الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها
وهي كثيرة جدًّا، نذكر منها أطرافا محذوفة الأدلة لشهرتها، وخوف الإطالة المملَّة بسببها. فأول ما يؤمر به: الإخلاص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وأن لا يقصد بها توصلا إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدب مع القرآن ويستحضر في ذهنه أنه يناجي الله سبحانه وتعالى، ويتلو كتابه، فيقرأ على حال من يرى الله، فإنه إن لم يره فإن الله تعالى يراه.
فصل: وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فمه بالسواك وغيره،
ــ
فضله إلَّا أن عدمه لا يوجب إثمًا قال القرطبي لا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبا على الأعيان فكيف يذم من تغافل عن حفظه لأنا نقول من جمعه فقد علت رتبته وشرف في نفسه وقومه وكيف لا ومن حفظه فقد درجت النبوة بين جنبيه وصار فيه ممن يقال هو من أهل الله وخاصته فإذا كان ذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره وترك معاهدة القرآن تؤدي إلى الجهالة اهـ.
فصل
قوله: (فأَوَّلُ مَا يؤمَر بهِ الإخلاصُ) أي لأنه لب العبادة وبه قوامها وهو لها بمنزله الروح للشبح. قوله: (وجه الله تعالى) أي ذاته قوله: (وأَلَّا يَقْصِد بهَا توصلا إلى شيء من الأغراض الفانية) كالشهرة وعلو الجاه وإقبال الخلق ونحو ذلك مما ترتب على الرياء والسمعة أما إذا اقصد به الثواب الموعود به على لسان الشارع فلا يخل ذلك بإخلاصه كما تقدم تحقيقه أول الكتاب وإن كان الأكمل في المقام إفراد الحق بالقصد بأن لا يقصد بعبادته سوى ذاته سبحانه قال بعض العارفين سبحانك ما عبدناك طمعا في جنتك ولا رهبة من نارك. قوله: (وأَن يَتَأَدب مَعَ القُرْآنِ) أي لقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. قوله: (ويَسْتحضرَ في ذهْنِه أَنهُ يُنَاجي الله تَعَالى الخ) أشار به إلى أن مقام الإحسان مقام المشاهدة ومقام المراقبة.
فصل
قوله: (ينْبغي إِذَا أَرَادَ القراءَة الخ) في الترغيب للمنذري روي
والاختيار في السواك أن يكون بعود الأراك، ويجوز بغيره من العيدان، وبالسُّعْد، والأشنان، والخرقة الخشنة، وغير ذلك مما ينظف. وفي حصوله
ــ
عن علي رضي الله عنه أنه أمر بالسواك وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه أو كلمة نحوها حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلَّا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به وروى ابن ماجة بعضه موقوفًا ولعله
أشبه اهـ. قوله: (والاختيارُ في السواكِ أَن يكونَ بعُودِ الاراكِ) أي للاتباع سواء كان طيبًا أو لا كما اقتضاه كلام الشيخين وصرح به غيرهما مع ما فيه من طيب طعم وريح وشعيرة لطيفة تنقي ما بين الأسنان وأغصانه أولى من عروقه وزعم أنها تورث بخرًا يرده صريح كلامهم. قوله: (ويجوزُ منَ العيِدانِ) وأولاه بعد الأراك النخل لأنه آخر سواك استاك به صلى الله عليه وسلم وصح أنه كان أراكا لكن الأول أصح أو كل راوٍ قال بحسب علمه أو وقع كلا الأمرين في ذلك الزمن، ثم الزيتون لخبر الطبراني نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة تطيب الفهم وتذهب بالحفر أي وهو داء في الأسنان وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي، واليابس المندى بماء الورد أي من جنسه ويحتمل مطلقًا وذلك لأن في الماء من الجلاء والإزالة ما ليس في غيره، ويظهر أن اليابس المندى بغير الماء أولى من الرطب لأنه أبلغ في الإزالة، ولو كان الرطب أو ما بعده من أراك والمندى بالماء من غيره أراك فالأراك أفضل فيما يظهر، قال في الإتقان ويقاس به النخل والزيتون ويكره السواك بما يضر كمبرد وعود يؤذي ويحرم بذي سم ومع ذلك يحصل به أصل السنة لأن الكراهة أو الحرمة لأمر خارج. قوله:(وبالسعد) بضم السين وسكون العين والدال المهملات. قوله: (والأُشنانِ) قال في البيان هو بضم الهمزة وكسرها لغتان ذكرهما أبو عبيدة وابن الجواليقي وهو بالعربية المحضة حرض وهمزة اشنان أصلية اهـ. قيل وضم الهمزة أفصح وفي شرح الإيضاح الأشنان هو الغاسول قال في المجموع والسعد والأشنان وإن لم يسم سواكًا هو في معناه وليس
بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي. أشهرها عندهم: لا يحصل، والثاني: يحصل، والثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن
وجد. ويستاك عرضًا مبتدئًا بالجانب الأيمن من فمه،
ــ
منه المضمضة بنحو ماء الغسول القلاع وإن أزال القلح لأنه لا يسمى سواكا. قوله: (بالإِصبَعِ) الأصبع معروفة تذكر وتؤنث وفيها عشر لغات تثليث همزتها مع تثليث الموحدة والعاشرة أصبوع بضم الهمزة والموحدة بعد الباء واو كذا في المطلع للبعلي وظاهر كلام القلقشندي أنه يقال ذلك أيضًا في أنملة اليد بالميم فلا يقال انمولة والأنامل كما سبق رؤوس الأصابع كذا قال الجوهري وقال ابن عباد الأنملة المفصل الذي فيه الظفر وقال ابن سيده طرف الأصابع وقد جمع الإمام ابن مالك لغات الأصابع في قوله: تثليث أصبع مع شكل همزته. من قيد مع الأصبوع قد كملا. قوله: (بالإصبَعِ الخَشِنَةِ) أي أصبع المستاك نفسه المتصلة به فالخلاف فيه أما أصبع غيره الخشنة فيجزئ الاستياك بها ولو متصلة وكذا يجزئ باصبعه الخشنة المنفصلة وإن قلنا يجب دفنها فورا وبحث الإسنوي في اجزائها وإن قلنا بنجاستها ككل خشن نجس ويلزمه غسل الفم فورا لعصيانه، واعترض بأن قياس عدم الاستنجاء بالمحترم والنجس عدمه هنا، واجيب بأن ذاك رخصة وهي لا تناط بمعصية بخلاف السواك إذ هو عزيمة القصد منه مجرد النظافة فلا يؤثر فيه ذلك، ولا ينافيه خلافًا لبعضهم خبر السواك مطهرة للفم لأن معناه أنه آلة تنقيه وتزيل تغيره فهو طهارة لغوية لا شرعية كما هو واضح. قوله:(أَشهرُهَا عِنْدَهُمْ لَا يحصُلُ الخ) قالوا لأنها تسمى سواكا ولما كان فيه ما فيه اختار المصنف وغيره حصوله بها. قوله: (والثالث يحصل الخ) استدل له بحديث ورد كذلك.
قوله: (ويسْتَاكُ عَرْضًا) أي في عرض الأسنان ظاهرها وباطنها لا طولًا بل يكره لخبر مرسل فيه وخشية إدماء اللثة وإفساد عمود الأسنان ومع ذلك يحصل به أصل السنة نعم اللسان يستاك فيه طولا لخبر فيه في أبي داود. قوله: (مُبتَدِئا بالجَانِب الايمَن) وكيفية ذلك أن يبدأ بجانب فمه اليمن ويذهب إلى الوسط ثم بالأيسر كذلك ويذهب إليه كما نقلوه
وينوي به الإتيان بالسنة. قال بعض أصحابنا: يقول عند السواك: "اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين"، ويستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويُمِرُّ السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه، وسقف حلقه إمرارا لطيفًا، ويستاك بعود متوسط، لا شديد اليبوسة، ولا شديد اللين، فإن اشتد يُبْسُهُ لَيَّنَهُ بالماء. أما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ فيه وجهان. أصحهما: لا يحرم، وسبقت المسألة أول الكتاب، وفي هذا الفصل بقايا تقدم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أول الكتاب.
