المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فوائد نختم بها الباب الرابع) - القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تعريف الصلاة لغة واصطلاحاً

- ‌(فائدة في طلب المغفرة للصغير)

- ‌(حكم الصلاة)

- ‌(الصلاة على النبي تجب بالنذر)

- ‌(محل الصلاة)

- ‌(المقصود بالصلاة)

- ‌(إفراد الصلاة عن التسليم لا يكره وكذا العكس)

- ‌(تحقيق لفظ النبي)

- ‌(الفرق بين النبي والرسول)

- ‌(النبوة أفضل من الإرسال)

- ‌(ما الحكمة في إضافة الصلاة إلى الله تعالى وملائكته دون السلام)

- ‌الباب الأول

- ‌تنبيه

- ‌(هل يصلي على غير الأنبياء)

- ‌(بيان أفضل الكيفيات في الصلاة عليه)

- ‌تنبيه: إن قيل لم قال غفل ولم يقل سكت

- ‌(ما الحكمة في أن الله تعالى أمرنا أن نصلي عليه)

- ‌(الفصل الأول السلام عليكم فقد عرفناه)

- ‌(التسليم عليه يرتقي إلى الوجوب)

- ‌الفصل الثاني: المراد بقولهم كيف

- ‌الفصل الثالث: في تحقيق اللهم

- ‌الفصل الرابع: في بيان أسمائه " صلى الله عليه وسلم

- ‌(أسماؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامس: في تحقيق الأُمِّي

- ‌الفصل السادس: في ذكر زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه: قال أبو بكر بن أبي عاصم، لم تذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وذريته فيما أعلم إلا في هذا الحديث

- ‌الفصل السابع في تحقيق الذرية

- ‌الفصل الثامن: في تحقيق الآل

- ‌تنبيه: إن قال قائل ما وجه التفرقة بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبين الآل في الوجوب

- ‌الفصل التاسع: فيه سؤالان أحدهما لم خص إبراهيم عليه السلام بالتشبيه دون غيره من الأنبياء

- ‌الفصل العاشر: المراد بالبركة في قوله وبارك

- ‌الفصل الحادي عشر

- ‌(تحقيق ترحمت عليه)

- ‌الفصل الثاني عشر: المراد بالعالمين

- ‌الفصل الثالث عشر: في تحقيق الحميد

- ‌الفصل الرابع عشر: في تحقيق الأعلين والمصطفين والمقربين

- ‌الفصل الخامس عشر: في تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى

- ‌الفصل السادس عشر: في ضبط ما في حديث علي من مشكل

- ‌الفصل السابع عشر: في زيادة قول المصلي سيدنا

- ‌الباب الثاني: في ثواب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: قال الأتليشي أي عمل أرفع وأي وسيلة أشفع وأي عمل أنفع من الصلاة على من صلى الله عليه

- ‌الفصل الثاني: قرن الله ذكر نبينا والصلاة عليه بذكره

- ‌الفصل الثالث: فائدة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها

- ‌الفصل الرابع: في معنى إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي

- ‌الفصل الخامس: حديث أولى الناس في أقربهم منه في القيامة

- ‌الفصل السادس: السلام عليه أفضل من عتق الرقاب

- ‌الباب الثالث: في تحذير من ترك الصلاة عليه عند ذكره

- ‌(فوائد نختم بها الباب الثالث)

- ‌الباب الرابع: في تبليغه صلى الله عليه وسلم سلام من يسلم عليه ورده السلام

- ‌(فوائد نختم بها الباب الرابع)

- ‌الباب الخامس: في الصلاة عليه في أوقات مخصوصة

- ‌(بعد الفراغ من الوضوء)

- ‌(وأما عقب الصبح والمغرب)

- ‌(وأما الصلاة عليه في التشهد)

- ‌(حكم الصلاة على النبي في التشهد الأول)

- ‌(الصلاة على النبي في القنوت)

- ‌(عند القيام بصلاة الليل من النوم)

- ‌(بعد الفراغ من التهجد)

- ‌(عند دخول المساجد والمرور بها والخروج منها)

- ‌(الصلاة عليه بعد الأذان)

- ‌[لم خص سائل الوسيلة وسكان المدينة صابراً على لاوائها بالشفاعة]

