المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌445 - (1) باب: جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم

- ‌446 - (2) باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة

- ‌447 - (3) باب: حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله

- ‌448 - (4) باب: النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام

- ‌449 - (5) باب: نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت

- ‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

- ‌451 - (7) باب: فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه، وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا

- ‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

- ‌453 - (9) باب: فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

- ‌454 - (10) باب: صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌455 - (11) باب: الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

- ‌أبواب الاعتكاف

- ‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

- ‌457 - (13) باب: للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد

- ‌458 - (14) باب: الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

- ‌461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها

- ‌462 - (18) باب: بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة

- ‌463 - (19) باب: استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه

- ‌464 - (20) باب: تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما

- ‌465 - (21) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌466 - (22) باب: جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى، ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها

- ‌467 - (23) باب: جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه

- ‌468 - (24) باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات؟ وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر

- ‌469 - (25) باب: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف

- ‌470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه

- ‌471 - (27) باب: يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد

الفصل: ‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

2599 -

(1125)(46) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريع، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ؟ قَالتْ: وَاللهِ، إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ. حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ. وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ

ــ

452 -

(8) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

2599 -

(1125)(46)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) التيمي أبو معاوية البصري (عن سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم أبي مسعود البصري، ثقة، من (5)(عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3)(قال) ابن شقيق (قلت لعائشة رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري (هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا معلومًا) أي معينًا كاملًا (سوى رمضان) أي غير رمضان (قالت) عائشة (والله إن صام) أي ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم (شهرًا معلومًا) فإن نافية بمعنى ما أي ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا معينًا (سوى رمضان) ويأتي الجواب عما ظاهره أنه صام شعبان كله، قال العلماء: وإنما لم يستكمل صوم غير رمضان لئلا يعتقد وجوبه (حتى مضى لوجهه) وفي الرواية التالية: حتى مضى لسبيله، وكلاهما كناية عن الموت أي إلى أن مات، وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم بعث لأداء الرسالة فلما أداها مضى إلى مأواه ومستقره اهـ فتح (ولا أفطره) أي ولا أفطر شهرًا كاملًا (حتى يصيب منه) أي حتى يصوم منه، قال النواوي: فيه استحباب أَنْ لا يَخْلُ شهر عن صوم، قال عياض: وفيه أن صوم النفل غير مختص بوقت، بل السنة كلها وقت له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 189]، والبخاري [1970]، والترمذي [768]، والنسائي [4/ 199].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

ص: 133

2600 -

(00)(00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: قُلْت لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: أكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إلا رَمَضَانَ. وَلَا أَفْطَرَهُ كلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ. حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ صلى الله عليه وسلم.

2601 -

(00)(00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ (قَال حَمَّادٌ: وَأَظُنُّ أَيُّوبَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ) قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ــ

2600 -

(00)(00)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا كهمس) بن الحسن البصري (عن عبد الله بن شقيق) البصري (قال) عبد الله (قلت لعائشة رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون إلا عائشة، غرضه بيان متابعة كهمس لسعيد الجريري (أكان) أي هل كان (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا كله قالت) عائشة (ما علمته) صلى الله عليه وسلم (صام شهرًا كله إلا رمضان، ولا أفطره) أي ولا أفطر شهرًا (كله حتى يصوم منه) أي من ذلك الشهر الذي أفطر فيه أي بعضه (حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وسلم غاية لعلمته وهو كناية عن الموت كما مر آنفًا، واللام في لسبيله مثلها في قولك لقيته لثلاث بقين من الشهر تريد مستقبلًا لثلاث؛ أي كان حاله ما ذكر إلى أن مات اهـ فتح.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

2601 -

(00)(00)(وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم البصري (عن أيوب) السختياني البصري (وهشام) بن حسان القردوسي البصري كلاهما (عن محمد) بن سيرين البصري (عن عبد الله بن شقيق) البصري (قال حماد) بن زيد في روايته (وأظن أيوب) السختياني (قد سمعه) أي قد سمع هذا الحديث (من عبد الله بن شقيق) بلا واسطة محمد (قال) عبد الله بن شقيق (سألت عائشة رضي الله عنها عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم تطوعًا أي سألته هل يصوم

ص: 134

فَقَالتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ. قَدْ صَامَ. ويفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ. قَدْ أَفْطَرَ. قَالتْ: وَمَا رَأَيتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ.

2652 -

(00)(00) وحدّثنا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الإِسْنَادِ هِشَامًا وَلَا مُحَمَّدًا

ــ

الشهر الكامل أو بعضه وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن سيرين لكهمس بن الحسن في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن شقيق (فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (يصوم) التطوع (حتى نقول) نحن معاشر نسائه وخاصته (قد صام قد صام) صلى الله عليه وسلم أي واظب وداوم على الصيام فلا يفطر (ويفطر حتى نقول قد أفطر قد أفطر) أي واظب على الإفطار فلا يصوم، قال القرطبي: ومعنى هذا الكلام أنه كان يصوم متطوعًا فيكثر ويوالي حتى تتحدث نساؤه وخاصته بصومه ويفطر كذلك، ومثل هذا حديث ابن عباس الآتي (كان يصوم حتى يقول القائل لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل لا يصوم) وبمثل هذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه فقال: "بل أصوم وأفطر وأقوم وأنام فمن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه من حديث أنس (قالت) عائشة (وما رأيته) صلى الله عليه وسلم (صام شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة) أي بعد أن قدم المدينة ولا قبله وما كان فرض رمضان إلا بعد الهجرة بسنة فهو قيد لا مفهوم له (إلا أن يكون) الشهر (رمضان).

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة فقال:

2602 -

(00)(00)(وحدثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (حدثنا حماد) بن زيد البصري (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتيبة لأبي الربيع الزهراني، وساق قتيبة (بمثله) أي بمثل ما حدّث أبو الربيع (و) لكن (لم يذكر) قتيبة (في الإسناد هشامًا) ابن يحيى (ولا محمدًا) ابن سيرين.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:

ص: 135

2603 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلا رَمَضَانَ. وَمَا رَأَيتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ

ــ

2603 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي المدني مولاهم (مولى عمر بن عبيد الله) التيمي، ثقة، من (5)(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف المدني (عن عائشة أم المومنبن رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنها) أي أن عائشة (قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم) النفل متتابعًا في بعض الأحيان أي يوالي بين صوم التطوع (حتى نقول) معاشر نسائه وخواصه (لا يفطر) أبدًا ولا يترك الصوم، قال التوربشتي: الرواية في نقول بالنون، وقد وجد في بعض النسخ بالتاء على الخطاب كأنها تقول أنت أيها السامع لو أبصرته اهـ فتح الملهم (وبفطر) على التوالي في بعض الأحيان (حتى نقول لا يصوم) أي لا يريد أن يصوم ففي هذا وغيره من الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يصم الدهر كله وكأنه ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وهو بهم رؤوف رحيم، وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وقام ونام وطوبى لمن اقتدى به في ذلك اهـ فتح. (وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر) من شهور السنة (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمره (إلا رمضان وما رأيته) صلى الله عليه وسلم (في شهر) من الشهور (أكثر) مفعول ثان لرأيت والضمير في (منه) عائد له صلى الله عليه وسلم (صيامًا) تمييز (في شعبان) متعلق بصيام، والمعنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شعبان، وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه، وأرادت بقولها في شهر غير شعبان أي ما رأيته كائنًا في غير شعبان أكثر صيامًا منه كائنًا في شعبان اهـ من المرقاة.

ص: 136

2604 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَال: سَألْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: كَانَ يَصُومُ حَتّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ. ويفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ. وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ. كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلا قَلِيلًا

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2604 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن) عبد الله (بن أبي لبيد) بفتح اللام مولى الأخنس بن شريق أبي المغيرة المدني العابد، ثقة، من (6) وفي بعض النسخ عن أبي أسد وهو تحريف من النساخ (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي لبيد لأبي النضر في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (يصوم) التطوع متتابعًا (حتى نقول) معاشر أهل بيته (قد صام) أي واظب على الصيام ولا يفطر (ويفطر) متواليًا (حتى نقول قد أفطر) أي داوم على الإفطار ولا يصوم (ولم أره) صلى الله عليه وسلم (صائمًا من شهر قط كثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله) أي معظمه، وقوله كان يصوم شعبان إلا قليلًا) جملة مفسرة لما قبلها، قال الحافظ: وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصله برمضان أي كان يصوم معظمه، ونقل الترمذي رحمه الله تعالى عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال، واستبعده الطيبي قال: لأن الكل تأكيد

ص: 137

2605 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. وَكَانَ يَقُولُ: "خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِن اللهَ لَنْ يَمَلَّ

ــ

لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له، قال الزرقاني في شرح المواهب: لكن الاستبعاد لا يمنع الوقوع لأن الحديث يفسر بعضه بعضا لا سيما والمخرج متحد وهو عائشة وهي من الفصحاء وقد نقله ابن المبارك عن العرب ومن حفظ حجة، وقال الطيبي جمعًا بين الحديثين: فيحتمل أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان، وقيل المراد بقوله كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورًا فلا يخلي شيئًا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض، وقيل غير ذلك والأول هو الصواب اهـ فتح الملهم باختصار.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سادسًا فقال:

2605 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليامي (حدثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن عائشة رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن أبي لبيد (قالت) عائشة (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صيامًا منه) أي من صيامه (في شعبان وممان يقول خذوا من الأعمال) الصالحة (ما تطيقون) الدوام عليه بلا ضرر مع اجتناب التعمق في جميع أنواع العبادات، وقد تقدم شرح هذه القطعة من الحديث وبيانها واضحًا في باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره من كتاب الصلاة قبيل باب القراءة وأحاديث القرآن فليراجع، قال الحافظ: ومناسبة ذلك للحديث الإشارة إلى أن صيامه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يتأسى به فيه إلا من أطاق ما كان يطيق، إذ من أجهد نفسه في شيء من العبادة خشي عليه أن يمل فيفضي إلى تركه، والمدوامة على العبادة وإن قلَّت أولى من جهد النفس في كثرتها إذا انقطعت فالقليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع غالبًا (فإن الله) سبحانه وتعالى (لن يمل) بفتح الميم أي لا يعرض عنكم ولا يقطع الإقبال عليكم بالرحمة أو لا يترك إثابتكم

ص: 138

حَتَّى تَمَلُّوا". وَكَانَ يَقُولُ: "أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ قَلَّ".

