الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روينا في "صحيح مسلم": عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ في الليل لَساعَةً لا يُوافِقُها رَجُل مُسْلِمٌ يَسالُ اللهَ تعالى خَيرًا مِنْ أمرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ إلا أعطاهُ اللهُ إياهُ، وذلكَ كُل لَيلة".
باب أسماء الله الحسنى
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ــ
قوله، (وَرَوَينَا في صحيحِ مُسلم) قال الحافظ وأخرجه ابن حبان في صحيحه. قوله:(وذلكَ الخ) أي المذكور من إجابة الدعاء في تلك الساعة لا يتقيد بليلة مخصوصة بل يحصل كل ليلة من فضل الله ومنته على هذه الأمة فينبغي تحري تلك الساعة ما أمكنه في كل ليلة إما بإحياء جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها واحتج بهذا الحديث من فضل الليل على النهار لأن كل ليلة فيها ساعة إجابة وذلك في النهار ليس إلَّا في يوم الجمعة فقط.
باب أسماء الله الحسنى
(قَال الله تعَالى ولله الأَسماءُ الحسنى) قال مقاتل دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن فقال أبو جهل أليس يزعم محمد وأصحابه يعبدون ربًّا واحدًا فما بال هذا يدعو اثنين فنزلت وأل في الأسماء قيل هي للعهد أي ما جاء به التوقيف وقيل للجنس أي كل اسم حسن ويبنى على ذلك الخلاف في أنه هل يمتنع إطلاق ما لم يرد به توقيف عليه تعالى وإن صح قيامه به أولًا فعلى العهد يمتنع وعلى الجنس يجوز أشار إلى ذلك القرطبي في كتاب البر والصلة من المفهم وأنت خبير أنه لا يتعين على كونها للجنس جواز إطلاق ما لم يرد به توقيف فمن الجائز أن يكون من العام المراد به الخاص ويدلك على ذلك قول أبي حيان في النهر وكون الاسم الذي أمر تعالى أن يدعى به حسنًا هو ما قرره الشرع ونص عليه في اطلاقه اهـ. من غير أن يبنى ذلك على كون أل فيه للعهد فتأمله وقال الماوردي فالمراد بالحسنى أي الأسماء الحسنى ها هنا وجهان "أحدهما" ما مالت إليه القلوب من ذكره بالعفو والمغفرة والرحمة دون السخط "والثاني" أسماؤه التي يستحقها لنفسه ولفعله ومنها صفات هي طريق المعرفة به وهي تسعة القديم الأول قبل كل شيء والباقي بعد فناء كل شيء والقاهر
"إن لِلهِ تعالى تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إلا واحِدًا، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ،
ــ
الذي لا يعجزه شيء والعالم الذي لا يخفى عليه شيء والحي الذي لا يموت والواحد الذي ليس
كمثله شيء والبصير الذي لا يعزب عنه شيء والغني الذي لا يستغني عنه شيء اهـ، والحسنى هنا تأنيث الأحسن ووصف الجمع الذي لا يعقل بما وصف به الواحدة كقوله تعالى {فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] وهو فصيح ولو جاء على المطابق للجمع لكان الحسن على وزن أخر كقوله تعالى فعدة من أيام أخر لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه ويوصف بجمع المؤنثات وإن كان المفرد مذكرًا قال ابن عطية والأسماء هنا بمعنى المسميات إجماعًا من المتأولين لا يمكن غيره اهـ، ولا تحرير فيما قال لأن التسمية مصدر والمراد هنا الألفاظ الذي تطلق على الله وهي الأوصاف الدالة على تغاير الصفات لا تغاير الموصوفات كما يقال جاء زيد الفقيه الشجاع الكريم اهـ. قوله:(إِن لله الخ) أفاد أن الله علم مدلوله الذات لا باعتبار وصفما بخلاف غيره فلذا قيل في كل اسم وارد بشرطه هو من أسماء الله وأنه رئيس الأسماء لإضافتها إليه فكان هو المقدم عليها والاسم الأعظم عند أكثر العلماء وعدم سرعة الإجابة لكثير لفقد كثير من شروط الدعاء كاجتناب الشبهات فضلًا عن الحرام. قوله (مَائة إلا واحدًا) بالنصب بدل مما قبله وفي نسخة من الترمذي شرح عليها الجلال السيوطي غير واحد وقال الرافعي في أماليه إنما قال مائة غير واحد لئلا يتوهم أنه على التقريب وفيه فائدة رفع الاشتباه فقد تشتبه في الخط تسعة وتسعين بسبعة وسبعين أي بتقديم السين فيهما اهـ، وسبعة وتسعين بتقديم السين في الأولى والتاء في الثانية وعكسه أي وجميع ذلك خطأ فرفعه بذلك لعظم الاحتياج إلى رفعه إذ الأصح عند أئمتنا أن أسماء الله تعالى توقيفية فلا يجوز أن يخترع له اسم أو صفة لم يرد به توقيف وإن صح معناه قال البغوي هذا من الإلحاد في أسمائه أي المتوعد عليه في قوله تعالى وذر الذين يلحدون في أسمائه وقال غيره وإنما لم يفرض ذلك للعقل لأنه لا مدخل له فيه إذ لو خلى ونفسه لاستحال كثيرًا منها لاقتضائها أعراضًا إما كمية كالعظيم والكبير أو كيفية كالحي والقادر أو زمانًا كالقديم والباقي أو مكانًا كالعلي أو انفعالًا كالرحيم والودود قال الفخر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرازي قال أصحابنا ليس كل ما صح معناه جاز إطلاقه عليه سبحانه فإنه خالق للأشياء كلها ولا يجوز أن يقال خالق القردة والكلام والمعلم للعلوم بأسرها ولا يجوز أن يقال فيه معلم وإن ورد نحو وعلم آدم الأسماء كلها ونحو وعلمك ما لم تكن تعلم إلّا إن ورد بصيغته لا على وجه المقابلة في الكتاب أو السنة ولو بطريق الآحاد خلافًا لمن شرط تواترها أو أجمعوا ولم يكتف فورود الأصل من مصدر أو مشتق في إطلاق اسم أو وصف لقصور عقول العباد عما يليق بجلاله المعظم على جهة كونه اسمًا أو وصفًا بمعناه حتى يرد بلفظه ولا بما ورد على سبيل المقابلة نحو أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لأن المقابلة تستلزم التجوز وما أطلق بطريق التجوز لا يكون حجة في الإطلاق بطريق الحقيقة وقيل إن قوله مائة إلّا واحدًا تأكيد لما قبله أتى به لئلا يزاد في الأسماء أو ينقص.
واستشكل بأنه قد زيد على ما ذكر أسماء كثيرة في السنة، وأجيب بأن دخول الجنة وقع جزاء للشرط وهو إحصاء ذلك العدد فمفاده أن عدم النقص قيد لدخول الجنة لا أن الزيادة لا ثواب فيها
وأنه إذا وجد الدخول ثم وجدت زيادة أثيب عليها في الجنة درجات منها والظاهر أنه يحصل ذلك سواء أحصاها بما نقلنا في حديث الوليد أو غيره أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة ثم اختلف في العدد المذكور هل المراد به الحصر فيه أو أنها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة فذهب الجمهور إلى الثاني ونقل المصنف في شرح مسلم اتفاق العلماء عليه قال فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ولذا جاء في الحديث الآخر أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم قال ابن العربي وهذا قليل فيها اهـ. قال القرطبي فالجملة خبر بيان للمبتدأ المذكور في الجملة الأولى غير أن هذه الجملة هي المقصودة بعينها والجملة الأولى مقصود لها لا أن مقصودها حصر الأسماء في ذلك العدد وهذا كقول القائل لزيد مائة دينار أعدها للصدقة على غيره اهـ. قال الحرز وأجيب بجوابين آخرين "أحدهما" أن قوله من أحصاها دخل الجنة في موضع الوصف كقولك للأمير عشرة غلمان يكفونه مهماته بمعنى أن لهم زيادة قرب واشتغال بالمهمات أو أن هذا القدر من الغلمان الجملا كاف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للأمور المهمة من غير افتقار للغير، فإن قيل اسمه الأعظم خارج عن هذه الجملة فكيف يختص عما سواه بهذا الشرف وإن كان داخلًا فكيف يصح أنه مما يختص بمعرفته بعض بني آدم وأنه سبب لكرامات عظيمة لمن عرفه حتى قيل إن من جاء بعرش بلقيس إنما جاء به بالاسم الأعظم، قلت يحتمل أن يكون خارجًا ويكون زيادة شرف التسعة والتسعين وجلالتها بالنسبة لما عداه وأن يكون داخلًا مبهما لا يعرفه بعينه إلَّا نبي أو ولي مشروطًا بشروط يتوقف على حصولها الإجابة "ثانيهما" أن الأسماء منحصرة في التسعة والتسعين والرواية المشتملة على تفصيلها غير مذكورة في الصحيح ولا خالية عن الإضراب والتغيير وقد ذكر كثير من المحدثين أن في إسنادها ضعفًا وهذا اشتباه منه إذ بعضهم حمل الخبر على الحصر وكأن المصنف لم يعتبره أو لم يبلغه كذا ذكره الحنفي ولا يخفى أن الجواب الثاني غير صحيح لصحة الأسماء اللهم إلّا أن يقال الكل موجود في هذا المعدود بحسب المعنى أو من حيث الاشتمال على المعنى ولا كلام في المستأثر وأنا قد أمرنا بالدعاء بالأسماء المشهورة على الكيفية المذكورة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم اهـ، وما أشار إليه بقوله اللهم إلّا أن يقال نقله الجلال السيوطي في حواشي الترمذي ولم يعين قائله في حمله والاقتصار على المذكور في الخبر مع أنه قدم الحصر فيه واقتصر عليه ابن حجر في شرح المشكاة وقال لعله أقرب وقال أبو خلف الطبري إنما خص هذا العدد إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسًا وقيل الحكمة فيه أنها في القرآن كما في بعض طرقه، وقال آخرون الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة استأثر تعالى منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدًا فكأنه قال مائة لكن واحد منها عند الله وقال بعضهم ليس الاسم المكمل للمائة مخفيًّا بل هو الجلالة وبه جزم السهيلي فقال الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده قوله تعالى ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها والتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه يكمل المائة ونقل الفخر الرازي عن الأكثر أن الحصر فيما ذكر بعيد لا يعقل معناه والله أعلم.
