الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيان محل الخبر
(وهو الذي جعل الخبر فيه حجة) أي خبر الواحد.
(فمثل عامة شرائع العبادات). هذا من قبيل إضافة العام إلى الخاص كعلم الطب وعلم النحو؛ فإن الشرائع أعم من العبادات (وما شاكلها) من القرب مما ليس بعبادة مقصودة كالوضوء والأضحية وغير ذلك من الشرائع التي ليست العبادة فيها بمقصودة كالعشر وصدقة الفطر والكفارات.
(فإن أبا يوسف- رحمه الله قال فيما روي عنه: يجوز إثبات العقوبات
بالآحاد) ولذلك قبل في حد اللواطة خبر الواحد، وهو قوله عليه السلام" ((اقتلوا الفاعل والمفعول)).
(أن خبر الواحد يفيد من العلم ما يصلح العمل به) أي أن خبر الواحد يفيد علم غالب الظن وهو ما يصلح العمل به (في إقامة الحدود كما في البينات في مجالس الحكم)، ولو كان مجرد الاحتمال مانعًا للعمل فيما يندرئ بالشبهات لما جاز العمل فيها بالبينة، (وكذلك يجوز إقامة الحدود بدلالة النص) وهي قاصرة من حيث إنها لا تثبت بالنظم، فمن دلالات النصوص التي تثبت بالاجتهاد ما قلنا في وجوب الكفارة بالأكل والشرب استدلالًا بالإجماع، ودلالة النص فيه أن الوجوب متعلق بالفطر الكامل، والأكل والشرب في ذلك مثل الوقاع، وهذا غير مسلم عند الخصم، فكان هو ثابتًا مع ضرب من الاحتمال، فكذلك هاهنا يجوز أن تثبت العقوبة بخبر الواحد.
(فأما البينة فإنها صارت حجة بالنص الذي لا شبهة فيه) يعني وجوب الحد بالبينة مع الاحتمال إنما يثبت بالنص، بخلاف القياس فيقتصر على مورد النص، وخبر الواحد ليس في معنى الشهادة من كل وجه لما أنا لشهادة تتوقف على ما لا يتوقف عليه خبر الواحد من العدد والذكورة والحرية والبصر وكنه غير محدود في القذف، فإذا وجدت هذه الشرائط في الشهادة كانت هي أكمل من غيرها، وليس شيء منها شرط في خبر الواحد فلم يكن هو في معناها فلا يلحق بها بدلالة النص.
(لم يوجب الحد في اللواطة بالقياس) أي بالقياس على الزنا بجامع أن في كل منهما قضاء الشهوة بسفح الماء في محل مشتهى محرم من كل وجه، (ولا بالخبر الغريب) وهو قوله عليه السلام:((اقتلوا الفاعل والمفعول)) وقوله: (عند الإمكان) احترازًا عما لا يطلع عليه الرجال وهو الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في مواضع لا يطلع عليها الرجال، فإن العدد والذكورة فيه ليس بشرط بل تقبل فيه شهادة امرأة واحدة، (وقيام الأهلية بالولاية) يعني به العقل والبلوغ والحرية (مع سائر شرائط الأخبار) وهي: الإسلام، والضبط، والعدالة.
(وتوكيدًا لها) معطوف على محل.
قوله: ((لما فيها من محض الإلزام)) أي إلزامًا وتوكيدًا، وقوله:((لما فيها من محض الإلزام)) احتراز عن النوع الأول وهو حقوق الله تعالى من العبادات، فإن الأخبار بحقوق الله تعالى من العبادات إلزامًا أيضًا ولكن ليس هو بخالق للإلزام؛ لأن الإلزام الخاص هو أن يلزم غيره من غير لزوم عليه، وليس الأخبار في العبادات كذلك؛ لأن المخبر بأخباره في الواجبات من العبادات كما يلزم غيره موجب الخبر فيحب هو عليه أيضًا فلم يكن إلزامًا خالصًا، وإنما الإلزام الخالص في الشهادات حيث يوجب على المدعى عليه موجب خبره من غير أن يلزم هو عليه، وحاصله أن في الأخبار بحقوق الله تعالى من العبادات التزامًا وإلزامًا، وأن في الشهادات إلزامًا خاليًا عن الالتزام، فكان خالصًا في الإلزام لا محالة، فلذلك سماه محض الإلزام لخلوه عن شائبة الالتزام.
