المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌445 - (1) باب: جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم

- ‌446 - (2) باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة

- ‌447 - (3) باب: حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله

- ‌448 - (4) باب: النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام

- ‌449 - (5) باب: نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت

- ‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

- ‌451 - (7) باب: فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه، وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا

- ‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

- ‌453 - (9) باب: فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

- ‌454 - (10) باب: صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌455 - (11) باب: الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

- ‌أبواب الاعتكاف

- ‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

- ‌457 - (13) باب: للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد

- ‌458 - (14) باب: الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

- ‌461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها

- ‌462 - (18) باب: بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة

- ‌463 - (19) باب: استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه

- ‌464 - (20) باب: تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما

- ‌465 - (21) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌466 - (22) باب: جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى، ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها

- ‌467 - (23) باب: جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه

- ‌468 - (24) باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات؟ وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر

- ‌469 - (25) باب: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف

- ‌470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه

- ‌471 - (27) باب: يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد

الفصل: ‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

2673 -

(1149)(69) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟

ــ

عند مالك وأحمد فعلى الفور وليس لأبي حنيفة نص في المسألة، وقد اختلف صاحباه فقال محمد: على التراخي، وقال أبو يوسف: على الفور. ولو تعارض الحج والنكاح فالأفضل لمن لم يخف العنت تقديم الحج، ولخائف العنت تقديم النكاح، بل يجب عليه ذلك إن تحقق أو غلب على ظنه الوقوع في الزنا، ولو مات قبل الحج في هذه الحالة لم يكن عاصيًا.

والحج لغة: القصد مطلقًا سواء كان للبيت الحرام للنسك أو لغيره كالأكل والشرب والسفر فالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي كما هو الغالب. وشرعًا: قصد البيت الحرام والمشاعر العظام للنسك مع الإتيان به بالفعل، وفي الحقيقة للحج شرعًا: هو النسك الذي هو النية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والحلق وترتيب المعظم فهو نفس هذه الأعمال كما أن الصلاة نفس الأعمال المعروفة، والعمرة لغة: الزيارة مطلقًا. وشرعًا: زيارة البيت الحرام للنسك والفرق بينها وبين الحج أن النسك فيه مشتمل على الوقوف بعرفة بخلافه فيها فلا وقوف فيها ولا مبيت مثلًا.

459 -

(15) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

2673 -

(11429)(69)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر المدني (عن ابن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري (أن رجلًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في سؤاله (ما يلبس المحرم) قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا (من الثياب) وعند البيهقي أن ذلك وقع والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب في مقدم مسجد المدينة، وفي حديث ابن عباس عند البخاري في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات فيُحمل على التعدد، ويؤيده أن حديث ابن عمر أجاب به

ص: 242

فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ،

ــ

السائل، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة قاله في الفتح، والمحرم اسم فاعل من أحرم الرباعي، والإحرام لغة: مصدر أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تنتهك ورجل حرام أي محرم كذا في الصحاح، وشرعًا: الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها غير أنه لا يتحقق شرعًا إلا بالنية مع الذكر والخصوصية، والمراد بالذكر التلبية ونحوها، وبالخصوصية ما يقوم مقامها من سوق الهدي وتقليد القلائد فلا بد من التلبية أو ما يقوم مقامها، فلو نوى ولم يلب أو بالعكس لا يصير محرمًا، وهل يصير محرمًا بالنية والتلبية أو بأحدهما بشرط الآخر؟ المعتمد ما ذكره الحسام الشهيد أنه بالنية لكن عند التلبية كما يصير شارعًا في الصلاة بالنية لكن بشرط التكبير لا بالتكبير كما في شرح اللباب كذا في رد المحتار اهـ فتح الملهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (لا تلبسوا) أيها المحرمون (القمص) بضمتين جمع قميص كسبيل وسبل؛ وهو الدرع، وذكر ابن الهمام أنهما سواء إلا أن القميص يكون مجيبًا من قبل الكتف، والدرع من قبل الصدر، قال العيني: في الحديث تحريم لبس القميص على المحرم ونبه به على كل مخيط من كل معمول على قدر البدن أو العضو منه وذلك مثل الجبة والقفازين اهـ وفي البحر أن ضابطه لُبس كل شيء معمول على قدر البطن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة أو تلزيق بعضه ببعض أو عقد خيوطه بعضها ببعض كالطاقية والشراريب، ويستمسك عليه بنفس لبسه فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط والمنسوج كالدروع والمعقود كالشراريب والملزق بعضه ببعض كاللبد قطنًا كان أو صوفًا أو شعرًا أو كتانًا أو جلدًا أو حشيشًا منسوجًا أو غير ذلك.

قال النواوي: قال العلماء: وهذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال: لا تلبسوا كذا وكذا، وتلبسون ما سواه إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يُلبس لطال به الكلام بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم، وأيضًا أن المقصود بيان ما يحرم لبسه لا بيان ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئًا مخصوصًا، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه فالجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس، وقال غيره: هذا يشبه الأسلوب

