المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجة - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٣

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجة

‌باب تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجة

(والجواب أن الخبر يقين بأصله) إلى آخره، وتفسير ذلك أن خبر الرسول عليه السلام يقين في أصله لما أن خبر الواحد إنما صار حجة لكونه خبر الرسول، فكان يقينًا بأصله، إذ لو ارتفعت الشبهة الثابتة من النقل لكان يقينًا، إذ الخبر المسموع من ي رسول الله عليه السلام صدق يقين لا شبهة فيه،

ص: 1260

والقياس محتمل للصواب والخطأ في نفسه لما أن القياس الصحيح عبارة عن الاجتهاد الصحيح، فإنه يوجب غلبة الظن ولا يوجب علم اليقين.

فإن قيل: الوصف المؤثر لو ثبت مناطًا للحكم لكان يقينًا.

قلنا: لا نسلم؛ لأن الوقوف على كون الوصف مناطًا للحكم بطريق اليقين لا يتحقق إلا بالنص أو بالإجماع، فحينئذ لم يبق هو قياسًا، بل يكون هو نصًا أو إجماعًا ولا لام فيه، غنما الكلام في القياس الصحيح بدونا لنص والإجماع، وهو ليس بيقين في أصله؛ لأن كل وصف مجتهد فيه هو محتمل للغلط، وهو معنى قوله:(وهو محتمل بأصله) وما كان محتملًا بأصله لا يكون معارضًا لما لم يكن محتملًا للغلط في أصله، فلذلك كان خبر الواحد مقدمًا على القياس.

فإن قلت: قولك أن الوقوف على كون الوصف مناطًا للحكم بطريق اليقين لا يتحقق إلا بالنص أو بالإجماع فحينئذ لم يبق هو قياسًا، بل يكون هو نصًا أو إجماعًا كذلك في خبر الواحد لو ارتفعت الشبهة الثابتة بالنقل بأن كان خبر الواحد وقت حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسبيل ذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر الرسول عليه السلام بصحته لم يبق هو أيضًا خر الواحد، بل كان هو نصًا ثابتًا حجيته قطعًا ولا كلام فيه.

إنما الكلام في خبر الواحد.

ص: 1261

قلت: نعم كذلك إلا أن بينهما فرقًا من حيث عدم التغير لحقيقته، فإن خبر الواحد عند ارتفاع الشبهة الثابتة بالنقل بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت يبقى خبرًا ونصًا كما كان عند وجود الشبهة بالنقل إلا أن عند السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتفعت الشبهة الثابتة بالنقل بالموجب فلم يتغير عن حقيقة كونه خبرًا أو نصًا.

وأما القياس عند وجود النص بأن هذا الوصف هو المناط لحكم لم يبق قياسًا أصلًا فتغير عن حقيقته من حيث الاسم ومن حيث الحكم.

فعلم بهذا صحة ما ذكره في الكتاب بقوله: (فكان الاحتمال) أي احتمال الخطأ (في الرأي أصلًا، وفي الحديث عارضًا)، فوقوع احتمال الخطأ في أصله ليس كوقوع احتمال الخطأ في العارض وهذا ظاهر، (ولأن الوصف في النص) أي العلة المؤثرة في النص (كالخبر) يعني أن الخبر إبانة عما ليس بحاضر للسامع، والوصف بمنزلته في إبانة أن الحكم متعلق به ونظر المجتهد فيه كأنه يسمع أخبار هذا الوصف إلا أن الوصف مع هذا ساكت عن حقيقة البيان، (والخبر بيان بنفسه) حقيقي (فكان الخبر أقوى من الوصف في الإبانة والسماع) الخبر الحقيقي، فكان أقوى من نظر المجتهد وهذا معنى ما ذكر في الكتاب.

ص: 1262

وقوله: (لأنه إذا انسد صار الحديث ناسخًا للكتاب والحديث المشهور ومعارضًا للإجماع)؛ لأن الكتاب يقتضي

ص: 1263

وجوب العمل بالقياس بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} .

وكذلك الحديث المشهور يقتضي وجوب العمل بالقياس وهو حديث معاذ- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاب هو بما أجاب: ((الحمد لله الذي وفق رسول الله)) وغيره من الأحاديث التي ذكرها في الكتاب، وكذلك الإجماع منعقد على وجوب العمل بالقياس عند انعدام دليل فوقه.

ص: 1264

أو نقول: الحديث الذي رواه أبو هريرة- رضي الله عنه في المصراة لو عملنا به يلزم نسخ الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فإنه يقتضي المماثلة في باب العدوان في قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سيئة

ص: 1265

مِثْلُهَا}، وكذلك السنة والإجماع، والعمل بحديث المصراة يسد باب القياس أصلًا وهو مفتوح بهذه الدلائل الثلاث.

(فعمل بحديثه ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه وافق القياس عنده، فإن القياس عنده يوجب مهر المثل اعتبارًا بما إذا وقعت بالطلاق بعد الدخول ولم يكن سمي لها مهرًا، لما أن الموت بمنزلة الدخول بدليل وجوب العدة، وبدليل أن النكاح عقد العمر، والعمر بالموت ينتهي، والشيء بانتهائه يتقرر، فصار كأنه وجد ما هو المقصود من النكاح وهو الدخول، فيجب مهر المثل.

(ورده علي- رضي الله عنه) لمخالفته القياس عنده، وهو أن لا يجب مهر المثل قياسًا على ما إذا وقعت الفرقة بالطلاق قبل الدخول فألحق به.

ص: 1266

(((ما نصنع بقول أعرابي بوال على عقبيه))) نقل عن الإمام العلامة الكردري- رحمه الله أن من عادة العرب الجلوس مختبئًا، فإذا بال يقع بوله على عقبيه، والاختباء في الجلوس هو أن يجمع ظهره وساقيه بثوب أو غيره، وهذا لبيان قلة احتياط الأعراب حيث لم يستنزهوا من البول، وهذا طعن من علي- رضي الله عنه فيه.

ص: 1267

(إنه أراد بالكتاب والسنة القياس)؛ لأن حجية القياس تثبت بهما والقياس يرد ما روته لما أن أثرًا من آثار النكاح باق فيجب لها النفقة كما إذا كان الطلاق رجعيًا، والله أعلم.

* * *

ص: 1268