المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تقسيمات الشافعية للدلالة] - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٣

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌[تقسيمات الشافعية للدلالة]

[تقسيمات الشافعية للدلالة]

(باسمه العلم) المراد من العلم هو اسم العين دون الصفة.

(الإكسال): مجامع را انزال مي افتادن.

(لأن النص لم يتناوله فكيف يمنع). لما أن حكم النص لا يخلو إما أن كان نفيًا وإثباتًا، فالإثبات لا يثبت بدون التناول، فكذلك النفي وهو المنع لا يثبت بدون التناول. (ولأنه لإيجاب الحكم في المسمى فكيف يوجب النفي وهو ضده).

وتحقيق هذا أن الثبوت مع الانتفاء ضدان، ولهذا يستحيل اجتماعهما

ص: 1096

في محل واحد في زمان واحد كالحركة والسكون والسواد والبياض، فما يوجب البياض لا يوجب السواد وإن كانا في محلين، فكذلك الثبوت والانتفاء لا يصلحان موجبين لعلة أي بطريق القصد وإن اختلف المحل كالبياض والسواد، ولا يشكل على هذا الأمر مع النهي فإن الأمر بالشيء يقتضي كراهة ضده، مع أنه لم تناول الضد؛ لأنا نقول: إن الآمر أوجب المأمور به قصدًا على المكلف، فيقتضي وجوده ولو كان ضده مباحًا لما اشتغل به، فيفوت المأمور به، فلذلك جعلناه مقتضيًا كراهة ضده.

وأما الإثبات في صورة مستغن عن إثبات النفي في موضع آخر، فلذلك لا ثبت النفي في موضع آخر؛ لأنه لم يتناوله.

فإن قلت: النكاح يثبت الحل في المنكوحة والحرمة في أمها مع أن لفظ النكاح لم يتناول أمها لا بالنفي ولا بالإثبات.

قلت: تثبت حرمة الأم بنص آخر، وهو قوله تعالى: {وأمهات

ص: 1097

نسائكم}. وعن هذا أيضًا خرج الجواب عن سؤال من سال بأن النكاح مثبت للحل في حق الزوج ومثبت للحرمة في حق غير الزوج، لما أن حرمة غير الزوج تثبت بنص آخر، وهو قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} .

(وقد أجمع الفقهاء على جواز التعليل) يعني أجمع الفقهاء على جواز تعليل النصوص لتعدية الحكم منها إلى الفروع، فلو كان التخصيص موجبًا نفي الحكم في غير المنصوص لكان التعليل باطلًا؛ لأنه يكون ذلك قياسًا في مقابلة النص، ومن لا يجوز العمل بالقياس فإنما لا يجوزه لاحتمال فيه بين أن يكون صوابًا أو خطأ لا لنص يمنع منه بمنزلة العمل بخبر الفاسق، وأنه لا يعمل بخبره لضعف في سنده لا لنص في خبره مانع من العمل به، ثم فائدة التخصيص عندنا أن يتأمل المجتهد فيه فيثبت الحكم في غيره بذلك المعنى لينال درجة المجتهدين.

ص: 1098

(وعندنا هو كذلك فيما يتعلق بعين الماء) يعني أن الاستغراق ثابت في وجوب الغسل الذي يتعلق بعين الماء لا في غيره. ألا ترى أن المسلمين أجمعوا على وجوب الغسل على الحائض والنفساء إذا اقتضى الحيض والنفاس فيما لا يمكن القول به فهو مستثنى عن النصوص، فكذلك وجب القول بانحصار وجوب الغسل الذي يتعلق بعين الماء بالماء.

(غير أن الماء يثبت مرة عيانًا كالإنزال، ومرة دلالة) كالتقاء الختاننين لما عرف من الأصل أن الشيء إذا تعسر الوقوف عليه فقام سبب ذلك الشيء مقامه كالنوم مضطجعًا قام مقام الحدث، وكان انتقاض الطهارة مضافًا إلى الحدث معنى، فكذلك هاهنا التقاء الختانين بتواري الحشفة سبب داع إلى نزول الماء فقام مقام نزول الماء، فكذلك أضيف وجوب الغسل إلى الماء.

فحاصله أن التخصيص بالشيء لا يدل على نفي ما عداه عندنا وحيث دل

ص: 1099

إنما دل عند علمائنا لأمر من خارج لا من قبل التخصيص.

من ذلك قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} استدل أهل الحق بهذه الآية على الرؤية لا من حيث التخصيص؛ بل لأنهم كونهم محجوبين عقوبة لهم، فيجب أن يكون أهل الجنة على خلافهم وإلا لا يكون الحجب في حق الكفار عقوبة لاستواء الفريقين في الحجب.

(وذلك في الزنا) لو زنا رجل بامرأة يجوز له أن يتزوج ابنتها؛ لأن حرمة

ص: 1100

ابنة المزنية إنما تكون إذا كانت هي من نسائه؛ لأنها معلق بذلك والمزنية ليست من نساء الزاني فلا تحرم ابنتها على الزاني.

(بيانه أن الشرط لما دخل على ما هو الموجب لولا هو صار الشرط مؤخرًا ونافيًا حكم الإيجاب) أراد بالموجب العلة بمعنى أن الشرط شيء إذا دخل على الوجوب هو موجب كما هو لولا الشرط الذي دخل عليه.

علم بهذا أن الشرط صار مؤخرًا حكم الإيجاب، والوصف يشارك الشرط في هذا العمل، فكان الوصف بمعنى الشرط لذلك، فينبغي أن يوقف على هو؛ لأن قوله:((صار)) جواب لما، وترجمته بالفارسية: يعني آن خبرست كه اكر وي نه بود موجب موجب است وقتيكه وي بر موجب مي در آيد حكم إيجاب را أز وي تأخبر كند وصف مساوي است، ومراد وي را در اين عمل معمول شد كه وصف در معنى شرط نبوده است.

(بخلاف العلة) يعني إنها توجب وجود الحكم عند وجودها، ولا توجب عدم الحكم عند عدمها؛ (لأنها لابتداء الإيجاب لا للاعتراض على ما يوجب). هذا كله جواب عما يقول له.

فقولنا: ولنا أن أقصى درجات الوصف إذا كان مؤثرًا أن يكون علة الحكم

ص: 1101

إلى آخره، وتحقيق هذا الكلام هو أن الشرط للمنع بالإجماع. أما عندنا فيمنع العلة عن الانعقاد، وأما عنده الحكم عند الثبوت، فكان الشرط معترضًا على ما هو موجب، والوصف بمعناه على ما ذكر في الكتاب.

فأما العلة فهي لابتداء إثبات الحكم وهي ليست بمانعة بل هي مثبته، والحكم قد يثبت بعلل شتى على طريق البدلية فلا يكون عدم العلة المعينة دليلًا على عدم الحكم حتى إن عدم البيع لا يدل على عدم الملك؛ لأنه يحتمل أن يحصل الملك بالهبة أو بالإرث أو بالصدقة.

(ولا يلزم على هذا الأصل) وهو ما ذكرنا أن الحكم إذا أضيف إلى مسمى بوصف خاص لا يكون دليلًا على نفيه عند عدم ذلك الوصف عندنا، ثم ذكر هاهنا أن إضافة الحكم إلى مسمى بوصف خاص وهو قوله:((الأكبر مني)) دلت على نفي نسب من بعده كما يجعل الخصم ذلك التخصيص به نفيًا لغيره.

وهو قوله: (وما قال أصحابنا- رحمهم الله في أمة ولدت ثلاثة أولاد في بطن مختلفة) بأن يكون بين كل واحد من الأولاد ستة أشهر فصاعدًا.

ص: 1102

(فادعى المولى نسب الأكبر).

إن نسب الآخرين لم يثبت، فهذا يدل على أن التخصيص بالوصف نفي؛ لأنا نقول: إن نسب الآخرين إنما يثبت لا لأن التقييد بالوصف ينفي ثبوت نسبهما، فإنه لو أشار إلى الأكبر فقال: هذا ولدي، فإن نسب الآخرين لم يثبت أيضًا مع أن التنصيص بالاسم لا يدل على نفي الحكم في غير المسمى، فعلم أن انتفاء النسب لا يتعلق بالتقييد بالوصف بل إنما لا يثبت؛ لأن قل الدعوى يحتمل ثبوت نسب كل واحد منهم وتلزمه الدعوى إذا كان الولد منه، فإنه كما يجرم عليه دعوى ما ليس منه يحرم عليه ترك دعوى ما هو مخلوق من مائة.

فإذا قال: الأكبر مني، وهو ساكت في هذا الزمان عن دعوة نسب الآخرين وهو موضع الحاجة إلى البيان كان سكوته نفيًا لنسبهما. إذا لو لم يكن نفيًا كان تاركًا للفرض فيحمل على النفي، كي لا يصير تاركًا للفرض.

وقوله: (لولا ذلك لثبت) أي لولا تخصيصه نفيًا لثبت نسبهما؛ لأن ولد أم الولد لا ينتفي بدون النفي.

