المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٣

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب الدعاء بعد التشهد الأخير

- ‌باب السلام للتحلل من الصلاة

- ‌باب ما يقول الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة

- ‌باب الأذكار بعد الصلاة

- ‌باب الحث علي ذكر االله تعالى بعد صلاة الصبح

- ‌باب ما يقال عند الصباح وعند المساء

- ‌باب يقال في صبيحة الجمعة

- ‌باب ما إذا طلعت الشمس

- ‌باب ما يقول إذا استقلت الشمس

- ‌باب ما يقول إذا استقلت الشمس إلى العصر

- ‌باب ما يقوله بعد العصر إلى غروب الشمس

- ‌باب ما يقوله إذا سمع أذان المغرب

- ‌باب ما يقوله بعد صلاة المغرب

- ‌باب ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها

- ‌باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه

- ‌باب كراهية النوم من غير ذكر الله تعالى

- ‌باب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده

- ‌باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم

- ‌باب ما يقول إذا كان يفزع في منامه

- ‌باب ما يقول إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره

- ‌باب ما يقول إذا قصت عليه رؤيا

- ‌فائدة

- ‌باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة

- ‌باب الدعاء في جميع ساعات الليل كله رجاء أن يصادف ساعة للإجابة

- ‌باب أسماء الله الحسنى

- ‌كتاب تلاوة القرآن

- ‌فصل: في الأوقات المختارة للقراءة

- ‌فصل في آداب الختم وما يتعلق به:

- ‌فصل: فيمن نام عن حزبه ووظيفته المعتادة:

- ‌فصل في الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان:

- ‌فصل: في مسائل وآداب ينبغي للقارئ الاعتناء بها

- ‌كتاب حمد الله تعالى

- ‌فصل:

- ‌‌‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب أمر من ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه والتسيم صلى الله عليه وسلم

- ‌باب صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌باب استفتاح الدعاء بالحمد لله تعالي والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعًا لهم صلى الله عليهم وسلم

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات

- ‌باب دعاء الاستخاره

الفصل: ‌باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه

الشَّيطَان حتَّى يُصْبِح، وكتَبَ الله له بها عَشْر حَسناتٍ موجِباتٍ، ومَحَا عنْه عَشْرَ سَيئَاتٍ مُوبِقاتٍ، وكانَتْ له بِعَدْلِ عَشْرِ رِقابٍ مُؤمِناتٍ".

قال الترمذي: لا نعرف لعمارة بن شبيب سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: وقد رواه النسائي في كتاب "عمل اليوم والليلة" من طريقين. أحدهما: هكذا، والثاني عن عمارة عن رجل من الأنصار. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: هذا الثاني هو الصواب.

قلت: قوله: "مسلحة" بفتح الميم وإسكان السين المهملة وفتح اللام وبالحاء المهملة: وهم الحرس.

‌باب ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها

السُّنَّة لمن أوتر بثلاث ركعات، أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] وفي الثانية: ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، وفي الثالثة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمُعَوِّذَتَيْنِ، فإن نسي

(سَبِّحِ) في الأولى، أتى بها مع {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} في الثانية، وكذا إن نسي في الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} أتى في الثالثة مع (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين.

وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وغيرهما بالإسناد الصحيح، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: "سُبْحانَ الملِكِ القُدوسِ".

وفي رواية النسائي وابن السني: "سُبْحَانَ المَلِكِ القُدوس" ثلاثَ مَراتٍ.

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره:"اللهُم إلْي أعُوذُ بِرِضَاكَ من سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِمُعَافَاتِك من عُقوبِتِكَ، وأعُوذُ بكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثناءً عَلَيْكَ أنتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ " قال الترمذي: حديث حسن.

‌باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه

قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 135

لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190، 191].

وروينا في "صحيح البخاري" رحمه الله، من رواية حذيفة، وأبي ذر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال:"باسْمِكَ اللَّهُم أحْيا وأموتُ". ورويناه في "صحيح مسلم" من رواية البراء بن عازب رضي الله عنهما.

وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولفاطمة رضي الله عنهما:"إذا أوَيتُما إلى فِراشِكُما، أو إذا أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثلاثًا وثلاثينَ، وسَبِّحا ثلاثًا وثلاثينَ، واحْمدا ثلاثًا وثلاثِينَ".

وفي رواية: "التَّسْبِيحُ أرْبَعًا وثلاثينَ".

وفي رواية: "التَّكْبِيرُ أرْبَعًا وثلاثينَ" قال عليّ: فما تركتُه منذ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ولا ليلةَ صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أوى أحَدُكُمْ إلى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بدَاخِلَةِ إزارِهِ، فإنَّهُ لَا يَدْرِي ما خَلفَهُ عَلَيهِ، ثم يَقول: باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبي وبِكَ أرْفَعُهُ، إن أمْسَكْتَ نَفْسي فارْحَمْهَا، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ".

وفي رواية: "يَنْفُضُهُ ثَلاثَ مَراتٍ".

وروينا في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات، ومسح بهما جسده.

وفي الصحيحين عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 136

كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما: ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)[الناس: 1] ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده،

ــ

ولا قائل به إذ لا فائدة فيه ولعله سهو من الكاتب الراوي لأن النفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة لتوصل بركة القرآن واسم الله تعالى بشرة القارئ والمقروء له اهـ، ويؤيد ما ذكرته إنا لو فتحنا باب تجويز السهو ممن ذكر لم نثق بمروي قط فوجب تأويله بما قدمته إذ به يحصل المقصود المذكور ويبقى اللفظ على حاله ثم رأيت الشيخ أغلظ في الرد عليه وجعل نفث بمعنى أراد على حد فإذا قرأت القرآن فاستعذ، المعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث فيهما ولعل السر في تقديم النفث على القراءة مخالفة السحرة البطلة على أن أسرار الكلام النبوي جلت عن أن يكون مشرع كل وارد وزعم أنه جاء في صحيح البخاري بالواو كذب وإنما الذي فيه الفاء اهـ، وكلام شرح المشكاة وفي الحرز مثل ما قال الشيخ ابن حجر الأظهر أن المعنى ثم شرع في النفث فقرأها حال النفث على أن الفاء لا تفيد الترتيب عند الفراء اهـ. وفي القاموس أن الفاء تأتي بمعنى الواو. قوله:{قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1] الخ) أي هذه السور الثلاث ويقال لها المعوذات بكسر الواو وتفتح تغليبًا قال الترمذي النفث يتفاوت أهله على قدر نور قلوبهم وعلمهم بهذه الكلمات فإذا فعل ذلك بجسده عند إيوائه إلى فراشه كان كمن اغتسل بأطهر ماء وأطيبه فما ظنك بما يغتسل بأنوار كلمات الله فكان كثوب نفض من غباره اهـ. قوله: (ثمَّ مَسحَ بهما الخ) أي ما استطاع مسحه فالعائد محذوف والمراد ما يصل إليه من بدنه وظاهر أن المسح فوق الثياب وقضية الحديث أنه جمع كفيه ونفث وقرأ ثم مسح ثم قرأ ثم مسح لقوله فيه يفعل ذلك ثلاث مرات رواه الترمذي وفي الشمائل وظاهرها أن السنة لا تحصل إلَّا بالثلاث وحملت على كمال السنة أما أصلها فيحصل بمرة والجسد كالجسم لكنه أخص منه إذ لا يقال إلا للحيوان الناطق العاقل وهو الإنسان والملائكة والجن كما في البارع وغيره. قوله: (يبدأُ بِهمَا الخ) هذا بيان للأفضل من المسح المستطاع فيبدأ بأعالي بدنه فيمسح بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده أي ثم ينتهي إلى ما أدبر من جسده قال في الحرز فهو كهيئة الغسل المسنون على الوجه الأصح اهـ. أي بالنسبة

ص: 137

يفعل ذلك ثلاث مرات" قال أهل اللغة: النفث: نفخ لطيف بلا ريق.

وروينا في "الصحيحين" عن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

إلى تقديم المقبل من البدن على المدبر منه وإلّا فالجانب اليمين والشمال يمسح عليهما معًا بخلافه في الغسل فيقدم اليمين والمراد غسل الميت أما غسل الحي فيغسل الجانب الأيمن المقبل والمدبر معًا ثم الأيسر كذلك والله أعلم. قوله: (يَفَعَلُ ذَلِكَ) أي ما ذكر من الجمع والنفث والقراءة والمسح وفي هذا الحديث رد على من زعم أنه لا يجوز استعمال الرقي والعوذ إلّا عند حلول المرض ونزول ما يتعوذ منه ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر واستعاذ من شر ما يحدث في ليلته مما يتوقعه وهذا من أكبر الرقى اهـ. قوله: (قَال أهْلُ اللغةِ النّفثُ الخ) قال أبو عبيد النفث بالفم شبيه بالنفخ وأما التفل فلا يكون إلّا ومعه شيء من الريق وكذا قال الجوهري قال وهو أقل من التفل وقال ابن الجزري في مفتاح الحصين التفل شبيه بالبزاق وهو أقل منه أوله البزاق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ وفي شرح

المصابيح له النفث النفخ اللطيف وفي السلاح قال الصغاني النفث أقل من التفل وقد نفث الراقي ينفث يعني بكسر الفاء وضمها وسيأتي في باب ما يقال عند الرؤيا ما له تعلق تام بهذا المقام ثم ما نقله المصنف عن أهل اللغة قال المناوي في شرح الشمائل لعله أراد بعضهم وإلّا فالخلاف محقق كما يشير إليه قول القاموس وغيره النفث الرقي والنفخ وصرح بذلك غيره ففي الأساس نفثه من فيه رقى به ونفث ريقه وفي المصباح نفثه من فيه نفثًا رقي به ونفث إذا بزق ومنهم من يقول إذا بزق ولا ريق معه نعم الذي يلوح من ظواهر الأحاديث أن المراد هنا النفخ العري عن الريق اهـ.

قوله: (وَرَوَينا في الصَّحيحَيْنِ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الدارمي وغيره أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وأبو عوانة في صحيحه وفي الجامع الصغير بعد إيراده كذلك لكن بإسقاط الباء من قوله قرأ بهما رواه أحمد وابن ماجة وفي السلاح رواه الجماعة يعني الستة. قوله: (عنْ أَبِي مسْعُودٍ الأَنْصارِي البدرِي عُقبَةَ بْنِ عَمْرو) وعمرو وهو ابن ثعلبة وهو الأنصاري الخزرجي البدري نسبة إليها لأنه سكنها ولم يشهدها وقيل شهدها ومشى عليه البخاري وذكره في البدريين

ص: 138

"الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأ بِهِما في لَيلَةٍ كَفَتَاهُ".

اختلف العلماء في معنى كفتاه فقيل: من الآفات في ليلته: وقيل: كفتاه من قيام ليلته.

قلت: ويجوز أن يراد الأمران.

