الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومقدمته الضرورية ذكرناها في اختصار الحوفية، فانظرها فيه.
[باب في الموصي]
الموصي: المالك الإعطاء التام ملكه فيها، وتجوز وصية المحجور عليه والسفيه والمصاب حال إفاقته، لا حال خبله.
وفيها: تجوز وصية ابن عشر سنين أو اقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية،
وذلك أن لا يون فيه اختلاط.
الباجي: وفي المدونة قال عيسى: روى ابن القاسم: تجوز وصية اليافع وهو ابن عشر سنين أو اثنى عشر سنة.
محمد عن أَصْبَغ: أجاز مالك وأصحابه وصية من يعقل ما يوصي، ابن سبعه سنسن أو شبهه، وقال أَصْبَغ: تجوز وصية الصغير إذا عقل ما يفعل.
اللخمي عن أَصْبَغ: تجوز وصيته إذا عقل الصلاة.
ولمالك في العتبية: إذا اثغر وأدب على الصلاة، والصبيان يختلف إدراكهم وتمييزهم، فمن علم تميزه جازت وصيته إذا أوصى فيما هو قربة لله تعالى، أو صلة رحم وإن جعلها لمن يستعين بها في منهى عنه ردت.
ولأشهب: إن جعل إنفاذ وصيته بذلك إلي غير الموصي؛ فذلك لوصيه، ولأشهب: من أوصى لبكر بمائة دينار ولا ولي لها فدفعها الورثة بغير أمر الإمام إليها؛ فقد برئوا. وارى أن كان لها وصي دفع ذلك إليه، إلا أن يعلم أن قصد الموصي دفعه إليها لتتسع فيه.
الباجي: أرى أن كان المولى عليه ثم مات؛ لم يلزمه ذلك، إلا أن يوصي به فيجوز في ثلثه رواه محمد عن أشهب عن مالك.
ابن كنانة: إن سمى ذلك يقضي من رأس ماله؛ لم يجز على وارثه، وإن أوصى به على وجه الوصية بدئ على الوصايا.
ابن زرقون لابن القاسم في الواضحة: إن لم يرد بيع المولى عليه حني مات؛ نفذ بيعه، فعليه يلزمه الدين بعد موته فتأمله. وقول ابن شاس: والكافر تنفذ وصيته إلا بنجس أو بخمر أو خنزير لمسلم واضح؛ لأنها عطية من ملك تام ملكه، وفي نكاحها الثالث: إذا قتل المرتد على ردته؛ بطلت وصاياه قبل الردة وبعدها.
ويجوز رجوع الموصي عن وصيته إجماعا فيها مع غيرها في صحة أو مرض.
قُلتُ: فلو التزم فيها عدم الرجوع في لزومها اختلاف بين متأخري فقهاء تونس.
وقال بعضهم وهو الشيخ أبو علي بن علوان: في لزومها بالتزامه عدم الرجوع،
ثالثها: إن كانت بعتق ولم يعزها.
قُلتُ: وفي التخيير والتمليك منها: إن قال: أنت طالق تطليقة ينوى بها لا رجعة لي عليك، فيها: من له الرجعة، وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته باطل، فيها: فعليه لا يلزمه التزام عدم الرجوع في الوصية، وتقدم في أول المدبر للتونسي ما يفهم منه اللزوم.
الباجي: لا خلاف في الرجوع عن الوصية بالقول أو الفعل.
ابن حارث: اتفقوا فيمن أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو وهبه أو اعتقه أن ذلك رجوع.
الشيخ لابن كنانة في المجموعة: من أوصى بجارية؛ فله وطؤها، ولا تنقض وصيته، إلا أن تحمل من سيدها.
قُلتُ: ومقتضى سماع أَصْبَغ: من وطيء جارية وأوصى بها لرجل ليس وطء رجوعاً، فإن وقفت حني مات خوف كونها حاملاً. قُلتُ: فجنايتها لسيدها.
ابن رُشْد: ولو تيقن أنها غير حامل فالجناية للموصى له، وهو معنى ما في وصاياها الثاني، وحملها ابن القاسم على الحمل على أصله في ذلك، وقيل: هي محموله على عدم الحمل حني يعلم، وهى رواية أشهب: فيمن وطيء امة اشتراها وظهر على عيب بها فردها فمات قبل أن تحيض ضمانها من بائعها.
