المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب بيان القسم الرابع من أقسام السنة وهو الخبر - الكافي شرح أصول البزدوي - جـ ٣

[الحسام السغناقي]

الفصل: ‌باب بيان القسم الرابع من أقسام السنة وهو الخبر

‌باب بيان القسم الرابع من أقسام السنة وهو الخبر

السامع والمبلغ هما جميعًا وصفًا الراوي، والطرفان باعتبار ابتداء والتلقن عن المروي عنه، والانتهاء باعتبار الرواية للغير. هكذا وجدت بخط شيخي- رحمه الله.

(وأما الطرف الذي هو الطرف السامع) - وفي نسخه هو طرف التبليغ وصحح الأول-

ص: 1329

(ألا ترى أنهما ساء في أداء الشهادة) يعني لا فرق بين أن يقرأ من عليه الحق ذكر إقراره عليك وبين أن يقرأ عليه ثم يستفهمه: هل تقر بجميع ما قرأته عليه؟ فيقول: نعم، وبكل واحد من الطريقين يجوز أداء الشهادة، وباب الشهادة أضيق من باب الخبر.

ص: 1330

(وذلك بعد أن يثبتا بالحجة) أي بعد أن يثبت الكتاب والرسالة بالبينة أن هذا كتاب فلان المتحدث الكاتب كما يثبت كتاب القاضي إلى القاضي بالحجة وهي البينة، وكذلك في الرسول إذا ثبت بالبينة أنه هذا رسول فلان المحدث المرسل أرسله بلسانه هذا الحديث إليك ما يثبت رسالة الرسل عليهم السلام إلى الحق بالمعجزات الظاهرة الباهرة.

(فالإجازة): أن يقول: أخبرني فلان ابن فلان عن فلان ما في هذا

ص: 1331

الكتاب فأجزت لك أن تروي عني إذا فهمت ما فيه.

(والمناولة): أن يقول: أخبرني فلان بن فلان ما في هذا الكتاب فناولتك هذا الكتاب أي أعطيتك لتروي عني إذا فهمته، وليس في الإجازة المجردة إعطاء الكتاب وفهم ما في الكتاب فيهما شرط وعدم السماع شامل لهما.

وقال الإمام شمس الأئمة- رحمه الله: وشرط الصحة في الإجازة والمناولة أن يكون ما في الكتاب معلومًا للمجاز له مفهومًا له، وأن يكون المخبر من أهل الضبط والإتقان قد علم جميع ما في الكتاب، وإذا قال حينئذ: أجزت لك أن تروي عني جميع ما في الكتاب كان صحيحًا؛ لأن الشهادة تصح بهذه الصفة، فإن الشاهد إذا وقف على جميع ما في الصك وإن كان ذلك معلومًا لمن عليه الحق فقال: أجزت لك أن تشهد علي بجميع ما في هذا الكتاب كان صحيحًا فكذلك رواية الخبر.

وأما إذا قال المحدث: أجزت لك أن تروي عني مسموعاتي، فإن ذلك غير صحيح بالاتفاق بمنزلة لو قال لرجل: اشهد علي بكل صك تجد فيه إقراري وقد أجزت لك، فإن ذلك باطل، وبعض المتأخرين جوزوا ذلك على سبيل الرخصة لضرورة المستعجلين، ولكن في هذا الرخصة سد باب الجهل

ص: 1332

في الدين وفتح باب الكسل، فلا وجه للمصير إليه.

وقوله: (ويجوز أن يقول: حدثني).

قال شمس الأئمة- رحمه الله في هذا الموضع: وليس ينبغي أن يقول حدثني، فإن ذلك مختص بالإسماع ولم يوجد.

وقوله: (والرسائل) أي رسالة المحدث إلى المحدث.

(وكذلك المناولة مع الإجازة مثل الإجازة المفردة)، وقد ذكرنا صورة كل واحد من المناولة والإجازة أي في استحباب قوله: أجاز لي فلان، وجواز

ص: 1333

قوله: ((أخبرني فلان)) لا يتفاوت الحكم بين ما إذا انضمت المناولة مع الإجازة وبين ما إذا حصلت الإجازة مفردة. يعني لو كان قال المحدث لتلميذه: أخبرني فلان ابن فلان عن فلان ما في هذا الكتاب فأجزت لك أن تروي عني كان المستحب للتلميذ أن يقول: أجاز لي فلان، ويجوز أن يقول: أخبرني فلان، وكذلك هذا الحكم فيما إذا ضم إلى هذه الإجازة لفظ المناولة بأن يقول: أخبرني فلان ابن فلان ما في هذا الكتاب فناولتك هذا الكتاب لتروي عني وأجزت لك أن ترويه عني.

