الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين إقامتي بحيدر آباد الدكن نقاها الله البدع والفتن * وقد بذلت فيه جهدى وصرفت فيه وسعي * أوردت الاختلاف الواقع في المواليد والوفيات ووضحت مازل فيه قدم الكفوي وغيره من العلماء في نسبة التصنيفات. وأوضحت توثيق قدماء فقهائنا أو تضعيفهم في الرواية من كتب أصحاب الدراية * وضبطت نسب الفقهاء من كتب الأنساب وبينت ما وقع فيه من الأصحاب. وحققت ما وقع في البين من ذكر المسائل ووقعت الدلائل كم سهرت لهذا الجمع في ظلم الدياجر واحتملت المشقة في ظمأ الهواجر * وليس غرضي من ذلك أن يدرج اسمي في المؤلفين ويشتهر ذكرى في العالمين بل مقصودي به وبسائر تصانيفي أن يحصل العلم لمن لا يعلم ويكون وسيلة لي إلى دار النعم ولئن أمهلني الله في العمر لأجمع ذكر من لم يذكر في هذا المجموع في مجموع آخر يكون للعلماء نافعاً وللفضلاء كافياً أن شاء الله تعالى والله أسأل أن يجعله وسائر تصنيفاتي خالصة لوجهه الكريم أنه ذو الفضل العظيم * والمرجو ممن ينتفع بهذا المجموع أن يدعو لي بحسن الخاتمة في الدنيا والآخرة
* * *
[المقدمة]
اعلم أن ذات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كمنبع العيون جرت منه أنهار الفنون وأول من أجراها وحفرها هم الصحابة المهديون لاسيما الخلفاء الراشدون وهم في العلوم كالنجوم بأيهم اقتديت اهتديت وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم حقاً ونوابه في إشاعة الدين صدقا ثم جرت منهم إلي مستفيديهم وتابعيهم ومنهم إمامنا الأعظم ومقلّدُنا المقدم أبو حنيفة النعمان بن ثابت على ما هو الأصح الثابت ومنهم إلى اتباع التابعين ثم إلى اتباعهم من الأئمة المجتهدين ثم إلى مقلديهم من الفقهاء والمحدثين ولا يزال هذا الانتظام إلى قيام يوم الدين وكلهم قد أولعوا في إشاعة العلوم وإفاضتها على أرباب الفهوم تذكيراً وتصنيفاً وترصيفاً وتحديثا فرحمهم الله رحمة واسعة وأفاض عليهم سحب النعم الكاملة فلولاهم لما اهتدينا ولبقينا على ما كنا (واعلم) أنه ليس الأمر كما يظنه الجاهل الفاسد ذو العقل الكاسدان اختلاف الصحابة ومجتهدى الأمة قد أشكل الأمر وجعل الأيسر أعسر بل الأمر أن اختلافهم صار رحمة لهذه الأمة قد جعل الدين يسراً وأزال عنه عسراً أو لا يعلم أنه لو تبع من منبع نهر واحد هل يكون الأمر فيه أسهل أم فيما إذا نبع من المتعدد * فهذه المذاهب المختلفة للأئمة ومجتهدى الأمة كلها تتصل بأنهار الصحابة وهي متصلة بمنبعها وهو حضرة الرسالة فكلها على هدى من اقتدى بأيها اهتدى ومن توهم أن واحداً منها على هدى وسائرها في ضلالة وقع في حفرة الضلالة (واعلم) أنه قد كثر في هذه الأمة المجتهدون ولهم جماعة مقلدون كلهم قد صرفوا أوقاتهم في إجراء أنهار الشريعة وبذلو جهدهم في تحقيق الطريقة القويمة بل لا يخلو مائة من المئات من المجددين يهتدي بهم طائفة من المقلدين بل ولا عصر من الأعصار عن جماعة المجتهدين في أقطار الأرضين وإن كانوا في الظاهر