ثم الأسماء من جهة دلالتها على أربعة أضرب: منها ما يدل على الذات مجردة كاسم الله تعالى على قول من يقول أنه غير مشتق لأنه يدل على الموجود الحق الموصوف بأوصاف الكمال دلالة مطلقة غير مقيدة بقيد، ومنها ما يدل على صفاته تعالى الثابتة له كالعالم والقادر والسميع والبصير وتسمى صفات المعاني، ومنها ما يدل على سلب شيء عنه، ومنها ما يدل على إضافة أمر ما له
إنَّهُ وتْرٌ يُحِب الوتْرَ هُوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلَّا هُوَ،
ــ
كالخالق والرازق وتسمى صفات الأفعال، قال القرطبي في المفهم وهذه الأقسام الأربعة لازمة منحصرة دائرة بين النفي والإثبات واختبرها تجدها كذلك اهـ. قوله:(إِنهُ وَتَرٌ يُحب الوتَرَ) بفتح الواو وكسرها الفرد ومعناه الذي لا شريك له ولا نظير وفي معنى يحب الوتر تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات جعل الصلاة خمسًا والطهارات ثلاثًا ثلاثًا وغير ذلك وجعل كثير عظيم مخلوقاته وترًا منها السموات والأرض والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك وقيل معناه منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصًا له كذا في شرح مسلم للمصنف مع يسير اختصار وقال القرطبي الظاهر أن الوتر للجنس إذ لا معهود جرى ذكره يحمل عليه فيكون معناه أنه يحب كل وتر شرعه وأمر به كالمغرب والصلوات الخمس ومعنى محبته لهذا النوع أنه أمر به ونبه عليه. قوله: (هُوَ الله الذِي لَا إِله إِلا هوَ) قال الطيبي هو مبتدأ الله خبره لا إله إلَّا هو صفته والرحمن الخ. خبر بعد خبر والجملة مستأنفة إما لبيان كمية تلك الأعداد وانها ما هي في قوله إن لله تسعة وتسعين اسمًا وذكره نظرًا إلى الخبر.
قلت أو بالنظر إلى العدد أي العدد الذي ذكرته هو الله الخ. نظير ما قيل في قوله تعالى هو الله أحد أي الذي سألتموني وصفه هو الله أحد أو لبيان كيفية الإحصاء في قوله من أحصاها دخل الجنة وأنه كيف يحصى فالضمير راجع إلى المسمى الدال عليه الله كأنه لما قيل أن لله تسعة وتسعين اسما قيل وما تلك الأسماء فأجيب هو الله فعلى هذا فالضمير للشأن والله مبتدأ والذي لا إله إلّا هو خبر والجملة خبر الأول ويجوز أن يكون الرحمن خبره والموصول مع الصلة صفة لله واختار ابن حجر في شرح المشكاة الوجه الأول وقال جملة هو الله الخ، مستأنفة لبيان تفصيل تلك الأسماء المذكورة أو لما هو المقرر أن الإجمال ثم التفصيل أوقع في النفس لشدة تلفتها إليه عند إجماله ثم زيادة تمكنه فيها لتفصيله وقول الشرح يعني الطيبي أنها مستأنفة إما لذلك أو لبيان الإحصاء في قوله من أحصاها دخل الجنة فيه نظر لأن الإحصاء مختلف في المراد به على خمسة أقوال ولم يبين أنه على أي قول منها وفي صحة تخريج جميع ما ذكره على قول منها على الضبط المشير كلامه إليه بعد وتكلف على أن الضبط إنما هو بعض قوله أي لأنه على ذلك القول انضبط وانعقد
الرحْمنُ، الرحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السلامُ،
ــ
الرد عليه فلذا كان الوجه هو التخريج الأول اهـ. ثم الاسم المعدود في هذه الجملة من أسماء الله تعالى هو الله دون هو وإله كما يدل عليه روايات أخر منها يا ألله يا رحمن الخ، والله اسم للذات الجامع للصفات الكاملات (الرحمنُ
الرحيمُ) هما اسمان بنيا للمبالغة من مصدر رحم إما بعد نقله إلى باب فعل كشرف أو تنزيله منزلة اللازم والرحمة لغة رقة قلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان على من رق له وأسماء الله تعالى وصفاته إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات فرحمة الله تعالى للعباد إما إرادة الإنعام عليهم ودفع الضرر عنهم فيكونان من صفات الذات أو نفس الإنعام والدفع فيعودان إلى صفات الأفعال والرحمن أبلغ من الرحيم لزيادة البناء وقدم الرحمن لأنه لا يطلق على غيره سبحانه وقول أهل اليمامة مخاطبًا لمسيلمة.
وأنت غوث الورى لا زلت رحمانًا
من تعنتهم في كفرهم (الملكُ) أي ذو الملك والملكوت وفي اختياره على المالك إشعار بأنه أبلغ منه ثم أنه إذا كان عبارة عن القدرة والإبداع والإماتة والإحياء كان من صفات الذات كالقادر وإذا كان عبارة عن التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة كان من صفات الأفعال كالخالق والملك هو الغني مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كل ما سواه ويحتاج إليه كل ما سواه (القُدوسُ) فعول بالضم في الأكثر ويقال بالفتح أيضًا للمبالغة من القدس أي الطهارة والنزاهة ومعناه في وصفه سبحانه المنزه عن سمات النقص وموجبات الحدوث بل المبرأ عن أن يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يحيط به عقل وهو من أسماء التنزيه (السلامُ) مصدر كالسلامة وصف به والمعنى ذو السلامة من كل آفة ونقيصة أي الذي سلم ذاته عن الحدوث والعيب عن النقص وأفعاله عن الشر المحض فإن ما تراه من الشرور مقضي لا لأنه شر بل لما تضمنه من الخير الغالب الذي يؤدي تركه إلى شر عظيم فالمقضي والمفعول بالذات هو الخير والشر داخل تحت القضاء وعلى هذا يكون من أسماء التنزيه والفرق بينه وبين القدوس أن القدوس يدل على نزاهة الشيء من بعض نقص ذاته ويقوم به إذ القدس طهارة الشيء في نفسه ولذا جاء الفعل منه قدس كشرف والسلام
المُؤْمِنُ، المُهَيمِنُ،
ــ
يدل على نزاهة عن نقص يعتريه لعروض آفة أو صدور فعل ويقرب منه ما قيل القدوس فيما لم يزل والسلام فيما لا يزال وقيل معناه ذو السلام أي منه سلامة عباده من المخاوف والمهالك فيرجع إلى القدرة فيكون من صفات الذات وقيل الذي يملك السلامة أي التخليص من المكروه وقيل ذو السلام على خواصه في الجنة قال تعالى سلام قولًا من رب رحيم فيكون مرجعه إلى الكلام القديم (المؤمِن) هو في الأصل الذي يجعل غيره آمنا ويقال للمصدق من حيث جعل المصدق أمنا من التكذيب والمخالفة وإطلاقه على الله تعالى باعتبار كل واحد من المعنيين صحيح فإنه تعالى المصدق بأن صدق رسله فيكون مرجعه إلى الكلام أو بخلق المعجزات وإظهارها عليهم فيكون من صفات الأفعال وقيل معناه الذي آمن البرية بخلق أسباب الأمان وسد أبواب المخاوف فيكون من صفات الأفعال وقيل معناه أنه يؤمن عباده الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر إما بمثل لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون أو بخلق الأمن والطمأنينة فيرجع إلى الكلام والخلق وقال ابن الجزري في شرح المصابيح المؤمن أي الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان أو يؤمنهم من عذابه فهو من الأمن اهـ. هذا كله على صفة اسم
الفاعل وقرئ بفتح الميم أي المؤمن به (المهيمِنُ) قيل معناه الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ من قولهم هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فرخه صيانة له قاله الخليل وبقولنا الرقيب المبالغ الخ، المشعر بأن في المهيمن من المبالغة باعتبار الاشتقاق والزنة ما ليس في الرقيب فيهما كالغافر والغفور اندفع ما قيل إذا كان المعنى المستفاد من المهيمن هو المستفاد من الرقيب لم يكن لذكر الثاني بعد الآخر من مزيد فضل، وقيل معناه الشاهد الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة فيرجع إلى العلم أو الذي يشهد على كل نفس بما كسبت فيرجع إلى القول، وقيل أصله مؤيمن مفيعل من الأمن أي آمن غيره من الخوف أو من الأمانة أي الأمين الصادق وعده فأبدلت الهاء من الهمزة كما يقال أرقت الماء وهرقته قال في الحرز وهو مع تكلفه وتعسفه خطأ من حيث إن التصغير لا يجوز في أسماء الله الحسنى اهـ، وقيل هو القائم على جميع خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم فيرجع إلى القدرة قال الغزالي المهيمن اسم لمن استجمع ثلاث خصال العلم