2606 -

(1126)(47) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَانيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما. قَال: مَا صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيرَ رَمَضَانَ. وَكَانَ يَصُومُ، إِذَا صَامَ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا، وَاللهِ لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ، إِذَا أَفْطَرَ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا، وَاللهِ! لَا يَصُومُ

ــ

على العمل، وقد تقدم شرحه مبسوطًا في كتاب الصلاة (حتى تملوا) عن العمل وتكسلوا عنه وتتركوه (وكان) صلى الله عليه وسلم (يقول أحب العمل إلى الله) سبحانه وتعالى أي عنده تعالى وأكثره ثوابًا (مما داوم عليه) وواظب (صاحبه) عليه (وإن قل) ذلك العمل.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

2606 -

(1126)(47)(حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)(عن أبي بشر) جعفر بن إياس، ويقال فيه جعفر بن أبي وحشية اليشكري البصري ثم الواسطي، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة تابعي، من (3)(عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد بصري، وفيه التحديث والعنعنة (قال) ابن عباس (ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمره (غير رمضان وكان يصوم) التطوع أي يوالي الصوم (إذا صام حتى يقول القائل) من المطلعين على صومه (لا والله لا يفطر) أي لا يريد الإفطار، كرر لا لتأكيد النفي (ويفطر) أي يواظب على الإفطار (إذا أفطر) في بعض الأحيان ولا يصوم (حتى يقول القائل) منهم (لا والله لا يصوم) أي لا يعود إلى الصوم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 271]، والبخاري [1971] والنسائي [4/ 199].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

ص: 139

2607 -

(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أبِي بِشْرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: شَهْرًا مُتَتَابِعًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ.

2608 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِيُّ. قَال: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ؟ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي رَجَبٍ. فَقَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ:

ــ

2607 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن بشار وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصريان (عن غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي بشر) جعفر بن إياس البصري أي روى شعبة عن أبي بشر (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن أبي بشر (و) ولكن (قال) شعبة في روايته (شهرًا متتابعًا) بدل "شهرًا كاملًا" مع زيادة (منذ قدم المدينة) وكذا قبل قدومه المدينة، وهذا قيد لا مفهوم له كما مر لأن رمضان إنما فرض في الثانية من الهجرة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

2608 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا (الأنصاري) الأوسي أبوسهل المدني ثم الكوفي، ثقة، من (5)(قال سألت سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن) فضل (صوم) شهر (رجب) كله (ونحن يومئذ) أي يوم إذ سألته (في) شهر (رجب فقال) سعيد بن جبير (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس، غرضه بيان متابعة عثمان بن حكيم لأبي بشر في الرواية عن سعيد بن جبير، وقوله (عن صوم رجب) في المواهب اللدنية وشرحه: أما شهر رجب بخصوصه وقد قال بعض الشافعية إنه أفضل من

ص: 140

كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ

ــ

سائر الشهور وضعفه النواوي وغيره فلم يعلم أنه صلى الله عليه وسلم صامه بل روى عنه من حديث ابن عباس رضي الله عنه مما صح وقفه على ابن عباس أنه نهى عن صيامه.

رواه ابن ماجه بإسناد قال الذهبي: لا يصح، فيه راو ضعيف متروك لكن في سنن أبي داود من حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها فيندب صومه اهـ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم) في بعض الأحيان متواليًا (حتى نقول لا يفطر) أبدًا (ويفطر) على التوالي (حتى نقول لا يصوم) أبدًا، والظاهر أن مراد سعيد بهذا الاستدلال على أنه لا نهي عنه ولا ندب فيه بعينه بل له حكم باقي الشهور إذ لم يثبت في صومه نهي ولا ندب بعينه، وإن كان أصل الصوم مندوبًا إليه، نعم حديث الباهلي قبله قد يقتضي ندب الصوم منه، وفي اللطائف لابن رجب الحنبلي: روى الكناني الدمشقي الإمام المحدّث بإسناده أن عروة بن الزبير قال لعبد الله بن عمر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في رجب؟ قال: نعم، ويشرفه. أي يذكر فيه فضلًا قالها ثلاثًا. أخرجه أبو داود وغيره من طريق حجاج بن منهال به وعن أبي قلابة قال: إن في الجنة قصرًا لصوام رجب، قال البيهقي: أبو قلابة هذا من كبار التابعين لا يقوله إلا عن بلاغ، قال ابن رجب: وهذا أصح ما ورد فيه، وهذا كما قال غيره لا يقتضي صحته لأنهم يعبرون بمثل ذلك في الضعيف كما يقولون أمثل ما في الباب هذا، وإن صح عن أبي قلابة فهو مقطوع إذ المقطوع قول التابعي وفعله، وعند البيهقي عن أنس مرفوعًا (إن في الجنة نهرًا يقال له رجب أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل من صام يومًا من رجب سقاه الله تعالى من ذلك النهر) ضعفه ابن الجوزي وغيره. وصرح الحافظ وغيره بأنه لم يثبت في صومه حديث صحيح، وحكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال: لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أن عمر كان يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول: كلوا، فإنما هو شهر كان تعظمه الجاهلية اهـ من فتح الملهم.

ص: 141

2609 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِهِ.

2610 -

(1128)(48) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثنَا بَهْزٌ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

2609 -

(00)(00)(وحدثنيه علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(ح وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي، ثقة، من (15) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أخو إسرائيل، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (كلاهما) أي كل من علي بن مسهر وعيسى بن يونس رويا (عن عثمان بن حكيم في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (بمثله) أي بمثل ما روى عبد الله بن نمير عن عثمان بن حكيم، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة علي بن مسهر وعيسى بن يونس لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن عثمان بن حكيم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

2610 -

(1128)(48)(وحدثني زهير بن حرب و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد السلمي البغدادي، ثقة، من (10)(قالا حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار التميمي البصري، ثقة، من (8)(عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (واللفظ له حدثنا بهز) بن

ص: 142

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَال: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَال: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ.

2611 -

(1129)(49) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْبٍ، يُحَدِّثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

ــ

أسد العمي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا حماد) بن سلمة (حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة بهز لروح بن عبادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم) في بعض الأحيان على التوالي (حتى يقال قد صام قد صام) أي واظب على الصوم ولا يفطر (ويفطر) في بعضها على التوالي (حتى يقال قد أفطر قد أفطر) أي واظب على الإفطار ولا يصوم، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال:

2611 -

(1129)(49)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (قال سمعت عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (يحدّث عن يونس) بن يزيد الأيلي المصري (عن ابن شهاب) المدني (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن المسيب) بن حَزْن القرشي المخزومي المدني، ثقة، من (2)(وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3)(أن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار كذلك والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي، وقوله (أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة) قال النواوي: قد جمع مسلم طرق هذا الحديث فأتقنها وقال

ص: 143

قَال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"آنْتَ الذِي تَقُولُ ذلِكَ؟ "