وللصقلي عن ابن عبدوس: قيمتها للموصى له.
قال ابن شاس: والكتابة رجوع.
قُلتُ: لم أجده لأحد من أهل المذهب، ولم يذكره الشيخ في نوادره، إنما نص عليه الغزالي في الوجيز وأصول المذهب توافقه؛ لأن الكتابة أما بيع وإما عتق وكلاهما رجوع. وفي البيع الفاسد فوت هذا إن لم يعجز، فإن عجز فليست برجوع.
الشيخ لابن عبدوس عن ابن القاسم: من أوصى بعبد ثم رهنه أو آجره، أَصْبَغ: فليس برجوع، وقاله مالك.
وسمع أَصْبَغ ابن وَهْب: من أوصى بمزود جديدة، ثم لتها بسمن أو عسل؛ ليس برجوع، كما لو أوصى لرجل بعبد ثم علمه الكتابة؛ فليس برجوع، أَصْبَغ: ليس برجوع
ويكون شريكاً بقدر لتها، كالثوب يصبغه والبقعة يبينها.
قال ابن شاي: وتزويج الأمة والعبد والوطء مع العزل ليس برجوع.
قلت: لم أجد مسألة التزويج في نصوص مسائل مذهبنا، لم يذكره الشيخ في النوادر، وإنما نص عليه الغزالي في الوجيز، ولكن أصول المذهب تقتضيه؛ لأنه نقص في الموصى به، كالدار يهدمها، وشرطه في الوطء العزل خلاف ما تقدم من الإطلاق.
ولابن كنانة وسماع أصبغ: قال ابن رشد في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب في غير ما سماع وغير ما موضع: أن من عم في وصيته فقال: ثيابي، أو رقيقي، أو غنمي، لفلان أو للمساكين، فاستبدل بهم أو استفاد غيرهم؛ أ، وصيته تنفذ فيما ملك يوم موته، ولو كانوا غير الذي في ملكه يوم أوصى ولو عينهم، أو واحد منهم اختصت الوصية بهم، فالعبد والعروض والحيوان، إن تعين بالإشارة إليه اتفاقا، فلو قال: هذا العبد أو الزرع لم تنتقل الوصية لغيره، ولو قال: عبدي لفلان ولا عبد له غيره، أو درعي ولا درع له سواه، يخرج قصد الوصية على ذلك، على قولين من اختلافهم فيمن حلف لا يستخدم عبد فلان فاستخدمه بعد خروجه من ملكه بعتق أو غيره، هل يحنث أم لا؟
وفي النوادر روى الأشهب: من أوصى لأخيه بسيفه أو درعه، فهالك ثم أخلفه؛ فهو للموصى له. قال: ولو أوصى له بعبد فمات العبد فأخلفه بعبد بخلاف ذلك.
ابن رشد: فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: يتعين بذلك العبد والدرع.
الثاني: لا يتعين بذلك واحد منهما.
الثالث: يتعين العبد لا الدرع والسيف وشبهه.
واختلف هل يتعين العبد بالتسمية والصفة.
فسمع عيسى ابن القاسم: من قال: عبدي النوبي أو الصقلي فباعه، واشترى غيره نوبياً أو صقلياً؛ أن الوصية تختص بالأول.
وقال أشهب: لا تختص، قال: ولو قال: عبدي ميمون حر، ثم باعه واشترى عبداً
أسوداً سماه ميموناً وجب عتقه.
قلت: الأظهر في قوله ميمون، قصر الوصية عليه؛ لأن الأعلام مختصة بخلاف الصفات.
قال ابن الحاجب: فلو باع العبد الموصى به ثم اشتراه ففي رجوع الوصية قولان.
قلت: لا أعرف من نقل القول الثاني، وإنما نق الباجي والصقلي والنوادر القول الأول فقط.
الشيخ لابن القاسم في المجموعة: إن أوصى بزرع فحصده أو بثمر فجذه أو بصوف بجزء؛ فليس برجوع إلا أن يدرس الزرع ويكتاله، ويدخل بيته فهذا رجوع.
الباجي: بالدرس والتصفية انتقل اسمه الزرع إلى اسم القمح والشعير، فكان رجوعاً، وقوله: أدخله بيته تأكيد وكذا قوله: اكتاله.
ومن أوصى بثوب فصبغه أو غسله فقال ابن رشد: قيل: يكون فيه شريكاً للورثة بقيمة الصبغ من قيمة الثوب.
