الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها
2692 -
(1156)(76) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَبْيكَ اللَّهُمَّ
ــ
461 -
(17) باب التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها
(باب) مشروعية (التلبية وصفتها) أي صيغتها وكيفيتها وهي الألفاظ الواردة في الحديث (ووقتها) وهو من أول الإحرام إلى أن يشرع في الطواف (ونهي المشركين عما يزيدون فيها) وأما أصلها فهي مصدر لبى تلبية كزكى تزكية إذا قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا، وأصل لبى لبب على وزن فعلل لا فعل فقلبت الباء الثالثة ياء استثقالًا لثلاث باءَات ثم قلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، واختلف في لفظ لبيك ومعناه أما لفظه فتثنية عند سيبويه يراد بها التكثير في العدد والعود مرة بعد مرة لا أنها لحقيقة التثنية بحيث لا يتناول إلا فردين فهي نظير حوالينا، وقال يونس: هو مفرد والياء فيه كالياء في لديك وعليك وإليك يعني في انقلابها ياء لاتصالها بالضمير، وأما معناه فقيل معناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة، قال ابن الأنباري: ومثله حنانيك أي تحننًا بعد تحنن، وقيل معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة من ألب بالمكان كذا ولب به إذا أقام به ولزمه، وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة إذا كانت محبة لزوجها وعاطفة على ولدها، وقيل غير ذلك، قال الحافظ: والأول منها أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته، ولهذا من دعا فقال: لبيك، فقد استجاب، وأما حكمها فهي سنة فإذا تركها أصلًا أو نقص منها صح إحرامه ولكن ارتكب كراهة التنزيه.
2662 -
(1156)(76)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم) أي أجبت لك يا إلهي إجابة بعد إجابة فيما دعوتنا إليه، وروى ابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} قال: رب وما
لَبَّيكَ. لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ. إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ"
ــ
يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلى البلاغ، فصعد إبراهيم جبل الرحمة في عرفة -كما في القرطبي- فنادى: يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض، ألا ترون الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون، ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية من أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يومئذ، زاد غيره فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن لبى أكثر حج بقدر تلبيته، وقد وقع في المرفوع تكرير لفظة (لبيك لبيك) ثلاث مرات وكذا في الموقوف إلا أن في المرفوع الفصل بين الأولى والثانية بقوله (اللهم) وقد نقل اتفاق الأدباء على أن التكرير اللفظي لا يزاد على ثلاث مرات (لا شريك لك) في التلبية والإجابة (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (إن الحمد) رُوي بكسر الهمزة على الاستئناف كأنه لما قال لبيك استأنف كلامًا آخر فقال إن الحمد، وبالفتح على التعليل كأنه قال أجبتك لأن الحمد والنعمة لك، والكسر أجود عند الجمهور وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة وابن قدامة عن أحمد بن حنبل وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة فكأنه قال إن الحمد والنعمة لك على كل حال، والفتح يقتضي التعليل فكأنه قال أجبتك لأن الحمد والنعمة لك (والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة وهي بالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد، ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن عليه تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك (والمُلك) لك بضم الميم وبالنصب عطفًا على اسم إن، وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره والملك كذلك، واستحسن الوقف عليه لئلا يتوهم أن ما بعده خبره كذا في شرح اللباب، ونقل بعضهم أنه مستحب عند الأئمة الأربعة (لا شريك لك) في الملك يقف عليه الملبي، قال في اللباب وشرحه: ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية ثم يخفضه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء، ومن المأثور: اللهم إني أسألك رضاك والجنة وأعوذ بك من غضبك والنار، وفيه أيضًا: وتكرارها سنة في المجلس الأول وكذا في غيره وعند تغير الحالات مستحب مؤكدًا والإكثار مطلقًا مندوب، ويستحب أن يكررها كما شرع فيها ثلاثًا على الولاء ولا
قَال: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما يَزِيدُ فِيهَا: لبَّيكَ لبَّيكَ. وَسَعْدَيكَ. وَالْخَيرُ بِيَدَيكَ. لبَّيكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيكَ وَالْعَمَلُ
ــ
يقطعها بكلام، قال الدهلوي: وإنما اختار هذه الصيغة في التلبية لأنها تعبير عن قيامه بطاعة مولاه وتذكر له ذلك وكان أهل الجاهلية يعظمون شركاءهم فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم لا شريك لك ردًّا على هؤلاء وتمييزًا للمسلمين منهم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 28 و 41]، والبخاري [1549]، وأبو داود [1812]، والترمذي [825]، والنسائي [5/ 159 - 160]، وابن ماجه [2918].
