المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌445 - (1) باب: جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم

- ‌446 - (2) باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة

- ‌447 - (3) باب: حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله

- ‌448 - (4) باب: النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام

- ‌449 - (5) باب: نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت

- ‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

- ‌451 - (7) باب: فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه، وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا

- ‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

- ‌453 - (9) باب: فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

- ‌454 - (10) باب: صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌455 - (11) باب: الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

- ‌أبواب الاعتكاف

- ‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

- ‌457 - (13) باب: للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد

- ‌458 - (14) باب: الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

- ‌461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها

- ‌462 - (18) باب: بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة

- ‌463 - (19) باب: استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه

- ‌464 - (20) باب: تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما

- ‌465 - (21) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌466 - (22) باب: جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى، ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها

- ‌467 - (23) باب: جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه

- ‌468 - (24) باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات؟ وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر

- ‌469 - (25) باب: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف

- ‌470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه

- ‌471 - (27) باب: يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد

الفصل: ‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

2584 -

(1118)(39) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه (قَال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ: رِوَايَةً. وَقَال عَمْرٌو: يَبْلغُ بِهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَال زُهَيرٌ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ"

ــ

450 -

(6) باب ما يقول الصائم إذا دُعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

2584 -

(1118)(39)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال أبو بكر بن أبي شيبة) في روايته عن أبي هريرة (رواية) عن النبي صلى الله عليه وسلم (وقال عمرو) الناقد في روايته عن أبي هريرة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أي يصله ويسنده إليه (وقال زهير) في روايته عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بيان لاختلافهم في كيفية رفع الحديث (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دعي) وطلب (أحدكم إلى) أكل (طعام) أو شرب شراب (وهو) أي والحال أنه (صائم فليقل إني صائم) أي ندبًا كما في المرقاة، اعتذارًا إلى الداعي فإن سمح ولم يطالبه بالحضور فله التخلف وإلا حضر وليس الصوم عذرًا في التخلف كما في النواوي، قال: ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل، ويكون الصوم عذرًا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل اهـ، وإنما أمر المدعو عند الاعتذار في التخلف بإخبار صومه مع أن المستحب إخفاء النوافل لئلا يؤدي ذلك إلى بغض في الداعي كما في المبارق، وعبارة النواوي فإذا اعتذر بذلك فإن سومح في التخلف سقط عنه الحضور، وإن لم يسامح لزمه لأن الصوم لا يمتنع معه الحضور ثم لا يلزمه الأكل لأن الصوم مانع إلا أن يشق على

ص: 110

2585 -

(1119)(40) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. رِوَايَةً. قَال: "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ. فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ

ــ

صاحب الطعام عدم أكله فيستحب له الأكل، ويشهد للزوم الحضور حديث مسلم في أبواب الوليمة إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليأكل وإن كان صائمًا فليصل، وفي رواية الطبراني عن ابن مسعود وإن كان صائمًا فليدع بالبركة، كذا في الجامع الصغير للسيوطي.

وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم وغيرهما إذا دعت إليه حاجة والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة، وفيه إشارة إلى حسن المعاشرة وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب وحسن الاعتذار عند سببه اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي.

ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

2585 -

(1119)(40)(حدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي (رواية) أي حالة كون أبي هريرة راويًا لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها، ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا -وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة- الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته، ويحتمل أن يكون ما هو أعم منها، وقوله يومًا مفعول صائمًا مقدم عليه والمعنى إذا كان أحدكم صائم يوم من الأيام فلا يرفث أي لا يتكلم الكلام الفاحش كسب الناس وشتمهم والغيبة والنميمة ومراودة النساء (ولا يجهل) أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل والبطالة كضرب الناس والمقاتلة والصياح والصخب في الأسواق ونحو ذلك، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل، قال القرطبي: لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (فإن امرؤ) من الناس (شاتمه) أي شتمه شخص

ص: 111

أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ".

2586 -

(1120)(41) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَال اللهُ عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيَامَ. هُوَ لِي

ــ

من أفراد الناس متعرضًا لمشاتمته (أو قاتله) أي أراد أن يقاتله أي أن يفعل به فعلًا يؤدي إلى القتل يعني إن تهيأ أحد لمشاتمته أو مقاتلته (فليقل) لذلك الشاتم أو القاتل أي فليقل له بلسانه (إني صائم) ليسمعه الشاتم فينزجر عن شتمه أو ليحدّث به نفسه ليمنعها من مجازاة الشاتم ولو جمع بين الأمرين لكان حسنًا، وتكرير (إني صائم) للتأكيد اهـ من المبارق، فإن أصر على قتاله دفعه بالأخف كالصائل والمراد من الحديث أنه لا يعامل بمثل عمله بل يقتصر على قوله إني صائم، ونقل الزركشي أن المراد بقوله فليقل إني صائم مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كفه لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كف خصمه عنه، وتعقب بأن القول حقيقة باللسان، وأجيب بأنه لا يمنع المجاز اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط اهـ تحفة الأشراف.

ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

2586 -

(1120)(41)(وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي المدني، ثقة، من (2) (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قال) أبو هريرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له) فيه حظ كالرياء والسمعة والعجب مما يحبطه (إلا الصيام) اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولًا وفعلًا (هو) أي صومه خالص (لي) لا يعلم ثوابه المترتب عليه غيري، قيل سبب إضافة الصوم إلى الله تعالى مع كون جميع الطاعات له لأنه لم يعبد به أحد غير الله تعالى، وقيل إن سببها أن الصوم بعيد عن الرياء بخلاف

ص: 112

وَأَنا أَجْزِي بِهِ. فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عنْدَ اللهِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"

ــ

غيره، وقيل هي إضافة تشريف كقوله تعالى ناقة الله (وأنا أجزي به) أي بالصوم، ولم يذكر ماذا يجزى لكثرته، وإنما قال أنا أجزي مع أن كل جزاء العبادات منه تعالى إشارة إلى عظم ذلك الجزاء لأن الكريم إذا تولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة الجزاء، وقيل خص الله تعالى الصوم لنفسه ليسلم من أن يأخذه الخصوم فإنهم إذا استوفوا أعمال المؤمن من عند الحساب ولم يبق له عمل أخرج له ديوان صومه فيجزى به على ذلك اهـ من المبارق (فو) الله؛ أي أقسمت بالإله (الذي نفس محمد) وروحه (بيده) المقدسة (لخلفة فم الصائم) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام، وفي النهاية بكسر الخاء، والمذكور في القاموس خلوف وخلوفة وهو تغير رائحة الفم، وبابه قعد، وفي رواية لخلوف بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء، قال القاضي عياض: هذه الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء، قال الخطابي: وهو خطأ، واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام اهـ فتح (أطيب عند الله) سبحانه وتعالى يوم القيامة كما في الرواية الآتية أو في الدنيا لحديث "فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله"(من ريح المسك) وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم علية على غيره لأن مقام العندية في الحضرة القدسية أعلى المقامات السنية، وإنما كان الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك لأن الصوم من أعمال السر التي بين الله تعالى وبين عبده ولا يطلع على صحته غيره تعالى فجعل الله رائحة صومه تنم عليه في المحشر بين الناس، وفي ذلك إثبات الكرامة والثناء الحسن له، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم في المحرم:"فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" وفي الشهيد: "يبعث وأوداجه تشخب دمًا تشهد له بالقتل في سبيل الله" ويُبعث الإنسان على ما عاش عليه، قال السمرقندي: يُبعث الزامر وتتعلق زمارته في يده فيلقيها فتعود إليه ولا تفارقه، ولما كان الصالْم يتغير فمه بسبب العبادة والنفوس تكره الرائحة الكريهة في الدنيا جعل الله تعالى رائحة فم الصائم عند الملائكة أطيب من ريح المسك في الدنيا وكذا في الدار الآخرة فمن عَبَدَ الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته ولذلك كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة كما ورد في حديث مرسل

ص: 113

2587 -

(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثنَا الْمُغِيرَةُ (وَهُوَ الْحِزَامِيُّ) عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ"

ــ

اهـ إرشاد الساري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 273]، والبخاري [1904]، والنسائي [4/ 162 - 163].

قال القرطبي: وقد أخذ الشافعي رحمه الله تعالى من هذا الحديث منع الصائم من السواك من بعد الزوال قال لأن ذلك الوقت مبدأ الخلوف، قال: والسواك يذهبه، وقد أجاز كافة العلماء للصائم أن يتسوك بسواك لا طعم له في أي أوقات النهار شاء، وقوله (أطيب عند الله من ريح المسك) لا يتوهم أن الله تعالى يستطيب الروائح ويستلذها كما يقع لنا من اللذة والاستطابة إذ ذاك من صفات افتقارنا واستكمال نقصنا وهو الغني بذاته الكامل بجلاله وتقدسه على أنا نقول: إن الله يدرك المدركات ويبصر المبصرات ويسمع المسموعات على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه مخلوقاته وإنما معنى هذه الأطيبيّة عند الله تعالى راجعة إلى أن الله تعالى يثيب على خلوف فم الصائم ثوابًا أكثر مما يثيب على استعمال روائح المسك، حيث ندب الشرع إلى استعماله فيها كالجمع والأعياد وغير ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في حق الملائكة فيستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

2587 -

(00)(00)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9)(وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قالا حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام (وهو) القرشي الأسدي (الحزامي) ثقة، من (7)(عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام جُنة) أي سترة ووقاية من النار ومانع من الرفث، ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم، قال القرطبي: هذه اللفظة التي هي الجيم والنون كيف دارت صورها بمعنى السترة كالجن والجنة والجنون والمجن؛ فمعناه أن الصوم سترة فيصح أن

ص: 114

2588 -

(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَال اللهُ عز وجل: كُلِّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ. فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ

ــ

يكون جُنة بحسب مشروعيته أي ينبغي للصائم أن يعريه مما يفسده ومما ينقص ثوابه كمناقضات الصيام ومعاصي اللسان، وإلى هذه الأمور وقعت الإشارة بقوله (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب) الحديث، ويصح أن يسمى جنة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس، وإليه الإشارة بقوله (ويذر شهوته وطعامه من أجلي) ويصح أن يكون جنة بحسب ثوابه، وإليه التصريح بقوله (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

2588 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) المكي (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبو محمد اليماني المكي (عن أبي صالح) ذكوان (الزيات) المدني (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة أبي صالح السمان لسعيد بن المسيب حالة كون أبي هريرة (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإِنه لي وأنا أجزي به) أي بعمله (والصيام جنة) بضم الجيم أي وقاية من الذنوب في الدنيا، ومن النار في الآخرة، زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد (جنة من النار) وللنسائي من حديث عائشة مثله، ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح (الصيام جنة) ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة، قال الحافظ: وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصوم، وقد حكي عن عائشة وبه قال الأوزاعي إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأفرط ابن حزم فقال: مبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت قولًا أو فعلًا لعموم قوله (فلا يرفث ولا يجهل) ولما

ص: 115

فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ. فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ. فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَللصَّائِم فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ

ــ

ورد في بعض الأحاديث: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"(فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث) أي لا يفحش في الكلام كالغيبة والنميمة والكذب (يومئذ) أي يوم إذْ كان صوم أحدكم (ولا يسخب) أي لا يصح هكذا هو هنا بالسين ويقال بالسين والصاد من السخب وهو الصياح (فإن سابه) أي شتمه (أحد أو قاتله) أي إن تهيأ أحد لمشاتمته أو مقاتلته، والمسابة والمقاتلة مما لا تكون إلا من اثنين غالبًا ولم تقع هنا إلا من أحدهما لكنه لما عرض أحدهما الآخر لذلك صدق اللفظ عليهما (فليقل) له بلسانه إني صائم ليكف خصمه عنه أو بقلبه ليكف هو عن خصمه، قال النواوي في المجموع: كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسنًا، واختلف فيما إذا سب الصائم أحدًا أو اغتابه هل يفسد صومه؟ فالجمهور على أن ذلك ليس بمفسد للصوم، وذهب الأوزاعي إلى أن ذلك مفطر مفسد وبه قال الحسن فيما أحسب (إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) أي لرائحة فمه المتغيرة، واللام ابتدائية مؤكدة (أطيب عند الله) تعالى (يوم القيامة) أي أكثر أجرًا عند الله يوم القيامة (من ريح) أي من رائحة (المسك) الذي تطيب به في الأوقات التي يندب التطيب به فيه كالجمع والأعياد ومجامع الخير كلها، وقيل هو كناية عن تقريب الله تعالى للصائم من رضوانه وعظيم نعمه لأن التقريب من لوازم ذي الرائحة الطيبة اهـ سنوسي، وقوله (يوم القيامة) يقتضي أن طيب رائحة الخلوف هو في الآخرة، وقد وقع خلاف بين ابن الصلاح والعز بن عبد السلام في أن طيب رائحة الخلوف هل هي في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط فذهب ابن الصلاح إلى الأول وابن عبد السلام إلى الثاني (وللصالم فرحتان) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر أي مرتان من الفرح عظيمتان إحداهما في الدنيا والأخرى في الآخرة كذا في مرقاة ملا علي (يفرحهما) أي. يفرح بهما فحذف الجار توسعًا كقوله تعالى {فَلْيَصُمْهُ} أي فيه (إذا أفطر فرح بفطره) لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا هو الفرح الطبيعي أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وفرح

ص: 116

وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ".

2589 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ

ــ

كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك (وإذا لقيَ ربه) في الآخرة (فرح بصومه) أي بجزائه وثوابه أو بلقاء ربه وعلى الاحتمالين فهو مسرور بقبوله.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

2589 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي سعيد (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة الأعمش لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن أبي صالح (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آم يضاعف) بالبناء للمفعول؛ أي يضاعف جزاؤه وثوابه عند الله تعالى والمراد بالعمل هنا الأعمال الصالحة لأن السيئة لا تضاعف، وقوله (الحسنة) أي جزاء الحسنة الواحدة (عشر أمثالها) مبتدأ وخبر، ولفظ المشكاة كما في الموطإ، ولباس البخاري بعشر أمثالها وهذا أقل المضاعفة وإلا فقد يزاد (إلى سبعمائة ضعف) فما فوقها، زاد ابن ماجه بعد قوله إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله، قال العلامة الزبيدي في شرح الإحياء: في الحديث فوائد؛ الأولى ظاهره يقتضي أن أقل التضعيف عشرة أمثال، وغايته سبعمائة ضعف، وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} فقيل المراد يضاعف هذا التضعيف وهو السبعمائة، وقيل المراد يضاعف فوق السبعمائة لمن يشاء، وقد ورد التضعيف بأكثر من السبعمائة في أعمال كثيرة في أخبار كثيرة أكثر ما جاء فيه ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما

ص: 117

قَال اللهُ عز وجل: إِلَّا الصَّوْمَ. فَّإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"

ــ

مرفوعًا: "من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة كل حسنة مثل حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: بكل حسنة مائة ألف حسنة" وقد أخرجه أيضًا الدارقطني في الأفراد والطبراني في الكبير والبيهقي، والجمع بينه وبين حديث أبي هريرة هذا أنه لم يرد بحديث أبي هريرة انتهاء التضعيف بدليل أن في بعض طرقه بعد قوله إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وفي أخرى إلى ما يشاء الله فهذه الزيادة تبين أن هذا التضعيف يزاد على السبعمائة، والزيادة من الثقة مقبولة على الصحيح. الثانية: قال القاضي أبو بكر بن العربي: قوله إلى سبعمائة ضعف يعني بظاهره الجهاد في سبيل الله ففيه ينتهي التضعيف إلى سبعمائة بنص القرآن، وقد جاء في الحديث الصحيح أن العمل الصالح في أيام العشر أحب إلى الله من الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع قال: فهذان عملان، قال العراقي في شرح الترمذي: وعمل ثالث روى أحمد في مسنده: "النفقة في الحج تضاعف كالنفقة في سبيل الله الدرهم سبعمائة ضعف" قال: وعمل رابع وهو كلمة حق عند سلطان جائر ففي الحديث أنه أفضل الجهاد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد، قال: وعمل خامس وهو ذكر الله فإنه قد ورد (إنه أفضل الجهاد) من حديث أبي الدرداء وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو ومعاذ، ثم ذكر هذه الأحاديث مفصلة فليراجع اهـ فتح الملهم (قال الله عز وجل إلا الصوم) قال البيضاوي: معناه إن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى ولذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره (فإنه لي وأنا أجزي به، يدع) الصائم ويترك (شهوته) أي جماعه وما اشتهته نفسه من محظورات الصوم، فيكون قوله (وطعامه) تخصيصًا بعد تعميم كما في المرقاة (من أجلي) أي لأجل طلب رضائي (للصائم فرحتان فرحة عند فطره) بزوال جوعه وعطشه (وفرحة) بجزائه وثوابه (عند لقاء ربه) يوم القيامة (ولخلوف فيه) أي ولرائحة فمه المتغيرة (أطيب عند الله) يوم القيامة (من ريح المسك) قال البيضاوي: والسبب في اختصاص

ص: 118

2595 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما. قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن اللهَ عز وجل يَقُولُ: إِن الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. إِنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَينِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ

ــ

الصوم بهذه المزية أمران؛ أحدهما أن سائر العبادات مما يطلع عليه العباد، والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصًا له ويعامله به طالبًا لرضاه وإلى ذلك الإشارة بقوله (فإنه لي) والآخر أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال واستعمال البدن، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان، وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات وإلى ذلك أشار بقوله يدع شهوته من أجلي اهـ، وقوله (يدع شهوته) المراد بها شهوة الجماع، ويحتمل أن تكون أعم، وفي رواية لأحمد (إنما يذر شهوته) إلى آخره، قال الحافظ: وقد يفهم من الإتيان بصيغة الحصر التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودًا وعدمًا، ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه اهـ فتح الملهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

2590 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم مولى بني ضبة أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، من (9)(عن أبي سنان) ضرار بن مرة الشيباني الكوفي، ثقة ثبت، من (6)(عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سنان للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي صالح (قالا) أي قال كل من أبي هريرة وأبي سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول إن الصوم) خالص (لي) أي لوجهي فلا يكون لغيري (وأنا أجزي به) لا يطلع على جزائه غيري (أن للصائم فرحتين) أي بشارتين (إذا أفطر فرح)

ص: 119

وَإِذَا لَقِيَ اللهَ فَرِحَ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".

2591 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَليُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ (وَهُوَ أَبُو سِنَانٍ) بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَقَال: "إِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزَاهُ، فَرِحَ".

2592 -

(1121)(42) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ

ــ

بزوال جوعه وعطشه (وإذا لقي الله) سبحانه وتعالى (فرح) بجزائه وثوابه (والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) أي لرائحة فمه المتغيرة (أطيب عند الله) تعالى (من ريح المسك).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال:

2591 -

(00)(00)(وحدثنيه إسحاق بن عمر بن سليط) -بفتح السين وكسر اللام بوزن أمير- (الهذلي) أبو يعقوب البصري، روى عن عبد العزيز بن مسلم في الوضوء، وحماد بن سلمة في الفضائل، وسليمان بن المغيرة في عذاب القبر وفي الزهد، ويروي عنه (م) وأبو زرعة وموسى بن هارون، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال ابن قانع: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة (229) تسع وعشرين ومائتين أو بعدها بسنة (حدثنا عبد العزيز يعني ابن مسلم) القسملي -بفتح القات وسكون المهملة وفتح الميم مخففًا- نسبة إلى محلة بالبصرة، وتسمى القساملة، أبو زيد المروزي، ثقة، من (7)(حدثنا ضرار بن مرة وهو ابن سنان) المذكور في السند السابق، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن مسلم لمحمد بن فضيل في رواية هذا الحديث عن أبي سنان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهم (قال) عبد العزيز (وقال) أبو سنان (إذا لقي الله فجزاه فرح) بجزائه بزيادة لفظة فجزاه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما فقال:

2592 -

(1121)(42)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي

ص: 120

(وَهُوَ الْقَطَوَانِيُّ) عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الريَّانُ. يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدَ غَيرُهُمْ. يُقَالُ: أَينَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ. فَإِذَا

ــ

مولاهم أبو الهيثم الكوفي (وهو القطواني) -بفتح القاف والطاء- نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قال) سهل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة بابا يقال له الريان) أي يسمى بهذا الاسم -بفتح الراء وتشديد التحتانية- على وزن فعلان من الري اسم علم على باب من أبواب الجنة، ووجه تسميته به إما لأنه بنفسه ريان لكثرة الأنهار الجارية إليه والأزهار والأثمار الطرية لديه أو لأن من وصل إليه يزول عنه عطش يوم القيامة ويدوم له الطراوة والنظافة في دار المقامة، قال الزركشي: الريان فعلان كثير الري نقيض العطش سمي به لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم واكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه، وقيل لأنه أشق من الجوع لا سيما في شدة الحر إذ كثيرًا ما يصبر على الجوع دون العطش، ثم قيل ليس المراد بهم المقتصرين على رمضان بل يلازمون النوافل من الصوم (يدخل منه الصائمون يوم القيامة) قال السندي: المراد بالصائمين من غلب عليهم الصوم من بين العبادات ولعل غير الصائمين لا يوفق للدخول من هذا الباب وإن دعي منه فمن يدعى من جميع الأبواب لا يوفق للدخول من هذا الباب إلا إذا كان من الصائمين فلا ينافي الحديث حديث الدعوة من جميع الأبواب والله تعالى أعلم.

قال ابن الملك: قوله (يدخل منه الصائمون) وهم الذين يكثرون الصوم بملازمة نوافله غير مقتصرين على فرضه لتنكسر أنفسهم وتقوى على التقوى وهم لما تحملوا تعب العطش في صيامهم خصوا بباب فيه الري والأمان من العطش قبل تمكنهم من الجنة اهـ.

(لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون) تكرمة لهم (فيدخلون منه فإذا

ص: 121

دَخَلَ آخِرُهُمْ. أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ"

ــ

دخل آخرهم) هكذا وقع في بعض الأصول (دخل آخرهم) وفي بعضها (فإذا دخل أولهم) قال القاضي وغيره: وهو وهم، والصواب فإذا دخل اخرهم (أغلق) ذلك الباب (فلم يدخل منه أحد) بعدهم، كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدًا، وفي هذا الحديث فضيلة الصيام، وكرامة الصائمين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1896]، والترمذي [765]، والنسائي [4/ 168]، وابن ماجه [1640].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والرابع حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثالث والله أعلم.

***

ص: 122