ص: 243

ولا الْعَمَائِمَ، ولا السَّرَاويلاتِ، ولا الْبَرَانِسَ،

ــ

الحكيم، ويقرب منه قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين الآية، فعدل في الجواب عن جنس المنفِق وهو المسؤول عنه إلى ذكر المنفَق عليه لأنه أهم، قال الدهلوي: والفرق بين المخيط وما في معناه حيث حرم عليه وبين غيره حيث أحل له، أن الأول ارتفاق وتجمل وزينة، والثاني ستر عورة، وترك الأول تواضع لله تعالى، وترك الثاني سوء أدب (ولا العمائم) جمع عمامة؛ وهو ما يكور ويلف على الرأس سواء كانت له عذوبة أم لا، سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية، قال النواوي: ونبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطًا كان أو غيره حتى العصابة فإنها حرام فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولزمته الفدية، قال الخطابي: ذكر العمامة والبرانس معًا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال: ومن النادر المكتل يحمله على رأسه. [قلت] مراده أن يجعله على رأسه كلبس القبع، ولا يلزم شيء بمجرد وضعه على رأسه كهيئة الحامل لحاجته، ولو انغمس في الماء لا يضره فإنه لا يسمى لابسًا، وكذا لو ستر رأسه بيده اهـ فتح (ولا السراويلات) جمع سراويل وهو لباس يستر النصف الأسفل من الجسم، قال القاري: قوله السراويلات جمع أو جمع الجمع اهـ، وفي القاموس: السراويل فارسية معربة جمعها سراويلات، وهي جمع سروال وسروالة فالسراويلات تكون جمع الجمع حينئذ، والسراويل هي ما يقال له في الهندية شلوار، قال الحافظ: وصح أنه صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل سراويل من سويد بن قيس أخرجه الأربعة وأحمد، وصححه ابن حبان من حديثه، وأخرجه أحمد أيضًا من حديث مالك بن عميرة الأسدي قال: قدمت قبل مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى مني سراويل فأرجح لي، وقال ابن القيم في الهدي: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل والظاهر أنه إنما اشتراه ليلبسه، ثم قال: ورُوي في حديث أنه لبس السراويل وكانوا يلبسونه في زمانه وبإذنه اهـ (ولا البرانس) جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو ممطر وغيره، وقال الجوهري: هي قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام؛ وهو من البِرس بكسر الباء وهو القطن والنون زائدة، وقيل إنه غير عربي كذا في عمدة القاري، قال الحافظ: وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به، قيل: فإنه من لبوس النصارى قال: كان

ص: 244

ولا الْخِفَافَ

ــ

يلبس ها هنا، وقال عبد الله بن أبي بكر: ما كان أحد من القراء إلا له برنس، وأخرج الطبراني من حديث أبي قرصافة قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم برنسًا فقال: "البسه" وفي سنده من لايعرف، ولعل من كرهه أخذ بعموم حديث علي رفعه:"إياكم ولبوس الرهبان فإنه من تزيا بهم أو تشبه فليس مني" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به (ولا الخفاف) بكسر الخاء المعجمة جمع الخف الملبوس، وخف البعير جمعه أخفاف، قال النواوي: نبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وجمجم وجورب وغيرها، وهذا وما قبله كله حكم الرجال، أما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر من مخيط وغيره إلا ستر وجهها فإنه حرام بكل ساتر، وفي ستر يديها بالقفازين خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي أصحهما تحريمه، قال الغزالي في الإحياء: وللمرأة أن تلبس كل مخيط بعد أن لا تستر وجهها بما يماسه فإن إحرامها في وجهها، قال الزبيدي في شرحه: أي إن الوجه في حق المرأة كالرأس في حق الرجل، ويعبر عن ذلك بأن إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها والأصل في ذلك ما روى البخاري من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا:"لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" ونقل البيهقي عن الحاكم عن أبي علي الحافظ: أن لا تنتقب المرأة من قول ابن عمر أدرج في الخبر، وقال صاحب الإمام: هذا يحتاج إلى دليل، وقد حكى ابن المنذر أيضًا هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه؟ وقد رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وله طرق في البخاري موصولة ومعلقة اهـ فتح الملهم.

قال القاضي عياض: وأجمعوا على المنع من لبس ما ذكر، ونبه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمامة والبرانس على ما يغطي الرأس مخيطًا أو غير مخيط، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وهذا المنع في حق الرجال، والخطاب لهم، وحكمة المنع ليبعدوا عن الترفه ويتصفوا بصفة الخاشع وليتذكروا بذلك أنهم محرمون فيكثروا الذكر ويبعدوا عن المذام ويتذكروا الموت بلبسهم شبه الكفن والقيام من القبور حفاة، ولهذا المعنى منع الحاج من النساء والطيب لأن المطلوب البعد عن عرض الدنيا لتخلص نيته فيما خرج إليه لعل الله سبحانه يناله برحمته، وأما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بمخيط أو غير مخيط إلا وجهها وكفيها فيحرم عليها سترهما على ما يأتي اهـ من

ص: 245

إِلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَينِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّينِ. وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ. ولا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيابِ شَيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ

ــ

الأبي (إلا أحد) بالرفع على البدلية من واو الضمير في لا تلبسوا، وفي نسخة إلا أحدًا بالنصب على الاستثناء، وفي القسطلاني والمستثنى منه محذوف ذكره معمر في روايته عن الزهري عن سالم بلفظ:"وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، إلا أحد لا يجد نعلين" إلخ اهـ، والذي يظهر بالاستقراء أن أحدًا لا يستعمل في الإثبات إلا أن يعقبه النفي وكان الإثبات حينئذ في سياق النفي، وقوله (لا يجد النعلين) في موضع رفع صفة لأحد (فليلبس الخفين وليقطعهما) أي وليقطع فاقد النعلين الخفين (أسفل من الكعبين) أي وليلبسهما بشرط أن يقطعهما ولا فدية عليه لأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا موضع بيانها وأفاد بقوله (لا يجد النعلين) أنه لو وجدهما لا يقطعه لما فيه من إتلاف المال بغير حاجة أفاده في البحر، قال الحافظ: والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له وعجزه عن الثمن إن وجد من يبيعه أو الأجرة ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه أو وهب له لم يجب قبوله إلا أن أُعير له اهـ قال الأبي: قال ابن حبيب: لا رخصة اليوم في لبسهما مقطوعين لكثرة النعال، ومن فعله افتدى وينزل منزلة عدم النعلين الرفع في ثمنهما الرفع المتفاحش اهـ، وقوله (من الكعبين) الكعب هنا العظم المثلث المبطن على ظهر القدم لا العظمان الناتئان عند مفصل القدم والساق لأن الأحوط فيما كان أكثر كشفًا وهو فيما قلنا قاله محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية، خلافًا للشافعي فإن المراد بالكعبين عنده ما هو المراد بهما في الوضوء اهـ من بعض الهوامش، والمراد قطعهما بحيث يصير الكعبان وما فوقهما من الساق مكشوفًا لا قطع موضع الكعبين فقط كما لا يخفى، وقال الأزهري: الكعبان هما العظمان الناتئان في منتهى الساق مع القدم وهما ناتئان عن يمنة القدم ويسرتها اهـ (ولا تلبسوا) بفتح أوله وثالثه (من الثياب) وهذا الحكم يشترك فيه النساء مع الرجال بخلاف ما سبق فإنه خاص بالرجال، والدليل على هذا العموم ما أخرجه الحاكم عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسأنهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران اهـ فتح (شيئًا مسه الزعفران) بالتعريف، وفي الرواية الآتية زعفران بالتنكير، قال الزركشي: بالتنوين لأنه ليس فيه من موانع الصرف إلا الألف والنون فقط وهما لا يستقلان بمنع الصرف، فلو سميت به امتنع وهو

ص: 246

ولا الْوَرْسُ".