ــ

الحافظ: رواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن عبد الله بن عمرو مطولًا ومختصرًا فمنهم من اقتصر على قصة الصلاة، ومنهم من اقتصر على قصة الصيام، ومنهم من ساق القصة كلها ولم أره من رواية أحد من المصريين عنه مع كثرة روايتهم عنه (قال) عبد الله بن عمرو (أُخبر) بالبناء للمجهول و (رسول الله صلى الله عليه وسلم مفعول أول نائب عن الفاعل، وجملة أن في قوله (أنه يقول) في تأويل مصدر منصوب على أنه مفعول ثاني لأخبر أي أخبر قول عبد الله والله (لأقومن الليل) كله بالصلاة فلا أنام (ولأصومن النهار) كله فلا أفطر (ما عشت) في الدنيا أي مدة معاشي وحياتي، وفي الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة لنكتة الإبهام، والذي أخبره هو والده عمرو بن العاص رضي الله عنه فقد روى البخاري في فضائل القرآن من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، وكان يتعاهدها، فسألها عن بعلها، فقالت: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي:"القني" فلقيته بعد، فذكر الحديث. زاد النسائي وابن خزيمة وسعيد بن منصور من طريق أخرى عن مجاهد فوقع على أبي فقال: زوجتك امرأة فعضلتها وفعلت وفعلت، قال: فلم ألتفت إلى ذلك لما كانت لي من القوة، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"القني به" فأتيته معه، ولأحمد من هذا الوجه: ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني، وسيأتي في الباب من طريق أبي المليح عن عبد الله بن عمرو قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي فدخل عليّ، فألقيت له وسادة، ومن طريق أبي العباس عنه فإما أرسل إليّ وإما لقيته، قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن يكون عمرو توجه بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه من غير أن يستوعب ما يريد من ذلك ثم أتاه إلى بيته زيادة في التأكيد اهـ فتح الملهم، فمعنى قوله أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لأقومن الليل، ولأصومن النهار ما عشت، أي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر قوله ذلك وحلفه بالله تعالى على سرد القيام والصيام مدة حياته، وفي قوله أنه يقول عدول عن التكلم (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فدعاني، فقال لي (آنت) بهمزة الاستفهام التقريري

ص: 144

فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتهُ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ. فَصُمْ وَأَفْطِرْ. وَنَمْ وَقُمْ. وَصُمْ مِنَ الشهْرِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ. فَإِن الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَذلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ" قَال: قُلْتُ: فَإِني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "صُمْ

ــ

أي هل أنت (الذي تقول ذلك) الذي أخبرته عنك من سرد القيام وسرد الصيام، قال عبد الله (فقلت له) صلى الله عليه وسلم نعم (قد قلته) أي قد قلت الخبر الذي بلغك مني (يا رسول الله فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك) يا عبد الله (لا تستطيع) ولا تقدر (ذلك) الذي قلته من قيام الليل وصيام النهار ما عشت، يحتمل أن يريد به الحالة الراهنة لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يكلف نفسه بذلك ويدخل به عليها المشقة ويفوت به ما هو أهم من ذلك، ويحتمل أن يريد به ما سيأتي بعد إذا كبر وعجز كما اتفق له سواء وكره أن يوظف على نفسه شيئًا من العبادة ثم يعجز عنه فيتركه لما تقرر من ذم من فعل ذلك، والفاء في قوله (فصم) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا كان الأمر كذلك وأردت بيان ما هو الأصلح لك فأقول لك صم في بعض الأيام (وأفطر) في بعضها، وفي هذا إشارة إلى صوم نبي الله داود عليه السلام (ونم) بفتح النون أمر من النوم أي نم في بعض أوقات الليل (وقم) بضم القاف أمر من قام بالليل لأجل العبادة أي قم وصل في بعض ساعات الليل، قال العيني: وفي الحديث تفقد الإمام أمور رعيته كلياتها وجزئياتها وتعليمهم ما يصلحهم، وفيه أن من تكلف الزيادة وتحمل المشقة على ما طُبع عليه يقع له الخلل في الغالب وربما يغلب ويعجز، وفيه الحض على ملازمة العبادة كأنه قال له: اجمع بين المصلحتين فلا تترك حق العبادة، ولا المندوب بالكلية، ولا تضيع حق نفسك وأهلك وزورك (وصم من الشهر ثلاثة أيام) وهذا بيان لما أجمل في قوله صم وأفطر (فإن الحسنة) الواحدة تجزئ (بعشر أمثالها وذلك) أي صيامك من كل شهر ثلاثة أيام (مثل صيام الدهر) والسنة أي حكمًا لا حسًّا، قال الحافظ: وهذا يقتضي أن المثلية لا تستلزم التساوي من كل جهة لأن المراد بها هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل بالفعل ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازًا (قال) عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من صيام ثلاثة أيام من كل شهر (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (صم

ص: 145

يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَينِ" قَال: قُلْتُ: فَإِني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا. وَذلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَام" قَال: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ".

قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي

ــ

يومًا وأفطر يومين) بالإفراد في الأول والتثنية في الآخر، وفي رواية حسين المعلم في الأدب فصم من كل جمعة ثلاثة أيام، وفي رواية أبي المليح الآتية أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قال: قلت: يا رسول الله! قال: "خمسًا" قلت: يا رسول الله! قال: "سبعًا" قلت: يا رسول الله! قال: "تسعًا" قلت: يا رسول الله! قال: "إحدى عشرة"(قال) عبد الله (قلت فإني أطيق أفضل من ذلك) أي من صيام يوم وإفطار يومين (يا رسول الله قال: صم يومًا وأفطر يومًا وذلك) أي صيام يوم وإفطار يوم (صيام داود عليه السلام وهو أعدل الصيام) وهذا يقتضي ثبوت الأفضلية له مطلقًا، ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة (قال قلت فإني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من صوم يوم وإفطار يوم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) صوم (أفضل من ذلك) أي من صوم يوم وإفطار يوم فهو أفضل من صوم الدهر كما قاله المتولي وغيره، ويترجح من حيث المعنى بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق وبأن من اعتاده لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل، وتقل رغبته وحاجته إلى الطعام والشراب نهارًا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يومًا ويفطر يومًا فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر، وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم: أنه أشق الصوم ويأمن مع ذلك من تفويت الحقوق (قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بالسند السابق أي بعد ما كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه (لأن كون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ من أهلي ومالي) قال النواوي: معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له فتمنى أن لو قبل الرخصة فأخذ بالأخف. [قلت] ومع عجزه وتمنيه الأخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه بل

ص: 146

2612 -

(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ الرُّومِيُّ. حَدَّثنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ) حَدَّثَنَا يَحْيَى قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ حَتَّى نَأْتِيَ أَبَا سَلَمَةَ. فَأَرْسَلْنَا إِلَيهِ رَسُولًا. فَخَرَجَ عَلَينَا. وَإِذَا عِنْدَ بَابِ دَارِهِ مَسْجِدٌ

ــ

صار يتعاطى فيه نوع تخفيف كما في بعض الروايات، وكان عبد الله حين ضعف وكبر يصوم تلك الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعضٍ، ثم يفطر بعدد تلك الأيام فيقوى بذلك، وكان يقول: لأن أكون قبلت الرخصة أحب إليّ مما عدل به لكنني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 198]، والبخاري [1974]، وأبو داود [1389]، والترمذي [770] والنسائي [4/ 209 و 215]، وابن ماجه [1712].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2612 -

(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن محمد الرومي) أي المعروف بابن الرومي أبو محمد اليمامي، نزيل بغداد، قال أحمد بن محمد بن بكر: مات في رجب سنة ست وثلاثين ومائتين (236) روى عن النضر بن محمد في الإيمان والصوم وغيرهما، ويروي عنه (م) وأبو يعلى والسراج، قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، وتقدمت ترجمته في كتاب الإيمان (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي- بالجيم المضمومة والشين المعجمة- الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمهْ وهو ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، وثقه ابن معنى والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (5) يغلط وكان مجاب الدعوة، روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5)(قال) يحيى (انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد) مولى الأسود بن سفيان المخزومي الأعور المدني أبو عبد الرحمن المقرئ من شيوخ مالك، ثقة، من (6) أي ذهبنا من بيوتنا (حتى نأتي أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أي حتى أتيناه ووصلنا إلى داره ووقفنا جنبها ولم ندخل عليه (فأرسلنا إليه) وهو في بيته (رسولًا) ليخرج إلينا (فخرج) من بيته (علينا وإذا) فجائية واقعة في جواب بينما المقدر، وقوله (عند باب داره مسجد) جواب بينما والتقدير وبينما نحن واقفون عند داره

ص: 147

قَال: فَكُنَّا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى خَرَجَ إِلَينَا. فَقَال: إِنْ تَشَاؤُوا، أَنْ تَدْخُلُوا، وَإِنْ تَشَاؤُوا، أَنْ تَقْعُدُوا ههُنَا. قَال: فَقُلْنَا: لَا. بَلْ نَقْعُدُ ههُنَا. فَحَدِّثْنَا. قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما. قَال: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيلَةٍ. قَال: فَإمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأتَيتُهُ. فَقَال لِي:"أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيلَةٍ؟ "