فقلنا: لا يثبت نسبهما لا باعتبار التقييد بالوصف، فإنه لو أشار إلى

ص: 1103

الأكبر وقال: هذا ابني، لا يثبت نسب الآخرين منه أيضًا، ولا يقال لا حاجة إلى دعوى؛ لأنهما ولدا لأم ولده، لأنا نقول: إن أمومية الولد تثبت بالدعوة للأكبر، فيكون ما هو دليل النفي مقارنًا لأمومية الولد فلم يثبت النسب.

وقال في ((المبسوط)): وقال زفر: يثبت الآخرين منه أيضًا؛ لأنه تبين أنها ولدتهما على فراشه، فإنها صارت أم ولد له من حين علقت بالأكبر- إلى أن قال- قلنا: إن تخصيصه الأكبر بدعوى النسب دليل النفي في حق الآخرين هاهنا- لأنه يجب على المولى شرعًا إظهار النسب الذي هو ثابت منه بالدعوى، فإن تخصيصه الأكبر بعد وجوب الإظهار عليه بهذه الصفة دليل النفي في حق الآخرين- ودليل النفي كصريح النفي، ونسب ولد أم الولد ينتفي بالنفي فكذلك بدليل النفي، وهذا نظير ما قيل إن سكوت صاحب الشرع عن البيان بعد وقوع الحاجة إليه بالسؤال دليل النفي؛ لأن البيان وجب عند السؤال، فكان تركه بعد الوجوب دليل النفي، ولكن يعتق الآخران بموت المولى؛ لأنهما ولدا أم الولد فيعتقان بموت المولى، وقوله:((نفيًا))

ص: 1104

خبر صار أي فصار السكوت نفيًا، وقوله:((ولو كان ثابتًا)) متصل بما يليه وهو: ((البيان)) أي لزم البيان لو كان النسب ثابتًا.

(وبالشبهة ترد الشهادة) كشهادة الوالد لولده. ذكر مسألة الشهادات الإمام شمس الأئمة- رحمه الله في ((المبسوط)) بقوله: ولو شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثًا بأرض كذا وكذا غير فلان جاز ذلك في قول أبي حنيفة- رضي الله عنه ولم يجز ذلك في قول أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله تعالى- حتى يقولوا مبهمة: لا نعلم له وارثًا غيره؛ لأن في تخصصهم مكانًا إيهام أنهم يعلمون له وارثًا في غير ذلك المكان.

أرأيت أنهم لو قالوا: لا نعلم له وارثًا سواه في هذا المجلس أكان يقضى بالميراث لهم؟ وأبو حنيفة- رضي الله عنه يقول: هذا اللفظ مبهم للمبالغة في بيان أنه لا وارث له غيره، ومعناه: أن بلده كذا مولده ومسقط رأسه كذا ولا نعلم له بها وارثًا غيره، فأحرى أن لا يكون له وارث آخر في مكان آخر، ثم تخصيصهم هذا المكان بالذكر في هذا اللفظ لغو؛ لأن ما لا يعلم المرء لا

ص: 1105

يختص بمكان دون مكان فهذا وما لو أطلقوا سواء.

وقولهما: أن هذا إيهام، فلئن كان كذلك فهو مفهوم، والمفهوم لا يقابل المنطوق وذكر في أصوله وقالا: لا تقبل هذه الشهادة لا لأنها توجب علمهم بوارث آخر بمكان آخر؛ بل لتمكن التهمة؛ فإنه يحمل بأنهما خصا ذلك المكان للتحرز عن الكذب أو لعمهما بوارث آخر له في غير ذلك المكان، ولكن الشهادة ترد بالتهمة، فأما الحكم فهو أنا لا نثبت نفيًا ولا إيجابًا بالتهمة بل الحجة المعلومة.

(لأنه في حكم التعليق قاصر) يعني أن قوله: ((عبد هذا حر)) تام في نفسه لكنه في حق التعلق قاصر؛ لأن غرض المتكلم من هذا الكلام التعليق،

ص: 1106

فصار كالجملة الناقصة في حق هذا الحكم، دل أن الشركة إنما وجبت للافتقار.

ألا ترى أنه لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وضرتك طالق طلقت ضرتها في الحال؛ لأنه كلام تام فلا حاجة إلى الاشتراك، إذا لو كان غرضه الشركة في التعليق لا قتصر على قوله:((وضرتك)) فإذا أفرد بالخبر دل أن مراه التنجيز لما أن خبر الأول يصلح خبرًا للثاني بخلاف قوله: وعبدي حر؛ لما أن خبر الأول لا يصلح خبرًا له عند تجريده عن الخبر، فلذلك كان هو مع وجود خبره قاصرًا في حق التعليق فتثبت الشركة في التعليق.

ص: 1107

(مثل قوله {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ}) وما قبله {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} ، ومثل قوله:{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} ، وكذلك قوله:{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} ، فقد بينا مثله في بيان واو العطف.

(والشافعي قطع قوله: {وَلا تَقْبَلُوا} أي عن قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}؛ حيث جعل الاستثناء الذي في آخر الكلام منصرفًا إلى قوله: {وَلا تَقْبَلُوا} وإلى قوله: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لا إلى قوله {فَاجْلِدُوهُمْ}، ولأنه لم يجعل رد الشهادة من تتمة الحد حتى جعل التوبة رافعة لرد الشهادة ولم يجعلها رافعة للجلد (مع قيام دليل الاتصال)، فإن

ص: 1108

كلًا منهما يصلح جزاء للقذف، وكل واحد منهما جملة فعلية. كل واحد منهما خوطب به الأئمة، ووصل قوله:{وَأُوْلَئِكَ} بما قبله وهو قوله: {وَلا تَقْبَلُوا} جملة فعلية: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} جملة اسمية والأولى جملة خوطب بها الأئمة، والثانية إثبات شبهة الفسق على الإطلاق وبيان لجريمة القاذف فلا تصلح جزاء على القذف بطريق الحد؛ بل هذا لإزالة الإشكال عن وهم متوهم بأن يتوهم: ينبغي أن لا يجب الحد على القاذف؛ لأن القاذف في قذفه لا يخلو إما أن يكون صادقًا أو كاذبًا، فإن كان صادقًا لا يجب الحد قطعًا، ولو كان كاذبًا يحب، فلا يجب بالشك كالشيء المتردد بين الوجود والعدم حيث ترجع جانب العدم؛ لأنه هو الأصل في الشيء يثبت بالشبهات.

ص: 1109

فأولى أن لا يثبت جانب الوجود في الحدود، وهو مما يثبت بالشبهات والله تعالى أزال ذلك الإشكال بقوله:{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي هم العاصون بهتك ستر العورة، وليس غرضهم من ذلك الطلب الحسنة لكذبهم في ذلك، وإليه في قوله تعالى:{لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فلذلك وجب عليهم حد القذف، ولأن الشافعي رد الشهادة بدون مدة العجز، والله تعالى جعل رد الشهادة حكمًا لصفة التراخي بحرف (ثم) إلى وقت العجز بقوله:{ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} والشافعي غير هذا حيث رد الشهادة بدون مدة العجز.

[العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب]

(ومن ذلك قول بعضهم: إن العام يختص بسببه) أي بسبب ورود العام كما لو قال رجل لآخر: تعالى تغد معي، فقال الآخر مجيبًا: إن تغديت اليوم فعده حر، وخص عموم هذه اليمين عند بعضهم بغداء ذلك الشخص الذي دعا إلى غدائه حتى لو ذهب إلى بيته وتغدى لا يحنث عندهم وألغى الزيادة.

(لأن النص ساكت عن سببه) أي عن سبب مخصوص بذلك الشخص، (والسكوت لا يكون حجة)؛ لأن الاستدلال بالسكوت يكون استدلالًا بلا دليل، فكيف يجوز باعتباره ترك العمل بالدليل وهو المنصوص.

ص: 1110

(ألا ترى أن عامة الحوادث مثل الظهار واللعان وغير ذلك وردت مقيدة بأسباب).

أما آية الظهار وهي قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى قوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الآية نزلت في شأن خولة بنت ثعلبة بن قيس بن مالك امرأة أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري أخي عبادة رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم فلما

ص: 1111

سلمت راودها فأبت فغضب وقال لها: أنت علي كظهر أمي إلى آخره.

وأما آية اللعان فنزلت لما قاله عاصم بن عدي الأنصاري فقال: جعلني الله فداك؛ إن وجد رجل مع امرأته رجلًا فأخبر جلد ثمانين وردت شهادته أبدًا وفيق، وإن ضربه بالسيف قتل، وإن سكت سكت على غيظ، وإلى أن يجئ بأربعة شهداء فقد قضى الرجل حاجته ومضى. اللهم افتح، وخرج فاستقبله هلال بن أمية أو عويمر فقال: ما وراءك؟ قال: شر!

ص: 1112

وجدت على امرأتي خولة وهي بنت عاصم شريك بن سحماء فقال: هذا والله سؤالي ما أسرع ما ابتليت به، فرجع فأخبر عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم خولة فقالت: لا أدري الغيرة أدركته أم بخلًا على الطعام؟ فكان شريك نزيلهم وقال هلال: لقد رأيته على بطنها، فنزلت آية اللعان ولا عن بينهما. كذا في ((الكشاف))، وأما قوله:((غير ذلك)) حكاية القذف، فإنها نزلت بسبب قصة عائشة- رضي الله عنها (وهذه الجملة) أي جملة حكم العام المعلق بالسبب.

