الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان من مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.
[معنى قول الأئمة: أمروها كما جاءت] :
وأيضًا: فقولهم: أمِرُّوها كما جاءت. يقتضي إبقاء دلالتها على [ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظًا دالة على معاني، فلو كانت] دلالتها منتفية لكان الواجب [أن يقال: أمِرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمِرُّوا ألفاظها مع] اعتقاد أن الله لا يُوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا [تكون قد أُمِرّت] كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيفية عما ليس بثابت لغوٌ من القول.
[قول عبد العزيز بن الماجشون] :
وروى [الأثرم في السنة] وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، [وأبو عمر الطلمنكي وغيرهم] بإسناد صحيح، عن عبد العزيز
بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ـ وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم مالك بن أنس، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب ـ وقد سئل فيما جحدت به الجهمية:
«أما بعد: فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت الجهمية ومن
خالفها في صفة الرب [العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكَلَّت الألسن عن] تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ردت عظمته العقول فلم تجد مساغًا فرجعت خاسئة وهي حسيرة، وإنما أُمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير، وإنما يقال «كيف» ؟ لمن لم يكن ثم كان، فأما الذي لا يحول ولا يزول، ولم يَزَلْ، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، وكيف يعرف قدر من لم يبد ومن لم يمت، ولا يبلى، وكيف [يكون] لصفة شيء منه حد أو منتهى؟ يعرفه عارف أو يحد قدره واصف على أنه الحق المبين، لا حق أحق منه، ولا شيء، أبين منه. الدليل
على عجز العقول في تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغرًا يحول ويزول، ولا يرى له سمع ولا بصر، لما يتقلب به ويحتال من عقله، أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، وخالقهم وسيد السادات، وربهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] .
اعرف ـ رحمك الله ـ غناك عن تَكلُّف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف، هل تستدل بذلك على شيء من طاعته، أو تنزجر به عن شيء من معصيته؟
فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقًا وتكلفًا، فقد {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} [الأنعام:71] فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن [قال] : لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمي عن البَيِّن بالخفي، وجحد
ما سمى الرب من نفسه بصمت الرب عما لم يسم منها، فلم يزل
يملي له الشيطان حتى جحد قول الرب عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22ـ23] فقال: لا يراه أحد يوم القيامة، فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه، ونضرته إياهم {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر:55] ،
وقد قضى أنهم لا يموتون، فهم بالنظر إليه ينظرون.
إلى أن قال: وإنما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة؛ لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدًا.
وقال المسلمون: يارسول الله، هل نرى ربنا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تُضَارُّون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟» قالوا: لا. قال: «فإنكم ترون ربكم كذلك» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه، فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض» .
وقال لثابت بن قيس رضي الله عنه: «لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك
البارحة» .
وقال فيما بلغنا: «إن الله ليضحك من أزلِكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم» ، فقال له رجل من العرب: إن ربنا ليضحك؟ [قال: «نعم» قال: لا نعدم من رب يضحك خيرًا» في أشباه لهذا
مما لم نحصه.
وقال الله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] ، وقال تعالى:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، وقال:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، وقال تعالى:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] . فوالله ما دلَّهُم على عِظَم ما وصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته إلا صغر [نظيرها
منهم عندهم، إن ذلك الذي] ألقى في روعهم، وخلق على معرفة [قلوبهم] ، فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما أسماه، ولم نتكلف منه صفة ماسواه ـ لا هذا ولا هذا ـ لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف.
اعلم ـ رحمك الله ـ أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهي بك ولا تجاوز ما حد لك، فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارث علمه الأمة، فلا تخافنّ في ذكره وصفته من ربك ما وصفه من نفسه عيبًا، ولا تتكلفنّ لما وصف لك من ذلك قدرًا.
وما أنكرته نفسك، ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في الحديث عن نبيك ـ من ذكر ربك ـ فلا تتكلفن علمه بعقلك، ولا تصفه بلسانك، واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه، فإن تكلفك [معرفة]
ما لم يصف من نفسه كإنكارك ما وصف منها، فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أعظم [تكلف] ما وصف الواصفون مما لم يصف منها.
فقد ـ والله ـ عَزّ المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يُعرف، وينكرون المنكر وبإنكارهم يُنكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما بلغهم مثله من نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلبُ مسلم، ولا تكلَّف صفة قدرة ولا تسمية غيره من الرب مؤمن.
وما ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه، فهو بمنزلة