فكذلك قوله: (لما يخاف من وجوه التزوير والتلبيس صيانة للحقوق المعصومة) للفرق بين هذا وبين النوع الأول.
إلى هذا الذي ذكرت أشار الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله فقال: ولان الخصومات إنما تقع باعتبار الهمم المختلفة للناس، والمصير إلى التزوير والاشتغال بالحيل والأباطيل فيها ظاهر، فجعلها الشرع حجة بشرط زيادة العدد وتعيم لفظ الشهادة تقليلًا لمعنى الحيل والتزوير فيها بحسب وسع القضاة، وليس هذا نظير القسم الأول، فإن السامع هناك حاجته إلى الدليل ليعمل به لا إلى رفع دليل مانع، وخبر الواحد باعتبار
حسن الظن بالراوي دليل صالح لذلك، فأما في المنازعات فالحاجة إلى رفع ما معه من الدليل وهو الإنكار الذي هو معارض لدعوى المدعي، فاشتراط الزيادة في الخبر هنا لهذا المعنى.
(والشهادة بهلال الفطر من هذا القسم)؛ لأنه يتعلق به حق العباد وهو الفطر، فيلزمهم ذلك وكان من حقوق العباد مما فيه إلزام، فصار كسائر حقوق الناس مما فيه إلزام.
وقوله: (وما أشبه) ذلك كالرسالة في الودائع والعواري (وقبل فيها خبر الصبي والكافر) أي إذا وقع في قلب السامع صدقهما.
(أحدهما: عموم الضرورة الداعية إلى سقوط شرط العدالة) أي إن في تبليغ مثل هذا الخبر ضرورة عامة تشمل الخاص والعام والمسلم والكافر، ومثل هذه الضرورة داع إلى سقوط شرط العدالة وسقوط اتفاق الملة؛ لأن كل الناس محتاجون إلى البياعات والأشربة والتوكيل، والمكل قلما يجد عدلًا
ليبعث إلى غيره بالتوكيل، وربما لا يتمكن الوكيل من الرجوع إلى قول الموكل مشافهة لبعد المسافة، وكذا هذا أيضًا في جميع المعاملات من بعث الهدايا والإذن في التجارة وغيرها، فلو توقف جواز هذا الأخبار على ما يشترط في الشهادة لوقع الناس في حرج عظيم، فتتعطل المصالح المتعلقة بالمعاملات، ثم الناس كلهم عملوا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بمثل هذه الأخبار في الأسواق وغيرها من غير توقف على شرائط الشهادة، فكان ذلك إجماعًا منهم على سقوط شرائط الشهادة في هذه الأخبار.
(بخلاف أمور الدين مثل طهارة الماء ونجاسته) وحل الطعام وحرمته فإنه من النوع الأول، فيشترط فيه العدالة، (ولهذا الأصل لم تقبل شهادة الواحد بالرضاع) أي وللأصل الذي ذكرنا في بيان القسم الثالث فما فيه إلزام محض من حقوق العباد يشترط فيه شرائط الشهادة قلنا: إن شهادة الواحد بالرضاع لا تقبل وإن كان عدلًا، يعني لو تزوج رجل امرأة فشهد واحد على أنهما ارتضعا من امرأة واحدة، والنكاح بينهما كان باطلًا، أو اشترى أنة فشهد واحد على أن المشترى وهذه الأمة ارتضعا من امرأة واحدة أو شهد على حرمة أمة من الأصل الذي كان اشتراها رجل ففي هذه الصور الثلاث لا تقبل شهادة رجل واحد وإن كان عدًا لما أن الموضع موضع المنازعة؛ لأن الإقدام
على النكاح تصريح منه بان النكاح وقع صحيحًا، والشاهد يقول: بان النكاح وقع باطلًا فتنازعا وفي موضع المنازعة لا يعتبر قول الواحد لكونه من جملة القسم الذي هو إلزام محض في حقوق العباد.
فإن قيل: في هذا حرمة أيضًا فكان ينبغي أن يكون حكمه مثل حكم حل الطعام وحرمته.
