصدقة وغيرها والسبقية والبعدية يحتمل أن يرَاد بهما الأمر الحسن باعتبار الزمان المخصوص بهذه الأمة فإن فضيلتهم ثابتة على غيرهم من الأمم ويحتمل أن يراد بهما الأمر المعنوي وقال ابن دقيق العيد أنه أقرب. قوله: (ولا يكُون أَحَدٌ أَفضلَ منْكُم إلَّا منْ صَنَعَ مثْلَ مَا صنعْتمْ) قال في شرح المشكاة أي لا يكون لأحد من الأغنياء وغيرهم في زَمن أفضل منكم ولا مساو ما كم إلَّا من صنع مثل ما صنعتم فإنه يساويكم في ثواب ذلك العمل واحتيج إليه لبيان أن من عمل من غير الصحابة مثل عملهم أثيب مثل ثوابهم وإن امتازوا على غيرهم بفضيلة الصحبة والمشاهدة له صلى الله عليه وسلم التي لا يوازيها عمل آخر فلولا ذلك الاستثناء فلربما يوهم أن بقية أعمالهم لا تلحق أيضًا وإنما قدرت المستثنى منه محذوفًا لتعذر صحة الاستثناء من المذكور إلا بتكلف اهـ، وما ذكره من أن من عمل من غير الصحابة كعملهم يساويهم في قدر الثواب يمنعه ويرده قوله صلى الله عليه وسلم فإن أحدكم لو
تُسَبِّحُونَ وتحْمَدونَ وتُكَبِّرونَ خَلْفَ كل صلاةٍ
ــ
أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه ولا مانع من كون أعمالهم ثوابها أكثر من عمل غيرهم لمثل ذلك العمل زيادة في تشريفهم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ثم قال بعضهم ظاهر هذا يخالف ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة وهذا ظاهر الأفضلية، وأجيب بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة فقد يدرك ثم يفوق وعلى هذا فيكون التقرب بهذا الذكر
أرجح من التقرب بالمال ويحتمل أن يقال معنى قوله إلا من صنع مثل ما صنعتم للمجموع أي من الفقراء فقال هذا الذكر ومن الأغنياء فتصدق أو إن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الأفضلية المذكورة فيكون كل من الصنفين أفضل ممن لا يتقرب بالذكر ولا بالصدقة ويؤيده ما وقع عند البزار من حديث ابن عمر أدركتم مثل فضلهم.
واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال والجهاد ونحوهما مع شدة المشقة فيه.
وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل الأمور ألا ترى أن في كلمة الشهادة مع سهولتها من الثواب ما ليس في كثير من العبادات المشقة.
واستشكل أيضًا ثبوت الأفضلية مع تساوي العمل.
وأجيب بأن من ليست في موضع العموم بل المراد به من أهل الدثور فانهم المحدث عنهم وإن تساووا في الذكر لكن أهل الدثور يزيدون بالعبادات المالية فيكونون أفضل بهذا الاعتبار وتقدم في باب فضل الذكر في حديث ألا أخبركم بخير أعمالكم ما له تعلق تام بهذا المقام ثم ظاهره أنه فضل الأغنياء ولا شك في فضلهم حينئذٍ لزيادتهم بالعبادة المالية إنما محل الخلاف إذا تساووا في أداء الواجب فقط وانفرد كل بمصلحة ما هو فيه كذا في القواعد لابن عبد السلام وفيه أن فضيلة الفقراء اختص بها الفقراء عن غيرهم ولذا جرى الخلاف فقيل بفضل الفقير الصابر على الغني الشاكر والمذكور في الحديث ما يخالفه كما هو ظاهر لأن الذي فيه فضلهم للإتيان بهذا الذكر مع العبادات المالية وأما فضل الفقراء بفضيلة الفقر المحمودة فمسكوت عنه في الحديث. قوله: (تُسَبحُونَ وتُحمدُونَ وتُكَبِّروُنَ خَلفَ كل صلاةٍ الخ) هذه الأفعال الثلاثة تنازعت خلف وهو الظرف وثلاثًا وثلاثين وهو منتصب انتصاب المصدر
ثلاثًا وثلاثينَ".
قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة: لما سُئل عن كيفية ذِكْره؟ يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن
ــ
وأطلق عليه بعضهم أنه مصدر توسعًا ووقع في بعض الروايات تقديم التكبير على التحميد وفي بعضها البداءة بالتكبير فدل ذلك على عدم اشتراط الترتيب فيها ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال ثم التأكيد إذ لا يلزم من نفي ذلك أن يكون هناك كبير آخر وليعلم أن ذات الشريف أكبر من أن يدركه وهم أو يعرفه فهم وينبغي أن يختم بالتهليل كما دل عليه أخبار آخر الدال على انفراده سبحانه بجميع ذلك ولا يخالفه قول أبي صالح يقول سبحان الله الخ، لما يأتي فيه. قوله:(ثلاثًا وثلاثينَ) يحتمل أن يكون المجموع هذا المقدار بحيث يكون كل واحد منها أحد عشر ويحتمل أن يكون كل منها يبلغ هذا العدد وتمام الحديث يبين أن المقصود الثاني قاله الكرماني قال ابن العز الحجازي وعلى هذا يتنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تكبرون خلفها كذلك وبه يقيد ما تقدم قريبًا وقال المصنف في شرح مسلم ظاهر الأحاديث وطرق هذا الحديث غير رواية أبي صالح أن كل واحد منها يكون ثلاثًا وثلاثين وأما قول سهل يعني ابن أبي صالح إن كل واحد منها أحد عشر فلا ينافي رواية الأكثرين فإن معهم زيادة يجب
قبولها وفي رواية تمام المائة لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له الخ. قلت وسيأتي هذا في حديث لأبي هريرة وفي رواية أن التكبير أربعًا وثلاثين وسيأتي من حديث كعب قال وكلها زيادات ثقات يجب قبولها فينبغي أن يحتاط الإنسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة وكذلك تحميدة وأربع وثلاثين تكبيرة ويأتي بعد ذلك بالتهليل للجمع بين الروايات اهـ، وقيل الجمع بين الروايات أن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة لا إله إلَّا الله وتقدم ما فيه وسيأتي لهذا المقام مزيد في حديث ابن عمر. قوله:(قَال أَبُو صالح) واسمه ذكوان وهو الزيات ويقال السمان مدني تابعي ثقة عالم مات سنة إحدى ومائة بالمدينة. قوله: (لما سُئِلَ الخ) في مسلم قال
ثلاث وثلاثون. الدثور: جمع دثر بفتح الدال، وإسكان الثاء المثلثة: وهو المال الكثير.