وقوله: (فيحتمل أن لا يجوز في هذا الباب) متصل بقوله: وإنما جوز ذلك أبو يوسف- رحمه الله أي يحتمل أن لا تجوز الإجازة إذا لم يعلم ما في الكتاب في باب الحديث عند أبي يوسف كما لا تجوز عندهما، وإنما جوز أبو يوسف الشهادة للشاهد على كتاب القاضي إلى القاضي مع عدم العلم له بما في الكتاب، وكذلك جوز شهادة الشاهد على كتاب الرسالة الذي أرسله الحبيب إلى الحبيب من غير علم ما في الكتاب لما فيه من الأسرار، وأما في كتاب الحديث فلا.

واختار الإمام شمس الأئمة- رحمه الله هذا القول فقال: والأصح عندي أن هذه الإجازة لا تصح في قولهم جميعًا؛ إلا أن أبا يوسف- رحمه الله استحسن هناك لأجل الضرورة، فالكتب تشتمل على أسرار لا يريد الكاتب

ص: 1334

والمكتوب إليه أن يقف عليها غيرهما، وذلك لا توجد في كتب الأخبار وقوله:(وأن يكون قول أبي يوسف- رحمها لله- مثله) معطوف على قوله: قول أبي حنيفة ومحمد- رحمهما الله- أي والأحوط أن يكون قول أبي يوسف مثل قولهما في باب الحديث بأن لا تجوز الإجازة بدون علم المجاز له ما في الكتاب.

(لأن السنة أصل في الدين) فلا وجه للحكم بصحة تحمل الأمانة فيه قبل أن يصير معلومًا مفهومًا له.

ألا ترى أنه لو قرأ عليه المحدث فلم يسمع ولم يفهم لم يجز له أن يروي، والإجازة إذا لم تكن ما في الكتاب معلومًا له دون ذلك كيف يجوز الرواية لهذا القدر، وإسماع الصبيان الذين لا يميزون ولا يفهمون نوع تبرك استحسنه الناس، فأما أن يثبت بمثله نقل الدين فلا.

(وفتح لباب التقصير والبدعة) وإنما سمي إجازة من لا علن له بما في الكتاب الذي أخبر له أن يروي عن الغير بدعة؛ لأنه لم يكن ذلك في السلف.

ص: 1335

(ثم صارت الكتابة سنة في الكتاب والحديث)، وهو النوع الثاني الذي دون التام وهو أن يكون الحفظ بواسطة الكتابة. هذا

ص: 1336

وهذا باب الكتابة والخط

هما شيء واحد في حق الضبط وصيانة العلم. العقد: العصمة عن النسيان، (وهو الأصل الذي انقلب عزيمة) أي الخط المذكور أصل بالنسبة إلى الخط الذي هو غير مذكور، ولذلك قام مقام الخط في أنه عزيمة، وإنما قيد بقوله: وهو الأصل الذي انقلب عزيمة احترازًا عن الأصل الأول وهو الحفظ بالقلب من وقت التحمل إلى وقت التبليغ.

(وما يكون إمامًا لا يفيد تذكره) أي تذكر الحادثة.

(وإنما كان دوام الحفظ للنبي عليه السلام مع قوله تعالى:

ص: 1337

{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} أي مع وجود الاستثناء في حقه عليه السلام أيضًا يعني كان قد يقع النسيان له أيضًا مع دوام حفظه عليه السلام، وكان وقع لرسول الله عليه السلام تردد في قراءة سورة المؤمنين في صلاة الفجر حتى قال لأبي:((هلا ذكرتني)) فثبت أن النسيان مما لا يستطاع منه إلا بحرج بين والحرج مدفوع، وبعد النسيان النظر في الكتاب طريق للتذكير والعود إلى ما كان عليه من الحفز، وإذا عاد إلى ما كان كما كان فالرواية تكون عن ضبط تام (وأما كان الخط إمامًا لا يذكره شيئًا) أي إذا كان الخط مما يعتمد عليه ويقتد به بسبب علم من رأى أنه خطه أو خط رجل معروف ولكن لا يذكر الحادثة ولا يعلم أنه في أي وقت كتبه وفي أي

ص: 1338

معنى كتبه أنه لم يعمل به أي بالخط الإمام دون الصك؛ لأن التزوير فيه غالب، (ولهذا قلت رواياته)، وكان هذا خصلة حميدة وإمارة لإتقانه.

(فصارت الكتاب للحفظ) أي مع الحفظ عزيمة.