ــ

فاجأنا رؤية مسجد عند باب داره (قال) يحيى فدخلناه (فكنا في المسجد حتى خرج إلينا) أبو سلمة (فقال) أبو سلمة (إن تشاؤوا) أي إن شئتم (أن تدخلوا) معنا البيت فادخلوا (وإن تشاؤوا) أي وإن شئتم (أن تقعدوا ها هنا) أي في المسجد فاقعدوا (قال) يحيى (فقلنا) لأبي سلمة (لا) ندخل البيت (بل نقعد ها هنا) أي في المسجد (فحدثنا) بصيغة الأمر المسند إلى المخاطب أي جئناك لنأخذ منك الحديث فحدّثنا ما عندك من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قال) لنا أبو سلمة (حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (قال) عبد الله بن عمرو (كنت أصوم الدهر) كله يعني كل يوم (فإن قلت) ما الفرق بين صيام الدهر وصيام الوصال (قلت) هما حقيقتاه مختلفان فإن من صام يومين أو أكثر ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل وليس هذا صوم الدهر ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه فهو صائم الدهر وليس بمواصل، والله أعلم بالصواب كذا في عمدة القاري (وأقرأ القرآن) أي أختمه (كل ليلة قال) عبد الله (فإما ذكرت) أنا بالبناء للمجهول أي ذكر بعض الناس حالي وعملي (للنبي صلى الله عليه وسلم فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي (واما أرسل إليّ) فدعاني (فأتيته) صلى الله عليه وسلم قال السندي: لا يخفى أنه لا تقابل بين الأمرين على ظاهره فيحتمل أن يقدر فيه أي ذكرت له صلى الله عليه وسلم فأتاني أو أرسل إليّ، والأقرب أن بعض التصرفات قد وقع من الرواة سهوًا والله تعالى أعلم اهـ، والأولَى ما يأتي في رواية ابن رافع (فإما أرسل إليّ وإما لقيته) فإن اللقاء لا يستدعي الإرسال، ويأتي في رواية يحيى بن يحيى (ذكر له صومي فدخل) الخ (فقال لي ألم أُخبر) بهمزة الاستفهام التقريري وهو حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده ثبوته واخبر على صيغة المجهول المسند إلى المتكلم وحده والمعنى قد أخبرت (أنك تصوم الدهر) أي كل يوم (وتقرأ القرآن) كله (كل ليلة) قال عبد الله (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (بلى) حرف جواب في النفي فيكون إثباتًا أي

ص: 148

فَقُلْتُ: بَلَى. يَا نَبِيَّ اللهِ! وَلَمْ أُرِدْ بِذلِكَ إلا الْخَيرَ. قَال: "فَإِن بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثةَ أَيَّامٍ" قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال:"فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَقًّا. وَلِزَوْرِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا" قَال:

ــ

فالأمر كما أخبرت (يا نبي الله ولم أرد بذلك) العمل (إلا الخير) أي إلا رضا الله تعالى، لا تفويت حق من الحقوق التي عليّ، وفيه جواز تحدث المرء بما عزم عليه من فعل الخير فـ (قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمِّل نفسك ما لا تطيق (فإن بحسبك) الباء زائدة في اسم إن أو خبرها مقدمًا، وجملة (أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) خبرها أو اسمها مؤخرًا، والمعنى على الأول فإن كافيك عن ذلك صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى الثاني فإن صوم ثلاثة أيام من كل شهر كافيك عن ذلك (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من المذكور من صوم ثلاثة أيام من كل شهر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فإن لزوجك) وأهلك (عليك حقًّا) فلا ينبغي لأحد أن يُجهد نفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب، واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته، فقال مالك إن كان بغير ضرورة أُلزم به أو يُفرّق بينهما، ونحوه عن أحمد، والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه، وقيل يجب مرة، وعن بعض السلف في كل أربع ليلة، وعن بعضهم في كل طهر مرة كذا في الفتح (ولزورك عليك حقًّا) بفتح الزاي وسكون الواو أي لضيفك، والزور مصدر وُضع موضع الاسم كصوم في موضع صائم، ونوم في موضع نائم، ويقال للواحد والجمع والذكر والأنثى زور، قال ابن التين: ويحتمل أن يكون زور جمع زائر كركب جمع راكب وتجر جمع تاجر، قال القاضي عياض: وحق الزور وهو الضيف في خدمته وتأنيسه بالحديث أي لضيفك ولأصحابك الزائرين حق عليك وأنت تعجز بسبب توالي الصيام والقيام عن القيام بحسن معاشرتهم (ولجسدك عليك حقًّا) قال العيني: وليس المراد بالحق ها هنا بمعنى الواجب بل المراد مراعاته والرفق به كما يقال له حق الصحبة على فلان يعني مراعاته والتلطف به فالصائم المتطوع ينبغي أن يراعي جسمه بما يقيمه ويشده لئلا يضعف فيعجز عن أداء الفرائض فأما إذا خاف التلف على نفسه أو عضو من أعضائه التي يضرها الجوع فحينئذ يتعين عليه أداء حقه حتى في صوم الفرض أيضًا هـ فتح الملهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم وفي الكلام اختصار فإنه صلى الله عليه وسلم بلغ إلى صوم داود بعد مراجعات كثيرة كما نبهنا عليه

ص: 149

"فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ". قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَال: "كَانَ يَصُومُ يَوْما وَيُفْطِرُ يَوْمًا" قَال: "وَاقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُل شَهْرٍ" قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي كُل عِشْرِينَ" قَال: قُلْتُ: يَا نَبِي اللهِ! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشرٍ" قَال: قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي كُل سَبعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ

ــ

في أول الباب (فإنه) عليه السلام (كان أعبد الناس) لربه أي أكثرهم عبادة لربه أي في زمانه أو المراد من أعبد الناس والله أعلم (قال) عبد الله بن عمرو (قلت) للنبي صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله وما صوم داود قال) النبي صلى الله عليه وسلم كان) داود (يصوم يومًا ويفطر يومًا قال) النبي صلى الله عليه وسلم (واقرأ القرآن) أي اختمه (في كل شهر) مرة (قال) عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله إني أطيق أفضل) أي أزيد (من ذلك) أي من ختمته في كل شهر (قال) نبي الله صلى الله عليه وسلم (فاقرأه في كل عشرين) ليلة ختمة (قال قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل) أي أزيد (من ذلك قال فاقرأه في كل عشر) مرة (قال قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في كل سبع) مرة أي اختمه في كل سبع ليال مرة (ولا تزد على ذلك) أي لا تقرأْه في أقل من سبع فالزيادة هنا بطريق التدلي، قال ملا علي: أي لا تزد على المذكور من الصوم والختم أولًا تزد على ذلك من السؤال ودعوى زيادة الطاقة والله أعلم.

وثبت عن كثير من السلف أنهم قرأوا القرآن في دون ذلك، قال النواوي: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم أر غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة والله تعالى أعلم. واعلم أن النهي عن الزيادة على ذلك ليس للتحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب وعُرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل، وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من

ص: 150

فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَقًّا. وَلِزَوْرِكَ عَلَيكَ حَقًّا. وَلِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا". قَال: فَشَدَّدْتُ. فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قَال: وَقَال لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ". قَال: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَال لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم

ــ

ثلاث لحديث ابن مسعود مرفوعًا: "اقرؤوا القرآن في سبع، ولا تقرءوه في أقل من ثلاث" رواه سعيد بن منصور بسند صحيح، ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سلمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم في أقل من ثلاث، وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وقال النواوي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة فعلى هذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال اهـ فتح الملهم بتصرف.

(فإن لزوجك عليك حقًّا ولزورك عليك حقًّا ولجسدك عليك حقًّا قال) عبد الله (فشددت) أي على نفسي (فشُدد عليّ) بصيغة المجهول (قال) عبد الله (وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم إنك) يا عبد الله (لا تدري) ولا تعلم مآل أمرك حيث تنتمي لقبول هذه الرخصة و (لعلك يطول بك عمر) فتقدم على هذا التشديد إذا عجزت عن القيام بهذه الوظيفة التي التزمتها (قال) عبد الله (فصرت) أي رجعت الآن ووصلت (إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم من طول العمر (فلما كبرت) بكسر الراء من باب علم هذا في السن، وأما كبر بمعنى عظم فبضمها من باب شرف؛ أي فلما كبر سني وعجزت عن أداء الوظيفة التي التزمتها (وددت) وأحببت وتمنيت (أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم وتسهيله عليّ معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله ولا يمكنه تركه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:

ص: 151

2613 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا حُسَين الْمُعَلِّمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِيهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ:"مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثةَ أَيَّامِ": "فَإِن لَكَ بِكُلً حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا. فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ".

وَقَال فِي الْحَدِيثِ: قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ؟ قَال: "نِصْفُ الدَّهْرِ" وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيئًا. وَلَمْ يَقُلْ: "وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيكَ حَقًّا" وَلَكِنْ قَال: "وإنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا"

ــ

2613 -

(00)(00)(وحدثنيه زهير بن حرب) النسائي (حدثنا روح بن عبادة) القيسي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا حسين) بن ذكوان (المعلم) المكتب العوذي البصري (عن يحيى بن أبي كثبر) الطائي اليامي، ثقة، من (5)(بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة حسين المعلم لعكرمة بن عمار في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (و) لكن (زاد) حسين (فيه) أي في الحديث (بعد قوله) صلى الله عليه وسلم فإن بحسبك أن تصوم (من كل شهر ثلاثة أيام) أي زاد بعده لفظة (فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فذلك الدهر كله) أي فصيامك من كل شهر ثلاثة أيام كصيام الدهر كله لأن الثلاثة تساوي بثلاثين يومًا (وقال) حسين أيضًا (في) رواية هذا (الحديث) قال عبد الله (قلت) يا نبي الله (وما صوم نبي الله داود) عليه السلام (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام داود (نصف الدهر) وفطره نصف الدهر (ولم يذكر) حسين (في) هذا (الحديث من قراءة القرآن شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا (ولم يقل) حسين أيضًا لفظة (وإن لزورك عليك حقًّا ولكن قال) حسين في روايته بدل ذلك (وإن لولدك عليك حقًّا) وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين، ومن حق الأولاد الرفق بهم والإنفاق عليهم وشبه ذلك، قال النواوي: فيه أن على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين، وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية نص عليه الشافعي وأصحابه، قال الشافعي وأصحابه: وعلى الأمهات أيضًا هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية ولهن مدخل في ذلك، وأجرة هذا التعليم في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنه مما يحتاج إليه والله تعالى أعلم.