قلنا: لا بل بينهما فرق؛ لأن حرمة الفرج هنا تنبئ على زوال الملك، فكان زوال الملك أصلًا ومتضمنًا لحرمة الفرج والحرمة بناء عليه، والاعتبار للمتضمن لا للمتضمن.
فإن قلت: هذا الجوا في ثبوت الرضاع في النكاح وفي ثبوت الحرمة في ملك اليمين في الجارية مسلم، أما في ثبوت الرضاع في الجارية التي اشتراها فغير مسلم؛ لأن ثبوت الرضاع هناك لا يقتضي زوال ملك اليمين هو من قبيل حل الطعام وحرمته.
قلت: إن لم يقض هو زوال ملك اليمين اقتضى زوال ملك المتعة وهو أيضًا مما يقصد في الجارية المشترى، وكان هو بسبب القصد بمنزلة زوال ملك المتعة الذي يثبت مقصودًا وهو النكاح، فلا يثبت بشهادة الواحد بخلاف حرمة الطعام.
فإن ذلك لم يبن على زوال ملك اليمين ولا على زوال ملك المتعة، فإن حرمة الطعام تثبت مع بقاء ملك اليمين كما في العصير المملوك إذا تخمر
يبقى مملوكًا للمالك فيحرم على المالك شربه كما يحرم على غيره، وكذلك حل الطعام لا يبتنى على ثبوت الملك؛ لأنه يجوز أن يثبت الحل ولا يثبت الملك كما إذا أبيح له الطعام من غير تملك ولا كذلك حل المرأة وحرمتها وحل الجارية وحرمتها.
وذكر في استحسان ((المبسوط)) الفرق بينهما من وجهين، فقال: إذا كان الرجل يشتري الجارية فيخبره عدل أنها حرة الأبوين أو أنها أخته من الرضاعة، فإن تنزه عن وطئها أفضل وإن لم يفعل وسعه ذلك، وفرق بين هذا وبين ما تقدم من الطعام والشراب فأثبت الحرمة هناك بخبر الواحد العدل ولم يثبت هنا؛ لأن حل الطعام والشراب يثبت بالإذن بدون الملك حتى لو قال لغيره: كل طعامي هذا أو توضأ بمائي هذا أو اشربه وسعه أن يفعل ذلك، فكذلك الحرمة تثبت بما لا يبطل له الملك وحل الوطء لا يثبت بدون الملك حتى لو قال: طأ جاريتي هذه قد أذنت لك فيه، أو قالت له حرة في نفسها، لا يحل له الوطء، فكذلك الحرمة تثبت لما لا يبطل به الملك وهو خبر الواحد، وتقرير هذا الفرق من وجهين: أحدهما: أن الحل والحرمة فيما سوى البضع مقصود بنفسه؛ لأنه لا يثبت بدون ملك المحل، وتثبت الحرمة مع قيام الملك، فكان هذا خبر بأمر ديني، وقول الواحد ملزم فيه.
فأما في الوطء فالحل والحرمة تثبت حكماُ للملك وزواله لا يثبت مقصودًا بنفسه، وقول الواحد في إبطال الملك ليس بحجة، فكذلك في الحل الذي ينبني عليه.
والثاني: أن في الوطء معنى الإلزام على الغير؛ لأن المنكوحة يلزمها الانقياد للزوج في الاستفراش والمملوكة يلزمها الانقياد لمولاها، وخبر الواحد لا يكون حجة في إبطال الاستحقاق الثابت لشخص على شخص.
فأما حل الطعام والشراب فليس فيه استحقاق حق على أحد يبطل بثبوت الحرمة، وإنما ذلك أمر ديني، وخبر الواحد في مثله حجة.
(وعلى ذلك بنى محمد- رحمه الله مسائل) أي على ما قلنا من المنازعة والمسألة، فقوله:(إن فلانًا كان غصب مني هذا العبد فأخذته منه) موضع المنازعة، فلذلك لا يقبل السامع خبره؛ لأن الأخذ سبب الضمان كما أن صريح لفظ الغصب يثبت الضمان، وأما التوبة والرد فليس من أسباب الضمان، وكان الموضع موضع المسألة فيقبل خبر الواحد.