ــ
عن ابن الصباغ وأقروه كذلك في الإمداد. قوله: (ويَنوى بهِ السنةِ) أي كالنسل للجماع قال في التحفة وينبغي أن ينوي بالسواك السنة كالنسل للجماع ويؤخذ منه أن ينبغي بمعنى أن يتحتم حتى لو فعل ما لم يشمله نية ما يسن فيه بلا نية لم يثب عليه اهـ. قوله: (قَال أَصحَابنا يقولُ) قال في المجموع قال الروياني قال بعض أصحابنا يستحب أن يقول عند ابتداء السواك اللهم بيض به أسناني وشد به لثاني وثبت به لهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين وهذا الذي يقوله وإن لم يكن له أصل فلا بأس فإنه دعاء حسن اهـ. قوله: (وكراسيّ أضراسه) يجوز فيه تشديد الياء وتخفيفها وكذا كل ما كان من هذا واحده مشددا جاز في جمعه التشديد والتخفيف كذا في البيان والتهذيب ذكرهما ابن السكيت. قوله: (لَا شَديدِ اليبوسة) أي حذرًا من أن يجرح عمود أسنانه. قوله: (ولا شديدِ الليونَةِ) أي فإنه غير قالع للقلح ونحوه. قوله: (أَمَا إِذَا كَانَ فَمُه متنجسا الخ) ينبغي أن محل كراهة ذلك ما لم تعم به بلوى اللسان وإلَّا فلو بلي إنسان بجريان الدم من لثته فينبغي عدم الكراهة وقد صرحوا بنظيره في الصلاة. قوله: (أَصحُّهما لَا يحرمُ) قال في شرح العباب وفارق كتابته بالنجس حيث يفحش ذاك دون هذا وهل يكره له الذكر مع نجاسة فمه قال في الإتقان عدم الكراهة والفرق بينه وبين القرآن واضح.
فصل: ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتدبر، والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم الآية الواحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة. وصعق جماعة منهم، ومات جماعات منهم.
ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء،
ــ
فصل
قوله: (الخشوع) هو التذلل ورمي البصر إلى الأرض وخفض الصوت وسكون الأعضاء وقيل هو حضور القلب وسكون الجوارح وفي التهذيب قال الأزهري التخشع لله الاخبات والتذلل وقال الليث خشع الرجل خشوعًا إذا رمى بصره إلى الأرض والخشوع قريب من الخضوع في البدن والخشوع في القلب والصوت والبصر هذا كلام الأزهري قال مجاهد هو السكوت وحسن الهيئة انتهى ملخصًا. قوله: (والتدبر) أي التفهم والتعقل لمعنى ما يقرؤه حسب الطاقة وإلا فالإحاطة بمعاني
القرآن على ما هي عليه ليست إلا لله سبحانه. قوله: (والخضوع) أي سكون القلب والتذلل به للرب. قوله: (وقد باتَ جماعة منَ السلف الخ) قال الحافظ جاء ذلك عن تميم الداري أنه يتلو به ويركع ويسجد ويتلو به أم حسب الذين اجترحوا السيئات الآية قال الحافظ بعد تخريجه من طريقين موقوف لولا الرجل المبهم في سنده لكان على شرط الصحيحين أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وابن أبي داود وجاء عن ابن مسعود رب زدني علمًا موقوف في سنده راويان مبهمان وأخرجه ابن أبي داود من وجه آخر عن علقمة قال صليت إلى جنب عبد الله فافتتح يقرأ سورة طه فلما بلغ (رَبِّ زِدني عِلمًا)[طه: 114] قال رب زدني علمًا رب زدني علمًا وجاء عن أسماء بنت أبي بكر عن عروة بن الزبير قال دخلت على أسماء وهي تصلي تقرأ هذه الآية فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم فلما طال علي ذهب إلى السوق ثم رجعت وهي مكانها تكرر وهي في الصلاة، موقوف، وصعق هو بكسر العين المهملة وفي التهذيب قال الأزهري الصاعقة والصعقة الصيحة يغشى منها على من يسمعها أو يموت وقال صاحب المحكم صعق الإنسان صعقًا وصعقًا فهو صعق غشي عليه وذهب عقله من صوت يسمعه كالهدة الشديدة ومثله إذا مات أهـ. قوله:(ويستحب البكاءُ والتباكي) قال في التبيان جاءت فيه أحاديث
فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]
ــ
وأخبار وآثار للسلف كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا والقرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا قال الغزالي البكاء مستحب مع القراءة وعندها قال وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من الشديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضر حزن وبكاء كما يحضر الخواص فليبك علي فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب اهـ. ملخصًا. قوله: (فإن البكاءَ عِنْدَ القِرَاءَةِ صِفَةُ العارِفينَ الخ) روى البخاري عن عبد الله يعني ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قال حسبك أو قال أمسك فإذا عيناه تذرفان وكذا أخرجه مسلم وغيره قال العلماء بكاؤه صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب وبه صلى الله عليه وسلم شهيدًا قال في التذكار قال القاضي ابن العربي المالكي قد رأيت من يعيب البكاء ويقول أنه صفة الضعفاء والنبي صلى الله عليه وسلم قد مدحه فقال عينان لم تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله وكان الصديق أسيفا إذا قرأ بكى شوقًا وخوفًا وكان ابن عمر يكثر من البكاء حتى رمصت عيناه قال في التذكار وقد مدح الله تعالى البكائين في كتابه فقال مخبرًا عن الأنبياء ومن يضاف إليهم خروا سجدا وبكيا وآيات أخر قال فكيف يقال أنه من صفة الضعفاء وفي التنزيل وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع والنبي صلى الله عليه وسلم بكى رهبة لذلك اليوم وهؤلاء القوم بكوا شوقا
إلى الله تعالى حين سمعوا كلامه وقد مدح الله تعالى قومًا بقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109] وذم آخرين بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73] وهم أقسام منهم الكافرون ومنهم الغافلون ومنهم الذين ورد ذكرهم في الأثر ينثرونه نثر الدقل يتعجلونه ولا يتأجلونه يمرون عليه
وقد ذكرت آثارا كثيرة وردت في ذلك في "التبيان في آداب حملة القرآن".
قال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف، والمواهب واللطائف، إبراهيم الخواص رضي الله عنه:
ــ
بغير فهم ولا تثبت صم عن سماعه عمي عن رؤية غيره ومنهم من يقيم حروفه في مخارجها ومنهم يقبل على جمع القراءات وليته جمع الصحيح منها أو عرف كيف يجمعها وكل ذلك مذموم وإقبال على ما لا يحتاج إليه وإعراض عما يلزم والله أعلم. قوله: (وقد ذكرتُ آثارًا الخ) قال الحافظ عقد كل من أبي عبيد في كتاب فضائل القرآن ومحمد بن نصر في قيام الليل وابن أبي داود في كتاب الشريعة لذلك بابًا وذكروا فيه أحاديث مرفوعة وغير مرفوعة وقد ورد الأمر بذلك في بعض الأحاديث المرفوعة ثم أخرج عن جرير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارئ عليكم عشر آيات من آخر سورة الزمر فمن بكي منكم وجبت له الجنة فقرأ عند قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَق قَدرِهِ)[الأنعام: 91] فمنا من بكي ومنا من لم يبك فقال الذين لم يبكون قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نبك فقال إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك قال الحافظ حديث غريب أخرجه الدارقطني في الأفراد تفرد به ضعيفان وروي بعض هذا المتن من طريق أخرى إلَّا أنه مرسل أخرجه ابن أبي عبيد عن عبد الملك بن عمرو قال قال صلى الله عليه وسلم إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة فقرأها فلم يبكون حتى عاد الثانية فقال ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص للمتن دون القصة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا حديث غريب أخرجه ابن ماجة ومحمد بن نصر وأبو عوانة وابن أبي داود وقد اختلف في اسم صحابي الحديث فالأكثر أنه سعيد بن أبي وقاص وقيل عن سعيد بدل سعد وقيل عن أبي لبابة وقيل عن عائشة والراجح الأول وجاء من حديث بريدة مرفوعًا اقرأوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن أخرجه الحافظ وقال أخرجه أبو يعلى في مسنده اهـ.
دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبُّر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
فصل: قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما
ــ
قوله: (دَواءُ القلب) أي من أدوائه الموبقة له المهلكة.
