الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثر من أن تحصر، ولكن نشير إلى أحرف من ذلك تنبيهًا على ما سواها وتبركًا للكتاب بذكرها.
ــ
المروزي كما في الروضة عن أبي نصر كما تقدم الكلام على مسند هذا الذكر "ونصر" بالصاد المهملة "والتمار" بالمثناة الفوقية وتشديد الميم آخره راء مهملة "والنضر" والد محمد بالضاد المعجمة.
كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: (قال الله تَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] قد تكلم العلماء المؤلفون في فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية واستنبطوا منها جملًا من الفوائد ودررًا من الفلائد ورأيت أن ألخص مما ذلك شيئًا تتم به الفائدة وتعظم به الصلة العائدة أما سبب نزولها فأخرج الواحدي عن كعب بن عجرة قيل للنبي صلى الله عليه وسلم قد عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة نزلت وقال القسطلاني ولم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ لغيره وروي أن هذه الآية الشريفة نزلت في الأحزاب بعد نكاحه صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش وبعد تخيير أزواجه قال الحافظ أبو ذر الهروي إن الأمر بالصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم وقع في السنة الثانية من الهجرة قيل في ليلة الإسراء وقيل شهر شعبان، شهر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لأن آية الصلاة:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} الآية نزلت فيه ذكره ابن أبي الصيف اليمني في فضل ليلة النصف من شعبان اهـ.
ووجه مناسبتها لما قبلها أنها كالتعليل له لاشتماله على أمر أصحابه خصوصًا وأمته عمومًا بتعظيم حرمته ولزوم الأدب معه ظاهرًا وباطنًا وبالانقياد له وبالنهي عن فعل ما يخل بتعظيمه واحترامه إلى قيام الساعة فكأن قائلًا يقول ما سبب هذا الشرف العظيم الذي لم يعهد له نظير فقيل سببه ما فضل الله به عليه بقوله إن الله وملائكته
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يصلون على النبي الآية إعلامًا منه تعالى لعباده حتى يتم انقيادهم لما أمروا به ونهوا عنه بذكرهم لهذه المنزلة الرفيعة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عنده من أنه يصبي عليه هو وملائكته ثم أمرنا معشر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم ليجتمع الثناء عليه من أهل العالم العلوي والسفلي.
والصلاة لغة الدعاء وتقدم الخلاف في أن إطلاق الصلاة على الشرعية هل هي حقيقة شرعية أو مجاز شرعي أولًا ولا والقول بأنها مشتقة من الصلوين وإن قال به المصنف كالزمخشري سبق تضعيفه وقدره الفخر الرازي بأن القول به يفضي إلى طعن عظيم في كون القرآن حجة لأن لفظ الصلاة من أشد الأشياء شهرة وأكثرها دورانًا على ألسنة المسلمين وهذا الاشتقاق من أبعل الأشياء شهرة فيما بين أهل النقل فلو جوزنا أنه يسمي الصلاة لما ذكر ثم أنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلَّا الآحاد لجاز مثله في سائر الألفاظ وبتجويزه ينتفي القطع بأن مراد الله منها معانيها المتبادر الفهم إليها لاحتمال أنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم موضوعة لمعانٍ أخر وكان مراد الله تعالى تلك المعاني إلَّا أنها خفيت في زمننا واندرست كما وقع مثله في هذه اللفظة ولما كان ذلك باطلًا بالإجماع علمنا أن الاشتقاق المذكور باطل مردود اهـ. قيل والحق أن ما ذكر لا يلزم الزمخشري لأن المشتق قد يشتهر اشتهارًا ما ويخفى المشتق منه إذ لا تلازم بينهما في الاشتهار لأن الاشتقاق لأمر اعتباري لا يعرفه إلَّا أهل الصناعة. وأما تبادر معنى اللفظ فأمر بديهي يعرفه الخاص والعام بالسليقة من غير تكلف فلا يلزم على كلام الزمخشري بما التزم به غاية ما فيه أن شأن المعنى الحامل على الاشتقاق أو المقتضى له الاطراد والدعاء هو الأمر الظاهر المطرد فكأن اعتباره في الاشتقاق أولى. ثم أن الصلاة من الله تعالى وملائكته والمؤمنين وقع فيها اختلاف طويل فقيل معنى صلاة الله عليه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة دعاؤهم له ورجح بأن فيه استعمال لفظ الصلاة في حقه تعالى وحق الملائكة والمؤمنين بمعنى واحد فمعنى صلاة الله عليه ثناؤه وتعظيمه له بين ملائكته وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك له من ربه أي طلب زيادته لوجود أصله بنص الآية وعلى هذا يحمل قول ابن عباس معنى صلاة الملائكة الدعاء بالبركة أي الزيادة وبه يتضح قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] فصلاته تعالى رحمته وصلاتهم سؤالهم إياها لعباده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومعنى اللهم صل على محمد عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين الشهود، ولا ينافي تفسيرها بالتعظيم عطف آله وصحبه عليه في ذلك لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به. وقيل معنى صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار ويمكن رجوعه لما قبله بجعل المغفرة نوعًا من أنواع التعظيم والاستغفار نوع من أنواع ذلك الدعاء واقتصر عليها للاهتمام بها، وقيل معنى صلاة الله تعالى رحمته وصلاة الملائكة رقة تبعث على استدعاء طلب الرحمة والثاني يرجع لما مر أنها منهم الدعاء، والأول: إن أريد بالرحمة فيه المقرونة بالتعظيم رجع لما مر أيضًا أنها من الله ثناؤه عليه وتعظيمه فيكون القولان متحدين بالحقيقة والخلاف في اللفظ فقط إذ لا يسمع أحد القول بأن صلاته تعالى أو رحمته بأمته بمعنى صلاته ورحمته للمؤمنين لأن القدر اللائق به من ذلك أرفع وأجل وهذا الأجل الأرفع فيه من الخصوص ما ليس في مطلق الرحمة فخص باسم الصلاة وخص اسمها باستعمال الأنبياء تمييزًا له ولهم بشرفه وشرفهم، وإن أريد بها مطلق الرحمة بوجه الاعتراض عليه بأن الله تعالى غاير بينهما في أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة والصحابة فهموا المغايرة لسؤالهم عن معنى الصلاة في الآية مع أنهم علموا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فلو اتحدتا لما سألوا عن الصلاة لقال لهم النبي قد علمتم الصلاة بعلومكم الدعاء بالرحمة، وأيضًا فقد أجمعوا على جواز الترحم على الأنبياء واختلفوا على أقوال شتى في الصلاة على غير الأنبياء فهذا صريح في مغايرتهما، وعلى كون المراد بها الرحمة المقرونة بالتعظيم فيجاب عما أورد على الوجه المذكور بأن لا مانع من أن الصلاة رحمة خاصة فلما فيها من الخصوص غوير بينهما بالعطف وفي كلام الزمخشري تصريح بما يؤول إليه وبأنه إنما احتاج الصحابة إلى السؤال عن كيفيتها ليحيطوا بذلك الخصوص، ولا يرد عليه إجماعهم على جواز الترحم على غير الأنبياء واختلافهم في جواز
الصلاة لما تقرر من أن الصلاة أخص ففيها معنى زائد على مطلق الرحمة فجازت مطلقًا اتفاقًا وامتنعت الصلاة على غير الأنبياء على قول رعاية لذلك المعنى لأخص ومن ثم وجبت بعد التشهد مع اشتماله على الدعاء بالرحمة، وهذا إن تأملته يظهر لك أن لا خلاف في الحقيقة بينه وبين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القول بأنها من الله الثناء عليه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وفي شرح المشكاة لابن حجر بعد أن أورد الصلاة بمطلق الرحمة بما سبق ما لفظه نعم قد تأتي الصلاة من الله بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وحينئذٍ فالصلاة من الله على الأنبياء تختص بالرحمة المقرونة بالتعظيم وعلى غيرهم لا تختص بذلك بل قد يكون منها ما هو مقرون بنوع تعظيم وقد لا بحسب مراتب المؤمنين ومما يؤيد ذلك أن من المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرحمة أرفع مما يليق بغيره اهـ.