2674 -

(00)(00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أبِيهِ رضي الله عنه. قَال: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَال: "لا يَلبَسِ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، ولا

ــ

اسم أعجمي، وقد صرفته العرب فقالوا: ثوب مزعفر -أي مصبوغ بالزعفران- وقد زعفر ثوبه يزعفره زعفرة، ويجمع على زعافر؛ وهو اسم شجر يتخذ منه الصبغ الأحمر له رائحة طيبة (ولا) شيئًا مسه (الورس) -بفتح الواو وسكون الراء بعدها سين مهملة- وهو نبت أصفر مثل نبات السمسم طيب الريح يصبغ به بين الصفرة والحمرة، أشهر طيب في بلاد اليمن، لكن قال ابن العربي: الورس وإن لم يكن طيبًا فله رائحة طيبة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبه به وبالزعفران على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم اهـ وفي معناه العصفر- وهو نبت يتخذ من زهرة الصبغ الأصفر له حب يؤكل بعد قليه مع البن، كثير في الحبشة يزرع مع الطيف في الأروميا صوفي، والمانع للإحرام في الورس والزعفران الطيب وهو الرائحة الطيبة لكونه داعيًا إلى الجماع لا اللون وهو موجود فيه وفي الزعفران لا في غيرهما من أنواع الصبغ، وإنما فيه الزينة والمحرم ليس بممنوع منها كما حقق في محله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 2 و 47]، والبخاري [133]، وأبو داود [1737]، والترمذي [831]، والنسائي [5/ 22]، وابن ماجه [2914].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

2674 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (كلهم) أي كل من الثلاثة (عن) سفيان (ابن عيينة) الهلالي الكوفي (قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر (سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يلبس) الرجل (المحرم القميص ولا

ص: 247

الْعِمَامَةَ، ولا الْبُرْنُسَ، ولا السَّرَاويلَ، ولا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسْ ولا زَعْفَرَان ولا الْخُفَّينِ. إِلَّا أَنْ لا يَجدَ نَعْلَينِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أَسفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ".

2675 -

(00)(00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ قَال: نَهَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ. وَقَال:

ــ

العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران) بالصرف لما مر (ولا) يلبس (الخفين إلا أن لا يجد نعلين) حسًّا أو شرعًا كما مر (فليقطعهما) وجوبًا (حتى يكونا أسفل من الكعبين) وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الكلمات.

قال القرطبي: قوله (ولا ثوبًا مسه زعفران وورس) هذا مما أجمعت الأمة عليه لأن الزعفران والورس من الطيب واستعمالهما ينافي بذاذة الحاج وشعثه المطلوب منه، وأيضًا فإنهما من مقدمات الوطء ومهيجاته والمحرم ممنوع من الوطء ومقدماته، ويستوى في المنع منهما الرجال والنساء وعلى لابس ذلك الفدية عند مالك وأبي حنيفة ولم يرها الثوري ولا الشافعي وإسحاق وأحمد إذا لبس ذلك ناسيًا، فأما المعصفر فرآه الثوري وأبو حنيفة طيبًا كالمزعفر ولم يره مالك ولا الشافعي طيبًا، وكره مالك المفدم منه أي المشبع بالصبغ، واختلف عنه هل على لابسه فدية أم لا؟ وأجاز مالك سائر الثياب المصبغة بغير هذه المذكورات، وكرهها بعضهم لمن يقتدى به.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

2675 -

(00)(00) وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4)(عن ابن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع وسالم (أنه) أي أن ابن عمر (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم) والمحرمة (ثوبًا مصبوغًا بزعفران أو ورس، وقال) رسول الله صلى الله

ص: 248

"مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّينِ. وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ".

2676 -

(1150)(70) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمادُ بْنُ زيد، عَنْ عَمْرو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: "السرَاويلُ، لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ. وَالْخُفَّانِ، لِمَنْ لَم يَجِدِ النَّعْلَينِ" يَعْنِي الْمُحْرِمَ

ــ

عليه وسلم: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

2676 -

(1150)(70)(حدثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (جميعًا) أي كلهم (عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن جابر بن زيد) الأزدي أبي الشعثاء البصري صاحب ابن عباس مشهور بكنيته، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من خماسياته أربعة منهم بصريون وواحد طائفي أو ثلاثة بصريون وواحد إما نيسابوري أو بلخي (قال) ابن عباس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: السراويل) أي لبسه جائز (لمن) أي للرجل المحرم الذي (لم يجد الإزار) حسًّا أو شرعًا (والخفان) أي لبسهما جائز (لمن) أي للرجل المحرم الذي (لم يجد النعلين) حسًّا أو شرعًا، وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لمن لم يجد في الموضعين الرجل (المحرم) لا المحرمة سواء كان إحرامه حجًّا أو عمرة، كلام مدرج من بعض الرواة تفسيرًا للموصول المبهم في قوله لمن والله أعلم.