ص: 152

2614 -

(00)(00) حدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَال:(وَأحْسِبُنِي قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2614 -

(00)(00)(حدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (11)(حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9)(عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي، ثقة، من (7)(عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليامي، ثقة، من (5)(عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة) روى عن أبي سلمة وعباد بن أوس، ويروي عنه (م) ويحيى بن أبي كثير، وقال في التقريب: مجهول، من السادسة، وقيل هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي مولاهم المدني، وفي صحيح البخاري مولى بني زهرة وهو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ذكر ابن حبان في الثقات أنه مولى الأخنس بن شريق الثقفي وكان الأخنس ينسب زهريًّا لأنه كان من حلفائهم وجزم جماعة بان ابن ثوبان عامري فلعله كان يُنسب عامريًّا بالأصالة، وزهريًّا بالحلف ونحو ذلك والله أعلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري (قال) يحيى بن أبي كثير (وأحسبني) أي وأظن نفسي أني (قد سمعته) أي قد سمعت (أنا) هذا الحديث (من أبي سلمة) بلا واسطة محمد بن عبد الرحمن (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شيبان لعكرمة بن عمار في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، قوله (قال وأحسبني قد سمعته) الخ قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير، قال الإسماعيلي رحمه الله تعالى: خالف أبان بن يزيد العطار شيبان بن عبد الرحمن في هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير، ثم ساقه من وجهين عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة، وزاد في سياقه بعد قوله:"اقرأه في شهر" قال: إني أجد قوة، قال:"في عشرين " قال: إني أجد قوة، قال:"في عشر" قال: إني أجد قوة، قال:"في سبع، ولا تزد على ذلك" قال الإسماعيلي: ورواه عكرمة بن عمار عن يحيى قال حدثنا أبو سلمة بغير واسطة، وساقه

ص: 153

قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا اقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُل شَهْرٍ" قَال: قُلْتُ: إِنِّي أجِدُ قُوَّة. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي عِشرِينَ لَيلَةً" قَال: قُلْتُ: إِني أَجِدُ قُوَّةً. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذلِكَ".

2615 -

(00)(00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ،

ــ

من طريقه. [قلت] كان يحيى بن أبي كثير يتوقف في تحديث أبي سلمة له، ثم تذكر أنه حدّثه به أو بالعكس كان يصرح بتحديثه ثم توقف وتحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن، ولا يقدح في ذلك مخالفة أبان لأن شيبان أحفظ من أبان أوكان عند يحيى عنهما، ويؤيده اختلاف سياقهما كذا في الفتح، وقد تقدم في الباب من طريق عكرمة بن عمار عن أبي سلمة مصرحًا بالسماع بغير توقف في قصة الصيام وقصة القرآن والله أعلم اهـ فتح الملهم (قال) عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن) كله أي اختمه (في كل شهر) مرة، المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يَردُ على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخرًا إلى ما نزل أولًا فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه والله أعلم اهـ منه (قال قلت إني أجد قوة) على أفضل من ذلك (قال: فاقرأه في عشرين ليلة، قال: قلت إني أجد قوة) على أكثر من ذلك (قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) أي على ختمه في سبع ليال بأن ختمه في خمس أو ثلاث والنهي فيه ليس للتحريم كما مر.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2615 -

(00)(00)(وحدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمرو بن أبي سلمة) الهاشمي مولاهم أبو حفص الدمشقي، روى عن الأوزاعي ومالك، ويروي عنه (ع) وأحمد بن يوسف الأزدي والشافعي أكبر منه ودحيم وأحمد بن

ص: 154

عَنِ الأوْزَاعِيِّ قِرَاءَةً. قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ

ــ

صالح وخلق، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الساجي: ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من كبار العاشرة، مات سنة (214) أربع عشرة ومائتين (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبي عمرو الشامي، عالم الشام وفقيهه، ثقة، من (7) أي روى عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي (قراءة) على الأوزاعي لا سماعًا منه فهو في اصطلاح مسلم بمنزلة أخبرني الأوزاعي (قال) الأوزاعي (حدثني يحيى بن أبي كثير عن) عمر (بن الحكم بن ثوبان) الحارثي أبي حفص المدني، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الصوم، وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأسامة بن زيد، ويروي عنه (م د س ق) ويحيى بن أبي كثير وسعيد المقبري وأسامة الليثي، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الأوزاعي لشيبان بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وقوله (حدثني يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم حدثني أبو سلمة) قد تابع عمرو بن أبي سلمة على زيادة ابن الحكم بين يحيى وبين أبي سلمة ابن أبي العشرين ذكره البخاري تعليقًا، وقد أخرج البخاري بإسناده من طريق عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، فليس فيه واسطة. قال الحافظْ ونبه البخاري على أن زيادة عمر بن الحكم من المزيد في متصل الأسانيد لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث، قال: وظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يحيى عن أبي سلمة بغير واسطة، وظاهر صنيع مسلم يخالفه لأنه اقتصر على الرواية الزائدة، والراجح عند أبي حاتم والدارقطني وغيرهما صنيع البخاري، وقد تابع كلًّا من الروايتين جماعة من أصحاب الأوزاعي فالاختلاف منه وكأنه كان يحدّث به على الوجهين فيُحمل على أن يحيى حمله عن أبي سلمة بواسطة، ثم لقيه فحدّثه به، فكان يرويه عنه على الوجهين والله أعلم اهـ فتح (قال) عبد الله بن عمرو (قال) لي (رسول الله صلى الله عليه

ص: 155

وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلانٍ. كَانَ يَقُومُ الليلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ".

2616 -

(00)(00) وحدّثنيِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً يَزْعُمُ أن أَبَا الْعَبَّاسِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله تعالى عنهما

ــ

وسلم: يا عبد الله لا تكن بمثل فلان) الباء زائدة، قال الحافظ: لم أقف على تسميته في شيء من الطرق وكان إبهام مثل هذا لقصد الستر عليه، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد شخصًا معينًا وإنما أراد تنفير عبد الله بن عمرو من الصنيع المذكور، قال العيني: والظاهر أن الإبهام من أحد الرواة والله أعلم (كان) فلان (يقوم) أي يصلي بعض (الليل فترك قيام الليل) أي صلاته، وفي البخاري (من الليل) أي بعض الليل، قال الحافظ: وسقط لفظ من من رواية الأكثر وهي مرادة، قال ابن العربي: في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب إذ لو كان واجبًا لم يكتف لتاركه بهذا القدر بل كان يذمه أبلغ الذم، وفيه استحباب الدوام على ما اعتاده المرءُ من الخير من غير تفريط، ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2616 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج قال سمعت عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي (يزعم) أي يقول وقد كثر الزعم بمعنى القول (أن أبا العباس) السائب بن فروخ -بفتح فضم مع تشديد الراء- المكي الشاعر الأعمى، روى عن عبد الله بن عمرو في الصوم وفي البر، وعبيد الله بن عمر في الجهاد، وابن عمر، ويروي عنه (ع) وعطاء بن أبي رباح وحبيب بن أبي ثابت وعمرو بن دينار، وثقه أحمد والنسائي، وقال ابن معين: ثبت، وقال مسلم: كان ثقة عدلًا، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي السائب لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن

ص: 156

يَقُولُ: بَلَغَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أصُومُ أَسْرُدُ، وَأُصَلِّي اللَّيلَ. فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ. فَقَال:"أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي اللَّيلَ؟ فَلا تَفْعَلْ. فَإنَّ لِعَينِكَ حَظًّا. وَلِنَفْسِكَ حَطًّا. وَلأَهْلِكَ حَظًّا. فَصُمْ وَأَفْطِرْ. وَصَلِّ وَنَمْ. وَصُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا. وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ" قَال: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذلِكَ، يَا نَبِيَّ اللهِ! قَال:

ــ

عبد الله بن عمرو بن العاص أي سمعته حالة كونه (يقول بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم) حالة كوني (أسرد) الصوم أي أوالي الصوم أي أصوم متتابعًا ولا أفطر بالنهار (وأصلي الليل) جميعه، وكان مبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أباه عمرًا كما مر في أوائل الحديث، وهذا إنما فعله عبد الله بعد أن التزمه بقوله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت كما جاء في الرواية الأخرى (فإما أرصل) النبي صلى الله عليه وسلم (إلي) ليسألني (وإما لقيته) أنا بلا إرسال منه، قال الحافظ: شك من بعض رواته؛ أي إما قال عبد الله كذا وإما قال كذا، وغلط من قال إنه شك من عبد الله بن عمرو لما سيأتي من أنه صلى الله عليه وسلم قصده إلى بيته فدل على أن لقاءه إياه كان عن قصد منه إليه والله أعلم اهـ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ألم أخبر أنك) يا عبد الله (تصوم) جميع النهار (ولا تفطر وتصلي الليل) كله ولا تنام، إن كنت فاعلًا لما أخبرت (فلا تفعل) ذلك، وهذا نهي عن الاستمرار في فعل ما التزمه لأجل ما يؤدي إليه من المفسدة التي نبه عليها بقوله (فإن لعينك) عليك (حظًّا) أي نصيبًا من النوم (ولنفسك) عليك (حظًّا) أي نصيبًا من الاستراحة؛ أي إن عليك لهما حظًّا من الرفق بهما ومراعاة حقهما (ولأهلك) أي لزوجك (حظًّا) من المجامعة، وذلك إذا سرد الصوم ووالى القيام بالليل منعها حقها منه بذلك، وقد يفسر الأهل بالأولاد والقرابة وحقهم هو في الرفق بهم والإنفاق عليهم ومؤاكلتهم وتأنيسهم، وملازمة ما التزم من سرد الصوم وقيام الليل يؤدي إلى امتناع تلك الحقوق كلها ويفيد أن الحقوق إذا تعارضت قدم الأولى، والفاء في قوله (فصم) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا عرفت ما قلته لك من تفويت ما التزمته من الحقوق التي عليك وأردت بيان ما الأصلح لك فاقول لك صم بعض الأيام (وأفطر) بعضها (وصل) بعض الليالي (ونم) بعضها (وصم من كل عشرة أيام يومًا ولك أجر تسعة) أيام التي لم تصمها (قال) عبد الله قلت له صلى الله عليه وسلم (إني أجدني) أي أجد نفسي (أقوى) أي أقدر على أكثر (من ذلك) الذي قلت (يانبي الله قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

ص: 157

"فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عليه السلام ". قَال: وَكَيفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَال: "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. وَلَا يَفِرُّ إِذَا لاقى" قَال: مَنْ لِي بِهذِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ (قَال عَطَاءٌ: فَلَا أَدْرِي كَيفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ) فَقَال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ"

ــ

قلت ذلك (فصم صيام) نبي الله (داود عليه السلام قال) عبد الله قلت له صلى الله عليه وسلم (وكيف كان داود يصوم يا نبي الله قال) النبي صلى الله عليه وسلم (كان) داود عليه السلام (يصوم يومًا ويفطر يومًا) وهو أشد الصيام على النفس فإن من صام هذا الصوم لا يعتاد الصوم ولا الإفطار فيصعب عليه كل منهما إذ النفس تصادف مألوفها في يوم وتفارقه في آخر (ولا يفر) داود أي لا يهرب (إذا لاقى) العدو أي عند لقاء العدو الحربي.

قيل في ذكر هذا عقب ذكر صومه: إشارة إلى أن الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن ولا يضعفه بحيث يضعفه عن لقاء العدو بل يستعين بفطر يوم على صيام يوم فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق ويجد مشقة الصوم في يوم الصيام لأنه لم يعتده بحيث يصير الصيام له عادة فإن الأمور إذا صارت عادة سهلت مشاقها (قال) عبد الله (من) يتكفل (لي بهذه) الخصلة التي لداود عليه السلام لا سيما عدم الفرار، قال النواوي: معناه هذه الخصلة الأخيرة وهي عدم الفرار صعبة عليّ كيف لي تحصيلها (يا نبي الله، قال عطاء) بن أبي رباح بالإسناد السابق (فلا أدري) ولا أعلم (كيف ذكر) بفتحتات أي كيف ذكر عبد الله بن عمرو أو النبي صلى الله عليه وسلم (صيام الأبد) أي صيام الدهر أي لا أحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة، يعني أن عطاء لم يحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة إلا أنه حفظ قول عبد الله بن عمرو (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد) أي الدهر (لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد) هكلذا في بعض النسخ بالتكرار ثلاث مرات، وفي بعضها بالتكرار مرتين، قال القرطبي: وقوله (فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد) هو شك عرض للراوي، ثم قال بعد أن عرض له ذلك الشك (لاصام من صام الأبد) فأتى بصوم الأبد على هذا اللفظ من غير شك ولا تردد بل حقق نقله وحرر لفظه، وأما الذي تقدم في حديث أبي قتادة فإنه شك في أي اللفظين قال: فذكرهما، فقال فيه قال: يا رسول الله كيف من يصوم الدهر؟ قال: لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر. وقد تقدم

ص: 158

2617 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ

ــ

القول على صوم الدهر، والأبد من أسماء الدهر والمراد به هنا سرد الصوم دائمًا اهـ، قال ابن التين: استدل على كراهة صوم الدهر من هذه القصة من أوجه؛ نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة، وأمره بان يصوم ويفطر، وقوله لا أفضل من ذلك، ودعاؤه على من صام الأبد، وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} وقوله في حديث أبي قتادة عند مسلم وقد سئل عن صوم الدهر: "لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر" وفي رواية الترمذي: "لم يصم ولم يفطر" وهو شك من أحد رواته، ومقتضاه أنهما بمعنى واحد والمعنى بالنفي أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك، وإلى كراهة صوم الدهر مطلقًا ذهب إسحاق وأهل الظاهر؛ وهي رواية عن أحمد، وشذ ابن حزم فقال: يحرم، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عمرو الشيباني قال: بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلًا يصوم الدهر، فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول: كل يا دهري، ومن طريق أبي إسحاق أن عبد الرحمن بن أبي نعيم كان يصوم الدهر فقال عمرو بن ميمون: لو رأى هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لرجموه، واحتجوا أيضًا بحديث أبي موسى رفعه:"من صام الدهر ضيقت عليه جهنم وعقد بيده" أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، وظاهره أنها تضيق عليه حصرًا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد فيكون حرامًا، وإلى الكراهة مطلقًا ذهب ابن العربي من المالكية فقال قوله: لا صام من صام الأبد، إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعًا لم يكتب له الثواب لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم لأنه نفى عنه الصوم وقد نفى عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فيما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2617 -

(00)(00)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي،

ص: 159

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ.

قَال مُسْلِمٌ: أَبُو الْعَبَّاسِ السَّائِبُ بْنُ فرُّوخَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثِقَة عَدْلٌ.

2618 -

(00)(00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ. سمِعَ أَبَا الْعَبَّاسٍ. سمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما. قَال: قَال لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ

ــ

صدوق، من (10)(حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9)(أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة محمد بن بكر لعبد الرزاق (و) لكن (قال) محمد بن بكر (إن أبا العباس الشاعر أخبره) بزيادة كلمة الشاعر أي أخبر لعطاء (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد أو هو من كلام أحد رواته (أبو العباس) اسمه (السائب بن فروخ من أهل مكة) هو (ثقة عدل) وفي البخاري: كان لا يتهم في حديثه، قال الحافظ: فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يتهم في حديثه لما تقتضيه صناعته من سلوك المبالغة في الإطراء وغيره فأخبر الراوي عنه أنه مع كونه شاعرًا كان غير متهم في حديثه، وقوله في حديثه يحتمل مرويه من الحديث النبوي، ويحتمل فيما هو أعم من ذلك، والثاني أليق وإلا لكان مرغوبًا عنه، والواقع أنه حجة عند كل من أخرج الصحيح وأفصح بتوثيقه أحمد وابن معين وآخرون اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2618 -

(00)(00)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (3)(سمع أبا العباس) السائب بن فروخ الشاعر المكي (سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة حبيب بن أبي ثابت لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن أبي العباس (قال) عبد الله (قال لي رسول الله صلى الله عليه

ص: 160

وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو! إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيلَ. وَإِنَّكَ، إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ، هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ. وَنَهَكَتْ. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ" قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ. كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. وَلَا يَفِرُّ إِذَا لاقَى".

2619 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. حَدَّثنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال:"وَنَفِهَتِ النَّفْسُ"

ــ

وسلم يا عبد الله بن عمرو إنك لتصوم الدهر) كله (وتقوم الليل) كله (وإنك إذا فعلت ذلك) المذكور من صيام الدهر وقيام الليل (هجمت) بفتح الجيم أي غارت ودخلت في موضعها أو ضعفت (له) أي لأجل ذلك المذكور من الصيام والقيام (العين) أي عينك لكثرة سهرها، من الهجوم على القوم وهو الدخول عليهم بغتة (ونهكت) له العين بفتح الهاء أي هزلت وضعفت لكثرة سهرها (لا صام) أي ما صام صومًا شرعيًّا (من صام الأبد) أي الدهر كله (صوم ثلاثة أيام من الشهر) مبتدأ خبره (صوم الشهر كله) أي كصوم الشهر كله لأن الحسنة بعشر أمثالها ففي الكلام تشبيه بليغ، قال عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإني أطيق) وأقدر (أكثر) أي أزيد (من ذلك) المذكور من صوم ثلاثة أيام من الشهر (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصم صوم داود) عليه السلام (كان) داود (يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر) أي لا يهرب (إذا لاقى) العدو الحربي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2619 -

(00)(00)(وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي، ثقة، من (9)(عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7)(حدثنا حبيب بن أبي ثابت) قيس بن دينار الأسدي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة مسعر بن كدام لشعبة بن الحجاج (و) لكن (قال) مسعر في روايته (ونفهت النفس) بدل قول شعبة ونهكت، ونفهت بكسر الفاء أي تعبت النفس بالصوم والقيام المذكورين وعجزت عن أداء الفرائض وكلت عن القيام بالحقوق الواجبة عليها.