(أن يكون بلى بناء على النفي في الابتداء مع الاستفهام)، فإن بلى

ص: 1113

إيجاب لما بعد النفي كما في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ} أي مجمعها، (ونعم لمحض الاستفهام) كما في قوله:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} .

(وأجل يجمعهما) أي يجمع محض الاستفهام كما في نعم وغير محض الاستفهام كما في بلى.

قال الأخفش: إن أجل جواب مثل نعم إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام، فإذا قال: أنت سوف تذهب. قلت: أجل. فكان أحسن من نعم، وإذا قال: أتذهب؟ قلت: نعم، فكان أحسن من أجل. كذا في ((الصحاح)).

(وقد يستعملان في غير الاستفهام على إدراج الاستفهام)، فنظير إدراج الاستفهام ما ذكر في إقرار ((المبسوط)) بقوله: ولو قال: أخبر فلان أن للان عليم ألف درهم، أو قال: أعلمه أو أبشره أو قول له، فقال: نعم، فهذا كله إقرار؛ لأن قوله:((نعم)) ليس بمفهوم المعنى بنفسه وهو مذكور في موضع الجواب، فصار ما يبق من الخطاب معادًا فيه، فلهذا كان إقرارًا.

ص: 1114

وأما قوله: ((وغير احتمال الاستفهام)) فهو ما استعمل نعم في جواب الأمر بأن قيل: ابت مني عبدي هذا، أو استأجره مني، فقال: نعم، فهذا إقرار له بالملك، وكذلك لو قال: افتح باب داري هذه أو جصص داري هذه أو أسرج دابتي هذه أو ألجم بغلي هذا فقال: نعم، فهذا إقرار لما بينا أن نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب؛ لأنه لو لم يحمل عليه صار لغوًا، وكلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن، ولا يحمل على اللغو إلا إذا تعذر حمله على الصحة.

(فيقول الآخر: إن تغديت فعبدي حر. أنه يتعلق به)؛ لأن هذا عام مبني على سؤال فيتخصص به؛ لأن العام يجوز تخصصه بالدليل، وهاهنا قد وجد الدليل وهو دعاؤه إلى الغداء المدعو إليه فيتخصص بدلالة الحال.

والرابع- ما هو مستقل بنفسه خرج عقيب سؤال لكنه زائد على ما هو

ص: 1115

الجواب، فيصير هو كلامًا مبتدأ لا يتعلق بهذا الذي تنازعنا فيه، لأن هذا عام موجب بنفسه زائد على سببه فلم يتعلق به.

(ومن ذلك أن الشافعي جعل التعليق بالشرط موجب العدم) إلى آخره.

وحاصله عند الشافعي قوله: أنت طالق في قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، انعقد سببًا لوقوع الطلاق، وأثر التعليق في منع حكمه، فصار موجب هذا الكلام عنده: وجود الحكم عند وجود الشرط، وعدمه عند عدم الشرط، فصار كأنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وإن لم تدخلي فلست بطالق،

ص: 1116

وهذا لأنه انعقد سببًا عنده قد وجد ما هو المقتضى لوقوع الطلاق، وإنما لم يثبت الحكم لوجود التعليق، فيكون العدم مضافًا إلى المانع، وعندنا لما لم ينعقد سببًا لم يكن عدم وقوع الطلاق مضافًا إلى التعليق؛ بل يبقى كما كان قبل اليمين، وعن هذا الأصل تنشعب الفروع لنا وله.

منها: جواز تعجيل الكفارة قبل الحنث عنده؛ لأنه تكفير قبل السبب، وعدم جواز تعليق الطلاق بالنكاح عنده خلافًا لنا.

(والمالي يحتمل الفصل بين وجوبه ووجوب أدائه)؛ لأن المال مع الفعل يتغايران، فجاز أن يتصف المال بالوجوب لا يثبت وجوب الأداء. ألا ترى أن المال وهو الثمن يجب في ذمة المشتري بمجرد البيع ولا يجب الأداء ما لم يطالب به لما أنهما يتغايران.

(وأما البدني فلا يحتمل الفصل بين وجوبه ووجوب أدائه)؛ لأن الفعل لما وجب أداؤه ولو لم يجب الفعل لا يجب الأداء. إذا لا واسطة بين الفعل والأداء، فلا يتصور انفصال وجوب الفعل عن وجوب الأداء، فلما تأخر وجوب الأداء إلى ما بعد الحنث تأخر الوجوب ضرورة، فلو أجى قبل الحنث تقع الكفارة قبل الوجوب فلا يجوز.

وحاصله أنا لمالي يحتمل الفصل لإمكان القول بالفصل؛ لأن في المال شيئين: المال، والفعل في المال، ويكون المال واجبًا الفعل فيه متأخرًا كما في الثمن المؤجل.

ص: 1117

وأما البدني فليس فيه إلا الفعل، فلما تأخر الأداء لم يبق الوجوب.

(ولنا أن الإيجاب لا يوجد إلا بركنه)؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء، وقيام الشيء بدون ذاته مجال؛ ألا ترى أن البيع لما كان عبارة عن الإيجاب والقبول لا ينعقد بدونهما أو بدون أحدهما أو ما يقوم مقامهما وكذلك الصلاة لما كانت عبارة عن الأركان المعهودة لا تتصور بدونها أو بما يخلها، وكذلك في الحسيات لما كان ركن السرقة من كذا وكذا لا يتصور بدونه. والإيجاب لا يثبت أيضًا بدن محله كالبيع لا ينعقد بدون محله وهو المال، وفيما نحن فيه المحل هو المرأة في تعليق الطلاق بالشرط، فما لم يتصل هذا الإيجاب إليها لم يثبت الإيجاب، وهاهنا لم يتصل بالمرأة لأن اتصاله بها اتصال شرعي، ولم يثبت شيء من أحكام الطلاق فيها لم ينعقد سببًا كالبيع المضاف إلى الحر لما لم يفد حكمًا من أحكام البيع لم ينعقد سببًا، واعتبر هذا بالاتصال الحسي، فإنه ما لم يظهر أثر فعل النجار في المحل وهو الخشب لم ينعقد شجرًا فإذا ثبت هذا تبين أن الشرط ليس بمعنى الأجل. يعني لو أجل الثمن في البيع.

ص: 1118

قلنا: إن الأجل ليس بمانع للبيع ولا بحكمه، فإن المبيع يخرج من ملك البائع ويدخل في ملك المشتري ولكن أثره في تأخر المطالبة ودخول الثمن في ملك البائع ليس بشرط صحة البيع، ولهذا لو أسقط الثمن عن المشتري صح، فلا يقدح عدم وصول الثمن إلى البائع في البيع ولا في حكمه ولا كذلك التعليق، فإنه يمنع العلة عن الانعقاد على ما بينا.

والتعليق بالشرط يمين عقدت للبر، فموجب التعليق هو امتناع حكم الإيجاب والسبب طريق إلى الحكم، فكيف يكون سببًا إلى الحكم وهو مانع عنه؟ فالقول بكونه سببًا إلى الحكم كان قولًا عائدًا على موضوعه بالنقض، وعن هذا الحرف ينشأ الفرق بين التعليقات وبين الإضافة؛ لأن الإضافة لثبوت الحكم بها فكان سببًا؛ لأنها تفضي إليه بخلاف التعليق، فإنه للمنع عن الحكم في أصله.

ألا ترى أن قوله: أنت طالق غدًا أأنت حر غدًا هو لوقوع الطلاق والحرية في الغد، فكيف يكون مانعًا؟ فلم يوجد المانع من السبب، بل وجد ما يحقق كونه سببًا؛ لأن الغد وما يشبهه تعيين لزمان الوقوع، والزمان من لوازم وقوع الطلاق كما إذا قال: أنى طالق الساعة، فتكون الإضافة محققة للسببية والتعليق مانعًا لها، فلا يتقاسان.

(وبدون الاتصال بالمحل لا ينعقد سببًا)، ولكن ينعقد يمينًا؛ لأن التعليق

ص: 1119

بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على ملك المحل كاليمين بالله، وهذا لأن اليمين تصرف منا لحالف في ذمة نفسه فيصح.

فإن قلت: لو قال الشافعي إذا لم يكن سببًا في الحال عندكم ولكن له شبهة السببية، فيجب أن يشترط المحل ما يشترط لحقيقة السبب، وهذا لأن التعليق معتبر بالتنجيز، فلما لم يكن له ولاية الطلاق قبل النكاح لم يكن له ولاية تعليق قبله.

قلت: لا يصح قياس التعليق بالتنجيز؛ لأنه قد يملك التعليق دون التنجيز. ألا ترى أنا لرجل إذا قال لجاريته التي ليس بها حبل: إذا ولدت ولدًا فهو حر صح بالإجماع، وإن كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم، وكذلك إذا قال لامرأته الحائض: إذا طهرت فأنت طالق كان هذا تعليق طلاق السنة، وإن كان لا يملك تنجيزه في الحال.