(قال) نافع بالسند السابق (وكان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يزيد فيها) أي على هذه التلبية لفظة (لبيك لبيك وسعديك) أي أسعدني على طاعتك إسعادًا بعد إسعاد فهو على هذا مصدر مضاف إلى الفاعل، ويحتمل أن يكون مصدرًا مضافًا إلى المفعول والمعنى أُسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد، وقيل المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة فيكون من المضاف المنصوب أي أطلب منك مساعدة بعد مساعدة أو أطيعك إطاعة بعد إطاعة، وفي القاموس سبحانه وسعدانه أي أسبحه وأطيعه اهـ، ولا يذكر سعديك إلا بعد لبيك فيكون له توكيدًا لفظيًّا بالمرادف (والخير) كله دينية أو دنيوية ظاهرية أو معنوية (بيديك) المقدستين، ويحتمل أنه من باب الاكتفاء وإلا فالأمر كله لله والخير والشر كله بقدره وقضائه أو من باب حسن الأدب في الإضافة والنسب كما قيل في قوله تعالى:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} ومن هنا ورد والشر ليس إليك أي لا ينسب إليك أدبًا قاله القاري اهـ فتح الملهم البيك والرغباء إليك) بفتح الراء والمد وبضمها مع القصر كالعلاء والعلا، وبالفتح مع القصر ومعناه الطلب والمسئلة يعني أنه تعالى هو المطلوب المسئول منه فبيده جميع الأمور (والعمل) له سبحانه لأنه المستحق للعبادة وحده، قال النواوي: ومعناه هنا الطلب والمسألة والرغبة إلى من بيده الخير وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة اهـ نواوي، وقال ملا علي: والأظهر أن التقدير والعمل لك أي لوجهك ورضاك أو العمل بك أي بأمرك وتوفيقك أو المعنى أمر العمل راجع إليك في الرد والقبول اهـ، وهذا الأثر انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ويأتي في رواية سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه وكان عبد الله بن عمر يقول كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات
2693 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ، إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيفَةِ،
ــ
ويقول: "لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل" فعُرف من هذا أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه ولم يقله من عند نفسه، واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اهـ من العون. (فإن قلت) اللائق بورعه وكثرة اتباعه أن لا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان لأقل ما يكفي اهـ من الأبي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
2693 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي ثم البغدادي، صدوق، من (10)(حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سالم بن عبد الله بن عمر) العدوي المدني، ثقة، من (3)(ونافع مولى عبد الله بن عمر) أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3)(وحمزة بن عبد الله بن عمر) العدوي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) كلهم رووا (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمالك في رواية هذا الحديث عن نافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به) أي رفعته فالياء للتعدية (راحلته) أي ناقته، حالة كونها (قائمة) للسير والذهاب، وقوله (عند مسجد ذي الحليفة) ظرف متعلق باستوت، واختلفت الروايات عنه صلى الله عليه وسلم في حال إهلاله من
أَهَلَّ فَقَال: "لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ. لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ. إِن الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ". قَالُوا: وَكَان عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: هذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه يَزِيدُ مَعَ هذَا: لَبَّيكَ لَبَّيكَ. وَسَعْدَيكَ. وَالْخَيرُ بِيَدَيكَ لَبَّيكَ. وَالرَّغْبَاءُ إِلَيكَ وَالْعَمَلُ.
2694 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
ــ
أين بدأ به وسيأتي وجه الجمع بينها عن قريب إن شاء الله تعالى، وقوله (أهل) جواب إذا أي رفع صوته بالتلبية ونوى أحد النسكين أو بهما (فقال) صلى الله عليه وسلم في إهلاله (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قالوا) أي قال سالم ونافع وحمزة (وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول هذه) التلبية المذكورة التي ذكرتها لكم آنفًا (تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي صيغتها عند إحرامه (قال نافع كان عبد الله) بن عمر رضي الله عنه يزيد مع هذا) المذكور من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
2694 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لمالك وموسى بن عقبة في رواية هذا الحديث عن نافع (قال) ابن عمر (تلقفت التلبية) أي أخذتها بسرعة (من في رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من فمه صلى الله عليه وسلم، و (تلقفت) بالقاف المشددة ثم الفاء الساكنة بمعنى الأخذ بسرعة، قال القاضي: ورُوي (تلقنت) بالنون بدل الفاء، قال:
فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثهِمْ.
