الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب صفة الشاهد بالرائحة]
وبثبوت رائحته، أبو عمر: الحد بالرائحة، قول عمر وعثمان وابن مسعود، وهو قول مالك، وجمهور أهل الحجاز.
وذكر ابن قتيبة في كتاب الأشربة، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة: أن مالكاً انفرد بالحد بالرائحة، وأنه ليس له في ذلك سلف، وهذا جهل أو تجاهل ومكابرة.
قال ابن القُصَّار: صفة الشاهدين بالرائحة أن يكونا ممن خبرا شربها، إما في حال كفرهما أو شرباها في إسلامهما، وحدا ثم تابا حتى يكونا ممن يعرف الخمر بريحها.
قال الباجي: هذا معدوم.
وقيل: ولو لم تثبت إلا بشهادة من هذا صفته لبطلت الشهادة في الأغلب، وقد يكون ممن لم يشربها قط يعرف رائحتها بأن يخبر عنها المرة بعد المرة حتى يعرفها.
قُلتُ: في ثبوت العلم بالرائحة بالخير بعد والحق إداركها لمن لم يكن قط شربها برؤيته من شربها، ومن يسرقها من مكان إلى مكان وبرؤيته إياها مراقة على من اطلع عليه بها، وإدارك هذا عادة ضروري.
الباجي: وعدد من يشهد به إن كان الحاكم أمر بالاستنكاه، فقال ابن حبيب عن أَصْبَغ: يستحب أن يأمر شاهدين، فإن لم يكن إلا واحد وجب الحد، وإن لم يأمرهم الإمام لم يجز أقل من اثنين.
وروى ابن وَهْب: إن لم يكن مع الحكم إلا واحد رفعه إلى من هو فوقه، وقول أَصْبَغ عندي بناء على أن الحاكم يحكم بعلمه، فإذا أمر فكأنه مستنابه، وإن اختلف فيه الشهود فقال بعضهم: هي رائحة مسكر، وقال بعضهم هي رائحة غير مسكر، فقال ابن حبيب: إن اجتمع منهم اثنان على أنها رائحة مسكر حد، وإن شك الشهود في الرائحة، فإن كان من أهل السفه نكل، وإن كان من أهل العدل خلي سبيله، سمع ابن
القاسم في العتبيةَّ والموازيَّة.
قُلتُ: وللشيخ عن عبد الحق: ويختبر بقراءة السور التي لا شك في معرفته بها من السور القصار، فذلك مستحسن عند الإشكال، وإن لم يقرأ واختلط فقد شرب مسكرا ويحد.
وسمع أَصْبَغ ابن القاسم: إن شهد أحدهما أنه شرب خمراً، وآخر أنه شرب مسكراً حد، ولو شهد أنه قاء خمراً حد، وقاله عمر، والحد متعلق بما يقع به الفطر من جواز الشرب الفم إلى الحلق.
وقد حده ثمانون: في الموطأ استشار عمر بن الخطاب في الخمر يشربها الرجل فقال علي: نرى أن نجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى.
وفي كتاب السرقة منها: ولا يحد السكران حتى يصحو، زاد في سمَاع أبي زيد ابن القاسم: ولو خاف أن يأتيه شفاعة تبطل حده.
اللخمي: وكذا في الزنا والفرية، فإن أخطأ الإمام فحده في حال سكره، وهو طافح لم يجزه، وإن كان سكراً خفيفاً أجزأه، وإن كان طافحاً فأذهب ذلك عنه بعض الضرب حسب ما ضرب من وقت ذهب عنه، إلا أن يكون ضربه في الفرية برضى المفتري عليه فيجزئه.
قُلتُ: وقال عبد الحق عن بعض شُيُوخ القرويين: إن جهل الإمام وأقام الحد على السكران قبل صحوه مضى ذلك ولا يعاد؛ يريد: لأنه يجد ألم ذلك بعد صحوه.
وفيها: مع غيرها: ويتشطر بالرق مطلقاً ولو في بعضه.
وفي الرجم منها: وصفة الضرب في الزنا والشرب والفرية والتعزير ضرب واحد ضرب بين ضربين ليس بالمبرح ولا بالخفيف، ولم يحد مالك ضم الضارب يده إلى جنبه، ولا يجزئ الضرب في الحدود بقضيب، ولا شراك ولا درة ولكن السوط؛ وإنما كانت درة عمر للأدب، فإذا وقعت الحدود قرب السوط.
الباجي عن محمد: لا يتولى ضرب الحد قوي ولا ضعيف، ولكن وسط من
الرجال.
قال مالك: وكنت أسمع أنه يختار له العدل ويضرب على الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء، والمحدود قاعد لا يربط ولا يمد، وتخلى له يداه، ولأبي زيد عن ابن القاسم: إن ضرب على ظهره بالدرة أجزأه وما هو بالمبين، قال في العتبيَّة: ويجرد الرجل للضرب ويترك المرأة ما يستر جسدها ولا يقيها الضرب.