إلى هذا أشار في ((المبسوط)) وجواب اقتصار شبهة الإيجاب إلى المحل فيجئ بعد هذا إن شاء الله تعالى.

ص: 1120

(فيصلح التدارك به) أي كان الشرط (لأدنى الخطرين) وهو دخول الشرط في الحكم، وذا لأن ثبوت الخيار في البيع ثبت بخلاف القياس؛ نظرًا لمن لا خبرة له في المعاملات، فيثبت بقدر الضرورة، والضرورة ترتفع بكون الخيار داخلًا في الحكم دون السبب؛ عملًا بما هو الأصل في الشرع بقدر الإمكان، وهو تقليل الخطر في البيع بخلاف الطلاق، فقلنا فيه بكمال التعليق أن لو دخل الشرط على الحكم كان تعليقًا من وجه دون وجه فكان ناقصًا في التعليق، والنقصان إنما كان بالعوارض، فلذلك أدخلناه فيه في السبب وفي البيع في الحكم، وهو معنى قوله:(وأما هذا فيحتمل الخطر) أي الطلاق يحتمل التعليق بالشرط الذي فيه خطر وتردد أنه يوجد أم لا؟ لأنه من الإسقاطات والذي يسقط قابل للتعليق كما في الحسيات، فإن القنديل قابل للتعليق؛ لأنه مما يسقط وما يتناول من يد إلى يد وتبادل به غيره غير قابل للتعليق في ذلك الغرض؛ إذ في التعليق بالشرط الذي يوجد أم لا معنى

ص: 1121

القمار، والقمار حرام بالنص، وهو قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} .

(وفرقه باطل؛ لانا قد بينا أن حق الله تعالى في المالي فعل الأداء لا عين المال، وإنما يقصد عين المال في حقوق العباد)؛ لأن المقصود لهم يحصل بالمال. ألا ترى أن صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه له أن يأخذه ولم يوجد من المديون فعل البتة.

فعلم أن المقصود هو المال، وفي باب الزكاة لا بد من فعل من المخاطب فصار كالصلاة (والمال آلته)، ولا يقال: بأنه يتأدى بالنائب؛ لأنا نقول: المقصود يحصل بالنائب لأن المخاطر قطع طائفة منا لمال، وبهذا تلحقه المشقة فحصل المقصود، والإنابة فعل منه فاكتفى به مع حصول المقصود، وإنما لا تتأدى الصلاة بالنائب؛ لأن المشقة فيها إنما تتحقق في فعل نفسه فلا يتصور

ص: 1122

فيه الإنابة، والأصل أن فعل الإنسان لا يكون فعل غيره لما فيه من الاستحالة، وإنما جعل فعل النائب في الزكاة فعل المنوب بخلاف القياس عند حصول ما هو المقصود من إيجاب الزكاة، وهو الابتلاء بوصول المشقة إليه وقد وجد ذلك في الزكاة عند الإنابة فقطع طائفة من ماله، فلا تحلق بها الصلاة بالقياس عليها؛ لأن ذلك ثبت بخلاف القياس مع وجود المفارقة بينهما على ما بينا، فلم تكن الصلاة في معنى الزكاة من كل وجه حتى تلحق هي بها بالدلالة.

(قال زفر- رحمه الله: ولما بطل الإيجاب) أي ولما بطل أن كون المعلق سببًا لوقوع الطلاق (لم يشترط قيام الملك)؛ لأن المحل إنما يشترط لتثبيت الإيجاب كالمال شرط لتثبيت البيع فيه، فلما بطل كونه سببًا لم يفتقر إلى المحل، (وكذلك العتق) يعني إذا قال لأمته: إن فعلت كذا فأنت حرة فأعتقها قبل وجود الشرط بطل اليمين عندنا حتى لو ارتدت- والعياذ الله- ولحقت بدار الحرب ثم أسلمت ثم ملكها المالك الحالف ثم وجد منها الشرط لا تعتق عندنا، وعند زفير تعتق، وأما إذا لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر ثم اشتراه فدخل فإنه يعتق بالاتفاق؛ لأنه بصفة الرق كان محلًا للعتق وبالبيع لم تفت تلك الصفة.

وقوله: (وإنما شرط قيام الملك) هذا جواب لزفير عن شبهة ترد على

ص: 1123

قوله: لما بطل الإيجاب لم يشترط قيام المحل لبقائه)) فوجه الورود هو أن التعليق لما لم يبق له العلية ولا شبهها بل بطل من الأصل؛ لذلك لم يشترط قيام المحل لبقاء التعليق؛ لأن المحل إنما يشترط للعلة وليس هو بعلة عندنا فلا يشترط قيام المحل فالحل ورد عليه.

لو كان كذلك لوجب أن لا يشترط الملك في ابتداء التعليق جمعنا واتفقنا على أن قيام الملك في ابتداء الملك شرط حتى أنه لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها ثم دخلت الدار لا تطلق فعلم بهذا أن الإيجاب لم يبطل من كل وجه حتى اشترط الملك في ابتداء التعليق لشبهة بالعلة، فيجب أن يشترط لبقائه الحل وإن لم يشترط الملك.

فأجاب هو عنه وقال: اشترط الملك في ابتداء التعليق لا باعتبار أن الإيجاب لم يبطل بل الإيجاب بطل لما قلنا إن التعليق يمنعه عن وقوع الطلاق، فكيف يكون شببًا له. ولكن إنما يشترط الملك في ابتداء التعليق لتفيد اليمين فائدته، وذلك أن التعليق وإن لم يكن علة للطلاق ولا شبهة العلة ولكن هو يمين، واليمين إنما تفيد فائدته أن لو كان الملك موجودًا حالة اليمين وهي ابتداء التعليق؛ لأن المقصود من اليمين البر، فاشترط قيام الملك في ابتداء التعليق تحقيقًا لما هو المقصود من اليمين، وذلك أن حال وجود الشرط متردد بين أن يوجد الشرط والملك قائم فيلزمه الجزاء وبين أن يوجد والملك غير قائم فلا

ص: 1124

ينزل الجزاء فلا يحصل ما هو المقصود فرجحنا وجود الملك حال وجود الشرط بوجود الملك حال ابتداء التعليق لما أن الأصل في كل موجود دوامه واستمراره، ولما وجب الترجيح بالملك في الحال لجانب وجود الملك حال وجود الشرط لم يعتبر جانب عدم وجود الملك حال وجود الشرط لما عرف أن المغلوب بمقابلة الغالب بمنزلة المعدوم المستهلك، فإذا كان ذلك فزوال الملك لم يبطل اليمين بالاتفاق؛ لأنه لا ينافي وجود الجزاء عند الشرط لاحتمال أن يتزوجها فيوجد الشرط وهي في ملكه، وهذا المعنى قائم في زوال الحل لاحتمال أن يتزوجها بعد زوج آخر فيوجد الشرط وهي في ملكه فيجب الجزاء، فعلم بهذا التقرير أنه إذا وجد التعليق حال وجود الملك بعد ذلك لا يتفاوت في المستقبل بين زوال الملك وزوال الحل في حق بقاء اليمين، ثم بزوال الملك لا يبطل اليمين بالاتفاق فكذلك بزوال الحل.

وقوله: (ولو كان التعليق يتصل بالمحل لما صح تعليق طلاق المطلقة ثلاثًا بنكاحها) وإنما خص هذه الصورة، وإن كان الحكم في الأجنبية كذلك أيضًا لما أن المطلقة ثلاثًا أبعد من الحل، ولما جاز تعليق طلاقها بنكاحها فلأن يجوز تعليق طلاق الأجنبية بنكاحها أولى.

(وطريق أصحابنا- رحمهم الله لا يصح إلا أن يثبت للمعلق ضرب اتصال بالمحل)، والمعنى من ضرب الاتصال هو كونه مضمونًا بالجزاء في

ص: 1125

الحال، وتقدير هذا أن المعلق وهو التطليق أو الإعتاق لم يكن سببًا للطلاق والعتاق لما قلنا: إن إيجاب السببية لا يوجد إلا بركنه ولا يثبت إلا في محله فلم يوجد الركن ولم يتصل بالمحل لكون الشرط حائلًا بينه وبين المحل على ما قلنا، لكن له شبهة كونه سببًا؛ لأن اليمين تعقد للبر والبر لا بد له من أن يكون مضمونًا بالطلاق تحقيقًا للمقصود، فإذا حلف بالطلاق كان البر هو الأصل وضمانه بوقوع الطلاق عند وجود الشرط، فيثبت في الحال شبهة إيجاب الطلاق كالمغصوب يلزم على الغاصب رده فيكون له حال قيام العين شبهة إيجاب القيمة، ولهذا لو أجى الضمان يمتلك من حين الغصب وإنما يملكه بأداء القيمة، فلم يكن الغصب في الحال سببًا لوجوب القيمة لما ملك من وقت الغصب وكذلك الكفالة تصح بالمغصوب حتى أنه يلزم على الكفيل رد العين حال بقائها، ودفع القيمة حال هلاكها كذا ذكره في ((زاد الفقهاء)) مع أن الكفالة لا تصح إلا بالدين الصحيح.

