الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه
2791 -
(1182)(102) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ
ــ
470 -
(26) باب بيان أوجه الإحرام وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه
2791 -
(1182)(102)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام) وهي السنة العاشرة من الهجرة المطهرة (حجة) بفتح الحاء المرة الواحدة من الحج، وسميت حجته صلى الله عليه وسلم بحجة (الوداع) لوداعه الناس فيها أو الحرم قاله ملا علي، وفي آخر باب الخطبة أيام منى من صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات وقال: هذا يوم الحج الأكبر وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع اهـ مختصرًا، ولم يعش بعد عوده منها إلى طيبة إلا شهرين وشيئًا ولم يحج بعد الهجرة غيرها عليه من صلوات الله أسناها ومن تحياته أزكاها (فأهللنا بعمرة) قال السندي في المواهب اللطيفة: وقد ثبت عنها أنها أحرمت بالعمرة صريحًا وكذلك روي عنها أنها قالت: كنت ممن تمتع ولم يسق الهدي، وكل ذلك إنما روى عنها عروة وبهذا جزم قوم في إحرام عائشة رضي الله تعالى عنها، وروى القاسم عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج، وفي رواية لا نذكر إلا الحج، وفي رواية مهلين بالحج، وروى الأسود وعمرة عنها ولا نُرى إلا أنه الحج، وكل هذه الروايات في الصحيحين.
والجمع بين هذه الروايات بأنها رضي الله تعالى عنها مع غيرها من الصحابة كانوا أولًا محرمين بالحج بناء على ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج بقوله: "من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحج
ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ
ــ
فليهل" فعينت إحرامها للعمرة وهذا قولها فكنت ممن أهل بعمرة في رواية عروة عنها، ويحتمل في الحج أيضًا أن يقال أهلت عائشة بالحج مفردًا كما صنع غيرها من الصحابة وهذا معنى قولها لا نذكر إلا الحج، وقولها مهلين بالحج ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة، وعلى هذا ينزل حديث عروة في قولها كنت ممن أهل بعمرة ثم لما دخلت مكة وهي حائض ولم تقدر على الطواف لأجل ما بها أمرها أن تحرم بالحج، وهذان الوجهان أحسن مما ذهب إليه بعض العلماء من ترجيح رواية حديث القاسم والأسود وعمرة على رواية عروة فإنه لا يصار إلى الترجيح إلا عند عدم إمكان الحج، وثانيًا أن جابر بن عبد الله قد جزم في حديثه أن عائشة أهلت بعمرة فصارت رواية عروة مؤيدة بذلك وحديث جابر عند مسلم، قال الحافظ: وكذا رواه طاوس ومجاهد عن عائشة، وعروة أعلم الناس بحديثها، والأقرب عندي هو الوجه الأول والله أعلم اهـ فتح الملهم (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي) قال النواوي: يقال هَدْي بإسكان الدال وتخفيف الياء، وهَدِيّ بكسر الدال وتشديد الياء لغتان مشهورتان الأولى أفصح وأشهر وهو اسم لما يُهدَى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة، وفي الهداية وهذا أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدايا مع نفسه ولأن فيه استعدادًا ومسارعة (فليهل بالحج مع العمرة) قال ابن القيم: ورواه مالك في الموطإ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي فهو أول من بادر إلى ما أمر به، وقد دل عليه سائر الأحاديث التي ذكرناها ونذكرها، وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القرآن على من ساق الهدي والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي منهم عبد الله بن عباس وجماعة فعندهم لا يجوز العدول عما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به أصحابه فإنه قرن وساق الهدي وأمر كل من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة، والواجب أن يفعل كما فعله أو كما أمر به وهذا القول أصح من قول من حرم فسخ الحج إلى العمرة من وجوه كثيرة سنذكرها إن شاء الله تعالى هذا آخر كلام ابن القيم اهـ. (قلت) والأولى أن يقال إن قوله في رواية مالك من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ورد في المحرمين بالعمرة الذين ساقوا معهم الهدي ففيه
ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" قَالتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ. لَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ، وَلَا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي. وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ"
ــ
دلالة على كون القرآن أفضل في حق السائقين من التمتع، وأما المفردون بالحج مع سوق الهدي فلم يؤمروا بذلك كما يشهد به قوله في رواية عقيل الآتية، ومن أهل بالحج فليتم حجه حتى من أهل بحج مع سوق الهدي وهؤلاء هم المعنيون بالشق الأول من قول عائشة في رواية الأسود الآتية في الباب، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر، وأما غير السائقين منهم فقد ثبت الأمر بفسخهم حجهم إلى العمرة بأحاديث كثيرة كما سيأتي بيانها وبيان المذاهب فيه إن شاء الله تعالى والله أعلم، والمعنى أن من كان معه هدي وأحرم بالعمرة فقط (فليهل بالحج مع العمرة) أي فليدخل الحج على العمرة فيكون قارنًا (ثم لا يحل) من إحرامه (حتى يحل منهما جميعًا) يوم النحر أي إن إحلاله من النسكين إنما يقع مرة واحدة في يوم النحر بذبح هديه (قالت) عائشة: وكنت ممن اعتمر ولم يسق الهدي (فقدمت مكة وأنا حائض) أي وقع قدومي مكة حالة كوني حائضًا، أما ابتداء حيضها فقد كان بسرف أو بقريب منها قبل دخول مكة كما سيأتي في الطرق الآتية في الباب (لم أطف بالبيت) أي لم أقدر على الطواف بالبيت (ولا) على السعي (بين الصفا والمروة) أي ولم أسع بينهما إذ لا يصح السعي إلا بعد الطواف وإلا فالحيض لا يمنع السعي اهـ مرقاة (فشكوت ذلك) أي أخبرت ذلك الأمر الذي وقع بي من الحيض قبل طواف العمرة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكوى (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (انقضي رأسك) أي حلي ضفر شعره بأصابعك أولًا (وامتشطي) أي ثم سرحيه بالمشط، قال السندي في حواشي النسائي: لعل المراد بالامتشاط الاغتسال لإحرام الحج (وأهلي بالحج) أي أحرمي بالحج (ودعي العمرة) أي اتركي إتمام عمل عمرتك فتكون قارنة، قال القرطبي:(قوله ودعي العمرة) فمحمول على ترك عملها لا على رفضها والخروج منها بدليل قوله في الرواية الأخرى وأمسكي مكان ودعي وهو ظاهر في استدامتها حكم العمرة التي أحرمت بها وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك" وهذا نص على أن حكم عمرتها باق عليها اهـ من المفهم، وفي رواية أمرني النبي صلى الله عليه وسلم
قَالتْ: فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَينَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ
ــ
أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج وأترك العمرة، قال ابن الملك رحمه الله تعالى: أي أمرني أن أخرج من إحرام العمرة وأستبيح محظورات الإحرام، وأحرم بعد ذلك بالحج فإذا فرغت منه أحرم بالعمرة أي قضاء وهذا ظاهر، قال السندي في شرح مسند الإمام الأعظم: وقد استدل بذلك الكوفيون على أن المرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردة كما صنعت عائشة وأنها يلزمها دم لرفض العمرة كما حققه الشيخ علي القاري في شرح السنن.
وقال الجمهور في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم دعي عمرتك أو أمسكي عن عمرتك أو ارفضي عمرتك أن تترك التحلل منها وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، وقالوا: لا يلزم من نقض الرأس وامتشاطه إبطال العمرة بناء على أنهما جائزان ما لم يؤديا إلى النتف لكن يكره الامتشاط بغير عذر، وقال بعضهم: إن عائشة كان بها عذر من أذى رأسها فأبيح لها كما أبيح لكعب بن عجرة الحلق للأذى اهـ فتح الملهم (قالت) عائشة (ففعلت) ذلك الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق شقيقها، فيه جواز الخلوة بالمحارم سفرًا وحضرًا وإرداف المحرم محرمة كما سيأتي التصريح به (إلى التنعيم) إنما أرسلها إليه لأن العمرة بالحج في أنها لا بد لها أن يجمع فيها بين الحل والحرم وهو بفتح المثناة الفوقية وسكون النون وكسر المهملة، مكان معروف خارج مكة وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي، وقال المحب الطبري: التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل وليس بطرف الحل بل بينهما نحو من ميل، ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز. (قلت) أو أراد به بالنسبة إلى بقية الجهات، وروى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال: إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم، والذي على اليسار يقال له منعم، والوادي نعمان كذا في الفتح، وقال على القاري: وقيل بين مسجدها وبين أنصاب الحرم غلوة سهم، وهذا يدل على أن اعتمارها من التنعيم كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم" وفي
فَاعْتَمَرْتُ. فَقَال: "هذِهِ مَكانُ عُمْرَتِكِ" فَطَافَ، الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ حَلُّوا. ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا
ــ
رواية الأسود عن عائشة: "فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم" وفي رواية: "اخرجي إلى التنعيم" وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك يفسر قولي في رواية القاسم عنها بلفظ: "اخرج بأختك من الحرم" اهـ فتح الملهم.
وقال ملا علي: التنعيم هو موضع قريب من مكة بينه وبينها فرسخ نقله عن ابن الملك (فاعتمرت) من التنعيم (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه) العمرة مبتدأ خبره (مكان عمرتك) بالرفع على الخبرية أي هذه بدل عمرتك أو بالنصب على كونه ظرفًا متعلقًا بالخبر المحذوف أي هذه العمرة كائنة مكان عمرتك الأولى أي التي أردت أن تأتي بها مفردة، وهذا صريح في كونها قضاء لعمرتها التي كانت أحرمت بها ثم رفضتها لأجل حيضها إنما قال ذلك تطييبًا لقلبها كذا في العيني على البخاري، وقال القسطلاني: برفع مكان خبرًا لقوله هذه أو بالنصب وهو الذي في اليونينية لا غير على الظرفية وعامله المحذوف هو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان عمرتك اهـ (فطاف الذين أهلوا بالعمرة) أي أحرموا بها ولم يسوقوا الهدي (بالبيت) طواف العمرة (و) سعوا (بالصفا) أي بين الصفا (والمروة) سعي العمرة (ثم حلوا) أي فكوا إحرامهم بالحلق أو التقصير (ثم) أهلوا بالحج و (طافوا طوافًا آخر) غير طواف العمرة (بعد أن رجعوا من منى) إلى مكة (لحجهم) يعني طواف الإفاضة وسعوا سعي الحج (وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة) أي قارنوهما لسوقهم الهدي (فإنما طافوا طوافًا واحدًا) للحج والعمرة وسعوا سعيًا واحدًا للحج والعمرة لاندراج عمل العمرة في الحج، قال النواوي: هذا دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد من طواف الركن وأنه يقتصر على أفعال الحج وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج وبهذا قال الشافعي وهو محكي عن ابن عمر وجابر وعائشة ومالك وأحمد وإسحاق وداود، قال أبو حنيفة: يلزمه طوافان وسعيان وهو محكي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود والشعبي والنخعي والله أعلم، ويذكر قول في مذهب أحمد كمذهب أبي حنيفة في تعدد السعي للقارن والمتمتع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري
2792 -
(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ. حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يُهْدِ،
ــ
[1556]
، وأبو داود [1781]، والنسائي [5/ 225 و 226]، وابن ماجه [2974].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2792 -
(00)(00)(وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي أبو عبد الله المصري، ثقة، من (11)(حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة نبيل، من كبار (10)(عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة ثبت إمام فقيه، من (7)(حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل بفتح العين الأيلي ثم المصري أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة، من (6)(عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، غرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد لمالك بن أنس (أنها قالت خرجنا) من المدينة إلى مكة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا) معاشر الصحابة (من أهل بعمرة) فقط وهو المسمى بالتمتع (ومنا من أهل بحج) فقط ويُسمى الإفراد، وفي رواية البخاري زيادة (ومنا مَنْ أهل بحج وعمرة) أي جمع بينهما ويسمى القرآن وكانوا أولًا لا يعرفون إلا الحج فبيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام، وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج، والحاصل من مجموع الأحاديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم الهدي، وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بالحج، وقسم بحج ولا هدي معهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقلبوه عمرة، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة، وأما عائشة فكانت أهلت بعمرة ولم تسق هديًا ثم أدخلت عليها الحج كما مر اهـ من القسطلاني، فمشينا (حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه (من أحرم) منكم (بعمرة) فقط (ولم يهد) بضم
فَلْيَحِلِلْ. وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَهْدَى، فَلا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ. وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ" قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: فَحِضْتُ. فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي، وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ. قَالتْ: فَفَعَلْتُ ذلِكَ. حَتَّى إِذَا قَضَيتُ حَجَّتِي، بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ
ــ
الياء من الإهداء أي لم يسق الهدي (فليحلل) بفتح الياء وكسر اللام أي فليخرج من الإحرام بحلق أو تقصير (ومن أحرم بعمرة وأهدى) أي ساق الهدي فليدخل الحج على العمرة فيكون قارنًا (فلا يحل) بالنفي، ويحتمل النهي اهـ ملا علي أي فلا يحل من إحرامه حينئذ (حتى ينحر هديه) بمنى (ومن أهل بحج) فقط (فليتم حجه) سواء ساق الهدي أم لا، قال عروة (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فحضت) أنا في سرف (فلم أزل حائضًا حتى كان) أي جاء (يوم عرفة ولم أهلل) أي لم أحرم أنا أولًا (إلا بعمرة) فقط ولم أسق الهدي فمنعني الحيض من إتمام عمرتي فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنقض) وأفك ضفر شعر (رأسي وأمتشط) أي أسرحه بالمشط وأغتسل غسل إحرام الحج (وأهل) أي أحرم (بحج وأترك) إتمام عمل (العمرة) لعارض الحيض (قالت) عائشة (ففعلت ذلك) الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفت بعرفة ورميت الجمرة وطفت الإفاضة (حتى إذا قضيت) وأتممت (حجتي) شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يرجع الناس غيري بعمرة منفردة عن حجة وبحجة منفردة. عن عمرة، وأرجع أنا بحجة ليس لي عمرة منفردة عن حج. حرصت بذلك على تكثير الأفعال كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية وأحرموا بالحج يوم التروية من مكة فحصل لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران فأرادت عمرة مفردة كما حصل لبقية الناس اهـ قسطلاني فـ (بعث معي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهم، وأمه أم رومان والدة عائشة فهو شقيقها، وكان اسمه عبد الكعبة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخر إسلامه إلى أيام
وَأَمَرَني أَنْ أَعْتَمِرَ مِنَ التَّنْعِيمِ. مَكَانَ عُمْرَتي، الَّتي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا.
2793 -
(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةِ. وَلَمْ أَكُنْ سُقْتُ الْهَدْيَ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" قَالتْ: فَحِضْت. فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيلَةُ عَرَفَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَكَيفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قَال: "انْفضِي رَأْسَكِ. وَامْتَشِطِي. وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ. وَأَهِلِّي
ــ
الهدنة (وأمرني أن أعتمر) أي أن أحرم بالعمرة (من التنعيم) المعروف الآن بمسجد عائشة (مكان عمرتي) أي بدل عمرتي (التي) منعني منها الحيض و (أدركني) عليها (الحج ولم أحلل منها) بإتمام أعمالها أي لم أحلل منها إحلالًا معروفًا مطلوبًا بإتيان أفعال العمرة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2793 -
(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لعقيل بن خالد (قالت) عائشة (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت) أنا أي أحرمت (بعمرة) مفردة (ولم أكن سقت الهدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (من كان معه هدي فليهلل) بضم الياء من الإهلال أي فليحرم (بالحج) قارنًا (مع عمرته ثم لا يحل) بالنهي، ويحتمل النفي بفتح الياء وكسر الحاء أي لا يحل من إحرامه (حتى يحل منهما جميعًا) في منى بذبح هديه (قالت) عائشة (فحضت) أي صرت ملازمًا لحيضتي التي حضتها في سرف قبل دخول مكة (فلما دخلت ليلة) يوم (عرفة قلت يا رسول الله إني كنت أهللت بعمرة) منفردة حين خرجنا من المدينة ومنعني الحيض من أعمالها وأدركني الحج وأنا في إحرام العمرة (فكيف أصنع) وأفعل (بحجتي) هذه التي دخل علي وقتها المضيّق؟ فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (انقضي) أي فكي شعر (رأسك وامتشطي وأمسكي عن) عمل (العمرة وأهلي
بِالْحَجِّ" قَالتْ: فَلَمَّا قَضَيتُ حَجَّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَني، فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ. مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَمْسَكْتُ عَنْهَا.
2794 -
(00)(00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُهِلَّ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ" قَالت عَائِشةُ رضي الله تعالى عنها: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ. وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ. وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ
ــ
بالحج قالت) عائشة (فلما قضيت حجتي) وفرغت منها شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأني لم تحصل لي عمرة منفردة كما حصلت للناس فـ (أمر عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (فأردفني) أي أركبني على راحلته خلفه (فأعمرني) أي فجعلني معتمرة (من التنعيم مكان عمرتي) أي بدل عمرتي (التي أمسكت) نفسي (عنها) أي عن إتمام أعمالها لعارض الحيض.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2794 -
(00)(00)(حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10)(حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمعمر في الرواية عن الزهري (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة) قارنًا بينهما (فليفعل) أي فليحرم بهما (ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل) فيه بيان جواز أوجه الإحرام الثلاثة القرآن والإفراد والتمتع، قال ابن القيم رحمه الله: ثم إنه صلى الله عليه وسلم خيَّرهم عند الإحرام بين الأوجه الثلاثة ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ثم حتم ذلك عليهم عند المروة اهـ (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج وأهل به) أي بالحج (ناس معه) صلى الله عليه وسلم وهو المسمى بالإفراد (وأهل ناس) آخرون (بالعمرة والحج) جميعًا وهو المسمى بالقران
وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ. وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهلَّ بِالْعُمْرَةِ
ــ
(وأهل ناس) غيرهم (بعمرة) فقط وهو المسمى بالتمتع، قالت عائشة (وكنت) أنا (فيمن أهل بالعمرة) ولم يسق الهدي، قال النواوي: وفي هذا دليل على جواز الأنواع الثلاثة، وقد أجمع المسلمون على ذلك وإنما اختلفوا في أفضلها، قال الشافعي ومالك وكثيرون: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وقال أحمد وآخرون أفضلها: التمتع، وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القرآن، وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي، والصحيح تفضيل الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها هل كان مفردًا أم متمتعًا أم قارنًا؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة وكل طائفة رجحت نوعًا وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار قارنًا، وقد اختلفت روايات أصحابه رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هل كان قارنًا أم مفردًا أم متمتعًا؟ وقد ذكر البخاري ومسلم رواياتهم كذلك، وطريق الجمع بينها ما ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم صار قارنًا، فمن روى الإفراد فنظرًا لأول أمره، ومن روى القرآن فنظرًا لآخر أمره، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة في الاقتصار على عمل واحد وهو عمل الحج، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها اهـ.
واعلم أن الإفراد هو أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر، والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منه ثم يحج من عامه، والقران أن يحرم بهما جميعًا، وكذا لو أحرم بالعمرة وأحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارنًا، فلو أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة فقولان للشافعي أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح وصار قارنًا بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج، وقيل قبل الوقوف بعرفات، وقيل قبل فعل فرض، وقيل قبل طواف القدوم أو غيره اهـ منه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2795 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجِّةِ الْوَدَاعِ. مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ. فَلَوْلا أَنِّي أَهْدَيتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ" قَالتْ: فَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِالْحَجِّ. قَالتْ: فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ
ــ
2795 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في) عام (حجة الوداع) في أواخر ذي القعدة حالة كوننا (موافين) أي مقاربين (لـ) طلوع (هلال ذي الحجة) وظهورها، من أوفى على الشيء إذا أشرف عليه، وسيأتي أنها قالت خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة، والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة، قال القرطبي:(قوله موافين لهلال ذي الحجة) أي مطلين عليه ومشرفين يقال أوفى على ثنية كذا أي شارفها وأطل عليها، ولا يلزم منه أن يكون دخل فيها، وقد دل على صحة هذا قولها في الرواية الأخرى خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة وكذلك كان، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لأربع أو خمس من ذي الحجة فأقام النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة تسعة أيام أو عشرة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قالت) عائشة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد منكم أن يهل) بضم الياء وكسر الهاء أي أن يحرم (بعمرة فليهل) أي فليحرم بها (فلولا أني أهديت) أي فلولا سوق هديي موجود (لأهللت بعمرة) وفي هذا إشعار بكون التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي فإن هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم قبل الأمر بالفسخ في ابتداء الإحرام كما هو الظاهر اهـ فتح (قالت) عائشة (فكان من القوم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بالحج قالت) عائشة (فكنت أنا ممن أهل بعمرة) قال القرطبي: وهذا يعارضه قولها في الرواية (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج) وفي أخرى (لا نُرى
فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي. فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "دَعِي عُمْرَتَكِ
ــ
إلا الحج) فاختلف العلماء في تأويل هذه الألفاظ المختلفة المضطربة؛ فمنهم من رجح الروايات التي فيها أنها أهلت بالحج، وغلط من روى أنها أهلت بعمرة وإليه ذهب إسماعيل أظنه ابن علية، ومنهم من ذهب مذهب الجمع بين هذه الروايات وهو الأولى إذ الرواة لتلك الألفاظ المختلفة أئمة ثقات مشاهير ولا سبيل إلى إطلاق لفظ الغلط على بعضهم بالوهم فالجمع أولى من الترجيح إذا أمكن فمما ذكر في ذلك أنها كانت أحرمت بالحج ولم تسق الهدي فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة فسخت فيمن فسخ وجعلته عمرة وأهلت بها وهي التي حاضت فيها ثم إنها لم تحل منها حتى حاضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج وتكون حينئذ مردفة فأحرمت بالحج ووقفت بعرفة وهي حائض ثم إنها طهرت يوم النحر فأفاضت فلما كملت مناسك حجها اعتمرت عمرة أخرى مع أخيها من التنعيم، قال فعن تلك العمرة التي دخلت فيها بعد الفسخ عبر بعض الرواة بأنها أحرمت بعمرة وعلى ذلك يُحمل قولها أهللت بعمرة تعني بعد فسخها الحج فلما كان منها الأمران صدق كل قول من أقوالها وكل راو روى شيئًا من تلك الألفاظ.
(قلت) ويعتضد هذا التأويل بقولها في بعض رواياته فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت عائشة: فحل من لم يسق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي فأحللن، وهذا فيما يبدو تأويل حسن غير أنه يبعده مساق قولها أيضًا في رواية أخرى قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد أن يهل بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل" قالت: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وكنت فيمن أهل بعمرة. وظاهره الإخبار عن مبدأ الإحرام للكل وعلى هذا فيمكن التأويل على وجه آخر وهو أن يبقى هذا الحديث على ظاهره ويتأول قولها لبَّينا بالحج على أن ذلك كان إحرام أكثر الناس لأنه لما أحرم النبي صلى الله عليه وسلم اقتدى به أكثر الناس في ذلك، وأما هي فإنما أحرمت بعمرة كما نصت عليه وناهيك من قولها ولم أهل إلا بعمرة اهـ من المفهم (فخرجنا حتى قدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دعي) أي اتركي (عمرتك) التي فسخت الحج إليها وأحرمت بها أي
وَانْقُضِي رَأْسَكِ. وَامْتَشِطِي. وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ" قَالتْ: فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةَ الْحَصْبَةِ، وَقَدْ قَضَى اللهُ حَجَّنَا، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي وَخَرَجَ بِي إِلَى التَّنْعِيم. فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَضَى اللهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا. وَلَمْ يَكُنْ فِي ذلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ
ــ
اتركي إتمام عملها لعارض الحيض (وانقضي) أي حلي ضفر شعر (رأسك وامتشطي) أي سرحي بالمشط واغتسلي غسل الإحرام (وأهلي بالحج قالت) عائشة (ففعلت) ما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم به من هذا المذكور (فلما كانت) وجاءت (ليلة) المبيت بـ (الحصبة) وهي ليلة أربع عشرة ليلة نزول الحجاج بالمحصب حين نفروا من منى بعد أيام التشريق، ويُسمى ذلك النزول تحصيبًا، والمحصب موضع بمكة على طريق منى اهـ نووي، ويُسمى ذلك النزول تحصيبًا، والمحصب بصيغة اسم المفعول موضع خارج مكة على طريق منى، ويُسمى الأبطح، والبطحاء مسيل واسع فيه الحصباء وهي دقاق الحصى، والمحصب أيضًا موضع الجمار بمنى وليس مرادًا هنا اهـ من بعض الهوامش (و) الحال أنه (قد قضى الله حجنا) أي ختمه وأتمه بمنه وكرمه، والجملة حالية ولم تقل هنا حجنا وعمرتنا كما قالت فيما بعد أي بعد عمرة التنعيم ففيه دلالة على أنها صارت مفردة بعد رفض العمرة والله أعلم اهـ فتح. وذكر جواب لما بقوله (أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني) عبد الرحمن أي أركبني خلفه على راحلته (وخرج بي) أي ذهب بي (إلى التنعيم فأهللت بعمرة فقضى الله) سبحانه وتعالى (حجنا وعمرتنا) أي أتمها لنا، قال هشام بالسند السابق (ولم يكن في ذلك) الذي فعلته عائشة (هدي) أي ذبح (ولا صدقة) أي إطعام (ولا صوم) قال النواوي: هذا كلام أدرجه هشام بن عروة في الحديث وليس من كلام الصديقة اهـ كما سيأتي التصريح به في الرواية الآتية، وإن كان الظاهر هنا كونه من كلام الصديقة، وفي فتح الملهم ظاهره أن ذلك من قول عائشة رضي الله تعالى عنها، وكذا أخرجه البخاري من طريق يحيى القطان عن هشام والإسماعيلي من طريق علي بن مسهر وغيره، لكن أخرج البخاري في الحيض من طريق أبي أسامة عن هثسام بن عروة الخ فقال في آخره قال هثسام "ولم يكن في ذلك شيء" الخ فتبين أنه في رواية عبدة وابن نمير ويحيى ومن وافقهم مدرج، وكذا أخرجه من طريق وهيب والحمادين عن هشام، ورواه ابن جريج عن هشام فلم يذكر الزيادة أخرجه أبو عوانة، وكذا أخرجه الشيخان من طريق الزهري وأبي الأسود عن عروة بدون الزيادة،
2796 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ. لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدَةَ
ــ
قال ابن بطال: فظهر بذلك أن لا دليل فيه لمن قال إن عائشة لم تكن قارنة حيث قال: لو كانت قارنة لوجب عليها الهدي بالقران، قال الحافظ: والجواب عن ذلك أن هذا الكلام مدرج من قول هشام كأنه نفى ذلك بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر اهـ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2796 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعبدة بن سليمان (قالت) عائشة (خرجنا موافين) أي مقاربين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي الحجة لا نرى) بفتح النون أي لا نعتقد أنا نحرم (إلا الحج) لأنا كنا نعتقد امتناع العمرة في أشهر الحج، وفي البخاري بالضم أي لا نظن بمعنى لا نعتقد، وقال السندي في حواشي النسائي: قوله (لا نرى) بفتح النون أي لا نعتقد، وقيل بضم النون والمراد لا ننوي إلا الحج لكونه المقصود الأصلي من الخروج أو لأن الغالبين فيهم ما نووا إلا الحج اهـ، وفي صحيح البخاري كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرًا ويقولون:
إذا برا الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر اهـ.
ومرادهم بانسلاخ صفر انقضاء المحرم فإنهم كانوا يسمونه صفرًا، قال السندي في حاشيته: يمكن أن يقال أرادت بهذا أن المقصود الأصلي من الخروج ما كان إلا الحج وما وقع الخروج إلا لأجله، ومن اعتمر فعمرته كانت تابعة للحج فلا يخالف ما سبق أنها كانت معتمرة وكأنه في الصحابة رجال معتمرون اهـ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب منكم أن يهل بعمرة فليهل بعمرة وساق) عبد الله بن نمير (الحديث) السابق (بمثل حديث عبدة) بن سليمان.
2797 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ. مِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ. فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهمَا، وَقَال فِيهِ: قَال عُرْوَةُ فِي ذلِكَ: إِنَّهُ قَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا. قَال هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي ذلِكَ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ.
2798 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديثها فقال:
2797 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لعبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين) أي مشرفين (لهلال ذي الحجة؛ منا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بحجة فكنت) أنا (فيمن أهل بعمرة، وساق) وكيع (الحديث بنحو حديثهما) أي بنحو حديث عبدة وابن نمير (و) لكن (قال) وكيع (فيه) أي في الحديث (قال عروة في ذلك) أي ذكر في ذلك الحديث الذي روى عن عائشة لفظة (إنه) أي إن الشأن والحال (قضى الله) سبحانه وتعالى وأتم (حجها وعمرتها) قال الحافظ وغيره: هذا دليل على أن قوله قضى الله حجها وعمرتها مدرج في سائر الروايات ليس هو من الحديث بل من قول عروة، وقال ابن بطال: إنه من قول هشام بن عروة. (قلت) ولكن رواية عبدة بن هشام صريحة في كونه من كلام عائشة حيث قالت: فقضى الله حجنا وعمرتنا. بصيغة المتكلم، ففي هذه الرواية دليل على أن المراد بقوله قال عروة الخ قوله رواية عن عائشة لا قوله من تلقاء نفسه والله أعلم (قال هشام ولم يكن في ذلك) الذي فعلته عائشة (هدي ولا صيام ولا صدقة) دل على إدراج هذه الجملة في الرواية السابقة كما قررنا هناك.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديثها فقال:
2798 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت
عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ. وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ
ــ
على مالك) بن أنس (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود الأسدي المدني يتيم عروة، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الأسود لهشام (أنها) أي أن عائشة (قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل) أي خرج من إحرامه بالحلق أو التقصير بعد إتمام عمرته بالطواف والسعي (وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر) قال ابن القيم رحمه الله تعالى: أما حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة هذا وكذا حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها بنحوه فحديثان قد أنكرهما الحفاظ، وهما أهل أن يُنكرا، ثم نقل عن أحمد تخطئة حديث أبي الأسود، وقال الحافظ أبو محمد بن حزم: هذان حديثان منكران جدا قال: ولأبي الأسود في هذا النحو حديث لا خفاء بنكرته ووهنه وبطلانه، والعجب كيف جاز على من رواه فإن الزهري قد خالف أبا الأسود ويحيى بن عبد الرحمن وهو أحفظ منهما، وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة، ثم قال أبو محمد: وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة يعني اللذين أنكرهما أن يخرج روايتهما على أن المراد بقولها إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا حتى كان يوم النحر حين قضوا مناسك الحج، إنما عنت بذلك من كان معه الهدي وبهذا تنتفي النكرة عن هذين الحديثين وبهذا تأتلف الأحاديث كلها اهـ وهذا ما قدمناه في أوائل الباب من وجه التطبيق بين الأحاديث، وقد ذكرنا هناك أيضًا أن أمره صلى الله عليه وسلم من معه الهدي أن يهل بالحج مع عمرته إنما كان في حق المعتمرين الذين كان معهم الهدي والله أعلم اهـ فتح الملهم.
2799 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال:"أَنفِسْتِ"(يَعْنِي الْحَيضَةَ قَالتْ): قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "إِنَّ هذَا شَيءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديثها فقال:
2799 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (جميعًا عن ابن عيينة قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد التيمي المدني (عن أبيه) محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير (قالت) عائشة (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى) بفتح النون أي ولا نعتقد (إلا) أننا نحرم (الحج حتى إذا كنا بسرف) بوزن تعب وجهل؛ موضع قريب من التنعيم اهـ مصباح، فهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، قال النواوي: وهو ما بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال منها قيل ستة، وقيل سبعة، وقيل تسعة، وقيل عشرة، وقيل اثنا عشر ميلًا اهـ (أو) قالت عائشة حتى إذا كنا (قريبًا منها) أي من سرف، والشك من الراوي أو ممن دونه (حضت فدخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أنفست) بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان والفتح أفصح والفاء مكسورة فيهما، وأما النفاس الذي هو بمعنى الولادة فيقال فيه نُفست بالضم لا غير أي هل حضت (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أنفست أحضت (الحيضة قالت) عائشة (قلت) له (نعم) حضت (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (أن هذا) الدم (شيء كتبه الله) سبحانه وتعالى أي قضاه وقدره (على بنات آدم) قال القاري: وهذا تسلية لها وتخفيف لهمِّهَا فإن البلية إذا عمت هانت، وقال النواوي: معناه إنك لست مختصة به بل كل بنات آدم يكون منهن هذا، كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط وغيرهما، قال الدهلوي: مهد الكلام بأنه شيء يكثر وقوعه فمثل هذا الشيء يجب في حكمة الشرائع أن يدفع عنه الحرج، وأن يسن له سنة
فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ. غَيرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي". قَالتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ
ــ
ظاهرة فلذلك سقط عنها أي عن الحائض طواف القدوم والوداع، واستدل البخاري في صحيحه في كتاب الحيض بعموم هذا الحديث على أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل، وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا فكانت المرأة تتشرف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد. وعنده عن عائشة نحوه، قال الداودي: ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أُريد به الخصوص.
(قلت) ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده، وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم وامرأته قائمة فضحكت أي حاضت، والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها والله سبحانه وتعالى أعلم كذا في الفتح (فاقضي) أي فأدي وافعلي (ما يقضي الحاج) أي ما يفعله الحاج من المناسك من الوقوف والمبيت والرمي، والمراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد (غير أن لا تطوفي بالبيت حتى) تطهري و (تغتسلي) من الحيض أي إلا أنه لا تطوفي حتى تغتسلي وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة، وأما السعي فكالطواف إذ لا يصح إلا بعد الطواف، واختلف في علة المنع من الطواف فمن شرط الطهارة في الطواف قال: لأنها غير طاهر، ومن لم يشترطها قال: لأن البيت في المسجد والحائض لا تدخل المسجد اهـ فتح الملهم، قال الأبي: والمعنى أي افعلي ما يفعل الحاج من الوقوف بعرفة وغيره إلا الطواف فإنهم أجمعوا على منعها منه، واختلف في علة المنع كما مر آنفًا اهـ (قالت) عائشة (وضحى) أي أهدى (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر) إذ لا أضحية على الحاج لعدم الإقامة ويستروح منه أن الهدايا كانت تطوعًا أي جعلها مكان الأضحية لغير الحاج اهـ أبي.
2800 -
(00)(00) حدّثني سُلَيمَانُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ أبُو أَيُّوبَ الْغَيلانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبِي سَلمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ. حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2800 -
(00)(00)(حدثني سليمان بن عبيد الله) بن عمرو المازني (أبو أيوب الغيلاني) البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) القيسي العقدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة الماجشون) التيمي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب وهو بتثليث الجيم معرَّب ماه كون ومعناه يشبه القمر كما مر (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الماجشون لسفيان بن عيينة في الرواية عن عبد الرحمن (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر) ولا نعتقد، ولا نذكر في تلبيتنا أو في محاورتنا، وقال بعضهم: لا نقصد، كذا في المرقاة (إلا الحج) أي إلا الإحرام به (حتى جئنا سرف فطمثت) أي حضت، قال النواوي: هو بفتح الطاء وكسر الميم من باب تعب، ويقال طمثت المرأة من باب ضرب طمثًا إذا حاضت، وبعضهم يزيد عليه أول ما تحيض ويقال حاضت المرأة وتحيضت وطمثت وعركت بفتح العين والراء ونفست وضحكت وأعصرت وأكبرت كلها بمعنى واحد، والاسم منه الحيض والطمث والعراك والضحك والإكبار والإعصار وهي حائض وحائضة في لغة غريبة حكاها الفراء، وطامث وعارك ومكبر ومعصر، وفي هذه الأحاديث جواز حج الرجل بامرأته وهو مشروع بالإجماع، وأجمعوا على أن الحج يجب على المرأة إذا استطاعته، واختلف السلف هل المحرم لها من شروط الاستطاعة؟ وأجمعوا على أن لزوجها أن يمنعها من حج التطوع، وأما حج الفرض فقال جمهور العلماء: ليس له منعها منه، وللشافعي فيه قولان أحدهما لا يمنعها منه كما قال الجمهور وأصحهما له منعها لأن حقه على الفور والحج على التراخي، قال
فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال: "مَا يُبْكِيكِ؟ " فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ. قَال: "مَا لكِ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "هذَا شَيءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ. افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيتِ حَتَّى تَطْهُرِي" قَالتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: "اجْعَلُوهَا عُمْرَةً" فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. قَالتْ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوي الْيَسَارَةِ
ــ
أصحابنا: ويستحب له أن يحج بزوجته للأحاديث الصحيحة فيه (فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال) لي (ما يبكبك؟ فقلت: والله لوددت) أي لأحببت (أني لم أكن خرجت) هذا (العام) للحج ظنًّا منها أن الحيض يمنعها من الحج (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (مالك) أي أي شيء ثبت لك في بكائك (لعلك نفست) أي حضت، قالت عائشة (قلت) له (نعم) حضت (قال هذا) الدم (شيء كتبه الله) تعالى وقدره (علي بنات آدم) أي على إناث بني آدم فاصبري لأن البلية إذا عمت هانت و (افعلي ما يفعلـ) ـه (الحاج) من المناسك كالوقوف (غير أن لا تطوفي) أي لكن أنه لا تطوفي (بالبيت) لعارض الحيض (حتى تطهري) من حيضك، فأن مخففة من الثقيلة، ويحتمل كون لا زائدة، وأن مصدرية أي افعلي ما يفعله إلا الطواف بالبيت وهذا أوضح وأولى (قالت) عائشة (فلما قدمت مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها) أي اجعلوا حجتكم المعهودة عندكم المنوية لديكم (عمرة) أي اقلبوها عمرة أمرهم أن يصرفوا إحرامهم بنية الحج إلى العمرة بأن يكتفوا بأفعالها فيكون فسخ الحج إلى العمرة، وقد روى هذا المعنى كثيرون من الصحابة غير عائشة منهم عبد الله بن عباس وابن عمر وأسماء وحفصة وعمران وأبو موسى، وكل هؤلاء عند البخاري، والبراء عند أبي يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح، وسهل بن حنيف عند الطبراني في الكبير بإسناد رجاله موثقون، وسبرة بن معبد الجهني عند أبي داود، وأنس عند البزار بإسناد صحيح، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي من الأئمة الأربعة عدم استمرار جواز الفسخ فلو أحرم بالحج لم يجز عندهم فسخه إلى العمرة وكذا العكس خلافًا للحنابلة والظاهرية وعامة أهل الحديث في قولهم إنه يفسخ الحج إذا طاف للقدوم إلى عمرة اهـ فتح الملهم (فأحل الناس) من إحرام الحج بعمل العمرة (إلا من كان معه الهدي، قالت) عائشة (فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة) أي
ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا. قَالتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ. قَالتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ فَقَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ
ــ
أصحاب السهولة والغنى، وسيأتي من طريق أفلح عن القاسم ومع رجال من أصحابه لهم قوة وهذا مخالف لما في حديث جابر وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة وكان علي رضي الله عنه قدم من اليمن ومعه الهدي، قال الحافظ: يُجمع بينهما بأن كلًّا منهما ذكر من اطلع عليه، وقد روى مسلم أيضًا من طريق مسلم القُرِّي وهو بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث، وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل، وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك وشاهد لحديث عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها وذوي اليسارة، ولمسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر أن الزبير كان ممن كان معه الهدي (ثم أهلوا) أي أحرموا بالحج (حين راحوا) وذهبوا إلى منى يوم التروية يعني الذين تحللوا بعمرة أحرموا بالحج حين راحوا إلى منى وذلك في يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة فصاروا متمتعين (قالت) عائشة (فلما كان يوم النحر طهرت) وانقطعت حيضتي (فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنزول إلى مكة لطواف الإفاضة (فأفضت) أي فنزلت إلى مكة فطفت طواف الإفاضة (قالت) عائشة (فأتينا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء للمجهول أي أتانا آت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلحم بقر فقلت) لمن أتانا به (ما هذا) اللحم؟ ترجم عليه البخاري بذبح الرجل عن نسائه من غير أمرهن، قال الحافظ: وأما قوله من غير أمرهن فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دُخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن ليس ذلك دافعًا للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عند ذلك اهـ. (قلت) وقد تقدم قريبًا أن هذا الإهداء منه صلى الله عليه وسلم كان عمن اعتمر من نسائه، وعائشة لم تكن فيه حتى يحتاج إلى استئذانها والاستفهام إنما وقع عن عائشة لا عن سائر النساء والله أعلم اهـ فتح الملهم (فقالوا) لي (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ضحى (عن نسائه البقر) كما صرح به في الرواية السابقة، قال القاضي
فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ. قَالتْ: فَإِنِّي لأَذْكُرُ، وَأَنَا جَارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ
ــ
عياض: كانت هذه الهدايا تطوعًا، ففيه تطوع الرجل بالهدي عن أهله وعمن يمونه وتطوعه عن الغير بالصدقة والعتق وما يكون من باب الأموال وبالكفارة الواجبة وإن لم يأمره، وقيل إنها كانت عن قرانهن أو تمتعهن (فلما كانت ليلة الحصبة) أي ليلة النزول بالمحصب وهي ليلة النفر، قال النواوي: وهي بعد أيام التشريق، وقال القاضي عياض: والمحصب موضع بين مكة ومنى وهو إلى منى أقرب وإلى منى يضاف، ودليله قول الشاعر وهو الشافعي رحمه الله تعالى:
يا راكبًا قف بالمحصب من منى
…
واهتف بقاطن خيفها والناهض
وأصرح منه قول مجنون بني عامر:
وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى
…
فهيج لوعات الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما
…
أطار بليلى طائرًا كان في صدري
(قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة) وهذا صريح في كونها مفردة (قالت) عائشة (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم شقيقي (عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني) أي أركبني خلفه (على جمله، قالت فإني لأذكر) أي لأتذكر الآن (وأنا) أي والحال أني (جارية) أي بنت (حديثة السن) أي قليلة السن والعمر حالة كوني (أنعس) خلفه على جمله بضم العين من النعاس وهو اضطرار الإنسان إلى النوم، والفرق بينه وبين النوم أن النعاس يُسمع معه كلام الحاضرين والنوم ترى فيه الرؤيا (فيصيب وجهي) أي جبهتي (مؤخرة الرحل) أي القتب لجمله لشدة نعاسي، والمؤخرة بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الخاء المعجمة الخشبة التي يستند إليها الراكب بظهره، والرحل بفتح الراء وسكون المهملة هو للبعير كالسرج للفرس، وفي رواية فأعمرها من التنعيم وحملها على قتب بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام، وترجم عليه البخاري (الحج على الرحل) وكأنه أشار إلى أن التقشف أفضل من الترفه، قال ابن المنذر: اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل؟ فقال الجمهور: الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من
حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ. جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا.
2801 -
(00)(00) وحدّثني أَبُو أَيُّوبَ الْغَيلانِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: لَبَّينَا بِالْحَجِّ
ــ
المنفعة، وقال إسحاق بن راهويه: المشي أفضل لما فيه من التعب، ويحتمل أن يقال يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والله أعلم. وقوله (حتى جئنا إلى التنعيم) غاية للإرداف (فأهللت) أي أحرمت (منها) أي من بقعة التنعيم (بعمرة جزاء) أي عوضًا ومقابلًا (بعمرة الناس التي اعتمروا) وكنت أريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعنيها الحيض، قال القرطبي: وأمره صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أن يُعمر عائشة من التنعيم دليل على أن العمرة فيها الجمع بين الحل والحرم وهو قول الجمهور، وقال قوم: إنه يتعين الإحرام بالعمرة من التنعيم خاصة وهو ميقات المعتمرين من مكة أخذًا بظاهر هذا الحديث، واختلف الجمهور فيمن أحرم بالعمرة من مكة ولم يخرج إلى الحل، وقال عطاء: لا شيء عليه، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه: عليه الدم وكأنه جاوز الميقات، وقال مالك والشافعي أيضًا: لا يجزئه إحرامه ويخرج إلى الحل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [6/ 273]، والبخاري [294]، وأبو داود [1782]، وابن ماجه [2963].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2801 -
(00)(00)(وحدثني أبو أيوب الغيلاني) سليمان بن عبيد الله بن عمرو البصري، صدوق، من (11)(حدثنا بهز) بن أسد العمِّي بفتح العين المهملة وتشديد الميم نسبة إلى بني عم بن مرة بن وائل البصري، ثقة، من (9)(حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8)(عن عبد الرحمن) بن القاسم (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لعبد العزيز الماجشون في الرواية عن عبد الرحمن (قالت) عائشة (لبينا) أي أحرمنا (بالحج) وهذا إخبار منها عن غالب أحوال الناس أو عن أحوال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأما هي فقد قالت: إنها لم تهل
حتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ. غَيرَ أَنَّ حَمَّادًا لَيسَ فِي حَدِيثهِ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهلُّوا حِينَ رَاحُوا. وَلَا قَوْلُهَا: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ.
2802 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ. حَدَّثَنِي خَالِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛
ــ
إلا بعمرة اهـ مفهم (حتى إذا كنا بسرف حضت فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي وساق) حماد بن سلمة (الحديث) السابق (بنحو حديث) عبد العزيز (الماجشون غير أن حمادًا ليس في حديثه) قولها (فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا ولا قولها وأنا جارية حديثة السن أنعس فيصيب وجهي مؤخرة الرحل) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2802 -
(00)(00)(حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس حليف عثمان بن عبيد الله القرشي، واسم أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس كنيته أبو عبد الله، روى عن خاله مالك بن أنس في الحج والجهاد، وسليمان بن بلال في اللعان واللباس والفضائل، وأخيه أبي بكر عبد الحميد في البيوع، وعبد العزيز بن المطلب في الإيمان، حديثه عن مالك رواه مسلم عنه، ويروي عنه (خ م د ت س) وأحمد بن يوسف وزهير بن حرب، قال ابن حجر في هدي الساري: لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح، وقال في التقريب: صدوق أخطأ في أحاديث، من العاشرة، مات سنة (226) ست أو سبع وعشرين ومائتين (حدثني خالي مالك بن أنس) الأصبحي المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس وهو بمعنى أخبرني مالك، ولبيان هذا أتى بحاء التحويل (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان
أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الْحَجَّ.
2803 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَفِي حُرُمِ الْحَجِّ. وَلَيَالِي الْحَجِّ
ــ
متابعة مالك لمن روى عن عبد الرحمن بن القاسم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج) أي بالنظر إلى أول أمره، واختلف العلماء في أي أوجه الإحرام أفضل فذهب مالك وأبو ثور إلى أن إفراد الحج أفضل وهو أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة والثوري: القرآن أفضل، وقال أحمد وإسحاق والشافعي في القول الآخر وأهل الظاهر: إن التمتع أفضل، وسبب اختلافهم الروايات في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم فروت عائشة وجابر بن عبد الله وأبو موسى وابن عمر رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وروى أنس وعمران بن حصين والبراء بن عازب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أنه قرن الحج والعمرة، وروى ابن عمر أنه تمتع فلما تعارضت هذه الروايات الصحيحة صار كل فريق إلى ما هو الأرجح عنده.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2803 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا إسحاق بن سليمان) القيسي أبو يحيى الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن أفلح بن حميد) بن نافع الأنصاري المدني أحد الأثبات، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أفلح بن حميد لعبد الرحمن بن القاسم في رواية هذا الحديث عن القاسم (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين) أي محرمين (بالحج) كما قالت في رواية عنها لا نُرى إلا الحج أي خرجنا من المدينة (في أشهر الحج) وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة على الأصح (وفي حرم الحج) أي وفي مواضع إحرامه وميقاته تعني ذا الحليفة (و) في اليالي) أشهر (الحج) وهو مرادف للأشهر، وقيل المعنى أي خرجنا في أزمنته ومواضعه المحرمة
حَتَّى نَزَلْنَا بِسَرِفَ. فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: "مَنْ لَمْ يَكُنْ معَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَا"
ــ
وحالاته التي هي التجرد من محظوراته، وذكر النواوي -بعد ضبطه حرم الحج بضم الحاء والراء- ضبط بعضهم إياه بضم الحاء وفتح الراء على أن يكون جمع حرمة أي ممنوعات الحج ومحرماته اهـ، قال القرطبي: و (حرم الحج) أزمان مشهورة واليالي الحج) ليالي أيام شهوره وكررت ذلك تفخيمًا وتعظيمًا لها، ولذلك أتت بالظاهر مكان المضمر وصار هذا كقول عدي بن زيد، وقيل لسوادة بن زيد بن عدي:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
…
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
اهـ من المفهم. وعلى هذا فالمراد بالثلاثة أزمنة الحج وأوقاته، والمقصود من كلامها أنه ما كان يخطر ببالنا أن حجتنا هذه تصير بعد ذلك عمرة اهـ فتح الملهم. وقال الحافظ: وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل ثلاثة بكمالها وهو قول مالك، ونقل عن الإملاء للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: نعم، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنده: لا، وقال بعض أتباعه: تسع من ذي الحجة، ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ اهـ. قال القرطبي: وسبب هذا الخلاف هل يعتبر مسمى الأشهر وهي ثلاثة أو يعتبر الزمان الذي يفرغ فيه عمل الحج وهو أيام التشريق أو معظم أركان الحج وهو يوم عرفة أو يوم النحر وهو اليوم الذي يتأتى فيه إيقاع طواف الإفاضة وأبعدها قول من قال التاسع، وفائدة هذا الخلاف تعلق الدم بمن أخر طواف الإفاضة عن الزمان الذي هو عنده آخر الأشهر، وبسط الأحكام في كتب الفروع اهـ من المفهم.
أي خرجنا إلى مكة (حتى نزلنا بسرف) موضع قريب إلى التنعيم (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته (إلى أصحابه فقال من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها) أي أن يفسخ حجته إلى (عمرة فليفعل) ذلك الجعل (ومن كان معه هدي فلا) يجعلها عمرة، وهذا تخيير لهم دون أمر عزيمة، قال ابن القيم: وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات فلما كان بمكة أمر أمرًا حتما من لا هدي معه أن يجعلها عمرة ويحل من إحرامه، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه اهـ، وقال النواوي: قال العلماء خيّرهم أولًا بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا
فَمِنْهُمُ الآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا. مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي. فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. وَمَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ قُوَّةٌ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال: "مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ: سَمِعْتُ كَلامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ، فَسَمِعْتُ بِالعُمْرَةِ قَال:"وَمَا لَكِ؟ " قُلْتُ: لَا أُصَلِّي. قَال: "فَلَا يَضُرُّكِ. فَكُونِي فِي حَجِّكِ. فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا
ــ
يرون العمرة الكائنة فيها من أفجر الفجور ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ وأمرهم به أمر عزيمة وألزمهم إياه وكره ترددهم في قبول ذلك ثم قبلوه وفعلوه إلا من كان معه هدي والله أعلم (فمنهم الآخذ بها) أي بالعمرة ممن ليس معهم هدي (والتارك لها) ممن كان معه هدي، قال النواوي: والضميران للعمرة اهـ وقوله (ممن لم يكن معه هدي) راجع إلى الآخذ بها (فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه الهدي) وكان الهدي أيضًا (ومع رجال من أصحابه لهم قوة) مالية وقدرة على سوق الهدي معهم (فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي نقال) لي (ما يبكيك؟ قلت: سمعت كلامك مع أصحابك فسمعت بالعمرة) قال النواوي: كذا هو في النسخ (فسمعت بالعمرة) قال القاضي: كذا رواه جمهور رواة مسلم، ورواه بعضهم (فمُنعت العمرة) وهو الصواب وهو لفظ البخاري، أي منعت من إتمام عمل العمرة بسبب حيضتي من الطواف والسعي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما لكِ) أي وما شأنك في منعك من الصلاة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا أصلي) كَنَتْ عن الحيض بالحكم الخاص به؛ وهو امتناع الصلاة تأدبًا منها في الكناية لما في التصريح من الإخلال بالأدب ولهذا والله أعلم استمر النساء إلى الآن على الكناية عن الحيض بحرمان الصلاة أي تحريمها فظهر أثر أدبها رضي الله تعالى عنها في بناتها المؤمنات قاله ابن المنير اهـ قسطلاني. وقوله في بناتها المؤمنات نظر فإن الأصح عدم إطلاق ذلك والنساء لا يدخلن في خطاب الرجال يعني قوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لامرأة نادتها بيا أماه: أنا أم رجالكم لا أم النساء [راجع العيني في المجلد الأول ص 46](قال فلا يضرك) ذلك الحيض (فكوني في حجك) أي أحرمي بالحج أي كوني فيما هو المقصود بالخروج من الحج والإحرام له والله أعلم قاله السندي (فعسى الله) أي حقق الله سبحانه (أن يرزقكيها) كذا بياء متولدة من إشباع كَسْرةِ الكاف، وكذلك وقع في مطبوع صحيح البخاري، وفي بعض نسخه على ما ذكره شراحه (يرزقكها) بغير ياء،
وَإِنَّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ. كَتَبَ اللهُ عَلَيكِ مَا كَتَبَ عَلَيهِنَّ" قَالتْ: فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنَى فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيتِ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَصَّبَ. فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَّنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَال: "اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ لْتَطُفْ بِالْبَيتِ. فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا ههُنَا" قَالتْ: فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ. ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَجِئْنَا رَسُولَ اللهِ
ــ
والضمير للعمرة أي أن يعطيك العمرة أيضًا، وقد أعطاها بعد الحج أي أن يرزقك العمرة التي أردفت عليها الحجة ولم تفرغ من عملها فرجا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرز الله لها أجر عمرتها وإن لم تعمل لها عملًا خاصًّا كما قال لها:"يسعك طوافك لحجك وعمرتك"(وإنما أنت) امرأة (من بنات آدم) كما هو مصرح في رواية البخاري كتب الله عليك ما كتب عليهن) سلّاها صلى الله عليه وسلم بذلك وخفف همها أي إنك لست مختصة بذلك بل كل بنات آدم يكون منهن هذا (قالت) عائشة (فخرجت في حجتي) إلى عرفة (حتى) وقفنا فيها وأفضنا منها إلى مزدلفة و (نزلنا منى) يوم النحر (فتطهرت) في منى (ثم) نزلنا إلى مكة فـ (طفنا بالبيت) طواف الإفاضة (ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الصاد المهملة المفتوحة وفي آخره باء موحدة وهو مكان متسع بين مكة ومنى سمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل وأنه موضع منهبط وهو الأبطح والبطحاء وحددوه بأنه ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقبرة منه، وفيه لغة أخرى الحصاب بكسر الحاء، قال العيني: وفيه النزول فظاهره أن النزول فيه سنة كما قال أبو حنيفة وهو قول إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وطاوس (فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال) له (اخرج بأختك من الحرم) إلى الحل (فلتهل) أي فلتحرم (بعمرة) من الحل أي مكان العمرة التي كانت تريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعها الحيض، فيه أن من كان بمكة وأراد العمرة فميقاته لها الحل، وإنما وجب الخروج إليه ليجمع في نسكه بين الحل والحرم كما يجمع الحاج بينهما فإن عرفات من الحل (ثم لتطف بالبيت) طوافها ولتسع سعيها ولتحلل ثم أتياني ها هنا (فإني أنتظركما ها هنا) أي في المحصب حتى تأتياني (قالت) عائشة (فخرجنا) أي خرجت أنا وعبد الرحمن إلى التنعيم (فأهللت) أي فأحرمت بالعمرة منه (ثم) نزلنا إلى مكة فـ (طفت بالبيت) طواف العمرة (و) سعيت (بالصفا والمروة) أي بينهما سبعة أشواط سعي العمرة فقصرت شعري وتحللت من العمرة (فجئنا) أي جئت أنا وعبد الرحمن (رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْ جَوْفِ اللَّيلِ. فَقَال: "هَلْ فَرَغْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ. فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
2804 -
(00)(00) حدَّثني يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها
ــ
صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (في منزله) في المحصب (من جوف الليل) أي في وسطه متعلق بجئنا (فـ) لما سلمنا عليه (قال) لي (هل فرغت) يا عائشة من عمرتك (قلت) له (نعم) فرغت منها بحمد الله سبحانه (فآذن) بالمد، وفي بعض النسخ فأذن بلا مد وبذال مشددة وهو بمعناه أي أعلم، ونادى (في أصحابه بالرحيل) أي بالارتحال إلى المدينة (فخرج) من المحصب ودخل مكة (فمر بالبيت) الشريف (فطاف به) طواف الوداع (قبل صلاة الصبح) وهو واجب عند الجمهور، سنة عند بعضهم (ثم) بعد صلاة الصبح (خرج) من مكة متوجهًا (إلى المدينة) قال القرطبي: ولا خلاف في أن طواف الوداع مستحب مرغب فيه مأمور به غير أن أبا حنيفة يوجبه، ومن سننه أن يكون آخر عمل الحاج ويكون سفره بإثره حتى يكون آخر عهده بالبيت، وهذا قول جمهور العلماء لكن رخص مالك في شراء بعض جهازه وطعامه بعد طوافه، وقاله الشافعي إذا اشترى ذلك في طريقه دماقامة يوم وليلة بعده طول عند مالك، وقيل ليس بطول، وأجاز أبو حنيفة إقامته بعده ما شاء، وغيرهم لا يجيز الإقامة بعده لا قليلًا ولا كثيرًا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [1560].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2804 -
(00)(00)(حدثني يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10)(حدثنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي العتكي (المهلبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن أم المومنين عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لأفلح بن حميد في رواية هذا الحديث عن القاسم (قالت) عائشة
قَالتْ: مِنَّا مَنْ أَهَل بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ. وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ.
000 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُميدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَال: جَاءَتْ عَائِشَةُ حَاجَّةً.
2805 -
(00)(00) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عَمْرَةَ. قَالتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها تَقُولُ:
ــ
(منا من أهل بالحج مفردًا) بفتح الراء كما في القسطلاني ولا مانع من كسرها من حيث العربية (ومنا من قرن) بين الحج والعمرة (ومنا من تمتع) بعمل العمرة في أشهر الحج ثم أردفه بالحج. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [1562]، وأبو داود [1779].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الأثر الموقوف على القاسم بن محمد خلال المتابعات في حديث عائشة على سبيل الاستطراد فقال:
(00)
(00)(حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني، صدوق، من (9)(أخبرنا) عبد الملك (بن جريج أخبرني عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني (عن القاسم بن محمد قال) القاسم (جاءت عائشة) مكة (حاجة) الصواب معتمرة، وهذا الأثر موقوف على القاسم لم يرفعه إلى عائشة ولكنه ذكره خلال المتابعات استطرادًا أو المعنى صارت عائشة حاجة أي محرمة بالحج لما مُنعت من إتمام عمرتها بالحيض لأن جاء تكون بمعنى صار الناقصة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2805 -
(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8)(عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5)(عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، ثقة، من (3)(قالت سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرة بنت
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَنْ يَحِلَّ. قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: فَدُخِلَ عَلَينَا
ــ
عبد الرحمن للقاسم بن محمد (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة) فيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول يؤرخ بما خلا فإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي، قال الحافظ: وجزم ابن حزم بان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس، وفيه نظر لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعًا لما ثبت وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة فتعين أن أول الشهر يوم الخميس فلا يصح أن يكون خروجه يوم الخميس بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة، لكن ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه صلينا الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين فدل على أن خروجهم لم يكن يوم الجمعة فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت، ويُحمل قول من قال لخمس بقين أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعًا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضي أربع ليال لا خمس، وبهذا تتفق الأخبار هكذا جمع الحافظ عماد الدين بن كثير بين الروايات وقوى هذا الجمع بقول جابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع، وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة صبح رابعة كما ثبت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذلك يوم الأحد وهذا يؤيد أن خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدم فيكون مكثه في الطريق ثمان ليال وهي المسافة الوسطى اهـ من فتح الملهم.
(ولا نرى) بفتح النون أي لا نعتقد (إلا أنه) أي إلا أن المقصود الذي خرجنا لأجله هو (الحج) قال الزركشي: كان ذلك اعتقادها من قبل أن تهل ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد حكاية فعل غيرها من الصحابة فإنهم لا يعرفون إلا الحج ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج اهـ قسطلاني (حتى إذا دنونا) وقربنا (من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت و) سعى (بين الصفا والمروة أن يحل) من إحرامه بالحلق والتقصير وسبق أنه أمرهم به بسرف، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له فلا منافاة بينهما اهـ قسط (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فدُخِل علينا) بضم الدال
يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ. فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَال يَحْيَى: فَذَكَرْتُ فذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. فَقَال: أَتَتْكَ، وَاللهِ! بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.
2806 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَألَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ
ــ
وكسر الخاء مبنيًّا للمفعول (يوم النحر) بالنصب على الظرفية أي في يوم النحر ولم أر من ذكر الداخل (بلحم البقر فقلت) لمن عندي (ما هذا) اللحم (فقيل) ولم أر من ذكر القائل؛ أي قال لي قائل (ذبحـ) ـها (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) أي هدي سنة أو هديًا واجبًا عن نسائه المتمتعات غير عائشة رضي الله تعالى عنهن جُمع.
(قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (فذكرت هذا الحديث) الذي سمعته من عمرة اللقاسم بن محمد فقال) لي القاسم (أتتك والله) أي والله حدثتك عمرة (بـ) هذا (الحديث على وجهه) أي على هيئته ولفظه من غير تغيير بزيادة أو نقص، والمعنى أي ساقته لكن سياقًا تامًّا لم تختصر منه شيئًا وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة قاله الحافظ في الفتح.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامس عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2806 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال) عبد الوهاب (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (يقول أخبرتني عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية (أنها سمعت عائشة رضي الله تعالى عنهاح وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى) بن سعيد (بهذا الإسناد) يعني عن عمرة عن عائشة أي حدثنا عبد الوهاب وسفيان بن عيينة عن يحيى بهذا الإسناد (مثله) أي مثل ما روى سليمان بن بلال عن يحيى، غرضه بيان متابعتهما لسليمان بن بلال.
2807 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. ح وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَينِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَال: "انْتَظِرِي. فَإِذَا طَهَرْتِ فَاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهِلِّي مِنْهُ. ثُمَّ ألْقَينَا عِنْدَ كَذَا وَكَذَا (قَال: أَظُنُّهُ قَال غدًا) وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ (قَال):
ــ
ثم ذكر المتابعة سادس عشرها فقال:
2807 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم المعروف بـ (ابن علية) الأسدي البصري، ثقة، من (8)(عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6)(عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5)(عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) مات سنة (75) خمس وسبعين (عن أم المومنين) رضي الله تعالى عنها (خ و) روى إبراهيم أيضًا (عن القاسم) بن محمد (عن أم المؤمنين) عائشة رضي الله تعالى عنها وإسقاط حاء التحويل هنا أولى من إثباتها كما هي ساقطة في بعض النسخ كنسخة فتح الملهم لعدم الفائدة في التحويل هنا لأن المقام مقام العطف للقاسم على الأسود كما بينا في الحل (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله بصدر الناس) غيري من أزواجك وغيرهن أي يرجعون إلى بلادهم (بنسكين) أي بحجة وعمرة منفردة (وأصدر) أي أرجع أنا إلى بلدي (بنسك واحد) وهو الحج ولم تحصل لي عمرة مفردة، وإن حصلت لي في ضمن الحج بسبب القرآن فكيف تأمرني في جبر انكسار قلبي بسبب قلة عملي بسبب الحيض، قال في فتح الملهم: وهذا صريح في كونها مفردة ولم ينكر عليها قولها النبي صلى الله عليه وسلم بل كأنه قرر عليه حيث (قال: انتظري) أي تمهلي إلى انقضاء حجك وإلى مجيء طهرك (فإذا طهرت) من حيضتك (فاخرجي إلى التنعيم فأهلي) بالعمرة (منه) أي من التنعيم (ثم القينا) أمر للمؤنث من لقي يلقى من باب رضي حذفت الألف لالتقاء الساكنين مع ياء المؤنثة المخاطبة، والياء فاعل، ونا مفعول به، أي ثم ائتي إيانا وجيئي إلينا (عند) مكان كذا وكذا قال) إبراهيم (أظنه) أي أظن الأسود (قال) لفظة (غدًا) أي بكرة أي ائتينا غدًا عند مكان كذا وكذا (ولكنها) أي ولكن عمرتك أجرها (على قدر نصبك) بفتح النون والصاد المهملة؛ أي على قدر تعبك قلة وكثرة (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أجرها على
نَفَقَتِكِ".
2808 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ. قَال: لَا أَعْرِفُ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا مِنَ الآخَرِ؛
ــ
(نفقتك) فيها قلة وكثرة وأو إما للتنويع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإما شك من الراوي، ولكن أخرجه الدارقطني والحاكم: ونفقتك، بواو العطف والله أعلم، والمعنى إن الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب أو النفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة قاله النواوي، قال الحافظ رحمه الله تعالى: واستدل به على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرًا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة وهو ظاهر هذا الحديث، وقال النواوي: ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة وهو كما قال لكن ليس ذاك بمطرد فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلًا وثوابًا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة إلى المكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءَتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في القواعد، قال: وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقًا والله أعلم اهـ فتح الملهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابع عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2808 -
(00)(00)(وحدثنا ابن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري، من (9)(عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6)(عن القاسم) بن محمد (و) عن (إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (قال) ابن عون (لا أعرف حديث أحدهما من الآخر) أي حديث القاسم من حديث إبراهيم لتماثلهما، قال الحافظ: قد أخرج الدارقطني والحاكم من وجه آخر ما يدل على أن السياق الذي هنا للقاسم فإنهما أخرجا من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: "إنما أجرك في
أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالتْ: يَا رَسًولَ اللهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَينِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
2809 -
(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ؛ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نَرَى إلا أَنَّهُ الْحَجُّ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيتِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ. قَالتْ: فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَنِسَاؤُهُ
ــ
عمرتك على قدر نفقتك" (أن أم المومنين رضي الله عنها قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين فذكر) ابن أبي عدي (الحديث) السابق بمثل حديث ابن علية، غرضه بيان متابعة ابن أبي عدي لابن علية.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامن عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2809 -
(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال زهير حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5)(عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة مخضرم (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور لابن عون في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع (ولا نرى) بفتح النون أي والحال أنا لا نعتقد (إلا أنه) أي إلا أن النسك الذي نخرج له هو (الحج فلما قدمنا مكة تطوفنا) أي طفنا (بالبيت) وسعينا بين الصفا والمروة تعني طاف غيرها لقولها فيما بعد: فلم أطف بالبيت، فإنه تبين به أن قولها تطوفنا من العام الذي أريد به الخاص (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل) من إحرامه بحلق أو تقصير، فإن قلت الفاء فيه تقتضي التعقيب فتدل على أن الأمر كان بعد الطواف مع أنه قد سبق الأمر بهذا (قلت) أجاب الكرماني بأنه قال مرتين قبل القدوم وبعده فالثاني تكرار للأول وتأكيد له (قالت فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه)
لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ. فَأَحْلَلْنَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ. فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةُ الْحَصْبَةِ قَالتْ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَال:"أَوَ مَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ " قَالتْ: قُلْتُ: لَا. قَال: "فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". قَالتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. قَال: "عَقْرَى
ــ
صلى الله عليه وسلم (لم يسقن الهدي فـ) لذلك (أحللن) بالتقصير بعد الطواف والسعي (قالت عائشة فحضت) أنا في سرف ودخلنا مكة وأنا حائض (فلم أطف بالبيت) بسبب الحيض وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحرام الحج، ووقفت عرفة معهم وأنا حائض، ونزلنا منى يوم النحر فانقطع حيضي، فنزلت مكة، وطفت طواف الإفاضة، ورجعت إلى منى للمبيت ليالي التشريق (فلما كانت ليلة الحصبة) أي الليلة التي بعد ليالي التشريق التي ينزل فيها الحجاج في المحصب وهي ليلة أربع عشرة، والمشهور في الحصبة سكون الصاد وجاء فتحها وكسرها وهي أرض ذات حصى (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله يرجع الناس) غيري (بعمرة) منفردة (وحجة) منفردة (وأرجع أنا بحجة) مفردة (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) تقولين ذلك (وما كنت طفت) طواف العمرة (ليالي قدمنا مكة قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أي لم أطف لعارض الحيضة، ثم (قال) لي (فأذهبي مع أخيك) عبد الرحمن (إلى التنعيم فأهلي بعمرة، ثم موعدك) بالرفع على الابتداء خبره الظرف في قوله (مكان كذا وكدا) بالنصب على الظرفية أي وعد لقائك إيانا كائن في مكان كذا وكذا ويصح رفعه على الخبرية أي مكان وعد لقائك مكان كذا وكذا لأن الموعد يصلح أن يكون مصدرًا ووقتًا ومكانًا كما نص عليه أهل اللغة، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت صفية) بنت حيي رضي الله تعالى عنها لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى المدينة، وقد طافت طواف الإفاضة يوم النحر، ثم حاضت أي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه (ما أراني) أي ما أظن نفسي (إلا حابستكم) أي مانعتكم من الرحيل إلى المدينة لانتظار طهري وطوافي الوداع قالته ظنًّا منها أن طواف الوداع لا يسقط من الحائض، والحال أنه بموضع السقوط عنها واسناد الحبس إليها على سبيل المجاز المرسل فلما سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عقرى) لها
حَلْقَى. أَوَ مَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالتْ: بَلَى. قَال: "لَا بَأْسَ. انْفِرِي". قَالتْ عَائِشَةُ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيهَا. أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا
ــ
(حلقى) لها بفتح أولهما وسكون ثانيهما وبالقصر فيهما بغير تنوين لألف التأنيث المقصورة في الرواية ويجوز في اللغة وصوبه أبو عبيد لأن معناهما الدعاء بالعقر والحلق كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء ثم معنى عقرى عقرها الله تعالى أي جرحها وطعنها، وقيل جعلها عاقرًا لا تلد، وقيل عقر قومها، ومعنى حلقى حلق الله شعرها وهو زينة المرأة أو أصابها وجع في حلقها أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم، قال القرطبي: وهي كلمة تقولها اليهود للحائض فهذا أصل هاتين الكلمتين ثم اتسع العرب في قولها بغير إرادة حقيقتها ومعناها كما قالوا: قاتلك الله، وتربت يداك ونحو ذلك مما ظاهره الدعاء بالمكروه ولا يقصدونه على ما تقدم في الطهارة، قال القرطبي وغيره: اختلف كلامه صلى الله عليه وسلم في عائشة وصفية باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك فسلّاها بقوله: "هذا شيء كتبه الله علي بنات آدم" وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله كما ورد في رواية فابدت المانع فناسب كلًّا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة كذا في فتح الباري (أ) تقولين ذلك (وما كنت طفت يوم النحر) طواف الإفاضة الذي هو أحد أركان الحج (قالت) صفية (بلى) طفت يوم النحر (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا بأس) أي لا حرج ولا ضرر عليك في ترك طواف الوداع بسبب الحيض (انفري) بكسر الفاء، وفي رواية اخرجي، وفي رواية فلتنفر، وفي رواية قال اخرجوا، ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة أي اخرجي من منى راجعة إلى المدينة فإن طواف الوداع ساقط عن الحائض لعذر الحيض والله أعلم.
(قالت عائشة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (مصعد) أي مبتدئ السير والذهاب (من مكة) بعد طوافه للوداع (وأنا منهبطة عليها) أي هابطة على مكة داخلة فيها لطواف العمرة (أو) قالت عائشة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم و (أنا) أي والحال أني (مصعدة) على مكة أي داخلة فيها لطواف العمرة (وهو) صلى الله عليه وسلم (منهبط منها) أي خارج منها بعد طواف الوداع، والشك من الراوي عنها، قال في مجمع البحار: قوله (وهو مصعد من مكة) الخ وهو
وَقَال إِسْحَاقُ: مُتَهَبِّطَةٌ وَمُتَهَبِّطٌ.
2810 -
(00)(00) وحدّثناه سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُلَبِّي. لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرةً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حدِيثِ مَنْصُورٍ.
2811 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ
ــ
بمعنى صاعد من أصعد بمعنى صعد ولا ينافي هذا حديث (فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله من جوف الليل) كما مر قريبًا لأنه كان قد خرج بعد ذهابها ليطوف للوداع فلقيها وهو صادر بعد الطواف وهي راحلة لطواف عمرتها ثم لقيته بعد وهو بالمحصب، قال النواوي: وأما قولها في الرواية الماضية فأذن في أصحابه فصر بالبيت وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وأن طوافه صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها، وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة، وقوله (أو أنا مصعدة) الخ هذا شك من الراوي (وقال إسحاق) بن إبراهيم (متهبطة) بدل منهبطة (ومتهبط) بدل منهبط والمعنى واحد والهبوط ضد الصعود.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسع عشرها في حديثها فقال:
2810 -
(00)(00)(وحدثناه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلدة على الفرات (عن علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5)(عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور (قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبي) أي نذكر التلبية ونقول لبيك لبيك، حال كوننا (لا نذكر حجًّا ولا عمرة) في أول الأمر عند خروجنا من المدينة قبل أن يبين لهم أنواع الإحرام ويأمرهم بها اهـ مفهم، ولا معارضة في ذلك لما تقدم من الاختلاف في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم (وساق الحديث) الأعمش (بمعنى حديث منصور) لا بلفظه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عشريها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
2811 -
(00)(00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن
بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنِ غُنْدَرٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَينِ، عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَرْبَعٍ مَضَينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ خَمْسٍ. فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ. فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ. قَال: "أَوَ مَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ
ــ
بشار جميعًا عن غندر) محمد بن جعفر الهذلي (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5)(عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بزين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه، من (3)(عن ذكوان مولى عائشة) أبي عمرو المدني، ثقة، من (3)(عن) مولاته (عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ذكوان لمن روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة (لأربع) ليالي (مضين من ذي الحجة أو) قالت لـ (خمس) ليال مضين من ذي الحجة، شك منها أو من الراوي عنها وقد ثبت في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قدم صبح رابعة مضت من ذي الحجة (فدخل عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (غضبان) أي ملآن من الغضب حين تأخر بعض أصحابه في فسخ الحج إلى العمرة، قال النواوي: أما غضبه صلى الله عليه وسلم فلانتهاك حرمة الشيء وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فغضب صلى الله عليه وسلم لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم، وفيه دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (من أكضبك يا رسول الله أدخله الله النار) دعاء كأنها سبق لها أن الذي يغضب النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو منافق فدعت عليه بذلك اهـ مفهم، أو إخبار قاله القاري في المرقاة، وجملة أدخله الله النار ساقطة في المبارق فيكون الكلام لمجرد الاستفهام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) عجبتِ من ذلك وقلتِهِ (وما شعرت) بفتح العين أي وما علمت (أني أمرت الناس بأمر) لهم فيه مصلحة في دينهم؛ وهو أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بأن يحلقوا رؤوسهم
فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟ " (قَال الْحَكَمُ: كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ) وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا"
ــ
ويحلوا من إحرامهم (فإذا هم) أي الناس (يترددون) أي يتوقفون في امتثال ذلك الأمر أي فاجأني ترددهم وتوقفهم، وإذا للمفاجأة وما بعدها جملة اسمية، قال ابن الملك: ترددهم في صيرورتهم حلالًا من إحرامهم كان لعدم إحلال النبي صلى الله عليه وسلم اهـ ويدل عليه تتمة الحديث وهو قوله "ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي"(قال الحكم) بالسند السابق (كأنهم يترددون أحسب) أي أحسب وأظن شيخي علي بن الحسين قال (كأنهم يترددون) بدل قوله (فإذا هم يترددون) أي شك الحكم هل سمع من شيخه لفظة فإذا هم يترددون أو لفظة كأنهم يترددون، قال القاضي: قوله (قال الحكم كأنهم يترددون) كذا وقع هذا اللفظ وهو صحيح وإن كان فيه إشكال قال: وزاد إشكاله تغيير فيه؛ وهو قوله قال الحكم كأنهم يترددون وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحكم؛ ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مع ضبطه لمعناه فشك هل قال يترددون أو نحوه من الكلام، ولهذا قال بعده أحسب أي أظن أن هذا لفظه، ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر ولم يذكر الشك من الحكم في قوله يترددون والله أعلم اهـ (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو كنت علمت قبل إحرامي ما علمته بعده من تردد الناس في تحللهم وانتظارهم تحللي لأحرمت بحمرة ولـ (ما سقت الهدي معي حتى أشتريه) بمكة أو ببعض جهاتها (ثم أحل كما حلوا) أي مقارنًا بإحلالهم وعدم تحللي كان لأني سقت الهدي معي والناس لم يكونوا كذلك، وسوق الهدي معي يمنع الحل إلى أن ينحر الهدي، قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وذلك يوم النحر، وقال في العون: معناه لو علمت أولًا ما علمت آخرًا وظهر لي أولًا ما ظهر لي آخرًا ما سقت الهدي اهـ، وقال ابن القيم: معنى هذا الكلام أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى فصار خلفه والذي استقبله هو الذي لم يغعله بعد بل هو أمامه فمقتضاه أنه لو كان كذلك لأحرم بالعمرة دون هدي اهـ، وقال الزرقاني: في شرحه أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخرًا وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي أي لما جعلت عليّ هديًا وأشعرته وقلدته وسقته بين يديّ، فإن من ساقه لا يحهل حتى ينحره وإنما ينحره يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة ومن لا هدي معه يجوز
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له فسخه، وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعًا اهـ، قال الخطابي: إنما قال هذا استطابة لنفوس الصحابة لئلا يجدوا في أنفسهم أنه أمرهم بخلاف ما يفعله في نفسه اهـ، قال القرطبي: وهذا الكلام يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما أحرم به متحتمًا متعينًا عليه وأنه كان مخيرًا بين أنواع الإحرام فأحرم بأحدها ثم إنه لما قلد الهدي لم يمكنه أن يتحلل حتى ينحره يوم النحر بمحله؛ فمعنى الكلام لو ظهر لي قبل الإحرام ما ظهر لي عند دخول مكة من توقف الناس عن التحلل بالعمرة لأحرمت بعمرة ولما سقت الهدي، وإنما قال ذلك تطييبًا لنفوسهم وتسكينًا لهم اهـ من المفهم، وفي فتح الملهم: قال بعض مشايخنا وهذا التمني لم يقع منه لكون ما تمناه أفضل مما اختاره الله له صلى الله عليه وسلم من القرآن بل لكونه أسهل لحث الصحابة على قبول ما أمر به من فسخ الحج إلى العمرة وأقوى وأبلغ في التأثير في نفوسهم حين تحرجوا وتوقفوا فيه، وفي قصة الحديبية أظهر شاهد على هذا ففي البخاري في الشروط فلما فرغ من الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا فانحروا ثم إحلقوا رؤوسكم" فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرإت، فلما لم يقم منهم واحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، وفي رواية ابن إسحاق فقال لها: ألا ترين إلى الناس أني أمرتهم بالأمر فلا يفعلونه" فقالت: يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح، وفي رواية أبي المليح فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال: "هلك المسلمون، أمرتهم أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا" قال: فجلا الله عنهم يومئذ بأم سلمة فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك! ! اخرج ثم لا تكلم منهم أحدًا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم منهم أحدًا حتى نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا. فانظر كيف بادروا إلى فعل ما أمرهم به بعد ما فعل هو بنفسه صلى الله عليه وسلم إذ لم يسق غاية ينتظرونها، ونظيره ما وقع لهم في غزوة الفتح في رمضان من أمره لهم بالفطر من رمضان فأبوا حتى شرب فشربوا، وهكذا في حجة الوداع لو أمكنه الموافقة لهم على الفسخ والإحلال بفعله لكان الأمر هينًا عليهم وأذهب لما ضاقت به صدورهم، ولكن سوق الهدي قد منعه من الإحلال فلهذا تأسف على ما فاته وتمنى ما تمناه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الأبي: ولا يؤخذ منه أن التمتع أفضل لأنه تمنى أن يكون متمتعًا وإنما يتمنى الأفضل لأن الشيء قد يكون أفضل باعتبار ذاته وقد يكون باعتبار ما يقترن به، ولا يلزم أن يكون أفضل باعتبار ذاتة وهو هنا كذلك لأن هذا التكليف يقترن به أنه قصد موافقة الصحابة في الفسخ بما شق عليهم اهـ. (قلت) ونظير تمنى الانتقال من الأفضل إلى المفضول ما قال ابن عمرو بن العاص في آخر عمره: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في الصيام مع أنه كان يصوم صوم داود وهو أفضل الصيام بنص الحديث، ولكن تمنيه رضي الله عنه إنما كان لمصلحة نفسه، وتمنيه صلى الله عليه وسلم كان لمصالح ترجع إلى أمته حين شق على بعضهم امتثال ما أمر به فكان هو الأصوب إذ ذاك والله أعلم. قال الدهلوي رحمه الله: الذي بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمور منها أن الناس كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم يرون العمرة في أيام الحج من أفجر الفجور فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل تحريفهم ذلك بأتم وجه، ومنها أنهم كانوا يجدون في صدورهم حرجًا من قرب عهدهم بالجماع عند إنشاء الحج حتى قالوا: أنأتي عرفة ومذاكيرنا تقطر منيًّا وهذا من التعمق فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسد هذا الباب، ومنها أن إنشاء الإحرام عند الحج أتم لتعظيم البيت وإنما كان سوق الهدي مانعًا من الإحلال لأن سوق الهدي بمنزلة النذر بأن يتبع على هيئته تلك حتى يذبح الهدي والذي يلتزمه الإنسان إذا كان حديث نفس أو نية غير مضبوطة بالفعل لا عبرة به وإذا اقترن بها فعل وصارت مضبوطة وجبت رعايتها، والضبط مختلف فأدناه باللسان وأقواه أن يكون مع القول فعل ظاهر علانية يختص بالحالة التي أرادها كالسوق به والله أعلم بالصواب اهـ، قال النواوي: وفي الحديث دليل على جواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان فحمول على التاسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال لوفي غير حظوظ الدنيا ونحوها ليُجمع بين الأحاديث بما ذكرناه اهـ من فتح الملهم، وهذه الرواية انفرد بها المؤلف رحمه الله تعالى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشريها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2812 -
(00)(00) وحدَّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَينِ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأرْبَعٍ أوْ خَمْسٍ مَضَينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّكَّ مِنَ الْحَكَمِ فِي قَوْلِهِ: يَتَرَدَّدُونَ.
2813 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ. فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيتِ حَتَّى حَاضَتْ
ــ
2812 -
(00)(00)(وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (10)(حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر التميمي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا شعبة عن الحكم سمع علي بن الحسين عن ذكوان عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (قالت) عائشة (قدم النبي صلى الله عليه وسلم لأربع) ليال مضين (أو) قالت لي (خمس) ليال (مضين من ذي الحجة) وساق معاذ بن معاذ (بمثل حديث غندر و) لكن (لم يذكر) معاذ في روايته (الشك) الواقع (من الحكم في قوله) كأنهم (يترددون) أي لم يذكر في زيادة كأنهم شكًا، والظاهر أن معاذًا شك في زياداته أيضًا والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشريها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
2813 -
(00)(00)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمِّي البصري، إمام صدوق ثقة، من (9)(حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7)(حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني المحميري، ثقة فاضل، من (6)(عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3)(عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لمن روى عن عائشة (أنها أهلت) أي أحرمت (بعمرة) ولم تسق الهدي (فقدمت) مكة (ولم تطف بالبيت) طواف العمرة (حتى حاضت) وقي الكلام تقدير؛ والمعنى أنها أهلت بعمرة ولم تسق الهدي فحاضت في سرف فقدمت مكة وهي حائض ولم تطف بالبيت لعارض الحيض "حتى حاضت" أي فاستمر حيضها إلى يوم التروية
فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا. وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ. فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ النَّفْرِ:"يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" فَأَبَتْ. فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ. فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ.
2814 -
(00)(00) وحدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ. فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ"
ــ
فأحرمت بالحج (فنسكت) أي ففعلت (المناسك) أي مناسك الحج كلها) من الوقوف والرمي والمبيت، وانقطع حيضها يوم النحر فنزلت إلى مكة فطافت للإفاضة (و) الحال أنها (قد أهلت بالحج) يوم التروية فرجعت إلى منى (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر) أي يوم النزول والرجوع من منى إلى المحصب (يسعك) أي يجزئك (طوافك) للإفاضة (لحجك وعمرتك) لأنها أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة (فأبت) أي امتنعت عن الاكتفاء به، لا إباء جحود نعوذ بالله منه، بل إباء عن الفاضل بالميل إلى الأفضل (فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت) منه (بعد الحج).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشريها في حديثها فقال:
2814 -
(00)(00)(وحدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11)(حدثنا زيد بن الحباب) العكلي الخراساني أبو الحسين الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثني إبراهيم بن نافع) المخزومي أبو إسحاق المكي، ثقة، من (7)(حدثني عبد الله بن أبي نجيح) يسار الثقفي مولاهم أبو يسار المكي، ثقة، من (6)(عن مجاهد) بن جبر المخزومي أبي الحجاج المكي، ثقة، من (3)(عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مجاهد لمن روى عن عائشة (أنها حاضت بسرف) موضع قريب إلى التنعيم فمُنعت من العمرة فاحرمت بالحج (فتطهرت بعرفة) أي قل دمها بعرفة فنزلت إلى منى وانقطع دمها فيها فطافت الإفاضة (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزئ عنك طوافك) بالبيت وسعيك (بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك).
2815 -
(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيرِ بْنِ شَيبَةَ. حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيبَةَ. قَالتْ: قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَينِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَنْطلِقَ بِهَا إِلَى التَّنْعِيمِ. قَالتْ: فَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ. قَالتْ: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي. فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أحَدٍ؟
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشريها فقال:
2815 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي أبو خالد البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (حدثني عبد الحميد بن جبير بن شيبة) بن عثمان بن طلحة العبدري الحجبي المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (حدثثنا) عمتي (صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنه في (5) أبواب (قالت: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة صفية بنت شيبة لمن روى عن عائشة (يا رسول الله أيرجع) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي هل يرجع (الناس) غيري (بأجرين) أجر العمرة المفردة وأجر الحج (وأرجع) أنا (بأجر) واحد أجر الحج، وإن كان في ضمنها عمرة، فالاستفهام شكاية على صورة الإنكار (فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (أن ينطلق) ويذهب (بها) أي بعائشة (إلى التنعيم) موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة أقرب أطراف الحل إلى البيت، سمي بالتنعيم لأن على يمينه جبل نعيم، وعلى يساره جبل ناعم كما مر (قالت) عائشة (فأردفني) أي أركبني عبد الرحمن (خلفه على جمل له) والجمل ذكر الإبل (قالت) عائشة (فجعلت) أي شرعت في الطريق (أرفع خماري) عن رأسي، والخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها، حالة كوني (أحسره) بكسر السين وضمها لغتان أي أكشف خماري وأزيله (عن عنقي فيضرب) عبد الرحمن (رجلي) التي كانت على ورك الجمل (بعلةِ الراحلة) أي بسبب ضرب الجمل (قلت له) أي فأقول له (وهل ترى من أحد) معنا؟ قال النواوي:
قَالتْ: فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَينَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ.
2816 -
(1183)(103) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ
ــ
المشهور في النسخ أنه بباء من أسفل وعين مهملة مكسورة ولام مشددة أي فيضرب رجلي بسبب الراحلة أي في صورة من يضرب الراحلة، ويكون قوله بعلة أي بسبب، والمعنى أنه يضرب رجل أخته بعود أو سوط بيده عامدا لها في صورة من يضرب الراحلة حين تكشف خمارها غيرة عليها، فتقول له هي: وهل ترى من أحد معنا؟ أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه، وإنما ذكرت هذا إشعارًا بحفظ القصة والله أعلم (قالت) عائشة (فأهللت) أي فاحرمت (بعمرة ثم أقبلنا) أي توجهنا من التنعيم إلى مكة (حتى) فرغنا من عمرتنا و (انتهينا) أي وصلنا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة) أي بالمحصب وقد مر تفسيره، قال النواوي: اختلفت الروايات في حديث عائشة هذا في هذه الرواية قالت: ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة، وفي بعضها "فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها" وفي أخرى "فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله فقال: هل فرغت؟ فقلت: نعم، فأذن في أصحابه، فخرج فمر بالبيت وطاف" وجهُ الجمعِ بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها، ثم خرج هو صلى الله عليه وسلم بعد ذهابها فقصد البيت ليطوف طواف الوداع، ثم رجع بعد فراغه من طواف الوداع، وكل هذا في الليلة التي تلي أيام التشريق فلقيها صلى الله عليه وسلم وهو صادر بعد طواف الوداع وهي داخلة لطواف عمرتها ثم فرغت من عمرتها ولحقته صلى الله عليه وسلم وهو بعد في منزله بالمحصب، وأما قولها فأذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديما وتأخيرًا أن طوافه صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة اهـ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم فقال:
2816 -
(1183)(103)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن
نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. أَخْبَرَهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، فَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ.
2817 -
(1184)(104) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَن اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَال: أَقْبَلْنَا مُهِلَّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ. وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ. حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
ــ
نمير قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4)(أخبره عمرو بن أوس) بن أبي أوس الثقفي الطائفي تابعي كبير، ثقة، من (2) مات بعد التسعين من الهجرة، قال في التقريب: وهم من ذكره في الصحابة (أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد طائفي وواحد مكي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره) أي أمر عبد الرحمن (أن يردف عائشة) أي يركبها خلفه على ظهر البعير (فيعمرها من التنعيم) أي فيجعلها تعتمر من التنعيم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في المناسك في الكبرى اهـ تحفة الأشراف.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
2817 -
(1184)(104)(حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (جميعًا عن الليث بن سعد) المصري (قال قتيبة: حدثنا ليث) بصيغة السماع (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم (عن جابر رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أنه قال أقبلنا) من المدينة (مهلين) أي محرمين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد) عن العمرة (وأقبلت عائشة) محرمة (بعمرة) وليس معها هدي (حتى إذا كنا بسرف) بوزن علم؛ موضع قريب إلى التنعيم كما مر (عركت) بفتح العين والراء المهملتين من باب قعد يقال عركت تعرك عروكا إذا حاضت (حتى إذا قدمنا) مكة (طفنا بالكعبة و) سعينا بين (الصفا
فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ. قَال: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَال: "الْحِل كلُّهُ" فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ. وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ. وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا. وَلَيسَ بَينَنَا وَبَينَ عَرَفَةَ إِلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ. ثمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْويَةِ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها. فَوَجَدَهَا تَبْكِي. فَقَال: "مَا شَأْنُكِ؟ " قَالتْ: "شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ. وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ. وَلَمْ أَحْلِلْ. وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ. وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الآنَ. فَقَال: "إِنَّ هذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ،
ــ
والمروة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي) من إحرامه بالحلق أو التقصير (قال) جابر رضي الله عنه (فقلنا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (حل) خبر مقدم (ماذا) استفهام مركب في محل الرفع مبتدأ مؤخر أي هذا الحل الذي أمرتنا به أي حل هو أي هل هو حل من جميع المحرمات أم من بعضها، وقوله (قال الحل) خبر لمبتد! محذوف (كله) توكيد له أي هذا الحل الذي أمرتكم به الحل كله لا بعضه أي جميع ما يحرم على المحرم يحل لكم حتى النساء لأنكم فسختم الحج إلى العمرة، وقد فرغتم من جميع أعمالها فحصل لكم الحل كله لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد، قال جابر (فواقعنا) أي جامعنا (النساء وتطيبنا) أي استعملنا (بالطبب ولبسنا ثيابنا) المخيطة (وليس) أي والحال أنه ليس (بيننا وبين) يوم (عرفة) وهو التاسع من ذي الحجة (إلا أربع ليال) فاستمتعنا في تلك الليالي (ثم أهللنا) بالحج أي أحرمناه (يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (ثم) بعدما أحرم الناس بالحج (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي فقال) لها (ما شأنك) وحالك في بكائك، ما استفهامية خبر مقدم للزومها الصدارة، وشأنك مبتدأ مؤخر أي شأنك وسببك في بكائك ما هو أي لأي شيء تبكي (قالت) له صلى الله عليه وسلم (شأني) وسببي في بكائي (أني قد حضت) ومنعت من عمل العمرة (وقد حل النَّاس) غيري ممن لم يكن معه هدي من إحرام الحج بعمل عمرة (ولم أحلل) أنا أي لم أتحلل من عمرتي لعارض الحيض (ولم أطف بالبيت) ولا بين الصفا والمروة (والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال) لها (أن هذا) الدم (أمر) أي شيء كتبه الله) سبحانه وتعالى في سابق علمه وقدره (على بنات آدم) عليه السلام اللاتي منهن حواء لأنها خلقت
فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ" فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ. حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ قَال: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا" فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ، إِني أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ حَتَّى حَجَجْتُ. قَال: "فَاذْهَبْ بِهَا، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَأَعْمِرْهَا مِنَ التنْعِيمِ" وَذلِكَ لَيلَةَ الْحَصْبَةِ.
2818 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثنَا. وَقَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ
ــ
من ضلعه الأيسر (فاغتسلي) غسل الإحرام الذي الغرض منه النظافة لا الطهارة (ثم أهلي بالحج) قالت عائشة (ففعلت) ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاغتسال ثم الإحرام بالحج (ووقفت المواقف) مع الناس مواقف الحج كلها من عرفة ومزدلفة (حتى إذا طهرت) عائشة رضي الله تعالى عنها من حيضها أي انقطع منها وحصل لها النقاء نزلت إلى مكة و (طافت بالكعبة) طواف الإفاضة (و) سعت بين (الصفا والمروة ثم قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد حللت) أي تحللت (من حجك) الذي أدخلته على العمرة (وعمرتك) التي أقبلت بها من المدينة لاندراج عملها في عمل الحج أي تحللت منهما (جميعًا) ما بقي عليك شيء من أعمالهما (فقالت) عائشة (يا رسول الله إني أجد في نفسي) أي في قلبي شيئًا من نقصان نسكي (أني) أي لأني الم أطف بالبيت) طواف العمرة لعارض الحيض حين قدمنا مكة (حتى حججت) أي أدخلت عليها الحج (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخي عبد الرحمن بن أبي بكر إذًا (فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك) المذكور من المحاورة التي جرت بيني وبينه صلى الله عليه وسلم وأمره لعبد الرحمن كائن (ليلة الحصبة) أي في ليلة نزولهم في المحصب والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والنسائي كلاهما في المناسك اهـ تحفة الأشراف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
2818 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن حاتم حدثنا وقال عبد أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9)(أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج)
أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ تَبْكِي. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ إِلَى آخِرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ هذَا مِنْ حَدِيثِ اللَّيثِ.
2819 -
(00)(00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ) حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيثِ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا سهْلًا. إِذَا هَويَتِ الشَّيءَ
ــ
الأموي المكي، ثقة، من (6)(أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد حالة كون جابر (يقول دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وهي تبكي فذكر) ابن جريج (بمثل حديث الليث إلى آخره ولم يذكر) ابن جريج (ما قبل هذا) أي ما قبل قوله (وهي تبكي)(من حديث الليث) السابق.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال:
2819 -
(00)(00)(وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن مطر) بن طهمان الوراق السلمي البصري، صدوق، من (6)(عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بيان متابعة مطر لليث بن سعد (أن عائشة رضي الله تعالى عنها في حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع (أهلت بعمرة وساق) مطر (الحديث) السابق (بمعنى حديث الليث) بن سعد لا بلفظه (وزاد) مطر (في الحديث) لفظة (قال) جابر (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا سهلًا) أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفًا ميسرًا في الخلق، قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (إذا هويت) عائشة (الشيء) من أمور الدين أو الدنيا من هوى يهوى من باب رضي إذا أحب
تَابَعَهَا عَلَيهِ. فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، مِنَ التَّنْعِيمِ. قَال مَطَرٌ: قَال أَبُو الزُّبَيرِ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
لا من هوى يهوى من باب رمى إذا سقط (تابعها) أي تابع النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ووافقها (عليه) أي على ذلك الشيء المحبوب لها، قال النووي: معناه إذا هويت شيئًا لا نقص فيه في الدين مثل طلبها الاعتمار وغيره أجابها إليه، وفيه حسن معاشرة الأزواج، قال الله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} لا سيما فيما كان من باب الطاعة اهـ (فأرسلها) أي فأرسل عائشة (مع عبد الرحمن بن أبي بكر) إلى التنعيم لأنه أقرب الحل إلى مكة (فأهلت) أي أحرمت (بعمرة من التنعيم قال مطر) الوراق بالسند السابق (قال) لنا (أبو الزبير) المكي (فكانت عائشة) دائمًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في حياته، لعل المراد أنها كانت تعتمر من التنعيم دائمًا في كل الأعوام.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه أربعًا وعشرين متابعة، والثاني حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله أعلم.
***