وروينا في "صحيح مسلم"، عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ــ
سمي فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث فقال لي وهمت إنما قال لك تسبح الله ثلاثًا وثلاثين وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين وتكبر الله ثلاثًا وثلاثين قال سمي فرجعت إلى أبي صالح فذكرت له ذلك فقال تقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثًا وثلاثين وفي رواية في الصحيح عند البخاري قال فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونحبر أربعًا وثلاثين فرجعنا إليه فقال تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى تكون منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين قال الحافظ وقد تعين الراجع والمرجوع إليه من رواية مسلم اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة الظاهر أن السنة الإتيان بكل نوع من التسبيح والتحميد والتكبير على حدة وأما ما وقع في الصحيح عن أبي صالح قال تقول سبحان الله الخ. فإن الرواية الثانية عن أبي صالح ظاهرها أنه يأتي بالعدد من كل نوع على حدة اهـ. أي وظاهرها تفديم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير وحكمته ما سبق، وأفتى السبكي بأن الأولى أن يستحضر معنى التسبيح وما بعده إجمالا ولا يحتاج لتفصيل الصفات التي يسبح عنها ويحمد عليها ويكبر عنها لورود ذلك مطلقًا في الكتاب والسنة وليتناول الجميع إلَّا في نحو عما يشركون عما يصلون لأن ذلك أحقر من أن يستحضر مع الرب وإنما يستحضر مع وجه كلي لضرورة صدور التسبيح عنه اهـ. قوله:(الدثورُ) أي بضم أوليه المهملة ثم المثلثة. قوله: (وسكونِ المثَلثَةِ) قلت وحكي تحريكها. قول، :(المالُ الكثِيرُ) ويطلق عليه الدثر بكسر المهملة وسكون المثلثة وقال الجوهري تبعًا لابن سيده الدثر بالمثلثة لا يثنى ولا يجمع قال الهروي يقال مال دثر ومالان دثر وأموال دثر وحكى المطرز وغيره أنه يثنى ويجمع قال الداودي الدثر من الأضداد يطلق على الغنى وعلى الإندراس. قوله: (وَرَوَينا في صحيح مسلم الخ) ورواه الترمذي والنسائي عن كعب بن عجرة قال الحافظ أخرجه كلهم عن أسباط بن محمد عن عمرو بن قيس عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب مرفوعًا قال الترمذي حديث حسن وقال شعبة وقد رواه شعبة عن الحكم فلم يرفعه ورفعه منصور
"مُعَقباتٌ لا يخِيبُ قائِلُهُن أو فاعِلُهُن
ــ
عن الحكم قال الحافظ هكذا اقتصر الترمذي في ذكر من رفعه على منصور وقد أخرجه مسلم من رواية أسباط بن محمد ومالك بن مغول كلهم عن
الحكم مرفوعًا أيضًا ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الحكم مرفوعًا أيضًا وأما رواية شعبة فقد وقعت موقوفة كما قال الترمذي ومرفوعة عنه أيضًا ثم خرجه الحافظ عن شعبة عن كعب موقوفًا عليه بإسناد قال أنه على شرط مسلم وأخرجه عن شعبة عن كعب أيضًا مرفوعًا وقال وأخرجه ابن منده من رواية يزيد بن هارون عن شعبة مرفوعًا ورواه يحيى بن بكير عن شعبة مرفوعًا قال الحافظ وأخرجه ابن حبان في أوائل صحيحه من طريق شعيب بن حرب عن شعبة وحمزة الزيات ومالك بن مغول ثلاثتهم عن الحكم به مرفوعًا وأما رواية منصور التي أشار إليها الترمذي فأخرجها النسائي في اليوم والليلة من رواية سفيان الثوري ومن رواية أبي الأحوص كلاهما عن منصور رفع ووقفه عن أبي الأحوص اهـ. قلت وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه على كتاب ابن السني في اليوم والليلة من حديث سفيان عن ابن عمير وعبدة بن أبي لبابة سمعا واردًا كاتب المغيرة وذكر الحديث مرفوعًا. قوله: (مُعَقِّبَات) بكسر القاف المشددة أي كلمات يأتي بعضها عقب بعض مأخوذ من العقب وفي النهاية سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى أو لأنها تقال عقب الصلوات أو معقبات للثواب اهـ، وفي السلاح معقبات من التعقيب في الصلاة وهي الجلوس بعد انقضائها للدعاء ونحوه وفي الحديث من عقب في صلاة فهو في صلاة وعاقبه جاء بعقبه فهو معاقب وعقيب أيضًا ويجوز أن يكون من العود مرة بعد أخرى يقال النعامة تعقب في مرعى بعد مرعى وقوله تعالى:(معقبات هم ملائكة الليل وملائكة النهار يتعاقبون أي يعقب بعضهم بعضًا قال الجوهري وإنما أنث لكثرة ذلك منهم كتبيانة وعلامة اهـ، ومعقبات صفة مبتدأ أقيمت مقامه أي كلمات معقبات وجاز الابتداء به لوصفه وجملة لا يخيب الخ. خبر أو صفة. قوله: (لَا يخِيبُ قَائِلُهنَّ أَوْ فَاعلهنَّ) شك من الراوي لا تخيير كما توهمه الحنفي في شرح الحصين وجاء في رواية لمسلم والترمذي والنسائي وأبي عوانة لا يخيب قائلهن من غير شك والمراد لا يخسر ولا يحرم من الثواب الذي أعده الله لقائلها قال الرداد في موجبات الرحمة في قوله
دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مَكْتُوَبةٍ، ثلاثًا وثلاثينَ تَسْبِيحَةً، وثَلاثًا وثَلاثينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبَعًا وَثَلاثِينَ تكْبِيرَةً".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَبحَ اللهَ في دُبُرِ كل
ــ
لا يخيب الخ. من إطلاق عموم الفضل ما لا يعبر عنه لسان ولا يضبطه فهم إنسان فإن ما يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم لا يخيب لا تدري نفس ما أخفي لهم من قرة أعين في الدنيا والآخرة وما بينهما اهـ. قوله: (دبُرَ) تقدم ضبط هيئته ومعناه وأما إعرابه فقيل ظرف لقائل أو فاعل وقيل صفة بعد صفة وقيل خبر بعد خبر. قوله: (ثلاثًا وثلاثينَ) بالنصب كذا في نسخ الأذكار وهو الذي وقفت عليه في صحيح مسلم في طريقه والذي في نسخ المشكاة والسلاح والحصن بالرفع وخرجه ابن الجوزي على أنه خبر عن قوله معقبات وأو للشك وربما يقال للقائل فاعل إذ القول فعل من الأفعال وقال ابن حجر في شرح المشكاة خبر أول أو ثالث أو خبر مبتدأ محذوف والجملة للبيان اهـ، وكأن النصب بفعل محذوف أي يسبح تسبيحًا ثلاثًا وثلاثين الخ، ويحمد ويكبر الخ. أو يذكر ذكرًا ثلاثًا وثلاثين الخ. فثلاثَا وثلاثين منصوب لكونه صفة للمصدر أو بدلًا منه كما تقدم نظيره والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا أتي بها للبيان والله أعلم. قوله:(وأَربعًا وثلاثِينَ) هكذا هو بالنصب في إحدى روايتي مسلم ووجهه العطف على ما قبله وفي رواية