- ‌[ما أحدثه المؤذنون عقب الأذان]

- ‌(الصلاة عليه في يوم الجمعة وليلتها)

- ‌(الصلاة عليه في يومي السبت والأحد)

- ‌(الصلاة عليه ليلة الإثنين والثلاثاء)

- ‌(الصلاة عليه في الخطب)

- ‌(الصلاة عليه في تكبيرات صلاة العيد)

- ‌(الصلاة عليه في الصلاة على الجنازة)

- ‌(الصلاة عليه عند إدخال الميت القبر)

- ‌(الصلاة عليه في رجب)

- ‌(الصلاة عليه في شعبان)

- ‌(الصلاة عليه في أعمال الحج وزيارة قبره وما إلى ذلك)

- ‌(آداب زيارة قبره الشريف)

- ‌(الصلاة عليه عند الذبيحة)

- ‌(الصلاة عليه عند عقد البيع)

- ‌(الصلاة عليه عند كتابة الوصية)

- ‌(الصلاة عليه عند خطبة التزويج)

- ‌(الصلاة عليه في طرفي النهار وعند إرادة النوم)

- ‌(الصلاة عليه في الرسائل وبعد البسملة)

- ‌(الصلاة عليه عند الهم والشدائد)

- ‌(الصلاة عليه عند إلمام الفقر والحاجة وعند الغرق)

- ‌(الصلاة عليه عند وقوع الطاعون)

- ‌(الصلاة عليه أول الدعاء وأوسطه وآخره)

- ‌(الصلاة عليه عند طنين الأذن)

- ‌(الصلاة عليه عند العطاس)

- ‌(الصلاة عليه لمن نسي شيئاً)

- ‌(الصلاة عليه عند أكل الفجل ونهيق الحمير)

- ‌(الصلاة عليه عقب الذنب)

- ‌(الصلاة عليه عند الحاجة)

- ‌(صلاة الحاجة)

- ‌(الصلاة عليه في الأحوال كلها)

- ‌(الصلاة في الأحوال كلها)

- ‌(الصلاة عليه لمن أتهم وهو بريء)

- ‌(الصلاة عليه عند لقاء الإخوان)

- ‌(الصلاة عليه عند تفرق القوم)

- ‌(الصلاة عند ختم القرآن)

- ‌(الصلاة عليه في الدعاء)

- ‌(الصلاة عليه عند القيام من المجلس)

- ‌(الصلاة عليه في كل موضع)

- ‌(الصلاة عليه عند افتتاح الكلام)

- ‌(الصلاة عليه عند ذكره)

- ‌(الصلاة عليه عند نشر العلم والوعظ وقراءة الحديث)

- ‌(الصلاة عليه عند كتابة الفتيا)

- ‌(الصلاة عليه عند كتابه اسمه)

- ‌خاتمة

- ‌(حكم الموضوع)

- ‌(بيان الكتب المصنفة في هذا الباب)

الفصل: ‌(فوائد نختم بها الباب الرابع)

يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له. ونحوه عند ابن بشكوال من حديث محمد بن حرب الباهلي قال: دخلت المدنية فانتهيت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أعرابي يوضع عن بعيره فأناحه وعقله ثم دخل إلى القبر فيلم سلاماً حسناً ودعا دعاء جميلاً ثم قال بأبي أنت وأمي يا ر سول الله إن الله خصك بوحيه وأنزل عليك الكتاباً وجمع لك فيه علم الأولين والآخرين وقال في كتابه وقوله الحق {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وقد أتيتك مقراً بذنبي مستشفعاً بذلك غلى ربك وهو ما وعدك ثم التفت إلى القبر فذكر البيتين وزاد بينهما:

أنت النبي الذي ترجى شفاعته عند الصراط إذا مازلت القدم

قال ثم ركب راحلته فما أشك إن شاء الله إلا أنه راح بالمغفرة. ونحوه عند البيهقي في شعب الإيمان.