وفي الشفاء للقاضي عياض نقلًا عن أبي بكر القشيري الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، مع قوله قبل ({هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، ومن المعلوم أن القدر الذي يليق به من ذلك أرفع مما يليق بغيره والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم شأن النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها اهـ. ملخصًا، ويحصل من خلاصة هذا المقال أن لا مخالفة بين الثلاثة الأقوال في تعظيمه صلى الله عليه وسلم والرحمة والاستغفار.
وأما صلاة الملائكة فقيل الدعاء وقال ابن عباس فيما علقه عنه البخاري الدعاء بالبركة وقال المبرد هو رقة تبعث على استدعاء الرحمة وهو معنى قول غيره رقة ودعاء وقيل الاستغفار ولا مخالفة في الحقيقة بين هذه الأقوال كما هو ظاهر لأنها منهم بمعنى الدعاء الشامل للدعاء بالبركة أو المغفرة اللائقة بمقامه صلى الله عليه وسلم وبغيرهما من سائر المراتب اللائقة به صلى الله عليه وسلم والباعث عليها منهم ما ركبه الله فيهم من الرقة والمعرفة بحقوقه صلى الله عليه وسلم هو ومن خصص الدعاء بالبركة أو المغفرة لم يرد أنهم لا يدعون له بغير ذلك إذ لا دليل له على هذا الحصر وإنما أراد النص على أظهر مقاصد الدعاء عنده، فاجتمعت الأقوال واتضح المراد منها وهو أنهم يطلبون له صلى الله عليه وسلم من ربه من مزيد الثناء عليه وتعظيمه والإفضال عليه من بركته ومغفرته وغيرهما من المراتب العلية ما يليق بباهر كماله وعلى حاله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم.
وأما صلاة مؤمني الإنس والجن عليه فهي بمعنى الدعاء أي طلب ما ذكر له من الله سبحانه. وإذا عرفت ذلك فعامة القراء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على نصب الملائكة عطفًا على اسم إن قيل يصلون خبر عنهما وقيل عن الثاني وخبر الجلالة محذوف لدلالة يصلون عليه ورجح بتغاير معنى الصلاتين وظاهر كلام أبي حيان ترجيح الأول وعليه فترد حجة الثاني بأنه لا نظر للتغاير مع استعمال لفظ الصلاة للقدر المشترك كما مر بيانه وأيده بعضهم بقوله الصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد هو العطف ثم بالنسبة إليه تعالى الرحمة وإلى الملائكة الاستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض اهـ، وعليه فلا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله، وذلك لأن حكمة التشريك هنا أن هذا قول من الله شرف به الملائكة فلا
يتوهم منه نقص ألبتة ومن ثم جمع نفسه صلى الله عليه وسلم مع ربه في قوله لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأما الخطيب فمنصبه قابل للزلل فنطقه بهذه العبارة ربما يتوهم منه لنقصه أنه جمع بينهما في الضمير لتساويهما عنده، وقرئ بالرفع وعليه فيحتمل أنه عطف على محل اسم أن ويصلون خبر عنهما وأن يكون يصلون خبر للملائكة وخبر الجلالة محذوف وهو مذهب البصريين لما مر ولئلا يتوارد عاملان على معمول واحد ولئلا يلزم الاشتراك والأصل عدمه ولأنا لا نعرف في العربية فعلًا واحدًا يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الإسناد حقيقة وبما قدمناه من وضعها للقدر المشترك يرد الأخيران إذ لا اشتراك حينئذ ولا اختلاف باختلاف المسند إليه.