قُلتُ: زاد في المدَوَّنة: وبلغ مالكاً أن بعض الأئمة أقعد امرأة في قفة، فأعجبه ذلك.
وسمع أبو زيد ابن القاسم: في المرأة يكون عليها ثوبان في الحد قال: لا بأس بهما وتنزع ما سوى ذلك.
الشَّيخ عن ابن عبد الحَكم: أحب إليَّ أن يكون ضرب الحدود بين يدي القاضي لئلا يتعدى فيها، وتقدم تأخير الحد حيث يخاف على المحدود.
الشَّيخ عن ابن حبيب: ليس عليه مع الضرب سواه من خلاف ولا طواف إلا المدمن المعتاد المشهور بالفسق، فلا بأس أن يطاف به ويشهر، واستحب مالك أن يلزم السجن.
وفيها: وعصير العنب، ونقيع الزبيب، وجميع الأنبذة حلال ما لم يسكر، ولا أحد في قيام الأنبذة قدراً من توقيت وقت أو غليان، وكنت أسمع أن المطبوخ إذا ذهب ثلثاه لم يكره، ولا أرى ذلك ولكن إن طبخ حتى لا يسكر كثيره خل.
الباجي عن ابن حبيب: أنهى عن شرب العصير الذي عصر ف المعاصر التي تردد العصير فيها، وإن كان ساعة عصر لما يبقى في أسفلها وخوف أن يكون بقايا تفلها اختمر فيفسد العصير والخل؛ لأن قليل الخمر يخالط كثير العصير أو الخل، فيحرم كله.
قال الباجي: هذا في العصير؛ لأن الخمر لا يعود عصيراً فتنجسه الخمر، ولو خالط يسير الخمر الخل لم ينجسه؛ لأنه يستحيل خلاً طاهراً.
وقد قال: لا يستعمل ذلك الخل حتى يمضي مدة يقدر فيها أن أجزاء تلك الخمر تخللت.
أبو عمر: لا أعلم خلافاً بين الفقهاء في جواز شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثاه وهو قول عمر في الموطأ.
الباجي عن محمد: ليس ذهاب الثلثين من كل بلد ولا في كل عصير، فأما الموضع المعروف فلا بأس به، ولا أحد في طبخه ثلثين؛ وإنما أنظر إلى السكر.
قال أشهب: ولو نقص تسعة أعشاره.
وفيها: لا يجوز أن ينبذ تمر مع زبيب ولا بسر، أو زهو مع رطب، ولا حنطة مع شعير، أو شيء من ذلك مع تين أو عسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعاً أو الزهو والتمر جميعاً» .
الباجي: ظاهر النهي التحريم عبد الوهاب إذا لم يسكر، اختلف أصحابنا في تأويل منع مالك منه، فقال: قوم هو على التحرير، وقال: قوم على الكراهة.
اللخمي: اختلف في ترك الجمع في الانتباذ فيما نهى عنه، هل هو واجب يعاقب فاعله، وهو قول محمد: إن تعمد ذلك أدب أدباً موجعاً.
وقال عبد الوهاب وغيره: من فعله أساء، فإن لم يسكر جاز شربه، ولابن رُشْد في سمَاع الحدود من سمَاع أشهب.
وقيل: النهي في ذلك للتعبد لا لعلة، وهو ظاهر قول مالك في الموطأ.
وفيها: لا يعجبني أن ينبذ البسر المذنب الذي قد أرطب بعضه.
الباجي: المذنب كالبسر مع التمر.
قُلتُ: فظاهره التحريم لا الكراهة.
وفي جواز خلط الزبيب والتمر للخل وكراهته: سمَاع أشهب، ونقل ابن رُشْد رواية ابن عبد الحَكم، وفي كراهة النضوج من الخليطين لرأس المرأة روايتا ابن عبد الحَكم.
قال ابن رُشْد: في سمَاع أشهب وهما قائمان من هذا السمَاع لمن تأمله، ولا خلاف في كراهته من حيث كونه طعاماً إن نبذ كل واحد مما ذكرنا على حدة لم ينبغ أن يخلطا عند الشرب لما ورد من النهي عن ذلك.
الباجي: قال ابن حبيب: لا يجوز شرب الخليطين ينبذان ويخلطان عند الشرب كانا من جنس واحد مثل عنب وزبيب، أو من جنسين، نهى عنه مالك إلا الفقاع.
لابن حبيب عن أَصْبَغ: أنه استخف تحليته بالعسل، وشربه باللبن، وهذا يجب منعه؛ لأن كل واحد منهما مما ينبذ منفرداً؛ لأن الفقاع من القمح أو الشعير وكلاهما ينبذ منفرداً، والعسل ينبذ منفرداً، واختلف قول مالك في العسل يطرح فيه عجين أو جذبذة، فروى ابن القاسم كراهته وقال: وقد قال: لا بأس به وهو أحب إليَّ.