2695 -
(00)(00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: فَإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهم، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: "لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ. لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ"إِن الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ" لَا يَزِيدُ عَلَى هؤُلاءِ
ــ
والأول رواية الجمهور، قال: ورُوي تلقيت بالياء التحتانية بدلها أيضًا ومعانيها متقاربة قاله النواوي (فذكر) عبيد الله، وقوله (بمثل حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ، والصواب بمثل حديثهما أي بمثل حديث مالك بن أنس وموسى بن عقبة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
2695 -
(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (قال) الزهري (فإن) الفاء زائدة بعد القول أي قال ابن شهاب: إن (سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لموسى بن عقبة في رواية هذا الحديث عن سالم بن عبد الله (قال) عبد الله بن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل) أي يرفع صوته بالتلبية عند الإحرام حالة كونه (ملبدًا) شعره بضم الميم وكسر الموحدة المشددة وفتحها من التلبيد وهو ضفر الشعر ولزقه بالصمغ أو الخطمي أو الحناء أو شبهها مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض ويمنعه التمعط والقمل، فيستحب لكونه أرفق به اهـ نووي، قال ابن الملك: التلبيد هو إلصاق شعر الرأس بالصمغ أو الخطمي أو غير ذلك كيلا يتخلله الغبار ولا يصيبه شيء من الهوام ويقيها من حر الشمس وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى وعندنا يلزمه دم إن لبد بما ليس فيه طيب لأنه كتغطية الرأس ودمان إن كان فيه طيب اهـ، وجملة (يقول) بدل من جملة يهل أي سمعته يقول (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على هولاء
الْكَلِمَاتِ. وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيفَةِ رَكْعَتَينِ. ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيفَةِ، أَهَلَّ بِهؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُهِلُّ بِإِهْلالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ. وَيَقُولُ: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ. لبَّيكَ وَسَعْدَيكَ. وَالْخَيرُ فِي يَدَيكَ لبَّيكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيكَ وَالْعَمَلُ
ــ
الكلمات) المذكورة (و) قال سالم (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع) أي يصلي (بذي الحليفة ركعتين) أي ركعتي الإحرام، وفي الدر المختار: وصلى ندبًا للإحرام شفعًا يعني ركعتين، وفي الغاية: إنها سنة كذا في النهر وبه جزم في البحر والسراج اهـ فتح الملهم (ثم) بعد فراغه من صلاته ركعتين (إذا استوت) ونهضت (به) صلى الله عليه وسلم (الناقة) أي ناقته العضباء حالة كونها (قائمة) أي بالغة حد القيام، وقوله (عند مسجد ذي الحليفة) ظرت متعلق باستوت (أهل) أي رفع صوته جواب إذا (بهؤلاء الكلمات) المذكورة يعني لبيك اللهم الخ (و) قال سالم أيضًا (كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل) أي يحرم (بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هؤلاء الكلمات) المذكورة يعني لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك الخ (ويقول) عمر أي يزيد بعد هؤلاء الكلمات لفظة (لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل) لك.
قال القرطبي: قوله (كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين) هاتان الركعتان للإحرام ولذلك قلنا إن من مشروعية الإحرام أن يكون بعد صلاة فإن كانت للإحرام فهو أفضل، وإن أحرم بعد فريضة جاز، واستحب الحسن أن يحرم بعد فريضة لأنه روي أن هاتين الركعتين كانتا صلاة الصبح والأول أظهر، وإحرامه بعد صلاة الفرض أفضل منه بغير صلاة مطلقًا ولا دم على من أحرم بغير صلاة عند مالك اهـ من المفهم، وقال أيضًا قوله (ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات) إشارة إلى التلبية المتقدمة وهذه الحالة هي التي عبر عنها في الروايات الآخر بانبعاث الراحلة لا أنها أخذت في المشي وبذلك أخذ مالك وأكثر
2696 -
(1157)(77) وحدّثني عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَدِ الْيَمَامِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ) حَدَّثنَا أَبُو زُمَيلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. قَال:
ــ
العلماء أنه يهل إذا استوت به راحلته إن كان راكبًا ويتوجه بعد ذلك، وإن كان راجلًا فحين يأخذ في المشي، وقال الشافعي كذلك في الراكب إلا أنه ينتظرها حتى تنبعث، وقال أبو حنيفة إذا سلم من صلاة الإحرام أهل على ما جاء في حديث ابن عباس أنه أحرم في المسجد بعد أن صلى فيه وأوجبه في مجلسه رواه الترمذي [819]، والنسائي [5/ 162]. ولا شك في أن الأحسن في لفظ التلبية تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجوز الزيادة عليها كما زاد ابن عمر، ولو لبى ملب بغير تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنكر عليه، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي منهم الملبي فلا ينكر عليه ويهل المهل فلا ينكر عليه على ما يأتي في حديث جابر رضي الله عنه اهـ من المفهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:
2696 -
(1157)(77)(وحدثني عباس بن عبد العظيم) بن توبة بن كيسان (العنبري) أبو الفضل البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي أبو محمد (اليمامي) ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمة يعني ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو زميل) مصغرًا سماك بن الوليد الحنفي اليمامي، روى عن ابن عباس في الإيمان والحج والطلاق والجهاد والفضائل، ومالك بن مرثد، ويروي عنه (م عم) وعكرمة بن عمار والأوزاعي ومسعر وشعبة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ليس به بأس، من الثالثة (3)(عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم يماميون وواحد طائفي وواحد بصري (قال) ابن عباس (كان المشركون) أهل مكة وغيرهم (يقولون) في طوافهم، قال الأبي: الأصل في الأقوال الباطلة ولا سيما التي هي كفر أن لا تنقل ولا تحكى ولكن نقلت هذه هنا لبيان أن من رأى منكرًا ولم يقدر على تغييره باليد فإنه يغيره بالقول لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" إنكار (لبيك لا شريك لك قال) ابن
فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيلَكُمْ! قَدْ. قدْ" فَيَقُولُونَ: إلا شَرِيكًا هُوَ لَكَ. تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. يَقُولُونَ هذَا وَهُمْ يَطوفُونَ بِالْبَيتِ
ــ
عباس (فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قولهم لا شريك لك (ويلكم) أي ألزمكم الله الويل والهلاك إن زدتم على قولكم لا شريك لك فإنه (قد قد) لكم أي كاف كاف لكم فاقتصروا عليه ولا تزيدوا عليه ما بعده من الاستثناء، وقد قد بالتكرار للتوكيد بسكون الدال وبكسرها مع التنوين فيهما اسم فعل مضارع بمعنى يكفي يكفي أي لا تزيدوا عليه قولكم (فيقولون إلا شريكًا) الظاهر الرفع فيه على البدلية من الضمير المستكن في خبر لا النافية في قولهم لا شريك موجود هو لك كما في كلمة التوحيد فاختير في الكلمة السفلى اللغة السافلة وهو النصب على الاستثناء كما اختير في الكلمة العليا العالية وهو الرفع على البدلية قاله ملا علي وهو كلام حسن مستظرف، وقوله إلا شريكًا (هو) أي ذلك الشريك مملوك (لك تملكه) أي تملك أنت يا إلهنا ذلك الشريك (وما ملك) أي وما ملكه ذلك الشريك من عباده، وما موصولة في محل النصب معطوفة على الضمير المنصوب في تملكه من تتمة كلام المشركين أي لا تقولوا هذا الاستثناء فإن ما قبله يكفي لكم ومرادهم بذلك الشريك أصنامهم. وفي فتح الملهم: وقوله إلا شريكًا متعلق بمقول الكفرة، وقوله قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قد معترض للتنبيه على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ذلك بين الاستثناء وما قبله قبل أن يتكلموا بالاستثناء، وقولهم تملكه وما ملك كلمة ما تحتمل أن تكون نافية أو موصولة معطوفة على مفعول تملكه والله تعالى أعلم اهـ. قال الطيبي: كان المشركون يقولون لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك فإذا انتهى كلامهم إلى لا شريك لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" أي اقتصروا عليه ولا تتجاوزوا عنه إلى ما بعده اهـ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (يقولون) أي يقول المشركون (هذا) القول وهو قولهم إلا شريكًا مع ما قبله وما بعده أي يقولون ذلك (وهم) أي والحال أن المشركين (يطوفون بالبيت) العتيق تقربًا إلى الله تعالى بالكلمة الباطلة وهي مردودة عليهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على أول الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على آخر الترجمة.