قلت: عزاه غير واحد لأصبغ.
ابن رشد: وقال ابن القاسم وأشهب: يكون له الثوب مصبوغاً.
قال أشهب: وكذا لو غسله أو كانت داراً فجصصها؛ لأنه لم يتغير الاسم عن حاله.
قال ابن الحاجب: ولو جصص الدار، وصبغ الثوب، ولت السمن، فللموصى له بزيادته، وقال أصبغ: الورثة شركاء بما زاد.
قلت: ظاهره: أن قول أصبغ في الصور المذكورة من التجصيص وغيره، ولا أعرف من ذكره عنه فيه، وظاهره: أنه جعل شركة الورثة بما زاد، وهو خلاف ما تقدم، وما نقله الصقلي والباجي والنوادر. ونص أصبغ في العتبية، ولابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم: إن أوصى في صحة دون سفر، فسواء قال: متى ما مت، أو إن مت، أو إذا مت، قال: ذلك بغير كتاب، أو بكتاب، أقره عنده أو وضعه عند غيره؛ ينفذ متى مات بكل حال، إلا أن يسترجع الكتاب بعد أن وضعه عند غيره فتبطل
بذلك وصيته.
وكذا إن أوصى في مرضه أو سفره، وقال: إن مت ولم يزد، وقال: من مرضي هذا أو سفري هذا، وقال: يخرج عني كذا وكذا، ولم يذكر الموت بحال، فإن أشهد بذلك في غير كتاب؛ لم تنفذ الوصية إلا أن يموت من ذلك المرض أو في ذلك السفر، وإن كتب بذلك كتاباً وضعه عند غيره؛ نفذت على كل حال متى مات، وإن مات من غير ذلك المرض أو من غير ذلك السفر، وإن لم يضع الكتاب عند غيره؛ فقال مالك مرة: تنفذ على كل حال متى مات، وقال مرة: لا تنفذ إلا أن يموت في ذلك المرض أو في ذلك السفر، فالأول، بناء على أن إبقاء الكتاب بيده بعد برئه وقدومه من سفره،
دليل على إلغائه التقييد بأحدهما. قال ابن أبي زيد: هذا إن شرط فيها إن مات من مرضه أو سفره، أو نحوه لابن القاسم في الموازية.
وقال ابن سلمون: إن قبضها ممن جعلها على يده بطلت، وإن لم يشترط فيها ذلك ولو تركها بيد من دفعها إليه، حتى مات وهي مبهمة؛ أنفذت.
وذكرها عياض فقال: وترجع فيها أبو عمران، وفيها: من قال: كتبت وصية ولو في مرضه أو عند سفره، وكتب فيها: متى حدث بي حدث، وأقرها عند نفسه أو أخرجها؛ فهي جائزة، مات قبل ذلك أو بعده، إذا شهدت عليها بينة، وإنما اختلف الناس في السفر والمرض.
عياض: إن شهد في المقيدة ولم يخرجها من يده حتى مات من غير مرضه ذلك أو في غير سفره ذلك. ففي المجموع لمالك، وفي العتبية لابن القاسم فيها: قولان: إنقاذها، وإبطالها حتى يجعلها بيد غيره، ويبقيها عنده والقولان في المدونة، والثاني: على اعتبار ظاهر لفظه، وكذا لو قال: في صحته دون سفره، إن مت في هذا العام، يخرج عني كذا أو كذا، هو كقوله إن مت من مرضي بعينه، أو سفر بعينه فمات من مرض آخر أو سفر آخر؛ جازت.
وإن مات في غير مرض ولا سفر؛ لم تجز فهو بعيد
قلت: وذكر عياض قولاً ثالثا في المسألة، وقال: رواه أشهب وابن القاسم وعلي وابن نافع وقاله أشهب. قال: والاستحسان غير القياس، وإن تنفذ وإن مات في غير مرض أو سفر.
وفيها: من كتب وصيته عند سفره، أو مرضه ووضعها على يدي رجل، ثم قبضها منه بعد برئه من مرضه، وقدومه وأقرها بيده حتى مات فشهدت عليه ببينة أنها هي الوصية؛ بطلت ولم تنفذ، وإنما تنفذ إن لم يقبضها منه حتى مات.
وسمع ابن القاسم؛ من هلك، ووجد في بيته وصيته، وشهد رجلان أنها كتابته بيده؛ لا تجوز وصيته' وعسى أن يكون غير عازم.