وقوله: (لرجل ثقة مؤثق بيده) يعني در كتابخانه وي بود.

ص: 1339

(إلا أن يكون في يد الشاهد) أي حينئذ يحل العمل به، وكان الجواب فيه حينئذ كالجواب في ديوان القاضي، (وكذلك قول محمد) أي قول محمد كقول أبي يوسف- رحمهما الله- في الكل (إلا في الصكوك) فإنه يخالفه فيه يجوز محمد العمل به في الصكوك أيضًا، وأبو يوسف لا يجوزه.

وقال شمس الأئمة- رحمه الله ومحمد أثبت الرخصة في الصك أيضًا وإن لم يكن بيده إذا علم أن المكتوب خطه على وجه لا يبقى فيه شبهة له؛ لأن الباقي بعد ذلك توهم التغيير، وله أثر بين يوقف عليه، فإذا لم يظهر ذلك فيه جاز اعتماده.

(فيجوز أن يقول: وجدت بخط أبي أو بخط فلان لا يزيد عليه) أي لا يقول: حدثني أو أخبرني به أبي أو فلان (إما أن يكون منفردًا) بان يكون حديثًا واحدًا، (وإما يكون مضمونًا إلى جماعة) ككتاب ((المصابيح)) مثلًا

ص: 1340

أو أخبار الأصح وقيل: المراد به أن نكتب الأحاديث الكثيرة.

(وبالنسبة تامة) بان يكتب الكاتب نسبة بان يكتب فلان ابن فلان ابن فلان، والله أعلم بالصواب.

باب شرط نقل المتون

المراد من المتن: نفس الحديث، يقال: نضر وجهه حسن، ونضره الله وهو يتعدى ولا يتعدى وعليه الحديث ((نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها))

ص: 1341

وعن الأزدي ليس هذا من الحسن في الوجه وإنما هو في الجاه والقدر، وعن الأصمعي- بالتشديد- أي نعمه. كذا في ((المغرب)) وذكر الإمام شمس الأئمة- رحمه الله تمامه بقوله:

فأما من لم يجوز ذلك استدل بقوله عليه السلام: ((نضر الله امرأ سمع

ص: 1342

مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)) فرغب في مراعاة اللفظ ونبه على المعنى وهو تفاوت الناس في الفهم والفقه، واعتبار هذا المعنى يوجب الحجر عامًا عن تبديل اللفظ بلفظ آخر.

(لا بأس بذلك في الجملة) أي في المحكم وما يشبهه.

(وفي تفصيل الرخصة جواب عما قال) أي في تفصيل رخصة نقل الحديث بالمعنى بلفظ يختاره الناقل جواب عما قال من قوله: أن النبي عليه السلام

ص: 1343

مخصوص بجوامع الكلم، فإن عامة العلماء إنما جوزوا نقل الحديث بلفظ آخر يختاره الناقل في المحكم وما يشاكله لا في جوامع الكلم ولا في المجمل والمشترك، فلم يرد على الذين جوزوا النقل بالمعنى ما احتج به الذين لم يجوزوا.

وقوله: (ما يكون محكمًا) وهو الذي له معنى واحد وهو معلوم بظاهر المتن. كذا ذكره شمس الأئمة- رحمه الله.

(أما الأول) وهو المحكم فنظيره قوله عليه السلام: ((المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة)) فلو نقل ناقل لأوان كل صلاة كان جائزًا.

ص: 1344

ألا ترى أن النبي عليه السلام قال: ((انههم عن أربع: عن بيع ما لم يقض))، إلى آخره، ثم روى الرواة بقولهم ((نهى النبي عليه السلام عن بيع ما لم يقبض)) فلما أفاد كل منهما ما أفاده الآخر لم يمتنعوا عن نقله بالمعنى.

(وإنما ثبت ذلك بركة دعوة النبي عليه السلام، وهي ما ذكره في ((المصابيح)) بقوله لي: ((يا أبئ إلى أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي)).

ص: 1345

(غير أن ذلك رخصة إسقاط) أي سقط تعين اللغة الواحدة في القراءة، فصار في حق عدم التعين نظير كفارة اليمين، فإن العزيمة في الأول كانت أن يقرأ القرآن بلغة قريش لا بلغات أخر من القبائل، ثم بدعوة رسول الله عليه السلام سقطت هذه العزيمة أصلًا ولم تبق عزيمة، بل صارت القراءات على الأحرف السبعة عزيمة كما في ركعتي المسافر؛ حيث لم تبق الأربع عزيمة بل سقط منها الركعتان أصلًا، وكما سقطت حرمة الخمر حالة الاضطرار أصلًا.

