المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌445 - (1) باب: جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم

- ‌446 - (2) باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة

- ‌447 - (3) باب: حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله

- ‌448 - (4) باب: النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام

- ‌449 - (5) باب: نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت

- ‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

- ‌451 - (7) باب: فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه، وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا

- ‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

- ‌453 - (9) باب: فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

- ‌454 - (10) باب: صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌455 - (11) باب: الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

- ‌أبواب الاعتكاف

- ‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

- ‌457 - (13) باب: للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد

- ‌458 - (14) باب: الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

- ‌461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها

- ‌462 - (18) باب: بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة

- ‌463 - (19) باب: استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه

- ‌464 - (20) باب: تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما

- ‌465 - (21) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌466 - (22) باب: جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى، ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها

- ‌467 - (23) باب: جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه

- ‌468 - (24) باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات؟ وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر

- ‌469 - (25) باب: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف

- ‌470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه

- ‌471 - (27) باب: يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد

الفصل: ‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

‌أبواب الاعتكاف

‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

2662 -

(1143)(63) حدثنا مُحَمدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

2663 -

(00)(00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ

ــ

أبواب الاعتكاف

456 -

(12) باب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

والاعتكاف لغة: اللبث والإقامة والحبس والاستمرار على الشيء خيرًا كان أو شرًّا، قال تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وقال تعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} وشرعًا: اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنيته. وترجمت عن أحاديثه بالباب دون الكتاب لأنه كالتابع للصوم من حيث إنه يسن له أن يعتكف صائمًا ولذلك ذكروه عقبه.

2662 -

(1143)(63)(حدثنا محمد بن مهران) -بكسر أوله وسكون الهاء- الجمال أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6)(حدثنا حاتم بن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد رازي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان) أي كان يحبس نفسه عن التصرفات العادية بمكثه في مسجده الشريف في تلك الأيام والليالي بقصد القربة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2025]، وأبو داود [2465]، وابن ماجه [1773].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

2663 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي

ص: 223

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزيدَ؛ أَن نَافِعًا حَدثَهُ، عَنْ عبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. قَال نَافِعٌ: وَقدْ أَرَانِي عَبْدُ اللهِ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِنَ الْمَسْجِدِ

ــ

المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (أن نافعًا) مولى ابن عمر (حدثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لموسى بن عقبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر) جمعه باعتبار معنى العشر، ولو نظر إلى لفظه لقال في العشر الأخير لأنه مفرد لفظًا جمع معنى (من رمضان قال نافع) بالسند السابق (وقد أراني عبد الله) بن عمر (المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد) زاد ابن ماجه من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أُسطوانة التوبة؛ يعني الموضع الذي كان اختصه لنفسه الذي كانت عليه القبة التركية، ومع أنه اختص بموضع من المسجد وهو مكان الإمام في حال اعتكافه فكان يصلي بهم في موضعه المعتاد، ثم يرجع إلى معتكفه بعد انقضاء صلاته، وتحصل منه جواز إمامة المعتكف وقد منعها سحنون في أحد قوليه في الفرض والنفل والجمهور على جواز ذلك.

واختلف من هذا الباب في مسائل منها أذان المعتكف منعه مالك مرة وأجازه أخرى وكافة العلماء على جوازه وهذا إذا كان في المنارة الخارجة عن المسجد أما في غيرها فلا خلاف في جوازه فيما أعلم، وأما خروجه لعيادة المرضى أو لصلاة على جنازة فمنع ذلك مالك وكافتهم وأجازه الحسن والنخعي وغيرهما، وأجاز إسحاق والشافعي اشتراط ذلك عند دخوله في التطوع لا في النذر، واختلف فيه قول أحمد ومنع ذلك مالك وغيره.

ومنع مالك اشتغاله في المسجد بسماع علم وكتابته أو بالأمور المباحة كالعمل في الخياطة وشبه ذلك إلا فيما خف من هذا كله، وأباح له الشافعي وأبو حنيفة الشغل في المسجد بما يباح من ذلك كله أو يرغب في طلب العلم، وأما خروج المعتكف من المسجد فلا يجوز إلا لقضاء حاجته أو شراء طعام أو شراب مما يحتاج إليه ولم يجد من

ص: 224

2664 -

(1144)(64) وحدثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السَّكُونِي، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ الْقَاسِمِ

ــ

يكفيه ذلك لقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان تعني بها الحدث ويلحق بها ما كان محتاجًا إليه كشراء الطعام أو الشراب على ما تقدم آنفًا.

وإدامته صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان إنما كان لما أبين له أن ليلة القدر فيه وإلا فقد اعتكف في العشر الأول، وفي العشر الأوسط على ما تقدم من حديث أبي سعيد الخدري.