فصل قراءة القرآن في المصحف أفضل
قال في المجموع لأنها تجمع القراءة والنظرة في المصحف وهو عبادة أخرى اهـ، وفي فتح القيوم للسنباطي القراءة بالمصحف أفضل منها عن ظهر قلب لأن النظر فيه عبادة حتى كره جماعة من السلف أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه وروي أبو عبيد حديث فضل قراءة القراءة نظرًا
على من يقرأه كفضل الفريضة على النافلة وسنده ضعيف قلت قال البيهقي فيه ضعيفان اهـ، وفي الشعب للبيهقي بأسانيد ضعيفة حديث قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضعف على ذلك إلى ألفي درجة قلت قال الحافظ حديث غريب أخرجه ابن عدي في الكامل وأخرج الحافظ عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف وأشار إلى أنه منكر السند وأخرج من طريق الدارمي في فضل القراءة حفظا عن محارب بن دشار قال من قرأ القرآن عن ظهر قلب كانت له دعوة في الدنيا وفي الآخرة يعني مجابة قال الحافظ اثر صحيح ومحارب ثقة متفق عليه من خيار التابعين وأبوه بكسر المهملة وتخفيف المثلثة وحديث أعطوا أعينكم حظها من العبادة قال وما هو قال النظر في المصحف وفيه بسند صحيح عن ابن مسعود أديموا النظر في المصحف قلت قال الحافظ أنه حديث موقوف حسن أخرجه أبو عبيد اهـ. نعم أن زاد خشوع القارئ وحضور قلبه في القراءة عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه قاله في المجموع تفقها وهو حسن اهـ. قوله:(هَكَذَا قالهُ أصحابُنا) قال في
يحصل من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا، فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف.
فصل: جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء، فالجهر أفضل، بشرط أن لا يؤذيَ غيره من مُصَل، أو نائم أو غيرهما. ودليل فضيلة الجهر، أن العمل فيه أكبر، ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يوقظ
ــ
المجموع ولم أر فيه خلافا.
فصل
قوله: (جَاءَتْ آثَارٌ) جمع أثر أي المراد به هنا ما يساوي الحديث والخبر مما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم أو إلى من هو دونه من صحابي أو تابعي سمي أثرًا أخذا له من أثر الدار أي ما يبقى من رسمها وليس المراد من الأثر ما جاء عن الصحابي فقط أو عمر دونه إذ قد جاءت أحاديث مرفوعة في فضل الجهر وأحاديث مرفوعة في فضل الإسرار فلذلك قرر أن المراد من الآثار ما يرادف الأحاديث والأخبار. قوله: (بشَرْطِ ألا يؤذِي غيرَه) أي فإن خاف يجوز أو تأذي غيره كره له الجهر كما صرح به المصنف في المجموع والفتاوى ولا يبعد حمله على توهم الرياء دون تحقيقه وهو ظاهر أو تأذ خفيف أو على ما إذا رجحت مصلحة القراءة على مصلحة تركها بأن كان مستمعو القراءة أكثر من المصلين كما يشير إليه كلام المصنف في فتاويه أما إذا حصل بهذا تأذٍ شديد ولم ترجح مصلحتها فلا يبعد القول بحرمتها حينئذٍ وعلى القول بها فينبغي تقييدها بمن سبق نومه على قراءة هذا وكذا صلاته في غير مسجد أما فيه فينبغي الحرمة وإن تأخر الشروع فيها عن القراءة لأن المسجد وقف على المصلين أي أصالة دون الوعاظ والقراء كذا يؤخذ من شرح المشكاة لابن حجر. قوله: (والجمعُ الخ) نقله في التبيان عن
الإحياء. قوله: (لأَن العملَ فيه أَكثرُ) أي لأن رفع الصوت زيادة. قوله: (ولأنهُ يَتعدى نَفعهُ الخ) أي والعمل المتعدي أفضل من اللازم.
قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل، وينشطه، فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل.
فصل: ويستحب تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط،
ــ
قوله: (ويجمعُ همَّهُ إلى الفِكرِ) أي التفكر والتدبر. قوله: (ولأنهُ يُطرُدُ النوم) أي أن رفع الصوت يطرد النوم عن القارئ ويزيد في نشاطه للقراءة ويقلل من كسله. قوله: (من نائمٍ) أي من نائم مطلوبه القيام لإحياء تلك الأوقات بسني العبادة فيكون الجهر سببًا لحياته فينال من الثواب بذلك فلا ينافي ما تقدم من الكراهة أو حرمة الجهر إذا شوش على مصل أو نائم لأن ذاك في نائم لم يقصد القيام فيحصل له بالقيام الناشئ عن الجهر أذى وتعب والله أعلم. قوله: (فينشطه) قال في الإحياء ولأنه قد يراه بطال غافل فينشطه بسبب نشاطه ويشتاق إلى الخدمة اهـ، وفي كتاب الرياضة لابن الجوزي القراءة بصوت عالٍ تحرك الرأس وما فيه من الأعضاء وتستحييه وتنقيه وتقويه وتعده لقبول الغذاء اهـ. قوله:(فمن حضرَه شيء من هذِه النيات فالجهرُ أَفضلُ) قال في الإحياء فإن اجتمعت هذه النيات فيضاعف الأجر ويكثر النيات وتزكوا عمل الأبرار فيتضاعف أجورهم فإن كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشرة أجور ولهذا نقول قراءة القرآن في المصحف أفضل إذ تزيد عمل البصر وتأمل المصحف وحمله فيزيد الأجر بسبب ذلك وقد قيل الختمة في المصحف بسبع لأن النظر في المصحف أيضًا عبادة ثم ظاهر أن الكلام فيما زاد من رفع على ما يسمع نفسه وإلّا فقد سبق أن كل ذكر لا يحصل إلَّا برفع صوته بحيث يسمع نفسه مع اعتدال سمعه والسلامة من اللغط.
فصل
قوله: (وتَزْيينُها) في الإحياء يستحب تزيين القراءة بترديد الصوت من غير
فإن أفرط حتى زاد حرفًا أو أخفى حرفًا، فهو حرام.
وأما القراءة بالألحان، فهي على ما ذكرناه، إن أفرط، فحرام، وإلا فلا، والأحاديث بما ذكرناه من تحسين الصوت كثيرة مشهورة في الصحيح وغيره؛ وقد ذكرت في آداب القرَّاء قطعة منها.
ــ
تمطيط مفرط يغير النظم. قوله: (فأَنْ أَفْرَط الخ) قال في التبيان قال أقضى القضاة الماوردي في كتاب الحاوي القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صفته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقرأ به وعلى ترتيله كان مباحا لأنه زاد بألحانه في تحسينه اهـ. قال الشافعي في مختصر المزني ويحسن صوته بأي وجه كان وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا قال أهل اللغة يقال حدرت القراءة إذا أدرجتها ولم تمططها ويقال فلان يقرأ بالتحزين إذا أرق صوت اهـ. ومما ينبغي أن يضم إلى حديث أبي موسى في حسن الصوت ما جاء عن عائشة رضي الله عنها. قال
حديث أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل وهو من الأحاديث التي تفرد ابن ماجة بإخراجها ورجاله رجال الصحيح إلَّا أن عبد الرحمن بن سابط أحد رواته كثير الإرسال وهو تابعي ثقة وقد أخرج له ابن المبارك في كتاب الجهاد مرسلًا فقال عن ابن سابط أن عائشة سمعت سالما، وابن المبارك يشعر عن الوليد الذي روى الحديث موصولًا لكن للحديث طريق آخر ذكر فيه الحديث دون القصة قال الحافظ وإذا انضم إلى السند قبله تقوى به وعرف أن له أصلًا وسالم المذكور من المهاجرين الأولين كان مولى امرأة من الأنصار أعتقته سائبة قبل الإسلام فحالف أبا حذيفة عتبة بن ربيعة فتبناه فلما نزلت ادعوهم لآبائهم قيل له مولى أبي حذيفة وهو صاحب في رضاع الكبير وهو في الصحيح وهو أحد الأربعة الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وتقدمت الإشارة إليه واستشهد سالم وأبو حذيفة
فصل: ويستحب للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وكذلك إذا وقف يقف على المرتبط وعند انتهاء الكلام، ولا يتقيد في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار، فإن كثير امنها في وسط الكلام المرتبط، ولا يغتر الإنسان بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممن لا يراعي هذه الآداب، وامتثلْ ما قاله السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض رحمه الله: لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغتر بكثرة السالكين الهالكين، ولهذا المعنى قال العلماء: قراءة سورة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة، لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن.
فصل: ومن البدع المنكرة ما يفعله كثيرون من جهلة المصلين بالناس التراويح من قراءة سورة (الأنعام) بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة، معتقدين أنها مستحبة، زاعمين أنها نزلت جملة واحدة، فيجمعون في فعلهم هذا أنواعا من المنكرات، منها: اعتقاد
أنها مستحبة، ومنها: إيهام العوام ذلك، ومنها:
ــ
معًا باليمامة في خلافة الصديق رضي الله عنه اهـ.