(فوائد نختم بها الباب الرابع)

[الأولى إن رده مختص بمن سلم عليه حال زياراته أم لا]

وهذه فوائد نختم بها الباب الرابع: الأولى: روينا عن أبي عبد الرحمن المقري إن رده صلى الله عليه وسلم مختص بمن سلم عليه حال زيارته قلت: وفي ذلك نظر لعموم الحديث المذكور فدعوى التخصيص إلى دليل لا سيما وشواهد هذا المعنى كثيرة وأيضاً كما قيل إذا جوز رده صلى الله عليه وسلم على من يسلم عليه من الزائرين لقبره جوز رده على من يسلم عليه من جميع الآفاق انتهى وأنشد بعضهم قوله:

الا أيها الفادي إلى يثرب مهلا لتحمل شوقا ما أطيق له حملاً

تحمل دعاك الله مني تحية وبلغ سلامي روح من طيبة حلاً

وقف عند ذاك القبر في الروضة التي تكون يميناً للمصلى إذا صلى

وقم خاضعاً في مهبط الوحي خاشعاً وخفض هناك الصدر وأسمع لما يتلى

ص: 168

وناد سلام الله يا قبر أحمد على جسد لم يبل قبل ولا يبلا

تراني أراني عند قبرك واقفاً يناديك عبد ما له غيركم مولى

وتسمع عن قرب صلاتي كمثل ما تبلغ عن بعد صلاة الذي صلى

أناديك يا خير الخلائق والذي به ختم النبيين والرسلا

نبي الهدى لولاك لم يعرف الهدى ولولاك لم نعرف حراماً ولا حلاً

ولولاك لا والله ما كان كائن ولم يخلق الرحمن جزأ ولا كلا

[الثانية في تحقيق قوله ارمت]

الثانية: قوله في الحديث أرمت هو بفتح الهمزة والراء وسكون الميم وفتح التاء المخففة، وزن ضربت قا الخطابي أصله أرمتت أي صرت رميماً فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة لبعض العرب كما قالوا ظلت أفعل أي ظللت، في نظائر لذلك كثيرة وقال غيره إنما هو أرمت بفتح الهمزة والراء والميم المشددة وإسكان التاء أي أرمت العظام وقيل أنه يروي بضم الهمزة وكسر الراء وقيل غير ذلك والله أعلم.

[الثالثة في تحقيق مقدار كثرة الصلاة]

الثالثة قوله أكثروا: قال أبو طالب المكي صاحب القوت أقل ذلك ثلاثماية مرة قلت ولم أقف على مستنده في ذلك ويحتمل أن يكون تلقي ذلك عن أحد من الصالحين إما بالتجارب أو بغيره، أو يكون ممن يرى بأن الكثرة أقل ما يحصل بثلاثماية كما حكوا في المتواتر قولاً إن أقل ما يحصل التواتر ثلثماية عشر وبعضه يكون هنا قد الغي الكسر الزائد على المئتين والعلم عند الله تعالى.

[الرابعة كفى بالعبد شرفاً أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله]

الرابعة كفى بالعبد شرفاً أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قيل في هذا المعنى:

ومن خطرت منه ببالك خطرة حقيق بأن يسمو وأن يتقدما

ص: 169

وقال آخر:

أهلاً بما لم أكن أهلاً لوقعه قول المبشر بعد اليسأس بالفرج

لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ذكرت ثم على ما فيك من عوج

قلت وقد أخبرني بعذ الثقات من أصحاب الشيخ أحمد بن رسلان وغيره من الأولياء المعتبرين ختم الله لنا وله بالصالحات أنه رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وإنه أحضر إليه هذا الكتاب ووضعه بين يديه وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك في منام طويل فتزايد به سروري بذلك وترجيت حصول القبول له من الله تعالى ورسوله ومزيد الثواب في الجارين إن شاء الله تعالى، فأكثر من ذكر نبيك باحسان وأدم الصلاة عليه بالجنان واللسان فإن صلاتك تبلغه وهو في ضريحه واسمك معرضو على روحه صلى الله عليه وسلم.