ولهذا لا تصح ببدل الكتابة؛ لأنه ليس بدين صحيح؛ لأن الدين الصحيح لا يسقط إلا بالأداء أو بالإبراء ولا يسقط بغيرهما، ودين الكتابة يسقط بغيرهما، وهو تعجيز المكاتب نفيه، فلما كان البر هاهنا مضمونًا بالطلاق في الحال ثبت شبه الطلاق، وشبهة الطلاق لا تستغني عن المحل كحقيقة

ص: 1126

الطلاق؛ لأن الشبهة دلال الدليل على ثبوت المدلول وإن تخلف المدلول وقط لا يدل الدليل على ثبوت المدلول في غير المحل.

ألا ترى أنه لا يمكن دلالة الدليل على ثبوت الطلاق في البهيمة لعدم المحل، فإذا بطل الحل بطل اليمين لما عرف أن كل حكم يرجع إلى المحل فالابتداء والبقاء فيه سواء، وفي الابتداء لا يصح التعليق عند عدم المحل فيما إذا كان التعليق بغير سبب الملك فكذلك البقاء.

(فأما قيام هذا الملك فلم يتعين لما قلنا إنه ليس بتصرف في الطلاق ليصح اعتبار الملك) وإنما قال هذا ليفرق بين زوال الملك وزوال الحل، وذلك أن المحل شرط صحة التعليق لما أن التصرف إذا أخطأ محله يلغو، واشتراط الملك عند التعليق لا لصحة تعليق الطلاق؛ لأن هذا ليس بتصرف فيه وإنما يشترط لتحصيل فائدة اليمين لما أن حال الملك وقت وجود الشرط

ص: 1127

متردد، فوجب ترجيح وجوده وقت وجود الشرط بوجود الملك في الحال لما أن الظاهر من كل موجود بقاؤه، فتحصل فائدة اليمين وهي المنع.

وأما تعليق الطلاق بالنكاح فصحيح وإن لم يكن الحل والملك في الحال موجودًا؛ لانا لتعليق بعلة ملك الطلاق تحصل فائدة اليمين وهي المنع لكون البر مضمونًا بالطلاق لا محالة، فصار مثل التعليق بغير علة ملك الطلاق حال قيام المحل والملك، بل هذا أولى بالصحة؛ لأن في حال قيام الملك كان البر مضمونًا بالطلاق من حيث الظاهر مع احتمال غير مضمونيته، وفي تعليق الطلاق بالملك كان البر مضمونًا بالطلاق من حيث القطع والبتات، فكان هذا أحق بالصحة، فعلى خذا تسقط الشبهة التي ذكرناها في المتنازع وهي شبهة وجوب الطلاق؛ لأنه لما صح تعليق الطلاق بالنكاح لزم سقوط تلك الشبهة لاستحالة حقيقة الطلاق قبل النكاح، والشبهة إنما تعتبر عند إمكان الحقيقة، وما ذكرنا من الشبهة حال قيام النكاح وحقيقة التطليق فيه ممكنة فصح القول بشبهة التطليق أيضًا لقيام الدليل عليه، وانعدمت الحقيقة لقيام الدليل عليه فاعتبرت الشبهة وهو المعنى بقله:((فتسقط هذه الشبهة بهذه المعارضة)) يعني أن تعليق الطلاق بالنكاح يوجب سقوط هذه الشبهة وهي أن لتعليق الطلاق شبهًا بالإيجاب، فصارت هذه الشبهة التي حصلت من تعليق الطلاق بالنكاح معارضة للشبهة السابقة التي اقتضاها تعليق الطلاق بدخول الدار فأسقطت تلك الشبهة، وإنما رجحنا جانب هذه الشبهة التي حصلت من تعليق الطلاق بالنكاح على جانب تلك الشبهة لقوة هذه عليها بوجهين:

ص: 1128

أحدهما- أن هذه الشبهة نشأت من جانب علة العلة، فإن النكاح علة ملك الطلاق، والطلاق علة وقوع الطلاق، وتلك الشبهة نشأت من جانب مطلق تعليق الطلاق بالشرط كدخول الدار وغيره، فعلة العلة وهي النكاح اقتضت أن لا تكون المرأة منكوحة ولا شبهة كونها منكوحة ليتحقق النكاح في حقها، وتلك الشبهة اقتضت محلية الطلاق، فثبت هي كونها منكوحة، فوجب ترجيح جانب على العلة على مطلق الشرط؛ لأن علة العلة تصلح أن تكون علة والشرط لا.

والثاني- أن عند وجود هذا الشرط وجود كونها محلًا للطلاق لا محالة؛ لأن المنكوحة محل للطلاق لا محالة، وعند وجود ذلك الشرط لكونها محلًا للطلاق من حيث الظاهر فيحتمل أن لا تكون محلًا للطلاق فوجب ترجيح جانب الشرط الذي هو كائن لا محالة لمحلية الطلاق عند وجوده؛ لأن الشرط الذي يوجد لا محالة أو يوجد عند وجوده محلية العلة لا محالة كان هو أشبه بالعلة من مطلق الشرط.

ألا ترى أن تعليق العتاق بالموت وهو التدبير كان أشبه بالعلة التي في الإعتاق من التعليق بسائر الشروط حتى أثر ذلك في منع البيع وسائر التمليكات بخلاف سائر التعليقات؛ لما أن ذلك معلق بالموت وهو كائن لا محالة فجعل كأنه وجد العتق، وكذلك الشرط الذي يوجد عند وجوده العلة لا محالة أشبه بالعلة من مطلق الشرط، وعن هذا افترق خطاب الكفار

ص: 1129

بالإيمان والشرائع، فقلنا: بأنهم مخاطبون بالإيمان دون الشرائع؛ لأن عند وجود الإيمان صاروا أهلًا لموجب الإيمان وهو دخول الجنة لا محالة.

وأما إذا وجدت الشرائع بدون الإيمان فلا، فكذلك هاهنا صح تعليق طلاق الأجنبية بالنكاح ولم يصح تعليق طلاقها بدخول الدار وغيره كما أن وجود النكاح صيرورتها محلًا للطلاق لا محالة بخلاف وجود دخول الدار.

فعلم بهذا أن الشرط الذي يوجد لا محالة أو يوجد عند وجوده محلية العلة لا محالة كان أشبه بالعلة من مطلق الشرط الذي ليس فيه أحد هذين الوصفتين، فلذلك رجحنا جانب الشرط الذي هو أشبه بالعلة وهو تعليق الطلاق بالنكاح، فحققنا مقتضاه هو أن لا تكون المرأة منكوحة حقيقة ولا شبهة منكوحة.

وهذا معنى قوله: (فيصير قدر ما ادعينا من الشبهة مستحقًا به) أي كون تعليق الطلاق بالنكاح مضمونًا بالطلاق لا محالة عند وجود الشرط أغنانا عن شبهة الطلاق قبل وجود الشرط، وقوله:((من الشبهة)) أي شبهة الإيجاب. ((مستحقًا به)) أي يتعلق الطلاق بالنكاح، (فتسقط هذه الشبهة) وهي شبهة إيجاب الطلاق (بهذه المعارضة) وهي معارضة اقتضاء علة العلة سقوط شبهة الإيجاب قبل وجود الشرط لما ذكرنا أن انفعال النكاح وتحققه مقتض أن تكون المرأة أجنبية للمعلق لا منكوحة، وشبهة الإيجاب مقتضية

ص: 1130

أن تكون المرأة منكوحة؛ لأن شبهة الإيجاب إنما تتحقق في المنكوحة كحقيقته؛ لأن كلا منهما مفتقر إلى المحل، فتعارضتا فرجحنا جانب علة العلة لما ذكرنا.

فإن قلت: لو قال زفر: يرد على قولكم هذا الظهار فإنه لو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثًا ثم عادت إليه بعد زوج يكن مظاهرًا منها إن دخلت الدار، فيجب أن يكون في تعليق الطلاق بالشرط كذلك؛ لأن كل واحد من الطلاق والظهار يتحقق في حق المنكوحة.

قلت: ليس هذا اليمين كاليمين بالظهار؛ لأن المحلية هناك لا تنعدم بالتطليقات الثلاث؛ لأن الحرمة بالظهار غير الحرمة بالطلاق؛ فإن تلك الحرمة حرمة إلى وجود التكفير، وهذه حرمة إلى وجود ما يرفعها وهو الزوج الثاني، فكان من حق الظهار على هذا أن يثبت بعد التطليقات الثلاث إذا وجد الشرط، إلا أنها لو دخلت الدار بعد التطليقات إنما لا يصير مظاهرًا؛ لأنه لا حل بينهما في الحال، والظهار تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك يوجد بعد التزوج بها إذا دخلت الدار. إلى هذا أشار في ((المبسوط)).