ثم من اعتكف في العشر الأواخر من رمضان فهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد فيصلي وحينئذ يرجع إلى منزله أو يجوز له أن يخرج عند غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؟ قولان للعلماء الأول: هو قول مالك وأحمد بن حنبل وغيرهما وهو محكي عن السلف، واختلف أصحاب مالك إذا لم يفعل هل يبطل اعتكافه أم لا يبطل؟ قولان. وذهب الشافعي والليث والأوزاعي والزهري في آخرين إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر ولا يلزمه شيء مما قاله مالك، وظاهر مذهب مالك أن ذلك على وجه الاستحباب لأن بعض السلف فعله ولأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وكون أزواجه اعتكفن بعده حجة على من منع اعتكاف النساء في المسجد فإنهن إنما اعتكفن على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف لأن الراوي عنهن ساق اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكافهن مساقًا واحدًا ولو خالفنه في المسجد لذكره وكان يقول غير أن ذلك في بيوتهن اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال:

2664 -

(1144)(64)(وحدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري، ثقة، من (10)(حدثنا عقبة بن خالد) بن عقبة (السكوني) نسبة إلى سكون بوزن صبور حي من العرب، أبو مسعود الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العدوي المدني، ثقة، من الخامسة (5) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق

ص: 225

عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَواخِرَ مِنْ رَمَضَانَ.

2665 -

(00)(00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدثنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُمَا) قَالًا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ

ــ

التيمي المدني (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي المدني (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد عسكري (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدوام (يعتكف العشر الأواخر من رمضان) تقدم البحث عن معناه في حديث ابن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2026]، وأبو داود [2462]، والترمذي [790]، والنسائي [2/ 44].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2665 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا سهل بن عثمان) الكندي العسكري (أخبرنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (جميعًا) أي كل من أبي معاوية وحفص بن غياث (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من (5)(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ) الآتي (لهما) أي لأبي بكر وأبي كريب وأما يحيى بن يحيى وسهل بن عثمان فرويا معنى الحديث الآتي لا لفظه (قالا حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها وهذا الحديث من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عروة للقاسم بن محمد في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان).

ص: 226

2666 -

(00)(00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيل. عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. حَتى تَوَفاهُ اللهُ عز وجل

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2666 -

(00)(00) وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل أي وفَّاه أجله ومات، وفيه دليل على أن الاعتكاف لم ينسخ وأنه من السنن المؤكدة خصوصًا في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر، وروى أبو الشيخ بن حبان من حديث الحسين بن علي مرفوعًا اعتكاف عشر في رمضان بحجتين وعمرتين وهو ضعيف اهـ قسط.

قال السندي: يمكن أن يكون ذلك بعد ما أُري ليلة القدر في العشر الأخير وهو لا ينافي اعتكاف العشر الأوسط قبل ذلك فلا ينافي ما سبق من حديث أبي سعيد اهـ. [قلت] ويؤيد هذا التطبيق ما روي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف أول سنة العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأخير، وقال:"إني رأيت ليلة القدر فيها فأنسيتها" فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيهن حتى توفي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن قال الحافظ: ويؤخذ منه أي من حديث الباب أنه لم ينسخ وليس من الخصائص الاعتكاف أزواجه صلى الله عليه وسلم بعده، وأما قول ابن نافع عن مالك: فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته، ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن اهـ، وكأنه أراد صفة مخصوصة وإلا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة، ومن كلام مالك أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز وأنكر ذلك عليهم ابن العربي وقال: إنه سنة مؤكدة، وكذا قال ابن بطال في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تأكده، وقال أبو داود، عن أحمد: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا في أنه مسنون، وقد روى ابن المنذر عن

ص: 227

ثم اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ

ــ

ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله تعالى (ثم اعتكف أزواجه من بعده) صلى الله عليه وسلم قال الزبيدي: فأشارت إلى استمرار حكم الاعتكاف حتى في حق النساء، فكن أمهات المؤمنين يعتكفن بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير، وإن كان هو في حياته قد أنكر عليهن الاعتكاف بعد إذنه لبعضهن كما في الحديث الصحيح لأن إنكاره عليهن لمعنى آخر فقيل خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن التقرب منه صلى الله عليه وسلم لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بابنيتهن، وعند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها والله سبحانه وتعالى أعلم، ثم لا شك أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم كان في مسجده وكذا اعتكاف أزواجه فأخذ منه اختصاص الاعتكاف بالمساجد وأنه لا يجوز في مسجد البيت وهو الموضع المهيأ للصلاة فيه، لا في حق الرجل، ولا في حق المرأة إذ لو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لما في ملازمة المسجد من المشقة لا سيما في حق النساء اهـ، قال الحافظ: وقد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد الذي تصلى فيه الجماعة واحتج بحديث الأخبية الآتي في الباب التالي فإنه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلا في مسجد بيتها لأنها تتعرض لكثرة من يراها، وقال ابن عبد البر: لولا أن ابن عيينة زاد في الحديث أي حديث الباب أنهن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف لقطعت بأن اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائز اهـ، وشرط الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها، وفي رواية لهم أن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها وبه قال أحمد، قال الزبيدي: والذي في كتب أصحابنا المرأة تعتكف في مسجد بيتها، ولو اعتكفت في مسجد الجماعة جاز فالأول أفضل، ومسجدٌ جَنْبَها أفضلُ لها من المسجد الأعظم، وليس لها أن تعتكف في غير موضع صلاتها من بيتها، وإن لم يكن فيه مسجد لا يجوز لها الاعتكاف فيه اهـ فتح الملهم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله أعلم.

ص: 228