[الخامسة في معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا قبري عيداً]

الخامسة قال صاحب سلاح المؤمن قوله عليه الصلاة والسلام لا تجعلوا قبري عيداً يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارته ولا يجعل كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلي فيها انتهى، وفي هذا نظر والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم إنما أشار بذلك إلى ما في الحديث الآخر من نهيه عن إتخاذ قبره مسجداً أو يكون المراد بقوله لا تجعلوا قبري عيداً أي من حيث الإجتماع وقد تقدم في أحاديث الباب ما يقرب من هذا وذكر بعض شراح المصابيح ما نصه في الكرم حذف تقديره لا تجعلوا زيارة قبري عيداً ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته عليه الصلاة والسلام اجتماعهم للعيد وقد كانت اليهود والنصارى يجتمعون لزيارة قبور انبيائهم ويشتغلون باللهو والطرب فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن ذلك وقيل يحتمل أن يكون نهيه عليه الصلاة والسلام لرفع المشقة عن أمته أو لكراهة أن يتجاوزوا في تعظيم قبره غاية التجاوز، قلت والحث على زيارة قبره الشريف قد جاء في عدة أحاديث لو لم يكن منها إلا وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بوجوب الشفاعة وغير ذلك

ص: 170

لزائره لكان كافياً في الدلالة على ذلك وقد أتفق الأئمة من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا على أن ذلك من أفضل القربات. وقال شيخ الإسلام أبو الحسن السبكي في شفاء الأسقام له أعنمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث يعني ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي الحديث في إستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو أعتماد صحيح لأن الزائر إذا سلم وقع الرد عليه عن قرب وتلك فضيلة مطلوبة يسرها الله لنا عوداً على بدء وقوله ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً واختلف العلماء في معناه فترجم له البخاري كراهة الصلاة في المقابر فدل على أن معناه لا تجهلوها كالمقابر التي تكره الصلاة فيها.

وقال غيره بل معناه أجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً لأن العبد إذا مات وصار في قبره لم يصل ولم يعمل وهذا هو الظاهر وقال ابن الأثير أنه أوجه وسبقه ابن قرقول فقال في المطالع أنه أولى لقوله في الحديث الآخر أجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً وقد قال ابن التيمن تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعه على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذا الموتى لا يصلون كأنه قال لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور إلى أخر كلامه. ويحتمل أيضاً أن المراد النهي عن دفن الموتى في البيوت وقواه شيخنا وقال أنه ظاهر لفظ الحديث لكن قال الخطابي أنه ليس بشيء فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته وتعقبه الكراماني بأن ذلك من خصائصه وأشار إلى ما ورد، ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض، وقال الخطابي أيضاً يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطناً للنوم فقط لا يصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي، وقال التوريشي مع ذكر الإحتمالات الثلاثة السابقة يحتمل أيضاً أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفيه كالميت وبيته كالقبر انتهى وقد ورد ما يؤيد هذا ففي صحيح مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه. والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت والله أعلم.

[السادسة: رسول الله جي على الدوام]

يؤخذ من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم حي على الدوام وذلك أنه

ص: 171

محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم عليه في ليل ونهار ونحن نؤمن ونصدق بأنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق في قبره وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض، والإجماع على هذا، وزاد بعض العلماء، الشهداء والمؤذنين وقد صح أنه كشف عن غير واحد من العلماء والشهداء فوجدوا لم تتغير أجسامهم حتى الحنا وجدت في بعضهم لم يتغير عن حالها والأنبياء أفضل من الشهداء جزماً قلت وقد جمع البيهقي جزأ في حياة الأنبياء في قبورهم وأستدل بغالب ما تقدم وبحديث أنس، الأنبياء أحياء في قبورهميصلون أخرجه من طريق يحيى بن أبي بكير وهو من رجال الصحيح عن المستلم بن سعيد وقد وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج ابن الأسود وهو ابن أبي زياد البصري وقد وثقه أحمد وابن معين عن ثابت البناني عنه وأخرجه أيضاً أبو يعلي في مسنده من هذا الوجه وكذا البزار لكن وقع عنده عن حجاج الصواف وهو وهو والصواب حجاج بن الأسود كما صرح البيهقي في روايته وصححه البيهقي وأخرجه أيضاً من طريق الحسن بن قتيبة عن المستلم وكذا أخرجه البزار وابن عدي والحسن ضعيف وأخرجه البيهقي أيضاً من رواية محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد فقهاء الكوفة عن ثابت بلفظ آخر قال إن الأنبياء لا يتركون قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور، ومحمد سيء الحفظ. وذكر الغزالي ثم الرافعي حديثاً مرفوعاً انا كرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث ولا أصل له، إلا أن أخذ من رواية ابن أبي ليلى هذه وليس الأخذ بجيد كما قاله شيخنا لأن رواية ابن أبي ليلى قابلة للتأويل. قال البيهقي إن صح فالمرؤاد إنهم لا يتركون يصلون إلا هذا القدر ثم يكونون مصلين بين يدي الله قال وشاهد الحديث الأول ما ثبت في صحيح مسلم من رواية حماد بن سلمة عن أنس رفعه مررت بموسى ليلة اسرى بي عند الكثيب وهو قائم يصلي في قبره وأخرجه أيضاً من وجه آخر عن أنس فإن قيل: هذا خاص بموسى قلنا قد وجدنا له شاهداً من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضاً من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن معنى الحديث وفيه وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه رجل من أزدشنئوة وفيه إذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود وإذا إبراهيم قائم يصلي اشبه