(وأبعد من هذه الجملة ما قال الشافعي- رحمه الله من حمل المطلق

ص: 1131

على المقيد أي أبعد من الصواب فوجه أبعديته هو من أن حمل المطلق على المقيد إبطال لإطلاق المطلق الذي هو ممكن العمل، وهو مصالح أن يكون

ص: 1132

الإطلاق مراد المتكلم، فكان فيه إبطال مراد المتكلم من الكلام، وهذا لأن المعنى من حمل المطلق على المقيد ترك دليل المطلق والعمل بدليل المقيد، فكان ترك العمل مع وجوده ظاهر البطلان، وهذا لأنا لنص المقيد غير ناف للحكم عند عدم القيد على ما سنذكر فكان في حمل المطلق على المقيد إبطال حكم موجود ثابت بالنص بمعدوم لا يصلح هو أن يكون حكمًا شرعيًا على ما ذكر في الكتاب بعيد هذا، أو نقول بما أشار إليه الإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله من وجه الأبعدية هو: أن التغيير في الوصف والشرط في موضع واحد وهو إضافة ما ليس بحكم النص إلى النص حيث قال: بأن كلا من الوصف والشرط ناف للحكم عند عدم الوصف والشرط، والتغيير هنا في موضعين:

أحدهما- هذا وهو جعل النص المقيد نافيًا للحكم عند عدم القيد.

والثاني- إبطال حكم ثابت بالنص وهو الإطلاق مع إمكان العمل به.

(والمطلق ساكت) عن ذكر الوصف (والمقيد ناطق) أي بذكر الوصف، فكان محكمًا في أن ذلك الوصف هو المراد والمطلق محتمل له، فوجب حمل

ص: 1133

المحتمل على المحكم (كما قيل في قوله عليه السلام: ((في خمس من الإبل شاة))) لا يتعرض إلى الإسامة لا بالنفي ولا بالإثبات، وقوله عليه السلام:((في خمس من الإبل السائمة شاة)) يتعرض للإسامة، فوجب حمل المطلق على هذا المقيد.

وفي نظيره من (الكفارات) أي يشترك الإيمان في تحرير الرقبة في كفارة الظهار واليمين والصم أيضًا إلحاقًا بكفارة القتل بخلاف زيادة الصوم في القتل، فإنه لم يلحق به كفارة اليمين، يعني لم يشترك في كفارة اليمين صوم شهرين متتابعين مع ورود النص في كفارة القتل بصوم شهرين متتابعين كما قلنا بصفة الإيمان في تحرير الرقبة؛ لانا ما ادعينا أو ورود النص الخاص في حادثة يكون ورودًا بالأخرى، بل نقول: الحكم إذا ثبت مضافًا إلى مسمى بوصف خاص يكون ذلك الوصف بمعنى الشرط، والشرط عندي يوجب

ص: 1134

النفي عند عدم الشرط في المنصوص عليه، وفي نظائره بخلاف زيادة الصوم وأخواتها، فإن ذلك ثابت باسم العلم وهو شهران وعشرة مساكين وركعتان وثلاث وأربع، فيقتضي الوجود لا النفي.

وقوله: (ووظائف الطهارات) مثل سنية التثليث وسنية المضمضة والاستنشاق في الوضوء دون التيمم.

(وأركانها)، ففي الوضوء أربعة أعضاء وفي التميم عضوان، (ونحو ذلك) كاشتراط الأربعة في شهود الزنا وفي غير مشروطة في سائر الشهادات، والجملة الشرطية في قوله:{إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} صفة للنكرة وهي أشياء أي لا تكثروا مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم إن أفتاكم بها أو كلفكم إياها تعمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها، وذلك نحو ما روي ((أن سراقة بن مالك أو عكاشة بن

ص: 1135

محصن قال: يا رسول الله الحج علينا كل عام؟ فأعرض عنه رسول الله عليه السلام حتى أعاد مسألته ثلاث مرات، فقال: ويحك وما يؤمنك أن أقول: نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عم شيء فاجتنبوه)) كذا في ((الكشاف)).

ص: 1136

(فنبه على أن العمل بالإطلاق واجب)، وهذا لأنه ورد النهي عن السؤال، والسؤال عما هو محكم ومفسر لا يكون، فلا يحتاج فيهما إلى السؤال، ولا يكونا لنهي عن السؤال واردًا فيهما.

وأما في حق المجمل فالرجوع إلى السؤال عنه والاستفسار واجب.

فعلم أن النهي عن السؤال إنما جاء فيما هو ممكن العمل مع نوع إبهام فيه وهذا هو عين المطلق، فالسؤال فيه يكون تعميقًا وذلك لا يجوز، فهذا تنبيه على أن العمل بالإطلاق اجب والرجوع إلى المقيد ليتعرف حكم المطلق منه ارتكاب المنهي فلا يجوز.

(وهو قول عامة الصحابة في أمهات النساء) يعني إجراء المطلق على إطلاقه في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} حيث قيل بحرمة الأمهات مطلقًا سواء دخل بابنتها التي هي امرأته أو لم يدخل بها؛ لأن حرمة الأمهات مطلقة عن قيد الدخول بابنتها فأجري على إطلاقه.

وأما حرمة الربيبة إنما تثبت إذا دخل بأمها.

وأما إذا لم يدخل بأمها فلا تثبت حرمة الربيبة بمجرد نكاح أمها؛ لأن هذا مقيد بقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} .

ص: 1137

(ولأن المقيد أوجب الحكم ابتداء، فلم يجز المطلق؛ لأنه لم يشرع) معناه قبل ورود النص المقيد لم يجز العمل بالمقيد؛ لأنه لم يشرع، فإذا ورد المقيد لم يجز العمل بالمطلق؛ لأنه لم يشرع لا لأن النص المقيد نفى حكم المطلق؛ لأنه لم يتناوله فكيف يوجب الحكم فيه بالنفي.

يعني إذا ورد النص المقيد في حادثة ولم يرد النص المطلق في تلك الحادثة بعينها لم يجز العمل بالإطلاق لا لأن النص المقيد نفاه كما في كفارة القتل ورد النص المقيد بتحرير الرقبة المؤمن بقيد الإيمان لم يجز الكفارة لكفارته، لا لأنا لنص المقيد أوجب النفي حكم إطلاق نص آخر؛ لأن النص المطلق لم يرد فيه، ولأن النص المقيد لم يتناول حكم الإطلاق فكيف يوجب النفي فيه بل هذا الحكم وهو حكم النص المقيد حكم متلقى من جهة الشرع، فينتهي إلى ما أنهانا إليه الشرع. وقوله:((لأنه غير مشروع)) أي لأن المطلق غير مشروع، فلذلك لم تتأد كفارة القتل بإعتاق الرقبة الكافرة (لما قلنا إن الإثبات لا يوجب نفيًا صيغة) يعني أن عدم الجواز بالطلق لا باعتبار أن النص المقيد أوجب فيه عدم الجواز؛ لأن إثبات النص الحكم الذي هو نفي أو إثبات لا يخلو إما أن يثبت ذلك

ص: 1138

الحكم إما بالعبارة أو بالإشارة وهذا غير موجود هاهنا، أو بطريق الدلالة وهو لا يصح أيضًا؛ لأن النص المقيد للإثبات وليس للإثبات معنى لغويًا يتناول النفي بل يضاده فكيف يثبت النفي بالدلالة أو بطريق الاقتضاء، وهو أيضًا غير مستقيم؟ لأن الحكم الثابت بالاقتضاء إنما بكون بمقتضى النص المذكور الذي ليس له استغناء بنفسه عند السامع؛ بل هو محتاج إلى ما يصححه، وفي ضمن ذلك المصحح يثبت الحكم الثابت بالاقتضاء، وهاهنا النص المذكور وهو المثبت لحله من غير احتياج إلى آخر، فلا يكون الحكم هنا ثابتًا بالاقتضاء.

ولئن تصور افتقاره لا يفتقر إلى نص هو ناف؛ لأن النفي لا يصحح المثبت، ولما كان هذا هكذا كان هذا من الشافعي احتجاجًا بلا دليل، وما قلناه عمل بوجل كل نص؛ لأنه عمل بالنص المقيد بالتقييد وعمل بالنص المطلق بالإطلاق، فإن العمل هكذا هو موضوعهما الحقيقي، فكان هو عملًا بالدليلين.

(ألا ترى أن قوله تعالى {مِنْ نِسَائِكُمُ} معرفة بالإضافة، فلا يكون المقيد معرفًا ليجعل شرطًا) إذ فيه جعل ما ليس بصالح للشرط شرطًا، وهو باطل، يعني أن وصف المعرف بالإضافة أبالإشارة بالوصف ليجعل شرطًا لا

ص: 1139

يجوز. كما في قوله: هذه المرأة التي أتزوجها طالق كان لغوًا حتى لو تزوجها لا تطلق؛ لأن جعل الوصف إنما يصح في حق الغائب لا في حق الحاضر، ولذلك إذا وصف غير المعرف بالإشارة وبالإضافة جاز أن يجعل شرطًا كما في قوله: المرأة التي أتزوجها طالق فإنه يكون تعليق الطلاق بالتزوج، وإنما ذكر هذا لأن الشافعي- رحمه الله جعل الوصف بمنزلة الشرط وجعل الشرط نافيًا للحكم عند عدمه.