ــ

والصحيح الأول شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد وقال ابن إسحاق كان أبو مسعود أحدث من شهد العقبة سنًّا وسكن الكوفة وكان من أصحاب علي واستخلفه على الكوفة لما سار إلى صفين روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل مائة حديث وحديثان اتفقا منها على أحد عشر حديثًا وانفرد البخاري بحديث واحد ومسلم بسبعة أحاديث ومات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وقيل سنة إحدى وثلاثين وقيل سنة أربعين وقيل بعد الستين وقيل في خلافة معاوية رضي الله عنه. قوله: (الآيتَانِ منْ آخر سُورَةِ البقَرةِ) أي الكائنتان من آخرها وهما من آمن الرسول إلى آخرها وقد ورد الننصيص على هذا الابتداء من وجه آخر عن أبي مسعود أخرجه العسكري في كتاب ثواب القراءة عن أبي عبيد ومن وجه آخر عن جبير بن نفير نحوه مرسلًا وزاد في آخره وصلاة ودعاء ذكره الحافظ. قوله: (منْ قَرأَ بِهمَا) الباء زائدة للتأكيد أو الاستعانة وتجويز كونها للآلة بعيد إذ قراءة الحرف التلفظ به. قوله: (فقِيلَ كفتاه من الآفاتِ الخ) في شرح المشكاة وقيل يدفع عنه الإنس والجن ويشهد له حديث الحاكم أن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة ولا يقرءان في دار فيقربها شيطان ثلاث ليالٍ. قوله: (وقِيلَ كفتَاهُ منْ قيَام لَيلَتهِ) أي حتى لا يبول الشيطان في أذنه ولا يعقد على ناصيته كما علم من الأحاديث الواردة في فضل قيام الليل وأنه متكفل بمنع هذين فكذا هاتان الآيتان متكفلتان بذلك على هذا الاحتمال الذي قد يخدش فيه إذ مثل هذا بخصوصه لا يثبت بالاحتمال. قوله: (ويَجُوزُ الأَمرَانِ) أي لأن اللفظ صالح بذلك وكذا يجوز أن يعم ما قيل أن المراد به حسبه بهما فضلًا وأجرًا وفي شرح مسلم ويجوز أن تغنياه عن قيام الليل وحزب التهجد إذا قرأهما في

الصلاة اهـ، وقيل معناه اجزأتاه عن فوائد قراءة سورة الكهف المشتملة على الآيات العشر آخرها التي من قرأها أمن من الدجال وعن قراءة آية الكرسي المتضمنة لقارئها عند النوم الأمن على داره قال ابن حجر في شرح المشكاة ويحتمل

ص: 139

وروينا في "الصحيحين"، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضأ وُضُوءَك للصلاةِ،

ــ

وهو الظاهر المناسب لنظمهما أنهما كفتاه عن تجديد الإيمان لأن من تأمل أولهما أدنى تأمل حصل له من الرسوخ في الإيمان والإتقان مقام خطير وحظ كبير وعن غاية التفويض والتسليم لأقضية الله تعالى وأوامره ونواهيه لأن من تأمل قول أولئك الكمل سمعنا وأطعنا حمله ذلك على التأسي بهم في هذا المقام العلي وعن غاية التواضع وهضم النفس باعتقاد أنها ليست على شيء لأن من تأمل قول أولئك الكمل غفرانك حمله ذلك على التأسي بهم فيه أيضًا وعن غاية ذكر الموت واستحضار البعث الحامل أولهما على تكثير العمل وتقليل الأمل وثانيها على التبري من سائر حقوق الخلق لأن من تأمل رجوعه إلى الله تعالى للحساب سارع فيما يبرئه ويخلصه من ورطة المناقشة في الحساب وعما ورد من الأدعية الكثيرة لأن الدعاء بما فيهما متكفل بخير الدارين اهـ.

قوله: (وَرَوَينَا في الصَّحِيحَيْنِ) ورواه أصحاب السنن الأربعة كما في السلاح زاد الحافظ ورواه أحمد وأبو عوانة في صحيحه. قوله: (قَال لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم) أفاد صاحب السلاح أن قوله بي إنما هو عند أبي داود ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتيت مضجعك الخ، رواه الجماعة وفي رواية أبي داود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك ثم ذكر نحوه اهـ، وكذا ذكره بحذف الظرف، قال: وفي رواية (قَال) يعني البراء "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل يا فلان إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل الخ" متفق عليه قال الطيبي وتابعه ابن حجر والقاري الرجل المبهم هو أسيد بن حضير ثم راجعت صحيح البخاري نسخة صحيحة مقابلة على نسخة الحافظ ابن حجر فوجدت فيها ذلك في بعض طرقه فثبت ما ذكره المصنف نفع الله به من ذلك في الصحيحين أي في جملتهما كما بين ذلك بقوله آخرًا هذا لفظ إحدى روايات البخاري الخ، ومنها يعلم أن تصيير ذلك الرجل المبهم في بعض الطرق أسيد بن حضير يحتاج إلى توقيف وإلّا فيحتمل أن يكون هو البراء بنفسه لما تقدم في حديث رفاعة بن رافع ابن عفراء في دعاء الاعتدال أن الراوي قد يبهم نفسه إما لإخفاء عمله أو لنحو ذلك من الأغراض. قوله:(فَتوَضَّأْ) هو أمر استحباب. قوله: (وُضُوءَكَ لِلصلاةِ) أي وضوءًا

ص: 140

ثم اضْطَجِعْ على شِقكَ الأيمَنِ

وَقُل: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيكَ،

ــ

شرعيًّا لا لغويًّا أي مطلق النظافة لأن القصد أن يكون عند النوم على أكمل الأحوال وهو الطهارة الشرعية ليكون ذكره على أكمل الأحوال وكذا نومه وإذا كان النوم كذلك حفظ فيه الإنسان من الشيطان والثقل والكسل الموجبة لقوة استيلائه عليه ودوامه معه المقتضية لتفويت مهمات أوقاته وأفاضل أعماله فيرجع الآخرة بخفي حنين ولا يظفر من الأعمال بأثر ولا عين. قوله: (ثم اضْطجِع عَلَى شِقكَ الأَيمَنِ) قال القاضي عياض.

فائدة

الاضطجاع على الشق الأيمن لئلا يستغرق في النوم لتعلق القلب الذي هو في جهة اليسار

حينئذٍ إلى جهة اليمين وقلق النفس من ذلك بخلاف قراره في النوم على اليسار ودعة النفس إلى ذلك اهـ. أي فإنه يثقل النوم حينئذٍ ويطول زمنه والنوم على اليسار وإن أهني لكنه مضر بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب المواد فيه هذا بالنسبة إليه فلا فرق في حقه بين الأيمن والأيسر لأن قلبه الشريف لا ينام إنما كان يؤثر الأيمن لأنه كان حما التيمن في شأنه وليعلم أمته قال المحقق أبو زرعة اعتدت النوم على الأيمن فصرت إذا فعلت ذلك كنت في دعة وراحة واستغرقت وإذا نمت على الشق الأيسر حصل عندي قلق وعدم استغراق في النوم فالأولى تعليل النوم على الأيمن بتشريفه وتكريمه وإيثاره على الأيسر اهـ، وحكى المناوي شارح الشمائل عن نفسه مثل ذلك والله أعلم، وأردأ النوم على الظهر بخلاف مجرد الاستلقاء عليه من غير نوم وأردأ منه النوم مبطحًا على الوجه روى ابن ماجة أنه صلى الله عليه وسلم لما مر بمن هو كذلك في المسجد ضربه برجله وقال قم واقعد فإنها نومة جهنمية. قوله:(أَسملتُ نَفسِي) أي ذاتي (إِليكَ) أي رضيت بأن تكون تحت مشيئتك تتصرف فيها بما شئت من إمساكها أو إرسالها وهذا أنسب من قول الطيبي هذا إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه اهـ. أي لأن المقام مقام للمنام وهو لا نكليف فيه حتى يذكر الأمر والنهي المحضين بمقامه ووجه. في المرقاة كلام الطيبي بأن التكاليف عند إرادة النوم أو بعد الاستيقاظ أن لا يتوهم أنه حال النوم وعلى الأول ففيه إشارة لطيفة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتوب إلى الله تعالى وقت النوم لينام مطيعًا قال في المرقاة ويؤيده أن الطيبي قال في قوله وفوضت أمري إليك فيه إشارة إلى أن الأمور الخارجة

ص: 141

وَفوَّضْتُ أمْرِي إلَيكَ، وألجَأتُ ظَهْري إلَيكَ، رَغبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ

ــ

والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها سواه اهـ، وفي رواية أسلمت وجهي إليك والمراد بالوجه فيها الذات ومنه قوله تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112]. قوله: (وفَوضْتُ أَمْرِي) أي شأني كله (إِليكَ) أي توكلت في جميع شأني عليك. قوله: (وأَلجَأتُ ظَهرِي إِليكَ) أي أسندته إلى حفظك لما علمت أنه لا مسند يتقوى به سواك ولا ينفع أحد إلَّا حماك قال الطيبي فيه إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليه وبها معاشه وعليها مدار أمره ملتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة يقال ألجأته إلى الشيء اضطررته إليه وقد يستعمل بمعنى الإسناد وهو المراد وفيه تنبيه على أنه كالمضطر في ذلك حيث لم يعلم له سند يتقوى به غير الله ولا ظهر يشد به أزره سواه وخص الظهر بالذكر لكون الاعتماد في الاستناد عليه أكثر من غيره. قوله: (رغْبةً ورهْبةً) قيل كل منهما مفعول له لألجأت وقال الطيبي منصوبان على العلة بطريق اللف والنشر أي فوضت أمري طمعًا في ثوابك وألجأت ظهري من المكاره إليك مخافة من عذابك اهـ، وتعقبه ابن حجر في شرح المشكاة بأن الأوجه في الرغبة بفوضت دون ما قبله والرهبة بالجأت فقط كالتحكم والوجه بل الصواب ما ذكرته من أن كل ما ذكر معلل بالرغبة والرهبة وفي المرقاة وما قاله الطيبي معنى صحيح بل صنعه بديع وقيل أنهما منصوبان على الحال أي راغبًا وراهبًا أو على الظرفية أي في حال الطمع والخوف واستظهرهما في المرقاة وقوله (إلَيْكَ) قال الكرماني يتعلق برغبة كقوله علفتها تبنًا وماءً باردًا اهـ، ومتعلق

الرغبة محذوف أي منك وتبعه عليه ابن الجزري وفي الحرز الأظهر أن يكونا متنازعين أي رغبة إليك وهو ظاهر ورهبة إليك يعني إني حالة الخوف لا أرجع إلَّا إليك كالتعليل له بطريق الاستئناف البياني.

فائدة

الخوف والوجل والرهبة ألفاظ متقاربة فالأول توقع العقوبة على مجاري الأنفاس واضطراب القلب من ذكر المخوف والخشية أخص منه إذ هي خوف مقرون بمعرفة ومن ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وقيل الخوف حركة والخشية سكون ألا نرى أن من يرى عدوًا له جاءه تحرك للهرب منه وهي الخوف وحالة استقراره في محل لا يصل إليه يسكن وهي الخشية وقال ابن ملك في شرح المشارق قيل الخشية تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل يكون تارة

ص: 142

لا مَلْجَأ ولا مَنْجَى مِنْك إلا إلَيكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أنْزَلْتَ،

ــ

بكثرة الجناية من العبد وتارة بمعرفة جلال الله تعالى وخشية الأنبياء من هذا القبيل والهيبة خوف مقرون بالحب قال الشاعر:

أهابك إجلالا وما بك قدرة

على ولكن ملء عين حبيبها

والخوف للعامة والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الهيبة والخشية ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم أنا أتقاكم لله وأشدكم له خشية. قوله: (لَا ملْجأَ وَلَا منْجى مِنْكَ إلا إِليكَ) قال العسقلاني ملجأ مهموز ومنجى مقصور وقد يهمز منجا للازدواج وقد يعكس أيضًا لذلك ويجوز التنوين مع القصر اهـ، والمعنى لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلَّا برحمتك وهذا معنى ما ورد أعوذ بك منك أي أعوذ بمظاهر صفات جمالك ومعالي إكرامك من غاية صفات جلالك ومهاوي انتقامك بأن يكون تفضلك عليّ بالأولين مانعًا لي مما يصدر عن الآخرين وفي الحرز الملجأ بمعني المخلص والمفر ففيه إيماء إلى قوله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى الله} [الذاريات: 50] وإلى قوله: {كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} [القيامة: 11] وقال الكرماني لا ملجا مقصور وإعرابه كإعراب عصى.

فإن قلت فهل يقرأ بالتنوين أو بغيره.