وفيها: جواز خلط النبيذ بالماء؛ لأنه لا نبيذ.
الباجي: ولابن القاسم في العتبيَّة: لا بأس بخلط اللبن بالعسل فلم يره انتباذاً؛ بل خلط مشروبين كشراب الورد والنيلوفر.
ابن زرقون: حكى اللخمي عن بعض الشُيُوخ: منع خلط الشرابين للمريض، وحكى ابن يونس عن بعضهم إجازته، ومنع مالك في المبسوط من شراب الفقاع، وأجازه ابن وَهْب وأشهب وسَحنون.
وفيها: إن خلط العسل بالنبيذ لم يصلح.
الصقلي: يريد نبيذ غير العسل.
وحمله اللخمي على نبيذ العسل قال: وعليه لا يلقى التمر في نبيذه، ولابن رُشْد في رسم الحدود من سمَاع أشهب: دردي النبيذ الذي لا يسكر جائز جعله في نبيذ غيره ليشتد به إذا كان أصلهما واحداً، وإذا كان النبيذ من تمر لم يجز أن يجعل فيه دردي نبيذ زبيب.
وفيها: لا ينتبذ في الدباء والمزفت، وفي ولا يكره غير ذلك من الفخار وغيره من الظروف، وأكره كل ظرف مزفت كان فخاراً أو زقاًّ أو غيره.
الباجي عن ابن حبيب: كره مالك الانتباذ في الدباء والمزفت، والتحليل أحب إلي
وبه أقول وعلى المنع، فمن فعله جاز شرب نبيذه ما لم يسكر، وهذا في المزفت غير الزقاق وأما الزقاق فروى أشهب إباحته فيها.
الباجي: الأظهر المنع في المزفت كله للنهي عنه، وروى أشهب إجازة نبيذ الجر ويحتمل أن يريد به العاري من الزفت والحنتم، روى ابن حبيب أنه رخص فيه، وروى عبد الوهاب تحريمه.
ابن حبيب: الحنتم الجر؛ وهو كل ما كان من فخار أبيض أو أخضر.
الباجي: إنما الحنتم ما طلي من الفخار المطلي بالزجاج، وهو يعجل الشدة، وأما الفخار الذي لم يطل فلا حكمه حكم الجر والنقير، روى ابن حبيب أنه أرخص فيه وروى غيره أنه كرهه.
الصقلي عن ابن حبيب: والنقير ما كان من عود.
ابن زرقون: في تخليل الخمر أربعة أقوال: روى ابن القاسم وابن وَهْب تحريمه جملة، وروى أشهب إباحته جملة، وكرهه ابن القاسم.
وقال سَحنون: إن كانت صنعت خمراً لم يجز، وإن تخمرت من غير قصد جاز تخليلها.
فعلى الأول في أكلها إن خللت ثلاثة أقوال لمالك؛ منها قولان مبنيان على القول في فساد المنهي عنه، وفرق سَحنون على أصله.
وموجب المعصية غير الموجبة حدا عقوبة فاعلها إن رفع للإمام في قذفها، وأما النكال والتعزيز فيه العفو والشفاعة، وإن بلغ الإمام.
وقد قال مالك: فيمن يجب عليه التعزير والنكال، وانتهى إلى الإمام إن كان من أهل العفاف والمروءة؛ وإنما هي طامرة منه تجافى عنه السلطان، وإن عرف بالأذى ضرب النكال.
الشَّيخ عن محمد: إنما ينبغي أن يشفع ويستر من تكون منه الزلة، وأما المعلن فأهل لأن يرفع ويزجر.
قيل لمالك: من له جار سوء يظهر ما لا ينبغي في الإسلام هل أدل عليه، قال: قدم
إليه وانهه، فإن لم ينته فدل عليه، وله عن ابن حبيب: مشى عمر رضي الله عنه بالليل فرأى ناراً في بيت فأتى إليها، فإذا بقوم يشربون وشيخ، فاقتحم عليهم، وقال: يا أعداء الله أمكن الله منكم، فقال الشَّيخ: ما نحن بأعظم منك ذنباً، تعديت ودخلت بغير إذن، والله يقول:{لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} الآية [النور: 27]، فاحتشم عمر وقال: ذروا هذه بهذه.
وسمع أشهب: من قال لرجل: يا كلب، فذلك يختلف أن يقال لذي الفضل والهيئة والشرف في الإسلام أو قاله لدنيء.
ابن رُشْد: إن كان معاً من ذوي الهيئة، عوقب القائل عقوبة خفيفة يهان به ولا يبلغ به السجن، وإن كانا من غير ذوي الهيئة عوقب القائل أشد من عقوبة الأول يبلغ به فيها السجن، وإن كان القائل من ذوي الهيئة والمقول له من غير ذوي الهيئة، عوقب بالتوبيخ ولا يبلغ به الإهانة ولا السجن، وإن كان القائل من غير ذوي الهيئة والمقول له من ذوي الهيئة، عوقب بالضرب.