(وهذه رخصة تيسير) أي نقل الحديث بلفظ يختاره الناقل رخصة ترفيه وتخفيف حتى كانت رعاية لفظ النبي عليه السلام أفضل من نقله بمعناه، وإن كان الحديث من قبيل الظاهر، وكانت هذه الرخصة كأكل مال الغير في حالة المخمصة، فإن العمل بالعزيمة هناك وهو أن يموت جوعًا أولى من العمل بالرخصة، وإن كان العمل بها جائزًا، فكذلك هاهنا كان رعاية لفظ النبي عليه السلام أولى من سائر الألفاظ.

(وأما القسم الثاني) وهو ظاهر يحتمل غير ما ظهر من معناه، فنظير ذلك قوله عليه السلام:((لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل))؛ فإنه يحتمل

ص: 1346

أن يكون معناه: لا صيام لمن لم ينوفي النهار أن يكون صومه من الليل، وحملناه على هذا وكان هو على خلاف ما اقتضاه ظاهر اللفظ؛ لئلا يقع التعارض بين هذا وبين حديث آخر قال النبي عليه السلام في آخره:((ومن لم يأكل فليصم)) لأن ظاهر لفظ ذلك الحديث يقتضي أن لا يصح الصوم بدون النية من الليل، والحديث الثاني يقتضي جواز الصوم وإن وجدت النية في النهار، فتعارضا فحملنا الحديث الأول على ما ذكرنا دفعًا للتعارض بينهما، ولعلة تزيده عمومًا، أو على العكس.

نظيره ما روي عن ابن مسعود- رضي الله عنه أنه قال: ((أربع يخفيهن الإمام- وفي بعض الروايات: خمس يخفيهن الإمام-)) فكان قوله: خمس

ص: 1347

يخفيهن الإمام أعم من قوله: أربع، وكذلك قوله عليه السلام:((الماء من الماء)) لو زاد فيه راو في روايته مكان هذا: الماء من الماء إذا خرج عن شهوة. كان هذا أخص من الأول، والأول أعم من هذا، وكان فيهما نظير للصورتين.

(وأما القسم الثالث) وهو المشكل والمشترك وذلك مثل قول النبي عليه السلام في زكاة السائمة: ((إنما حقنا الجذعة والثني)) فلفظ الجذعة مشترك في أنواع البهائم، وهو في الإبل ما كان في السنة الخامسة، ومن البقر والشاة في السنة الثانية وفي تفسير الفقهاء هو في الغنم ما أتى عليه أكثر السنة، وفي الخيل هو ما كان منها في السنة الرابعة، فلما كان معناه مشتركًا حمل هذا الحديث على زكاة الإبل لا على زكاة الغنم في ظاهر الرواية حتى لم يجز

ص: 1348

أداء الجذع في زكاة الغنم وهو قول أبي حنيفة- رضي الله عنه وهما حملاه على زكاة الغنم فجوزا زكاة بأداء الجذع.

(وأما الرابع) وهو المجمل والمتشابة، فالمجمل نحو ما رووا:((أن القطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان إلا في ثمن المجن)) وثمن المجن مجمل، وروي عن النبي عليه السلام:((لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم)) وهذا محكم فكان هذا أولى.

والمتشابه: نحو ما روي عن النبي عليه السلام: ((إن الجبار يضع قدمه في النار)) وروي: ((إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته)) لو حمل هذان الحديثان على ظاهرهما من وصف الله تعالى به كانا مخالفين للآية المحكمة في نفي التشبيه وهو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} علم بهذا أنهما معدولان عن ظاهرهما ومأولان بتأويل يوافق الآية المحكمة، وتأويلهما

ص: 1349

مذكور في ((التبصرة)) وغيرها، فقال في ((التبصرة)) قيل: المراد من الجبار الكافر العاتي المتمرد كما في قوله تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} وقوله: ((إن الله تعالى خلق آدم على صورته))، خارج عن سبب مروي فيه وهو أنه عليه السلام رأى رجلًا يضرب آخر على وجهه فنهاه عن الضرب على الوجه وقال:((إن الله تعالى خلق آدم على صورته))، أي على صورة المضروب، فكانت الهاء راجعة إلى المضروب لا إلى الله تعالى، وفيه تأويل آخر، فلا يمكن نقل مثل هذه الأحاديث بمعناها.