قلت في هذا التركيب خمسة أوجه لأنه مثل لا حول ولا قوة إلَّا بالله والفرق بين نصبه وفتحه بالتنوين وعدمه وعند التنوين يسقط الألف قال ولا ملجأ ولا منجى أن كانا مصدرين فيتنازعان في منك وإن كانا مكانين فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقدير لا ملجا منك إلى أحد إلّا إليك ولا منجى إلَّا إليك. قوله: (آمَنْتُ بكتَابكَ) أي صدقت بكتابك. قوله: (الذِي أَنْزلْتَ) علي وهو القرآن الكريم الحاث على التخلق بهذه الأَخلاق البهية وسائر المقامات العلية والحالات السنية ولذا قال الطييي آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم وبما ذكر يندفع اعتراض ابن حجر عليه بقوله لا تعميم فيما ذكره لأن الفعل في حين الإتيان لا تعميم فيه كالنكرة التي هي كذلك.

فإن قلت المفرد المضاف يفيد العموم فلم خصصه بالقرآن.

قلت بقرينة المقام مع أن عمومه يختلف فيه ثم الإيمان بالقرآن مستلزم للايمان بجميع الكتب المنزلة فلو حملناه على العموم لجاز أيضًا.

وهنا فائدة

وهي أن المعرف بالإضافة كالمعرف بأل يحتمل الجنس والاستغراق والعهد فلفظ

ص: 143

وَنَبِيكَ الذِي أرسلتَ. فإنْمِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تقولُ"، هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقي رواياته وروايات مسلم مقاربة لها

ــ

كتابك محتمل لجميع الكتب ولجنسها ولبعضها كالقرآن بل جميع المعارف كذلك كما يعلم من الكشاف في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} [طه: 56] وفي قوله تعالى: {إن الذين كفروا} [البقرة: 6] في أول البقرة. قوله: (ونَبيكَ) بحذف الباء الجارة وفي نسخة بإثباتها. قوله: (الَّذِي أَرْسَلتَ) إلى كافة الخلق بشيرًا ونذيرًا وسراجا منيرًا. قوله: (عَلَى الْفطرةِ) أي الإسلام كما قال في الحديث الآخر من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة قال القرطبي كذا في المنسوخ في هذا الحديث وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المتضمنة للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت على الفطرة كما يموت من قال لا إله إلّا الله وإن لم يخطر له شيء من تلك بعد فأين تلك الكلمات العظيمة والمقامات الشريفة فالجواب أن كلا منهما وإن مات على فطرة الإسلام فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الطائفة الأولى فطرة المقربين والصديقين وفطرة الثانية فطرة أصحاب اليمين اهـ. قال في السلاح وفي رواية للبخاري فانك إن من من ليلتك من على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيرًا. قوله: (واجْعلْهُن آخر مَا تَقُولُ) أي من الدعوات وفي آخر الحديث كما في السلاح قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال لا ونبيك الذي أرسلت قال المصنف في شرح مسلم اختلف العلماء في سبب إنكاره عليه ورده اللفظ فقيل إنما رده لأن قوله آمنت برسولك يحتمل غير النبي صلى الله عليه وسلم من حيث اللفظ واختار المازري وغيره أن سبب هذا الإنكار أن هذا ذكر ودعاء فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فتعين أداؤها بحروفها وهذا القول حسن ولأن قوله ونبيك الذي أرسلت من جهة صيغة الكلام وفيه جمع النبوة والرسالة فإذا قال ورسولك الذي أرسلت فات هذان الأمران مع ما فيه من تكرير لفظ رسول وأرسلت وأهل البلاغة يعيبونه وقد

ص: 144

وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام

"، وذكر الحديث، وقال في آخره:

ــ

قدمنا أنه لا يلزم من الرسالة النبوة ولا عكسه واحتج بعض بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى والجمهور على جوازها من العارفين ويجيبون عن هذا الحديث بأن المعنى هنا مختلف ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى اهـ، وعلل أيضًا بأنه كان نبيًّا قبل أن كان رسولًا وقال الطييي النبي فعيل مبني للمبالغة من النبأ بمعنى الخبر لأنه أنبأ عن الله ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه وقيل مشتق من النبوة وهي الرفعة ورد النبي صلى الله عليه وسلم على البراء حين قال ورسولك الذي أرسلت بما رد عليه ليختلف اللفظان ويجتمع الثناء بين معنى الارتفاع والإرسال ويكون تعديدًا للنعمة في الحالين وتعظيمًا للمنة على الوجهين اهـ.

قوله: (وَرَوَينَا في صَحيحِ البُخَارِي) ورواه النسائي ورواه الترمذي من حديث أبي أيوب

الأنصاري أنه كان له طعام في سهوة له فكانت الغول تجيء فتأخذه فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث وقال حسن غريب وفي بعض طرق حديث أبي أيوب قالت أرسلني وأعلمك آية من كتاب الله لا تضعها على مال أو ولد فيقربك شيطان أبدًا قلت وما هي قال لا أستطيع أن أتكلم بها آية الكرسي كذا في السلاح. قوله: (وكَّلني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ) أي فوض إلي الأمر في حفظ ذلك فالوكالة هنا بالمعنى اللغوي وهو مطلق تفويض أمر للغير وزكاة رمضان زكاة الفطر كانوا يجبونها ثم تفرق على مستحقيها وأضيفت إليه لأن إدراك جزء من آخره شرط في إيجابها ولأنها تجبر خلل الصوم وما تمنع كماله فهي بمعنى اللام وتجويز كونها بمعنى من مردود بأن شرطها كون المضاف نوعًا من المضاف إليه والزكاة مع رمضان ليست كذلك وفي الحديث أن على الإمام جمع الزكوات وإقامة من يحفظها إلى أن تصل لمستحقها. قوله: (فَجَعَلَ) أي شرع. قوله: (وفي آخرِه) أي آخر الحديث قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها إذا أويت الخ، وكان ينبغي للمصنف ذكر هذه الجملة لما فيها من الحث على قراءتها قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن ذلك النفع ما في حديث البيهقي يعني آية الكرسي حين يأخذ مضجعه آمنه الله على داره ودار جاره وأهل دويرات حوله وقولي إن هذا من جملة نفعها أولى من قول الشارح

ص: 145

"إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال معك من الله تعالى حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صَدَقَكَ وهُوَ كَذوب، ذَاك شَيطان"، أخرجه البخاري في "صحيحه" فقال: وقال عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف بن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وهذا متصل، فإني عثمان بن الهيثم أحد شيوخ البخاري الذين روى عنهم في "صحيحه"، وأما قول أبي عبد الله الحميدي في "الجمع بين الصحيحين". إن البخاري أخرجه تعليقًا، فغير مقبول؛

ــ

إن ذلك النفع المطلق مقيد بهذا لأن تقيد المطلق إنما يصار إليه في الأحكام ونحوها أما باب الثواب فلا مساغ لذلك الحمل فيه بل النفع محتمل هذا وأكثر منه فذكر هذا لا ينفي غيره اهـ. قوله: (إِذَا أَوَيتَ لِفِرَاشِكَ) أي لأجل النوم. قوله: (فإِنَّكَ لَنْ يَزال الخ) تعليل للأمر بقراءتها وفي نسخة حذف فإنك وحينئذٍ فتكون الجملة استئنافًا بيانيًّا كالتعليل لما ذكر و (حَافِظ) ملك واحد فأكثر إذ هو للجنس يحفظك في بدنك ومالك ودينك وسائر ما يتعلق بك والظاهر أن مدخوله محذوف أي من أمر الله أي بأمره لدلالة المقام عليه كما في قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أي بسبب أمره تعالى لهم بحفظه وتقدير الكلام لن يزال عليك بعد قراءتها ملك أو أكثر حافظًا لك بأمر الله تعالى له بذلك. قوله: (وَلَا يَقرَبِكَ شيطَان) هو تأكيد لما قبله فإن الملك حافظه فلا يقربه الشيطان ولا يؤذيه في دينه ولا دنياه. قوله: (صَدَقكَ) أي فيما قاله في أمر تلك الكلمات لأنه إما إبليس أو من جنده وإبليس له إحاطة بالقرآن ومنافعه وفضائله بسماعه لها من جبريل أو النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهُو كَذُوب) أي في أغلب أحواله أو بالنسبة لما طبع عليه من الشر الذي لا غاية له كترئية الحق باطلًا وعكسه وهذا على حد قد يصدق الكذوب فهو تتميم واستدراك لما أوهمه "صدقك" أنه مدح له برفعه بصيغة المبالغة المبينة لغاية ذمه وقبحه. قوله: (ذَلِكَ شَيْطَان) أي الذي يخاطبه في الليالي الثلاث شيطان وذكر في الموضعين إيذانا بتغايرهما بناء على المشهور أن النكرة إذا أعيدت بلفظها كانت

ص: 146

فإن المذهب الصحيح المختار عند العلماء، والذي عليه المحققون أن قول البخاري وغيره:"وقال فلان"، محمول على سماعه منه واتصاله إذا لم يكن مدلسًا وكان قد لقيه، وهذا من ذلك.

ــ

غير الأولى ووجه تغايرهما أن الأول للجنس لأن القصد منه نفي قربان تلك الماهية له والثاني لفرد مبهم من أفراد ذلك الجنس لأنه في مخاطب معين ثم هو يحتمل

إنه إبليس لأنه كان مع الملائكة الأولين الكثير من السنين فله خبرة بالوحي وهذا هو الظاهر ولم يعرفه إعلامًا به لئلا يوهم أنه هو الأول لما هو المشهور أيضًا أن النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى أو أنه غيره وعلم بذلك منه أو سماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في صحيحه وأخرجه تامًّا في كتاب الوكالة ومختصرًا في كتاب فضائل القرآن وفي كتاب الصيام وقال في المواضع الثلاثة وقال عثمان بن الهيثم وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طرق عن عثمان وأخرجه النسائي من وجه آخر عن عثمان وسنده قوي قال الحافظ الذي ذكره الشيخ عن الحميدي ونازعه فيه لم ينفرد به الحميدي بل تبع فيه الإسماعيلي والدارقطني والحاكم وأبا نعيم وغيرهم وهو الذي عليه عمل المتأخرين والحافظ كالضياء المقدسي وابن القطان وابن دقيق العيد والمزني وقد قال الخطيب في الكفاية لفظ قال لا يحمل على السماع إلَّا ممن عرف من عادته أنه لا يقولها إلّا في موضع السماع اهـ. قوله: (فإن المذهب الصحيح المختارَ عند العلماءِ الخ) هذا ما جزم به ابن عبد السلام قال ابن عبد البر لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحًا كان حديث بعفهم عن بعض بأي لفظًا ورد محمولًا على الاتصال حتى يتبين الانقطاع ولهذا أطلق أبو بكر الصيرفي الشافعي اهـ. نعم قال السخاوي يستثنى من كلام المصنف ومن ذكر من علم من عادته أنه لا يأتي يقال إلَّا فيما لم يسمعه أو ليس له عمل مطرد عنه وفي استثناء الثانية نظر قال السخاوي وبالجملة فالمختار الذي لا محيد عنه أن حكم ما يورده البخاري عن شيخه كذلك أي معلقًا مثل غيره من التعاليق فإنه وإن قلنا أنه يفيد الصحة لجزمه به فقد يحتمل أنه لم يسمعه

ص: 147

وإنما المعلق ما أسقط البخاري منه شيخه أو أكثر، بأن يقول في مثل هذا الحديث: وقال عوف، أو قال محمد بن سيرين، وأبو هريرة، والله أعلم.