أخرى هو بالرفع مع نصب ما قبله ولعله على الاستئناف فأربع مبتدأ خبره محذوف أي يكمل بها المائة ولهذه المخالفة صلة مما قبله والله أعلم.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مسلِم) وكذا رواه أبو داود والنسائي أيضًا عن أبي هريرة وفي بعض طرق النسائي من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة وكبر مائة وهلل مائة وحمد مائة غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر كذا في السلاح وأخرج الحافظ الحديث من طريق أبي نعيم في المستخرج وابن خزيمة والطبراني كلهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحافظ وقدم ابن خزيمة في روايته التكبير على التحميد وزاد فذلك تسع وتسعون وقال غفرت خطاياه وقال الحافظ أخرج الحديث الغرياني في كتاب الذكر وأخرج نحوه الطبراني وكذا هو عند أحمد وأخرجه أبو عوانة ومالك في الموطأ عن أبي عبيد شيخ سهيل فلم يرفعه واختلف على سهيل في إسناده وسياق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متنه فرواه الأئمة هكذا عن سهيل عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة مرفوعًا وخالفهم روح بن القاسم فرواه عن سهيل أي ابن أبي صالح المذكور عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور فذكر الحديث وفيه تسبحون وتحمدون وتكبرون إحدى عشرة واحدى عشرة واحدى عشرة فذلك كله ثلاثة وثلاثون أخرجه مسلم وأبو عوانة وصنيع مسلم يقتضي أنه كان عند سهيل حديثان متغايران وقد قيل أن التفسير من قبل سهيل فإنه لم يتابع عليه وسبق التصريح عن أبي هريرة بأن كل كلمة تقال ثلاثًا وثلاثين قال الحافظ وجاء عنه من وجه آخر كذلك وفيه زيادة فائدة تسمية قائل ذهب أهل الدثور ثم أخرجه من طريق أبي عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه حدثنا الوليد هو ابن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أن أبا ذر رضي الله عنه قال يا رسول الله ذهب أهل الأموال بالأجور يصلون كما نصلي الحديث وفيه تسبح دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وتحمد ثلاثًا وثلاثين وتكبر ثلاثًا وثلاثين ثم تختمها بلا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وله شاهد عند النسائي عن أبي الدرداء وفيه أيضًا أنه سأل عن ذلك وآخر عن أبي ذر نفسه أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة ولحديث كعب في أن التكبير أربع وثلاثون شاهد من حديث أبي الدرداء وفيه أنه قال قلت يا رسول الله ذهب الأغنياء بالدنيا والآخرة يصلون كما نصلي فذكر الحديث وفيه في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تسبيحة وثلاثًا وثلاثين تحميدة وأربعًا وثلاثبن تكبيرة قال الحافظ حديث حسن أخرجه النسائي وقال بعد تخريجه من طريق أخرى أعلى من الطريق الأولى بنحوه أخرجه أحمد والنسائي ثم أشار الحافظ إلى اختلاف على أبي عمرو راوي الحديث عن أبي ذر فرواه عنه كذلك الحكم وعبد العزيز بن رفيع وأبو الأحوص ومعمر وغيرهم وخالفهم شريك فزاد في سنده أم الدرداء لم أخرجه الحافظ من طريق الطبراني عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمرو عن أم الدرداء فذكره بنحوه قال الحافظ أخرجه كذلك النسائي وأخرج الحافظ شاهدًا آخر للحديث من حديث زيد بن ثابت قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا
صلاة ثلاثًا وثلاثينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثلاثًا وثَلاثينَ، وكَبرَ اللهَ ثَلاثًا وثَلاثينَ، وقال تمَامَ المِائَةِ: لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لهُ المُلكُ ولهُ الحَمْدُ وهُوَ على كل شيء قدِيرْ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وإن كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ".
ــ
وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فرأى رجل في منامه أن رجلًا قال لو جعلتموها خمسًا وعشرين وزدتم فيها التهليل فذكر ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كذلك فافعلوا قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد وابن حبان عن ابن خزيمة وأخرجه النسائي من وجه آخر ورجاله رجال الصحيح الأكثير بن أفلح وقد وثقه النسائي والعجلي ولم أر لغيرهما فيه كلامًا وله شاهد حسن من حديث ابن عمر بمثله وفيه أن الراوي رجل من الأنصار أخرجه أبو العباس السراج اهـ. قوله: (صَلاةٍ) أي مكتوبة. قوله: (وحَمدَ الله) أي في دبر كل صلاة وحذف فيه وفيما بعده للعلم به مما قبله. قوله: (تَمَامَ المائةِ) بالنصب على أنه ظرف لقال وروي بالرفع على أنه مبتدأ خبره قوله لا إله إلَّا الله الخ، وحذف المصنف قوله في الحديث فتلك تسعة وتسعون من ثم قال تمام المائة الخ. لأنه لا يحصل للسامع بها فائدة جديدة لأن مضمونها معلوم مما قبلها وإن كان لذكرها في الخبر حكمتان التوطئة لقوله ثم قال تمام المائة الخ، وعلم الجملة كما علم التفصيل ليحاط به من جهتين فيتأكد واحد للعلم به إذ علمان خير من علم. قوله:(غفرَتْ خطَاياهُ) جزاء أو خبر لقوله من سبح والمكفر الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى لما تقدم. قوله: (مثل زَبدِ البحْرِ) أي في الكثرة قال الحافظ ابن حجر هو كناية عن المبالغة في الكثرة وقد تقدم له بيان في باب فضل الذكر واعلم أن في كل من الكلمات الثلاث روايات مختلفة ذكر المصنف بعضها ونذكر بعضا من باقيها فنقول. ورد التسبيح عشرًا وثلاثًا ومرة واحدة وسبعين ومائة وورد التحميد عشرًا ومائة وورد التكبير عشرًا ومائة وورد التهليل عشرًا ومائة ذكر هذه الروايات ابن حجر في شرح المشكاة ولم يبين من خرج كلا منها قال الحافظ الزين العراقي وكل ذلك حسن وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى وجمع البغوي في شرح السنة باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة وأن يكون على سبيل التخيير أو يفترق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بافتراق الأحوال وظاهر كلام العراقي السابق ترجيح الثاني ونقل عن بعض مشايخه أن هذه الأعداد وغيرها مما ورد له عدد مخصوص مع ثواب مخصوص لا يحصل ذلك الثواب لمن زاد في أعدادها عمدًا ولعله لحكمة تفوت بمجاوزتها وفي التحفة لابن حجر لم يعثر العراقي على سر هذا العدد المخصوص يعني الثلاث والثلاثين في التكبير في الأولين والأربع والثلاثين في التكبير وهو أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون وهي إما ذاتية كالله أو جلالية كالكبرياء أو جمالية كالمحسن فجعل للأول التسبيح لأنه تنزيه للذات وللثاني التكبير وللثالث التحميد لانه يستدعي النعم وزيد في الثانية التكبير أو لا إله إلَّا الله لأنه قيل أن تمام المائة في الاسم الأعظم وهو داخل في أسماء الجلال وقال القرافي في القواعد تكره الزيادة ولا ثواب عند الزيادة أو النقص لأن فيها سوء أدب قال ومن البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا لأن شأن العظماء إذا حدوا حدًّا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه سيئًا للأدب اهـ.