وسمع عيسى: من قال لرجل: يا سارق ضرب خمسة عشر سوطاً ونحوها.
ابن رُشْد: تحديده بهذا ليس له أصل من الكتاب والسنة؛ وإنما هو اجتهاد، ويختلف باختلاف حال المقول والقائل حسبما تقدم.
ابن شاس: قال الأستاذ أبو بكر في أخبار الخلفاء: أنهم كانوا يعاقبون الرجل على قدره وقدر جنايته، منهم من يضرب، ومنهم من يحبس، ومنهم من يقام واقفاً على قدميه في تلك المحافل، ومهم من تنزع عمامته، ومنهم من يحل إزاره.
قُلتُ: ومما جرى بع عمل القضاة من أنواع التعزير؛ ضرب القفا مجرداً عن ساتره بالأكف.
وفي صحة الزيادة على الحد باجتهاد الإمام لعظم جرم الجاني ومنعها قولان للمشهور، وغيره لنقل الشَّيخ في ترجمة ضرب الحدود، ورواية مُطَرف: من أخذ سكراناً في الأسواق، وقد آذى الناس برمي أو سيف؛ أرى أن يزاد في عقوبته فيبلغ ضربه مع الحد نحو الخمسين والمائة والمائتين، ونقل غيره: لا يزاد على الحد، وروى
مسلم بسنده: لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله.
المازري: هذا خلاف مذهب مالك؛ لأنه يجيز في العقوبات فوق الحدود؛ لأن عمر ضرب من نقش على خاتمه مائة، وضرب صبيعاً أكثر من الحد، وتأول أصحابنا الحديث على قصره على زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر.
قال عياض: بظاهر هذا الحديث أخذ أشهب في بعض الروايات عنه، واختلف مذهب مالك وأصحابه في ذلك، فالمشهور عنه وعنهم ما تقدم، وعن مالك في التهمة والخمر والفاحشة خمسة وسبعون سوطاً لا يبلغ به الحد، ومال إليه أَصْبَغ، ونحوه لمحمد بن سلمة، قال: لا يبلغ ضرب السلطان في الأدب في الحد أبداً.
وقال أشهب: في مؤدب الصبيان لا يضرب أكثر من ثلاثة أسواط، فإن زاد اقتص منه.
وفي آخر سرقتها: من ادعى على رجل أنه سرقه، لم أحلفه له إلا أن يكون متهماً يوصف بذلك، فإنه يحلف ويهدد ويسجن، وإلا لم يعرض له، فإن كان من أهل الفضل وممن لا يشار إليه بهذا؛ أدب الذي ادعى ذلك.
قُلتُ: ظاهره أنه يؤدب مطلقاً، وإن لم يكن على وجه المشاتمة، وفي النوادر؛ إنما يؤدب المدعى عليه غير المتهم بالسرقة، إذا كان على وجه المشاتمة أما دعوى الظلامة فلا.
ابن شاس: والأب يؤدب ابنه الصغير دون الكبير ومعلمه بإذنه.
قُلتُ: لأن ترك تأديبه يكسبه فساداً، وفي حجها ليس لأبي الصبي، أو من هو في حجره أن يحجه وينفق عليه من ماله إلا أن يخاف من ضيعته بعده، وللسيد تأديب رقيقه؛ لأنه صلاح له.
في عتقها الأول قال مالك: ومن حلف بحرية أمة ليضربنها ضرباً، يجوز له منع من البيع والوطء حتى يفعل، وللحالف بالعتق ليضربن عبده أن يضربه إلا ضرباً لا يباح مثله، وللزوج تأديب زوجته في منعها حقه، ولذا قيل: تدميتها عليه لغو.
ابن شاس: لو كانت المرأة لا تترك النشوز إلا بضرب مخوف؛ لم يجز تعزيرها.
الشَّيخ في المجموعة: قال مالك: ومعلم الكتاب أو الصنعة إن ضرب صبياًّ ما يعلم أنه من الأدب فمات؛ فلا يضمن وإن جاوز به الأدب ضمن ما أصابه.
قُلتُ: في السرقة منها: وما بلغ من خطأ الإمام ثلث الدية، فعلى عاقلته مثل خطأ الطبيب والمعلم والخاتن، وأبي مالك أن يجبينا في خطأ الإمام بشيء.
ولابن رًشْد في رسم المجالس من سمَاع أَصْبَغ في كتاب الديات: دية من هلك عن فعل الطبيب خطأ على عاقلته اتفاقاً، وإن غر من نفسه، فقيل: في ماله، وهو ظاهر قول مالك في رسم كتب عليه ذكر حق من سمَاع ابن القاسم من كتاب السلطان، وقيل: على العاقلة، وهو قول عيسى بن دينار هناك، وظاهر قول أَصْبَغ هنا.