فصل
قوله: (فإِن كثيرًا مِنهَا الخ) قال في التبيان كالجزء الذي في قوله تعالى: (وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)[النساء: 24] وفي قوله: (وَمَا أبريءُ نَفسِي)[يوسف: 53] وفي قوله فما كان جواب قومه وفي قوله: (وَمَن يَقنُتْ مِنكُنَّ)[الأحزاب: 31] وفي قوله: (إليه يُرَدُّ عِلمُ السَّاعَةِ)[فصلت: 47] وفي قوله قال فما خطبكم أيها المرسلون والأحزاب كقوله: (وَاذكُرُوا اللَّهَ في أَيَامٍ معدُوَداتٍ)[البقرة: 203] وقوله تعالى: (قُل أَؤنَبِئُكُم بِخَيرٍ مِن ذلِكُم)[آل عمران: 15] الخ. قال فهذا وشبهه ينبغي الاعتناء به ولا يقف عليه فإنه متعلق بما قبله اهـ. قوله: (وامتَثِلْ الخ) قال في التبيان رواه عنه أبو عبيد الله الحاكم بإسناده. قوله: (سُورَةِ الخ) تقدم تحقيق ذلك في باب أركان الصلاة.
فصل
قوله: (فيجْمَعُونَ الخ) أي
تطويل الركعة الثانية على الأولى، ومنها: التطويل على المأمومين، ومنها: هذرمة القراءة، ومنها: المبالغة في تخفيف الركعات قبلها.
ــ
قال ابن الصلاح والنووي أنه بدعة تشتمل على مفاسد وقال في قوله يكره القيام بالأنعام في ركعة منها قال شارحه هذا من زيادة المصنف أخذا من المجموع وغيره اهـ.
قال الشيخ أبو شامة في كتابه البواعث على إنكار البدع والحوادث قال ومما ابتدع في قيام رمضان في الجماعة قراءة جميع سورة الأنعام في ركعة واحدة يخصونها بذلك في ليلة السابع أو قبلها فعل ذلك ابتداء بعض بعض أئمة المساجد الجهال مستشهدا بحديث الأصل عند أهل الحديث ولا دليل فيه يروى موقوفًا عن ابن عباس وذكره بعض المفسرين مرفوعًا عن أبي معاذ عن أبي عصمة عن زيد العمي وكل هؤلاء عن أبي نضرة عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة شيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد أخرجه الثعلبي في تفسيره وكم فيه من حديث ضعيف وقد أخرج في سورة براءة مما هو أبلغ من ذلك مما يعارضه ذكر عن عائشة مرفوعًا ما أنزل علي القرآن إلّا آية آية وحرفا حرفًا إلّا سورة براءة و (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1] فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة وحينئذٍ فبراءة أولى من سورة الأنعام لكثرة من معها حين أنزلت وظاهر حديث براءة أن الأنعام لم تنزل جملة فتعارضا والرجحان له وجه وهذا يقوم على وجه الإلزام وإلَّا فالجمع عندنا باطل ثم لو صح خبر الأنعام لم يكن دلالة لاستحباب قراءتها في ركعة واحدة بل هي من جملة سور القرآن الأفضل لمن افتتح سورة في الصلاة أو غيرها ألا يقطعها حتى يتمها إلى آخرها ثم قال إذا ثبت هذا فنقول البدعة فيمن يقرأ الأنعام دون غيرها فتوهم أنه هو السنة فيه دون غيرها والأمر خلافه كما تقرر "الثاني" تخصيص ذلك بالركعة الأخيرة من صلاة التراويح "الثالث"
فصل: يجوز أن يقول: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك، وقال بعض السلف: يكره ذلك، وإنما يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها النساء، وكذلك الباقي، والصواب الأول، وهو قول جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها، والأحاديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم، وكذلك لا يكره أن يقال: هذه قراءة أبي عمرو، وقراءة ابن كثير وغيرهما، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار،
ــ
ما فيه من التطويل على المأمومين سيما من يجهل ذلك من عادتهم فينشب في ذلك ويعلق ويسخط بالعبادة "الرابع" ما فيه من مخالفة سنة تقليل الثانية عن الأولى فإن صاحب هذه البدعة يقرأ في الأول نحو مائتي آية من المائدة ويقرأ الأنعام بكمالها في الأخيرة بل يقرأ في تسع عشرة ركعة نحو نصف حزب وفي الأخيرة نحو حزبين ونصف والله أعلم اهـ. كلامهم وقال الحافظ ابن حجر قوله زاعمين أنها نزلت جملة واحدة في عدة أحاديث منها حديث بسنده إلى ابن عباس.
فصل
قوله: (سُورةُ البقرَة) قال في التبيان في السورة لغتان الهمز وتركه الترك أفصح وجاء به القرآن وممن ذكر اللغتين أبو بكر بن قتيبة في غريب الحديث اهـ، وهو بالهمز من السؤر وتركه تسهيلًا أو أنه بتركه من سور البلد والسورة الطائفة من القرآن المترجمة أي المسماة باسم خاص أي ينقل من حديث أو أثر عن صحابي أو تابعي كما يفيده كلام الإتقان ونقله فيه عن الجعبري وفي شرح النقاية عن الجعبري وخصه في شرح النقاية بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم استشكله بأن كثيرًا من الصحابة والتابعين سموا سورًا بأسماء من عندهم وأجاب بأن المراد الاسم الذي تذكره وتشهر به فهذا هو المتوقف على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس كذلك ونظر فيه بأن الظاهر توقف ما شهر من الأسماء وغيره على النقل عنه
صلى الله عليه وسلم ولا نسلم بأن ما ثبت عن الصحابة أو التابعين من الأسماء من عند أنفسهم. قوله: (وجَاءَ عَنْ بَعْض السلف الخ) قال الحافظ كأن مستندهم ورود النهي عن ذلك في حديث أنس قال قال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا سورة
وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: كانوا يكرهون [أن يقال: ] سُنَّة فلان، وقراءة فلان، والصواب: ما قدمناه.
فصل: يكره أن يقول: نسيت آية كذا، أو سورة كذا، بل يقول: أنسيتُها أو أُسقِطتُها.
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقُولُ أحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كذَا وَكذَا، بَلْ هُوَ نُسيَ".
ــ
البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة سورة التي يذكر فيها النساء قال الطبراني لا يروى عن انس إلّا بهذا الإسناد تفرد به خلق قال الحافظ وهو من شيوخ مسلم ولكن عبيس بمهملة وموحدة مصغر ضعيف وقد أفرط ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات ولم يذكر له مستندا إلّا تضعيف عبيس وقال الإمام أحمد أنه حديث منكر وهذا لا يقتضي الوضع وقد قال الفلاس أنه صدوق يخطئ كثيرًا وقد ترجم البخاري في فضائل القرآن "باب من لم ير بأسًا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا" ثم ذكر حديث ابن مسعود من قرأ الآيتين كفتاه. قوله: (وجاء عَنْ إِبْراهيمَ النَّخَعِيّ) رواه عنه ابن أبي داود كما في التبيان والنخعي بفتح النون والخاء المعجمة بعدها عين مهملة جد قيلة.