فكذلك أيضًا جعل الوصف نافيًا للحكم عند عدمه إلحاقًا للوصف بالشرط، وكذلك جعل نص وصف الإيمان في قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} نافيًا للإطلاق ونحن لم نجعله نافيًا.

قلنا: إن تحرير الرقبة الكافرة في كفارة القتل لا يجوز؛ لأنه غير مشروع لا لأن النص المقيد بوصف الإيمان نفاه على ما ذكرنا، ولما كان كذلك جهل الشافعي الوصف في قوله:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} بمنزلة وصف الإيمان في الرقبة، كما أن ذلك الوصف ناف لحكم الإطلاق فكذا هذا الوصف أيضًا ناف لحكم الإطلاق، فحينئذ كانت حرمة الربائب منفية عند عدم وصف دخول أمهاتهن؛ لأن عدم ذلك الوصف نفاه كما أن جواز تحرير الرقبة الكافرة في كفارة القتل منتف عند عدم وصف

ص: 1140

الإيمان؛ لأن عدم ذلك الوصف نفاه، فأجاب عنه بهذا وقال: ليس كذلك لأن الوصف إنما يلحق بالشرط ويعمل عمله إذا كان ذلك الوصف واقعًا للغائب على ما ذكرنا من قوله: المرأة التي أتزوجها طالق، فإنه يصح ويكون بمنزلة الشرط.

كأنه قال: إن تزوجتها فهي طالق، وأما إذا وقع الوصف وصفًا للمضاف إلى المخاطب وأوقع وصفًا للحاضر لا يكون ذلك الوصف بمعنى الشرط، فكذلك لا يكون قوله: هذه المرأة التي أتزوجها طال بمنزلة قوله/ إن تزوجتها فهي طالق، فكذلك لا تطلق إذا تزوجها.

(فأما العدم فليس بشرع) يعني أن العدم كائن بالعدم الأصلي لا أن شيئًا ما يجعله عدمًا يعني أن عدم جواز تحرير الرقبة الكافرة في كفارة القتل كان بالعدم الأصلي لا أن هذا الوصف الذي في قوله:

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} بمعنى الشرط، وهو يجعله عدمًا.

وقال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله وفي كفارة القتل ذكر صفة الإيمان في الرقبة لتعريف الرقبة المشروعة كفارة لا على وجه الشرط، وإنما لا تجزئ الكافرة؛ لأنها غير مشروعة لا لانعدام شرط الجواز فيما هو مشروع كما لا تجزئ إراقة الدم وتحرير نصف الرقبة؛ لأن الكفارة ما عرفت إلا شرعًا فما ليس بمشروع لا يحصل به التكفير، وفي الموضوع الذي هو مشروع يحصل به التكفير.

ص: 1141

(ولأنا إن سلمنا له النفي ثابتًا بهذا القيد لم يستقم له الاستدلال به على غيره إلا إذا صحت المماثلة). يعني قد ذكرنا قبل هذا أن عدم جواز حرير الرقبة الكافرة في كفارة القتل باعتبار أن هذا النص المقيد بالإيمان أثبته لا يلزم منه عدم جواز تحرير الرقبة الكافرة في كفارة اليمين والظهار إلا بعد أن تثبت المساواة بين كفارة القتل وسائر الكفارات، وهذا لأنه لا شك أن اشتراط الإيمان في الرقبة باعتبار زيادة التغليظ على من باشر سبب الكفارة، وليس بين كفارة القتل وسائر الكفارات مساواة لا في السبب ولا في الحكم.

أما في السبب فإن القتل بغير حق لا يكون في معنى الجناية كاليمين والظهار، فأن الله تعالى جعل القتل بغير حق قرين الإشراك بالله تعال في قوله:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} واليمين في أصله مشروع كما في الخلف في بيعة الرضوان.

ص: 1142

وكذلك الظهار ليس هو إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، والتشبيه يحتمل معاني أخر ليس فيها معنى الكذب بان يشبهها بها من حيث السمن أو الهزال أو اللون أو غير ذلك فكان هو صادقًا فيها، ولأنه كان هو في الجاهلية طلاقًا والطلاق مباح في أصله ولكن الشارع جعل ذلك التشبيه في حق الحل والحرمة وجعله كاذبًا فيه، وأوجب فيها لكفارة، ولكن مع ذلك لم يبلغ هو من حيث الجريمة جريمة القتل بغير حق، فوجوب تحرير الرقبة المؤمنة في كفارة القتل لزيادة غلظ معصية القتل لم يدل ذلك على وجوب تحيري الرقبة المؤمنة في كفارة اليمين والظهار لعدم مساواتهما في السبب، وكذلك في الحكم، فالرقبة عين في كفارة القتل ولا مدخل للطعام فيها، والصوم مقدر بشهرين متتابعين وفي الظهار للإطعام مدخل عند العجز عن الصوم، وفي اليمين يتخير بين ثلاثة أشياء ويكفي إطعام عشرة مساكين، فعند العجز تتأدى بصوم ثلاثة أيام، فمع انعدام المماثلة في السبب والحكم كيف يجعل ما يدل على نفي الحكم في كفارة القتل دليلًا على النفي في كفارة اليمين والظهار؟

(فإن قال: أنا أعدي الوصف الزائد ثم النفي يثبت به)، وإنما قال بهذا الطريق حيث قدم الوصف الزائد على النفي لا على التعليق احترازًا عما ذكرنا أن العدم ليس بشرع فلا تصح التعدية فيه.

قلنا: لا يصح هذا أيضًا لما ذكرنا أن تحرير الرقبة الكافرة في كفارة القتل

ص: 1143

إنما لا يجوز؛ لأنه غير مشروع لا لأن النص المقيد بذكر وصف الإيمان نفى ذلك حتى أنه لو كان جاء النص المطلق بتحرير الرقبة في كفارة القتل أيضًا لقلنا بجواز تحرير الرقبة الكافرة فيها ولم يجئ فلذلك لم نقل بجوازه.

وأما في كفارة اليمين والظهار جاء النص بتحرير الرقبة مطلقًا فلذلك قلنا: بجواز تحرير لرقبة الكافرة فيها لما أن النص المطلق ممكن العمل بإطلاقه فيجب العمل له؛ لأنه يصلح أن يكون الإطلاق منا لمطلق مراد المتكلم كالعموم من العام، ولما كان كذلك كانت تعدية شرط الإيمان على قود كلامه تعدية معدوم لإبطال موجود أي تعدية عدم جواز تحرير الكافرة الذي هو لا يصلح أن يكون حكمًا شرعيًا لإبطال صفة الإطلاق التي هي مجودة وصالحة لأن تكون حكمًا شرعيًا فلذلك كان هذا أبعد عن الصواب مما سبق.

أو نقول: وهو الأوجه لتقرير الكتاب وهو أن النص المقيد بوصف الإيمان لما لم ينف جواز تحرير الرقبة الكافرة في كفارة القتل بل لأنه غير مشروع على ما ذكر في الكتاب بقوله: ((لا لأن النص نفاه)) كان عدم جواز تحرير الرقبة الكافرة فيها لم تكن ثابتًا بالنص، فحينئذ كانت التعدية تعدية أمر غير ثابت بالنص إلى موضع آخر لإبطال حكم ثابت فيه بالنص وهو الإطلاق وذلك لا يجوز.

(وهذا أمر ظاهر التناقض) يعني اعتبر وصف التقييد في النص المقيد على وجه ينفي غيره ولم يعتبر وصف الإطلاق في النص المطلق بوجه ما. مع أن كلا من الوصفين ثابت بالنص ممكن العمل به، ويصلح أن يكون الكل منهما مراد المتكلم، فكان هذا العمل منه تناقضًا حيث يعتبر وصف النص في

ص: 1144

موضع ولا يعتبر في موضع آخر.

وقوله: (ولكن السنة المعروفة) وهي قوله عليه السلام: ((ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة)) (أوجبت نسخ الإطلاق) أي أجبت هذه السنة نسخ الإطلاق في ذلك الحديث الذي رواه وهو قوله عليه السلام: ((في خمس من الإبل شاة)) لا أن يكون هذا الحديث المطلق حمل على الحديث المقيد بالصفة وهو قوله عليه السلام: ((في خمس الإبل السائمة شاة)) (لكن نص الأمر بالتثبيت في نبأ الفاسق) وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} ، وقرأ ابن مسعود- رضي الله عنه:((فتثبتوا)) فالتثبيت والتبين متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والتعرف.