ابن رشد: إنما يتميز عزمه بالإشهاد، أو وضعها على يدي غيره، وكذا الطلاق والصدقة.
الصقلي في الموازية: إن أتى إلى الشهود، بوصيته فقرأها عليهم إلى آخرها؛ لم تنفذ إلا أن يقول اشهدوا علي بما فيها، وذكرها الشيخ أبو محمد في نوادره ولم يذكر فيها خلافاً.
الشيخ في المجموعة، ونحوه في الموازية لابن القاسم: لو أوصى بغزل فحاكه ثوبا أو برداء فقطعه قميصا؛ فهو رجوع، وقاله أشهب، وزاد: وبقضه فصاغها خاتما، أو بشاة فذبحها؛ فهو كله رجوع؛ لأنه لا يقع عليه الاسم الذي أوصى به. قال: وكذا بقطن ثم حشا به أو عزله.
وفي نوازل سحنون: من أوصى بدار فهدمها، أو بعرصة فبناها، فالوصية ثابتة والورثة شركاء مع الموصى له بالبناء.
قال سحنون: إن خرجت العرصة من اسمها نظير دار أخرجت من الوصية، وإن خرجت الدار من أن تكون دارا صارت عرصة فقد خرجت من البنيان.
ابن رشد: قول سحنون في العرصة يبينها: أن الوصية بها ثابتة، والورثة شركاء مع الموصى له، خلاف قوله في سماع أبي زيد: ففي البقعة يبينها، والدار يهدمها في بطلان الوصية بذلك قولان: بالبناء والهدم.
وعلى عدم بطلانها في بناء العرصة في كونها ببنائها نافذة للموصى له، أو يكون شركاء للورثة بالعرصة، وعلى عدم بطلان الدار بهدمها في كون نقضها للموصى له قولا ابن القاسم في المجموعة وغيره.
قلت: عزاه ابن زرقون لأشهب.
ابن رشد: وفي الثوب يوصي به ثم يقطعه، ثم يخيطه في بطلان الوصية به، ثالثها: إن قال: شقتي أو ملحقتي، ويصح إن قال ثوبي.
قلت: عزاه الباجي لابن القاسم. ابن رشد: وعلى الثاني يختلف هل يكون له الثوب مخيطاً أو يكون مع الورثة شريكا.
قلت ثالث: أقول العرصة والدار عزاه الباجي لأشهب، وقال: وهذا رجوع من أشهب في تعلقه بالأسماء.
وفيها: من أوصى بشيء معين لرجل، من دار، أو ثوب، أو عبد، ثم أوصى بذلك لرجل آخر؛ فهو بينهما.
وفيها: إن قال: العبد الذي أوصيت به لزيد هو وصية لعمرو؛ فذلك رجوع.
زاد الشيخ عن الموازية: إن يقبله الثاني فلا شيء للأول.
وفيها: إن أوصى بعتق عبد نفسه، ثم أوصى به لرجل ثم أوصى به للعتق، فالأخيرة تنقض الأولى إذ لا يشترك في العتق.
زاد الشيخ: وقاله أشهب في الوصايا الثالث، وقال في الثاني: إن أوصى به لرجل بعد أن أوصى بعتقه فالعتق أولى.
الصقلي ابن المواز عن أشهب: من أوصى بعبده لفلان، ثم أوصى أن يباع وقال: بيعوه من فلان وسمى ثمنا أو لم يسم ثمنا، لم يحط عنه شيء، فإن لم يقبله عاد ميراث.
ولو قال: عبدي لفلان وبيعوه من فلان، فليبع منه بثلثي ثمنه، ويعطى ذلك لفلان، فإن ترك موصى له بابتياعه شرائه والثلث الذي أوصى له به للورثة دون الموصى له به، وللموصى له بالعبد ثلثا ثمنه.
ابن القاسم: من أوصى بعبده لفلان، وفي وصية أخرى أن يباع من فلان غيره، ولا
مال له غيره؛ فثلثه بينهما أرباعاً، للموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه، وللموصى له بالبيع ربعه.
قال ابن عبدوس: وقاله أشهب.
قلت: هذا خلاف قول أشهب أولا: أن ذلك رجوع عن الوصية لفلان، ثم أوصى بيعه فتأمله.