وفي آخر سمَاع سَحنون من الجنايات، وكتب لسَحنون: فيمن فقأ عين عبده أو عين امرأته فيقولان: فعل ذلك بنا عمداً، وقال السيد والزوج: بل أدبتهما فأخطأت، قال: القول قول العبد والمرأة؛ لأن العداء قد ظهر.
قُلتُ: ولم وقد أذن له في الأدب لعبده وامرأته، أرأيت الطبيب إذا قطع فجاوز وادعى عليه العمد، والطبيب قد ظهر فعله أنه ابتدأه بما يجوز له، والزوج والسيد لم يظهر لنا منهما غير العداء.
ثم قال: اكتب إليه أنه لا شيء على السيد، ولا على الزوج حتى يظهر العداء، والقول قولهما.
ابن رُشْد: ما تجاوز فيه الطبيب محمول على الخطأ حتى يعلم خلاف ذلك اتفاقاً، والأظهر في السيد حمل أمره في عبده على الخطأ، فلا يعتق عليه بذلك إلا أن يعلم أنه قصد التمثيل، ويباع عليه إن دعا إلى ذلك العبد، وأرى في الزوج أن لا يحمل أمره على الخطأ، فيلزم ذلك العاقلة، ولا على العمد فيقتص منه لها، ويجعل في ذلك كشبه العمد الذي يسقط فيه القصاص، وتكون فيه الدية على الجاني في ماله، وإن طلبت المرأة أن يفرق بينه وبينها وزعمت أنها تخافه على نفسها، طلقت عليه طلقة بائنة، ومضى هذا في رسم يشترى الدور من سمَاع يحيى من كتاب العتق.
قُلتُ: وقال عياض في أول كتاب الجراحات: واختلف متأخرو شُيُوخنا
الأندلسيين فيما كان على وجه الأدب أو فعل ما يباح له ممن يجوز له ذلك على الوجه الذي أبيح، وحيث أبيح كالحاكم، وضارب الحد، والمؤدب، والأب، والزوج، والخاتن، والطبيب هل يدخلها الاختلاف؟ هل هو على حكم الخطأ؟ أو على شبه العمد؟ وإلى هذا التخريج ذهب الباجي.
وقيل: إن كان إنما فعل من ذلك ما يجوز له، ولم يتعمد غلطاً، فهي كمسألة اللعب يدخلها ما فيها من الخلاف، وإليه ذهب شيخنا القاضي أبو الوليد.
الشَّيخ: قال مالك في المجموعة: وإن أمره عبد أن يختنه، أو يحجمه، أو يقطع عرقه ففعل؛ فهو ضامن ما أصاب العبد في ذلك إن فعله بغير إذن سيده، علم أنه عبد أو لم يعلم.
وفي حريم البئر منها: ومن أرسل في أرضه ناراً أو ماء، فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعته، فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها، فتحاملت النار بريح أو غيره فأحرقت؛ فلا شيء عليه، وإن لم يؤمن وصول ذلك لقربها؛ فهو ضامن وكذا الماء، وما قتلت النار من نفس فعلى عاقلة مرسلها.
وشبه بها ابن رُشْد سمَاع محمد بن خالد ابن القاسم: في رجل طبخ سكراً في قدر سترها عن الناس بقصب، وكان صبي خلف القصب نائماً لا علم للطابخ به ففارت القدر بما فيها، فأصاب الصبي ما خرج منها؛ لا شيء عليه.
الصقلي عن سَحنون: وما قتلت النار ينظر فيه على من يجوز له، ومن لا يجوز له.
قُلتُ: يريد سقوط الدية عن العاقلة الأول، وثبوتها على عاقلة الثاني.
قال: وقال أشهب: ولو كانوا لما خافوا على زروعهم قاموا لردها، فأحرقتهم فديتهم هدر لا على عاقلة، ولا على غيرها.
قال ابن عبد السلام: سئل ابن كنانة عمن أشعل ناراً في حائط رجل، فتعدوا النار غير ذلك الحائط فتحرقه من زرع أو حائط أو مسكن أو غيره، فقال: عليه غرم ما أشعل فيه من ذلك، فأما ما عدت النار فيه فأحرقته؛ فلا غرم عليه فيه.
قال: فقد يؤخذ من هذا الجواب خلاف في هذا الأصل، ويرد بأن عدم ضمانه في
مسألة ابن كنانة؛ إنما هو فيما لم يقصده المتعدي بالعداء، والضمان في مسألة الكتاب؛ إنما هو فيمن قصده بالتعدي حيث أوقد النار حين هبت الريح، ولا يلزم من عدم ضمان المتعدي فيما لم يقصده بالتعدي عدم ضمانه فيما قصد به، وجواب ابن كنانة هو مقتضى نقل اللخمي عن المذهب، خلاف مقتضى نقل أبي حفص عن المذهب.
وذلك أن في كتاب الدور من «المدَوَّنة» : وإن اشترط رب الدار على مكتريها أن لا يوقد فيها ناراً فأوقد المكتري فيها ناراً لخبزه فاحترقت الدار؛ ضمن.