فصل
قوله: (يُكرَهُ أَنْ يقول) أي القارئ وفي شرح مسلم وفي الحديث كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيهية اهـ، وقال الأبي بئس للذم والذم خاصة فعل المحرمِ فبئس للتنزيه اهـ. قوله:(أنسِيتُ) أي بضم الهمزة بالبناء للمفعول أي أنسانيها الله تعالى. قوله: (أسقطتها) أي بالبناء للفاعل أي أسقطتها بسبب الأنساء. قوله: (رَوَينَا في صحيحي البُخَارِي ومُسلم الخ) قال بعد تخريجه بلفظ لا يقولن أحدكم نسيت آية كذا أو كيت بل هو نسي ما لفظه حديث صحيح أخرجه مسلم ولفظه لا يقل بغير واو وكذا رواه ابن حبان في صحيحه وقال لم يسند سعيد بن أبي عروبة عن الأعمش غير هذا الحديث قال الحافظ وهو من رواية الأقران واللفظ الذي ذكره المصنف لم أره في واحد من الصحيحين لا من لفظ يقول ولا لفظ آية كذا
وفي رواية في الصحيحين أيضًا: "بِئْسَما لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ
ــ
وكذا فينبغي أن يحرر فإن البخاري لم يخرجه أصلًا وإنما أخرج اللفظ الذي بعده اهـ، ويوجد في بعض النسخ لا يقل أحد نسيت آية كذا وكذا وكأنه من بعض
الكتاب أو أن الشيخ تنبه له وصححه والله أعلم. قوله: (وفي رواية في الصحيحين الخ) قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو عوانة والترمذي والنسائي وفي رواية لمسلم بئسما للرجل أن يقول نسيت سورة كيت وكيت أو آية كيت وكيت بل هو نسي وأخذ المصنف من الشك المذكور في رواية مسلم قوله في الترجمة سورة كذا اهـ. قوله: (بئسما لأَحدهِم الخ) في الحديث النهي عن إضافة النسيان إلى آية من القرآن قيل وإنما نهى عنه لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل له عنها قال تعالى: (أَتَتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا)[طه: 126] ويقبح بالإنسان التسهيل والتغافل في ذلك الشأن بخلاف أنسيت ففيه إشارة إلى عدم التقصير في الحفظ لكن الله تعالى أنساه لمصالح، ورده في فتح الإله بأنه غير ملائم للحديث قال القاضي عياض أول ما يتأول على الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أي نسيت الحال حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه وصار يقول نسيت ولم ينسه من قبل نفسه أنساه الله عقوبة له على غفلته عنه ويشهد له حديث لم أر ذنبا أعظم من آية أو سورة حفظها رجل ثم نسيها اهـ، ونقل من هذا الكلام عن أبي عبيد وزاد أما الحريص على حفظه مع الدأب في تلاوته لكن يغلبه النسيان فلا يدخل في هذين الحديثين وقيل معنى نسي عوقب بالنسيان على ذنب أو سوء تعهد القرآن قال الطيبي هو من باب قوله تعالى:(أَتتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا) وكذلك اليوم تنسى اهـ. قال في فتح الإله وما ذكره أبو عبيد صحيح في نفسه ومطابقته للحديث الذي نحن فيه مبنية على أن النهي فيه عن النسيان بتقصير وكذا قول الطيبي هو من باب قوله تعالى: (أَتتكَ آياتنا فَنَسِيتَهَا) الخ. كل ذلك تكلف خارج عن الحديث لا يحتاج إلى أخذه من هذا لبعد الدلالة عليه إنما يؤخذ من الأحاديث المصرحة به كحديث عرضت علي ذنوب أمتي فلم أو ذنبا أعظم من رجل أوتي آية فنسيها. قوله: (أَيةَ كَيْت وكيتَ) أي آية كذا وكذا قال المصنف وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة اهـ. قال في شرح الأنوار السنية وهي كلمة
بَلْ هُوَ نُسِّيَ".
وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها، "أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ، فقال: "رحمه الله، لَقَدْ أذْكرني آيةً كُنْتُ أُسْقِطْتُها".
وفي رواية في الصحيح:
ــ
يعبر بها عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل اهـ. قوله: (بَلْ هو نُسِّيَ) أي لم ينس هو أي لم يكن له فعل في النسيان إنما نسى أي أن الله سبحانه هو الذي أنساه اياها بسبب منه تارة من ترك تعهد القراءة إذ ترك تعهدها سبب للنسيان عادة ولا بسبب منه أخرى قال الطيبي وابن حجر وإنما نهى عن قوله نسيت لأنه يوهم أنه فاعل للنسيان وكذلك الثاني فإنه يصرح بأن النسيان إنما هو من الله لا غير قال المصنف في شرح مسلم ونسي ضبطناه بتشديد السين وقال القاضي ضبطناه بالتشديد والتخفيف اهـ، وقال الحافظ ضبط أكثر الروايات بضم أوله والتشديد وضبط بعض الرواة في مسلم بالتخفيف وكذا رأيته في مسند أبي يعلى ومن كتاب الشريعة لابن أبي داود ولا أعرف من ضبطه بالفتح والتخفيف. قوله:(وَرَوَينَا في صحِيحيهما عَنْ عائِشةَ الخ) قال الحافظ هذا اللفظ المختصر عند مسلم خاصة بلفظ أنسيتها ووقع
عنده وعند البخاري بلفظ أسقطتها أتم من هذا السياق قال الحافظ عنهما أن رجلًا قام يقرأ في الليل فرفع صوته فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم رحم الله فلانًا كإني من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها وقال أخرجه البخاري ومسلم بلفظ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا وعند البخاري في رواية كنت أسقطتهن. وقوله: (وفي رِوَايةٍ في الصّحِيح الخ) أخرجه مسلم مختصرًا وأخرجه البخاري بنحو الحديث المذكور قبله قال فيه أنسيتها. قوله: (سَمِعَ رَجُلا يَقْرأُ) قال المصنف في المبهمات قال الخطيب تبعًا لعبد الغني كما قال الحافظ هذا الرجل عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري اهـ. قال الحافظ بعد أن أخرج عن عائشة قالت تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وتهجد عباد بن بشر في المسجد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فقال يا عائشة هذا عباد بن بشر اللهم ارحم عبادا وقال بعد تخريجه هذا حديث حسن هذا الرجل خرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وأشار البخاري في الصحيح إلى هذا الحديث
"كُنْتُ أُنْسِيتُها".
ــ
وكأنه أشار بها إلى تسمية المبهم في الرواية السابقة وقد قيل أنه غيره ثم أخرج عن عائشة أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قارئًا يقرأ فقال صوت من هذا قالوا عبد الله بن يزيد قال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها حديث غريب من هذا الوجه أخرجه عبد الغني في كتاب المبهمات بعد أن أخرج حديث عائشة السابق ثم قال الرجل المذكور عبد الله بن يزيد الخطمي ثم ساق هذا الحديث وتبعه عليه الخطيب في مبهماته فإنه بعد أن خرج حديث عائشة الأول أخرج هذا الحديث أيضًا وزاد في المتن يقرأ في المسجد وقال فيه اذكرني آيات كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا وقال فيه عبد الله بن يزيد الأنصاري قال الحافظ بعد أن أخرجه من طريق عائشة ما لفظه وهذا السند لو صح لكان تفسيره بعبد الله بن يزيد أولى من تفسيره بعباد بن بشر لأنه ليس في نص عباد زيادة عن الترحم بخلاف هذا ففيه زيادة الأذكار وما معه لكن عبد بن سلمة راويها ضعيف جدًّا وقد خالفه حماد بن سلمة وهو أحد الأثبات فروى عن أبي جعفر الخطمي أنه قال الرجل المذكور في تلك الرواية عبد بن يزيد الخطمي بن عبد العزيز البغوي وفي منتخب المسند كذا ذكره عن أبي جعفر مقطوعًا فكأن عبد الله ركب ذلك الإسناد عمدًا أو غلطًا وكأن هذا عمدة من جزم بأنه الخطمي وفيه نظر لأن الخطمي مختلف في صحبته فنفاها أصلًا الزبيري وقال الأثرم قلت لأحمد له صحبة صحيحة قال أما صحيحة فذاك شيء يرويه أبو بكر بن عياش قال ابن عباس قال فيه سند عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بشيء وقال أبو داود سمعت يحيى بن معين يقول يقولون له رؤية وقال أبو حاتم ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه قال الحافظ روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وروايته عن غير واحد من الصحابة في الصحيحين وغيرهما وقد فرق ابن منده بين عبد الله بن يزيد الخطمي وعبد الله بن يزيد القاري من أجل هذا الاختلاف لأن من كان صغيرا في ذلك الزمان يبعد أن تقع له القصة المذكورة لكن ذكر ابن البرقي أن الخطمي شهد الحديبية وقال الدارقطني له ولأبيه صحبة وعلى هذا فلا بعد والله أعلم، اهـ. قوله:(كنت أنسيتها) قال المصنف في التبيان في الصحيحين عن عائشة كنت أسقطتها وفي
فصل: اعلم أن آداب القارئ والقراءة لا يمكن استقصاؤها في أقل من مجلدات، ولكنا أردنا الإشارة إلى بعض مقاصدها المهمات بما ذكرناه من هذه الفصول المختصرات، وقد تقدم في الفصول السابقة في أول الكتاب شيء من آداب الذاكر والقارئ، وتقدم أيضًا في أذكار الصلاة جمل من الآداب المتعلقة بالقراءة، وقد قدمنا الحوالة على كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" لمن أراد مزيدًا، وبالله التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
ــ
رواية في الصحيح كنت أنسيتها وأما
ما رواه ابن أبي داود عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل أنه لا يقال أسقطت آية كذا بل أغفلت فخلاف ما ثبت في الحديث الصحيح فالاعتماد على الحديث وهو جواز أسقطت وعدم الكراهة فيه أولى اهـ، وقال في شرح مسلم وفي الحديث دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلغه إلى الأمة قال القاضي عياض جمهور المحققين على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس طريقه البلاغ واختلفوا فيما طريقه البلاغ والتعليم ولكن من جوزه قال لا يقر عليه لا بد أن يتذكره أو يذكره واختلفوا هل من شرط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم وأما نسيان ما بلغه صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث فيجوز قال وقد سبق بيان سهوه في الصلاة وقال بعض الصوفية ومتابعوهم لا يجوز السهو عليه أصلًا في شيء وإنما يقع منه صورته ليسن وهذا مناقض مردود لم يقل به أحد ممن يقتدى به إلَّا الأستاذ أبو المظفر الإسفرايني من شيوخنا فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض اهـ.