قال: وقال سحنون: من أوصى أن تباع داره من فلان بمائة، وأوصى بعد ذلك أن تباع تلك الدار من آخر بخمسين، فإن حملها الثلث بيع نصفها من هذا بخمسين، ونصفها من هذا بخمسة وعشرين، وإن لم يحملها الثلث خير الورثة، إما أجازوا أو برؤوا لهم من ثلث الميت في الدار فيكون بينهما نصفين.
وفيها: من أوصى لرجل بشيء من صنف ذكر منه كيلا أو وزنا أو عددا من طعام، أو عرض، أو عين أو غيره وبعدد بغير عينه من رقيق، أو غنم، ثم أوصى له هذا ذلك الصنف بأكثر من تلك التسمية، أو أقل، فله أكثر الوصيتين كانت الأولى أو الأخرى.
ومثله سمع يحيى ابن القاسم: ابن رشد: هذا نص قول ابن القاسم، وروايته في المدونة وغيرها، وسواء كانت في كتاب واحد أو كتابين.
وقال مطرف: إن كانت الأولى أقل فله الثانية، وإلا فله الوصيتان معا كانت في كتاب أو كتابين، وقال ابن الماجشون كابن القاسم: إن كانتا في كتابين، وكقول مطرف: إن كانتا في كتاب واحد قال: وهذا إن كان بين الوصيتين، كقوله: لزيد عشرة، ولزيد عشرون، فتكون له العشرة، والعشرون، وكذا على مذهبه: لو قال لزيد عشرون، ولزيد عشرة، بغير واو لم يكن إلا عشرة؛ قال ذلك تأويلا على مات، رواه عن مالك: من أن له الوصيتين إن كانت الأولى أكثر، والثانية وحدها إن كانت الأولى أقل، إذا لم يسمعا منه تفرقة بين أن تكون الوصيتان في كتابين أو كتاب واحد، ولا مساواة بين ذلك.
الباجي: روي عن يحيى عن ابن القاسم: من أوصى لرجل بعشرة دنانير، ثم أوصى له بعشرة دنانير؛ فله العددان.
ولما ذكر الباجي نحو ما تقدم. قال: وعلى هذا تجري الوصيتان في الذهب والفضة، والعروض والحيوان، والدور والثياب وغير ذلك، ما لم يكن في معين، قاله أشهب، ورواه ابن القاسم وروى ابن حبيب عن الأخوين: أن ذلك في المكيل والموزون، وأما العروض فله الوصيتان، تفاضل ذلك، أو تساوى كانا في كتاب أو كتابين.
ابن زرقون: ولابن الماجشون في ديوانه: إن أوصى له بعرضين مختلفين، فإن كانا في وصية واحدة؛ كانا له، وإن كانا في وصيتين؛ فله الأكثر من قيمتهما.
وما ذكره الباجي وابن زرقون، ذكره ابن رشد، فقال هو والباجي واللفظ للباجي: لا خلاف أن الدراهم من سكة واحدة متماثلة، وكذا الأفراس والإبل والعبيد، وأما الدنانير والدراهم، فقال ابن حبيب: روى ابن الماجشون: أنهما متماثلان صنف واحد؛ يريد: في زكاة يعتبر الأقل والأكثر.
وقال ابن القاسم وأصبغ: هما غير متماثلين.
ابن رشد: والقولان قائمان من المدونة.
محمد: وكذا القمح والشعير، والدراهم والسبائك من الفضة، ولو أوصى له بعددين متساويين كمن أوصى له بعشرة دنانير، ثم أوصى له بعشرة دنانير، فليحيى عن ابن القاسم له العددان معا، وعليه مذهب مالك وأصحابه.
وفي معونة عبد الوهاب: له أحدهما، لجواز كون الثانية تكرارا وهذا بنحو القول.
أشهب: فيمن أوصى لرجل بثلثه ثم أوصى له بثلثه. ابن زرقون: انظر قوله: هذا قول مالك وأصحابه.
ففي الموازية: روى ابن القاسم: أن له أحدهما كقول عبد الوهاب.
الباجي: يحاص بالثلث، ثم أوصى له بعبد ودنانير، فقال أشهب: يحاص بالثلث بعدة دنانير أو قيمة العبد.
وقال ابن القاسم وسحنون: معناه: أن ماله عين كله.