العَزِيزُ، الجبار، المتكبرُ، الخالِقُ، البارئُ،
ــ
بحال الشيء والقدرة التامة على مراعاة مصالحه والقيام عليها وهو كالشرح والتفصيل للقول الأول فإن المراقبة والمبالغة في الحفظ إنما تتم بهذه الثلاثة وإن صيغ وصفه لهذا كان من الأسماء المركبة من صفات المعنى والفعل (العزيزُ) أي الغالب الذي لا يغلب من قولهم "من عزبز" أي من غلب سلب ومرجعه إلى القدرة المتعالية عن المعارضة فمعناه مركب من وصف حقيقي ونعت تنزيهي وقيل القول الشديد من قولهم عز يعز إذا قوي واشتد ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزنَا بِثَالثٍ} [يس 14] أي أي قوينا وقيل عدم المثل فيكون من أسماء التنزيه وقيل الذي يتعذر الإحاطة بوصفه ويتعسر الوصول إليه (الجبارُ) بناء مبالغة من الجبر وهو في الأصل إصلاح الشيء بضرب من القهر ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد وتارة في القهر المجرد ثم تجوز عنه بمجوزات العلو لأن القهر مسبب عنه ولذلك قيل الجبار هو المصلح لأمور العباد والمتكفل بمصالحهم فهو إذًا من صفات الأفعال وقيل معناه حامل العباد على ما يشاء لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال فسبحان من أقام العباد فيما أراد فمرجعه إلى صفات الأفعال أيضًا وقيل معناه المتعال عن أن يناله كيد الكائدين ويؤثر قصد القاصدين فيكون مرجعه إلى التقديس والتنزيه وقيل معناه المتكبر والجبروت التكبر فيكون من صفات الذات (المتكبرُ) هو الذي يرى غيره بالإضافة إلى ذاته نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلَّا لله تعالى فإنه المنفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه ولذا لا يطلق على غيره إلَّا في معرض الذم، والتفعل وإن كان أصل وضعه للتكلف في إظهار ما لا يكون وإطلاقه كذلك ممتنع في حقه تعالى إلَّا أنه لما تضمن التكلف بالفعل مبالغة فيه والإتيان به على وجه الكمال إذ الفعل الذي يعاني ليحصل يكون حصوله عند العقلاء أولى من لا حصول له والكمال كون حصول الشيء أولى من لا حصول له أطلق اللفظ وأريد به المبالغة والكمال ونظيره شائع في كلامهم على أنه قد جاء التفعل لغير التكلف كالتعمم والتقمص وقال البيضاوي وقيل التاء في المتكبر تاء التفرد والتخصيص بالكبرياء الذي هو عظمة الله لا تاء التعاطي والتكلف أي هو المنفرد بالكبرياء لا يليق ذلك لغيره اهـ. قوله: (الخالق
البارئُ
المُصَوّرُ، الغَفارُ،
ــ
المصورُ) قيل بترادفها وهو وهم إذ الخالق من الخلق وأصله التقدير المستقيم ويستعمل بمعنى الإبداع وهو إيجاد الشيء من غير أصل كقوله تعالى خلق السموات والأرض وبمعنى التكوين كقوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} [النحل: 4 - 4] وبمعنى التصوير كقوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة: 110 - 110].
والبارئ من البرء وأصله خلوص الشيء من غيره إما على سبيل التفَصي منه ومنه برئ فلان من مرضه والمديون من دينه أو على سبيل الإنشاء ومنه برأ الله النسمة وهو البارئ لها وقيل البارئ الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الكامل وهو أيضًا مأخوذ من معنى التفصي.
والمصور مبدع صور المخلوقات ومزينها فإن الله خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره وموجده من أصل ومن غير أصل وبارئه بحسب ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله وقيل الخالق موجد العالم والبارئ موجد النسمة والمصور مظهرها، وثلاثتها من صفات الأفعال اللهم إلّا أن فسر الخالق بالمقدر فوجه الترتيب ظاهر لأنه يكون التقديم أولًا ثم الإحداث على الوجه المقدر ثانيًا ثم التسوية والتصوير ثالثًا وإن فسر بالموجد فالاسمان الآخران كالتفصيل له فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار سواء كان الموجد مادة أو صورة ذاتًا أو وصفًا ثم البارئ مهموز ويجوز إبداله ياء في الوقف (الغفارُ) في الأصل بمعنى الستار من الغفر بمعنى ستر الشيء بما يصونه ومنه المغفر ومعناه أنه يستر القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا وترك المؤاخذة بالعفو عنها في العقبى ويصون من أوزارها فهو من صفات الأفعال وقد جاء التوقيف في التنزيل بالغفار والغفور والغافر والفرق بينهما أن الغافر يدل على اتصافه بالمغفرة مطلقًا وهما يدلان عليه مع المبالغة والغفار أبلغ لما فيه من زيادة البناء ولعل المبالغة بالغفور باعتبار الكيفية وفي الغفار باعتبار الكمية وهو قياس المشدد للمبالغة في النعوت والأفعال وقال بعض الصالحين أنه تعالى غافر لأنه يزيل معصيتك من
القهارُ، الوَهابُ، الرّزّاقُ، الفَتَّاحُ، العَلِيمُ،
ــ
ديوانك وغفور لأنه ينسي الملائكة أفعالك وغفار لأنه ينسيك ذنبك حتى كأنك لم تفعله وقال آخر غافر لمن له علم اليقين وغفور لمن له عين اليقين وغفار له لمن له حق اليقين وما ذكر أولى من قول الحنفي في شرح الحصين الغفور بمعنى الغفار لأن التأسيس عند المحققين هو الطريق الأولى (القهارُ) هو الذي لا موجود إلَّا وهو مقهور تحت قدرته مسخر لقضائه عاجز في قبضته ومرجعه إلى صفة القدرة فيكون من صفات المعاني وقيل هو الذي أذل الجبابرة وقضم ظهورهم بالهلاك ونحوه وحصل مراده من خلقه طوعًا أو كرهًا فهو إذا من صفات أسماء الأفعال والقاهر الغالب أمره وقضاؤه النافذ حكمه في مخلوقاته على وفق إرادته (الوَهَّاب) كثير النعم دائم العطاء وهو من صفات الأفعال والهبة التمليك بغير عوض فكل من وهب شيئًا لصاحبه فهو واهب ولا يستحق أن يسمى وهابًا إلَّا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت نوافله والمخلوقون إنما يهبون مالًا أو نوالًا في حال دون حال ولا يملكون أن يهبوا شفاء لمريض وهدى لضال ولا عافية لذي بلاء والله سبحانه يملك ذلك كله (الرّزاقُ) أي خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها فهو من
صفات الأفعال والرزق ما يكون مقدرًا للانتفاع ثم من يكون موفقًا بأخذه على وفق الأمر فيكون حلالًا ومن لم يكن موفقًا يأخذه على خلاف الأمر فيكون حرامًا وأما القول بأن الرزق هو التملك فيبطل بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60] وقال صلى الله عليه وسلم لو اتكلتم على الله حق اتكاله لرزقكم كما يرزق الطير ووقع الإجماع على أن الله تعالى رازق الوحوش والبهائم ولا ملك للحيوان غير الإنسان (الفَتاحُ) أي الحاكم بين خلقه من الفتح بمعنى الحكم ومنه ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ومرجعه إما إلى القول القديم أي فيكون من صفات المعاني أو الأفعال المنصفة للمظلوم من الظالم وقيل هو الذي يفتح خزائن رحمته على أصناف بركته وقال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وقيل معناه مبدع النصر والفتح ومما جاء فيه الفتح بمعنى النصر قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19]، وقيل هو الذي فتح على النفوس باب توفيقه وعلى الأسرار باب تحقيقه أي فيكون من صفات الأفعال (العلِيمُ) بناء مبالغة أي العالم بكل شيء من الكلي والجزئي المعدوم والموجود