ثم عبر بالجملة الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار لتدل على دوام صلاة الله وملائكته على نبيه صلى الله عليه وسلم وهذه قرينة باهرة لم توجد لغيره صلى الله عليه وسلم وإن وجد أصل الصلاة لإبراهيم وآله كما يفيده حديث التشهد المراد على من زعم أنه ليس في القرآن ولا غيره فيما علم صلاة من الله على غير نبينا صلى الله عليه وسلم وفي هذا بلوغ أي بلوغ للمؤمنين بأنهم ينبغي لهم إدامة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تأسيًا بالله وملائكته في ذلك، وكما أفاد الجملة لكونها اسمية كذلك تفيد التجدد نظرًا لخبرها كما قالوا حكمة العدول عن الله مستهزئ بهم قصد استمرار الاستهزاء وتجدده وقتًا فوقتًا، وهذا أتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود لاختصاصه بالملائكة والصلاة شاركهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى فيها وسجودهم كان تأدبًا وأمرهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان توقيرًا له وتعظيمًا وأيضًا فذاك وقع مرة وانقطع وهذا دائم إلى يوم القيامة وأيضًا فالسجود لآدم إنما كان لما بجبهته من نور نبينا صلى الله عليه وسلم قاله الرازي، واكتفى بهذا التأكيد في جانب الصلاة أي بأن واسمية الجملة والإعلام بأنه تعالى وملائكته يصلون عن ذكر المصدر وأكد التسليم بالمصدر لفقد ذلك فيه فحسن تأكيده بالمصدر إذ ليس ثم ما يقوم مقامه إلى هذا يؤول قول ابن القيم التأكيد فيهما وإن اختلفت جهته فإنه تعالى أخبر في الأول بصلاته وملائكته مؤكدًا له بأن وبالجمع المفيد للعموم في الملائكة وفي هذا من تعظيمه صلى الله عليه وسلم يوجب المبادرة إلى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من غير توقف على أمر موافقة لله وملائكته في ذلك وبهذا استغنى عن تأكيد يصلي بالمصدر ولما خلا السلام عن هذا الأمر وجاء في حيز الأمر حسن تأكيده بالمصدر تحقيقًا للمعنى وإقامة لتأكيد الفعل مقام تكريره وحينئذ كما حصل التكرار في الصلاة خبرًا وطلبًا حصل التكرير في السلام فعلًا ومصدرًا وأيضًا فهي مقدمة عليه لفظًا والتقديم يفيد الاهتمام فحسن تأكيد السلام لئلا يتوهم قلة الاهتمام به لتأخره وأضيفت إلى الله وملائكته دونه وأمر المؤمنين بهما لأن له معنيين التحية والانقياد فأمرنا بهما لصحتهما منا ولم يضف هو لله ولا لملائكته حذرًا من إيهام أنه فيهما بمعنى الانقياد المستحيل في حقهما وقد يقال أيضًا الصلاة منهما متضمنة للسلام بمعنى التحية الذي لا يتصور منهما غيره فكان في إضافة الصلاة إليهما استلزام لوجود السلام منهما بهذا المعنى وأما الصلاة منا فهي وإن استلزمت التحية أيضًا إلّا أنا مخاطبون بالانقياد وهي لا تستلزمه فاحتيج إلى التصريح به فينا لأن الصلاة لا تغني عن معنييه المتصورين في حقنا المطلوبين منا وهذا أولى مما قبله لأن ذاك يرد عليه سلام على إبراهيم
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ولا يرد هذان على ما ذكرته فتأمله. وبما تقرر من كون السلام يأتي بمعنى التحية وهو المراد من سلام الله سبحانه على أنبيائه اندفع استشكال سلام الله عليهم بأنه دعاء وهو لا يتصور من الله تعالى لأنه الطلب والله سبحانه مدعو ومطلوب لا داع وطالب وحكمة مجيء السلام منه تعالى منكرًا مع كون التعريف في حق العبد أفضل بل واجب في سلام التحلل من الصلاة أن في صدوره منه
روينا في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"مَنْ صَلَّى عَلي صَلاة صَلى اللهُ عَلَيْهِ بِها عَشرًا".
ــ
تعالى على من مر غاية التعظيم والتشريف لهم فلم يحتج لمؤكد بخلافه من العبد فلم يعرف به ما يغني عن طلب تأكيده بالتعريف فكان أولى في حقه بل يلزمه فيما مر للاتباع مع عدم قيام المنكر مقام المعرف ويأتي السلام بمعنى السلامة مك النقائص وهي العصمة وبمعنى السلام الذي هو اسم من أسمائه تعالى فمعنى السلام على محمد صلى الله عليه وسلم على الأول اللهم سلمه من النقائص وعلى الثاني حفظ السلام أي الله عليه أي اللهم احفظه فهو على حذف مضاف ومعناه على أنه بمعنى الانقياد اللهم صير العباد منقادين له أي مذعنين له ولشريعته وتقدم في آخر أذكار التشهد حكمة الصلاة من العباد عليه صلى الله عليه وسلم وأنها تعود إلى الأمة بتكثير الثواب إليه صلى الله عليه وسلم بزيادة الترقيات في الفيوض الإلهية والله سبحانه وتعالي أعلم. قوله: (رَوَيْنَا في صحيح مُسلم الخ) أي في الحديث الذي رواه في إجابة المؤذن في آخره ثم صلوا علي فإنه من صلى عليَ الخ. قوله: (مَنْ صَلى علي الخ) أي اسأل الله أن يرحم نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة مقرونة بغاية التعظيم اللائق به لما مر أنه الأصح في معنى صلاته تعالى على أنبيائه. قوله: (صَلَى الله عليْهِ) أي رحمه لما مر أن هذا معنى صلاة الله على غير الأنبياء لكنها رحمة جامعة واسعة تتفاوت الناس فيها بتفاوت مراتبهم فصلى فيهما من باب المشاكلة لأنه متفق لفظًا مختلف معنى ويصح اتفاقهما معنى أيضًا تخصيصًا للصلاة في القسمين بالرحمة المقرونة بالتعظيم للمصلي بين الملائكة تشريفًا لقدره وتنويهًا بذكره لكنها تختلف باختلاف مراتب الأنبياء ثم من دونهم وفي كلام المصنف كالقاضي عياض التصريح بذلك حيث قال معنى صلى عليه أي رحمه وضعف أجره كقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقد يكون الصلاة على وجهها وظاهرها كلامًا يسمعه الملائكة تعظيمًا للمصلي وتشريفًا له كما جاء وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وفي مسالك الحنفاء نقلًا عن الإمام تضاعفت الصلاة لأنها ليست حسنة واحدة بل حسنات إذ بها تجديد للايمان بالله تعالى أولًا ثم بالرسول ثانيًا ثم تعظيمه ثالثًا ثم بالعناية بطلب الكرامة له رابعًا ثم تجديد الإيمان باليوم الآخر خامسًا ثم بذكر الله سادسًا وعند
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذكر الصالحين تنزل الرحمة ثم تعظيمًا له بنسبتهم إليه سابعًا ثم بإظهار المرأة لهم ثامنًا ثم بالابتهال والتضرع في الدعاء تاسعًا ثم بالاعتراف عاشرًا بأن الأمر كله لله وأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن جل قدره فهو محتاج إلى رحمة ربه، فهذه عشر حسنات سوى ما ورد الشرع من أن الحسنة بعشر أمثالها وسبق في باب إجابة المؤذن الجواب عما يقال أن القرآن نطق بأن الحسنة بعشر أمثالها.