وروينا في "سنن أبي داود" عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خذه ثم يقول: "اللهُم

ــ

من شيخه الذي علق عنه بدليل أنه علق عدة أحاديث عن شيوخه الذين لم يسمع منهم ثم أسندها في موضع آخر من كتابه بواسطة بينه وبينهم بل ربما صرح بأنه لم يسمعه من ذلك الشيخ أما قال لي ونحوها فقد وجد عنه في كثير مما يورده كذلك إيراده في مكان آخر بصيغة التحديث من ذلك الشيخ حقق ذلك شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة يعني بانفرادها إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج وليس في المتابعات والشواهد اهـ. لكن في الإرشاد للمصنف بعد نقل كلام ابن عبد البر والصيرفي السابق ومن أمثلة غيره عن وإن من الحروف قال لمالك عن نافع قال ابن عمر وكذا ذكر أو فعل أو حدث أو كان يقول أو جالس ذلك فكله محمول على الاتصال وأنه تلقاه منه بلا واسطة بينهما إذا ثبت اللقاء وانتفى التدليس وهو يقتضي أن جميع ما نقله الراوي عن شيخه بأي صيغة كانت محمول على الاتصال بشرطه المذكور فينبغي أن يقيد بكلام الحافظ المذكور وتلميذه السخاوي

العلم المشهور. قوله: (وإِنما المعلقُ) أي الذي في البخاري بدليل قوله ما أسقط البخاري شيخه الخ، وحكم تعاليق البخاري أن ما أورده منها بصيغة الجزم فمن الصحيح أو بصيغة التمريض فلا لكنه ليس بواهٍ لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح والتعليق حذف أول السند سواء كان واحدًا أو أكثر على التوالي قيل كأنه مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال واستعمله بعضهم في حذف السند كله ومنه قول المصنف هنا أو أبو هريرة.

قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وكذا رواه النسائي كذا في السلاح وابن أبي شيبة والبزار كما في الحصين قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وأشار الحافظ إلى

ص: 148

قِني عَدابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ".

ورواه الترمذي من رواية حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أيضًا من رواية البراء بن عازب ولم يذكر فيها: ثلاث مرات.

وروينا في "صحيح مسلم"، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: "اللهُم ربَّ

السموَاتِ وَرَب

ــ

اختلاف في سنده بين رواته. قوله: (قِني عَذَابكَ) ذكر ذلك مع عصمته تواضعًا لله وإجلالًا له وإعلامًا لأمته إذ يندب لهم التأسي بذلك عند النوم لاحتمال أن هذا آخر أعمارهم ليكون آخر أعمالهم ذكر الله مع الاعتراف بالتقصير. قوله: (تبعَثُ عِبَادكَ) وفي رواية تجمع عبادك والمراد بهما واحد مآلًا ولا بد من تحقيقها أي تحققهم بعد إماتتهم وتجمعهم للحساب وهو يوم القيامة. قوله: (وَرَوَاهُ أَيْضًا منْ روايَةِ البَرَاءِ) قال في السلاح ورواه الترمذي بمعناه من حديث البراء بن عازب وقال حديث حسن من هذا الوجه اهـ. قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني في كتاب الدعاء واختلف على أبي إسحاق السبيعي رواه عن البراء فأخرجه النسائي في الكبرى والطبراني هكذا عنه عن البراء وخالفهم غيرهم فادخلوا بينه وبين البراء واسطة ثم اختلفوا فأخرجه الترمذي والنسائي من رواية أخرى عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن البراء ورواه آخرون عن أبي إسحاق عن رجل عن البراء وآخرون عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء. قوله: (ولمْ يذْكر ثلاثَ) لكن في الحصين ذكر فيمن رواه ثلاث مرات الترمذي من حديث البراء ولعله من تحريف أو موجود في بعض نسخ الترمذي. قوله: (وَرَوَينَا في صَحيح مُسلم) رواه في الحصين ورواه ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن عائشة وفي ذخائر العقبى عن أبي هريرة جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا فقال لها قولي اللهم رب السموات، الحديث كما في الحرز. قوله:(اللهم رب السمواتِ) وفي

بعض روايات

ص: 149

الأرْض وَرَب العَرْشِ العَظِيم، رَبَّنا وربَّ كل شَيءٍ، فالِقَ الحَب والنوى، مُنْزِلَ التَّورَاةِ والإنجيلِ والقُرآنِ، أعُوذُ بكَ مِنْ شَر كُل ذِي شَرٍّ أنْت آخِذَ بناصِيَتِهِ؛ أنْتَ الأوَّل فَلَيسَ قَبْلكَ شَيء، وأنْت الآخِرُ فليسَ بَعْدَك شَيءٌ، وأنْتَ الظَّاهِرُ فلَيسَ فوْقَكَ شَيءٌ، وأنْتَ البَاطِنُ

ــ

مسلم السبع (والأَرْضِ) أي خالقهما أو مربي أهلهما. قوله: (العَظِيم) بالجر صفة العرش وهو أبلغ وبالنصب نعت الرب. قوله: (ربنا) هو وما بعده بالنصب كما قبلهما على النداء أو على الوصف. قوله: (ورَبَّ كُل شَيْءٍ) تعميم بعد تخصيص. قوله: (فالِقَ الحَب والنَّوى) أي يشق حب الطعام ونوى التمر للإنبات ومثله نوى غيرهما والتخصيص لفضلهما أو لكثرة وجودهما في ديار العرب. قوله: (مُنْزِلَ التَّوراةِ الخ) من الانزال ويحتمل التنزيل ولم يذكر الزبور لأنه ليس فيه أحكام إنما هو مواعظ للأنام. قوله: (من شَرِّ كلِّ ذِي شرٍّ الخ) في رواية لمسلم من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها (أَنتَ الأول) أي بلا ابتداء. قوله: (فليسَ قَبلَكَ شيء) تقرير للمعنى السابق وذلك أن قوله أنت الأول مفيد للحصر بقرينة تعريف الخبر باللام فكأنه قال أنت مختص بالأولية فليس قبلك شيء وعلى هذا. قوله: (وأَنتَ الآخِرُ) أي بلا انتهاء وقال ابن الجزري الباقي بعد فناء الخلق كله ناطقه وصامته. قوله: (وأَنتَ الظاهرُ) أي بالصفات وقال ابن الجزري أي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه. قوله: (فليسَ فوقَك شيء) أي فوق ظهورك شيء من الأشياء الظاهرة وقيل ليس فوقك شيء أي لا يقهرك شيء. قوله: (وأَنتَ الباطِنُ الخ).

قال القرطبي تضمن هذا الدعاء من أسمائه تعالى ما تضمنه قوله تعالى: ({هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ} [الحديد: 3] وقد اختلفت غبارات العلماء في ذلك وأرشق عباراتهم قول من قال الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب وقيل الأول بلا بداء والآخر بلا فناء والظاهر بالايات والباطن عن الإدراكات وقيل الأول القديم والآخر الباقي والظاهر

ص: 150

فليسَ دُونَكَ شَيء، اقْضِ عَنا الدَّيْنَ، وأغْنِنا مِنَ الفَقْرِ".

وفي رواية أبي داود: "اقْضِ عَني الدَّين، وأغنِني مِنَ الفَقْرِ".

وروينا بالإسناد الصحيح، في سنن أبي داود، والنسائي، عن عليّ رضي الله عنه،

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه: "اللهُم إني أعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وكَلِماتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ ما أنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللهُم أنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ والمأثمَ، اللَّهُم لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، ولا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ، سبْحانَكَ اللهُمَ وبِحَمْدِكَ".

وروينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود، والترمذي، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحَمْدُ لِلَهِ الّذِي أطْعَمَنا وسَقانا وكفانا وآوانا،

ــ

الغالب والباطن الخفي اللطيف الرفيق بالخلق وهذا القول يناسب الحديث وهو بمعناه. قوله: (فليسَ دونك شيء) أي لا شيء ألطف منك ولا أرفق وقال بعضهم ومع كونه يحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فليس دونه ما يحجبه عن إدراكه شيئًا من خلقه. قوله: (الدَّينَ) يحتمل أن يراد به هنا حقوق الله أو حقوق العباد كلها من جميع الأنواع. قوله: (وأَغْننا من الفقرِ) أي الاحتياج إلى الخلق أو من فقر القلب بالاستغناء عنهم وقد قيل إن هذا الدعاء لطلب الرزق وسئل أبو علي الدقاق عن الفقر والغنى أيهما أفضل فقال الأفضل عندي أن يعطى الرجل كفايته ثم يصان فيه. قوله: (وفي روايةِ أبي دَاوُدَ) قال الحافظ وكذا في رواية الترمذي وابن ماجة اهـ. وهي عند ابن أبي شيبة كما في الحرز. قوله: (في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال في السلاح واللفظ له وفي الحصين ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي أيضًا

وتقدم الكلام على هذا الحديث في باب أذكار الصباح والمساء بما يغني عن إعادته. قوله: (وَرَوَينا في صَحِيح مُسلم الخ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح والحصن زاد الحافظ وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. قوله: (وكفانَا) أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجاتنا فهو تعميم بعد تخصيص. قوله: (وآوانا) قال المصنف بالمد على الأفصح

ص: 151

فَكَمْ مِمن لا كافيَ لَه، ولا مُؤْويَ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ــ

الأشهر وحكي فيه القصر اهـ. أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المأوى نأوي إليه ونسكن فيه وقال ابن الجزري ردنا إلى مأوى لنا وهو المنزل ولم يجعلنا من المنتشرين كالبهائم اهـ. قوله: (فكم ممَّنْ لَا كَافي) بفتح الياء وما وقع في بعض النسخ بالهمز فهو سهو كما في المرقاة. قوله: (ومؤوي) بصيغة اسم الفاعل وكم له مقدر أي فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم أعداؤهم ولا يهيئ لهم مأوى بل تركهم يهيمون في البوادي ويتأذون بالحر والبرد قال الطيبي وذلك نادر فلا يناسب كم المقتضى للكثرة على أنه افتتح بقوله أطعمنا وسقانا وتعقب بأن عموم الأكل والشراب إشارة إلى شمول الرزق المتكفل به في قوله: ({وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] بخلاف المسكن والمأوى فإنه تعالى خصه بمن شاء من عباده فكثير منهم ليس له مأوى إما مطلقًا أو صالحًا لأمثاله وقوله كم يقتضي الكثرة يرد بمنع قلة ما ذكر وعلى التنزل فالكثير يصدق بثلاثة فأكثر فلا يكون متروك الكفاية والمأوى قليلًا نادرًا ثم أشار الطيبي إلى الجواب عن ذلك بأنه يمكن أن ينزل على معنى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)} [محمد: 11] فالمعنى أنا نحمد الله على أن عرفنا نعمه ووفقنا لأداء شكره فكم من منعم عليه لا يعرفون ذلك ولا يشكرون وكذلك الله تعالى مولى الخلق كلهم يعني أنه ربهم ومالكهم لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم فالفاء في فكم للتعليل قال مولانا عصام الدين الفاء في قوله فكم ممن لا كافي له من قبيل قوله تعالى: {لَا مَولى لَهُم} مع أن الله تعالى مولى كل أحد أي لا يعرفون مولى لهم فكم لم يتفرع على كفانا بل على معرفة الكافي التي تستفاد من الاعتراف وإنما حمد الله تعالى على الطعام والشراب وكفاية المهمات لأن النوم فرع الشبع والري وفراغ الخاطر عن المهمات والأمن من الشرور وأشار إلى ما ذكره الطيبي فقال أي كثير من الناس ممن أراد الله اهلاكه فلم يطعمه ولم يسقه ولم يكفه إما لأنه أعدم هذه الأمور في حقه وأما لأنه لم يقدره على الانتفاع بها حتى هلك هذا ظاهره ويحتمل أن يكون معناه فكم من أهل الجهل والكفر بالله تعالى لا يعرف أن له إلهًا يطعمه

ص: 152

وروينا بالإسناد الحسن في سنن أبي داود، عن أبي الأزهر -ويقال: أبو زهير- الأنماري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "بِسْمِ اللهِ وَضَعْتُ جَنْبِي، اللهُم اغْفِر لي ذَنْبي، وأَخسِئْ شَيطاني،

ــ

ويسقيه ويؤويه ولا يقر بذلك فصار الإله في حقه وفي اعتقاده كأنه معدوم اهـ، وقال المصنف معنى آوانا هنا رحمنا فقوله كم ممن لا مؤوي له أي لا راحم له ولا عاطف عليه.