من المقلدين وهذا من كمال فضل الله سبحانه على العباد يجب شكره في كل وقت على العباد بهم يهتدون ويرزقون ويمطرون ويرشدون. إلا أن من اشتهرت مذاهبهم ودونت مشاربهم وحققت مسالكم ووضحت دلائلهم وحصل لهم القبول من أرباب العقول في أطراف الأرضين مع مرور الشهور وكرور السنين هم أربعة أبو حنيفة الكوفي ومالك وأحمد والشافعي. وأولهم الأول ويعاصره الثاني وقيل قد روى الأول شيئًا عن الثاني وقيل بل الثاني تلميذ الأول. والثالث تلميذ الرابع. والرابع تلميذ الثاني ولبعض تلامذة الأول. وأما باقي المجتهدين ممن تقدمهم أو تأخرهم فمنهم من لم توجد له الاتباع ولم يكمل به الانتفاع ومنهم من ظهرت له طوائف مقلدة وانتشر مذهبه في الأسفار المدونة لكن قد اندرس ذلك في مدة قليلة ولم يبق له أثر وخبر من أزمنة كثيرة. ومن هاهنا قال من قل لا سبيل إلى السلوك على غير هذه المسالك الأربعة لكنه منازع في ذلك منازعة مبرهنة. ثم إن الناس أكثرهم أخذوا بهذه المذاهب وقال من تبع غيرها من المشارب. فشاع مذهب أحمد في نواحي بغداد وشيوعه دون شيوع باقي المذاهب في البلاد. وشاع مذهب مالك في بلاد المغرب وبعض بلاد الحجاز. وشاع مذهب الشافعي في أكثر بلاد الحجاز واليمن وبعض بلاد الهند وبعض أطراف بلاد الدكن وبعض أطراف خراسان وتوران. وشاع مذهب أبي حنيفة إلى بلاد بعيدة ومدن عديدة كنواحي بغداد ومصر والروم وبلخ وبخارا وسمرقند وأصبهان وشيراز وأذربايجان وجرجان وزنجان وطوس وبسطام واستراباد ومرغينان وفرغانة ودامغان وخوارزم وغزنة وكرمان وأكثر بلاد الهند والسند والدكن وبعض بلاد اليمن وغيرها من الأطراف الشاسعة والأكناف الواسعة. وكلهم نشروا علوم أئمتهم إملاء وتدريسًا وتصنيفًا وتأليفًا. ولا يزال هذا الانتظام إلى أن يظهر المجتهد المطلق آخر أئمة الحق الإمام المهتدي محمد ابن عبد الله المهدى ويزل عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام فيبطل في زمنهما الاتباع والتقليد ويظهر حكمهما بطريق الأخذ من الكتاب والسنة والاستنباط من مشكاة النبوة على الرأي السديد. نص عليه جماعة من المحققين ومؤيدى الدين المتين في دفاترهم وأسفارهم كان حجر العسقلاني والجلال السيوطي ومحمد بن عبد الرسول البرزنجي وعلى القارى والشيخ محيي الدين بن عربي. وأما قول بعض المجهولين والمتعصبين أن عيسى والمهدى يقلدان الإمام أبا حنيفة ولا يخالفانه في شيء من طريقه فهو من الأقوال السخيفة نص عليه أرباب الشريعة والحقيقة بل هو رجم بالغيب بلا شك ولا ريب (واعلم) أن مقلدة الأئمة الأربعة اشتهروا بالانتساب إلى حضرات مقلديهم العلية كالحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية ليحصل التمييز بينهم ويفترق أحدهم عن ثانيهم وفي الحقيقة كل طائفة منهم محمدية فإن تقليدهم أئمتهم والسلوك على مسلكهم سلوك على طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واغتراف من ذلك المنبع الأعظم فمن استنكف عن هذه النسب الشهيرة وجعلها مخالفة للشريعة فقد خبط خبط عشواء وركب متن عمياء وجَهل وجهَّل وضل وأضل (واعلم) أنهم قسموا أصحابنا الحنفية على ست طبقات. الأولى طبقة المجتهدين في المذهب