وبيان هذا أيضًا في استحسان ((المبسوط)) فقال: ولو أن رجلًا علم أن جارية لرجل يدعيها ثم رآها في يد آخر يبيعها ويزعم أنها قد كانت في يد فلان وذلك الرجل يدعي أنها له، وكانت الجارية مقرة له بالملك غير أنه زعم أنها كانت لي وإنما أمرته بذلك لأمر خفته وصدقته الجارية بذلك والرجل ثقة مسلم فلا بأس بشرائها منه؛ لأنه أخبر بخبر مستقيم محتمل، ولو كان ما
أخبره معلومًا للسامع كان له أن يشتريها منه، فكذلك إذا أخبره بذلك ولا منازع له فيه، وإن كان في أكبر رأيه كاذب لم ينبغ له أن يشتريها؛ لأنه ثبت عنده أنها مملوكة للأول فإن إقرار ذي اليد بأن الأول كان يدعي أنها كانت مملوكته حين كانت في يده فيثبت الملك له وكذلك سماع هذا الرجل منه أنها له. دليل في حق إثبات الملك له، والذي أخبره المخبر بخلاف ذلك لم يثبت عنده حين كان في أكبر رأيه أنه كاذب في ذلك ولم لم يقل هذا ولكنه قال: ظلمني وغصبني فأخذتها منه، لم ينبغ له أن يتعرض لها بشراء ولا قبول هبته وإن كان المخبر ثقة دليل في حق إثبات الملك له، والذي أخبره المخبر بخلاف ذلك لم يثبت عنده حين كان في أكبر رأيه أنه كاذب في ذلك ولو لم يقل هذا ولكنه قال: ظلمني وغصبني فأخذتها منه لم ينبغ له أن يتعرض لها بشراء ولا قبول هبته وإن كان المخبر ثقة أو غير ثقة، والفرق من وجهين:
أحدهما: أنه أخبر هاهنا بخبر مستنكر، فإن الظلم والغصب مما يمنع كل أحد عنه عقله ودينه، فلم يثبت بخبره غصب ذلك الرجل بقى قوله: أخذتها منه وهذا أخذ بطريق العدوان.
ألا ترى أن القاضي لو عاين ذلك منه أمره برده عليه حتى يثبت ما يدعينه، وإذا سقط اعتبار يده بقي دعواه الملك فيما ليس في يده لا يطلق الشراء منه، وفي الأول أخبر بخبر مستقيم كما قررنا، فإن عقله ودينه لا يمنعانه من
التلجئة عند الخوف.
والثاني: أن خبر الواحد عند المسالمة حجة وعند المنازعة لا يكون حجة؛ لأنه يحتاج فيه الإلزام، وذلك لا يثبت بخبر الواحد، وفي الفصل الثاني أخبر عن حال منازعة بينهما في غصب الأول منه واسترداد هذا منه فلا يكون خبره حجة، وفي الأول أخبر عن حال المسالمة ومواضعة كانت بينهما، فيعتمد خبره إذا كان ثقة إلى آخره.
وقوله: (ولهذا قبلنا خبر الفاسق) يتصل بقوله: (وقبلنا في موضع المسالمة) وكذلك قوله: (ولهذا قبلنا خبر المخبر في الرضاع الطارئ) متصل به أيضًا؛ لأنه إنما يقبل خبر الواحد في الرضاع الطارئ لكونه من موضع المسالمة لما أنهما اتفقا على صحة النكاح، والمخبر لا ينازعه بل يخبر بفساد النكاح، وهو طالب دليلًا يعمل به في فساد النكاح، وخبر الواحد يصلح دليلًا لذلك، فجاز أن يقبله ويتزوج أختها، فكان خبر المخبر مجوزًا لا ملزمًا.
(والشهادة بهلال رمضان من هذا القسم) أي لا يشترط فيه نصاب الشهادة والحرية ولفظ الشهادة يعني إذا كان في السماء علة.
(ووجوب الشرائع على المسلم الذي لم يهاجر).
قال الإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله والأصح عندي أنه يعتبر خبر الفاسق فيه في إيجاب.
(والشهادة بهلال رمضان من هذا القسم) أي لا يشترك فيه نصاب الشهادة والحرية، ولفظ الشهادة يعني إذا كان في السماء علة.
(ووجوب الشرائع على المسلم الذي لم يهاجر).