فما أفاده الخبر زيادة على ذلك بما حاصله أن في الخبر أعظم فائدة إذا القرآن اقتضى تضاعف
الحسنة بعشر أمثالها والصلاة منها فاقتضى القرآن أن يعطى بذلك عشر درجات في الجنة، وأفاد الحديث الإخبار بأنه تعالى يصلي على من صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم عشرًا وذكر الله للعبد أعظم من الحسنة مضاعفة وتحقيق ذلك أن الله تعالى لما لم يجعل جزاء ذكره إلَّا ذكره كذلك جعل جزاء ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم ذكره اهـ. وما أحسن قول الشيخ العلامة برهان الدين بن أبي شريف نفع الله به من صرف فكره، واعمل الفكرة، تواردت عليه رسل المسرة بما أتحفه مولاه من المبرة وسره. يا لها بشارة تخللت من العروق المسالك. اين صلاة العبد من صلاة الملك فكيف والعبد يصلي مرة والله تعالى يصلي عشرًا، فكم مولاه أجرى له ثوابًا عميمًا وأجرًا اهـ. ومع ذلك فلم يقتصر على ذلك بل ضم إليها رفع عشر درجات وحط عشر سيئات وكتابة عشر حسنات وكن له كعتق عشر رقاب ومن علامة صلاة الله تعالى على عبده أن يرضيه بأنوار الإيمان ويحليه بحلية التوفيق ويتوجه بتاج الصدق ويسفط عن نفسه الأهواء والإرادات الفاسدة ويبدله به الرضا بالمقدور.
وذكر البيهقي وغير أن مظالم العباد وإنما توفي من أصول الحسنات أما التضعيف أي ما زاد على الواحد بالنسبة لكل حسنة فمدخر للعبد حتى يدخل الجنة فيعطى ثوابه وهي فائدة جليلة أن عضدها خبر صحيح ثم العشر أقل ما ورد في جزاء الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والله يضاعف لمن يشاء فلا ينافي الأحاديث التي فيها الزيادة على ذلك ثم يحتمل أن يكون ذلك الاختلاف لاختلاف أحوال المضاف ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بالقليل أولًا ثم تفضل الله عليه وزاد فأخبر به والله أعلم.
تنبيه
نقل القاضي عياض أن هذا لمن صلى عليه صلى الله عليه وسلم محتسبًا مخلصًا قاضيًا بذلك حقه إجلالًا لمكانه وحبًّا فيه لا لمن
وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ صلى عليَّ واحدَةً صلى اللَّهُ علَيهِ عَشْرًا".
وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوْلى النَّاسِ بي يومَ القيامَةِ
ــ
قصد بذلك مجرد الثواب أو رجاء الإجابة لدعائه أو الحظ لنفسه ثم قال وهذا عندي فيه نظر والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في صَحِيحِ مُسلم الخ) وكذا رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن حبان في صحيحه وفي بعض ألفاظ الترمذي كذا ابن حبان عن أبي يعلى من صلى عليّ مرة كتب الله له عشر حسنات وفي لفظ ومحا عنه عشر سيئات وهي عند أحمد بسند رجاله رجال الصحيح غير ربعي بن إبراهيم وهو ثقة مأمون، في القول البديع وفي أمالي شيخه الحافظ بعد تخريج حديث الباب قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال أي الترمذي قبل تخريجه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا وكتب له عشر حسنات قال كنا يعني العراقي يجهل أن يكون إشارة إلى حديث آخر غير حديث أبي هريرة وإن كانت هذه الألفاظ مروية عن أبي هريرة لكن لم تأت مجموعة قال الحافظ الرواية التي فيها لفظ بها جاءت من وجهين آخرين عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة وجاء عن العلاء من وجه آخر بلفظ كتب الله الخ. لكن ليس معطوفًا على ما قبله ولفظه من حديث أبي هريرة مرفوعًا من صلى علي واحدة كتب له بها عشر حسنات أخرجه الحافظ ثم أخرجها من طريق الغريابي هكذا ابن حبان فالذي يظهر
أن هذا اختلاف على العلاء فإن أمكن الجمع بأن تجعل الحسنات تفسير الصلاة وإلّا فالرواية التي فيها صلوات أرجح لاتفاق ثلاثة عليها وهم حفاظ واقتصار مسلم عليها بخلاف الرواية الأخرى فانفرد بها راو صدوق إلّا أنه ليس من أهل الإتقان وإن ثبتت الرواية بالجمع بينهما يحمل أنه كان تامًّا عند العلاء فحدث ببعضه مرة وبالبعض الآخر أخرى وسيأتي قريبًا بهذا المعنى أحاديث من رواية غير أبي هريرة. قوله: (أَوْلى الناسِ بِي الخ) هكذا هو في النسخ المصححة من الأذكار والذي في الترمذي إن أولى الناس بي الخ. قال السيوطي قال ابن حبان
أكْثَرُهُمْ عليّ صَلاةً" قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الباب عن
ــ
أي أقربهم مني في القيامة قال فيه بيان أن أولاهم به صلى الله عليه وسلم أهل الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال الخطيب البغدادي قال لنا أبو نعيم هذه منقبة شريف يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة مع العلماء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخًا وذكرًا وكذا قال غيره في ذلك بشارة عظيمة لهم لأنهم يصلون عليه صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا نهارًا وليلًا وعند القراءة والصلاة فهم أكثر الناس صلاة وأخرج الحافظ عن سفيان الثوري لو لم يكتب لصاحب الحديث فائدة إلَّا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ما دام في الكتاب قال الشيخ أبو طالب المكي أقل الإكثار ثلاثمائة وقال غيره لعله ممن يرى القول المحكى بالتواتر أنه أقل ما يحصل بثلاثمائة وتسعة عشر وألغى الكسر اهـ.