وفي قواعد الصوفية للشيخ زروق المالكي ما خرج مخرج التعليم وقف به على جهته من غير زيادة ولا نقص وقد روي أن رجلًا كان يذكر في دبر الصلاة سبحان الله والحمد لله الخ، مائة من كل واحدة فرأى في منامه كأن قائلًا يقول أين الذاكرون أدبار الصلوات فقام فقيل له ارجع إنما هذه المزية لمن اقتصر على الثلاث والثلاثين فكل ما ورد فيه عدد قصر عليه وكذا اللفظ اهـ، وكأن الآتي به مائة لم يرد العمل بالرواية الأخرى إنما زاد هكذا فلم يحصل له الفضل فلا ينافي ما تقدم من كون ذلك ورد عند النسائي وأيد ما ذكر بأنه دواء إذا زيد فيه على قانونه يصير داء وبأنه مفتاح وهو إذا زيد على أسنانه لا يفتح وقال غيره يحصل الثواب مع الزيادة ومقتضى كلام الزين العراقي ترجيحه لأنه نظر فيما نقله عن بعض أشياخه بأنه بالإتيان بالأصل قد حصل له ثوابها فلا تكون الزيادة مزيلة للثواب بعد حصوله، ورد بعض أئمتنا كلام القرافي السابق وبالغ في تزييفه وأنه لا يحل اعتقاده ثم ساق أحاديث وقال أنها تدل على الثواب مطلقًا وإن القصد الإتيان بهذه الأنواع الثلاثة من الذكر، وجمع بعضهم بأن من أثبت الثواب أراد من حيث كونه مطلق ذكر لا من حيث كونه عقب الصلاة ومن نفى أراد الثواب من حيث كونه عقب الصلاة قال الخلاف إلى ذلك فحسب فلا اعتراض على القرافي وبحث
وروينا في "صحيح البخاري" في أوائل "كتاب الجهاد" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات: "اللهُم إني أعُوذ بكَ منَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ
ــ
الحافظ في الفتح التفرقة بين أن ينوي عند الانتهاء إلى الحد المخصوص الامتثال ثم يزيد فيثاب وبين أن يزيد بغير نية بأن يكون الثواب على عشرة فيرتبه هو مائة فيتجه عدم الثواب ومثله بالدواء فيما سبقه اهـ، وفي التحفة لابن حجر وأوجه منه تفصيل آخر هو أنه أن زاد لنحو شك عذر أو لتعبد فلا لأنه مستدرك على الشارع وهو ممتنع.
قوله: (وَرَوَينَا في صحِيح البخَاري الخ) ورواه النسائي والترمذي والنسائي أيضًا عن سعد ولفظ صحيح البخاري عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان سعد يعني ابن أبي وقاص يعلم بنته هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن دبر كل صلاة اللهم إني أعوذ بك من الجبن الخ. قال عبد الملك فحدثت به مصعب بن سعد فصدقه أخرجه البخاري في باب التعوذ من الجبن في كتاب الجهاد وأخرجه في أواخر صفة الصلاة وفي الدعوات عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه وليس فيه ذكر عمرو بن ميمون ولا التقييد بدبر الصلاة وقد أخرجه الترمذي والنسائي عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن ميمون ومصعب بن سعد جميعًا عن سعد وزاد فيه دبر الصلاة وكذا أخرجه ابن خزيمة قاله الحافظ. قوله: (منَ الجُبنِ) بضم الجيم وسكون الموحدة وبفتحتين على ما في القاموس يقال جبان كسحاب وشداد قال ميرك وقد ورد في هذا الحديث عند البخاري زيادة هي وأعوذ بك من البخل فقيل الجود اما بالنفس وهو الشجاعة ومقابله الجبن أو بالمال وهو السخاوة ويقابله البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلَّا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلّا في متناه في النقص إذ البخل يقطع عن الوصول إلى
الحضرة الإلهية ويوجب لها الحرمان عن الظفر بشيء من معارفها الربانية. قوله: (وأَعُوذُ بكَ منَ أَن أرَدَّ) هو بالبناء للمجهول أي من الرجوع إلى أرذل العمر بضمتين وقد تسكن الميم أي إلى آخر العمر، هو أرذله لاستلزامه العجز والهرم والخرف والعود إلى حال الطفولية المنافي لما خلق له الإنسان من العلم والمعرفة وأداء العبادات الباطنة
مِنْ فِتْنَةِ الدنْيا وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبرِ".
وروينا في "سنن أبي داود والترمذي والنسائي" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خَصْلَتانِ أو خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهما عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلا دَخَلَ الجنةَ، هُمَا يَسِيرٌ، ومَنْ يَعْمَلُ بِهِما قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ اللهَ تَعالى دُبُرَ كل صلاةِ عَشْرًا وَيحْمَدُ عَشْرًا، ويُكَبِّر عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسُونَ ومائَة باللِّسَانِ، وألفٌ وخَمْسمُائَةٍ في المِيزانِ، وَيُكَبرُ أربعًا وَثَلاثينَ إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيحْمَدُ ثَلاثًا وثلا ثينَ، ويُسبح ثلاثًا وثلاثين فذَلِكَ مِائَةٌ باللسانِ، وألف بالميزَانِ"، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــ
والظاهرة على وجهها الأكمل والتفكر في الآية الموجب للشكر وإدامة المراقبة والشهود، ولإضاعة أرذل العمر هذه الكمالات كانت الاستعاذة لا سيما في آكد أوقات الإجابة. قوله:(منَ فِتنَةِ الدُّنيا) التي من شأنها أن تلهي عن الله تعالى وتقطع عبادته وتطمس القلب عن التطلع إلى شهود آلائه ومصنوعاته.
قوله: (وَرَوَينَا في سُنَن أَبِي دَاوُدَ) واللفظ له ورواه ابن حبان في صحيحه. قوله: (والترْمذِي) أي وقال حديث حسن صحيح قال الحافظ بعد تخريج الحديث حديث صحيح أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه كلهم عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو اهـ. قوله: (خَصلتَان أَوْ خَلَّتان لَا يحَافِظُ علَيهِمَا الخ) هذا الشك في رواية لأبي داود ورواية الترمذي والنسائي خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة والخلة بفتح الخاء بمعنى الخصلة قال في المشارق في حديث البخاري أربع خلال من كن فيه أي أربع خصال والخلة بالفتح الخصلة ومثله في الصحاح ولم يذكره في النهاية. قوله: (هُمَا يسِيرٌ) أي كل منهما يسير لسهولة النطق به والجملة وما عطف عليها اعتراض أكد بها التخصيص والتحريض على الإتيان بهما. قوله: (ومَنْ يعْمَلُ) أي يأت. قوله: (قلِيلٌ) أي لقلة الذاكرين بالنسبة لغيرهم. قوله: (يسئحُ الله الخ) هو إلى قوله يكبر عشرًا بيان لإحدى الخصلتين. قوله: (فذلِكَ) أي المذكور من التسبيح وما بعده وأشير إليه بما يشار به للبعيد لأنه لكونه غير مرئي كالبعيد وفي المشكاة فتلك أي التسبيحات وما معها. قوله: (خمْسُونَ ومائة) أي لأنها ثلاثون عقب كل من الخمس. قوله: (فذلِكَ مِائة باللسَانِ الخ) زاد النسائي في الحديث بعد ذلك قوله فأيكم يعمل في اليوم
يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليلِ؟ قال:"يأتي أحَدَكُمْ -يعني الشيطانُ- في مَنامِهِ، فَيُنَوّمُهُ قَبْلَ أنْه يَقُولَهُ، ويأتِيهِ في صَلاتهِ، فَيُذكرَهُ حاجَةً قَبْلَ أن يَقُولَهَا"، إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب، وفيه اختلاف بسبب اختلاطه.
وقد أشار أيوب
ــ
والليلة ألفين وخمسمائة سيئة ووجه التفريع أنه يحصل من مجموع ثواب الخصلتين الفان وخمسمائة حسنة وقد تقرر أن كل حسنة من التضعيف كالأصل تمحو سيئة فإذا تقرر ذلك عندكم فأيكم يعمل الخ. أي هذا بعيد وبفرضه فيكفرها ما ذكر من الحسنات وهذا مما يقتضي الدوام على هذا الذكر لعظم فضله فالفاء فيه جواب شرط مقدر كما علم من الكلام السابق والاستفهام فيه نوع إنكار عليهم أي فأيكم يأتي بهذا العدد حتى يكفر بهذا فما لكم لا تأتون بهذا وأي مانع لكم منه.