القابِضُ، الباسِطُ، الخافِضُ، الرَّافِعُ، المُعِزُّ، المُذِل، السمِيعُ، البَصِيرُ،
ــ
الممكن والمحال ما كان وما يكون ولا يكون كيف يكون لو وجد وهو والعالم والعلام من العلم وهو من صفات الذات المتفق عليها ولا يطلق عليه تعالى ما هو في معنى العالم في حق المخلوقين من العاقل والعارف والفطن لتعلق ذلك بعلم المخلوق الضروري والكسبي ولا معلوم عن ذلك وليس علمه تعالى كسبيًّا ولا ضروريًّا بل صفة ذاتية قائمة به سبحانه (القابض الباسِطُ) أي مضيق الرزق الحسين أو المعنوي على من يشاء من العباد بحكمته وموسعه عَلى من أراد برحمته كما أشار إليه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27] الآية وقوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى أن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلَّا على الغنى ولو أفقرته أفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلَّا على الفقر ولو أغنيته أفسده ذلك الحديث وقيل الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات وينشرها في الأجساد عند الحياة وقيل يقبض القلوب ويبسطها تارة بالضلال والهدى وأخرى بالخشية والرجاء ثم هما من صفات الأفعال قال بعض العلماء يجب أن يقرن بين هذين الاسمين ولا يفصل بينهما ليكون إنباء عن القدرة على الضدين أي الاتيان بكل منهما بدلا عن الآخر وأدل على الحكمة كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة: 245] فإذا قلت القابض مفردًا فكأنك قصرت الصفة على المنع والحرمان وإذا جمعت أثبت الصفتين وكذا القول في الخافض الرافع والمعز والمذل والضار والنافع والمبدئ والمعيد والمحيي والمميت والأول والآخر والظاهر والباطن (الخَافِضُ الرَافعُ) هو الذي يخفض القسي ويرفعه أو يخفض الكفار بالخزي والصغار ويعز المؤمنين بالنصر والإعزاز أو يخفض أعداءه بالإبعاد ويرفع أولياءه بالتقريب والإسعاد أو يخفض أهل الشقاء والإضلال ويرفع ذوي السعادة بالتوفيق والإرشاد وهما من صفات الأفعال (المعزُّ المذِل) الإعزاز جعل الشيء ذا كمال يصير بسببه مرفوعًا فيه قليل المثال والإذلال جعله ذا نقيصة بسببها يرغب عنه ويسقط عن درجة الاعتبار وهما من صفات الأفعال (السميعُ البصيرُ) من هما أوصاف الذات باتفاق أهل الحق صفتان زائدتان على العلم ينكشف بهما المسموع والمبصر انكشافًا تامًّا فلا
يغيب عن سمعه القديم مسموع ولا عن بصره القديم
الحَكَمُ، العَدْلُ، اللطِيفُ، الخَبِيرُ، الحَلِيمُ،
ــ
موجود يسمع السر والنجوى ويبصر ما تحت الثرى ولا يلزم من افتقار هذين النوعين من الإدراك في الحادث إلى آلة افتقارهما إليها بالنسبة إليه سبحانه لأن صفاته تعالى مخالفة لصفات المخلوقين بالذات وإن كانت تشاركها فإنما تشاركها بالعوارض وفي بعض اللوازمِ ألا ترى أن صفاتنا أعراض عارضة معرضة للآفات والنقصان وصفاته تعالى مقدسة عن ذلك (الحَكمُ) الحاكم الذي لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه ومرجعه إلى القول الفاصل بين الحق والباطل والبر والفاجر والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير وشر فهو من صفات المعاني وإما إلى الفعل الدال على ذلك كنصب الأمارات والدلائل الدالة عليه فيكون من صفات الأفعال ثم قالوا قيل للحاكم حاكم لمنعه الناس من التظالم يقال حكمت الرجل عن الفساد وأحكمته أي منعته ومنه قيل حكمة اللجام لمنعها الدابة عن التمرد والذهاب في غير جهة المقصد (العدْلُ) أي البالغ في العدل وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله مصدر نعت به للمبالغة وهو من صفات الأفعال (اللَّطيفُ) قيل معناه الملطف أي المحسن الموصل للمانع برفق كالجميل فإنه بمعنى المجمل فيكون من صفات الأفعال وقيل معناه العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لطف منها فيكون صفة ذات وقيل هو في أصله ضد الكثيف ومن خواصه أنه لا يحس به فإطلاقه عليه تعالى باعتبار أنه متعال عن أن يحس فيكون من الصفات التنزيهية وعليه قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] ثم قال: (وَهُوَ اللَّطِيفُ الخبيرُ)(الخَبيرُ) أي العليم بحقائق الأشياء وكنهها أو المخبر بما كان وما يكون فهو من صفات الذات وعلى قوله الأول فهو واللطيف يتقاربان في المعنى وإن تغايرا في المبنى ومعناهما العليم بظواهر الأمور وبواطنها وصورها وحقائقها قال تعالى: ({أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14]، (الحَليمُ) هو ذو الحلم والأناة الذي لا يحمله عصيان العصاة على استعجال عقوباتهم مع غاية الاقتدار ما قال تعالى:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] وحاصله راجع إلى التنزيه عن العجلة وقيل هو تأخير العقوبة عن
العَظِيمُ، الغَفُورُ، الشَّكُورُ، العَلِيُّ، الكَبِبرُ، الحَفِيظُ، المُغِيثُ،
ــ
العصاة فيكون صفة فعل أو إرادة تأخير العقوبة فيكون صفة ذات والفعل منه حلم كشرف أما حلم كمنع ففي المنام وحلم كحسب في فساد الأديم (العظيمُ) أي البالغ أقصى مراتب العظمة وهو الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصر وحاصله يرجع إلى التنزيه والتعالي عن إحاطة العقول لكنه ذاته (الغَفورُ) أي الكثير الغفران فيغفر الصغائر والكبائر من العصيان وسبق الفرق بينه وبين الغفار (الشكورُ) هو الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل فيرجع إلى صفة الفعل وقيل هو المثني على عباده المطيعين فيرجع إلى القول وقيل المجازي عباده على شرهم فيكون الاسم من قبيل الازدواج كما سمي جزاء السيئة سيئة (العلِي) أي البالغ في علو التربة إلى حيث لا رتبة إلّا وهي منحطة عنه وهو من الأسماء الإضافية (الْكبيرُ) معناه العالي الرتبة في الكبرياء والعظمة والكبرياء كمال الذات وذلك إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها من حيث أنه أزلي غني على الإطلاق وما سواه حادث بالذات نازل في حضيض الحاجة والافتقار وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول وعلى الوجهين فهو من أوصاف التنزيه (الحَفيظ) الحفظ صون الشيء عن الزوال والإخلال إما في الذهن وبإزائه النسيان وإما
في الخارج وبإزائه التضييع والحفيظ يصح إطلاقه عليه سبحانه بكل من الاعتبارين فإن الأشياء كلها محفوظة في علمه تعالى لا يمكن زوالها بسهو أو نسيان وعليه فهي راجعة إلى العلم وأنه تعالى يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال ما شاء ويصون المتضادات بعضها عن بعض ويحفظ على العباد أعمالهم ويحصي عليهم أقوالهم وأفعالهم وعليه فهو يرجع إلى القدرة (المغيث) من الإغاثة هذا قضية قول الشيخ المصنف الآني قوله المغيث روي بدله المقيت بالقاف والمثناة لكن الذي في الترمذي وعلق عليه الجلال السيوطي وعزاه إليه في السلاح والمشكاة والحصن أنه المقيت بالقاف فالمثناة فلعله عند غير الترمذي الذي أشار إليه الشيخ بقوله رواه الترمذي وغيره أو عند الترمذي في بعض أصوله وهذا أقرب.