وظاهره جواز لبس السراويل للمحرم الفاقد الإزار كما هو مذهب الشافعي وأحمد، وأما عند الأحناف ومالك فلا يلبسه وإنما يشقه ويأتزر به عند الضرورة ولو لبسه من غير شق فعليه دم وكذلك الخفاف فلا يلبسهما المحرم إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين، قال القاري:(قوله السراويل لمن لم يجد الإزار) الخ أي وليس عليه فدية وهو

ص: 249

2677 -

(00)(00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) ح وَحَدثَنِي أَبُو غَسَّانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قَالًا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنهُ سَمِعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. فَذَكَرَ هذَا الْحَدِيثَ

ــ

قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: ليس له لبس السراويل، فقيل يشقه ويأتزر به ولو لبسه من غير فتق فعليه دم، وقال الرازي: يجوز لبس السراويل من غير فتق عند عدم الإزار ولا يلزم منه عدم لزوم الدم لأنه قد يجوز ارتكاب المحظور للضرورة مع وجوب الفدية كالحلق للأذى ولبس المخيط للعذر، وقد صرح في الآثار بإباحة ذلك مع وجوب الفدية وليس في الحديث أنه يلزمه فتق السراويل حتى يصير غير مخيط كما قال به أبو حنيفة قياسًا على الخفين، وأما اعتراض الشافعية بأن فيه إضاعة مال فمردود بما تقدم، نعم لو فرض أنه بعد الفتق لا يستر العورة يجوز له لبسه من غير فتق بل هو متعين واجب إلا أنه يفدي، وأما قول ابن حجر وعن أبي حنيفة ومالك امتناع لبس السراويل على هيئته مطلقًا فغير صحيح عنهما اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

2677 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر ح وحدثني أبو غسان الرازي) محمد بن عمرو التميمي المعروف بزنيج مصغرًا، ثقة، من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9)(قالا جميعًا) أي قال محمد بن جعفر وبهز (حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد) يعني عن جابر بن زيد عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد (أنه) أي أنه ابن عباس (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات) بزيادة عرفات هنا (فذكر) شعبة (هذا الحديث) السابق الذي رواه حماد بن زيد.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 250

2678 -

(00)(00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِي بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدثَنِي عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيوبَ. كُل هؤُلاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، غَيرُ شُعْبَةَ وَحْدَه.

2679 -

(1151)(71) وحدثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبو الزبَيرِ، عَنْ جَابِرِ رضي الله

ــ

2678 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7)(ح وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10)(أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي (عن) عبد الملك (ابن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9)(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية البصري (عن أيوب) السختياني كل هرلاء) المذكورين من ابن عيينة وهشيم وسفيان الثوري وابن جريج وأيوب السختياني رووا (عن عمرو بن دينار) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة المذكورين لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (بهدا الإسناد) يعني عن جابر بن زيد عن ابن عباس (ولم يذكر أحد منهم) أي من الخمسة المذكورين لفظة (يخطب بعرفات غير شعبة وحده).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:

2679 -

(1151)(71)(وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني (رضي الله) تعالى (عنهـ) ـما. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد

ص: 251

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسْ خُفينِ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاويلَ".

2680 -

(1152)(72) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أبِي

ــ

مكي (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين) بشرط أن يقطعهما أسفل من الكعبين حملًا للمطلق هنا على المقيد في حديث ابن عمر (ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل) وقال الحنابلة: ومن لم يجد إزارًا لبس سراويل، ومتى وجد إزارًا خلعه أو نعلين لبس خفين، ويحرم قطعهما، واستدلوا بحديث ابن عباس وجابر:"من لم يجد نعلين فليلبس خفين" وليس في حديثهما ذكر القطع، وقالوا: قطعهما إضاعة مال، قالوا: وإن حديث ابن عمر المصرح بقطعهما منسوخ، وأجيب: بأنه لا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بأنه أصح الأسانيد، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعًا إلا من رواية جابر بن زيد عنه، وبأنه يجب حمل حديث ابن عباس وجابر على حديث ابن عمر لأنهما مطلقان وفي حديث ابن عمر زيادة لم يذكراها يجب الأخذ بها، وبأن إضاعة المال إنما تكون في المنهي عنه لا فيما أذن فيه، والأمر في قوله فليلبس الخفين للإباحة لا للوجوب، والسر في تحريم المخيط وغيره مما ذكر مخالفة العادة والخروج عن المألوف لإشعار النفس بأمرين الخروج عن الدنيا والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط وتنبيهها على التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها والمحافظة على قوانينها وأساسها وأركانها وشرائطها وآدابها اهـ قسطلاني، وحديث جابر هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه وإن دل عليه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ضمنًا لا صريحًا فقال:

2680 -

(1152)(72)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9)(حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عطاء بن أبي

ص: 252

رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. عَلَيهِ جُبَّةٌ وَعَلَيهَا خَلُوقٌ (أَوْ قَال: أَثَرُ صُفْرَةٍ)

ــ

رباح) اسمه أسلم القرشي مولاهم أبو محمد اليماني المكي، ثقة، من (3)(عن صفوان بن يعلى بن أمية) التميمي المكي، ثقة، من (3)(عن أبيه) يعلى بن أمية بن عبيد بن همام بن الحارث التميمي حليف قريش وهو يعلى ابن منية -بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة- وهي اسم أمه، وقيل اسم جدته، المكي الصحابي المشهور رضي الله عنه من مسلمة الفتح. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد بصري وواحد أبلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (قال) يعلى بن أمية (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه قاله ابن حجر، لكن ذكر ابن فتحون في الذيل عن تفسير الطرطوشي: أن اسمه عطاء بن منية، قال ابن فتحون: فإن ثبت ذلك فهو أخو يعلى الراوي اهـ قسطلاني (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (بالجعرانة) بكسر الجيم والعين وتشديد الراء، قال البكري: كذا يقول العراقيون، ومنهم من يخفف الراء ويكسر الجيم ويسكن العين، وكذلك الخلاف في الحديبية وهي موضع بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب، وقال ابن الأثير: وهي قريب إلى مكة، وهي في الحل وميقات الإحرام، وقال ياقوت: وهي غير الجعرانة التي بأرض العراق، قال سيف بن عمر: نزل المسلمون فيها لقتال الفرس، فقال يوسف بن ماهان: اعتمر بها ثلاثمائة نبي عليهم الصلاة والسلام يعني الجعرانة التي بقرب مكة كذا في عمدة القاري، وقال القاري: الجعرانة موضع معروف أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة، وهي أفضل من التنعيم عند الشافعية خلافًا لأبي حنيفة بناء على أن الدليل القولي أقوى عنده لأن القول لا يصدر إلا عن قصد، والفعل يحتمل أن يكون اتفاقيًا لا قصدًا، وقد أمر صلى الله عليه وسلم عائشة أن تعتمر من التنعيم وهو أقرب المواضع إلى الحرم اهـ فتح (عليه) أي على ذلك الرجل (جبة) بضم الجيم وتشديد الموحدة المفتوحة قباء طويل محشو يلبس للبرد (وعليها) أي وعلى تلك الجبة (خلوق) بفتح الخاء وضم اللام؛ نوع من الطيب مركب من زعفران وغيره (أو قال) يعلى: عليه (أثر صفرة) أي أثر طيب لون صفرة أي بقيته، والشك من صفوان أو ممن دونه، ثم إن

