الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب بيان الضرورة
أي البيان يقع لأجل الضرورة، والضرورةُ أنواعُ (نوع منه ما يثبت ضرورة الدفع) أي ضرورة دفع الغرور، (ومنه ما يثبت ضرورة الكلام) أي يكون بيانًا بدلالة الكلام.
(إن بيان نصيب المضارب والسكوت عن نصيب ربِّ المال صحيحُ) أي قياسًا واستحسانًا (للاستغناء عن البيان)؛ لأن ربَّ المال لا يستحقُ الربحَ باعتبار الشرط بل باعتبار أنه فرعُ مال مملوكٍ له، فكان مالكًا لفرعه، (صحيح استحسانًا على إنه بيانُ بالشركةً) يعني أن مقتضى المضاربة
الشركة بينهما في الربح، فببيان نصيب أحدهما يصيرُ نصيب الآخَر معلومًا، ويجعل ذلك كالمنطوق به، فكأنه قال: ولك ما بقي.
(عند أمر يُعاينهُ) عن النكير وفي نسخة (عن التغيير)، وهو معنى الأول (يدل على الحقية) باعتباره حاله، فإن البيانَ واجب عند الحاجة إلى
البيان، فلو كان الحكمُ بخلافه لبين ذلك لا محالةَ، ولو بينه لظهرَ (وما أشبهه)
مثلما سكتوا عن بيان الحيض بعد العشرة، والأوفق هاهنا أن يقال: أراد بقوله: (وما أشبهه) منافع الجارية المستحقة والأكسابُ الحاصلة منها، ثم استهلكت الأكسابُ، فإنهم لما سكتوا عنها دل أنها غيرُ مضمونةٍ على المغرور.
(والنكول جعل بيانًا لحالة في الناكل وهو امتناعه عن أداء ما لزمه) إلى آخره. أى النكولُ جُعل بيانًا لوجوب المال على الناكل بدلالة في الناكل؛ لأنه لما امتنع عن مباشرة ما لزمه وهو اليمين مع قدرته على اليمين كان ذلك دليلًا على أنه إنما امتنع عن اليمين احترازًا عن اليمين المهلكة، وذلك إنما يكون إذا كان هو في إنكاره كاذبًا وكان المالُ عليه واجبًا.
(وهو لزوم الإقرار لو كان منه)، وهذا لأنه نفي نسبَ ولدٍ ليس منه
واجبٌ، ودعوةُ نسبِ ولد هو منه ليتأكد به على وجه لا ينتفي واجبٌ أيضًا، فالسكوت عن البيان بعد تحققُ الوجوب دليلُ النفي، فيُجعل ذلك كالتصريح بالنفي، وعن هذا خرج الجوابُ عن إشكَالٍ يقال فيه: إنه لما ادعى أكبرهم كان ينبغي أن يثبتَ نسب الباقين منه؛ لأنه لما ثبت نسب الأكبر كانت الجاريةُ أم ولدٍ له، ونسبً ولدِ أم ?الولد يثبت بالسكوت.
قلنا: أن يثبتَ نسبُ ولدِ أم? الولد بالسكوت عند عدم دليل النفي وهاهنا وُجد دليلُ النفي وهو سكوته عن البيان عند وجوب البيان عليه، وهذا لأنه لو لم يُجعل ذلك السكوتُ دليلَ النفى يلزم فيه أمرٌ لا يليق بحال المسلم.
أو نقول: إن أمومية َ الولد هاهنا إنما تثبت بالاستناد، وما ثبت بالاستناد كان ثابتًا من وجه دون وجه، فيثبت عند البيان من حيث إنه ثابت، ولا يثبت عند عدم البيان من حيث إنه غير ثابت، ولا يقال: إن النسبَ مما يحتاطُ في إثباته؛ لأنا نقول: إنما يثبت النسبُ بالاحتياط إذا لم يوجد فيه دليلُ النفي.
(فيجعل إذنًا دفعًا للغرور عن الناس)، فإن في هذا الغرر أضرارًا بهم، والضررُ مدفوعٌ، ولهذا لم يصح الحَجر الخاص بعد الإذن العام المنتشر؛ لأن
الناسَ لا يتمكنون من استطلاع رأي الولي في كل معاملة يعاملونه مع العبد.
(وكذلك سكوتُ الشفيع جُعل إذنًا ردًا لهذا المعنى) أي سكوت الشفيع عن طلب الشفعة بعد العلم بالبيع يجعل بمنزلة إسقاط الشفعة لضرورة دفع الغرور عن المشتري فإنه يحتاج إلى التصرف في المشترى، فإذا لم يُجعل سكوت الشفيع عن طلب الشفعة إسقاطًا للشفعة فإما أن يمتنعَ المشتري من التصرف أو ينقض الشفيعُ عليه تصرفه، فلدفع الضرر والغرور جعلنا ذلك كالتنصيص منه على إسقاط الشفعة، وإن كان السكوتُ في أصله غيرَ موضوع للبيان بل هو ضده.
(فلأن حذف المعطوف عليه في العدد متعارفٌ) أي حذفُ تفسير المعطوف عليه وتمييزه متعارفٌ وهو درهمٌ في قوله: لفلان علي مائةٌ ودرهمٌ أي "أي مائةُ درهمٍ ودرهمٍ".