(فكذلك قيد التتابع في كفارة القتل والظهار لم يوجب نفيًا في كفارة اليمين، بل ثبت زيادة على المطلق بحديث مشهور) يعني أن قيد

ص: 1145

التتابع في كفارة القتل والظهار لم يوجب نفي جواز التفرق في كفارة اليمين أي لم يكن ذلك على طريق حمل المطلق على المقيد، بل ثبت التتابع في كفارة اليمين بطريق الزيادة على المطلق بحديث مشهور فإن قلت: ما الرق بين القول بالزيادة وبين القول بحمل المطلق بل هما متساويان؛ لأن في كل منهما تركا لعمل بدليل المطلق والعمل بدليل المقيد، فأجيزت الزيادة ولم يجز الحمل؟

قلت: لا بل هما مختلفان لا متساويان، وإن استويا من حيث الصورة؛ لأن في حمل المطلق على المقيد تعدية أمر معدوم لا يصلح حكمًا شرعيًا على موضوع يلزم منه إبطال حكم موجود يصلح حكمًا شرعيًا على ما ذكرنا بيانه، وليس في الزيادة ذلك، بل فيه عمل بحديث مشهور، والعمل مقتضاه واجب بشهادة السلف بصحته، وإن كان يلزم فيه نسخ من وجه لما أن النسخ من كل وجه جائز في الشرع فأولى أن يجوز النسخ من وجه، وأما تعدية

ص: 1146

المعدوم لإبطال الموجود فلا يصح أصلًا، ولما كان كذلك فعند استوائها في الصورة وجب أن يحمل ذلك على ما هو موجود في الشرع وهو الزيادة بالمشهور لا على ما هو غير موجود فيه، ولذلك صرح المصنف- رحمه الله بتأبيد عدم جواز حمل المطلق على المقيد، فنظير استواء الحكمين في الصورة مع وجوب الحمل على الصحة دون الفساد لاختلافهما معنى- إذا استفتح الإمام في قراءته ففتح عليه المقتدى، إن نوى المقتدي بتلك القراءة فتح إمامه يجوز، وإن نوى به القراءة لا يجوز؛ لأن المقتدي مرخص في الفتح دون القراءة، فإنه ممنوع عنها مع أن صورتهما واحدة وهي قراءة المقتدى خلف إمامه في الوجهين، ولكن يجب حمل أمره على الصلاح دون الفساد، وهذا كثير، النظير، يظهر ذلك في مسائل الصرف وغيرها، فكذلك هاهنا لما ورد قراءة ابن مسعود- رضي الله عنه بقيد التتابع في كفارة اليمين رد بأنها التتابع على مطلق الصوم، لا أن يكون ذلك من قبيل حمل المطلق على المقيد لما فيه منا لفساد الذي ذكرنا.

ولا مزاحمة في الأسباب؛ لأن الحكم الواحد جاز أن يثبت بأسباب كثيرة أي على سبيل البدل لا على سبيل الاجتماع، فجاز أن يكون رأس المؤمن سببًا لوجوب صدقة الفطر والرأس المطلق أيضًا جاز أن يكون سببًا مع ذلك كالملك جاز أن يثبت لشخص بالشراء وقبول الهبة والصدقة والوصية والإرث؛ لكن إذا لا يثبت إلا بسبب واحد، ولا مزاحمة في الأسباب أي

ص: 1147

لا ينفي وجود سبب وجود سبب آخر على طريق البدل. هذا في السبب.

وأما في الحكم فلا يصح ذلك؛ لأن النص المطلق الموجب لصوم ثلاثة أيام مع النص المقيد بالتتابع الموجب لصوم ثلاثة أيام لا يخلو إما أن يوجب كل واحد منهما صومًا غير ما يوجبه الآخر أو عين ما يوجبه الآخر، فلو أوجب كل واحد منهما صومًا غير ما يوجبه الآخر لزم على الحانث المعسر صوم ستة أيام، ثلاثة بطريق الإطلاق وثلاثة بوصف التتابع، وهو خلاف ما أوجبه النص وذلك لا يجوز، ولو أوجب غير ما يوجبه الآخر يجب التتابع فيهما جميعًا؛ لأنه لما وجب عليه التتابع الذي هو وصف زائد على مطلق الصوم بنص يوجبه استحال أن لا يجب؛ إذ لو قلنا بحرمان الإطلاق التقييد في حق الحكم يجب أن يقال: يجب عليه التتابع في الصوم ولا يجب وهذا خلف من القول.

ولهذا أشار بقوله في الكتاب: (والحكم وهو الصوم لا يقبل وصفين متضادين)، وحاصله أن الشيئين إذا ترادفا في إيجاب الحكم ولأحدهما زيادة وصف والآخر الذي ليس له زيادة وصف يكون تبعًا للذي له زيادة وصف، فيثبت لهما جميعًا تلك الزيادة كالطلاق الرجعي مع البائن، فالبائن للطلاق زيادة وصف على الرجعي؛ لأن الطلاق لا يكون أقل من الرجعي، فلأن الرجعي زيادة وصف فيلحق الرجعي البائن مقدمًا ومؤخرًا، فيكونان بائنين

ص: 1148

لئلا يلغى وصف البينونة التي هي زيادة وصف في الطلاق، فكذلك ههنا النص الموجب لمطلق الصوم كان تبعًا للنص الموجب للتتابع لئلا يلغى وصف التتابع الذي هو زيادة وصف في الصوم.

(هو نظير ما سبق) أي كما أن عندنا أن (التعليق بالشرط لا يوجب نفي الحكم) عند عدم وجود ذلك الشرط كذلك التقييد في السبب في النص لا يوجب نفي الحكم عند عدم ذلك القيد في النص المطلق (مثل نكاح الامة تعلق بطول الحرة) أي بعدم طول الحرة بالنص.

(وبقى مرسلًا مع ذلك) أي مطلق حله بدون تعليق ذلك الشرط بعدم طول الحرة بقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ} وهكذا نقول في قوله: إن دخل عبدي الدار فأعتقه، فإن ذلك لا يوجب نفي الحكم الذي قبله حتى لو كان ذال أولا: أعتق عبدي، ثم قال: أعتقه إن دخل الدار- جاز له أن يعتقه قبل الدخول بالأمر الأول، ولا يجعل هذا الثاني نهيًا عن الأول، وتمام هذا مذكور في ((أصول الفقه)) للإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله.

(لأن الإرسال والتعليق يتنافان وجودًا) يعني أن الحكم الواحد إذا وجد لا يجوز أن يكون حال كونه موجودًا بهذين الطريقين للتنافي كالملك في شيء إذا ثبت لشخص لا يجوز أن يثبت بالبيع والهبة للاستحالة.

فأما قبل وجوده فجاز أن يثبت بهذا أو بهذا، فكذلك نقول في الحكم

ص: 1149

المعلق والمرسل.

(وذلك المعنى ذكرناه) يعني أن الصلاة إذا أضيفت إلى وقت كصلاة الظهر مثلًا كان ذلك الوقت سببها وظرفًا لأدائها وشرطًا له أيضًا، فلا يجوز تقديم الحكم على السبب ولا يوجد المشروط قبل الشرط، وعدم جواز التقديم على سببها لهذا لا لأنه وجد سببها، ومع ذلك لا يجوز التقديم على وقت معين، وكذلك صوم السبعة في المتعة قبل أيام النحر لا يجوز؛ لأنه لم يشرع قبل وقته وهو وقت الرجوع إلى أهله؛ لأن ذلك أضيف إلى الرجوع بكلمة (إذا) بقوله:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} والمضاف إلى وقت لا يجوز قبل ذلك

ص: 1150

الوقت كصوم رمضان قبل شهود الشهر لا أن يكون الفساد لعدم التفريق حتى لو فرق ولكن صام قبل الرجوع لم يجزه أيضًا.

علمنا أن الفساد ليس لعدم التفريق وأنه ليس بشرط للجواز، والتتابع شرط للجواز فلا يبقى للتتابع معارض، ومع ذلك لم يقيد المطلق من الصيام بالتتابع، فبطل أصله. كذا في ((التقويم)).

ولأنه لا يصح هذا العذر من الشافعي ما قال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله فالمطلق في الكفارة إنما يحمل على المقيد في الكفارة أيضًا، وليس في صوم الكفارة مقيد بالتفرق، فإن صوم المتعة ليس بكفارة بل هو نسك بمنزلة إراقة الدم الذي كان الصوم خلفًا عنه.

قلت: ولكن للشافعي أن يقول: صوم المتعة بدل عن دم المتعة، ودم المتعة عندي دم جبر وهذا الصوم خلف عنه فكان هذا الصوم أيضًا صوم كفارة لكونه جبرًا للنقصان الثابت بالقرآن والمتعة، فإن الإفراد عنده أفضل من المتعة والقرآن، ولكن هذا العذر أيضًا لا يجدى له؛ لأن عدم جواز صوم السبعة قبل الرجوع لا لوجوب التفريق بل لعدم وقته على ما ذكرت فلم يصح قوله: إن الأصل يتعارض لأني وجدت صوم المتعة لا يصح إلى متفرقًا؛ لأنه لا يقال للصوم الذي لم يجئ وقته أنه صوم متفرق.

ص: 1151

فعلم بهذا أنه لم يوجد صيام أصلًا كان التفرق فيها واجبًا، وإنما وجد من وصف الصيام وجوب التتابع لا غير، مع ذلك لم يحمل المطلق على المقيد في حق التتابع في الكفارة، فكان أصله متناقضًا حيث حمل المطلق على المقيد في موضع ولم يحمل على المقيد في موضع، فكان أصله متناقضًا، والله أعلم بالصواب.

* * *

ص: 1152