قال البيضاوي في شرح المصابيح نقل الشيخ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل رحمه الله بدل المقيت المغيث بالغين والثاء وقال هكذا سماعي فيكون معناه المستغاث والمستعان أي المغيث والمعين لمن استغاث
الحَسِيبُ، الجَلِيلُ، الكَرِيمُ، الرقِيبُ، المُجِيبُ، الواسع، الحَكِيمُ،
ــ
واستعان فيكون من صفات الأفعال (الحسيبُ) الكافي في الأمور من أحسبني إذا أعطاني أو كفاني حتى قلت حسبي فعليه هو فعيل بمعنى مفعل كأليم وقيل المحاسب يحاسب الخلق يوم القيامة فعيل بمعنى مفاعل كالجليس والنديم فمرجعه بالمعنى الأول إلى الفعل وبالثاني إليه إن جعل المحاسبة عبارة عن المكافأة إلى القول إن أريد بها السؤال والمعاتبة وتعداد ما عملوا من السيئات وقيل الشريف والحسب الشرف (الجَليل) أي المنعوت بنعوت الجلال وهي الغنى والملك والتقديس والعلم والقدرة ونحوها فهو من الصفات التنزيهية والفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير اسم الكامل في الذات والجليل اسم الكامل في الصفات والعظيم اسم الكامل فيهما (الكرِيمُ) قال البيضاوي هو من صفات الذات والله تعالى لم يزل ولا يزال كريمًا ومعناه تقديسه عن النقائص والصفات المذمومة والنفيس يقال له كريم ومنه كرائم الأموال ومنه أطلق على العين أنها كريمة وقيل الكريم الدائم البقاء الجليل الذات الجميل الصفات والعرب قد تطلق الكريم على ما يدوم ومنه قوله تعالى وأعد لهم أجرًا كريمًا أي دائمًا وقيل هو من ينعم قبل السؤال ولا يحوجك إلى وسيلة ولا يبالي من أعطا وما أعطى فعليه هو من صفات الأفعال وقيل هو المتجاوز الذي لا يستقصي في العتاب وقيل هو الذي يغضب إذا رفعت الحاجة إبى غيره قيل هو الذي يستحي أن يعذب عبده وإن كان العبد لا يستحي من عصيانه (الرقيب) الحفيظ الذي يرقب الأشياء ويلاحظها فلا يعزب عنه مثقال ذرة وهو يرجع إلى العليم (المجِيبُ) هو الذي يجيب دعوة الداعي ويسعف السائل إذا التمسه ودعاه ومن خصائص لطفه وتحقيق إجابته لعبده أن يعطي قبل السؤال ويتحف بعد السؤال بجزيل النوال وهو من صفات الأفعال (الوَاسعُ) فسر بالعالم المحيط علمه بجميع المعلومات جزئياتها وكلياتها وموجودها ومعدومها هو من صفات الذات وبالجواد الذي عمت نعمه وشملت رحمته كل بر وفاجر ومؤمن وكافر فهو من صفات الأفعال وبالمتمكن مما يشاء فهو من صفات التنزيه وعن بعض العارفين الواسع الذي لا نهاية لبرهانه ولا غاية لسلطانه ولا حد لإحسانه (الحكِيمُ)
الوَدُودُ، المَجِيدُ، البَاعِثُ، الشَّهِيدُ،
ــ
ذو
الحكمة وهو عبارة عن كمال العلم وإحسان العلم والإتقان فيه وقد يستعمل بمعنى العليم والحكم وقيل هو مبالغة الحاكم فعلى الأول مركب من صفتين إحداهما من صفات الذات والأخرى من صفات الأفعال وعلى الثاني يرجع إلى القول: (الودودُ) مبالغة الود ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في الأحوال كلها وقيل المحب لأوليائه وحاصله يرجع إلى إرادة مخصوصة أي فيكون صفة ذات أو فعل مخصوص فيكون صفة فعل وقيل معناه المودود (المجِيدُ) مبالغة في الماجد من المجد وهو سعة الكرم وقال القشيري هو بمعنى العظيم الرفيع القدر فهو فعيل بمعنى مفعل وقيل معناه الجزيل العطاء فهو فعيل بمعنى فاعل اهـ، وعكس البيضاوي في شرح المصابيح فقال إذا كان معناه الرفيع القدر فهو فعيل مبالغة فاعل فيكون مجيد بمعنى ماجد وهو المتعالي في ذاته وإذا كان بمعنى كثير العطاء فهو فعيل بمعنى مفعل فإنه تعالى يمجد عباده أي يكثر الإنعام بإدرار الرزق عليهم وكلا الوصفين لائق في حقه تعالى اهـ. قال الجلال السيوطي في قوت المغتذي وكل وصف من أوصافه تعالى يحتمل معنيين أو أكثر فمن أثنى عليه بذلك الوصف فقد أتى بالمعنيين فكل من قال له تعالى مجيد فقد وصفه بأنه عظيم رفيع القدر وأنه محسن جزيل البر وفي السلاح المجيد بمعنى الماجد لكنه أبلغ وهو الشريف وأنه الجميل أفعاله الجزيل نواله فكان شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال يسمى مجدًا فكأنه يجمع معنى اسم الجليل والوهاب والكريم (الباعثُ) هو الذي يبعث من في القبور وقيل باعث الرسل إلى الأمم وقيل باعث الهمم إلى الترقي في مناجاة التوحيد وهو من صفات الأفعال (الشَّهيدُ) من الشهود وهو الحضور ومعناه العليم بظاهر الأشياء وما يمكن مشاهدتها كما أن الخبير هو العليم بباطن الأشياء وما لا يمكن الإحساس به وقيل مبالغة الشاهد والمعنى أنه تعالى يشهد على الخلق يوم القيامة وهو على الوجهين من صفات المعاني لأن مرجعه إما إلى الكلام أو إلى العلم وفي السلاح الشهيد يرجع معناه إلى العليم مع خصوص إضافة فإنه تعالى عالم الغيب والشهادة والغيب عبارة عما بطن والشهادة عبارة عما ظهر وهو الذي يشاهد فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم
الحَقُّ، الوَكيلُ، القَويُّ، المَتِينُ، الوَلِيُّ، الحَمِيدُ، المُحْصي، المُبْدِئُ، المُعِيدُ، المُحْيِي، المُمِيتُ،
ــ
وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد اهـ، وعليه فهو راجع إلى العلم (الحق) الثابت وهو من صفات الذات وقيل معناه المحق أي المظهر للحق أو الموجد للشيء حسبما تقتضيه الحكمة فيكون من صفات الأفعال (الوَكيلُ) القائم بأمر العباد وبتحصيل ما يحتاجون إليه وقيل الموكول إليه تدبير البرية (القَويّ) القادر التام القدرة الذي لا يستولي عليه عجز في حال من الأحوال وقوة المخلوق متناهية وعن بعض الأشياء قاصرة فالقوة ترجع إلى القدرة قال الشيخ سعد الدين في شرح العقائد في أوصاف المعاني الثابتة له والقوة بمعنى القدرة اص. لكن ما سلكناه من أنه أخص أولى لما فيه من التأسيس (اليتينُ) الشديد القوة الذي لا تنقطع قوته ولا تلحقه مشقة وهو راجع أيضًا إلى الوصف بشدة القوة (الوليُّ) المحب الناصر قال تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257]، أي ناصرهم وقيل متولي أمر الخلائق ومرجعه إلى صفات الأفعال (الحييدُ) هو المحمود المثني عليه الذي يستحق الحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء فهو محمود على كل حال ومرجعه إلى
الصفات التنزيهية (المحصِي) العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العادما يعده وقيل القادر الذي لا يشذ عنه شيء من المقدورات وعلى الوجهين هو من صفات المعاني لأنه على الأول يرجع إلى العلم وعلى الثاني إلى القدرة (المبْدِىُ) بالهمز وقد يبدل في الوقف المظهر للشيء من العدم إلى الوجود وهو بمعنى الخالق المنشئ الذي أنشأ الأشياء وقدر وخلق وحقق واخترعها ابتداء من غير مثال سبق (المعيدُ) من الإعادة وهي خلق الشيء بعد ما عدم وزعم أن الإعادة خلق مثله لا عينه غير صحيح بل ما عدم بعد وجود يعاد إلى ما كان قبل عليه قال بعضهم وإنما قيل فيهما اسم واحد لأن معنى الأول تم بالثاني ومرجعهما إلى صفات الأفعال (المُحْيِي) الخالق الحياة ومعطها لكل من أراد على وجه يريده وقيل هو من أحيا قلوب العارفين بأنواع عرفانه وأرواحهم بلطف المشاهدة والبيان (المُمِيتُ) مقدر الموت على من شاء من الإحياء متى شاء كيف شاء بسبب وبلا سبب وقيل هو من أمات القلوب بالغفلة
الحَيُّ، القَيُّومُ، الوَاجدُ، المَاجِدُ، الوَاحِدُ،
ــ