قال الشيخ ابن حجر الهيتمي وأقول الظاهر أن الإكثار لا يحصل إلّا بتفريغ أكثر أوقات العبادة لها كما قيل في قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ويحتمل ضبط ذلك بأن يظهرها حتى يعرف بها بين يدي الناس اهـ. قوله: (وقَال حدِيث حَسَنٌ) قال السخاوي في القول البديع بعد حكايته ما لفظه وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعي قال الدارقطني أنه تفرد به قلت وقد اختلف عليه فيه فقيل عن عبد الله بن شداد عن ابن مسعود بلا واسطة هكدا رواه الترمذي والبخاري في تاريخه الكبير وابن أبي عاصم وكذا هي عند أبي الحسين الزيني في مشيخته من الطريق التي أخرجها الترمذي وقيل عن عبد الله بن شداد عن أبيه عن ابن مسعود وهكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة ومن طريقه رواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم وابن بشكوال وهكذا رواه ابن أبي عاصم أيضًا في فضل الصلاة وابن عدي في كامله والدينوري في مجالسته والدارقطني في الأفراد والتيمي في الترغيب وابن الجراح في أماليه وأبو النمر ابن عساكر من طريق أبي الطاهر الذهلي وغيرهم وهذه الرواية أكثر وأشهر والزمعي قال فيه النسائي ليس بالقوي لكن وثقه ابن معين فحسبك به وكذا وثقه أبو داود وابن حبان وابن عدي وجماعة وأشار البخاري في التاريخ أيضًا إلى أن الزمعي رواه عن ابن كيسان عن عتبة بن عبد الله بن مسعود والله أعلم اهـ. قوله: (قَال الترمِذِيُّ وفي البَاب الخ) وسيأتي ترجمة ابن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة في أحاديث تروى عنهم إن
عبد الرحمن بن عوف، وعامر بن ربيعة، وعمار، وأبي طلحة، وأنس، وأبي بن كعب، رضي الله عنهم.
وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه
ــ
شاء الله تعالى وتقدمت ترجمة الباقين.
قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) أي واللفظ لأبي داود كما في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ولفظه فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلَّا عرضت علي صلاته وفي الجامع الصغير ورواه أحمد وابن حبان والحاكم في صحاحهم وقال هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولذا قال الحافظ المنذري وله علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره من النقاد اهـ. قال ميرك العلة المشار إليها هي أن كل من أخرج هذا الحديث أخرجه من طريق ابن علي بن الوليد الجعفي الكوفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصغاني عن أوس بن أوس وبعد تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم وقبول أحاديثهم وقال البخاري حسين الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو محتج به فلما حدث به حسين غلط في اسم الجد وقال ابن جابر وقال غير واحد من الحفاظ إن ابن تميم ضعيف عندهم له مناكير وهو شيخ حسين في هذا الحديث اهـ، ونقل الحافظ أن ابن أبي حاتم أعله بذلك ورده الدارقطني بأن سماع حسين بن علي الجعفي من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثابت وإليه جنح الخطيب والعلم عند الله اهـ. قال القسطلاني في مسالك الحنفاء وأجيب بأن حسينًا الجعفي قد صرح بسماعه من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ففي صحيح ابن حبان التصريح من حسين بأنه سمعه من عبد الرحمن وأما قولهم أنه ظنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم فغلط في اسم جده فبعيد فإنه لم يكن ليشتبه على حسين هذا بهذا مع ثقته وعلمه بهما وسماعه منهما وقال الدارقطني في كلامه على أبي حاتم في الضعف أما قوله حسين الجعفي روي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فخطأ إذ الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فيغلط في اسم جده اهـ. ثم للحديث شواهد حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاري
بالأسانيد الصحيحة عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مِنْ أفْضَلِ أيَامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فأكثِروا عَليَّ منَ الصَّلاةِ فِيهِ،
ــ
وأبي أمامة وأنس بن مالك وغيرهم ثم بين طرق تلك الشواهد والله أعلم، وقال ابن حجر الهيتمي في الدر من قال إن الحديث منكر أو غريب لعلة خفية به فقد استروح لأن الدارقطني ردها اهـ، وفي شرح المشكاة فقول أبي حاتم أنه منكر وابن العربي أنه لم يثبت وأبي اليمن أنه غريب مردود بما ذكر أي من انتفاء علته. قوله:(بالأَسَانيدِ الصحِيحَةِ) نظر فيه الحافظ بأنه يوهم أن للحديث في السنن الثلاثة طرقًا إلى أوس وليس كذلك كما عرفت إذ مداره عندهم وعند غيرهم على الجعفي تفرد به عن شيخه وكذا من فوقه وكأن الشيخ قصد بالأسانيد شيوخهم خاصة اهـ.
تنبيه
وقع هذا الحديث عن ابن ماجة هكذا على الصواب عن أوس بن أوس في كتاب الجنائز ووقع له فيه وهم في كتاب الصلاة أخرجه عن شداد بن أوس نبه عليه المزي وغيره.