قوله: (يعْقِدهَا بيَدِهِ) ورد الأمر بالعقد بالأنامل في حديث فيحتمل أنه مخير ويحتمل أن المراد هنا
الأنامل أو بالعكس. قوله: (يأتِي أَحدَكمْ الخ) أوضح منه ما أورده في المشكاة قال يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى ينتقل فلعله ألا يفعل ويأتيه في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام رواه الترمذي والنسائي وأبو داود. قوله: (إِلا أن فيه عطَاءَ بْنَ السائبِ الخ) قال الذهبي في الكاشف عطاء بن السائب الثقفي الكوفي أحد الأعلام على لين فيه، عن أبيه وابن أبي أوفى وأبي عبد الرحمن السلمي، وعنه شعبة والحمادان والسفيانان وأمم، ثقة ساء حفظه بآخرة قال أبو حاتم سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير وقال أحمد ثقة رجل صالح يختم القرآن كل ليلة روى عنه أصحاب السنن الأربعة والبخاري مات سنة ست وثلاثين ومائة اهـ. قال الحافظ وقول الشيخ إلَّا أن فيه عطاء بن السائب الخ. لا أثر لذلك فإن شعبة والثوري وحماد بن زيد سمعوا من عطاء قبل الاختلاط وقد اتفقوا على أن الثقة إذا يتميز ما حدث به قبل اختلاطه مما بعده قبل وهذا من ذلك ويؤيده قوله وأشار أيوب الخ. قال الحافظ وكأنه أشار به إلى ما رويناه عن حماد بن زيد قال أنه لما قدم عطاء بن السائب البصرة قال لنا أيوب يعني السختياني اذهبوا فاسألوه عن حديث التسبيح يعني هذا الحديث قال الحافظ وأصرح منه عن حماد قال كان أيوب حدثنا بهذا الحديث عن عطاء فذكره قال فلما قدم علينا عطاء البصرة قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لنا أيوب اذهبوا فأسمعوه أي هذا الحديث من عطاء قال الحافظ فدل على أن عطاء حدث به قديمًا بحيث حدث به عنه أيوب في حياته وهو من أقرانه أو أكبر منه لكن في كون هذا حكمًا من أيوب بصحة الحديث نظر لأن الظاهر أنه قصد علو الإسناد لهم قال الحافظ ووالد عطاء الذي تفرد بهذا الحديث لم يخرج له الشيخان لكنه ثقة ولحديثه شاهد قوي بسند قوي فلذلك صححت الحديث وشاهده ما أخرجه الحافظ عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشرًا ولسبح عشرًا كذا في خمس صلوات خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان فإذا أوى إلى فراشه يكبر الله عز وجل أربعًا وثلاثين ويحمد ثلاثًا وثلاثين فذلك مائة باللسان والف في الميزان قال وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة وقال الحافظ حديث حسن من هذا الوجه أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن الحسن بن عرفة قال النسائي خالفه شعبة وغيره في لفظه قال الحافظ وأشار إلى حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة حديث صحيح أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو عوانة وغيرهم، ولحديث عبد الله بن عمر وشاهد من حديث عطاء عن أبيه عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولفاطمة تسبحان دبر كل صلاة عشرًا وتحمدان عشرًا وتكبران عشرًا فإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثًا وثلاثين وتحمدان ثلاثًا وثلاثين وتكبران أربعًا وثلاثين وفي الحديث قصة، فالحديث رواه عطاء عن أبيه وقال عن علي بدل عبد الله بن عمرو فمنهم من أعله به ومنهم من
جعله حديثين محفوظين وهو الظاهر لاختلاف سياقهما وإن اشتركا في بعض ولأنه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء وسماعه من قبل الاختلاط وقد روى عنه حماد الحديث الآخر كما تقدم وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أم مالك الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها أن تقول في دبر كل صلاة سبحان الله عشرًا والحمد لله عشرًا والله أكبر عشرًا وهو من رواية عطاء بن السائب أيضًا لكن قال عن يحيى بن جعدة عن رجل حدثه عن أم مالك والراوي له عن عطاء إنما سمع بعد الاختلاط وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أم سليم وهي والدة أنس نحو
السختياني إلى صحة حديثه هذا.
وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة".
وفي رواية أبي داود: "بالمعوذات"،
ــ
ذلك وأصله عند الترمذي والنسائي من وجه آخر عن أنس وسنده قوي.
قلت وقد سبق فيما يقول إذا قام إلى الصلاة وأخرج الترمذي عن ابن عباس حديثًا فيه التهليل دبر كل صلاة عشر مرات وقال حسن اهـ. كلام الحافظ. قوله: (السختِيَانِي) نسبة إلى عمل السختيان وبيعه وهو الجلود الضانية ليست بأدام قال في لب اللباب اشتهر بهذه النسبة أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري وأبو إسحاق عمران بن موسى بن مجاشع محدث جرجان وغيرهما وبه يعلم أن ما يوجد في بعض نسخ الأذكار من قوله السختياني من تحريف الكتاب. قوله: (وغيْرهِمْ) أي كأحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك وابن السني كلهم عن عقبة إلَّا انهم قالوا المعوذات بصيغة الجمع والحديث صحيح كما قاله الحافظ. قوله: (عنْ عقْبَةَ بْنِ عامرٍ) هو أبو حماد وقيل أبو عامر وقيل أبو أسد وقيل أبو لبيد وقيل أبو سعاد وقيل أبو عمر وقيل غير ذلك عقبة بن عامر بن عبس بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ثم سين مهملة ابن عمر بن عدي بن عمرو بن رفاعة الجهني القضاعي الصحابي الجليل قال الحافظ الذهبي فيه صحابي كبير أمير شريف فصيح مقرئ فرضي شاعر ولي غزو البحر قال ابن حجر العسقلاني واختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد وكان عقبة من فضلاء الصحابة ونبلائهم فباشر فتوح الشام فحزم وعزم وكان البشير إلى عمر بفتح دمشق ووصل إلى المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى دمشق في يومين ونصف ببركة دعائه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرب عليه مسافته وكان سكن دمشق ثم انتقل إلى مصر بعد موت أخيه واليًا لمعاوية سنة أربع وأربعين ومات بها سنة ثمان وخمسين وقيل توفي بالشام آخر خلافة معاوية وقيل قبل النهروان سنة ثمان وثلاثين وهو غلط وقيل أن قبره بالبصرة روي له خمسة وخمسون حديثًا اتفقا منها على سبعة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بتسعة رضي الله عنه. قوله: (بالمعَوذَتيْنِ هما بكسر الواو ويجوز فتحها. قوله: (وفي رَوايةِ أَبِي دَاوُدَ بالمعَوذَاتِ) أي بصيغة الجمع وهي كذلك عند النسائي والبيهقي
قال الحافظ
فينبغي أن يقرأ: "قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس".