ص: 253

فَقَال: كَيفَ تَأمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَال: وَأُنْزِلَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم الْوَحْيُ. فَسُتِرَ بِثَوْبٍ. وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَني أَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ نَزَلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ. قَال: فَقَال: أيَسُرُّكَ أنْ تَنْظُرَ إِلَى النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ؟ قَال: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ. فَنَظَرْتُ إِلَيهِ لَهُ غَطِيطٌ. (قَال: وَأَحْسَبُهُ قَال) كَغَطِيطِ الْبَكْرِ

ــ

الخلوق كما يظهر من الرواية الآتية كان بجسد هذا الرجل لا بجبته، ولعله لكثرته ظهر أثره على جثته ولهذا أمره صلى الله عليه وسلم بغسل ما على جسده وبنزع جبته وإلا لكان في نزعها كفاية عن الغسل (فقال) الرجل (كيف تأمرني) يا رسول الله بـ (أن أصنع) وأعمل (في عمرتي) في التجرد من محظورات الإحرام، وفي الإتيان بمأموراته (قال) يعلى (وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي) قال الأبي: والظاهر من سياق الأحاديث أن نزول الوحي سببه هذه القضية، قال النواوي: وقد يحتج به من يقول أنه صلى الله عليه وسلم لا يحكم باجتهاده، وقد يجاب بأنه اجتهد ولم يظهر له حكم ما سئل عنه أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد اهـ (فستر) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الناس (بثوب) قد أظل عليه، والظاهر أن الساتر له عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي بيانه في الرواية الآتية، قال الأبي: إن الساتر له عمر رضي الله عنه وستره إياه أنه بإذن سابق أو مقارن أو باجتهاده رضي الله عنه (وكان يعلى) بن أمية (يقول) قبل ذلك اليوم لعمر بن الخطاب: والله قد (وددت) وأحببت وتمنيت يا عمر (أني أرى) وأنظر (النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (قد نزل عليه الوحي) من الله تعالى (قال) يعلى (فـ) لما نزل عليه الوحي (قال) لي عمر بن الخطاب (أيسرك) يا يعلى؛ أي هل يبشرك يا يعلى (أن تنظر) وتبصر (إلى النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (قد أنزل عليه الوحي قال) يعلى فقلت لعمر: نعم يسرني ذلك (فـ) لما قلت له: نعم يسرني ذلك (رفع عمر) بن الخطاب (طرف الثوب) الذي أظل عليه وذيله فأدخلت رأسي مع عمر في المظلة (فنظرت إليه) صلى الله عليه وسلم وهو في ثقل الوحي (له غطيط) أي صوت مردد في صدره كصوت النائم الذي يردد صوته في صدره مع نفسه (قال) صفوان (وأحسبه) أي وأحسب يعلى وأظنه (قال) له غطيط (كغطيط البكر) بفتح الباء الموحدة وهو الفتي من الإبل -أي الشاب- والبكرة الفتاة، والقلوص بمنزلة الجارية، والبعير كالإنسان، والناقة

ص: 254

قَال: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال: "أَينَ السائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصفْرَةِ (أَوْ قَال: أَثَرَ الْخَلُوقِ) وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ. وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانعٌ فِي حَجِّكَ"

ــ

كالمرأة، والجمل كالرجل اهـ فتح الملهم، فإن قيل إذا كان الحكم الستر له صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فلم أقدم عمر على رفع الثوب وقد علمت اختلافهم عند موته صلى الله عليه وسلم هل يغتسل دون ثوب أم لا؟ حتى سمعوا: اغسلوه في ثوبه.

[قلت] يحتمل أنه أيضًا بإذن سابق أو باجتهاد وليس رؤية وجهه كتجريده من الثوب للغسل كذا قال الأبي رحمه الله تعالى، وقال النووي: رفع عمر الثوب وإدخال أبي يعلى رأسه كله محمول على أنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يكره الاطلاع عليه في تلك الحال لأن فيها تقوية للإيمان بالاطلاع على الوحي اهـ، وقوله (له غطيط) هو صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى عليه في صدره وسبب ذلك شدة ثقل الوحي كما قال تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} قال الأبي: قد قدمنا حقيقة الوحي وانقسامه في كتاب الإيمان وما هو الأشد من تلك الأقسام فلعل ذلك الأشد هو الذي يغط له اهـ، وفيه أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة أشار إليه ابن المنير رحمه الله تعالى (قال) يعلى (فلما سري) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف وأزيل (عنه) صلى الله عليه وسلم ما يراه من ثقل الوحي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين السائل) لي (عن) حكم (العمرة) من واجباته ومحظوراته؟ فقال الرجل: أنا السائل يا رسول الله، فقال له (اغسل عنك أثر الصفرة) وهذا أعم من أن يكون بثوبه أو بدنه (أو قال) له النبي صلى الله عليه وسلم اغسل عنك (أثر الخلوق) والشك من يعلى أو ممن دونه (واخلع عنك جبتك واصنع) أي وافعل (في) إتمام (عمرتك) وأعمالها (ما) أي أعمالًا (أنت صانعـ) ها (في) أداء (حجك) أي بعضها من الطواف والسعي والحلق لأن الوقوف والمبيت والرمي ليس فيها.