تنبيه
اختصر الشيخ من المتن ولفظه عند رواته قال صلى الله عليه وسلم من أفضل يومكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه الخ. والباقي سواء. في: (عَن أَوْسِ أبنِ أَوسٍ) قال في أسد الغابة وقيل ابن أبي أوس عداده في أهل الشام روى عنه أبو الأشعث الصغاني وعبد الله بن جرير قال في السلاح وليس لأوس هذا في الكتب الستة سوى هذا الحديث وحديث من غسل يوم الجمعة واغتسل رواه الأربعة اهـ، وزاد المصنف في التهذيب حديثًا في الصيام. قوله:(إِن مِنْ أَفضَلِ أَيامِكُم يومَ الجمعةِ) تتمته كما في أبي داود وغيره فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه الخ. قال العلقمي نقلًا عن البيضاوي لا شك أن خلق آدم فيه يوجب له شرفًا ومزية وكذا وفاته فإنه سبب لوصوله إلى الجناب الأقدس والخلاص من النكبات وكذا قيام الساعة لأنه من أسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم قال الراغب الموت أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم فهو وإن كان في الظاهر فناء واضمحلالًا لكن في الحقيقة ولادة ثانية وهو باب من أبواب الجنة منه يتوصل إليها ولو لم يكن إلَّا المنة من الله تعالى به
فإن صلاتكُمْ مَعْرُوضةٌ عليَّ، فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك
ــ
على الإنسان قال تعالى خلق الموت والحياة قدم الموت على الحياة تنبيهًا على أنه يتوصل منه إلى الحياة الحقيقية وعده علينا من الآلاء في قوله تعالى: (كلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ)[الرحمن: 26] اهـ. قوله: (فإِنَّ صلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عليَّ) قال ابن حجر الهيتمي في الدر المنضود وقد علم من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم يبلغ الصلاة والسلام عليه إذا صدرا من بعد ويسمعهما إذا كانا عند قبره الشريف بلا واسطة سواء ليلة الجمعة وغيرها وأفتى النووي فيمن حلف بالطلاق الثلاث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الصلاة عليه بأنه لا يحكم بالحنث للشك في ذلك والورع أن يلتزم الحنث وما قيل من أن رده صلى الله عليه وسلم مختص بسلام زائره مردود بعموم الأحاديث فدعوى التخصيص تحتاج لدليل وأيضًا ففي الخبر الصحيح ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن ومن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلَّا عرفه ورد عليه السلام فلو خص رده صلى الله عليه وسلم بزائره لم يكن له خصوصية به لما علمت من مشاركة غيره له في ذلك قال أبو اليمن ابن عساكر وإذا جاز رده صلى الله عليه وسلم على جميع من يسلم عليه من الزائرين جاز رده على من يسلم من جميع الآفاق من جميع أمته اهـ. لكن في الحرز لا خفاء في أن حديث أن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام يدل على أن الصلاة مطلقًا معروضة عليه فالجمع بينه وبين حديث الجمعة بأن يوم الجمعة لمزيد الفضيلة تعرض عليه من غير واسطة كما فرق به بين الصلاة عند الروضة الشريفة وسائر البقاع المنيفة فقد أخرج أبو الشيخ في كتاب ثواب الأعمال بسند جيد مرفوعًا من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيًا بلغته وأبعد الحنفي في قوله إن هذه الملائكة إنما يعرض عليه يوم الجمعة وكذا الحال في رد الروح عليه ورده السلام على أنه يمكن أن يقال أنه ليس من قبيل العرض هـ. وبعده لا يخفى وما جمع به في الحرز يحتاج لمستند والفرق بين المقيس والمقيس عليه واضح لظهور مستنده
في المقيس عليه من الأخبار الجيدة الصريحة في ذلك ولا كذلك المقيس والله أعلم، ويمكن أن يقال والله أعلم، بحقيقة الحال إن للصلاة يوم الجمعة عرضًا خاصًّا لا يعلم كنهه ولا كذلك عرض باقي الأيام والفرق شرف يوم الجمعة على باقي الأيام والحديث يدل لذلك والله أعلم. قوله:(قالُوا وكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليك الخ) قال القسطلاني في المسالك إن قلت إقراره صلى الله عليه وسلم السائل
وقد أرَمْتَ؟ قال: يقول بليت: إن اللهَ حَرَّمَ على الأرْضِ أجْسادَ الأنْبِياءِ".
قلت: أرمت بفتح الراء وإسكان الميم وفتح التاء المخففة. قال الخطابي: أصله: أرممت، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب، كما قالوا: ظلت أفعل كذا: أي ظللت، في نظائر لذلك. وقال غيره: إنما هو أرَمَّت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء: أي: أرمَّت العظام، وقيل: فيه أقوال أخر، والله أعلم.
ــ
على هذا السؤال يدل على أن جسده يأكله التراب وإلَّا فكان يجيبه بأني لم أرم اهـ. قلت وفيه نظر فإن رده بقوله إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء قال الترمذي الحكيم وقد ترأت الأرض عنهم فلم تتبعهم بما أكلوا منها لأنهم تناولوه بالحق والعدل فبالنبوة مروا في هذا الأمر والنبوة من الحق والعدل فخلفاء النبيين من أعطى الحق والعدل كذلك ليس للأرض عليهم سلطان دليله حديث جابر لما نقلوا شهداء أحد عن قبورهم نحوًا من أربعين سنة فأخرجوا رطابًا ينثنون حتى أصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فانبعث الدم طريًّا فإذا كان هذا حال الشهداء في قبورهم فانظر ما حال الصديقين فإنهم أعلى منهم اهـ. قال القسطلاني: إن قلت ما وجه تعلق قوله فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والبلاغ بعد الموت لا تعلق له بالأجساد أجيب بأنه لما كان الكلام لبيان ما اختص به في الموت من البلاغ أورد فيه ببيان خصوصية أخرى له ولغيره من الأنبياء هي أن الأرض لا تأكل أجسادهم اهـ. قوله: (وقَال غيرُهُ إِنما هُو أَرَمَّتْ الخ) قال في النهاية وكثيرًا ما تروى هذه اللفظة بتشديد الميم وهي لغة ناس من بكر بن وائل وقال الحربي كذا يرويه المحدثون بالتشديد وفتح التاء ولا أعرف وجهه والصواب أرمت بسكونها فتكون التاء لتأنيث العظام لكن سيأتي أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردت بتشديد الدال مع تاء الفاعل وفيه أقوال أخر منها أنه أرمت بتشديد التاء على أنه أدغم أحد الميمين فيها قال في النهاية وهذا قول ساقط لأن الميم لا تدغم في التاء أبدًا ومنها أنه يجوز أرمت بضم الهمزة من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض كذا في النهاية وفي نسخة صحيحة من
وروينا في "سنن أبي داود" في آخر كتاب الحج في باب زيارة القبور بالإسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ــ
السلاح مقابلة بأصل المؤلف مرارًا وحكى فيه ابن دحية فتح الهمزة وكسر الراء من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف اهـ، ولعله جاء بالبناء للفاعل والمفعول فنقل كل منهما أحد الوجهين وسكت على الثاني وفي النهاية بعد حكاية هذه الأقوال وأصل هذه الكلمة من رم الميت وأرم إذا بلي والرمة العظم البالي والفعل الماضي من أرم للمتكلم والمخاطب أرمت وأرمت بإظهار التضعيف وكذا كل فعل مضعف فإنه يظهر فيه التضعيف معهما لأن تاء الفاعل متحركة لا يكون قبلها إلا ساكن فإذا سكن ما قبلها وهي الميم الثانية والأولى ساكنة للإدغام فيلتقي الساكنان ولا يجوز الجمع بينهما ولا تحريك الثاني لأنه وجب سكونه لأجل تاء الفاعل فلم يبق إلّا تحريك الأول وحيث حرك ظهر التضعيف
والذي جاء في هذا الحديث بالإدغام وحيث لم يظهر التضعيف فيه على ما جاء في الرواية احتاجوا أن يشددوا التاء ليكون ما قبلها ساكنًا حيث تعذر تحريك الميم الثانية أو يتركوا القياس في التزام ما قبل تاء الفاعل فإن صحت الرواية ولم تكن محرفة فلا يمكن تخريجه إلّا على لغة بعض العرب فإن الخليل زعم أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردت وكذلك مع جماعة المؤنث يقولون ردن ومرن يريدون رددت ومررن وأرددن وأمررن فكأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء والنون فيكون لفظ الحديث أرمت بتشديد الميم وفتح التاء والله أعلم. قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حمسن وفي معنى حديث أبي هريرة هذا علي بن الحسين وهو حسن الإسناد قال الحافظ وللحديث شاهد من رواية الحسن بن علي رضي الله عنهما أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقولها أخرج ما قبله وأخرج حديث الحسن بن أبي عاصم والطبراني من وجه آخر وقال السخاوي في القول البديع في الكلام على حديث الباب ورواه أحمد في مسنده وابن قيل في حزبه المروي هنا وصححه النووي في الأذكار اهـ. أي بقوله بالإسناد الصحيح وإذا قال ذلك الحافظ الناقد
"لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا،
وَصَلوا عليّ، فإن صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حيثُ كنْتُمْ".