ــ
بعد أن أخرج المتن من طريق الطبراني في كتاب الدعاء وقال فيه بالمعوذات وأخرجه أحمد أيضًا وأبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن وهب وأخرجه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان ووقع في رواية جميعهم بالمعوذات قال ففي اقتصار الشيخ على عزوها لأبي داود إيهام انفراد وليس كذلك اهـ. قوأله: (قَال المصنف فَينْبغي أَنْ يقْرأَ (قُل هُوَ اللهُ أَحَد)[الإخلاص: 1]) هو مرتب على رواية المعوذات لأنه جمع وأقل الجمع ثلاث فجعل سورة الإخلاص منها تغليبًا قال الحافظ وفيه احتمال أن يراد بالمعوذات آيات السورتين ثم قال ويؤيده ما جاء في بعض طرق حديث عقبة هذا لقد أنزلت علي آيات لم أر مثلهن المعوذات اهـ، وقال ابن حجر الهيتمي المعوذات (فُلْ هوَ اللهُ أَحَد) والمعوذتان وغلبهما عليها لكونهما أكثر وفي الحرز يحتمل أن يكون رواية الجمع بناء على أن أقل الجمع اثنان فتتفق الروايتان وإما أن تدخل سورة الإخلاص أو الكافرون في المعوذات لأن كلتيهما براءة من الشرك والتجاء إلى الله تعالى اهـ، وظاهر كلام الحافظ أن قول المصنف فينبغي الخ. مخصوص برواية الجمع والظاهر أنه مطلوب حتى على رواية التثنية ووجهه حينئذٍ أن تلك الرواية سكتت عما جاء مزيدًا عند ثقة آخر وما كان هذا سبيله عمل بالجميع والله أعلم، اهـ. قال الحافظ وجاء الأمر بالتعوذ بالإخلاص والمعوذتين في حديث أخرجه البزار وسنذكره في الباب الذي بعده في الكلام على حديث عبد الله بن خبيب قال الحافظ وهو يؤيد تأويل الشيخ رحمه الله وورد الترغيب في قراءة سورة الإخلاص عقب الصلاة المكتوبة صريحًا في حديث جابر بن عبد الله وهو حديث غريب أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ولفظه ثلاث من جاء بهن مع الإيمان أدخل من أي أبواب الجنة شاء من عفا عن قاتله وأدى دينًا خفيًّا وقرأ قل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة فقال أبو بكر وواحدة يا رسول الله فقال وواحدة وجاء حديث في قراءتها مع آية الكرسي في حديث أبي أمامة الباهلي وهو حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى والدارقطني في الأفراد وقد غفل ابن الجوزي فأورده في الموضوعات من طريق الدارقطني ولم يستدل لمدعاه إلَّا بالتكلم في واحد من رواته بجرح غير مفسر وهو لا يقبل وبفرض قبوله فلا يلزم مته وضع الحديث ومن ثم أنكر الحافظ الضياء ذلك على ابن الجوزي وأخرجه في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين وقال ابن عبد الهادي لم يصب ابن الجوزي والحديث صحيح
وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، والنسائي، عن معاذ رضي الله عنه، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا مُعاذُ
ــ
قال الحافظ لم أجد للمتقدمين تصريحًا بتصحيحه وقد أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة المفرد ولم يخرجه في كتاب الصحيح اهـ.
تنبيه
ذكر الشيخ في المجموع أن الطبراني روى في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي عقب الصلاة ولكنها ضعيفة كذا أطلق وحديث أبي أمامة الذي ذكرناه حسن أو صحيح كما تقدم اهـ، وفي المشكاة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال بينا أنا أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأب (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ) [الفلق: 1] ({قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه أبو داود قال ابن حجر في
شرحها ومن ثم لما سحر النبي صلى الله عليه وسلم مكث مسحورًا سنة حتى أنزل الله عليه ملكين فعلماه أن يتعوذ بهما ففعل فزال عنه ما كان يجده من السحر وبه علم أنه لا أبلغ في إزالة السحر وعدم تأثيره من المداومة عليهما لا سيما عقب كل صلاة كما جرب اهـ.
قوله: (وَرَوَينَا في إِسنَادٍ صَحِيح في سُننِ أَبِي دَاوُدَ والنسائِي) وكذا رواه أحمد وإسحاق في مسنديهما والطبراني في الدعاء وابن حبان في موضعين من صحيحه وقال صحيح على شرطهما قال الحافظ أما قوله صحيح فصحيح وأما الشرط ففيه نظر فلم يخرجا لبعض رواته في المستدرك ورواه ابن السني كلهم عن معاذ قال الحافظ وهو حديث صحيح. قوله: (عَنْ معاذٍ) وهو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بتحتية فمعجمة ابن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بضم الهمزة وتخفيف الدال المهملة المفتوحة ثم تحتية ثقيلة ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بمهملات ابن تزيد بمثناة فوقية بن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ثم الجشمي المدني الصحابي الجليل الفقيه المفتي الصالح أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار ثم شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين ابن مسعود رضي الله عنهما وقال ابن إسحاق آخى بينه وبين جعفر بن أبي طالب وفي الصحيحين مرفوعًا خذوا القرآن من أربعة ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس مرفوعًا ارحم أمتي
واللهِ إني لأحُبُّكَ" ثم قال: "أوصِيكَ يا مُعاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاةٍ تقُولُ: اللهم أَعِني
ــ
بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأشدهم حياء لله عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأخرج الترمذي والنسائي عن أبي هريرة مرفوعًا نعم الرجل أبو بكر الحديث وفيه ونعم الرجل معاذ بن جبل وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام وشرائعه وهو أحد الأربعة الأنصار الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الباقية أبي وزيد بن ثابت وأبو زيد وسيأتي ذكرهم نظمًا بزيادة على هذا وأحد الثلاثة الذين كانوا يفتون على عهده صلى الله عليه وسلم من الأنصار والآخران أبي وزيد بن ثابت وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال معاذ أمام العلماء يوم القيامة بربوة أو ربوتين والربوة الرمية بالحجر وقال ابن مسعود كان معاذ أمه قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين فقيل له إنما قال الله هذا في إبراهيم فأعاد قوله ثم قال الأمة الذي يعلم الناس الخير ويؤتم به والقانت المطيع لله تعالى وكذلك كان معاذ معلمًا للخير مطيعًا لله ولرسوله وكان عبد الله بن عمر يقول حدثونا عن العاقلين العالمين قيل من هما قال معاذ وأبو الدرداء كان معاذ شابًا جميلًا حسن الوجه والخلق طوالًا أبيض الثنايا عظيم العينين سمحًا روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وتسعة وخمسون حديثًا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بواحد باع النبيِ صلى الله عليه وسلم ماله كله في دينه ثم بعثه عام الفتح إلى طائفة من اليمن أميرًا وهو أول من اتجر في مال الله واستعمله عمر بالشام بعد موت أبي عبيدة بن الجراح فمات من عامه في طاعون عمواس وهي قرية بين الرملة وبين المقدس بناحية الأردن بالشام سنة ثمان عشرة وقيل سبع عشرة وله ثلاث وثلاثون سنة وقيل أربع وثلاثون سنة وقيل ثمان وثلاثون ولما حضرته الوفاة قال مرحبًا بالموت مرحبًا بزائر حبيب جاء على فاقة اللهم إنك تعلم أني كنت
أخافك وأنا اليوم أرجوك إني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر رضي الله عنه. قوت له: (والله إِني لأُحِبُّكَ) فيه مزيد التشريف لمعاذ والإيماء إلى كمال استقامته وعلو رتبته في القيام بالأوامر التكليفية وحصول الفيوض الإلهية وذكره توطئة وبعثًا له على امتثال ما يأمره به زاد أحمد والنسائي فقال معاذ وأنا أحبك قال العلماء لما صدقت
على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ".
وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى، ثم قال:"أشْهَدُ أن لا إله إلا الله الرحمَنُ الرحِيم، اللهم أذْهِبْ عَني الهَم والحَزَنَ".