قوله: (ورَوَينْا بالإسْنادِ الحَسنِ في سُنَنِ أَبِي دَاودَ) وكذا رواه الحاكم في مستدركه وقال فيه وثقل ميزاني واجعلني في الملأ الأعلى كذا في السلاح. قوله: (عَنْ أَبِي الأزهر الخ) في السلاح أبو الزهير النميري ويقال أبو الأزهر الأنماري ويقال التميمي قال ابن عبد البر اسمه فلان ابن شرحبيل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين أحدهما هذا والثاني في فضل آمين وقيل أن له حديثًا ثالثًا اهـ، والأنماري بفتح الهمزة وسكون النون. قوله:(باسمِ الله) متعلق بقوله وضعت. قوله: (وأَخسِ شيطاني) هكذا هو في نسخ الأذكار بوصل الهمزة وكسر السين وفي شرح المصابيح لابن الجزري يروى بوصل الهمزة وفتح السين وبهمزة ساكنة بعدها وبقطع الهمزة وكسر السين من غير همز أي اطرده يقال خسأ الكلب قاصرًا ومتعديًا اهـ، وتعقبه في الحرز بأنه لا بد من وجود الهمز على كل تقدير نعم قد تبدل الهمزة الساكنة من جنس حركة ما قبلها فتخفف بالحذف وهو غير مخصوص باللغة الثانية اهـ، وسكت عن روايته واخسأ بفتح الهمزة وآخره بهمزة ساكنة أي أبعده من

ص: 153

وفُكَّ رِهاني، واجْعَلْني في النَّديِّ الأعلى". الندي: بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء.

وروينا عن الإمام أبي سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي رحمه الله في تفسير هذا الحديث قال:

ــ

خسأ الكلب بنفسه ومنه قوله تعالى: {اخسئوْا فِيها} [المؤمنون: 108] قال التوربشتي والمراد اجعله مطرودًا عني مردودًا عن إغوائي قال الطيبي أضافه إلى نفسه لأنه أراد بالشيطان قرينه من الجن أو من قصد إغواءه من شياطين الإنس والجن. قوله: (وفُكَّ رِهاني) بضم الفاء وتشديد الكاف المفتوحة ويجوز ضمها وكسرها والرهان جمع رهن ومصدر راهنه وهو ما يوضع وثيقة في الدين أراد به النفس لأنها مرهونة بعملها قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] فقوله فك أمر مخاطب من الفك وهو التخلص وفك الرهن تخليصه من يد المرتهن والمعنى خلص رقبتي من حقوق الآدميين ومن حقك يا رب ومن الذنوب بالعفو أو خلصها من ثقل التكاليف بالتوفيق للإتيان بها. قوله: (في الندِي الأَعْلى) نقل المصنف عن الخطابي وإن ضبطه أن المراد الملأ الأعلى من الملائكة ويؤيده أنه روى الحاكم في مستدركه في الملأ الأعلى بدل الندي الأعلى ويحتمل أن يراد بالمقام الأعلى الدرجة الرفيعة ومقام الوسيلة الذي قال صلى الله عليه وسلم أنه لا يكون إلَّا لعبد وأرجو أن يكون أنا هو قال التوربشتي ويروى في النداء الأعلى وهو الأكثر والنداء مصدر ناديته ومعناه أن ينادى به للتنويه والرفعة ويحتمل أن يريد نداء أهل الجنة وهم الأعلون رتبة ومكانًا على أهل النار كما جاء ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا قال الشيخ ابن حجر في شرح المشكاة الندي القوم مطلقًا أو الذين هم أهل الندى أي الكرم ويطلق على المجلس الذي يجتمع فيه القوم للسمر ولا يسمى بعد تفرقهم نديا وعبر بقي لأنها أبلغ من من ونظيره وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين أي اجعلني مندرجًا في جملتهم مغمورًا في بركتهم بخلال اجعلني منهم فإنه يصدق بأن يكون من جملة عددهم وإن لم يكن منهم اهـ. قيل ما ذكره إنما يصح على القول بأن المراد بالندي القوم كما هنا أما إذا أريد به المجلس فيتعين وجود

ص: 154

النديُّ: القوم المجتمعون في مجلس، ومثله النادي، وجمعه: أندية. قال: يريد بالنديّ الأعلى: الملأ الأعلى من الملائكة.

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، ثم نَمْ على خاتِمَتها

ــ

في ولعل إيراد في ليقبل الاحتمالين ونوقش في دعوى الأبلغية بالمنع لأنه إذا صار

واحدًا منهم فصدق عليه أنه مندرج فيهم بل الأبلغ في تحصيل المقصود أن يقال منهم لأنه قد يكون الشخص فيهم وإن لم يكن منهم إلَّا أن المبالغة في التواضع بقي أكثر مما في التواضع بمن ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم واحشرني في زمرة المساكين إذ فيه من أنواع التواضع ما لا يخفى والتحقيق أن جعل متعد بنفسه لمفعولين فإيراد في لتضمين الجعل معنى الإيقاع كما في قوله: يجرح في عراقيبها نصلي. أو بتضمينه معنى الإدخال كما مثل ابن حجر بقوله نظير أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وبه يندفع قول صاحب المرقاة وبهذا أي أنه على تضمين جعل معنى أوقع يبطل قوله ونظيره قوله وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين إذ ليس مثله لفظًا ولا معنى وفي الحرز يعمل المرام في المقام أن هذا دعاء بمنزلة الحكم الذي رتب على الوصف المناسب فإنه لما جعل النوم والاستراحة يستعين بها على طاعته والتجنب عن معاصيه طلب أن يعينه تعالى على طلبه من فك الرهبان وخذلان من ذنوبه من الشيطان والنفس الأمارة ثم طلب ما هو المعنى الأسنى والمقام الزلفى والندي الأعلى والزيادة الحسنى اهـ. قوله: (النديِ القَوْمُ المُجتَمِعُونَ) قيل أصله المجلس ويقال للقوم أيضًا وقال الطيبي الندي يطلق على المجلس إذا كان فيه القوم فإذا تفرقوا لم يكن نديا ويطلق على القوم اهـ.

قوله: (في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال في الحصين ورواه النسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث نوفل ورواه الطبراني من حديث جبلة بن حارثة أخي زيد بن حارثة وله صحبة قال في السلاح وليس لنوفل في الكتب الستة غير هذا الحديث وذكره ابن الأثير في أسد الغابة وقال يكنى أبا فروة ثم ذكر حديث الباب وذكر أنه مضطرب الإسناد وكذا

ص: 155

فإنها بَرَاءٌ من الشرك".

وفي مسند أبي يعلى الموصلي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أدُلُّكُمْ على كلمةٍ تُنْجيكُمْ مِنَ الإشْراكِ بالله عز وجل، تقرؤونَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} عند منامكم".

وروينا في سنن أبي داود والترمذي،

ــ

قال ابن عبد البر حديثه في {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] مضطرب الإسناد وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأخرجه ابن حبان في صحيحه وفي سنده الاختلاف كثير على أبي إسحاق السبيعي فلذا اقتصرت على تحسينه اهـ. قوله: (فإِنها بَرَاءَة مِنَ الشرْكِ) أي توجب لقارئها الأمن والنجاة من الإشراك بالله تعالى لما اشتملت عليه من سلب الألوهية عما سوى الله تعالى وإثباتها له دون غيره مع التزام ذلك والدوام عليه المستفاد من "ولي دين" إنه قد برئ من، من اعتقاد شريك لله تعالى في ذاته أو صفته أو فعله لأنه تنزه عن كل سمة من سمات النقص بل من السمات التي فيها أدنى شائبة من الشوائب التي لم تصل إلى أعلى غاياته.

قوله: (وفي مُسْنِدِ أَبِي يَعْلَى المَوصلِيِّ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق أبي نعيم في الحلية حديث غريب وجبارة أي بضم الجيم وبالموحدة متروك اتهمه ابن معين وقال ابن نمير كان لا يتعمد وشيخ جبارة في هذا الحديث الحجاج بن تميم الجزري قال فيه النسائي ليس بثقة قال الحافظ لكن يشهد للمتن حديث نوفل الذي قبله اهـ. قوله: (كلِمَةٍ تُنْجيكُمْ) إسناد مجازي إذ قراءتها تسبب الإنجاء من ذلك بمقتضى الوعد الذي لا يخلف الذي أعرب عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينافي حديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله.

قوله: (وَرَوَينْا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ والترمِذِيّ) ورواه النسائي أيضًا كما في الحصين والسلاح وزاد قال الترمذي واللفظ له حديث حسن غريب وقال النسائي قال معاوية يعني ابن صالح إن بعض أهل العلم كانوا يجعلون المسبحات ستًّا سورة الحديد والحشر والحواريين وسورة الجمعة والتغابن و ({سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]، وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ووقع في رواية

ص: 156

عن عرباض بن سارية رضي الله عنه، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبِّحات قبل أن يرقد". قال الترمذي: حديث حسن.

وروينا عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ (بني إسرائيل) و (الزمر)،

ــ

أحمد وأبي داود أفضل بدل خير واختلف في وصل الحديث وإرساله فوصله من ذكر وأخرجه النسائي من وجه آخر عن خالد بن معدان فلم يذكر العرباض ورواته أثبت من الذي قبله اهـ. قوله: (عَنْ عِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ) عرباض بكسر العين وإسكان الراء المهملة والباء الموحدة وسارية بتحتية بعد الراء وهو غير سارية الذي ناداه عمر وهو يخطب على المنبر ذاك سارية بن رتيم بن عبد الله الكناني وسارية والد عرباض هو السلمي يكنى أبا نجيح كان من أهل الصفة وهو أحد المجابين نزل بالشام وسكن حمص قال محمد بن عوف كل واحد من عمرو بن عبسة وعرباض بن سارية يقول أنا رابع الإسلام لا يدري أيهما أسلم قبل صاحبه وكان عتبة بن عبد يقول عرباض خير مني روى عنه أبو أمامة الباهلي وأبو رهم أحزاب بن أسيد السماعي ويقال السمعي الطهري قاله النمري وابنته أم حبيبة بنت العرباض وغيرهم روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. قوله: (المُسَبِّحاتِ) بكسر الباء أي افتتحت بالتسبيح من سبحان أو يسبح أو سبح أو سبح كذا في الحرز وفيه زيادة سبحان على ما تقدم في البيان. قوله: (قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ) أي ينام زاد في الحديث يقول إن فيهن آية خير من ألف آية وفي رواية ويقول بالواو وهي واضحة أما على رواية حذفها فهو استئناف لبيان الحامل على قراءة تلك السور قبل أن ينام وقوله أن فيهن آية الخ، أبهمها إبهام ساعة الإجابة في يوم الجمعة وليلة القدر في عشر رمضان محافظة على قراءة الكل كما حوفظ بذينك على إحياء جميع يوم الجمعة والعشر الآخر وعن الحافظ ابن كثير تلك الآية يقال {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ} إلى {عليمٌ} [الحديد: 3]، فإن كان قاله توقيفًا وهو الظن به فواضح أو اجتهادًا فلا لأنه لا دخل للاجتهاد في مثل هذا وفي الحرز الظاهر أن في كل

منها آية وإلا لاقتصر على ما هي فيها اهـ. ولك منعه بأنه لا عموم في لفظ الحديث وبقولنا محافظة على قراءة الكل يدفع قوله وإلا لاقتصر على ما هي فيها. قوله: (وَرَوَينْا عَنْ عائِشَةَ) قال الحافظ بعد تخريجه من

ص: 157

قال الترمذي: حديث حسن.

وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضجعه: "الحَمْدُ للهِ الذي كفَاني

ــ

طريق الترمذي حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة والحاكم قال الترمذي حسن وقال ابن خزيمة لا أعرف أبا لبابة أي الراوي عن عائشة بعدالة ولا جرح قال الحافظ نقل الترمذي عن البخاري قال أبو لبابة سمع من عائشة وذكره ابن حبان في الثقات واتفق الرواة عن حماد بن زيد أي الراوي عن أبي لبابة علي بني إسرائيل والزمر وانفرد الحسن بن عمر بن شقيق أحد الرواة عن حماد بذكر تنزيل السجدة ويحتمل أن يكون قصد قوله تعالى في آخر بني إسرائيل ونزلناه تنزيلًا فتتفق الروايتان وقد جاء في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ (الم تَنزيِلُ) السجدة (تَبَارَكَ) كل ليلة أخرجه الترمذي والنسائي وأغفله الشيخ هنا. قوله: (قال الترمذِي الخ) وكذا رواه النسائي والحاكم عن عائشة. قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح اهـ) قال في السلاح ورواه النسائي وأبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما ورواه الحاكم في المستدرك وحديث أنس وقال صحيح الإسناد وقال الحافظ بعد تخريجه الحديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وأبو عوانة في صحيحه وفي الحكم بصحته نظر وإسناد الحديث عند أبي داود علي بن مسلم عن عبد الصمد حدثنا أبي هو عبد الوارث بن سعيد حدثنا حسين يعني المعلم عن عبد الله بن بريدة حدثني ابن عمر ووجه النظر أن أبا معمر عبد الله بن عمرو روى الحديث عن عبد الوارث بهذا السند فأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق عن يعقوب بن إسحاق عن أبي معمر فوقع في روايته حدثني ابن عمران فقيل له قد كنت حدثت به فقلت ابن عمر فقال هذا خطأ وأنكر ذلك وقال اجعل ابن عمران وأبو معمر من شيوخ البخاري وهذا الكلام يتوقف معه في وصلة الحديث فإن ابن عمران لا صحبة له اهـ. قوله: (أخَذَ مَضجَعَهُ) قال في المرقاة أي من الليل كما في نسخة. قوله: (كَفانِي) أي جميع المهمات

ص: 158

وآوَاني وأطْعَمَني وسَقاني، والذي مَنَّ علي فافْضَل، والذِي أعْطَاني فأجْزَل، الحَمْدُ للهِ عَلى كل حالٍ اللهُم رَب كل شَيءٍ ومَلِيكَهُ، وإلهَ كل شَيءٍ أعُوذ بِكَ مِنَ النَّارِ".

ــ

التي احتاج إليها. قوله: (وآوانِي) بالمد أي جعل إلى مسكنًا يدفع عني الحر والبرد ويسترني عن الأعداء ويجوز فيه القصر كما تقدم قال في الحرز ولعله أولى هنا لمشاكلة المبنى مع اتحاد المعنى. قوله: (مَن) بتشديد النون أي أنعم علي نعما واسعة. قوله: (فأَفْضل) أي زاد وأكثر وأحسن والفاء فيه لترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل فالإعطاء الأحسن أحسن وكونه جزيلًا أحسن وهكذا الممنون. قوله: (فأجْزَلَ) أي أكثر أو فأعظم من النعمة والجزيل العظيم وقال الطيبي أي أنعم فزاد وقدم المن لأنه غير مسبوق بعمل العبد فهو أكمل بخلاف الإعطاء فإنه قد يكون مسبوقًا به. قوله: (والحمدُ لله عَلَى كُل حالٍ) وزاد في بعض الروايات "وأعوذ بالله من حال أهل النار" وفيه إشارة إلى

أن سائر الحالات من المنح والمحن والعطايا والبلايا مما يجب عليها لأنها إما دافعة للسيئات وإما رافعة للدرجات ولذا قيل ما من محنة إلّا في طبها منحة بخلاف أحوال أهل النار فإنهم في حال المعصية في الدنيا وفي حال العقوبة في العقبى من هناك شكر بل هناك صبر على حكمه وأمره ورضاء بقضاء الله وقدره والله تعالى إلى محمود بذاته على كل حال وبصفاته في كل فعال وفصل هذه الجملة بخلاف ما قبلها لأن تلك في حمده في مقابل النعم فاقتضى عطف بعضها على بعض وهذا حمد لا في مقابل نعم ولا غيرها فكان بينه وبين ما قبله تمام الانقطاع فتعين ترك العاطف. قوله: (ربّ كل شَيءٍ) أي خالقه ومربيه ومصلحه (ومَليكَهُ) أي ملكه ومالكه. قوله (وإله كل شَيءٍ) أي معبوده سواء علم أو لم يعلم ومقصوده بلسان حاله أو لسان قاله طوعًا أو كرهًا وأتى بهذه الأوصاف الثلاثة توطئة لمسئوله لمناسبتها له من حيث إن عمر تربيته وفخامة ملكه وألوهيته يقتضي كل منهما محو التقصير وجبر الكسر المقتضي للإبعاد من عذاب السعير. قوله: (أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ) أي مما يقرب إليها من علم أو

ص: 159

وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قال حِينَ يأوي إلى فِراشِهِ: أستَغْفِر الله الذي لَا إلهَ إلَّا هُوَ الحَي القَيُّومُ وَأتُوبُ إلَيهِ ثَلاثَ مراتٍ غَفَرَ اللهُ تعالى لهُ ذُنُوبَهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبدِ البَحْرِ، وإنْ كانت عَدَدَ النجومِ، وإنْ كانتْ عَددَ رمْلِ عالِجٍ، وإنْ كانتْ عَدَد أيّام الدنْيا".

وروينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح، عن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من أصحابه" فقال: يا رسول الله لدغتُ الليلةَ فلم أنم حتى أصبحت، قال:"ماذا؟ " قال: عقرب، قال:"أما إنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيتَ: أعُوذُ بِكلماتِ الله التاماتِ مِنْ شَر ما خَلَقَ لَمْ يضُرَّك شيء إن شاءَ اللهُ تعالى".

وروينا أيضًا في سنن أبي داود وغيره، من رواية أبي هريرة، وقد تقدم روايتنا له عن "صحيح مسلم" في باب: ما يقال عند الصباح والمساء.

ــ

عمل أو حال يوجب العذاب ويقتضي الحجاب.

قوله: (وَرَوَينْا في كِتَاب التِّرمذِي الخ) وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد وقال الحافظ حديث غريب والوصافي بفتح الواو وتشديد المهملة وبعد الألف فاء وشيخه ضعيفان لكن رواه غيره عن عطية أي الراوي عن أبي سعيد بنحوه. قوله: (الحَيَّ القيومَ) بنصبهما على المدح أو على أنهما صفتان لله بعد صفة أو بدل من الموصول وفي نسخة برفعهما على البدل من هو أو على المدح أو على أنهما خبر مبتدأ محذوف. قوله: (غَفرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ) المكفرة بصالح العمل ومنه الأذكار صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى كما سبق مرارًا. قوله: (عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ) في مرآة الزمان عالج موضع بالشام رمله كثير وقيل بين الشحر وحضرموت اهـ، وفي القرى للطبري عالج موضع بالبادية كثير الرمل قاله الجوهري وقال غيره عالج ما تراكم من الرمل ودخل بعضه على بعض وجمعه عوالج اهـ. قوله: (وَرَوَينْا في سُننِ أَبِي

دَاوُدَ) وتقدم الكلام على هذا الحديث في باب أذكار المساء والصباح

ص: 160

وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقرأ سورة الحشر وقال:"إنْ مِتَّ مِتَّ شَهِيدًا، أو قال: مِن أهْلِ الجَنَّةِ".

وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أنه أمر رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقول: اللهُم أنْتَ خَلَقْتَ نَفْسِي وأنْتَ تَتوَفَّاها،

ــ

ويؤخذ من ذكر المصنف هذا الخبر وبعض ما تقدم من أدعية المساء في هذا الباب أن بعض أدعية المساء يطلب عند النوم أيضًا والله أعلم.

قوله: (وَرَوَينْا في كِتَابِ ابْنِ السُّني عَنْ أَنس الخ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب وسنده ضعيف جدًّا من أجل يزيد أي ابن أبان الراوي للحديث عن أنس اهـ. قوله: (أَوصى رَجْالًا أَنْ يَقْرَأَ سُورةَ الحَشْرِ الخ) سبق في أذكار المساء والصباح حديث الترمذي عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم فقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه وإن مات ذلك اليوم مات شهيدًا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة وهو شاهد لحديث الباب بل حديث الباب أولى لأنه إذا حصل الفضل العظيم بقراءة أواخرها فقراءة جملتها أجدر وأحق. قوله: (مَاتَ شَهيدًا) أي مماثلًا للشهيد في نوع من أنواع ثوابه المختصة به لا في جميعها. قوله: (أَوْ منْ أَهلِ الجَنةِ) شك من الراوي ويصح أن يكون للتنويع فمنهم من يكون سببًا لدخوله الجنة أي مع الناجين ومنهم من يكون سببًا لزيادة تقريبه وإيصاله إلى منازل الشهداء و {

الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 73]. قوله: (وَرَوَينْا في صَحِيح مُسلمٍ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح وأخرجه أبو يعلى كما أشار إليه الحافظ قال وليس لعبد بن حارث وهو أبو الوليد البصري نسيب ابن سيرين عن ابن عمر في الصحيح إلَّا هذا الحديث الواحد وله شاهد في بعضه عن أبي هريرة وقد ذكره الحافظ في تخريج حديث ابن عمر السابق أوائل الباب. قوله: (خَلَقْتَ نَفْسي) أي أوجدتها من العدم وأبدعتها على غير مثال سبق. ووقع في الحصين توفاها بحذف إحدى التاءين قال ابن الجزري في مفتاح الحصين وحسن الحذف ها هنا لئلا يجتمع ثلاث تاءات اهـ. أي أن حسن الحذف هنا لما ذكر وإلا فحذف إحدى التاءين مستحسن كثير وقوعه في فصيح الكلام. قوله: (وأَنتَ تَتوفَّاها) قال

ص: 161

لكَ ممَاتُها ومَحيَاها، إنْ أحْيَيْتَهَا فاحْفَظْها، وإنْ أمَتَّها فاغْفِر لهَا، اللهُم إني أسألُك العَافِيَة" قال ابن عمر: سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قدمناه في باب: ما يقول عند الصباح والمساء، في قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:"اللَّهُمَّ فَاطِرَ السماوَاتِ والأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، رَبَّ كُل شَيءٍ ومَلِيكَهُ أشْهدُ أن لا إلهَ إلا أنْتَ أعوذُ بكَ من شرِّ نَفْسي وشرِّ الشَّيطانِ وشِرْكِهِ، قُلْها إذا أَصْبَحْتَ وإذا أمسيتَ وإذا اضْطَجَعْتَ".