قال الإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله والأصح عندي انه يعتبر خبر الفاسق فيه في إيجاب القضاء عند علمائنا جميعًا؛ لأن هذا المخبر نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمور من جهته بالتبليغ كما قال عليه السلام: ((ألا فليبلغ الشاهد الغائب)) فهو بمنزلة رسول الله إلى عبده، ثم هو غير متكلف في
هذا الخبر، ولكنه مسقط عن نفسه ما لزمه من الأمر بالمعروف، فلهذا يعتبر خبره والوكيل: هو الذي يبلغ بلفظ الوكالة، والرسول: هو الذي يبلغ بلفظ الرسالة، وتقييد الوكالة والرسالة للاحتراز عن الفضولي ممن إليه الإبلاغ كالموكل والمولى والأب وغيرهم من الأمير والقاضي.
(والمثنى كذلك عند بعضهم) أي لا يقبل خبر الاثنين إلا إذا كانا عدلين، (ولفظ الكتاب في المثنى محتمل) أي لفظ كتاب:((المبسوط)) في اشتراط عدالة الاثنين محتمل؛ لأن يشترك أولًا يشترك، وفي ((أصول الفقه)) لشمس الأئمة- رحمه الله ولفظ الكتاب مشتبه، فإنه قال: حتى يخبره رجلان أو رجل عدل، فقيل معناه: رجلان عدل أو رجل عدل؛ لأن صيغة
هذا النعت للمفرد والجماعة واحد.
ألا ترى أنه يقال شاهد عدل وفي ((التقويم)): فإن قيل: فما الفائدة في زيادة العدل مع قيام الفسق؟
قلنا: كما قلما في الشهادة مع قيام العدالة الواحد والاثنين، وقد نص محمد بن الحسن- رحمه الله في كتاب الاستحسان في ماء أخبره رجل بنجاسته والآخر بطهارته وأحدهما فاسق والآخر عدل على أن خبر العدل أولى، وإن كانا فاسقين توقف، وإن كان أحد الفريقين رجلين فخبرهما أولى، فرجع بالزيادة كما رجح بالعدالة، وكذلك إذا اختلف المزكون في جرح الشاهد وتعديله ومن جانب رجلان ومن جانب رجل، فقول الرجلين أولى.
(يلزمه فيه العهدة من لزوم عقد) يعني يلزم العقد على الوكيل بعد العزل، ويلزم عليه الكف عنا لتصرف، (أو فساد عمل) يعني يفسد ما عقد العبد بعد الحجر، ويلزم عليه الكف عن التصرف أيضًا، ويلز على البكر النكاح إذا سكتت، فكان إلزامًا من هذا الوجه، ويلزم على المسلم الذي لم
يهاجر بخبر الواحد الشرائع، فكان إلزامًا من هذا الوجه، ومن حيث إن الموكل ونحوه يتصرف في حقه بالفسخ منا لمعاملات كما يتصرف في حقه بالتوكيل والإذن، يعني أن ولاية الفسخ الثابتة له بعد الإخبار بالعزل، لعقد يعقد بعد العزل غير مضافة إلى الإخبار بالعزل، بل يتصرف في حق نفسه، كولاية الإطلاق الذي أسلم في ابتداء الوكالة فإنه لا يكون الوكيل ملزمًا فكذا العزل، أما في حق المسلم الذي أسلم في دار الحرب أن المحبر بالشرائع إذا كان مسلمًا كان مأمورًا بتبليغها، ويسقط بإخباره ما لزم عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن متكلفًا، بل كان مأمورًا من جانب الشرع بخلاف الفضولي في المعاملات على ما ذكره شمس الأئمة- رحمه الله فلم يشترك على هذا العدالة في المخبر.
(لأن الذي يفسخ يتصرف في حقه) أي لأن الموكل الذي يفسخ الوكالة ليتصرف في حق نفيه بالإطلاق أي بالإجازة. (لكونها بين المنزلتين) أي بين منزلة الإلزام المحض وبين المعاملات التي لا إلزام فيها لشبهه بكل منهما
على ما ذكرنا، (والتزكية من القسم الرابع) حتى لا تحتاج إلى العدالة ولفظ الشهادة، والله أعلم بالصواب.
* * *