والنفوس باستيلاء الزلة والعقول بالشهوة ومرجعهما إلى صفات الأفعال (الحيُّ) أي ذو الحياة وهي صفة ذاتية حقيقية قائمة بذاته لأجلها صح لذاته أنه يعلم ويقدر (القَيومُ) فيعول للمبالغة كديوم وأصله قيوم بواوين قلبت الواو ياء لاجتماعها ساكنة مع الياء ثم أدغمت في الياء قبلها ومعناه القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى غيره والقائم به غيره والقائم على الأمور كلها أولها وآخرها ظاهرها وباطنها فهو على العموم في الإطلاق لا يصح إلَّا لله تعالى إذ قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره وقوام كل شيء به إذ لا يتصور لغيره وجود ودوام إلّا به فمفهومه مركب من نعوت الجلال وصفات الأفعال (الوَاجدُ) بالجيم الذي يجد كل ما يطلب ويريد ولا يفوته شيء من ذلك وقيل الغنى مأخوذ من الوجد وقيل المعنجان مترادفان خلافًا لما يوهمه كلام الطيبي ومرجعه إلى الصفة التنزيهية وقيل معناه العالم ومنه "ووجد الله عنده" وعليه فيرجع إلى صفات المعاني (المَاجِدُ) بمعنى المجيد إلَّا أن المجيد أبلغ منه (الوَاحِدُ) أي الواحد في ذاته فلا انقسام له وفي إلاهيته فلا نظير له وفي ملكه وملكه فلا شريك له ولم يذكر المصنف "الأحد" لانه لم يقع في رواية الترمذي ولا في الدعوات الكبير للبيهقي نعم وقع ذلك عند ابن ماجة وعليه فقيل هو كالواحد ولكن في الاحد زيادة تأكيد في وصف الوحدانية ويؤيد أنهما مأخوذان من الوحدة إذ أصل أحد وحد بفتحتين قلبت واوه ألفًا وقيل بينهما فرق فهو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله الاحد في وحدانيته فلا يقبل المماثلة ويشهد له الفروق اللفظية في الاستعمال من ذلك أن الواحد فاتحة العدد وتلحقه التاء بخلاف الأحد ومن ذلك أن الأحد في الأثبات إنما يذكر في وصفه سبحانه على سبيل التخصيص كما في قوله تعالى: (اللَّهُ أَحَد) ولا يقال زيد أحد بل وحيد وواحد وسر ذلك أن أحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد ونفيه يعم ونفي الواحد قد لا يعم ومن ثم صح ليس في الدار واحد بل اثنان ولا يصح ذلك في أحد قال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32]، إذ لو قيل لستن كواحد الأهم والله أعلم، والمعنوية
الصمَدُ، القَادِرُ، المُقْتَدِرُ، المَقُدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الأوَّلُ، الآخِرُ، الظَّاهِرُ، الباطِنُ،
ــ
من ذلك أن أحدًا أبلغ بناء كأنه من الصفات المشتملة التي بنيت لمعنى الثبات والوحدة يراد بها عدم التجزي تارة وعدم التثني والنظير أخرى فالواحد يكثر إطلاقه بالمعنى الأول والأحد يغلب استعماله
في المعنى الثاني ومن ثم كان الآحاد جمع واحد كأشهاد وشاهد لا جمع أحد لأنه لا جمع له وقال بعض المتكلمين في صفاته تعالى خاصة الواحد باعتبار الذات والأحد باعتبار الصفات ثم هما يرجعان إلى صفة التنزيه (الصمَدُ) هو السيد لأنه يصمد إليه في الحوائج وأصل الصمد القصد قال البخاري قال أبو وائل هو السيد الذي انتهى سودده وقيل معناه الدائم وقيل معناه بعد فناء الخلق وقيل المنزه عن الآفات وقيل الذي لا يطعم وقيل غير ذلك ومرجعه إلى صفة التنزيه (القَادِرُ المقتَدِرُ) معناهما واحد وهو ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ في البناء لزيادة البناء وسبق في باب فضل الذكر كلام في الفرق بين موقعهما ثم مرجعهما إلى الصفات الذاتية (المقَدّمُ المؤَخر) هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض إما بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها أو بالشرف والقربة كتقديم الأنبياء والصالحين من عباده على من عداهم أو بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية والصاعدات منهما على الهابطات أو بالزمان كتقديم الأطوار والقرون بعضها على بعض ومرجعها إلى صفة الإرادة لأن من شأنها التخصيص ولكون هذين المتضايفين لتوقف أحدهما على الآخر نزلا منزلة الاسم الواحد (الأَولُ الآخر) هو السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها ومعيدها الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كله ومرجعهما إلى صفة التنزيه وقيل مرجعهما إلى صفات الفعل أي الأول بإحسانه والآخر بغفرانه وقيل الأول محسن بتعريفه إذ لولا فضله بما بدا لك من إحسانه لما عرفته والآخر بإكمال لطفه كما كان أولًا بابتداء معروفه وعطفا في الآية بالواو لتباعد ما بين موقع معناهما وإن كانا يرجعان إلى حكم اسم واحد (الظَّاهرُ الباطنُ) هو الظاهر بحججه الباهرة وبراهينه النيرة الظاهرة وشواهد إعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته والباطن المحتجب عن أبصار الخليقة ولا يستولي عليه توهم الكيفية فهو الظاهر من
الوَالِي، المُتَعَالِ، البَرُّ، التَّوَّابُ، المُنْتَقِمُ،
ــ
جهة البرهان الباطن من جهة الكشف للعيان حجب ذاته عن نظر خليقته بحجب كبريائه وعظمته ومن ثم قيل هو الظاهر بالقدرة الباطن عن الفكرة وقيل الظاهر الذي ظهر فوق كل شيء بقدرته وقد يكون الظهور بمعنى العلو وبمعنى الغلبة وفي الصحيح أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وقد يكون معنى الظهور والبطون احتجابه عن أعين الناظرين وتجليه لبصائر المتفكرين وقد يكون معناهما العالم بما ظهر من الأمور المطلع على ما بطن من الغيوب فمرجعهما إلى صفات التنزيه (الوَليُّ) المباشر للحكم الذي في إصلاح المولى عليه وحياطته من كل سوء فمرجعه إلى اسميه الحكيم والعدل (المتعالِ) أي البالغ في العلو والتنزه عن كل ما لا يليق بجلال ذاته وعظمة صفاته الحد الذي لا يمكن أحدًا الوصول إليه ولا بالتصور فضلًا عن غيره فهو المرتفع في كبريائه وعظمته وعلو مجده عن كل ما يدرك أو يفهم من أوصاف خلقه إلى صفة التنزيه ثم يجوز حذف يائه كما قرئ في السبع (البرُّ) بفتح الباء أي المحسن أو خالق البر أو موصله لمن أراد بلطفه وإحسانه قيل هو اسم مطلق قال بعض المحققين المراد بالأسماء المطلقة ما تشير إلى الذات كما أن المشتقة تشير إلى الآثار والأفعال الإلهية (التوَّابُ) أي الذي يتوب على العباد ويكثر ذلك منه لهم على كثرة العصيان من التوب وهو الرجوع لأنه تعالى يرجع بالإنعام على كل مذنب بطاعته ثم يرجع إلى التزامها بقبول توبته
وحسن أوبته وقيل هو الذي ينشر لعباده أسباب التوبة فيرجع إلى صفة الكرم (المنتقِمُ) أي المؤاخذ لمن شاء بأشد سطوة وأعظم عقوبة كما أراد وبما أراد على ما أراد من نقم الشيء كرهه غاية الكراهة وهو لا يحمد من العبد إلَّا إن كان من أعداء الله وأحقهم بالانتقام نفسه فينتقم منها مهما قارفت معصية أو تركت طاعة بأن يكلفها خلاف ما جبلت عليه ويجرعها المكروه حتى تتدرب ويصير تحملها لها طبعًا لا تطبعًا فمرجعه إلى
العَفُوُّ، الرَّؤوف، مالِكُ المُلْكِ، ذُو الجَلالِ والإكْرَام، المُقْسِطُ،
ــ
صفات الفعل (العفوُّ) الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي من عفا الأثر ذهب فكأن الذنب بالعفو عنه اندرس وذهب أثره وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبيء عن الستر والعفو ينبيء عن المحو فمرجعه إلى صفة الكرم وعقبه لما قبله لأن الإنتقام سوط يسوق العبد إلى ربه والعفو زمام يقود إليه (الرَّؤُوف) ذو الرأفة شدة الرحمة فهو أبلغ من الرحيم بمرتبة ومن الراحم بمرتبتين ووقع في نسخة من الطيبي ومن الرحمن بمرتبتين فاعترضه ابن حجر الهيتمي بأنه يأتي على أن الرحيم أبلغ من الرحمن وهو قول ليس بمشهور والمشهور أن الرحمن أبلغ اهـ، وقيل الفرق بين الرأفة والرحمة أن الرأفة إحسان مبدأه شفقة المحسن والرحمة إحسان مبدأه فاقة المحسن إليه ثم الرحمة لكونها مستحيلة عليه يقال المراد بها غايتها من الإحسان والتفضل فتكون صفة فعل أو إرادته فتكون صفة ذات قال في شرح المشكاة الرأفة باطن الرحمة والرحمة من أخص أوصاف الإرادة بناء على أنها صفة ذات أي إرادة الأفعال ومن كشف الضرر ودفع السوء بنوع من اللطف والرأفة بزيادة رفق ولطف (مالِكُ المُلكِ) هو الذي ينفذ مشيئته في ملكه يجري الأمور فيه على ما يشاء لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه (ذُو الجلال والإِكْرَامِ) معنى الجلال كما دل عليه كلام القشيري في التخيير استحقاق أوصاف العلو وهي الأوصاف الثبوتية والسلبية وعليه فالإكرام المقابل له إكرام العباد بالإنعام عليهم وعلى هذا جرى الغزالي في المقصد الأسني وفسر بعضهم بالصفات السلبية لأنه يقال فيها جل عن كذا وكذا والإكرام بالثبوتية وممن جرى عليه البيضاوي قال في شرح الأسماء المسمى أماني أولي الألباب والكرماني في شرح البخاري وفسر بعضهم الجلال بالصفات الثبوتية والإكرام بالسلبية عكس ما قبله ويعبر هؤلاء عن الصفات السلبية بالنعوت فيقال صفات الجلال ونعوت الإكرام قاله ابن أبي شريف قال في الحرز والمجموع اسم واحد خلافًا لما يوهمه الحنفي ذو الجلال قريب من الجليل والجلال العظمة والإكرام التكريم والتعظيم اهـ قلت ومثله في ذلك التعبير عبارة شرح المشكاة للشيخ ابن حجر لكن لما كان هنا الإيهام مدفوعا يكون العدد محصورا والمعنى ظاهرًا لم ينظر لذلك الإيهام والله أعلم. (المُقسِطُ)