ــ
محبة معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم جاراه بأعلى من محبته كما هو عادة الكرام ولا أكرم منه ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم باللام وإن لم يؤكد معاذ كذلك. قوله: (عَلَى ذكركَ) أي الشامل للقرآن وسائر الأذكار قاله ابن حجر في شرح المشكاة. قوله: (وشكْرِكَ) أي شكر نعمك الظاهرة والباطنة الدنيوية والأخروية التي لا يمكن إحصاؤها. قوله: (وَحُسْنِ عبادَتِكَ) أي القيام بشرائطها وأركانها وسننها وآدابها وخضوعها وخشوعها وحصول الإخلاص فيها والاستغراق والتوجه التام.
قوله: (وَرَوَينْا في كتابِ ابْنِ السني) وكذا رواه البزار والطبراني في الأوسط وابن عدي كلهم عن أنس قال ميرك وإسناده ضعيف ولفظ روايتهما كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال باسم الله الذي لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم الخ، وفي بعض طرق الحديث سبحان الله الذي لا إله إلَّا هو الرحمن الرحيم الخ، كذا في الحرز قال الحافظ بعد تخريجه الحديث باللفظين من طريق الطبراني في الدعاء وغيره قال أبو نعيم الحديث غريب من حديث معاوية بن عمرو عن أنس تفرد به عنه زيد العمي وفيه لين قال الحافظ اتفقوا على ضعفه من جهة حفظه وسلام الطويل الراوي عن زيد العمي أضعف من زيد بكثير وهو بتشديد اللام ويقال له المدائني كما وقع في رواية ابن السني والحديث ضعيف جدًّا بسببه ثم أخرج الحافظ الحديث من طرق أخرى بلفظ سبحان الله الذي لا إله غيره الخ، وقال أخرجه ابن عدي عن كثير بن سليم عن أنس قال الحافظ وكثير في الضعف يكاد أن يكون مثل ابن سلام أو أشد اهـ. قوله:(جَبهتَه) أي ما اكتنفه الجبينان من الوجه. قوله: (أَذْهِبْ) بصيغة الأمر من الذهاب للسؤال منه سبحانه أن يزيل الهم وما بعده. قو له: (بالهم) الباء فيه زائدة للتأكيد وقد حذفت في روايتهما والهم الغم المذيب للبدن. قوله: (والحَزَنَ) بضم فسكون أو بفتحتين وقرئ بهما في القرآن وهو تعميم بعد تخصيص أو الهم لما يلحقه من الخوف لما يصيبه من خوف الفوت فكأنه قال اللهم اجعلني من الذين لا خوف عليهم أي من لحوق العقاب ولا هم يحزنون أي
وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في دبر مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول: "اللهُم اغْفِرْ لي ذُنُوبي وخَطايايَ كُلها، اللهُم أَنْعِشْني واجْبُرني، وَاهْدِني لصَالِح الأعمَالِ وَالأخلاقِ، إئهُ لَا يَهْدِي لصَالِحها ولا يَصْرِف سَيئَها إلا أنْتَ".
ــ
من فوت الثواب وقد أخبر الله تعالى عن لسان أهل الجنة فيها الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وإلَّا فما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الأكدار اللهم لا عيش إلَّا عيش الآخرة.
قوله: (وَرَوَينَا فيهِ) أي في كتاب ابن السني وكذا رواه الطبراني في المعجم الكبير كلاهما عن أبي أمامة الباهلي وهو حديث غريب كما قاله الحافظ روياه من طريق عبيد الله بن زحر بفتح الزاي وسكون المهملة عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة ورواه الحافظ من طريق خالد بن أبي يزيد عن علي الألهاني قال وابن أبي يزيد متفق على توثيقه وعبيد الله بن زحر اتفق أكثر على تضعيفه وشيخهما علي بن يزيد الألهاني متفق على تضعيفه ومدار هذا الحديث عليه اهـ، ورواه الحاكم في المستدرك عن أبي برزة الأنصاري كذا في الحرز ولم يذكره الحافظ قال الحافظ ووجدت لحديث أبي أمامة شاهدًا من حديث ابن عمر عن أبي أيوب قال ما صليت خلف نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي فذكر الباقي مثله سواء أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وقال قال يعني الطبراني لا يروى عن أيوب إلَّا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن الصلت وأشار الحافظ إلى توثيق رواية إلا عمر بن مسكين فقال ذكره ابن عدي في الكامل ونقل عن البخاري أنه قال لا يتابع في حديثه اهـ. قوله:(ذُنوبِي وخَطايايَ) قيل المراد بالذنوب الكبائر وبالخطايا الصغائر وسبق إعلال خطاياي في دعاء الافتتاح. وقوله: (كلهَا) توكيد أتي به للتعميم ليشمل جميع المخالفات. قوله: (أنْعشني) بفتح العين وسكون المعجمة بعدها نون وقاية أي ارفعني. قوله: (وَأجبُرْني) بضم الموحدة أي أصلح شأني ورواه الحاكم وأحيني من الحياة أي حياة طيبة مقرونة بالقناعة والكفاف والطاعة والعافية والعفاف وزاد وارزقني رزقًا طيبًا وعلمًا نافعًا ولفظ الطبراني مثل لفظ ابن السني. قوله: (إِنهُ) أي بالكسر ويجوز الفتح كما سبق بيانه وتقدم الكلام على مضمون هذه الجملة في دعاء
وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته، لا أدري قبل أن يُسلم أو بعدَ أن يُسلم يقول: "سُبحانَ رَبكَ رَب العِزَّةِ عَمَا يَصِفُون،
ــ
الافتتاح أيضًا.
قوله: (وَرَوَينْا فيهِ) أي في كتاب ابن السني ورواه أيضًا أبو يعلى الموصلي كلاهما عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا ولفظه من قال دبر كل صلاة سبحان ربك الخ. فقد اكتال بالجريب الأوفى وإسناده ضعيف وقال الحافظ بعد تخريجه لحديث الكتاب حديث غريب أخرجه ابن السني ورواه الغرياني عن الثوري بلفظ كان يقول إذا انصرف من صلاته وأخرجه الحافظ من طريق الطبراني عن محمد بن يوسف الغرياني عن سفيان كذلك وقال أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ومدار الحديث على أبي هارون واسمه عمارة بن جوين بجيم ونون مصغر وهو ضعيف جدًّا اتفقوا على تضعيفه وكذبه بعضهم وجاء نحو ما جاء عن ابن عباس بلفظ كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله سبحان ربك الخ. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وفي سنده محمد بن عبد الله بن عبيد المكي وهو أشد ضعفًا من أبي هارون.
وجاء عن معاذ بن جبل فيما رويناه في الجزء العاشر من فوائد أبي بكر المخلص قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في صلاته يقول التحيات لله فذكر التشهد وفي آخره ثم قال سبحان ربك الخ. ثم يسلم عن يمينه وعن شماله وفي سنده الخصيب بن جحدر وهو كذاب وجاء عن عبد الله بن أرقم عن أبيه رواه الطبراني أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال دبر كل صلاة سبحان ربك الخ. فقد اكتال بالجريب الأوفى وله شاهد أخرجه ابن أبي حاتم من مرسل الشعبي بسند صحيح إليه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل حين يريد أن يقوم سبحان ربك الخ اهـ. قوله: (سبحانَ ربكَ) الخطاب لسيد الأحباب صلى الله عليه وسلم وقيل المراد به الخطاب العام. قوله: (رَب العزَّةِ) بدل أو صفة لربك وأضيف إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذي العزة بل ولا من عزة لأحد صورة إلَّا وهي له ملكًا حقيقة والمراد أنه سبحانه لعزته وغلبته منزه عما يصفه الزنادقة والملاحدة أي يذكرونه من الولد والصاحبة والشريك وينعتونه بما لا يليق بذاته
وسَلام على المُرسَلِينَ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ".
وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة: "اللهُم اجْعَلْ خيرَ عُمُري آخِرَهُ، وخَيرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ، واجعَلْ خَيرَ أيامي يومَ ألقاكَ".
وروينا فيه
ــ
وصفاته وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة والعائد في الصلة أو الرابط في الصفة محذوف. قوله: (وَسلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ) أي بحسب الأصالة وآلهم بالتجعية. قوله: (والحمد لله رَبِّ العالمِين) أي على جميع نعمائه وفي تفسير الواحدي الوسيط عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182]. قوله: (وَرَوَينا فيهِ عَنْ أَنس) قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق الطبراني وبين من تفرد بروايته وإنهم لثقات إلَّا أبا مالك النخعي فضعيف بالاتفاق وقد اختلف عليه في شيخه في هذا الحديث فعند أبي النضر أن شيخه في هذا الحديث ابن أخي أنس وأخرجه كذلك الحافظ من طريق الطبراني.
قلت وأخرجه من تلك الطريق أبو نعيم في مستخرجه على عمل اليوم والليلة لابن السني وقال بدل قوله وخير عملي خواتمه اللهم اجعل خواتم عملي رضوانك وأخرجه ابن السني عن صالح عن أبي مالك عن ابن جدعان عن أنس، قال الحافظ ورواية أبي النضر أولى لأنه ثقة وصالح ليس بثقة وفي سند الحديث عند الطبراني وأخرجه من طريقه الحافظ ابن أخي أنس عن أنس قال الحافظ واسم ابن أخي أنس حفص قيل هو ابن عبد الله بن أبي طلحة أخي أنس لأمه وقيل ابن عمر بن عبد الله المذكور فعلى هذا يكون نسب لجده وقد روى البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عدة أحاديث عن رواية خلف بن خليفة عن ابن أخي أنس هكذا على الإبهام وسمي في بعضها عند أحمد حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة وهو موثق اهـ. ض له:(وَاجعَلْ خير أَيامي الخ) أعاده مع أنه بمعنى قوله اجعل خير عمري اهتمامًا بشأنه وتحريضًا على السؤال لحسن الخاتمة فإنه بها يكمل المرام.
قوله: (وَرَوَينَا فيهِ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي وابن أبي شيبة وأخرجه ابن السني عن النسائي بإسناده
عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة:"اللهُم إني أعُوذُ بكَ مِنَ الكُفْرِ والفَقْرِ وعَذابِ القَبْرِ".
ــ
وعجيب للشيخ في اقتصاره على ابن السني والحديث في أحد السنن المشهورة وفي سند الحديث عثمان الشحام مختلف فيه قواه أحمد وابن عدي ولينه القطان والنسائي وجاء هذا الحديث عن ابن أبي بكرة بسياق أتم من هذا يذكر إن شاء الله تعالى في باب ما يقال عند الصباح وعند المساء اهـ. قوله: (عَنْ أَبي بكرة) واسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمر بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي وقيل هو نفيع بن مسروح بفتح الميم وسكون السين المهملة بعدها راء وحاء مهملنان بينهما واو ساكنة مولى الحارث بن كلدة كني بأبي بكرة لأنه تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم على بكرة وهي التي يستقى بها على البئر وفي كافها الفتح والسكون حين حاصر أهل الطائف ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف وكان قد أسلم وعجز عن الخروج من الطائف إلَّا على تلك الهيئة وله يومئذٍ ثماني عشرة سنة فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه وهو معدود من مواليه وكان من ذوي المزايا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل البصرة وشهد الجمل ولم يقاتل فيها واجتنب حروب الصحابة كلها قال ابن قتيبة في المعارف ثلاثة من أهل البصرة لم يمت أحدهم حتى رأى مائة ذكر من صلبه أنس بن مالك وأبو بكرة نفيع بن الحارث وخليفة بن بدر نقله الحافظ نجم الدين بن فهد في تذكرته توفي له في طاعون الجارف أربعون ولدًا روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنان وثلاثون حديثًا اتفقا منها على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد روى عنه أولاده والحسن وعدة توفي بالبصرة سنة إحدى وقيل ثنتين وخمسين وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي قال الحسن لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبو بكرة أخرجه ابن عبد البر. قوله: (منَ الْكفرِ الخ) استعاذ من هذه الأمور لشدة مضرتها أما الكفر فلأنه سبب للسخط الدائم والبعد عن رحمة الله تعالى وأما الفقر خصوضا مع عدم الصبر فإنه متعب للبدن مانع له من طيب طعم الوسن هذا بناء على أن المراد به مقابل الغنى وقيل المراد فقر القلب ولذا قرنه
وروينا فيه بإسناد ضعيف،
ــ
بالكفر في خبر كاد الفقر أن يكون كفرًا وهو حيث لا يرضى بالقضاء أو يعرض له الاعتراض على رب السماء وقيل المراد من الفقر الاحتياج إلى الخلق على وجه المذلة وقلة المال مع عدم القناعة وقلة الصبر وكثرة الحرص وبالكفر الكفران، وأما عذاب القبر فلأنه عنوان الآخرة فإن عذب فيه كان علامة من أهل العذاب في تلك الدار وتقدم أن هذه الاستعاذات منه صلى الله عليه وسلم إما خضوعًا لحق ربه وأداء لمقام العبودية وإن كان آمنًا من ذلك أو تشريعًا لأمته وإعلامًا لهم بأنه ينبغي أن يكونوا على مقام الخوف في هذه الدار لينالوا الأمن في دار القرار والله أعلم.
وعلم من الحديث أنه لم يكن فقيرًا بل كان سيد الأغنياء وأما ما يروى من خبر الفقر فخري وبه افتخر فموضوع ولو صح حمل على أن المراد منه الافتقار إلى الكريم الجبار وإلّا فحاله الشريف وعطاياه التي عمت القوي والضعيف تدل على كمال غناه ومن ثم قال العلاء من قال أنه صلى الله عليه وسلم كان فقيرًا أدب ما لم يقصد الامتهان فيكفر والعياذ بالله.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل فإن قيل إذا كان الفقر أفضل فكيف استعاذ منه صلى الله عليه وسلم فالجواب أن قومًا يقولون استعاذ من فقر النفس والصواب أن يقال الفقر مصيبة من مصائب الدنيا والغنى نعيم من نعيمها فوزانهما المرض والعافية فكون المرض فيه ثواب لا يمنع سؤال الله العافية اهـ. قوله: (وروَينَا فيهِ) أي في كتاب ابن السني وفي الجامع الصغير للسيوطي من حديث رواه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي عن فضالة بن عبيد اهـ، وزاد الحافظ وأخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وابن خزيمة ورويا في الحديث قصة أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي يدعو لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عجل هذا ثم قال له أو لغيره إذا صلى أحدكم الخ وأخرج ابن السني الحديث دون القصة. قوله:(بإِسنَادٍ ضَعيفٍ) هذا بالنسبة لسند ابن السني وإلا فقد أخرج الخبر أبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال هو على شرط مسلم وفي موضع هو على شرطهما أي الشيخين ولا أعرف له علة وقال الحافظ بعد تخريجه من طريقين هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وللحديث قصة رواها من ذكر هي قول فضالة إن النبي صلى الله عليه وسلم -