قال العيني: اختلف العلماء في استعمال الطيب عند الإحرام واستدامته فكرهه قوم ومنعوه منهم مالك ومحمد بن الحسن، ومنعهما عمر وعثمان وابن عمر وعثمان بن أبي العاص وعطاء والزهري، وخالفهم في ذلك آخرون فأجازوه منهم أبو حنيفة والشافعي تمسكًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لحرمه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت. قالا: وحديث يعلى إنما أمره بغسل ما عليه لأن ذلك الطيب كان زعفرانًا وقد نهى الرجال عن الزعفران، وجواب آخر بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث وهي في سنة ثمان بلا خلاف وحديث عائشة المذكور كان في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ من أمره صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر، واستدل بحديث الباب على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلًا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك: إن طال ذلك عليه لزمته، وعن أبي حنيفة وأحمد في أصح الروايتين عنه تجب مطلقًا، وقال ابن بطال: لو لزمته الفدية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم أي في حديث الباب لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وفرق مالك فيمن تطيب وليس ناسيًا بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى، والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية، وقول مالك فيه احتياط، وأما قول الكوفيين والمزني فمخالف لهذا الحديث، وأجاب ابن المنير في الحاشية بان الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي قال: ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفديته عما مضى بخلاف من لبس الًان جاهلًا فإنه جهل حكمًا استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفًا به، وقد تمكن منه اهـ فتح، قوله (واخلع عنك جبتك) أي وانزعها استدل به على أن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافًا للنخعي والشعبي حيث قالا: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن وأبي قلابة، وقد وقع عند أبي داود بلفظ: اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه كذا في الفتح، قوله (واصنع في عمرتك ما أنت صانع) الخ من اجتناب المحرمات فالحديث دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، قال ابن العربي: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراها واحد، وقال النواوي: إنه صلى الله عليه وسلم أراد مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيئاتها وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة، ويخص من عمومه ما لا

ص: 256

2681 -

(00)(00) وحدثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبيهِ. قَال: أتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. وَأَنَا عِنْدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَعَلَيهِ مُقَطَّعَاتٌ (يَعْني جُبَّةً). وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ. فَقَال: إِنِّي أحْرَمْتُ

ــ

يدخل في العمرة من أفعال الحج كالوقوف والرمي والمبيت بمنى ومزدلفة وغير ذلك اهـ، وقال ابن المنير في الحاشية: قوله (واصنع) معناه واترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعلي اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 222]، والبخاري [1536]، وأبو داود [1819]، والترمذي [836]، والنسائي [5/ 130 و 132].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث يعلى رضي الله عنه فقال:

2681 -

(00)(00)(وحدثنا) محمد (ابن أبي عمر) العدني المكي (قال حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح اليماني المكي، من (3)(عن صفوان بن يعلى) التميمي المكي (عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي المكي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح (قال) يعلى (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو) صلى الله عليه وسلم (بالجعرانة وأنا) يريد يعلى نفسه (عند النبي صلى الله عليه وسلم إظهار في مقام الإضمار لقصد التلذذ (وعليه) أي والحال أنه على ذلك الرجل (مقطعات) أي نوع من الثياب المخيطة بفتح الطاء المشددة من التقطيع بمعنى التفصيل لأن كل جزء منها قطعت وفصلت على قدر كل عضو من أعضاء الجسد كاليد والظهر والصدر والإبط مثلًا، ثم خيطت وركبت فصارت مخيطة وتسميتها مقطعات بالنظر إلى ما قبل الخياطة وأوضحها صفوان أو من دونه (يعني) يعلى بالمقطعات (جبة) أي عليه جبة (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (متضمخ) بالضاد والخاء المعجمتين أي متلوث (بالخلوق) مكثر منه وهو بفتح الخاء المعجمة أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران اهـ من المفهم، وقوله (فقال) معطوف على أتى أي أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو متضمخ طيبًا، فقال له (إني أحرمت) يا رسول الله

ص: 257

بِالْعُمْرَةِ وَعَلَى هذَا. وَأَنَا مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ. فَقَال لَهُ النبِي صلى الله عليه وسلم: "مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ؟ " قَال: أَنْزع عَني هذِهِ الثيَابَ. وَأَغْسِلُ عَني هذَا الْخَلُوقَ. فَقَال لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عمْرَتِكَ".

2682 -

(00)(00) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيد. أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ

ــ

(بالعمرة وعليّ هذا) المخيط يعني الجبة (وأنا متضمخ) أي متلطخ (بالخلوق) فماذا ترى يا رسول الله في شأني هذا (فقال له) أي للرجل (النبي صلى الله عليه وسلم مستفهمًا له (ما كنت صانعًا في حجك) أي أي شيء كنت تصنع وتجتنب عنه في حجك (قال) الرجل في جواب استفهام النبي صلى الله عليه وسلم (انزع) واخلع (عني) أي عن بدني في حجي (هذه الثياب) المقطعات (واغسل عني) أيضًا في حجي (هذا الخلوق) الذي تضمخت به (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك) وهذا سياق حسن ومعنى واضح، تلخيصه أن الرجل كان يعرف أن المحرم بالحج يجتنب المخيط والطيب وظن أن حكم المحرم بالعمرة ليس كذلك فلبس وتطيب ثم أحرم وهو كذلك، ثم وقع في نفسه من ذلك شيء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له:"ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك" يعني من اجتناب ما كنت تجتنبه فيه، وهذا معنى واضح ومساق حسن للحديث فليغتبط به، وقد يستدل به للشافعي على قوله: إنه لا فدية على المتضمخ المحرم ولا على اللابس إذ لم يرو في طريق من طرق هذا الحديث أنه أمره بفدية اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال:

2682 -

(00)(00)(حدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8)(ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9)(قالا) أي قال كل من إسماعيل ومحمد بن بكر (أخبرنا ابن

ص: 258

جرَيجٍ. ح وَحَدثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عِيسى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ؛ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَه؛ أن يَعْلَى كَانَ يَقُولُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَيتَنِي أَرَى نَبِي اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيهِ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ. وَعَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ عَلَيهِ. مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِهِ. فِيهِمْ عُمَرُ. إِذْ جَاءَهُ رَجُل عَلَيهِ جُبَّةُ صُوفٍ. مُتَضَمِّخ بِطِيبٍ