قال اللخمي: إن احترقت هي وغيرها، ضمن الدار المكتراة فقط، إذا كان الوقيد على صفة، لو أذن رب الدار فيه لم يكن لمن يليه في ذلك مقال؛ لأن المتعدى عليه هو من حقه، وإن كان على صفة يكون لجاره منعه ضمن جميع ما أحرق.
وقال عبد الحق: قال بعض شُيُوخنا القرويين: إن احترقت دور جيرانه فهو ضامن؛ لأن سبب هذا فعل لا يجوز له، وإن كان مما يجوز له لولا الشرط الذي شرط عليه، كقوله: فيمن يحفر بئرا ًفي داره للسارق أنه يضمن ما سقط فيها من سارق وغيره؛ لأن فعله مما لا يجوز له.
ومثله نقل أبو حفص العطَّار، وهذا الأصل مباين لأصل مسألة حريم البئر فتأمله.
ابن شاس: ومن سقط ميزابه على رأس إنسان لم يضمنه، وكذا الظلة والعسكر.
قُلتُ: هو قولها مع غيرها، وما أشرع الرجل في طريق المسلمين من ميزاب أو ظلة أو حفر بئر أو سرباً للماء أو للريح في داره أو أرضه، أو حفر شيئاً مما يجوز له في داره أو في طريق المسلمين بئراً للمطر، أو مرحاضاً يحفره إلى جانب حائطه؛ فلا غرم عليه ما عطب في ذلك كله.
وفيها: والحائط المخوف إذا شهد على ربه، ثم عطب به أحد فربه ضامن.
وفيها: وإن لم يشهدوا عليه لم يضمن.
قُلتُ: فإذا لم يضمن في المائل لعدم الإشهاد، فأحرى في غير المائل.
الصقلي لمحمد عن أشهب: إن بلغ ما يجوز لربه تركه لشدة ميله والتغرير به،
فهو متعد ضامن لما أصيب به، وإن لم يشهد عليه، وكذا لو تقدم إليه السلطان في هدم حائط على حسن النظر للرعية، فهو ضامن، وأما نهي الناس وإشهادهم، فليس بلازم له، وحكي عن بعض فقهائنا القرويين: أنه ينظر إلى رب الحائط، فإن أنكر ما قيل من غرر الحائط فهاهنا يحتاج إلى التقدم إليه، وإن أقر بأن حائطه مخيف فهاهنا ينفع الإشهاد عليه دون الحكم.
ابن شاس: وأما إن مال فإن لم يتداركه مع الإمكان والإنذار والإشهاد، وجب الضمان فجعل الإمكان شرطاً، وهو صواب جار على القواعد، وقله: وإن بناه مائلاً ضمن مطلقاً وواضح لقولها، وما صنعه في طريق المسلمين مما لا يجوز له من حفر بئر أو رباط دابة ونحوه؛ ضمن ما أصيب.
وسمع عيسى ابن القاسم: في الثور العقور، والجمل الصؤول، والكلب العقور، أو شيء من العجماء إذا عرف بالعداء على الناس أمر ربه بذبحه، وتقدم إليه، وما عقر بعد التقدم إليه ضمنه في ماله، ولو بلغ الدية، ولو قتل رجلاً بعد التقدم إليه، ولم يشهد على قتله إلا شاهد واحد؛ حلف ورثة الميت مع شاهدهم واستحقوا الدية.
ابن رُشْد: قوله: إن عدا بعد التقدم إليه ضمن؛ يريد: ولو كان التقدم إليه بالجيران دون السلطان، وهو مثل ما في المدَوَّنة خلاف سماَع عبد الملك في كتاب السلطان: أنه لا يضمن إلا أن يتقدم إليه السلطان، وقيل يضمن وإن لم يتقدم إليه، ولم يشهد عليه.
قاله أشهب وسَحنون: في الحائط إذا بلغ مبلغاً يجب عليه هدمه فتركه، وهذا الاختلاف؛ إنما هو إذا اتخذه في موضع يجوز له اتخاذه فيه، وإن اتخذه حيث لا يجوز له اتخاذه؛ فلا اختلاف في ضمانه لما أصاب، وإن لم يتقدم إليه.
ومذهب أشهب في الكلب العقور، والجمل الصؤول؛ أنه لا ضمان على ربها بحال، وإن تقدم إليه، فهو قول رابع.
وقوله: لا يكون على العاقلة من ذلك شيء، خلاف سمَاع زونان: أن ذلك على العاقلة إن بلغ الثلث.
وقوله: يستحق ذلك باليمين مع الشاهد صحيح، على أنه لا يكون على العاقلة من
ذلك شيء، ولا يحلف على قياس قوله مع قول المعقور.
قُلتُ: كذا وجدته في نسختين من البيان، وفي فهمه نظر.
قال: وحكى ابن مزين عن أَصْبَغ: لا يثبت إلا بشاهدين، وأنكر رواية عيسى هذه، وعلى قياس قول ابن وَهْب: يستحق ذك بما يستحق به دم الخطأ من القسامة وغير ذلك.