(يقول: بعت منك هذا بمائة وعشرة دراهمَ، وبمائة ودرهمِ على السواء) أي بعطفُ العدد على العدد وعطف العدد على المعدود على السواء،
وقوله: (وليس كذلك حكم ما هو غير مقدَّر؛ لأنه لايثبتُ دينًا في الذمة) هو احترازاٌ عن الثوب والشاةِ.
أما الثوبُ فلا يثبتُ في الذمة دينًا إلا مبيعًا مسلمًا فيه، والشاةُ لاتثبت دينًا في الذمة أصلًا يُعنى به ثبوتًا لازمًا، فلم يصح قوله:"وثوبٌ" أن يكون
تفسيرًا للمائة؛ لأن قوله: (على مائة) عبارة عما يثبت في الذمة مطلقًا ثبوتًا صحيحًا فلهذا كان البيان إليه. كذا في "المبسوط".
(فلأن المعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة شيء واحد) أي من حيث الصورة والمعنى.
أما من حيث الصورة فاتحادهما في الإعراب.
وأما من حيث المعنى فاتحادهما في الحكم (كالمضاف مع المضاف إليه) أي أنهما كشيء واحد، (والمضاف إليه للتعريف) أي المضاف إليه وهو آخر الكلام صالح لتعريف المضاف الذي هو أول الكلام، وجب أن يكون المعطوف لتأكد الشبه بينهما.
ولما صلح المعطوف معرفًا للمعطوف عليه بهذا الطريق صح حذف مميز المعطوف عليه، ومعرفه وهو درهم في قوله:"الفلان على مائة ودرهم" أي مائة درهم ودرهم، وهو معنى قوله:(صح الحذف في المضاف إليه) أي
المعطوف عليه بدلالة قوله: "بدلالة العطف" ولكن هذا العطف إنما يصح في المعطوف عليه إذا كان المعطوف عليه مما يجوز أن يثبت في الذمة عند مباشرة السبب كالمكيل والموزون.
وأما فيما لا يثبت في الذمة فلا يصح المعطوف معرفًا للمعطوف عليه، وهذا لأن المعاملات إنما تكثر في المقدرات التي يجب ثبوتها في الذمة وكثرة الاستعمال موجبة للتخفيف، وحذف المميز إنما كان للتخفيف، فلذلك اختص الحذف بما يثبت في الذمة.
(لأن العشرين مع الآحاد معدود مجهول فصح التعريف بالدرهم) أي لأنه عطف العدد المبهم على ما هو واحد مذكور على وجه الإبهام، وقوله:"درهمًا" مذكور على وجه التفسير والتمييز، فيكون تفسيرًا لهما، والاختلاف في قوله: له على مائة ودرهمًا كالاختلاف في قوله: ودرهم.
قوله: (وكل جملة تحتمل القسمة فإنها تحتمل الاتحاد) هذا ما تتمة قول أبي يوسف رحمه الله أي كل إقرار يشتمل على مال وذلك المال جنس
واحد بحيث لا يحتاج في قسمته بين الشركاء إلى القسمة مرتين أو أكثر بل مرة واحدة، ففي مثل ذلك المال في الإقرار جعل المعطوف بينانًا للمعطوف عليه كما في الدرهم والثوب وإلا فلا.
وقيل: معناه كما أن القسمة تتحقق في الدرهم تتحقق في الثوب فإن كل واحد منهما يصلح للقسمة، فيكون قوله: مائة وثوب بمنزلة قوله: مائة ودرهم.
وأما العبد الواحد فإنه لا يحتمل القسمة بالاتفاق، والخلاف في قسمة العبيد، وقسمة العبيد أيضًا لا تجوز بطريق الخبر، وقولهما في العبيد:"إنه يحتمل القسمة" مؤول إذا كان رأيهما ذلك فيقسم القاضي بناء عليه. كذا ذكره الصدر الشهيد في "الجامع الغير".
وذكر في "المبسوط" في تعليل أبي يوسف فقال: وجه رواية أبي يوسف أن الثياب والغنم تقسم قسمة واحدة أي يعطى لكل واحد من الشركاء جزءًا منها في القسمة الواحدة بخلاف العبيد فإنها لا تقسم قسمة واحدة، بل تحدد القسمة في كل واحد من العبيد بين الشركاء ولا يعطي لكل واحد من الشركاء عبد واحد وإن كان عدد العبيد على عدد رؤوس الشركاء، وأنصباؤهم متساوية لما كان العبيد باعتبار فحش التفاوت بينهم ألحقوا بالأجناس المختلفة، ولما كان كذلك كان ما يقسم قسمة واحدة يتحقق في
أعدادها المجانسة فيمكن أن يجعل المفسر منه تفسيرًا للمبهم، وحصل من هذا الثوب الواحد لما كان يحتمل القسمة صار بمنزلة درهم من حيث إنه يحتمل القسمة الواحدة، والمعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة شيء واحد من حيث عنه لا يستفاد بالمعطوف حكم بدون المعطوف عليه لكون المعطوف جملة ناقصة، والله أعلم.
***