الجامِعُ، الغَنِي، المُغْنِي، المَانِعُ، الضَّار، النَّافِعُ، النورُ، الهَادِي، البَدِيعُ،
ــ
العادل الذي ينتصف للمظلومين ويذر بأس الظلمة على المستضعفين من أقسط إذا عدل وأزال الجور والقسط العدل اسم مصدر لأقسط لا مصدر لقسط لتضاد معناهما إذ قسط بمعنى جار (الجَامعُ) أي للكلمات كلها في ذاته وأوصافه وأفعاله فليس له شبه ولا مثل ولا نظير في واحد من هذه الثلاث أو الجامع للناس ليوم لا ريب فيه أو لمن شاء متى شاء إذ هو الذي يؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة متجاورة وممتزجة في الأنفس والآفاق ويجمع للحشر الأجزاء المتفرقة المتبددة ويعيد تأليفها للأبدان كما كان ثم بينها وبين أرواحها المتفرقة فيحييها ثم يجمعهم
للجزاء في موقف الحساب ليظهر المحق من المبطل (الغَني) الذي لا يحتاج إلى شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله إذ هو الواجب القديم الفرد المطلق بسائر الاعتبارات (المغني) أي الذي وفر على كل شيء ما يحتاج إليه حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وأغناه من فضله وكفاه من واسع جوده وطوله (المَانعُ) الذي يدفع أسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان (الضار النافع) مرجع هذين الوصفين واحد وهو الوصف بالقدرة التامة الشاملة فهو الذي يصدر عنه الضر والنفع فلا خير ولا شر ولا نفع ولا ضر إلا وهو صادر عنه منسوب إليه أو الوصف بالتوحيد وهو أنه لا يحدث في ملكه شيء إلا بإيجاده وحكمه وقضائه ومشيئته فمن استسلم لحكمه فاز بالنعمة العظمى ومن آثر اختيار هوى نفسه هوى إلى الداهية الدهوى والمحنة الكبرى (النُّورُ) هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره من العدم إلى الوجود ولا شك أن الظهور إذا قوبل بالعدل كان كالظهور للوجود والخفاء للعدم ولما كان البارئ تعالى موجودا بذاته مبرأ عن كلمة إمكان العدم وكان وجود سائر الأشياء فائضًا عن وجوده صح إطلاق لفظ النور المشبه به الوجود عليه تعالى (الهَادِي) أي الدال بلطف لعباده والموصل لمن شاء منهم إلى السعادة وإمداده فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي در كل مخلوف لما أراده منه في دينه ودنياه وسائر أموره هدى خاصة عباده إلى معرفة ذاته على حقائق مصنوعاته وهدى عامة خلقه إلى النظر في مخلوقاته ليستدل بها على معرفة صفاته (البَدِيعُ) المبدع وهو الذي أتى بما لم يسبق إليه وقيل
الباقي، الوَارِثُ، الرشِيدُ، الصَّبُورُ"
ــ
هو الذي لم يعهد له مثل في ذاته ولا نظير في صفاته ومرجعه بالمعنى الأول إلى صفات الأفعال وبالمعنى الثاني إلى صفات التنزيه (الباقِي) أي الدائم الوجود الذي لا يجري عليه عدم ولا فناء فلا انصرام لوجوده ولا انقطاع لبقائه قال الأستاذ أبو القاسم القشيري ما حاصله مع زيادة عليه الباقي من له صفة البقاء ولا يجوز اتصاف مخلوف بصفة الذات للحق سبحانه فلا يجوز كونه عالما لعلمه أو قادرًا بقدرته لاستحالة قيام وصف القديم بالحادث كعكسه وحفظ ذلك أصل التوحيد قال بعض من لا دين لهم إن العبد يصير باقيا ببقاء الحق عالمًا بعلمه سامعًا بسمعه وهذا خروج عن الدين وانسلاخ عن الإسلام بالكلية ولا حجة في خبر كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث إذ ليس فيهن أنه يسمع بسمعي أو يبصر ببصري وإنما فيه فبي يسمع وبي يبصر الخ، وشتان ما بينهما وما أحسن قول بعضهم الله باقٍ ببقائه والعبد بإبقائه اهـ. لاشتماله على الفرق بين البقاء والإبقاء وأن الأول مختص بالله والثاني متصل أثره بالعبد (الوَارِثُ) الباقي بعد فناء جميع المخلوقات فيرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك وهذا بالنظر العامي أما بالنظر الحقيقي فهو المالك على الإطلاق من أزل الأزل إلى أبد الأبد لم يتبدل ملكه ولا يزال كما قيل الوارث الذي يرث بلا توريث أحد الباقي الذي ليس لملكه أمد (الرَّشيدُ) الذي تنساق تدابيره إلى غاياتها على سنن السداد من غير استيشار وإرشاد وقيل المرشد فعيل بمعنى مفعل كأليم ووجيع فيكون بمعنى الهادي وقيل هو الموصوف بالعدل في حكمه والصدق في قوله فهو بمعنى اسمه العدل وقيل هو المتعال عما لا يكون واصلا إلى غاية الكمال فيرجع إلى اسمه المتعال (الصبور) الذي لا يعجل في مؤاخذه العصاة ومعاقبة المذنبين
وقيل الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه وهو أعم من الأول كذا قال السيوطي في قوت المغتذي ونظر فيه ابن حجر في شرح المشكاة وقال القولين واحد بل مآل مفهومهما أنه يعاقب بالآخرة ما لم يعف عنه والفرق بينه وبين الحليم أن المذنب لا يأمن العقوبة من صفة الصبور كما يأمنها من صفة الحليم وأتى
هذا حديث [رواه] البخاري ومسلم إلى قوله: "يحب الوتر" وما بعده حديث حسن، رواه الترمذي وغيره.
ــ
بفعول الدال على المبالغة لكثرة صبره تعالى على العصاة الذين هم أكثر من الطائعين وفي الخبر لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى والمراد من الصبر لاستحالة حقيقته بالنسبة إليه غايته من عدم المعاجلة أو استعير لمطلق التأني في الفصل.
وقد لخصنا ما ذكرنا في هذه الأسماء من سلاح المؤمن وحاشية المصابيح للبيضاوي وقوت المغتذي للسيوطي وشرح المشكاة لابن حجر ومن الحرز الثمين ولخصنا ذلك ومزجنا الأسماء ببيان معانيها تقريبًا للطالبين والله الموفق وهو نعم المعين.
قوله: (هذَا حدِيث رَوَاه البُخَاري ومسلم) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة إلَّا أبا داود كما في السلاح. قوله: (ومَا بعدَه حديثٌ حسن) أي وهو من أنواع المقبول المعمول به في جواز إطلاق الاسم عليه تعالى بناء على التوقيف لكن في شرح المشكاة لابن حجر اختلف الحفاظ في أن سرد الأسماء هل هو موقوف على الراوي أو مرفوع ورجح الأول وإن تعدادها مدرج من كلام الراوي لكن ليس لهذا الاختلاف كبير جدوى فإن الموقوف كذلك حكمه حكم المرفوع لأن مثله لا يقال رأيًا لكني لم أر من صحح واحدة من تلك الروايتين يعني رواية الترمذي وابن ماجة وقد سبق أن أسماءه تعالى توقيفية وأنه لا يجوز النطق بشيء منها إلَّا إن صح به خبر ولو من رواية الآحاد لأنه من باب العبادات المكتفي فيها بذلك خلافًا لقوم اشترطوا التواتر نظرًا منهم إلى أنها من الاعتقادات وهي لا يكتفي فيها إلّا بقاطع وإذا تقرر أنه لا بد من صحة الخبر كما هو مذهب الأشعري فأخذ العلماء بهاتين الروايتين مشكل إلّا أن يقال لما تطابق العلماء على النطق بما فيهما كان ذلك بمنزلة الإجماع على صحتهما وأنه يجوز العمل بما فيهما اهـ، وهو مصرح أنه لا بد في جواز الإطلاق من صحة الخبر لكن تعليله يكون ذلك من العبادات يقتضي الاكتفاء بالخبر الحسن فإنه يعمل به فيها فالظاهر أن المراد من الصحيح هنا في كلامه ما.