قوله: (وَقَد قدَّمنا الحَوالة الخ) أي ففيه ما يملأ عين الطالب ويظفر منه بنيل سائر المطالب وكذا كتاب التذكار في أفضل الأذكار للإمام المفسر المحدث القرطبي المالكي ففيه فوائد كثيرة وآداب القارئ والقراءة وبين الكتابين كالعموم والخصوص الوجهي.
فصل: اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار كما قدمنا، فينبغي المداومة عليها، فلا يخلي عنها يومًا وليلة، ويحصل له أصل القراءة بقراءة الآيات القليلة.
وقد روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قرأ في يَوْمٍ ولَيْلَةٍ خَمْسينَ آيَةً لَمْ يكْتَبْ مِنَ الغافِلينَ، ومَنْ قرأ مائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، ومَنْ قَرأ مائَتي آيَةٍ لَمْ يُحاجَّه القُرآنُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَنْ قَرأ خَمْسَمائَةٍ
ــ
فصل
قوله: (وقد روينا في كتابِ ابن السني الخ) قال الحافظ بعد تخريجه سنده ضعيف روي لنا بعضه من وجه آخر بسند صحيح ثم أخرجه من حديث تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ بمائتي آية في ليلة كتب له قنوت ليلة هذا حديث حسن صحيح أخرجه عبيد بن أحمد في مسند أبيه وأخرجه النسائي في اليوم والليلة قال وأخرجه سعيد بن منصور في مسند نصر في كتاب قيام الليل عن فضالة بن عبيد وتميم الداري قالا قال رسول الله رضي الله عنه فذكر الحديث مطولًا وزاد في أوله من قرأ بعشر آيات وسيأتي ذكرها بعد وقال بثمانين بدل مائتين وقال بدل خمسمائة ألف آية وإسماعيل بن عياش فيه مقال إلّا أن روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها وقد تابعه عليه محمد بن حمزة أحد رجال الصحيح إلَّا أنه وقفه عليهما ومثله لا يقال رأيا فهو في حكم المرفوع قالا من قرأ في ليلة بعشر آيات كتب من المصلين وقالا من قرأ في ليلة بخمسين آية كتب من المجاهدين وله شاهد مرسل بسند صحيح أخرجه
الدارمي وشواهد أخر يأتي بعضها اهـ، ومن قرأ في ليلة بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ في ليلة بألف آية كتب له قنطار من الأجر القنطار خير من الدنيا وما فيهما. قوله:(ومَنْ قَرأَ مِائَتيْ آيةٍ الخ) أي لم يحاجه من جهة التقصير منه فيه بل من جهة عدم العمل به أن لم
كُتِبَ لهُ قِنْطار مِنَ الأَجْرِ" وفي رواية: "مَنْ قرَأ أرْبَعِينَ آيَةً" بدل "خمسين" وفي رواية "عِشرينَ" وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ "وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا.
وروينا أحاديث كثيرة في قراءة سور في اليوم والليلة، منها: يس، وتبارك الملك، والواقعة، والدخان.
ــ
يعمل به لما في الحديث أنه يقول في مخاصمته لبعض حفاظه قام عني ولم يعمل بي فيفهم منه أنه يخاصم من جهتين في التقصير في تعهده لأنه يؤدي لنسيانه وفي العمل به لأن فيه استهتارا بحقه. قوله: (كُتِبَ لهُ قِنْطَارٌ مِنَ الأجْرِ) في المشكاة من رواية الدارمي حديث الحسن مرسل قالوا وما القنطار يا رسول الله قال اثنا عشر ألفا قال ابن حجر أي من الأرطال وفيه أن هذا البيان يتوقف على توقيف والله تعالى أعلم وفي التذكار من حديث ابن عباس مرفوعًا من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ أربعمائة آية أصبح وله قنطار من الأجر القنطار مائة مثقال المثقال عشرون قيراطًا القيراط مثل أحد اهـ. قوله: (وفي رِوايَة) أي لابن السني في حديث أنس المذكور. قوله: (أربعين) بدل خمسين وسنده فيه يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف وفي التذكار من حديث عبادة بن الصامت من قرأ ثلاثين آية لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين. قوله: (وفي روايةٍ) أي في حديث أنس أيضًا عند ابن السني وفي سندها يزيد الرقاشي أيضًا. قوله: (عِشْرِينَ آية) أي بدل خمسين آية والباقي سواء في باقي رواياته عند ابن السني. قوله: (وفي رِوايةٍ) أي لابن السني وسنده حسن وأخرجها أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين لفظ أبي داود وأخرج حديثه هذا ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان والحديث حسن في الجملة لشواهده وأخرج الحافظ عن أبي سعيد الخدري قال من قرأ في ليلة بعشر آيات كتب من الذاكرين ومن قرأ في ليلة بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ (يس) في يومٍ وَلَيْلَة ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ غُفِرَ لَهُ".
ــ
بخمسمائة إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر موقوف صحيح وقال أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن أبي سعيد مرفوعًا لكن من رواية عطية وهو العوفي ضعيف.
تنبيه
ظاهر عموم الأخبار حصول كل مرتبة من المراتب المذكورة فيها بقراءة ذلك القدر من الآيات
كل يوم أو ليلة سواء كررها بعينها أو قرأ غيرها ولا يتوقف ذلك على كون المأتي به في الزمن الثاني غير المأتي به في الأول والله أعلم. قوله: (فعن أبي هُريرةَ الخ) رواه كذلك ابن السني قال المنذري في الترغيب ورواه مالك وابن حبان في صحيحه اهـ. قال الحافظ بعد تخريجه الحديث من طريق الطبراني حديث غريب وأخرجه الحافظ كذلك وزاد في آخره تلك الليلة من طريق الدارمي وقال حديث حسن أخرجه ابن مردويه في تفسيره وتمام الرازي في فوائده وابن حبان في صحيحه لكن خالفه في اسم الصحابي فقال عن جندب بدل أبي هريرة وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة من طريق صحيح ثم قال ابن حبان كذا قال عن جندب وما أظنه إلَّا وهما ثم ذكر رواية محمد بن نصر من تفسير ابن مردويه وكأنه لم يستحضر طريق الدارمي ولا تمام فهؤلاء ثلاثة حفاظ خالفوا ابن حبان لكن لا أدري هل الوهم فيه منه أو من شيخه وقد أخرجه ابن السني وابن مردويه من وجه آخر من طرق عن أبي هريرة وأخرجه الدارمي أيضًا من رواية سليمان التيمي أنه بلغه عن الحسن وسيأتي بعد هذا من رواية أبي المقدام عن الحسن وأخرجه الدارمي أيضًا عن أبي رافع مقطوعا ومئله لا يقال رأيا فله حكم المرفوع وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا مثل الأول وفي سنده أبو مريم فإن كان الجامع فهو ضعيف جدًّا اهـ. أورده في الجامع الصغير بهذا اللفظ وزاد في آخره فاقرءوها عند موتاكم وقال أخرجه البيهقي عن معقل بن يسار. قوله: (غُفِرَ لهُ) هو بصيغة المجهول والمراد صغائر الذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه ثم موتاكم قيل يحتمل الحقيقة وقراءتها عليهم ليحصل لهم ثوابها أو ليستأنسوا بقراءتها
وفي رواية له: "مَنْ قَرَأ سُورَةَ (الدخان) في لَيلةٍ أصْبَحَ مَغْفُورًا لهُ".