ص: 161

2620 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ " قلْتُ: إِني أَفْعَلُ ذلِكَ. قَال: "فَإنَّكَ، إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ، هَجَمَتْ عَينَاكَ. وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ. لِعَينِكَ حَقٌّ. وَلِنَفْسِكَ حَقٌّ. وَلأَهلِكَ حَقٌّ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2620 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (4)(عن أبي العباس) السائب بن فروخ المكي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مكيان وواحد مدني، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لحبيب بن أبي ثابت في رواية هذا الحديث عن أبي العباس (قال) عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر) بهمزة الاستفهام التقريري أي أخبرت (أنك تقوم الليل) كله بالصلاة ولا تنام (وتصوم النهار) أي تستمر صائمًا في جميع الأزمان (قلت) له صلى الله عليه وسلم: نعم (إني أفعل ذلك) - المذكور من القيام والصيام، فيه أن الحكم لا ينبغي إلا بعد التثبت لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكتف بما نُقل له عن عبد الله حتى لقيه واستثبته فيه لاحتمال أن يكون قال ذلك بغير عزم أو علقه بشرط لم يطلع عليه الناقل ونحو ذلك اهـ ابن حجر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (إني أفعل ذلك) الصيام والقيام يا رسول الله (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنك) يا عبد الله (إذا فعلت ذلك) المذكور من الصيام المستمر والقيام الدائم (هجمت) أي غارت (عيناك) ودخلت في موضعها (ونفهت) أي ضعفت (نفسك لعينك) عليك (حق) أي حظ من النوم (ولنفسك) عليك (حق) أي حظ من الاستراحة أي تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله تعالى للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه، ومن حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى لكن يختص ذلك بالتعلقات القلبية (ولأهلك) عليك (حق) أي تنظر لهم فيما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والآخرة، والمراد بالأهل الزوجة أو ما هو أعم من ذلك ممن

ص: 162

قُمْ وَنَمْ. وَصُمْ وَأَفْطِرْ".

2621 -

(00)(00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ عليه السلام. كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ

ــ

تلزمه نفقته (قم) أي صل بعض آناء الليل (ونم) بعضها (وصم) بعض أيام الشهر (وأفطر) بعضها فتكون مؤديًا لكل ذي حق حقه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديثه فقال:

2621 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس) بن أبي أوس الثقفي الطائفي، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن أوس لأبي العباس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحب الصيام إلى الله) أي عند الله سبحانه وتعالى (صيام داود) دل الحديث على أنه أفضل من صوم الدهر، وذهب بعضهم إلى عكسه لأن العمل كلما كان أكثر كان الأجر أوفر، هذا هو الأصل المستمر في الشرع فإن قيل كيف يكون صوم الدهر أفضل؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد، قلنا هذا محمول على حقيقته بأن يصوم فيه الأيام المنهية أو على من ضعف حاله وتضرر به يؤيده ما روى مسلم أنه صلى الله عليه وسأنهى عبد الله بن عمرو لعلمه أنه سيعجزه ولم ينه حمزة بن عمرو الأسلمي الذي سبق ذكره في باب التخيير في الصوم والفطر في السفر لعلمه بقدرته، أو نقول لا صام دعاء عليه لارتكابه المنهي عنه، أو أنه لا يجد ما يجد غيره من ألم الجوع اهـ ابن الملك.

(وأحب الصلاة إلى الله) سبحانه (صلاة داود عليه السلام) وإنما صار هذا النوع أحب لأن النفس إذا نامت الثلثين من الليل تكون أخف وأنشط في العبادة اهـ منه (كان) داود عليه السلام (ينام نصف الليل) من أوله (ويقوم) بعد ذلك (ثلثه) بضم اللام وسكونه

ص: 163

وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا".

2622 -

(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ. كَانَ يَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ. وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ عز وجل صَلاةُ دَاوُدَ عليه السلام. كَانَ

ــ

وهو السدس الرابع والخامس (وينام سدسه) بضم الدال ويسكن أي سدسه الأخير، ثم يقوم عند الصبح، قال المهلب: كان داود عليه السلام يريح نفسه بنوم أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل فأعطيه سؤله، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل وهذا هو النوم عند السحر، وإنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يُخشى بها السآمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يمل حتى تملوا" والله يحب أن يديم فضله ويوالي إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال وأنه أقرب إلى عدم الرياء لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى فهو أقرب إلى أن يخفي عمله الماضي على من يراه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد (وكان) داود عليه السلام (يصوم يومًا ويفطر يومًا) وشارك المؤلف في الرواية أبو داود والنسائي وابن ماجه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديثه فقال:

2622 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن عمرو بن أوس) الثقفي الطائفي (أخبره) أي أخبر لعمرو بن دينار (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب الصيام) أي أكثرها أجرًا (إلى الله) تعالى (صيام داود كان) داود (يصوم نصف الدهر وأحب الصلاة) أي أكثرها أجرًا (إلى الله) تعالى عز وجل صلاة داود عليه السلام كان

ص: 164

يَرْقُدُ شَطْرَ اللَّيلِ. ثُمَّ يَقُومُ. ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ. يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيلِ بَعْدَ شَطْرِهِ". قَال: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَعَمْرُو بْنُ أَوْسٍ كَانَ يَقُولُ: يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيلِ بَعْدَ شطْرِهِ؟ قَال: نَعَمْ.

2623 -

(00)(00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ. قَال: أخْبَرَنِي أبُو الْمَلِيحِ. قَال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. فَحَدَّثَنَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي. فَدَخَلَ عَلَيَّ. فَالْقَيتُ

ــ

يرقد) أي ينام (شطر الليل) أي نصفه (ثم يقوم ثم يرقد آخره) أي (يقوم ثلث الليل بعد شطره) الأول وهذا تفسير لقوله ثم يقوم (قال) ابن جريج (قلت لعمرو بن دينار أعمرو بن أوس كان يقول) أي هل كان عمرو بن أوس يقول في آخر الحديث لفظة (يقوم ثلث الليل بعد شطره؟ قال) عمرو بن دينار (نعم) يقول عمرو بن أوس هذه اللفظة تفسيرًا لقوله أولًا ثم يقوم المطلق عن التقييد بالثلث، ظاهره أن هذا الترتيب بين الثلث والشطر من تفسير الراوي، ويحتمل أن يكون عمرو بن أوس ذكره بسنده والله أعلم اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاني عشرها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2623 - (00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان المزني الواسطي، ثقة، من (8)(عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري، ثقة، من (5)(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عامر الجرمي البصري، ثقة كثير الإرسال، روى عنه في (11) بابا (قال) أبو قلابة (أخبرني أبو المليح) بوزن الفصيح عامر بن أسامة، وقيل زيد بن أسامة بن عمير الهذلي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) أبو المليح لأبي قلابة (دخلت) أنا بضم التاء (مع أبيك) يا أبا قلابة زيد بن عمرو بن عامر بن ناثل -بنون ومثناة فوقية- ابن مالك بن عبيد الجرمي (على عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة المليح لمن روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص (فحدثنا) عبد الله بن عمرو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له) أي لرسول الله أي أخبر له (صومي، فدخل عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام (فألقيت)

ص: 165

لَهُ وسَادَةً مِنْ أدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ. وَصَارَتِ الْوسَادَةُ بَينِي وَبَينهُ. فَقَال لِي: "أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ أَيَّامِ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "خَمْسًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "سَبْعًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "تِسْعًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "أَحَدَ عَشَرَ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

ــ

أي وضعت (له) صلى الله عليه وسلم (وسادة) أي مخدة يقال وسادة ووساد بكسر الواو وتقولها هذيل بالهمز بدل الواو ما يوضع عليه الرأس وقد يتكأ عليه وهو المراد هنا (من أدم) بفتحتين الجلد المدبوغ (حشوها) أي محشوها وهو ما مُلِئَ فيها من (ليف) وهو ما يؤخذ من أصول النخل من بين أغصانه (فـ) أبي أن يجلس عليها و (جلس على الأرض وصارت الوسادة) باقية (بيني وبينه) صلى الله عليه وسلم، قال المهلب: وفيه إكرام الكبير، وجواز زيارة الكبير تلميذه وتعليمه في منزله ما يحتاج إليه في دينه، وإيثار التواضع وحمل النفس عليه، وجواز رد الكرامة حيث لا يتأذى بذلك من ترد عليه، وقوله (فجلس على الأرض) فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع وترك الاستئثار على جليسه، وفي كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في عهده صلى الله عليه وسلم من الضيق، إذ لو كان عنده أحسن منها لأكرم بها نبيه صلى الله عليه وسلم (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما يكفيك) بهمزة الاستفهام الداخلة على ما النافية أي أليس يكفيك (من كل شهر ثلاثة أيام) أي صوم ثلاثة أيام فاعل يكفي فيكون لك بكل يوم عشرة أيام فتكون كمن صام الشهر الكامل، قال عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) ما يكفيني صوم ثلاثة أيام من كل شهر، فجواب النداء محذوف لعلمه من السياق كما قدرناه، وكذلك يقدر في البواقي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا (خمسًا) أي فصم خمسة أيام من كل شهر، وكذلك التقدير في قوله سبعًا وتسعًا وأحد عشر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني صوم خمسة أيام من كل شهر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا فصم (سبعًا) أي سبعة أيام من كل شهر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فصم (تسعًا) أي تسعة أيام من كل شهر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا فصم (أحد عشر) يومًا من كل شهر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني ذلك (فقال النبي صلى الله عليه وسلم)

ص: 166

"لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ. شَطْرُ الدَّهْرِ. صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ".