ــ

جريج ح وحدثنا علي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال الهلالي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10)(واللفظ) الآتي (له) أي لعلي بن خشرم (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)(عن ابن جريج، قال أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره) أي أخبر عطاء (أن يعلى) بن أمية (كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن عطاء أي قال يعلى لعمر (ليتني) أن (أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم أي أتمنى وأحب رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين ينزل عليه) الوحي ليزداد إيماني (فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة) منصرفه من حنين؛ وهي موضع قريب إلى مكة ميقات لإحرام العمرة (وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل) بضم أوله وكسر الظاء المعجمة، ومعنى قد أظل (به) أي بذلك الثوب (عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم أي جعل كالمظلة التي يظلل بها من الشمس، ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة كذا في الفتح. [قلت] ولكن المشهور أن الآية نزلت في سنة ست في الحديبية والنظم يؤيده، وقصة الباب كانت بالجعرانة في منصرفه صلى الله عليه وسلم من حنين وذلك في سنة ثمان كما ذكره ابن حزم وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم (معه) صلى الله عليه وسلم (ناس من أصحابه فيهم عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (إذ جاءه) صلى الله عليه وسلم (رجل عليه جبة صوت متضمخ) أي متلطخ (بطيب) وإذ فجائية رابطة لجواب لما؛ والمعنى فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فاجأه مجيء رجل عليه جبة

ص: 259

فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ تَرَى فِي رَجُل أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إِلَيهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَاعَةً. ثُم سَكَتَ. فَجَاءَهُ الْوَحْيُ. فَأشَارَ عُمَرُ بِيَدِهِ إِلَى يَعْلَى بْنِ أمَيةَ: تَعَال. فَجَاءَ يَعْلَى. فَأدْخَلَ رَأسَهُ. فَإذَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ. يَغِطُّ سَاعَةً. ثم سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَال:"أَينَ الَّذِي سَألَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ " فَالْتُمِسَ الرجُلُ، فَجِيءَ بِهِ. فَقَال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَما الطِّيبُ الذِي بِكَ، فَاغسِلْهُ ثَلاثَ مَرات

ــ

صوف (فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب) وهذا يدل على أن السؤال إنما وقع عن استدامة الطيب بعد الإحرام لا عن استعماله عنده والله أعلم (فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة) أي زمنًا قليلًا (ثم سكت) النبي صلى الله عليه وسلم عن رد جوابه انتظارًا للوحي (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (الوحي) أي حامل الوحي (فأشار عمر) رضي الله عنه (بيده إلى يعلى بن أمية) بأن (تعال) أي بأن أقبل إلي (فجاء يعلى فأدخل رأسه) في المظلة كأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم والفاء في قوله (فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه) عاطفة على ما قبلها، وإذا فجائية أي فأدخل رأسه في المظلة ففاجأه كون النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يغط ساعة) بفتح أوله وكسر الغين المعجمة وتشديد المهملة أي ينفخ من الغطيط، قال في المصباح: يقال غط يغط غطيطًا من باب ضرب نظير عز إذا تردد نفسه صاعدًا إلى حلقه حتى سمعه من حوله وسبب ما طرأ عليه صلى الله عليه وسلم من احمرار الوجه والغطيط حالة الوحي ثقله وشدته قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (ثم سري) بالبناء للمجهول أي كشف وأزيل (عنه) صلى الله عليه وسلم ما يجده من ثقل الوحي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين) الرجل (الذي سألني عن) حكم (العمرة) أي عن مأموراته ومحظوراته (آنفًا) أي في الزمن القريب (فالتمس) أي طلب (الرجل) السائل (فجيء به) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله) عنك (ثلاث مرات) مبالغة في الإنقاء، قال القرطبي: فيه دليل على المبالغة في غسله حتى يذهب ريحه وأثره لا أن ثلاثًا حد في هذا الباب، ويحتمل أن ثلاثًا راجع إلى تكرار قوله (فاغسله) فكأنه قال اغسله اغسله اغسله يدل على صحته ما قد روي من عادته صلى الله

ص: 260

وَأَمَّا الْجُبَّةُ، فَانْزِعْهَا. ثم اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ".

2683 -

(00)(00) وحدثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمي وَمُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) قَالا: حَدَّثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا أَبِي

ــ

عليه وسلم في كلامه فإنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات اهـ من المفهم، وفي صحيح البخاري قلت: لعطاء أراد الإبقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم. وفي الفتح: القائل هو ابن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله ثلاث مرات من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة اغسله مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه نبه عليه عياض رحمه الله تعالى، وفي رواية أبي داود أمره أن ينزعها نزعًا ويغسلها مرتين أو ثلاثًا، قال النواوي رحمه الله تعالى: إنما أمره بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه، والواجب الإزالة فإن حصلت بمرة كفت ولم تجب الزيادة ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله متضمخ اهـ فتح الملهم (وأما الجبة فانزعها) بكسر الزاي أي اخلعها فورًا وأخرجها، وفي هذا رد على الشعبي والنخعي حيث قالا: إن ذلك الثوب يشق لأنه إذا خلعه من رأسه غطى رأسه والمحرم ممنوع من تغطية رأسه وهذا ليس بشيء لأنا لا نسلم أن هذه التغطية منهي عنها لأنه لا ينفك عن المنهي إلا بها فصار هذا الخلع مأمورًا به فلا يكون هو الذي نهي عنه المحرم، ويجري هذا مجرى من حلف أن لا يلبس ثوبًا هو لابسه ولا يركب دابة هو راكبها، وأيضًا فإن هذه التغطية لا ينتفع بها فلا تكون هي المنهي عنها للمحرم فأنه إنما نهي عن تغطية ينتفع بها على ما يأتي إن شاء الله تعالى (ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك) وهذا يدل على أن المأمور به من الأعمال ما زاد على الغسل والنزع، وقد تقدم بسط الكلام في هذا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث يعلى رضي الله عنه فقال:

2683 -

(00)(00)(وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم مفعول من أكرم ولا تعبأ بما قاله السنوسي هنا من أنه من التكريم (العمي) البصري، ثقة، من (11)(ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ لابن رافع قالا حدثنا وهب بن جرير بن حازم) الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري،

ص: 261

قَال: سَمِعْتُ قَيسًا يُحَدِّثُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعلَى بْنِ أميةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه؛ أن رَجُلًا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم وَهوَ بِالْجِعْرَانَةِ. قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأسَهُ وَعَلَيهِ جُبَّة. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ. وَأَنَا كَمَا تَرَى. فَقَال: "انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ. وَاغسِلْ عَنْكَ الصُّفرَةَ. وَمَا كُنتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ".