ولعيسى عن ابن القاسم: أنه إن قتل رجل الجمل الصؤول بعد التقدم إلى ربه وذكر أنه أراده وصال عليه؛ فلا غرم عليه، ويقبل قوله في ذلك؛ يريد: مع يمينه بغير بينة إذا كان بموضع ليس يحضره الناس.
الصقلي في كتاب محمد وغيره: في الجمل إذا صال على الرجل فخافه على نفسه فقتله؛ فلا شيء عليه إن قامت له بينة أنه صال عليه، وإن لم تقم له بينة ضمن.
قُلتُ: مسألة عيسى بعد التقدم، وظاهر هذه أنه دون تقدم، قال ابن العربي: لا يقصد المصول عليه القتل؛ وإنما ينبغي أن يقصد الدفع، فإن أدى إلى القتل فذلك إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل؛ فجائز قصد قتله ابتداء، ولو قدر المصول عليه على الهروب من غير ضرر يلحقه؛ لم يجز له الدفع بالجراح، فإن لم يقدر فله دفعه بما يقدر.
قلت كقول ابن رُشْد وغيره: إذا تعارض ضرران ارتكب أخفهما.
قال ابن الحاجب: ولو عض يده فسل يده ضمن أسنانه على الأصح.
قُلتُ: عبر غير واحد على الضمان أنه المشهور.
وقال ابن بشير: في ضمانه قولان، وهذا أصل مختلف فيه في المذهب، وهو كل من أذن له إذن خاص في فعل ففعله فأدى إلى إتلاف، ففي رفع الإذن الضمان قولان، وفي صحيح مسلم أن يعلى بن منية قاتل رجلاً، فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيعض أحدكم كما يعض الفحل، لا دية له.
قال المازري: اختلف في المعضوض، إذا جبذ يده فسقطت أسنان العاض،
فالمشهور عندنا أنه ضامن.
وقال بعض أصحابنا: لا ضمان عليه.
قال بعض المحققين من شُيُوخنا: إنما ضمنه من ضمنه من أصحابنا؛ لأنه يمكن النزع بالرفق حتى لا تنقلع أسنان العاض، وحملوا الحديث على ذلك.
قُلتُ: وذكر ابن بشير قولين لا بقيد المشهور، قال: ومن هذا المعنى لو رمى إنسان من ينظر إليه في بيته فأصاب عينه، فاختلف فيه أصحابنا فأكثرهم على إثبات الضمان وأقلهم على نفيه لقوله صلى الله عليه وسلم:«لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن، فحذفته بحصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح» .
في الموطأ: دخلت ناقة للبراء بن عازب حائط رجل، فأفسدت فيه؛ فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمانه على أهلها.
أبو عمر: هو من مراسيل الثقات، وتلقاه أهل الحجاز وطائف من أهل العراق بالقبول.
الباجي: قال مالك والشافعي: ما أصابت الماشية بالنهار، فلا ضمان على أربابها، وما أصابته بالليل ضمنوه.
أبو عمر: وقال يحيى بن يحيى: من أصحابنا بقول الليث وعطاء يضمنون ما أفسدت بالليل والنهار.
الباجي: وسمع أشهب سواء كان محظراً عليه أو غير محظر.
قال عيسى عن ابن القاسم في المدنيَّة: وجميع الأشياء في ذلك سواء.
أبو عمر: إنما يسقط الضمان نهاراً عن أرباب الماشية إذا أطلقت دون راع، وإن كان معها راع فلم يمنعها ويقدر على دفعها؛ فهو كالقائد والراكب.
الباجي: المواضع عندي على ثلاثة أضرب:
ضرب: تتداخل فيه المزارع والمراعي، فهو الذي تقدم ذكره.
وضرب: تنفرد المزارع والحوائط ليس بمكان مسرح، هذا لا يجوز إرسال المواشي فيه وما أفسدت فيه ليلاً أو نهاراً، فعلى أربابها.
وقد قال أَصْبَغ في المدنيَّة: ليس لأهل المواشي أن يخرجوها إلى قرى الزرع بغير ذائد، وعليهم أن يذودوها عن الزرع، فإذا بلغوا المراعي سرحوها، فما ند منها إلى الزرع والجنات، فعلى أصحاب الزرع والجنات دفعه.
وضرب: جرت عادة الناس بإرسال مواشيهم فيه ليلاً ونهاراً، فأحدث فيه رجل زرعاً من غير إذن الإمام في الإحياء؛ فلا ضمان على أهل المواشي فيه ليلاً أو نهاراً، وإن كانت الدواب تكثر في الزرع فتفسده، فحفر رب الزرع حوله حفيراً لمكان الدواب، فوقع بعضها فيه فمات.
فروى أَصْبَغ عن مالك وابن القاسم: لا شيء عليهم، ولو لم ينذرهم، وانظر ما الفرق بينه وبين من يحفر للسارق زبية فيقع فيها.