ــ
أو ليلقنوا معانيها من تذكر مبانيها وهو ظاهر الخبر وأخذ به ابن الرفعة تبعًا لبعضهم ويحتمل المجاز أي من حضره الموت أي مقدماته فهو من مجاز المشارفة ورجحه ابن حبان بل قصر الخبر عليه وقال أنه المراد قال لأن الميت لا يقرأ عليه قال العلقمي في شرح الجامع ولو قرئت قبل وبعد لكان أولى عملًا بالقولين اهـ. قال الرازي وقرئت عليه أي المحتضر لأن اللسان حينئذ ضعيف القوة والأعضاء ساقطة المنفعة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى بكليته فيقرأ عليه ما يزداد به قوة قلبه وتشديد تصديقه بالأصول فهو إذن عمله أهـ، وقيل الحكمة في قراءتها لما فيها من الآيات المتعلقة بالموت والبعث فإذا قرئت عنده تجدد له ذكر بتلك الأحوال وقيل يحتمل أن ذلك لخاصية فيها وقد قيل أنها لما قرئت له وروي مرفوعًا أن من قرأها خائفا أمن أو جائعا شبع أو عار كسي أو عاطش سقي في خلال كثير رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده نقله ابن الجزري وفي الحرز قيل في سنده نظر لكن يشهد له كونه صلى الله عليه وسلم ليلة اجتمع النفر على قتله فخرج وهو يقرأ الآيات من أول يس وذر عليهم التراب الحديث مع أن الضعيف يعمل به في الفضائل اتفاقًا اهـ. قوله:(وفي رواية) عن أبي هريرة أيضًا رواه عنه ابن السني وأبو المقدام ضعيف قال الترمذي القول عنه منكر الحديث وفيه التقييد بليلة الجمعة ولم ينبه على ذلك الحافظ أورده كذلك في الترغيب من جملة حديث رواه
الدارقطني وهو مقيد عنه في هذه الرواية بهذا اللفظ بليلة الجمعة نعم ورد عند الترمذي مطلقًا عن التقييد لكن فيه أنه أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك وأخرجه الترمذي والبيهقي في الشعب عنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك، قوله في ليلة أي أي ليلة كانت سواء قرأها فيما قبلها أو فيما بعدها أم لا وقوله يستغفر له الخ. أي يدعون له بالمغفرة قال في فتح الإله أي دائمًا نظير قولهم فلان يقري الضيف أو في صبح تلك الليلة فقط وهذا هو التحقيق والزائد عليه محتمل وفضل الله أوسع من هذا قال وخصت الدخان
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"مَنْ قَرَأ سُورَةَ {الوَاقِعَةِ} في كُلِّ لَيلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ".
ــ
بذلك لافتتاحها بمقام إنزال القرآن ليلة القدر وأنه رحمة بالغة أعلى مراتب الشرف ثم مقام المتولي عنه صلى الله عليه وسلم وذكر عقابهم كنظرائهم ثم بذكر ثواب المؤمنين ثم ختمها بما يطابق ما ابتدأها به الدالين على غاية الرحمة بهذه الأمة ومنها اثابة قارئها بما ذكر وأما تخصيص الغفران بقراءتها ليلة الجمعة فلافتتاحها بمدح ليلة القدر التي هي من خصائص هذه الأمة كما أن ليلة الجمعة ويومها من خصائصها أيضًا فالمتنبه لقراءتها ليلة الجمعة على ذلك غفر له اهـ. وقوله: (وفي رواية الخ) رواه ابن السني عنه وزاد في آخره أبدا وكان ابن مسعود يأمر بناته بقراءتها كل ليلة ورواه عنه كذلك البيهقي في شعب الإيمان وأخرج الحافظ عن أبي طيبة قال مرض عبد الله بن مسعود فعاده عثمان فقال له ما تشتكي فقال ذنوبي قال ما تشتهي قال رحمة ربي قال ألا أدعو لك الطبيب قال الطبيب أمرضني قال ألا آمر لك بعطاء قال لا حاجة لي فيه قال يكون لبناتك قال أتخشى على بناتي الفقر وقد أمرت بناتي أن يقرأن في كل ليلة سورة الواقعة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا حديث غريب أخرجه ابن وهب في جامعه وابن أبي داود وعلي بن سعيد العسكري ثواب القرآن من طريق ابن وهب وأخرجه الحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وابن السني في عمل اليوم والليلة والبيهقي في الشعب وابن عبد البر في التمهيد وابن مردويه والثعلبي في التفسير كلهم بأسانيد تدور على السري بن يحيى واختلفوا في شيخه فقيل عن شجاع عن أبي طبية وقيل عن أبي شجاع عن أبي طيبة والثاني هو المعتمد والأكثر على أن أبا طيبة بفتح المهملة وسكون التحتية وبالموحدة وضبطه بعضهم بفتح المهملة وتقديم الموحدة والأول هو المعتمد وهو سليمان بن عيسى الجرجاني ونقل ابن الجوزي أن الإمام أحمد سئل عن أبي شجاع وأبي ظبية في هذا الحديث فقال لا أعرفهما وروى ابن الجوزي الحديث كذلك وأما البيهقي فقال أبو ظبية شيخ مجهول فالحديث ضعيف
وعن جابر رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام كل ليلة حتى يقرأ {الم تنزيل} الكتاب، و (تبارك) الملك".
ــ
عنده لذلك والذي نرجح أن ضعفه بسبب الانقطاع فإن أبا طيبة لم يدرك ابن مسعود وأقل ما بينهما راويان فيكون الحديث معضلا ولم أجد هذا المتن شاهدًا إلّا ما جاء عن سليمان التيمي قال قالت عائشة رضي الله عنها أتعجز إحداكن أن تقرأ سورة الواقعة وهذا مع ثبوته موقوفًا منقطع السند وأخرج أبو الشيخ في الثواب من حديث أنس يرفعه من قرأ سورة الواقعة وتعلمها لم يكتب في الغافلين ولم يفتقر هو ولا أهل بيته وسنده ضعيف جدًّا وأخرج أبو بكر بن بلال من حديث ابن عباس رفعه من قرأ
سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة سنده أيضًا ضعيف جدًّا هـ، وأخرجه في مسند الفردوس من حديث ابن عباس قال في فتح الإله كأن المراد أن قارئها بسبب قراءتها وتأمل ما فيها من أن مسبب الأسباب وموجد المسببات هو الله تعالى وحده لا شريك له بشهادة أم نحن الخالقون أم نحن الزارعون أم نحن المنزلون أم نحن المنشئون يحصل له غنى النفس المسبب عن التوكل المفاد من تلك الآيات إذ هو مباشرة الأسباب مع شهود المسبب ومن حصل له غنى النفس حصل له الغنى المطلق عن الناس والافتقار الحقيقي إلى الله تعالى فلا تصيبه فاقة إليهم أبدا اهـ. قوله:(وَعَنْ جابرٍ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب من حديث أبي الزبير عن جابر فيه علتان عنعنه وفي الجامع الصغير رواه كذلك أحمد في مسنده والترمذي والنسائي والحاكم عن جابر ورواه عنه ابن السني وزاد قال يعني جابر وقال طاوس تفضلان كل سورة من القرآن بستين حسنة. قوله: (تنزيلُ الكتَاب) هو بضم اللام على الحكاية. قوله: (وَتَبَاركَ الملكَ) بالرفع على الحكاية أو على خبر مبتدأ محذوف أو بالنصب قال في الحرز ويجوز الجر على الإضافة اهـ، واحترز به عن تبارك الفرقان ثم قوله "لا ينام الخ" قال في فتح الإله أي لا يدري النوم إذا دخل وقته حتى يقر الخ. قال وحملناه على ما ذكر ليفيد ما قرره الأئمة أخذا من أنه يسن قراءة هاتين السورتين مع سور أخر قبيل النوم وخصا بما ذكر في الجزاء لأن الأولى مسوقة للبرهان على صدق القرآن وواسع ما أنعم به على الإنسان من مبدئه إلى استقراره في
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرأ في ليلة {إِذَا زُلْزِلَتِ
الأَرضُ} [الزلزلة: 1] كانَتْ لهُ كعِدْلِ نصْفِ القُرآن، ومَنْ قَرأ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ رُبعْ القُرآن،
ــ
أحد المستقرين مع تعداد ما لكل منهما المبين لعدم استوائهما وذلك كله موجب لدوام الشرك والاستعداد للقاء بالعمل الصالح منه بما عند النوم ليقع هو ثم اليقظة منه على أكمل الهيئات وأعلى مراتب الاستعدادات وأيضًا فقد نص فيها على مدح قوم تتجافى جنوبهم عن المضاجع مع وصفهم بأكمل الصفات وجزاهم بأعالي الدرجات مما لا يحيط به إلّا المتفضل به فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وذلك حامل أي حامل لمريد النوم على أنه إذا استيقظ أثناء ليله تطهر وصلى ودعا خوفًا وطمعا ثم اتفق مما رزقه الله من النعم الظاهرة والأحوال الباطنة ليحوز فضيلة الوراثة المحمدية.