وروينا في كتاب الترمذي، وابن السني، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مُسْلِمٍ يأوي إلى فِرَاشِه

ــ

تعالى: ({اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]. قوله: (لكَ مَماتُها ومَحْياها) أي موتها وحياتها ملكان لك لا يملك غيرك شيئًا من ذلك قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)} [الفرقان: 3]. قوله: (أَحْيَيْتَها فاحْفَظْها) أي من البليات ومما يوجب العذاب أو يقتضي الحجاب. قوله: (فاغْفِرْ لهَا) سائر المخالفات والتقصيرات. قوله: (اللهم إِنِي أَسأَلُكَ العَافيةَ) تعميم بعد تخصيص أي أسألك العافية في اليقظة والمنام وفي الحياة

من سائر الآلالم وجميع المؤذيات والأسقام وفي الآخرة من حلول دار الانتقام والبعد عن رضا الملك السلام. قوله: (سَمِعْتُهُ منْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) قال ذلك لما قال له رجل سمعت ذلك من عمر فقال من خير من عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند المنام ويحتمل أنه أمر عبد الله أن يقوله إذا أخذ مضجعه لينام. قوله: (حَدِيثَ أَبِي هُريْرةَ الخ) سبق الكلام عليه في ذلك الباب. قوله: (وَرَوَينْا في كتاب الترمذِي وابْنِ السني) في الحصين رواه أحمد بلفظ ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلَّا بعث الله له ملكًا يحفظه من كل شيطان يؤذيه حتى يهب من نومه متى هب وقال الحافظ قول الشيخ إسناده ضعيف قلت أقوى من حديث أنس الماضي قبل قليل فإن تابعيه لم يسم وتابعي حديث أنس شديد الضعف فكان التنبيه عليه أولى

ص: 162

فيَقرأ سورةً من كتاب الله تعالى حِينَ يأخذُ مَضْجَعهُ إلا وَكَّلَ الله عز وجل بِهِ مَلَكًا لا يَدَعُ شَيئًا يَقْرَبُهُ يُؤْذِيهِ يَهُبُّ متى هبَّ" إسناده ضعيف، ومعنى هب: انتبه وقام.

وروينا في كتاب ابن السني، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرَّجُلَ إذا أوى إلى فراشِهِ

ــ

ثم قال بعد تخريج الحديث من طريق الإمام أحمد والطبراني في الدعاء نحوه وأخرج من طريق الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف ثم قال حديث حسن أخرجه الترمذي والطبراني ثم ذكر لأصل الحديث طريقًا وقال بعد إيرادها هذه طرق يقوي بعضها بعضًا يمتنع معها إطلاق القول بضعف الحديث وإنما صححه ابن حبان والحاكم لأن طريقهما عدم التفرقة بين الصحيح والحسن اهـ. قوله: (فَيقْرأُ سُورَةً) قال ميرك في حاشية الحصين كذا وقع بلفظ الفعل المضارع في الترمذي وجامع الأصول لكن في نسخ المشكاة بلفظ بقراءة قال الطيبي قوله بقراءة حال أي مفتتحًا بفراءة سورة وقيل أي متلبسًا بها. قوله: (من كِتَاب الله) أي القرآن الحميد والفرقان المجيد. قوله: (إِلَّا وكَّلَ الله بهِ ملَكًا) أي أمره بأن يحرسه من المضار وهو استثناء مفرغ. قوله: (يَقْرَبُهُ) هو بفتح الراء. قوله: (يَهُبَّ) هو بفتح الياء وضم الهاء أي يستيقط متى استيقظ بعد طول الزمان أو قربه من النوم ثم هو في الأذكار متى وفي أصل مصحح من كتاب ابن السني متى يهب بلفظ المضارع. قوله: (وَرَوَينا في كتَابِ ابْنِ السّني الخ) رواه من جملة حديث تتمته فإذا استيقظ قال الملك افتتح بخير وقال الشيطان افتتح بشر فإن قال الحمد لله الذي رد علي نفسي ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من

أحد من بعده أنه كان حليمًا غفورًا الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلَّا باذنه أن الله بالناس لرؤوف رحيم فإن وقع من سريره فمات دخل الجنة رواه كذلك النسائي واللفظ له والحاكم في المستدرك وأبو حبان وأبو يعلى وقال هو على شرط مسلم وزاد في آخره الحمد لله الذي يحيي ويميت

ص: 163

ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وشَيطانٌ، فقال المَلَكُ: اللهُم اخْتِمْ بِخَيرٍ، فقال الشَّيطانُ: اخْتِم بِشَرٍّ، فإن ذَكَرَ الله تعالى ثم نامَ، باتَ المَلَكُ يَكْلَؤهُ".

وروينا فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا اضطجع للنوم: "اللهُم باسْمِكَ رَبي وضَعتُ جَنْبي فاغفِرْ لي ذَنْبِي".

ــ

وهو على كل شيء قدير وقال ابن السني رواه حديثًا مستقلًا فاقتصر الشيخ نفع الله به على عزوه إليه والله أعلم، ونازع الحافظ فيما قال الحاكم من أنه على شرط مسلم بأن مسلمًا لا يخرج لأبي الزبير الأصرح فيه بالسماع عن جابر أو كان له فيه متابع وهذا لم أره من حديث أبي الزبير عن جابر إلَّا بالعنعنة ثم قال وعجبت للشيخ في اقتصاره على عزوه لابن السني وهو في هذه الكتب المشهورة اهـ. قوله:(ابْتدَرَ) أي تسارع إليه. قوله: (فَيقُول المَلكُ) أي لكونه راعيًا للخير الذي جبله عليه (اخِتمْ) أي عملك (بخَيرٍ) ولذاكره الكلام بعد صلاة العشاء إلَّا في خير لتكون الصلاة خاتمة عمله فيكون ذلك سببًا لبلوغ أمله. قوله: (يكلؤُهُ) بفتح اللام وضم الهمزة قال ابن الجزري هو بهمزة مضمومة أي يحفظه ويحرسه اهـ، ومنه قوله من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ومفهوم الحديث أنه أن لم يذكر الله تعالى لم يبت الملك يكلؤه بل بات الشيطان ينتظر أعوانه ويوسوس له عند انتباهه قلت ويشوش عليه في منامه بالمرائي المزعجة والأحوال المقلقة كما سيأتي والحلم من الشيطان. قوله:(وَرَوَينْا فيهِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو الخ) أخرجه الحافظ من طريق الطبراني وقال أنه حديث حسن اهـ. قوله: (باسْمك رَبّي وَضَعْتَ جَنْبي) الظرف متعلق بوضعت وسبق أن الاسم إن أريد به المسمى فالباء للاستعانة وإن أريد به اللفظ فللمصاحبة ووجه تفريع سؤال الغفران أما على الأول فظاهر أي إذا كان بك

ص: 164

وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أوى إلى فِراشِهِ طاهِرًا،

ــ

المستعان في كل شأن فاغفر لنا ما وقع من التقصير والعصيان وأما على الثاني فببركة اسمك الكريم يحصل الكمال ويزول النقص بحال ومنه الذنب فاغفره يا رب وفي نسخة من الأذكار "باسمك رب وضعت" وهو كذلك في أصل مصحح من كتاب ابن السني وهو منادى مضاف بحذف حرف النداء. قوله: (وَرَويَنْا فيهِ عَنْ أَبِي أمامةَ).

قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه ابن السني من طريق إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن مكي وشهر بن حوشب فيه مقال وقد اختلف عليه في سنده فأخرجه النسائي في الكبرى عنه عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ فأحسن الوضوء ذهب الإثم من سمعه وبصره ويديه ورجليه فقال أبو ظبية وأنا سمعت عمرو بن عبسة يحدث بهذا وسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بات طاهرًا على ذكر الله لم يتعار

ساعة من الليل يسأل الله فيها شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلَّا آتاه إياه فعرف بهذا أن حديث شهر عن أبي أمامة إنما هو في الوضوء وأما حديثه في الذكر عند النوم فإنما هو عن أبي ظبية بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتية وقيل إنه بالمهملة وتقديم الموحدة على التحتية وجزم الإمام بأنه تصحيف وأخرج النسائي أيضًا من طريق الأعمش مثل ذلك وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من طريق حماد بن زيد عن شهر بن حوشب عن أبي ظبية عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يبيت وهو على ذكر الله تعالى طاهرًا فيتعار من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلَّا أعطاء الله إياه قال حماد قال ثابت البناني قدم علينا أبو ظبية فحدث بهذا الحديث قال الحافظ هو حديث حسن قال ولعل أبا ظبية حمله عن معاذ وعن عمرو بن عبسة فإنه تابعي كبير شهد خطبة عمر بالجابية وسكن حمص ولا يعرف اسمه وانعقد على توثيقه اهـ. قوله: (طاهرًا) أي من المحدثين كما هو الأكمل المنصرف إليه المطلق وأما حديث فليتوضأ وضوءه للصلاة السابق فقيل هو بيان للطهارة

ص: 165

وذَكَرَ اللهَ عز وجل حتى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ لَمْ يَنقَلِبْ ساعةً مِنَ اللَّيلِ يَسألُ الله عز وجل فِيها خَيرًا مِنْ خَيْرِ الدنْيا والآخِرَةِ، إلا أعطاهُ إياهُ".

وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: "اللهُم أمْتِعني بِسمعي وبَصري، واجْعَلْهُما الوَارِثَ مِني،

ــ

وإيماء إلى أنه أقل أنواعها فيكفي المجنب أن يتوضأ وينام أو يتيمم عند فقد الماء حسًّا أو شرعًا والظاهر أن ما في هذا الحديث إنما يحصل بالطهر من المحدثين بالوضوء إن كان ذا حدث أصغر فقط أو بالغسل أو التيمم عند تعذره حسًّا أو شرعًا إن كان ذا حدث أكبر لأن الحاصل بالوضوء للجنب إنما هو تخفيف الحدث لا رفعه ثم رأيت القرطبي أشار لذلك في المفهم وعبارته ويتأكد الأمر في حق الجنب غير أن الشرع قد جعل وضوء الجنب عند النوم بدلًا من غسله تخفيفًا عنه وإلا فذلك الأصل يقتضي ألا ينام حتى يغتسل اهـ. قوله (وَذَكَرَ الله) أي بلسانه أو جنانه وإن ضمهما فنور على نور. قوله: (النعاسُ) تقدم في الفصول أول الكتاب أنه أوائل النوم وعلامته سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه والظاهر أن المراد به هنا النوم. قوله: (يَسْأَلُ الله عز وجل فيهَا خيْرًا الخ) ففيه الإشارة إلى أن النوم على الطهارة من أسباب إجابة الدعاء كلما انقلب في ليلته. قوله: (وَرَوَينا فيهِ عَن عائِشَةَ الخ) قال الحافظ وقع لنا هذا المقدار من الحديث عن جماعة من الصحابة غير مقيد بالنوم منه عن جابر عند البزار ومنها عن عبد الله بن الشخير عنده عند الطبراني ومنها عن كل عند الحاكم بسند رواته ثقات وهو حديث حسن صححه الحاكم وفيه نظر لانقطاع في سنده وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي وغيره وعن ابن عمر عند الترمذي أيضًا والله أعلم. قوله: (أمْتِعني بسَمعي وبَصَري) أي لأصرف السمع فيما خلق له من نحو سماع قرآن وذكر أو علوم ومعارف أو حكم ومواعظ والبصر وهو الجوهر اللطيف الذي ركبه الله تعالى حاسة النظر يدرك المبصرات فيما خلق له من مشاهدة بدائع المصنوعات وعجائب المخترعات الدال على كمال القدرة وجلال الذات وعلم مما ذكر وجه تخصيص هذين بالذكر دون بقية

ص: 166

وانْصُرني على عَدُوِّي وأرني مِنْهُ ثأري، اللهُم إني أعُوذُ بِكَ من غَلَبَةِ الدَّينِ وَمِنَ الجُوعِ فإنهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ".