قُلتُ: هو سمَاع أَصْبَغ ف يكتب الأقضية.
ابن رُشْد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما فعل ما يجوز له أن يفعله في أرضه تحصيناً على زرعه لا لإتلاف دواب الناس، ولو فعل ذلك لإتلافها ضمنها، على قوله في المدَوَّنة: فيمن يصنع بداره شيئاً ليتلف فيه السارق، ووقعت المسألة الأولى في رسم الأقضية لابن غانم في سمَاع أشهب.
قال ابن رُشْد: وإنما يسقط الضمان على رب المواشي إذا أخرجها عن جملة الزرع والحوائط بذائد إلى مرعاها، فشرد منها شيء ورجع إلى الزرع والحوائط، فأفسد دون تضييع ولا تفريط، ولو أهملها بين الزرع والحوائط دون راعٍ أو براع فضيع أو فرط، فهو ضامن أعني الراعي؛ لأنه المضيع لا رب الماشية إذ ليس عليه أكثر مما ضيع.
الباجي وغيره: والواجب في ضمانه قيمته، وإن كانت أكثر من قيمة الماشية رواه ابن القاسم.
قُلتُ: ومثله سمع ابن رُشْد؛ يريد: وليس له أن يسلم الماشية في قيمة ما أفسدت بخلاف العبد الجاني؛ لأن العبد هو الجاني، لأنه مكلف والماشية ليست هي الجانية إذ ليست بمخاطبة، وإنما الجاني ربها.
قُلتُ: وقال أبو عمر: قال يحيى بن يحيى: إنما على ربها الأقل من قيمتها أو قيمة ما أفسدت، وأظنه قاسه على العبد الجاني.
ابن رُشْد: وإن أفسدت الزرع وهو صغير، ففيه قيمته لو كان يحل بيعه على الرجاء والخوف، قاله في سمَاع عيسى، ولا اختلاف فيه إن كان لا يرجى عوده لهيئته، وإن رجي عوده إليها، فحكى ابن حبيب عن مُطَرف: أن القيمة تكون فيه، ولا يستأنى به أن ينبت كما صنع في الصغير.
وعلى قول سَحنون يستأنى لقوله: فيمن قطع شجرة رجل من فوق أصلها لا يقضى عليه الساعة وتنتظر الشجرة، فإن عادت لهيئتها أو لا؛ فلا شيء على القاطع، وإن عادت ولم تتم على حالها الأول؛ غرم ما نقص ولا يرجع عليه بأجر سقي ولا علاج.
قال مُطَرف: فإن عاد الزرع لهيئته بعد الحكم إن مضت القيمة لرب الزرع، وإن لم ترد، وهو الآتي على قول أشهب: فيمن ذهب عقله يقضى له به بعد الاستيناء، ثم عاد إليه عقله؛ أنه حكم مضى.
وقيل: ترد القيمة وهو الآتي على قولها في الذي يعود إليه بصره بعد أن قضي له بالدية أنه يردها.
قال مُطَرف: لو تأخر الحكم حتى عاد الزرع لهيئته؛ سقطت قيمته، ولم يكن على المفسد إلا الأدب إلا أن يكون ما افسد من ذلك يرعى وينتفع به؛ فتكون عليه قيمته ناجزاً على ما ينتفع به لا على الرجاء الخوف نبت أو لم ينبت، كان ذلك بعد الحكم أو بعده.
الباجي وابن رُشْد: ولو خرجت فوطئت رجلاً نائماً فقطعت رجله؛ فهو هدر قاله
عيسى عن ابن القاسم.
قُلتُ: وهو في سمَاع أشهب.
قال ابن الحاجب: وما أتلفته البهائم من الزرع نهاراً فلا ضمان؛ وفسر: إن استهمل بغير حافظ.
قُلتُ: كذا هو في غير نسخة إن استهمل بالإثبات.
قال ابن عبد السلام: أي وفسر قول مال: بما إذا كان الزرع مهملاً لا حافظ له كالحائط وشبهه، وليس هذا التفسير بالمتفق عليه.
قُلتُ: هو معنى قول أبي عمر المتقدم: إنما يسقط الضمان إذا أطلقت دون راع إلى آخر كلامه، وقول ابن الحاجب: إن استهمل محمول على المعنى في تذكير الضمير أي: استهمل المفسد.
ونقل ابن هارون لفظ ابن الحاجب على نفي الاستهمال فقال: وفسر إن لم يستهمل بغير حافظ.
ونقل ابن شاس: قال محمد بن حارث: هذا محمول على أن أهل الماشية لا يهملون مواشيهم بالنهار، وعلى أنهم يجعلون معها حافظاً وراعياً، وإن أهملوها فهم ضامنون.
قُلتُ: وهذا عكس ما تقدم لأبي عمر، وكلاهما لم يجعل راجعاً إلا للماشية لا للحوائط فاعلمه.