2684 -

(00)(00) وحدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ

ــ

ثقة، من (6)(قال) جرير بن حازم (سمعت قيسًا) ابن سعد الحنفي الحبشي أبا عبد الله المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن صفوان بن يعلى بن أمية) التميمي المكي (عن أبيه) يعلى بن أمية رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مكيون وثلاثة بصريون أو بصريان ونيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة قيس بن سعد لابن جريج (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل) وأحرم (بالعمرة) أصل الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الإحرام ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا (وهو مصفر لحيته ورأسه) أي مزعفرهما أو صابغهما بصفرة وهي نوع من الطيب فيه صفرة، ويسمى خلوقًا وهو بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الفاء المشددة اسم فاعل من التصفير ولحيته بالنصب مفعول به (وعليه جبة فقال) الرجل (يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى) أي على ما تراه من تصفير اللحية والرأس ولبس الجبة (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (انزع) بكسر الزاي من باب ضرب أي اخلع (عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعًا في حجك) من فعل المأمورات واجتناب المحظورات (فاصنعه في عمرتك) لأن أحكامهما واحدة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال:

2684 -

(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج النيسابوري أبو يعقوب التميمي، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو علي) البصري (عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب

ص: 262

حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً قَال: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: كُنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأتَاهُ رَجُلٌ عَلَيهِ جُبَّةٌ. بِهَا أَثَرٌ مِنْ خَلُوقٍ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِني أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ. فَكَيفَ أَفْعَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتُرُهُ إِذَا نَزَلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ، يُظِلُّهُ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ رضي الله عنه: إِني أحِبُّ، إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ، أَنْ أدْخِلَ رَأسِي مَعَهُ فِي الثَّوْبِ. فَلَمَّا أُنْزِلَ عَلَيهِ، خَمَّرَهُ

ــ

(حدثنا رباح بن أبي معروف) بن أبي سارة المكي، روى عن عطاء بن أبي رباح في الحج والبيوع، ومجاهد، ويروي عنه (م ت س) وأبو علي عبيد الله بن عبد المجيد وأبو عامر العقدي والثوري، قال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح، وقال ابن حبان: كان ممن الغالب عليه التقشف ولزوم الورع، وكان يهم في الشيء بعد الشيء، وقال ابن عدي: ما أرى برواياته بأسًا ولم أجد له شيئًا منكرًا، وقال أحمد: كان صالحًا، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من السابعة، وليس في مسلم من اسمه رباح إلا هذا (قال) رباح (سمعت عطاء) بن أبي رباح المكي (قال أخبرني صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مكيون وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة رباح بن أبي معروف لابن جريج في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح (قال) يعلى (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل عليه جبة بها) أي بتلك الجبة (أثر من خلوق) أي رائحته الفائحة (فقال) الرجل (يا رسول الله إني أحرمت بعمرة فكيف أفعل) فيها أي فعلى أي حال أفعلها في مأموراتها ومحظوراتها (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن رد جوابه (فلم يرجع إليه) شيئًا من الجواب وهو تفسير للسكوت أي سكت عن جوابه انتظارًا للوحي (وكان عمر) بن الخطاب (يستره) صلى الله عليه وسلم عن الناس (إذا نزل عليه الوحي) وقوله (يظله) صلى الله عليه وسلم بضم أوله وكسر ثانيه من أظل الرباعي حال من فاعل يستره أي يستره عمر حالة كونه يظله أي يجعل عليه الثوب كالظلة التي يستظل بها، قال يعلى بن أمية (فقلت لعمر رضي الله عنه أولًا (إني أحب) وأتمنى (إذا أنزل عليه) صلى الله عليه وسلم (الوحي أن أدخل رأسي معه في الثوب) الذي ستر به عن الناس لأنظر إليه في حالة الوحي (فلما أنزل عليه) الوحي في ذلك اليوم (خمّره) صلى الله

ص: 263

عُمَرُ رضي الله عنه بِالثوْبِ. فَجِئْتُهُ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي مَعَهُ فِي الثوبِ. فَنَظَرْتُ إِلَيهِ. فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال: "أَينَ السائِلُ آنِفًا عَنِ الْعُمْرَةِ؟ " فَقَامَ إِلَيهِ الرجُلُ. فَقَال: "انْزِعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ. وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ الذِي بِكَ. وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا كُنْتَ فَاعِلًا فِي حَجِّك"

ــ

عليه وسلم من التخمير؛ أي غطاه وستره (عمر رضي الله عنه بالثوب) عن الناس، قال الأبي: الظاهر من سياق الأحاديث أن نزول الوحي كان سببه القضية، قال النووي: وقد يحتج به من يقول إنه لا يحكم باجتهاده، وقد يجاب بأنه لم يظهر له بالاجتهاد حكم ذلك أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد اهـ قال يعلى قال لي عمر: تعال (فجئته) أي فجئت عمر (فأدخلت رأسي معه) أي مع عمر (في الثوب) الذي ستره به لأنظر النبي صلى الله عليه وسلم حالة نزول الوحي عليه (فنظرت إليه) صلى الله عليه وسلم وهذا محمول على أن عمر ويعلى علما أنه صلى الله عليه وسلم لا يكره الاطلاع عليه في ذلك الوقت لأن فيه تقوية الإيمان بمشاهدة حال الوحي الكريم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يغط من شدة ثقل الوحي كما في رواية البخاري (فلما سُرِّي) بضم السين المهملة وكسر الراء المشددة أي فلما كشف وأزيل (عنه) صلى الله عليه وسلم ما تغشاه من ثقل الوحي شيئًا فشيئًا، يقال سروت الثوب وسريته نزعته، والتشديد أكثر لإفادة التدريج (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أين السائل) لي (آنفًا) أي في الزمن القريب (عن) أحكام (العمرة فقام إليه) صلى الله عليه وسلم (الرجل) السائل (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (انزع) أي اخلع (عنك جبنك واغسل أثر الخلوق) أي بقيته (الذي) بقي وعلق (بك وافعل في عمرتك ما كنت فاعلًا) إياه (في حجك) من المأمورات والمحظورات والله سبحانه وتعالى أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث يعلى ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 264