قال العلماء: معنى اجعلهما الوارث مني: أي: أبقهِما صحيحين سليمين إلى أن أموتَ، وقيل: المراد: بقاؤهما وقوتهما عند الكِبَر وضعف الأعضاء

ــ

الحواس وحاصله توقف ما يؤدي للإيمان عليهما دون غيرهما لأن

الدلائل إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرًا من سلك في وعلى سمعهم وأبصارهم غشاوة أشار إليه الطيبي. قوله: (وأنصرني عَلَى عدُوي) أي من عاداني فيك بأن تظفرني عليه بالقهر والحجة البالغة حتى يندفع شره عن العوام، ويرجع عن بدعته وضلالته كذا قيل ولو عمم عدو ليشمل من عادى في الدين أو في الدنيا كما يدل عليه إضافته المقتضية للعموم حيث لا عهد لم يبعد خصوصًا يقر به أن الدعاء كلما عم تم. قوله:(ثأري) هو في الأصل الغضب والحقد من الثوران يقال ثار أي هاج غضبه وأريد به هنا ما يتولد عن الغضب من الجناية على الغير والمؤاخذة بها أي أرني ما استحق من قصاص وهو أخذه بجناية من العدو نفسه ليكون أبلغ في ظهور النصر. قوله: (ومنَ الجُوع) هو ما ينال الحيوان من ألم خلو المعدة المؤدي تارة إلى المرض وأخرى إلى الموت. قوله: (فإِنه بَئْسَ الضجيع) أي المضاجع شبه في ملازمته للجائع مع إضراره له بمضاجع يريد نحو هلاكه بجامع أن هذا فيه منع صحة البدن بتحليل مواده المحمودة الناشئة عن الأغذية الصالحة والدماغ بإثارته الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة وذلك يؤدي للتعطل عن العبادة الظاهرة والباطنة قال أبو عبيد وقوله فإنه بئس الضجيج يدل على أن الجوع من أشد ما ابتلي به العبد وبئس كلمة تجمع كل مذموم قال تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] أي ابتلاها بشر ما خبرت من عقاب الجوع والخوف اهـ. قوله: (وقوَّتهُما) بالرفع عطف على بقاء لا على الضمير المضاف إليه لأن العطف على الضمير المجرور يلزم فيه إعادة الجار على الصحيح.

ص: 167

وباقي الحواس: أي اجعلهما وارثَيْ قوة باقي الأعضاء والباقِيَيْن بعدها، وقيل: المراد بالسمع: وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر: الاعتبار بما يرى. وروي: "واجعله الوارث مني" فرد الهاء إلى الإمتاع فوحَّده.

ــ

قوله: (وبَاقي الحواس) بالجر عطفًا على الأعضاء. وقوله (فردّه إلى الإمتاع) الأنسب بعبارة الحديث إلى التمتع قال ابن حجر في شرح المشكاة بعد أن ذكر فالتمتع مفعول أول والوارث مفعول ثاني ومناصلته ابن حجر في شرح المشكاة في ذكر الكلام على قوله متعني بسمعي وبصري ما ذكرته فيه برمته ثم قال هنا واجعله أي ما متعتنا به مما ذكر الوارث منا أي اجعل تمتعنا الوارث منا أي بأن تبقي تمتعنا به إلى الموت وعليه فهذه الجملة للإطناب والتأكيد لأن المقام يناسبه ويصح أن يكون للتأسيس لأن الأول فيه طلب التمتع حيًّا مدة الحياة والثاني فيه طلب ذلك وتحتم القضاء به بحيث لا يتغير ولا يتبدل كما أشار إليه قوله الوارث فإنه لازم للمورث لا يتخلف عنه قال ثم رأيت شارحًا حكى ذلك فقال قيل الضمير للتمتع الذي دل عليه متعني ومعناه اجعل تمتعنا بهما باقيًا مأثورًا فيمن بعدنا أي محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة فالضمير المفعول الأول والوارث مفعوله الثاني ومناصلته قيل لما سبق من الإسماع والإبصار بالإفراد والتذكير على تأويله بالمذكور والمعنى بوراثتهما لزومهما له عند موته لزوم الوارث له اهـ، وبه يعلم أنه لا يتعين كونه على الإفراد راجعًا إلى الامتاع فحسب كما توهمه عبارة الشيخ نفع الله به وجوز بعضهم كون الضمير عليه

راجعًا للمصدر أي اجعل الجعل المذكور الوارث منا فالجعل مفعول مطلق وعنا كما قال تعالى حكاية

عن زكريا {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5 - 6] والوارث مفعول

أول ومنا مفعول ثانٍ على معنى واجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة واعترضه ابن حجر بأن فيه من القلاقة وخفاء المراد وعدم المناسب بالمقام ما لا يخفى قال في الحرز والأظهر أن الضمير يعود إلى التمتع المدلول عليه بقوله

ص: 168

وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها أيضًا قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ صحبته ينام حتى فارق الدنيا حتى يتعوَّذ من الجبن والكسل والسامة والبخل وسوء الكبر وسوء المنظر في الأهل والمال وعذاب القبر ومن الشيطان وشركه".

ــ

ومتعنا الخ. نظير اعدلوا هو أقرب للتقوى قال الحافظ بعدما تقدم عنه من الصحابة الذين روي عنهم الحديث غير مقيد ما لفظه والاستعاذة من الدين تقدمت في حديث مضى في باب ما يقال عند الصباح والمساء والاستعاذة من الجوع جاء في حديث أبي هريرة قال كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فانها بئست البطانة حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه الطبراني في الدعاء من طريق أخرى وأخرجه الحاكم من عدة طرق عن أبي هريرة وصححه اهـ.

قوله: (وَرَوَينْا فيهِ عَنْ عائِشَة) قال الحافظ أخرجه ابن السني من رواية السدي عن إسماعيل السبيعي عن مسروق عنها والسدي ضعيف وقد جاء هذا الحديث متفرقًا فتقدم أوله من حديث أنس وأما الاستعاذة من سوء المنظر في الأهل والمال فسيأتي في أدب المسافر وأما الاستعاذة من عذاب القبر ففي أذكار التشهد من طرق وأما الاستعاذة من الشيطان وشركه ففي حديث لعبد الله بن عمرو عند أحمد وغيره اهـ. قوله: (والسآمة) هي الملل والضجر وسبق في أذكار المساء والصباح الكلام على الجبن والكسل والبخل وحكمة الاستعاذة منها ولعل حكمة الاستعاذة من السآمة أنها سبب لانقطاع العبد عن باب مولاه سيما أن أطاع ملله وغسله وهواه وقد ورد في الحديث أن الله لا يمل حتى تملوا فتنقطعوا عن ساحة عبوديته. قوله: (وسُوءِ الْكِبَرِ) بكسر الكاف وسكون الموحدة أي شؤم الكبر وبلائه من العذاب الأليم والبعد عن الخير العميم أو بكسر ففتح أي ما يحصل في الكبر من الخرف والضعف والفتور عن القيام بالمطلوب من الإنسان من أداء العبودية وسبق في الباب المذكور لهذا مزيد. قوله: (وشِرْكِهِ) يحتمل أن يكون بكسر الشين المعجمة وسكون الراء المهملة أي تسويله وإغوائه إلى الإشراك بالله سبحانه وأن يكون بفتحهما أي حبائله ومصايده وتقدم زيادة

ص: 169

وروينا فيه عن عائشة أيضًا أنها كانت إذا أرادت النوم تقول: اللهُم إني أسألكَ رُؤيا صَالحةً صادِقَةً غَيرَ كاذِبَةٍ، نافِعةً غَيرَ ضارّةٍ. وكانت إذا قالت هذا قد عرفوا أنها غير متكلمة بشيء حتى تصبح أو تستيقظ من الليل.

وروى الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: ما كنت أرى أحدًا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر

ــ

بيان لهذا.

قوله: (وَرَوَينَا فيهِ عَنْ عائِشةَ الخ) قال الحافظ أخرجه ابن السني من طريقين عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب الزهري عن عروة وهو موقوف صحيح الإسناد اهـ. قوله: (صالِحَةً) أي باعتبار ذاتها أو باعتبار تأويلها. قوله: (صادِقةً) أي لا تكون من أضغاث الاحلام و. قوله: (غيْر كَاذِبَةٍ) صفة بيان

لقوله صادقة. قوله: (نافِعةً) أي يترتب عليها المنافع بأن تكون بالأوصاف السابقة المسؤولة. قوله: (غيْر ضارةٍ) بيان لقوله نافعة والنافعة كذلك هي المخصوصة في عرف الشرع باسم الرؤيا والتي في الشر باسم الحلم بضم الحاء. قوله: (أَنَّها غيْرُ متكَلمةٍ بشَيْءٍ) أي من كلام الناس فلا ينافي ما سبق من طلب الذكر بأنواعه السابقة وألفاظه المارة عند المنام وأنه يكون آخر الكلام لاحتمال أن يكون حمامه في منامه فيكون الذكر آخر عمله فيبلغ بفضله تعالى غاية أمله.

قوله: (وَرَوى الإِمامُ أَبُو بكْر بنُ الأشعث) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الدارمي أخرجه أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان السجستاني في كتاب شريعة القاري من طريقين الأولى صحيحة كما قال الشيخ فقد أخرج الشيخان لرجالها إلَّا عبيد بن عمرو فإنه كوفي ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في الثقات ولم يذكروا له راويًا غير أبي إسحاق السبيعي ففي سنده علة وهي الاختلاف على أبي إسحاق وشيخه هل هو عمير بن سعد أو رجل مبهم عن علي وهذه العلة تحطه عن درجة الصحيح اهـ. قوله: (مَا كُنْتُ أُرَى) هو بضم الهمزة وفتح الراء على صيغة المجهول من الإراءة أي أظن على صيغة الفاعل وفي نسخة بفتح الهمزة أي اعلم. قوله: (يَعِقلُ) أي يصير ذا عقل وإدراك وتمييز وهو صفة أحدا والمفعول الثاني قوله ينام قبل أن يقرأ الخ. قوله: (الآياتِ الثلاثَ) من قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284] وإنما قال علي رضي الله عنه لما علم من عظيم فضل آيتين

ص: 170

من سورة البقرة. إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

وروي أيضًا عن علي رضي الله عنه: ما أرى أحدًا يعقل دخل في الإسلام ينامُ حتى يقرأ آية الكرسي.

وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يعلمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوذتين.

وفي رواية: كانوا يستحبون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كل ليلة ثلاث مرات: قل هو الله أحد والمعوذتين. إسناده صحيح على شرط مسلم.

واعلم أن الأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية لمن وُفِّق للعمل به، وإنما حذفنا ما زاد عليه خوفًا من الملل على طالبه والله أعلم، ثم الأولى أن يأتيَ الإنسان بجميع المذكور في هذا الباب،

ــ

خاتمتي سورة البقرة وزاد فضلهما بما ضم من الآية الدالة على إحاطة علمه عز وجل بسائر الكائنات ومن فضل آية الكرسي أن من قرأها لا يقربه الشيطان ويحفظ في نفسه وولده وداره ودور الجيران. قوله: (وَرَوَي أَيضًا عَنْ علي) قال الحافظ أخرجه ابن أبي داود من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبيد بن عمرو عن علي وسنده حسن قال ووقع لي من وجه آخر عن علي أتم من هذا ولفظه ما كنت أرى رجلًا ثبت في الإسلام أو ولد في الإسلام أو أدرك الإسلام ينام حتى يقرأ هذه الآية {اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ} [البقرة: 255] حتى فرغ من آية الكرسي أتعلمون ما هي إنما أعطيها نبيكم من كنز تحت العرش لم يعطها أحد قبله ما أتت على ليلة قط إلَّا وأنا أقرؤها ثلاث مرار في الركعتين بعد صلاة العشاء وفي وترى وحين آخذ مضجعي من فراشي موقوف حسن لانضمامه لما قبله وفي سنده ضعفاء ثلاثة اهـ. قوله: (النَّخَعي) بفتح النون والخاء المعجمة بعدها عين مهملة ثم تحتية قال في لب اللباب نسبة إلى النخع وهي قبيلة كبيرة من مذحج واسم النخعي جبير بن عمرو بن علة وقيل

له النخعي لأنه انتخع عن قومه أي بعد عنهم ونزل بيشة ونزلوا في الإسلام الكوفة ينسب إليهم من العلماء الجم الغفير إلى أن قال ومنهم إبراهيم النخعي أمه مليكة أخت الأسود بن يزيد وهو الفقيه المشهور اهـ، وحديثه سبق

ص: 171