ــ
في السند ولم يعقب المتن بشيء كان ذلك الحكم جاريا في المتن. قوله: (لَا تجْعلوا قبْري عيدا الخ) قال في السلاح يحتمل أن يكون المراد الحث على كثرة زيارته ولا تجعلوا كالعيد الذي لا يأتي في العام إلّا مرتين ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ولا تجعلوا قبري الخ. أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلى فيها اهـ، ونظر فيه السخاوي وتلميذه القسطلاني واستظهر أنه صلى الله عليه وسلم إنما أشار بذلك إلى ما في الحديث الآخر من نهيه عن اتخاذ قبره مسجدًا ويكون المراد بقوله لا تجعلوا قبري عيدًا أي من حيث الاجتماع عنده للهو والزينة والرقص وغيرها من المحدثات التي تعمل في الأعياد وذكر بعض شراح المصابيح ما نصه في الكلام حذف تقديره لا تجعلوا زيارة قبري عيدًا ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته عليه السلام اجتماعهم للعيد وقد كانت اليهود والنصارى يجتمعون لزيارة قبور أنبيائهم ويشتغلون باللهو والطرب فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن ذلك وقيل يحتمل أن يكون نهيه عليه الصلاة والسلام لدفع المشقة عن أمته أو الكراهة أن يتجاوزوا في تعظيم قبره غاية التجاوز، والحث على زيارة قبره الشريف قد جاء في عدة أحاديث لو لم يكن منها إلَّا وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بوجوب الشفاعة لكان كافيًا في الدلالة على ذلك وقد اتفق الأئمة من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا على أن زيارته صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات اهـ. وفيما نظرا به نظر إذ لا يلزم من ظهور ما ذكراه واستشهدا عليه بكلام شارح المصابيح بطلان الاحتمال الذي أشار إليه صاحب السلاح بل هو احتمال وجيه ولذا قدمه ابن حجر الهيتمي في شرح المفصلاة في الأقوال في معنى الحديث وزاد وقيل العيد اسم من الاعتياد يقال عاده واعتاده وتعوده صار له عادة أي لا تجعلوا قبري محلًا لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكريرًا كثيرًا بحيث يؤدي إلى الملل وسوء الأدب وسقوط الإعظام والإجلال بالظاهر والباطن
ومن لم يقدر على ذلك فليصل عليّ فإن فيها كفاية عن ذلك كما رمز لذلك صلى الله عليه وسلم بقوله عقب النهي وصلوا عليّ الخ. قوله: (فإِن صَلاتَكمْ تَبلُغُني حيث كُنتُمْ) قال في المسالك قال القاضي البيضاوي وذلك لأن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى ولم يبق لها حجاب فترى الكل كالمشاهد بنفسها أو بأخبار الملك لها وفيه
وروينا فيه أيضًا بإسناد صحيح، عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله
ــ
سر يطلع عليه من تيسر له اهـ، وفي شرح المشكاة لابن حجر بعد أحاديث أوردها في معنى حديث أبي هريرة يؤخذ من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم حي على الدوام لأنه يستحيل عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم عليه في ليل أو نهار وقد أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق في قبره وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض وأن روحه القدسية لما تجردت عن العلائق الدنيوية صار لها قوة العروج والاتصال بالملأ الأعلى فارتفعت جميع حجبها الحسية فترى جميع ما يصل إليها من الأمة من صلاة وسلام وغيرهما كالمشاهد وتبليغ الملك لذلك إنما هو لمزيد التشريف والتكريم والإجلال والتعظيم ألا ترى إلى ملوك الدنيا تعرض عليهم الهدايا في الملأ وإن علموا بها في السر إظهارًا لعظمتهم وقد يكون فيه إظهار لعظمة المهدي فكذا ما نحن فيه اهـ. قال الحافظ قد تقدم في حديث عمار الذي أشار إليه الترمذي وأخرجه البزار وغيره بيان من يبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم وتقدم ذكر شاهده، في معنى حديث عمار حديث لأبي أمامة أخرجه الطبراني من رواية مكحول عنه قال قال صلى الله عليه وسلم من صلى علي صلى عليه ملك يبلغنيها وفي حديث لابن مسعود أخرجه أحمد والنسائي والدرامي وصححه ابن حبان والحاكم من رواية ذادان عنه قال قال صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام ويجمع بينه وبين حديث عمار بأن الملك الموكل يخبر السياحين اهـ. وفي كتاب مفاخر الإسلام لابن صعد التلمساني عن علي رضي الله عنه من جملة حديث مرفوعًا ماذا قال اللهم صلي على محمد قال الملك الذي عند رأسي يا محمد إن فلانًا يصلي عليك فأقول صلى الله عليه كما صلى علي وخرج الحافظ ابن عبد البر بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن وردان قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما منكم من أحد يسلم علي إذا أنا من إلَّا جاء جبريل فيقول يا محمد هذا فلان وابن فلان فيرفع له في النسب حتى أعرفه فأقول نعم فيقول هو يقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته فأقول عليه السلام ورحمة الله وبركاته اهـ. قوله:(وَرَوَينَا فيهِ أيْضا الخ) ورواه أحمد وأبو داود والبيهقي في الدعوات والطبراني وعباس الرفقي ومن طريقه أبو اليمن ابن عساكر وسنده حسن بل صححه في الأذكار وغيره وفيه نظر كذا في القول البديع للسخاوي ووجهه أن
- صلى الله عليه وسلم قال: "ما منْ أحَدٍ يسلم عليّ إلا رَدّ اللَّهُ عَلي رُوحي حَتى أرُد عليه السلام".