((الخرج بالضمان)) الخراج: ما يخرج من غلة الأرض والغلام ومنه ((الخراج بالضمان)) أي الغلة بسبب أنه ضمنته، (ومن مشايخنا من لم يفصل بين الجوامع وغيرها) أي جوز النقل بالمعنى إذا كان ظاهرًا كما في غير الجوامع (لكن هذا أحوط الوجهين)، وقوله: هذا ((إشارة إلى قوله: فإنه

ص: 1350

لا يؤمن فيه غلط))؛ أي القول بعدم الجواز هو أحفظ الوجهين، والله أعلم بالصواب.

ص: 1351

باب ما يلحقه النكير من قبل الرواة

النكير: اسم للإنكار.

(ولأن النسيان محتمل من المروي عنه)، فإن الراوي لا يتشكك في

ص: 1352

سماعه عنه، وتحل الرواية للراوي بمجرد السماع من غير افتقار إلى التحميل على الرواية بأن يقول: ارو عني، ولا الراوي إلى ذكر التحميل عند الأداء، (بخلاف الشهادة) على الشهادة، فإن ذلك لا تثبت (إلا بتحميل الأصول)، وكذلك عند أداء الشهادة، فإن الشاهد محتاج إلى ذكر الإشهاد، ولا يكتفي بقوله: أشهد عن فلان بل يقول: أشهدني فلان على شهادته وأمرني بالأداء، فإذا شهد على شهادته، ولما كان كذلك لم يثبت ذلك مع إنكار الأصول لأن النيابة لا تثبت عند إنكار المنوب عنه فافترقا.

(فلم يذكره عمر- رضي الله عنه فلم يقبل خبره مع عدالته) حيث لم يجوز التيمم للجنب.

(أن خبر الواحد يرد بتكذيب العادة) كما في حديث مس الذكر.

(وهما) أي نسيان الحاكي ونسيان المروي عنه (سواء).

ص: 1353

(لأن الظاهر أنه تركه) أي ترك عمله الذي كان عمله على خلاف هذا الحديث.

(مما هو خلاف بيقين) بأن لا يكون الحديث مشتركًا، أو عام يحتمل الخصوص، بل يحتمل وجًا واحدًا لا غير بأن يروي مثلًا قوله عليه السلام:((ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة))، ثم هو قهقهة في الصلاة ولم يعد الوضوء- كما هو مذهب الشافعي- فإن ذلك يكون جرحًا فيه؛ لأن هذا الحديث لا يحتمل غير ذلك المعنى وهو قد خال معنى ذلك الحديث بالفعل، (فإن ذلك جرح فيه) أي في الحديث؛ (لأن ذلك إن كان حقًا)

ص: 1354

أي إن ذلك العمل الذي عمل بخلاف موجب الحديث إن كان حقًا كان ذلك دلالة نسخ الحديث، فيكون الاحتجاج بذلك الحديث باطلًا، وغن كان خلافة باطلًا فقد سقطت سبب تلك المخالفة صحة رواية الحديث؛ لأنه يكون ذلك فاسقًا، ورواية الفاسق غير مقبولة.

ثم إنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن- رضي الله عنهما وهو غائب وهو عمل بخلاف ما روت، وهو قوله عليه السلام ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)).

فإن قيل: كيف يكون هذا عملًا بخلاف ما روت، وما روت التزوج،

ص: 1355

فإن قيل: كيف يكون هذا عملًا بخلاف ما روت، وما روت التزوج، والعمل منهما التزويج، والتزويج غير التزوج؟

قلنا: إنما كان هذا عملًا منها بخلاف ما روت لعدم القائل بالفصل، فإن من أبطل نكاحها أبطل إنكاحها، ومن جوز نكاحها جوز إنكاحها، فيكون اعتقاد جواز الإنكاح منها بخلاف ما روت.

أو نقول: لما انكحت قد اعتقدت جواز نكاحها بغير إذن وليها؛ لأن من لا يملك النكاح لا يملك الإنكاح بالطريق الأولى.

ص: 1356

(والامتناع عن العمل به مثل العمل بخلافه) يعني يخرج بكل واحد منهما عن أن يكون حجة؛ لأن كل واحد منهما حرام، فحينئذ لا يخلو عن أحد الأمرين: إما أن يكون الحديث منسوخًا أو يكون الراوي فاسقًا كما ذكرنا- يبطل الاحتجاج بذلك الحديث، ثم صورة المخالفة ما ذكر من تزوج عائشة- رضي الله عنها بعد ما روت من بطلان نكاح امرأة نكحت بغير إذن وليها فإن ذلك مخالفة للحديث وليس امتناع قصدًا، صورة الامتناع ما روي من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما في رفع اليدين ثم تركه. والله أعلم.

* * *

ص: 1357