الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج والعمرة
ــ
كتاب الحج والعمرة
قال القسطلاني في المواهب اللدنية: اعلم أن الحج حلول بحضرة المعبود، ووقوف بساحة الجود، ومشاهدة لذلك المشهد الروحاني، وإلمام بمعهد العهد الرباني، ولا يخفى أن نفس الكون بتلك الأماكن شرف وعلو، وأن التردد في تلك المواطن فخار وسمو، فإن المحال المحترمة لم تزل تفرغ على الحال فيها من سجال وصفها بفيض غامر، وحسبك في هذا ما يحكى في أبيات عن مجنون بني عامر:
رأى المجنون في البيداء كلبا
…
فجر عليه للإحسان ذيلا
فلاموه على ما كان منه
…
وقالوا لم منحت الكلب نيلا
فقال دعوا الملام فإن عيني
…
رأته مرة في حي ليلى
وقال الشيخ الدهلوي: المصالح المرعية في الحج أمور؛ منها تعظيم البيت فإنه من شعائر الله وتعظيمه هو تعظيم الله تعالى، ومنها تحقيق معنى العرضة فإن لكل دولة أو ملة اجتماعًا يتوارد الأقاصي والأداني ليعرف فيه بعضهم بعضا ويستفيدوا أحكام الملة ويعظموا شعائرها، والحج عرضة المسلمين وظهور شوكتهم واجتماع جنودهم وتنويه ملتهم وهو قوله تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} ومنها موافقة ما توارث الناس عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإنهما إماما الملة الحنيفية ومشرعاها للعرب، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث لتظهر به الملة الحنيفية وتعلو كلمتها وهو قوله تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} فمن الواجب المحافظة على ما استفاض عن إماميها كخصال الفطرة ومناسك الحج وهو قوله صلى الله عليه وسلم؟ "قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم، ومنها الاصطلاح على حال يتحقق بها الرفق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لعامتهم وخاصتهم كنزول منى والمبيت بمزدلفة فإنه لو لم يصطلحوا على مثل هذا لشق عليهم، ولو لم يسجل عليه لم تجتمع كلمتهم عليه مع كثرتهم وانتشارهم إلى غير ذلك اهـ فتح الملهم.
والحج من الشرائع القديمة خلافًا لمن ادعى أنه لم يجب إلا على هذه الأمة، قال صاحب التعجيزة إن أول من حج آدم عليه السلام، وإنه حج أربعين حجة من الهند ماشيًا، وقيل ما من نبي إلا حجه حتى نوح وصالح، خلافًا لمن استثناهما، وروي أنه لما حج آدم قال له جبريل: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة، والمشهور أنه فرض في السنة السادسة من الهجرة، وقيل في الخامسة، وقيل قبل الهجرة، وقيل سنة تسع وهو الصحيح، لأن فتح مكة كان في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان من الهجرة، وحج بالناس في تلك السنة عتاب بن أسيد ووقف بالمسلمين ووقف المشركون على ما كانوا يفعلون في الجاهلية فلما كانت سنة تسع فرض الحج، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر فحج بالناس تلك السنة، ثم أتبعه علي بن أبي طالب بسورة براءة فقرأها على الناس في الموسم، ونبذ للناس عهدهم، ونادى في الناس: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ووافقت حجة أبي بكر في تلك السنة أن كانت في شهر ذي القعدة على ما كانوا يديرون الحج في كل شهر من شهور السنة فلما كانت سنة عشر حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته المسماة بحجة الوداع على ما يأتي في حديث جابر وغيره، ووافق النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة أن وقع الحج في ذي الحجة في زمانه ووقته الأصلي الذي فرضه الله تعالى فيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" رواه أحمد والبخاري ومسلم اهـ من المفهم. ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع وهو معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده إلا إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، والعمرة فرض في الأظهر، وأما خبر الترمذي عن جابر سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال:"لا، وأن تعتمر خير" فقد اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا تجب في العمر بأصل الشرع إلا مرة كالحج وقد يجبان أكثر من مرة لعارض نذر أو قضاء عند إفساد التطوع، ووجوبهما على التراخي عند الشافعية، وأما