ــ
إسناد أبي داود ينتهي إلى يزيد بن عبد الله وهو ابن قسيط الليثي المدني، قال ابن القيم سألت شيخنا يعني ابن تيمية عن سماع زيد بن عبد الله من أبي هريرة فقال ما كأنه أدركه وهو ضعيف ففي سماعه منه نظر اهـ. وتعقبه القسطلاني في المسالك قال الحافظ بعد تخريجه الحديث أنه حديث غريب أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله رجال الصحيح إلّا أبا صخر فأخرج له مسلم وحده وقد اختلف فيه قول ابن معين
ثم في ابن قسيط مقال توقف فيه مالك فقال في حديث آخر من روايته خارج الموطأ ووصله ليس بذاك اهـ، وانفراده بهذا عن أبي هريرة يمنع من الجزم بصحته اهـ. لكن نقل القسطلاني في المسالك توثيقه عن جماعة منهم ابن معين فقال ليس به بأس وابن سعد فقال كان كثير الحديث ونقل ذلك عن مذهب التهذيب ثم رأيته في الكاشف قال يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي عن أبي هريرة وعنه مالك وثقه النسائي وهو يؤيد ما نقله القسطلاني وبه يقوى القول بصحة الحديث لانتفاء العلة المذكورة والله أعلم. قال الحافظ ذكر الشيخ الموفق ابن قدامة في معنى هذا الحديث وفيه زيادة بعد قوله صلى الله عليه وسلم من سلم عليّ "عند قبري" ولم أرها في شيء من طرق الحديث والعلم عند الله اهـ. ثم هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة غير أبي داود فقول الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه الفجر المنير روينا في الترمذي وذكره سهو نبه عليه القسطلاني في المسالك ثم لفظ أبي داود رد الله علي. قوله:(إلا ردَّ الله عَلي رُوحِي) أي نطقي ثم لفظ أبي داود رد الله عليّ ولفظ رواية البيهقي وأحمد رد الله إلي بالهمزة بدل العين وهو ألطف وأنسب إذ بين التعديين فرق لطيف فإن رد تعددى بعلى في الإهانة وبإلى في الإكرام قال في الصحاح ورد عليه الشيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطأه ورد إليه جوابًا أي رجع ناسيًا ثم أثبت ومن الأول يردوكم على أعقابكم ومن الثاني يردون إلى عالم الغيب والشهادة، لما جاء من النصوص والإجماع على أن أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره على الدوام لكن لا يلزم من حياته النطق فالله سبحانه وتعالى يرد عليه النطق عند سلام كل مسلم عليه وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والقوة فعبر صلى الله عليه وسلم بأحد المتلازمين عن الآخر وكون النطق يعاد عند سلام المسلم ألا يلزم منه منعه منه فيما عدا ذلك وبه يرد ما يقال إن ظاهر هذا الجواب أنه صلى الله عليه وسلم مع كونه حيًّا في البرزخ يمنع عنه النطق في بعض الأوقات ويرد عليه عند سلام المسلم عليه: لأن حال النطق عند فقد المسلم عليه، وإن كان لا يكون ذلك لعدم خلو زمن من مصل عليه صلى الله عليه وسلم في سائر الأقطار، مسكوت عنه لا أنه مجزوم بمنعه من النطق حينئذ حتى يقال أنه صلى الله عليه وسلم ممنوع من النطق بعض الأحيان وذلك ما لا يليق بعلي ذلك الشأن والله أعلم.
لا يقال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ومن لازم صلاتهم نطقهم فكيف يرد النطق حينئذٍ لأنا نقول لا يلزم من الصلاة النطق العادي المتضمن لخطاب الآدمي قيل ونظير تأويل الروح بالنطق هنا تأويل الغين في أنه ليغان على قلبي فاستغفر الله قالوا ليس المراد وسوسة ولا ذنبًا وإن كان أصل الغين ما يغشى القلب ويغطيه إنما أشار صلى الله عليه وسلم إلى ما يحصل له من نوع فترة عن دوام الشهود والذكر وما كلفه من أعباء الرسالة وأداء الأمانة فكان حينئذ يستغفر ليزداد علوًا وقربًا وشهودًا وحبًّا وقال بعض العارفين أنه غين أنوار لا غين أغيار أي أنه كان يغشى قلبه الشريف من أنوار الشهود والقرب ما يخرجه عن عاداته وهو المشار إليه بلي وقت لا يسعني فيه غير ربي فإذا زال عنه ذلك الاستغراق تجلت عليه مظاهر الجلال فخضع واستغفر، وقيل المراد بالروح النطق وبالرد الاستمرار من غير مفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة ففي الحديث على هذا مجازان مجاز استعارة تبعية في لفظ رد ومجاز مرسل في
لفظ الروح وقال في تخريجه يمكن أن يؤول رد الروح بحضور الفكر كما قالوا في قوله يغان على قلبي والعلم عند الله اهـ. وأجاب البيهقي بأن معنى رد روحه عودها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لرد سلام من يسلم عليه واستمرت في جسده الشريف لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد وقيل المراد ظاهره لكنه بدون نزع ولا مشقة وقيل المراد برد روحه الشريفة التفرغ من الشغل وفراغ البال مما هو بصدده في البرزخ من النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات والدعاء بكشف البلاء عنهم وقال بعضهم هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم عما بعد وفاته ورقي روحه الشريفة إلى أقصى درجاته فتعرض أمور أمته السارة له عليه كما يعرض على الملك أمور رعيته ولعل المعنى فيه كما في شرح المشكاة أي للطيبي أن روحه السعيدة المقدسة في شأن ما في الحضرة الإلهية فإذا بلغه سلام أحد من الأمة رد الله تعالى عليه