(رَوَاه الترمذِي) الخ، وقال الترمذي هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بن صالح ولا نعرفه إلَّا من حديث صفوان وهو ثقة عند أهل الحديث وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في شيء كثير من الروايات ذكر الأسماء إلَّا في هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر ولم ينفرد به صفوان بل أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضًا اهـ، وقال الزين العراقي وكذا رواه الحاكم من طريق موسى ابن أيوب وهو ثقة وثقه أبو حاتم والعجلي وابن حبان وفي رواية موسى المغيث بدل المقيت اهـ. قال الترمذي وقد روى آدام بن أبي موسى هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح قال الزين العراقي ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما كما
سقناه من الترمذي وقال ابن حبان لفظه للحسن بن سفيان وقال البيهقي ورواية الحسن بن سفيان الدافع بدل النافع اهـ. قال الحافظ ابن حجر وقع سرد الأسماء في رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجة وهذان الطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء وزيادة ونقص ووقع سرد الأسماء في رواية ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الغريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين يعني ابن الترجمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم الطريق التي أخرجه منها الترمذي بلفظه سوى هذا الحديث أخرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسماء فيه ولعله عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقه وبطوله وذكر الأسماء فيه ولم يذكرها غيره لمسلم نعم أكثرها في القرآن ومنها ما ورد فيه الفعل أو المصدر دون الاسم ومنها ما ليس في القرآن لا بنفسه ولا بورود فعله كالجميل والقديم ونحوهما اهـ. قال البيهقي وحديث ابن الحصين وإن كان لا يصلح للاستشهاد به فإن للحديث طريقًا تصلح للاستشهاد وهي طريق ابن ماجة وليس هذا بعلة فإني لا أعلم اختلافًا بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان وبشر بن شعيب وعلي بن عياش وأقرانهم من أصحاب شعيب ثم نظرنا فوجدنا الحديث قد رواه عبد العزيز بن الحصين عن أيوب السختياني وهشام بن حسان جميعًا
قوله: "المغيث" روي بدله "المقيت" بالقاف والمثناة، وروي "القريب" بدل "الرقيب"،
وروي "المبين"
ــ
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله قال الحافظ ابن حجر يشير بقوله أن الوليد أحفظ الخ. إلى أن بشرا وعليا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسامي فرواية ابن اليمان عند البخاري ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف عليهم واضطراب وتدليس واحتمال الإدراج قال البيهقي يحتمل أن يكون التعيين واقع من بعض الرواة في الطريقين معًا ولهذا وقع الاختلاف الشديد بينهما ولهذا ترك الشيخان تخريج التعيين قلت قد نقل عبد العزيز البخشي عن كثير من العلماء ذلك والله أعلم. قال بعضهم فإن كان أي سردها محفوظًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من ترك ذكره قصد الإشارة إلى أن من أحصى من أسماء الله تعالى تسعة وتسعين دخل الجنة سواء أحصاها مما نقلنا من حديث الوليد أو من حديث ابن الترجمان أو من سائر ما دل عليه الكتاب والسنة اهـ.
قوله: (المُغيث) أي بالغين المعجمة والمثلثة رواه كذلك الحاكم من طريق ابن أيوب كما سبق في كلام الزين العراقي وكذا الغريابي كما تقدم في كلام البيضاوي قال الحافظ الذي وقع في رواية الترمذي بالقاف في جميع نسخ الشيخ منها بخط الحافظ أبي علي الصديقي في نسخ القاضي عياض ورواه بالغين المعجمة أبو عبد الله بن منده في كتاب التوحيد من الوجه الذي أخرجه منه الترمذي اهـ. قوله: (المقيتُ) أي بالقاف والتحتية أي موجد الأقوات وميسرها لعباده سائر الأوقات والقوت أخص من الرزق إذ الرزق يتناوله وغيره وقيل معناه المستولي على الشيء القادر عليه والاستيلاء يتم بالعلم والقدرة ويدل عليه قوله تعالى وكان الله على كل شيء مقيتًا أي مطلعًا قادرًا. قوله: (القَرِيب) بالقاف
فالراء قيل معناه المحيط علمه بكل شيء. قوله: (الرقيبُ) أي بالراء فالقاف وقال البيضاوي فيما كتبه على المصابيح روى الشيخ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل رحمه الله بإسناد عن جعفر الغريابي عن صفوان بن صالح بدل الرقيب القريب قال الحافظ وهو كذلك في رواية ابن ماجة من طريق محمد بن سيرين. قوله: (ورويَ المُبينُ الخ) قال في
بالموحدة بدل "المتين" بالمثناة فوق، والمشهور "المتين"، ومعنى أحصاها: حفظها، هكذا فسره البخاري والأكثرون، ويؤيده أن في رواية في الصحيح"مَنْ حَفِظَها دَخَلَ الجَنةَ" وقيل: معناه: من عرف معانيها وآمن بها، وقيل: معناه من أطاقها بحسن الرعاية لها وتخلَّق بما يمكنه من العمل بمعانيها، والله أعلم.
ــ
السلاح قال الخطابي روى المبين بالموحدة أي المبين أمره في الوحدانية قال والمحفوظ هو الأول كقوله تعالى: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58] قال الحافظ أخرجه كذلك أبو نعيم في ظرف الأسماء الحسنى من الوجه الذي أخرجه منه ابن ماجة وأخرج الحافظ الحديث بسنده وفي الأسماء الثلاثة المذكورة المغيث بالمعجمة والمثلثة والمبين بالموحدة والقريب بتقديم القاف اهـ. قوله: (بالباء المُوَحدَةِ) أي والميم مع التاء مفتوحة ومع الموحدة مضمومة. قوله: (ومَعنى أَحصَاهَا حفِظَها الخ) قال الطيبي أراد بالحفظ القراءة بظهر القلب فيكون كناية عن التكرار لأن الحفظ يستلزمه فالمراد بالإحصاء تكرار لمجموعها اهـ. قال ابن حجر وفيه بعد بل ظاهر كلام البخاري والأكثرين حصول الجزاء المذكور في الخبر بمجرد حفظها وفضل الله أوسع من ذلك اهـ، ولا يعترض على ما ذكر بتفسير الحفظ في حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثًا الخ، بنقله إلى الناس وإن لم يحفظ لفظه ولا عرف معناه للفرق الواضح فإن المدار هنا على التبرك بذكرها التعبد بلفظها ولا يتم ذلك إلَّا بحفظها عن ظهر قلب والمدار ثمة على نفع المسلمين وهو لا يحصل إلَّا بالنقل بخلاف مجرد الحفظ من غير نقل فإن ذلك الحديث لا يشمله إذ المقرر أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه كذا في الفتح المبين. قوله:(ويؤَيِّدُه أَنَّ في رِوَايةٍ في الصحيح مَنْ حَفِظَها الخ) هي بهذا اللفظ رواية لمسلم وابن ماجة وفي رواية للبخاري لا يحفظها أحد إلا دخلَ الجنة أي والروايات يفسر بعضها بعضًا قال المصنف في شرح مسلم بعد نقله عن البخاري وغيره تفسير الإحصاء بالحفظ وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرًا في الرواية الأخرى من حفظها دخل الجنة وقال القرطبي واعترض عليه بما سيأتي. قوله: (وقِيلَ معناهُ منْ عَرَفَ معَانِيَهَا وآمنَ بِهَا) قال الخطابي مأخوذ من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو لب وفهم قال القرطبي ومنه سمي العقل حصاة قال كعب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بن سعد الغنوي وإن لسان المرء لم يكن له.
حصاة على عوراته لدليل ثم هذا الذي حكاه المصنف قولًا ثانيًا حكاه ابن الجوزي في غريب الحديث قولين أحدهما من عقل معناها ثانيهما من أحصاها علمًا وإيمانًا قاله الأزهري وحكى الخطابي والقرطبي الأول فقال وقيل المراد به الإحاطة بمعانيها وقيل الإحاطة بمعنى الفهم من قول العرب الخ، اهـ. ولم يحك المصنف هذا القول في شرح مسلم وقد علمت ما فيه والله أعلم قوله: (وقِيلَ معناهُ مَنْ أَطاقَها دخَل الجَنَّةَ وقيلَ معناهُ منْ أَطاقَها بحسْنِ الرعَايةِ لهَا وتَخلَّقَ بمَا يمكِنهُ منَ
العمل بمعَانيهَا) زاد في شرح مسلم وصدق بمعانيها قال الخطابي فالإحصاء بمعنى الإطاقة ومنه علم أن لن تحصوه ومنه حديث استقيموا ولن تحصوا أي لن تبلغوا كنه الاستقامة اهـ، وقال الأصيلي الإحصاء لأسمائه تعالى هو العمل بها لا عدها وحفظها فقط لأنه قد يعدها الكافر والمنافق وذلك غير نافع له قال ابن بطال ويوضحه حديث يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم فبين أن من قرأ القرآن ولم يعمل به لم ترفع قراءته إلى الله ولا تجاوز حنجرته فلا يكتب له أجرها وخاب من ثوابها فدل على أن الحفظ والإحصاء المندوب إليه هو العمل اهـ، وما ذكر من كون العمل بها أفضل مسلم لكن منعه تفسير الإحصاء بمجرد العدد أو الحفظ ممنوع فقد ورد التصريح بتعليق الدخول على الحفظ كما سبق وحمله على أن المراد به الحفظ لمعانيها والقيام به فيه بعد تام وقد قال القرطبي بعد أن ذكر أن الإحصاء في الخبر يحتمل أن يكون بمعنى العدد أو بمعنى الفهم أو بمعنى الإطاقة على العمل والمرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة لكن المرتبة الأولى هي مرتبة أصحاب اليمين والثانية للسابقين والثالثة للصديقين اهـ، وقد يدعى أن الكافر والمنافق يمنع من الإتيان بتعدادها أو حفظها بوازع إلهي وباعث نفساني أو يقال إن كون إحصائها بمعنى حفظها يترتب عليه دخول الجنة بالنسبة لأهل الإيمان وهذا يظهر من الأعمال المرتب عليها الثواب فإن ذلك لأهل الإيمان ولظهور ذلك غنى عن الإيضاح والبيان قال ابن الملقن معنى إحصائها على قول من قال به أن ما كان من أسمائه تعالى يليق بالعبد التخلق به كالرحيم والكريم والغفور والشكور فالله تعالى يحب أن يرى على عبده خلالها ويرضى له معانيها والاقتداء به فيها فهذا العمل بهذا النوع أي التخلق بالعمل بما يمكنه من معانيها