ص: 172

الناس به صاحبكم فحانت الصلاة فأمنتهم قال البيهقي وفي حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه لقيهم ببيت المقدس.

وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة المعراج أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء بالسموات فكلمهم وكلموه وكل ذلك صحيح لا يخالف بعضه فقد يرى موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره ثم يسري بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرى نبينا فيراهم فيه ثم يعرج بهم إلى السموات كما عرج نبينا فيراهم فيها كما أحبر قال وحلولهم في أوقات مختلفة جائز في العقل كما ورد به خبر الصادقوفي كل ذلك دلالة على حياتهم انتهى.

ومن أدلة ذاك أيضاً قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فإن الشهادة حاصلة له صلى الله عليه وسلم على أتم الوجوه لأنه شهيد الشهداء. وقد صرح ابن عباس وابن مسعود وغيرهما رضي الله عنهم بأنه صلى الله عليه وسلم مات شهيداً والله الموفق. وعن الحسن البصري مرفوعاً لا تأكل الأرض جسد من كلم روح القدس وهو مرسل حسن فإن قلت فقوله إلا رد الله علي روحي لا يلتئم مع كونه حياً على الجوان بل يلزم منه أن تتعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة إذ الوجود لا يخلو من مسلم يسلم عليه كما تقدم بل يتعدد السلام عليه في الساعة الواحدة كثيراً، فالجواب كما قال الفاكهاني وغيره أن نقول المراد بالروح هنا النطق مجازاً فكأنه صلى الله عليه وسلم قال الا يرد الله إلى نطقي وهو صلى الله عليه وسلم حي على الدوام لكن لا يلزم من حياته النطق فالله سبحانه وتعالى يرد عليه النطق عند سلام كل مسلم عليه وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة فعبر صلى الله عليه وسلم بأحد المتلازمين عن الأخر. ومما يحقق ذلك أن عود الروح لا يكون إلا مرتين بدليل قوله تعالى:{رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} ، وكمت قالوا أيضاً في قوله:"يغان على قلبي أنه ليس المراد به وسوسة ولا ريث وإن كان أصل الغين ما يتغشى القلب ويغطيه" إنما أشار بذلك إلى ما يحصل له من السهو والفترة عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق بما كلفه من أعباء أداء الرسالة وحمل الأمانة مع ملازمة طاعة ربه وعبادة خالقه في ذلك كله كما بسطه

ص: 173

عياض في الشفا وأجاب البيهقي بما حاصله أن المعنى ألا وقد رد الله علي روحي، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم عقب ما مات ودفن رد الله عليه روحه لأجل سلام من يسلم عليه، وأستمرت في جسده صلى الله عليه وسلم إلا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد، وأجاب بعض العلماء بتسليم ظاهره لكن بدون فزع ولا مشقة. وقال غيره أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك. وأجاب السبكي الكبير بجواب آخر حسن جداً فقال يحتمل أن يكون رداً معنوياً وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم فإذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم ليدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه، وحينئذ فقد حصلنا على خمسة أجوبة في ثالثها وقفة وقد استشكل الأخير من جهة أخرى وهو يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة عليه والسلام في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة، وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم.

[السابعة في معنى في أثر ابن شهاب]

السابعة قوله في معنى في أثر ابن شهاب يؤديان عنكم هو بكسر الدال المهملة المشدةة أي أن الليلة واليوم يؤديان ذلك عنكم، وقوله فيه أنه بكسر الهمزة والله أعلم.

ص: 174