2624 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زَيادِ بْنِ فَيَّاضٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما،

ــ

إذًا فصم صيام داود (لا صوم فوق صوم داود) عليه السلام أي أكثر منه أجرًا أي لا فضل ولا كمال في صوم التطوع فوق صوم داود، هو (شطر الدهر) أي نصفه بالرفع على تقدير المبتدإ، قال ابن حجر: ويجوز نصبه على إضمار فعل، والجر على البدل من صوم داود اهـ وقوله (صيام يوم وإفطار يوم) على الأوجه الثلاثة المذكورة، ولفظ البخاري (صم يومًا وأفطر يومًا).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2624 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زياد بن فياض) الخزاعي أبي الحسن الكوفي، روى عن أبي عياض في الصوم، وخيثمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير، ويروي عنه (م د س) وشعبة والأعمش والثوري، وثقه أبو حاتم وابن معين والنسائي، وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من السادسة، مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة له عندهم حديث واحد (قال) زياد (سمعت أبا عياض) عمرو بن الأسود العنسي بالنون أو الهمداني الدمشقي الداراني نسبة إلى داريا قرية من قرى دمشق بالغوطة بها قبر أبي سليمان الداراني من عباد أهل الشام وزهادهم، روى عن عبد الله بن عمرو في الصوم والأشربة، وعمر ومعاذ وأبي الدرداء، ويروي عنه (خ م دس ق) وزياد بن فياض ومجاهد وخالد بن معدان وابنه حكيم، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه كان من العلماء الثقات، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: مخضرم ثقة عابد، من كبار التابعين، مات في خلافة معاوية (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة

ص: 167

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال لَهُ: "صُمْ يَوْمًا. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "صُمْ يَوْمَينِ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "صُمْ ثَلاثةَ أَيَّامٍ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ قَال: "صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِن ذلِكَ. قَال: "صُمْ أَفْضَلَ الصِّيَامِ

ــ

أبي عياض لمن روى عن عبد الله بن عمرو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له) أي لعبد الله بن عمرو (صم يومًا) يعني من كل عشرة أيام (ولك أجر ما بقي) من العشرة، قال الحافظ: وقد استشكل قوله صم من كل عشرة يومًا ولك أجر ما بقي مع قوله صم من كل عشرة أيام يومين ولك أجر ما بقي الخ لأنه يقتضي الزيادة في العمل والنقص من الأجر وبذلك ترجم له النسائي، وأجيب بأن المراد لك أجر ما بقي بالنسبة إلى التضعيف، قال عياض: قال بعضهم: معنى صم يومًا ولك أجر ما بقي أي من العشرة، وقوله صم يومين ولك أجر ما بقي أي من العشرين، وفي الثلاثة ما بقي من الشهر وحمله على ذلك استبعاد كثرة العمل وقلة الأجر، وتعقبه عياض بأن الأجر إنما اتحد في كل ذلك لأنه كان نيته أن يصوم جميع الشهر فلما منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك إبقاء عليه لما ذكر بقي أجر نيته على حاله سواء صام منه قليلًا أو كثيرًا كما تأولوه في حديث:"نية المؤمن خير من عمله" أي أن أجره في نيته أكثر من أجر عمله لامتداد نيته بما لا يقدر على عمله اهـ والحديث المذكور ضعيف وهو في مسند الشهاب والتأويل المذكور لا بأس به، ويحتمل أيضًا إجراء الحديث على ظاهره والسبب فيه أنه كلما ازداد من الصوم ازداد من المشقة الحاصلة بسببه المقتضية لتفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوتها مشقة الصوم فينقص الأجر باعتبار ذلك على أن قوله في نفس الخبر صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي يرد الحمل الأول فإنه يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير ولك أجر أربعين، وقد قيده في نفس الحديث بالشهر والشهر لا يكون أربعين اهـ فتح الملهم (قال) عبد الله (إني أطيق أكثر من ذلك) المذكور من اليوم (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (صم يومين ولك أجر ما بقي) من العشرين (قال إني أطيق كثر من ذلك) المذكور من اليومين (قال صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي) من الشهر (قال إني أطيق أكثر من ذلك) المذكور من الثلاثة (قال صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي) من الأربعين (قال إني أطيق أكثر من ذلك) المذكور من الأربعة (قال صم أفضل الصيام عند الله صوم داود عليه السلام -

ص: 168

عِنْدَ اللهِ. صَوْمَ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا".

2625 -

(00)(00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ. حَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ

ــ

كان) داود (يصوم يومًا ويفطر يومًا).

قال القرطبي: (قوله صم يومًا ولك أجر ما بقي) الح قال بعضهم: يعني لك أجر ما بقي من العشر كما تقدم من قوله (صم من كل عشرة يومًا ولك أجر تسعة) وكذلك قال في قوله صم يومين ولك أجر ما بقي أي من الشهر. أقلت، وهذا الاعتبار حسن جار على قياس تضعيف الحسنة بعشر أمثالها غير أنه يفرغ تضعيف الشهر عند صوم الثلاثة فيبقى قوله صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي لم يبق له من الشهر شيء فيضاف له عشر من الشهر الآخر فكان قوله ولك أجر ما بقي يعني من أربعين والله سبحانه وتعالى أعلم، وقال بعض المتأخرين: يعني بذلك من الشهر وعلى هذا يكون صوم الرابع لا أجر فيه وهو مخالف لقياس تضعيف الحسنة بعشر أمثالها، وما ذكرناه أولى اهـ من المفهم. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

2625 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، حالة كونها (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(قال زهير حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بصيغة السماع مع التصريح باسمه قال (حدثنا سليم) بفتح السين وكسر اللام (بن حيان) بالمهملة والياء المشددة الهذلي البصري، روى عن سعيد بن ميناء في الجنائز والصوم والحج والبيوع ودلائل النبوة، ومروان الأصفر في الحج، ويروي عنه (ع) ويزيد بن هارون وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الصمد بن عبد الوارث وبهز بن أسد وعبيد الله بن عبد المجيد وعفان بن مسلم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: ما به باس، وقال في التقريب: ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا سعيد بن ميناء) بالمد والقصر، والقصر أشهر فيرسم مينى بالياء، أبو الوليد المكي مولى

ص: 169

قَال: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرو: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو! بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النهَارَ وَتَقُومُ اللَّيلَ. فَلَا تَفْعَلْ. فَإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَظًّا. وَلعَينِكَ عَلَيكَ حَظًّا. وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَظًّا. صُمْ وأَفْطِرْ. صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. فَذلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بِي قُوَّةَ. قَال:"فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عليه السلام صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا". فَكَانَ يَقُولُ: يَا لَيتَنِي أَخَذْتُ بِالرُّخْصَةِ

ــ

البختري بن أبي ذباب بوزن غراب، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) سعيد (قال عبد الله بن عمرو) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن ميناء لمن روى عن عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو بلغني) من بعض الناس وهو أبوه عمرو (أنك تصوم النهار) على الاستمرار (وتقوم الليل) على الدوام إن كنت كذلك (فلا تفعل) ذلك (فإن لجسدك عليك حظًّا) أي نصيبًا من الاستراحة (ولعينك عليك حظًّا) من النوم (وإن لزوجك عليك حظًّا) من المجامعة (صم) بعض الأيام (وأفطر) بعضها (صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك) المذكور من الأيام الثلاثة (صوم الدهر) أي مثل صوم الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها (قلت يا رسول الله إن بي قوة) أي قدرة على أكثر من ذلك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم إذًا (فصم صوم داود عليه السلام) وقوله (صم يومًا وأفطر يومًا) تفسير لصوم داود عليه السلام، قال سعيد بن ميناء (فكان) عبد الله بن عمرو (يقول) بعدما كبر وعجز عن القيام بهذه الوظيفة التي التزمها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (يا) قوم (ليتني أخذت بالرخصة) أي قبلت بالرخصة التي عرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيت عليه التي هي صوم ثلاثة أيام من كل شهر فإني لما شددت على نفسي شدّد عليّ والله أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ذكره استشهادًا لحديث عائشة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث أنس رضي الله عنه ذكره استشهادًا لحديثها أيضًا، والرابع حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع عشرة متابعة.

***

ص: 170