وأما تبارك فقد ورد أنها شفعت لقارئها وعند الترمذي أنها المانعة المنجية من عذاب الله أي في القبر كما يدل رواية هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر وخصت بذلك لافتتاحها وختمها بالماء الذي هو سبب الحياة فانتجت الشفاعة التي هي سبب الحياة الكاملة للمشفوع له وأيضًا افتتحها بعظائم عظمته ثم بباهر قدرته وإتقان صنعته ثم بذم من نازعه في ذلك وأعرض عنه ثم بذكر عقابهم وماله عليهم من النعم ثم ختمها بما اختصها به من بين سائر السور وهو الأنعام العام بالماء المعين الذي هو سبب الحياة المناسب لذلك كله المعافاة من سوء العطية بتشفيع هذه السورة في قارئها وجعلها مانعة عنه منجية له. قوله: (وَعَنْ أَبِي هريرةَ الخ) أخرجه عنه ابن السني وفي سنده راو شديد الضعف ثم
أخرج الحافظ عن أنس رضي الله عنه وروى الترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا زلزلت تعدل نصف القرآن و ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] أَحَد تعدل ثلث القرآن وفي شرح الجامع الصغير للعلقمي قال الحافظ ابن حجر صحح الحاكم حديث ابن عباس وفي سنده عثمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم اهـ، وعزا في المشكاة تخريجه باللفظ المروي عن ابن عباس إلى أنس بن مالك أيضًا وأنه كذلك عند الترمذي. قوله:(مَنْ قرأَ إِذَا زُلزِلَت الخ) قال التوربشتي والبيضاوي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يحتمل أن يقال المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فكانت كعدل النصف وجاء في الحديث الآخر أنها ربع القرآن وتقديره أن يقال القرآن يشتمل على تقرير التوحيد والنبوات وبيان أحكام المعاش وأحكام المعاد وهذه السورة مشتملة على الأخير من الأربع وي {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] محتوية على القسم الأول منها فيكون كل واحدة منهما كأنه ربع القرآن وفارقت الكافرون (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد) مع أن يسمى سورة الإخلاص لأن قل هو الله أحد اشتملت من صفات الإخلاص على ما لم يشتمل عليه سورة الكافرون وأيضًا فالتوحيد إثبات الإلهية والتقديس ونفي الهية ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإلهية والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس فكان بين المرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الربع والثلث ثم هذه الرواية تبين رواية أن إذا زلزلت تعدل نصف القرآن فإن المراد بها انها تعدل ذلك قال الطيبي ومنعهم من حمل المعادلة على التسوية لزوم تفضيل إذا زلزلت على الإخلاص أي بفرض صحة حديث أن الزلزلة تعدل نصف القرآن وإلّا فأحاديثها ضعيفة بخلاف أحاديث سورة الإخلاص قال في شرح المشكاة فإن فرض صحة حديث الزلزلة وإن المراد الثواب قلنا بقضيته من تفضيلها على تلك ولا محذور لأن الثواب من محض فضله وجوده فيخص بزيادته ما شاء من الأعمال والأقوال ثم لا يلزم من كون السورة تعدل الربع أو النصف مثلًا مساواتها له في الثواب والّا لحصل التناقض إلَّا أن يجاب أنه كان يخبر بالقليل من الثواب ثم يزاد في كرامة أمته وثوابهم لأجله فيخبر به ئانيا كما قيل بمثله في حديثي صلاة الجماعة بخمس وعشرين وسبع وعشرين قال التوربشتي نحن وإن سلكنا هذا المسلك لمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك على الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا فإن سلم من الخلل والزلل لا يبعد عن ضرب من
ومَنْ قَرَأ ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، كانَتْ لَهُ كَعدْلِ ثُلُثِ القُرآنِ".
ــ
الاحتمال اهـ، وسيأتي لهذا مزيد. قوله:(ومَنَ قرأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الخ) أي كانت قراءتها كعدل ثلث القرآن قال المصنف نقلًا عن الماوردي القرآن على ثلاثة أقسام قسم يتعلق بالقصص وقسم بالأحكام وقسم بصفات الله تعالى والإخلاص متمحضة لها فكانت بمثابة الثلث وقيل أن ثواب قراءتها مضاعفًا يعدل ثواب قراءة ثلثه بلا تضعيف اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع نقلًا عن الحافظ ابن حجر إن قول من قال أنه بغير
تضعيف دعوى بغير دليل يؤيد الإطلاق حديث مسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن اهـ. قيل فعلى الأول لا يلزم من تكريرها استيعاب القرآن وختمه ويلزم على الثاني اهـ، وبيان اللزوم على الثاني أن من قرأ الإخلاص ثلاثين مرة يكون كمن قرأ القرآن مع المضاعفة إذ كل ثلاث مرات تعدل ختمة فمن قرأها ثلاثين مرة كأنه قرأ القرآن عشر مرات بلا مضاعفة وهي بمنزلة قراءته مرة مع المضاعفة ويلزم عليه مساواة قليل العمل لكثيره في حصول الثواب قال جمع ويشهد لكونها كعدل الثلث في الثواب ظاهر الحديث والأحاديث الواردة في أن إذا زلزلت تعدل النصف وكلا من النصر والكافرون يعدل الربع يؤيد ذلك لكن تعقب ابن عقيل ذلك وقال لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات اهـ، ورد بأن معنى ذلك فله أجر ثلث القرآن بلا مضاعفة بل أو معها ولا بدع في أن الله تعالى يجعل في الأحرف القليلة من الثواب ما لم يجعله في الكثيرة ألا ترى أن الصلاة الواحدة في كل من المساجد الثلاثة أفضل من أضعافها في غيرها من بقية المساجد "والحاصل" أن الأصل أن العمل الكثير أكثر ثوابًا من العمل القليل إلّا إن صح عن الصادق أن ثواب القليل أكثر فإن لم يصح عنه التصريح بذلك بل احتمل كلامه ذلك وغيره كما في المعادلة هنا قلنا الأصل أن ذا العمل الكثير أكثر ثوابًا فلا يعدل عنه إلَّا بصريح أو ظاهر قوي وأما مع تساوي الاحتمالين فلكل من التمسك بالأصل والتوقف وجه ومن ثمة قال ابن عبد البر السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم ثم أسند إلى أحمد أنه سئل كونها ثلث القرآن فلم يبد فيه شيئًا وقال إسحاق بن راهويه معناه أن الله تعالى لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل
وفي رواية: "مَنْ قَرَأ آية الكُرْسِي، وأوَّل (حَمَ) عُصِمَ ذلكَ اليَوْمَ مِنْ كلِّ سُوءِ".
والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، وقد أشرنا إلى المقاصد، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.
ــ
لبعضه أيضًا في الثواب لمن قرأه تحريضًا على تعلمه لا أن من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة اهـ. قال ابن عبد البر فهذان إماما السنة ما قاما ولا قعدا في المسألة اهـ. قال في فتح الإله وقد مر أن ظاهر الحديث أنها تعدل الثلث في الثواب وأنه لا محذور فيه سيما أن حمل على أنها تعدله بلا مضاعفة والثواب محض فضل المنعم الوهاب اهـ، وقيل المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن بلا ترديد وقيل غير ذلك. قوله:(وفي رِوَاية) أي عن أبي هريرة رواها عنه ابن السني كتابه عمل اليوم والليلة وقال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب وقد سبق هذا الخبر والكلام عليه أواخر باب أذكار المساء والصباح. قوله: (والأحاديثُ كثيرة الخ) تقدم منها في باب القول عند الصباح والمساء حديث أبي هريرة المذكور وحديث ابن عباس في آية الروم وحديث أبي الدرداء في آخر براءة وحديث معقل بن يسار في آخر الحشر وتقدم منها في باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع حديث عائشة في المعوذات وحديث أبي مسعود في الآيتين من آخر البقرة وحديث العرباض بن سارية في المسبحات وحديث فروة بن نوفل في الكافرون وحديث عائشة في بني إسرائيل والزمر وحديث علي في آية الكرسي وحديثه في ثلاث
من سور البقرة ومما يناسبه ما أخرجه الدارمي عن الشعبي عن ابن مسعود من قرأ عشر آيات من سورة البقرة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة أربع آيات من أولها وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاث آيات من آخرها قال الحافظ موقوف رجاله ثقات لكن في سنده انقطاع بين الشعبي وابن السني وقد روى الترمذي أيصًا بسند موصول إلى المغيرة بن أسقع وكان من أصحاب ابن مسعود ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع وأخرج الحافظ من طريق الدارمي عن النعمان بن بشير قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم -