المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌445 - (1) باب: جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم

- ‌446 - (2) باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة

- ‌447 - (3) باب: حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله

- ‌448 - (4) باب: النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام

- ‌449 - (5) باب: نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت

- ‌450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

- ‌451 - (7) باب: فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه، وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا

- ‌452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

- ‌453 - (9) باب: فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

- ‌454 - (10) باب: صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌455 - (11) باب: الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

- ‌أبواب الاعتكاف

- ‌456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

- ‌457 - (13) باب: للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد

- ‌458 - (14) باب: الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة

- ‌كتاب الحج والعمرة

- ‌459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

- ‌461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها

- ‌462 - (18) باب: بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة

- ‌463 - (19) باب: استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه

- ‌464 - (20) باب: تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما

- ‌465 - (21) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

- ‌466 - (22) باب: جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى، ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها

- ‌467 - (23) باب: جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه

- ‌468 - (24) باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات؟ وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر

- ‌469 - (25) باب: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف

- ‌470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه

- ‌471 - (27) باب: يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد

الفصل: ‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

‌460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة

2685 -

(1153)(73) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الربِيعِ وَقُتَيبَةُ، جَمِيعًا

ــ

460 -

(16) باب المواقيت في الحج والعمرة

المكانية جمع ميقات مفعال من الوقت المحدد واستعير هنا للمكان اتساعًا، وقد لزم شرعًا تقديم الإحرام للآفاقي على وصوله إلى البيت تعظيمًا للبيت وإجلالًا كما تراه في الشاهد من ترجل الراكب القاصد إلى عظيم من الخلق إذا قرب من ساحته خضوعًا له فلذا لزم القاصد إلى بيت الله تعالى أن يحرم قبل الحلول بحضرته إجلالًا له، وإن الإحرام تشبه بالأموات وفي ضمن جعل نفسه كالميت سلب اختياره وإلقاء قياده متخليًا عن نفسه فارغًا عن اعتبارها شيئًا من الأشياء اهـ إرشاد الساري.

قال الشيخ الدهلوي: والحكمة في شرعية المواقيت أنه لما كان الإتيان إلى مكة شعثًا تفلًا تاركًا لغلو نفسه مطلوبًا وكان في تكليف الإنسان أن يحرم من بلده حرج ظاهر فإن منهم من يكون قطره على مسيرة شهر وشهرين فأكثر وجب أن يخص أمكنة معلومة حول مكة يحرمون منها ولا يؤخرون الإحرام بعدها، ولابد أن تكون تلك المواضع ظاهرة مشهورة لا تخفى على أحد وعليها مرور أهل الآفاق، فاستقرأ ذلك وحكم بهذه المواضع واختار لأهل المدينة أبعد المواقيت لأنها من مهبط الوحي ومأرز الإيمان ودار الهجرة وأول قرية آمنت بالله ورسوله فأهلها أحق بأن يبالغوا في إعلاء كلمة الله وأن يخصوا بزيادة طاعة الله تعالى فهي أقرب الأقطار التي آمنت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلصت إيمانها بخلاف جواثى والطائف ويمامة وغيرها فلا حرج عليها اهـ فتح الملهم.

ثم اعلم أن الميقات المكاني يختلف باختلاف الناس فإنهم ثلاثة أصناف؛ آفاقي، وحلي أي من كان داخل المواقيت، وحرمي، وذكر الفقهاء أحكام كل واحد من الأصناف الثلاثة مفصلة وسيأتي ذكر بعض منها في هذا الشرح إن شاء الله تعالى.

2685 -

(1153)(73)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وخلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10)(وأبو الربيع) سليمان بن داود الزهراني البصري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (جميعًا)

ص: 265

عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادِ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُس، عَنِ ابْنِ عَباسِ رضي الله عنهما. قَال: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، ذَا الْحُلَيفَةِ. وَلأَهْلِ الشَّامِ، الْجُحْفَةَ

ــ

أي كل من الأربعة رووا (عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عباس (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حدد وعيّن (لأهل المدينة) يثرب أي لسكانها ومن سلك طريقهم فمر على ميقاتهم (ذا الحليفة) بضم الحاء وفتح اللام مصغرًا مصغر الحلفة بالفتح على وزن قصبة اسم نبت ينبت في الماء معروف، يجمع على حلفاء، سميت باسم ذلك النبات، قال الحافظ: وذو الحليفة مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشر مراحل، وقال النواوي: بينها وبين المدينة ستة أميال اهـ وقيل سبعة، وقيل أربعة، وفي المهمات: الصواب المعروف بالمشاهدة أنها على ثلاثة أميال أو تزيد قليلًا اهـ، وقال في الفتح: وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها بئر علي اهـ وعلي هذا ليس بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال ملا علي: وهو ماء من مياه بني جشم، وقد اشتهر الآن بأبيار علي اهـ أي جعل ذلك الموضع ميقاتًا لإحرامهم (و) وقت (لأهل الشام) وهو من العريش إلى بالس، وقيل إلى الفرات قاله النواوي، ولمن سلك طريقهم (الجحفة) بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وفتح الفاء وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وسيأتي في حديث ابن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة، وقيل بوزن لطيفة، وسميت بالجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكتون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهو أخو عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت بالجحفة، قيل إنها قد ذهبت أعلامها ولم يبق إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي فلذا والله أعلم اختار الناس الإحرام احتياطًا من المكان المسمى برابض، وبعضهم يجعله بالغين لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب، وقال القرطبي: ولقد سألت جماعة ممن له خبرة من عربانها عنها فأروني أكمة بعدما دخلنا من رابغ إلى مكة

ص: 266

وَلأهلِ نَجْدٍ، قَرْنَ المَنَازِلِ. وَلأهلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ. قَال: "فَهُنَّ لَهُنَّ

ــ

على جهة اليمين على مقدار ميل من رابغ تقريبًا اهـ فتح الملهم (ولأهل نجد) أي نجد الحجاز أو اليمن ومن سلك طريقهم في السفر، قال الحافظ: أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا الأرض الأريضة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق، وقال في المختار: ونجد من بلاد العرب وهو خلاف الغور فالغور تهامة وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العرب فهو نجد (قرن المنازل) وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون، وضبط الجوهري بفتح الراء وغلطوه، وبالغ النواوي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وظنه أن أويسًا القرني منسوب إليه، والحال أنه منسوب إلى بني قرن بطن من مراد كما في القاموس وهو جبل مدور أملس مشرف على عرفات اهـ ملا علي، قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة (ولأهل اليمن) أراد به والله أعلم بعض أهل اليمن ممن يسكن تهامة فإن اليمن يشمل نجدًا وتهامة، وقوله فيما تقدم ولأهل نجد عام يشمل نجد الحجاز ونجد اليمن كذا في المواهب اللطيفة أي ولأهل اليمن إذا مروا بطريق تهامة ولمن سلك طريق سفرهم ومر على ميقاتهم (يلملم) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم موضع على مرحلتين من مكة تقريبًا بينهما ثلاثون ميلًا فإن مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم قرن المنازل، وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، ويقال فيه ألملم بالهمزة، ومعنى قوله (وقت) حدد وعين، وظاهره يدل على أن هذه الحدود لا يتعداها مريد الإحرام حتى يُحرِم عندها، وقد أجمع المسلمون على أن المواقيت مواضع معروفة في الجهات التي يدخل منها إلى مكة فهذه مواقيت الحج والعمرة للآفاقيين لم يختلف في شيء منها إلا في ذات عرق والجمهور على أنه ميقات لأهل العراق، وقد استحب الشافعي لأهل العراق أن يهلوا من العقيق معتمدًا في ذلك على ما رواه ابن عباس قال:(وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق) أخرجه أبو داود ولكن في سنده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف عندهم، وروي عن بعض السلف أنه الربذة اهـ من المفهم. ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهن) أي هذه المواقيت المذكورة من ذي الحليفة وما بعدها هي مواقيت (لهن) أي لهذه الأقطار المذكورة من المدينة وما بعدها أي مواقيت لأهلها فالكلام على حذف مضاف، وكان مقتضى الظاهر أن يقول لهم بضمير جماعة الذكور فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير الإناث لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن

ص: 267

وَلِمَنْ أَتَى عَلَيهِنَّ مِنْ غَيرِ أَهْلِهِنَّ. ممنْ أَرَادَ الْحَج وَالْعُمْرَةَ

ــ

ضمير بالقرينة لطلب التشاكل. وأجاب عنه غيره بأنه على حذف مضاف كما قلنا، في حلنا أي هن لأهلهن أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله في حديث آخر:"هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" فصرح بالأهل ثانيًا، وفي رواية للبخاري (هن لهم) وهو واضح (و) هذه المواقيت أيضًا مواقيت (لمن أتى) ومر (عليهن) أي على هذه المواقيت المذكورة من ذي الحليفة وما بعدها حالة كون ذلك المار عليهن (من غير أهلهن) أي من غير أهل هذه البلدان المذكورة من المدينة وما بعدها، ومقتضى الظاهر أن يقال من غيرهم ولكنه على حذف مضاف كما مر آنفًا، فلو مر الشامي أو المصري على ذي الحليفة كما يفعلون الآن لزمه الإحرام منها وليس له مجاوزتها إلى الجحفة التي هي ميقاته فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور خلافًا للمالكية والحنفية وابن المنذر من الشافعية فإنهم قالوا له: مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر وإن كان الأفضل خلافه، وأما استشكال ابن دقيق العيد قوله ولأهل الشام الجحفة فإنه شامل لمن مر من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) فإنه شامل للشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره فهما عمومان قد تعارضا، فأجاب عنه الولي بن العراقي بأن المراد باهل المدينة من سلك طريق سفرهم ومن مر على ميقاتهم وحينئذ فلا إشكال ولا تعارض اهـ قسطلاني، حالة كون أهل تلك البلدان وغيرهم ممن أتى عليهن (ممن أراد الحج والعمرة) معًا بأن يقرن بينهما أو الواو بمعنى أو، وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام اهـ قسط، قال في فتح الملهم: استدل بمفهومه على أن الإحرام يختص بمن أراد الحج والعمرة فمفهومه أن المتردد إلى مكة بغير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام، وقد اختلف العلماء في هذا فمذهب الزهري والحسن البصري والشافعي في قول ومالك في رواية وابن وهب وداود بن علي وأصحابه الظاهرية أنه لا بأس بدخول الحرم بغير إحرام، ومذهب عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه ومالك في رواية وهي قوله الصحيح والشافعي في المشهور عنه وأحمد وأبي ثور والحسن بن حي لا يصلح لأحد كان منزله من وراء الميقات إلى الأمصار أن يدخل مكة إلا بالإحرام فإن لم يفعل أساء ولا شيء عليه عند الشافعي وأبي ثور، وعند أبي حنيفة: عليه حجة أو عمرة، وقال أبو عمر: لا أعلم خلافًا بين فقهاء الأمصار في الحطابين، ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم

ص: 268

فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ. وَكَذَا فَكَذلِكَ. حَتى أهْلُ مَكةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا"

ــ

والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك لما عليهم فيه من المشقة، وزعم أبو عمر ابن عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب، قال علماؤنا رحمهم الله: وحرم تأخير الإحرام عن المواقيت لآفاقي قصد دخول مكة ولو لحاجة غير الحج كمجرد الرؤية والنزهة أو التجارة وألحق بالآفاقي في هذا الحكم الحرمي والحلي إذا خرجا إلى الميقات بخلاف ما إذا بقيا في مكانهما فلا يحرم اهـ منه (فمن كان دونهن) أي دون هذه المواقيت يعني من كان أقرب إلى مكة بأن كان بين الميقات ومكة (فمن أهله) أي فإحرامه من مسكن أهله ولا يلزمه الذهاب إلى الميقات راجعًا إلى ورائه، ولا يجوز له مجاوزة مسكنه بغير إحرام ذاهبًا إلى مكة ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أهل المواقيت نفسها، والجمهور على أن حكمهم حكم من كان دون المواقيت أي بين مكة والميقات خلافًا للطحاوي حيث جعل حكمهم حكم الآفاقي اهـ فتح (وكذا) أي وكهذا الأقرب المذكور من كان أقرب منه إلى مكة يحرم من مسكن أهله، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف (فكذلك) أي فكهذا الأقرب الثاني من كان أقرب منه إلى مكة يحرم من مسكن أهله، وفي بعض رواية البخاري (وكذاك وكذاك) مرتين أي وكذا من كان أقرب من هذا الأقرب اهـ قسط، وفي فتح الملهم: قوله (فكذا فكذلك) أي كذا الأدون فالأدون إلى آخر الحل اهـ (حتى أهل مكة) وغيرهم ممن كان بها (يهلون منها) برفع أهل على أن حتى ابتدائية، فأهل مبتدأ خبره يهلون، ومعناه يحرمون منها فلا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات لإحرام الحج منه بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين مكة والميقات فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات فيحرم منه، وهذا خاص بالحاج، وأما ميقات المكي للعمرة فالحل بالاتفاق لما سيأتي من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أوسلها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فتحرم منه بعمرة، والتنعيم في طرف الحل وهو أقرب نواحيه، قال المحب الطبري: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 249 و 252]، والبخاري [1526]، وأبو داود [1737]، والترمذي [831]، والنسائي [5/ 122].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 269

2686 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدمَ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيفَةِ. وَلأَهْلِ الشَّامِ، الْجُحْفَةَ. وَلأهْلِ نَجْدٍ، قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ. وَقَال: "هُنَّ لَهُمْ. وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيهِنَّ مِنْ غيرِهِن. مِمنْ أَرَادَ الْحَج وَالْعُمْرَةَ. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذلِكَ، فَمِنْ حَيثُ أَنْشَأ

ــ

2686 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9)(حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7)(حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني أبو محمد الحميري، ثقة، من (6)(عن أبيه) طاوس بن كيسان الحميري اليماني، ثقة، من (3)(عن) عبد الله (ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن طاوس لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن طاوس بن كيسان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت) أي حدد وعين (لـ) إحرام (أهل المدينة) ومن سلك طريقهم حجًّا كان أو عمرة (ذا الحليفة) أي موضعًا يسمى ذا الحليفة وهو على ثلاثة أميال من المدينة كما مر على الصحيح (و) عين (لأهل الشام) ومن سلك طريقهم (الجحفة) أي موضعًا يسمى الجحفة (ولأهل نجد قرن المنازل) بلفظ جمع المنزل، والمركب الإضافي هو اسم المكان ويقال له قرن أيضًا بلا إضافة كما تقدم (ولأهل اليمن يلملم وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هن) أي هذه المواقيت المذكورة (لهم) بضمير جمع الذكور وهو الظاهر أي لأهل المدن المذكورة أي مواقيت لهم (ولكل آت أتى) أي ولكل مار مر (عليهن) أي على هذه المواقيت حالة كون ذلك الآتي (من غيرهن) أي من غير أهلهن حالة كون أهلهن ومن أتى عليهن (ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك) أي دون ذلك المذكور من المواقيت المذكورة أي كان أقرب منها إلى مكة كمن كان بالبحرة أو بالجموم أو بعسفان أو بالشميسي مثلًا وحق العبارة أن يقال (فمن كان دونهن) ليطابق المرجع (فمن حيث أنشأ) السفر إلى مكة وابتدأه أي فميقاته من حيث قصد الذهاب إلى مكة وهو منشأ سفره إليها فمنه ينشئ إحرامه، قال السندي: أو من حيث أنشأ الإحرام قاله الحافظ، ويؤخذ من هذا المعنى

ص: 270

حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ، مِنْ مَكَّةَ".

2687 -

(1154)(74) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"يُهِلُّ أَهلُ الْمَدِينَةِ، مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَأَهْلُ الشامِ، مِنَ الْجُحْفَةِ. وَأَهْلُ نَجْدٍ، مِنْ قَرْنٍ". قَال عَبْدُ اللهِ: وَبَلَغَنِي أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "ويهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"

ــ

أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله فمن حيث أنشأ أي النسك (حتى أهل مكة) ينشئون الحج ويحرمونه (من مكة) ولا يخرجون للحج إلى ميقات من المواقيت المذكورة فيصح إحرامهم الحج من مكة نفسها ومن أي موضع كان من الحل أو الحرم، وأما عمرتهم فلا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم اهـ مفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

2687 -

(1154)(74)(وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع عن) عبد الله (بن عمر رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من رباعياته، وهو من سلسلة الذهب عندهم من بين الأسانيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل) أي يحرم النسك حجًّا كان أو عمرة (أهل المدينة) ومن سلك طريقهم (من ذي الحليفة و) يهل (أهل الشام) ومصر والمغرب (من الجحفة و) يهل (أهل نجد) الحجاز وكذا اليمن (من قرن، قال عبد الله) بن عمر بالسند السابق (وبلغني) من الناس ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن) أي أهل تهامة منهم (من يلملم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 9 - 11]، والبخاري [1522]، والنسائي [5/ 125].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 271

2688 -

(00)(00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أبِي عُمَرَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَيُهِلُّ أَهْلُ الشامِ مِنَ الْجُحْفَةِ. وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". قَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: وَذُكِرَ لِي (وَلَمْ أَسْمَعْ) أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "وَيُهِل أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".

2689 -

(00)(00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ رضي الله عنهم، عَن أَبِيهِ

ــ

2688 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (و) محمد (ابن أبي عمر) العدني المكي (قال ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (عن أبيه رضي الله عنه عبد الله بن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وذُكر لي) أخبر لي (و) الحال أني (لم أسمعـ) ـه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن) أي تهامته دون نجد ومن مر طريقهم (من يلملم) ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصحابي صحيح حجة، نعم خالف في ذلك الأُستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فذهب إلى أنه ليس بحجة، وقد ورد ميقات اليمن مرفوعًا من غير إرسال من حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما، ومن حديث جابر في مسلم إلا أنه قال أحسبه رفعه، ومن حديث عائشة عند النسائي، ومن حديث الحارث بن عمرو عند أبي داود والنسائي ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

2689 -

(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرني ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن

ص: 272

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مُهَلُّ أَهلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيفَةِ. وَمُهَلُّ أَهْلِ الشامِ مَهْيَعَةُ، وَهِيَ الْجُحْفَةُ. وَمُهَل أَهْل نَجْد قَرْن". قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَزَعَمُوا أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (وَلَمْ أَسْمَعْ ذلِكَ مِنْهُ) قَال: "وَمُهَل أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ".

2690 -

(15) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ

ــ

يزيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مهل أهل المدينة) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام اسم مكان من الإهلال أي موضع إهلالهم ومكان إحرامهم، وأصل الإهلال رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا، قال ابن الجوزي: ومن لا يعرف العربية يقول بفتح الميم، فقال أبو البقاء العكبري: هو بفتح الميم مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج وهو خطأ فاحش في المقيس والمقيس عليه اهـ (ذو الحليفة ومهل أهل الشام) وكذا مصر والمغرب كما مر (مهيعة) بوزن علقمة وهي مفعلة من الهيع بوزن البيع والمهيع في الأصل هو الطريق الواسع المنبسط كالتهيع بمعنى الانبساط وفسرها بقوله (وهي الجحفة) مدرج من بعض الرواة (ومهل أهل نجد) سواء كان من يمن أو من الحجاز (قرن) قال سالم (قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وزعموا) أي قالوا، والزعم هنا بمعنى القول المحقق قاله النواوي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (ولم أسمع) أنا (ذلك) المقول (منه) صلى الله عليه وسلم جملة معترضة بين اسم إن وخبرها وهو قوله (قال ومهل أهل اليمن) مبتدأ خبره (يلملم) والجملة الاسمية مقول قال، وقوله (ولم أسمع ذلك منه) صريح في نفي السماع فما في بعض روايات البخاري (لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل على نفي الفقه أي العلم بطريق السماع والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

2690 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من

ص: 273

(قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْمَدِينَةِ أنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَأَهْلَ الشَام، مِنَ الْجُحْفَةِ. وَأَهْلَ نَجْدٍ، مِنْ قَرْنٍ وَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَأُخبِرْتُ أَنَّهُ قَال: "ويهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"

ــ

(9)

(قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8)(عن عبد الله بن دينار) العدوي المدني، ثقة، من (4)(أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لسالم (قال) ابن عمر (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة) ومن سلك طريقهم (أن يهلوا) أي أن يحرموا النسك (من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأُخبرت) بالبناء للمجهول أي أخبرني بعض من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال ويهل أهل اليمن من يلملم) وقوله (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة) إلخ ظاهر الأمر الوجوب، وقد تقدم بلفظ يهل أهل المدينة وهو خبر بمعنى الأمر، والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أُريد تأكيده، وتأكيد الأمر للوجوب وسبق في بعض الطرق بلفظ وقت، وفائدة التوقيت المنع من تأخير الإحرام عنها لأنه يجوز التقديم عليها بالاتفاق، واختلف فيمن جاوز الميقات مريدًا للنسك فلم يحرم؟ فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب، وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب ومقابله قول سعيد بن جبير: لا يصح حجه وبه قال ابن حزم، وقال الجمهور: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، وقال أبو حنيفة: بشرط أن يعود ملبيًا، ومالك: بشرط أن لا يبعد، وقال أحمد: لا يسقط بشيء كذا في الفتح.

وأما التقديم فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز والأفضل التقديم عليها أي على المواقيت بخلاف تقديم الإحرام على أشهر الحج أجمعوا على أنه مكروه كذا في الينابيع وغيره فيجب حمل الأفضلية من دويرة أهله على ما إذا كان من داره إلى مكة دون أشهر الحج كما قيد به قاضي خان، وإنما كان التقديم على المواقيت أفضل لأنه أكثر تعظيمًا وأوفر مشقة والأجر على قدر المشقة ولذا كانوا يستحبون الإحرام بهما من

ص: 274

2691 -

(1155)(75) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ؟ فَقَال: سَمِعْتُ (ثُمَّ انْتَهَى فَقَال: أَرَاهُ يَعْنِي) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

ــ

الأماكن القاصية، ورُوي عن ابن عمر أنه أحرم من بيت المقدس، وعمران بن حصين من البصرة، وعن ابن عباس أنه أحرم من الشام، وابن مسعود من القادسية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من أهلَّ من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر له ما تقدم من ذنبه" ورواه أحمد وأبو داود بنحوه، ثم هذه الأفضلية مقيدة بما إذا كان يملك نفسه رُوي ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى كذا في فتح القدير اهـ فتح الملهم.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:

2691 -

(1155)(75)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، حالة كون جابر (يُسأل) بالبناء للمجهول (عن المهل) بضم الميم وفتح الهاء أي عن مكان إهلال الحج أو العمرة (فقال) جابر في جواب السائل (سمعتـ) ـه بالضمير كما في نسخة فتح الملهم أي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم (ثم انتهى) أبو الزبير أي توقف عن رفع الحديث (فقال) أبو الزبير (أراه) بضم الهمزة أي أُرى جابرًا وأظنه (يعني) ويقصد بضمير سمعته (النبي صلى الله عليه وسلم على نسخة الضمير أو أراد بقوله سمعت على نسخة إسقاط الضمير النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما هو في نسخة النواوي وأكثر المتون، قال النواوي: معنى هذا الكلام أن أبا الزبير قال: سمعت جابرًا يقول: سمعت، ثم انتهى أبو الزبير أي وقف عن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو الزبير: أُراه أي أُرى جابرًا وأظنه يعني ويقصد بقوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في الرواية الأخرى أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله أحسبه رفع يدل على أن الحديث ليس بمرفوع فلا يحتج به لأنه لم يجزم برفعه اهـ ولكنه لا يقدح في مسلم لأنه ذكره في الشواهد لا

ص: 275

وحدّثني مُحَمَدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ. قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ؟ فَقَال: سَمِعْتُ (أَحْسِبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الْجُحْفَةُ. وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ. وَمُهَل أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"

ــ

في الأصول، قال القسطلاني: وقول النواوي في شرح مسلم: إن هذا الحديث غير ثابت لعدم جزمه برفعه يُجاب عنه بأن قوله أحسبه معناه أظنه، والظن في باب الرواية ينزل منزلة اليقين وليس ذلك قادحًا في رفعه وأيضًا فلو لم يصرح برفعه لا يقينًا ولا ظنًّا فهو منزل منزلة المرفوع لأن هذا لا يقال من قبل الرأي وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها يقينًا باتفاق اهـ، وقوله (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي المعروف بالسمين (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (10) معطوف على قوله (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) ولو أتى هنا بحاء التحويل لكان أوضح وأوفق لاصطلاحاته رحمه الله تعالى (كلاهما) رويا (عن محمد بن بكر) البرساني البصري، صدوق، من (9)(قال عبد أخبرنا محمد أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يُسأل عن المهل) أي عن موضع إحرام النسك (فقال) جابر (سمعت) قال أبو الزبير (أحسبه) أي أحسب جابرًا وأظنه حين قال سمعت (رفع) الحديث (إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوقفه على نفسه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (مهل أهل المدينة) بضم الميم وفتح الهاء مصدر ميمي من أهل الرباعي أي إحرام أهل المدينة (من ذي الحليفة) إذا خرجوا من طريقها (والطريق الآخر) وهو طريق الساحل لأهل المدينة أي ومهل الذين خرجوا من الطريق الآخر لهم يعني غير طريق ذي الحليفة وهو طريق الساحل (الجحفة) وتسمى مهيعة بوزن علقمة، والآن ميقاتهم رابغ (ومهل أهل العراق) والمشرق أي إحرامهم (من ذات عرق) سُمي به لأن به عرقًا، والعرق بكسر العين وسكون الراء الجبل الصغير، وقيل العرق من الأرض السبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا اهـ قسط (ومهل أهل نجد) حجازًا كان أو يمنًا أي إحرامهم (من قرن ومهل أهل اليمن) يعني تهامته أي إحرامهم (من يلملم)

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وانفرد المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن سائر السبعة.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا والله أعلم.

***

ص: 277