وسمع أصبغ ابن القاسم: يضرب له بأكثر الوصيتين من العدد والثلث، أصبغ:
وفيها شيء، ولها تفسير، وقول سحنون معناه: أن ماله عين كله؛ فيكون الثلث من جنس عدد الدنانير، فعلى قوله: يقضى له بأكثرهما، يحمل على أن الوصية عين كله،
ويحمل قوله: أنه يجمع له الوصيتان على أن الوصية عين وعرض.
ابن زرقون: وإلى ذلك أشار أصبغ بقوله: ولها تفسير فيتحصل فيها ثلاث أقوال:
أحدها: يحاص بالأكثر كان ماله عينا، أو عرضا، أوصى له بعين أو عرض، وهو ظاهر مذهب ابن القاسم.
الثاني: يحاص بهما من غير تفضيل، وهو قول أشهب.
الثالث، إن كان ماله كله عينا وأوصى له بعين؛ ضرب له بالأكثر، وإن كان ماله عرضا، وأوصى له بعرض، ضرب لهما، وهو قول سحنون وأصبغ.
ولو أوصى له بثلث، ثم أوصى له بثلث آخر؛ يحاص بثلث واحد، وعلى مذهب ابن القاسم وأكثر أصحابنا: يحاص بالثلثين.
كمن أوصى بعدد، ثم أوصى بثلث، إلا أن يريد: أن كونه ممنوعا من الزيادة على الثلث يقتضي حمل الوصية الثانية على أنها هي الأولى.
وفيها: من أوصى بثلث ماله، وبربع ماله، وأوصى بشيء بعينه لقوم نظر إلى قيمة هذه المعينات، وإلى ما أوصى به من الثلث والربع، فيضربون في ثلث الميت بمبلغ وصاياهم، فما صار لأصحاب الأعيان أخذه في ذلك، وما صار للآخرين كانوا به شركاء مع الورثة. فإن هلكت الأعيان؛ بطلت الوصايا فيها، وكان ثلث ما بقي بين أصحاب الثلث والربع يتحاصون فيه.
ومن أوصى لرجل بعبده وللآخر بسدس ماله، والعبد هو الثلث؛ فالموصى له بالعبد ثلثا الثلث في العبد، والآخر شريك للورثة بخمس بقية التركة، وقاله عن ابن زياد ورواه عن مالك وعليه قول ابن القاسم.
عياض: إنما نبه لهذا سحنون تنبيها لما تقدم من خلاف عن ابن القاسم في ذلك في العتبية والموازية: إن للموصى له سدس ما صار من العبد للموصى له بالعبد؛ لأنه لما قال سدس مالي لفلان، وقد أوجب له سدس العبد.
الشيخ: روى علي في المجموعة، من أوصى لرجل بعبد، ولآخر بثلث ماله فليعاولا، فإن كان الثلث مثل قيمة العبد فالثلث بينهما شطرين، يأخذ هذا في العبد نصفه، والآخر شريكا للورثة بالخمس.
أشهب: إذا كان العبد السدس وأوصى لآخر بالسدس، فالعبد كله للموصى له، والآخر شريك للورثة بالخمس، ومن قال: يكون له سدس خمسة أسداس، ويكون سدس العبد بينه وبين الآخر فقد أخطأ، إنما يؤخذ في الوصايا بما يرى أن الميت أراده.
قال أبو محمد: يريد: قولا لابن القاسم.
قال سحنون: فلا يدخل الموصى له بالثلث على أصل التسمية، ولا يكون رجوعا عن العبد.
قال أشهب: فإن كان العبد هو الثلث، وأوصى بالسدس؛ فللموصى له بالعبد ثلثا الثلث في العبد، والآخر شريك للورثة بالسبع فيما بقى من العبد وغيره.
ولو كان العبد السدس، وقد أوصى بالثلث؛ فلكل واحد ثلثا وصيته على هذا التفسير.
قال سحنون: فإن أجاز الورثة؛ فالعبد للموصى لهبه والثلث كاملا للموصى له.
وسمع يحيى ابن القاسم: إن أجازوا فليس عليهم تسليم العبد مع جميع الثلث؛ بل العبد وثلث ما بقى، فيقسم ثلث العبد بينهما، فيأخذ الموصى له بالثلث سدس العبد، وثلث ما بقى سوى العبد، ويأخذ الآخر بقية، العبد وهو الذي أنكر سحنون ومحمد.
وفيها: من أوصى لحمل امرأة، فأسقطت بعد موت الموصي؛ فلا شيء له إلا أن يستهل صارخا.
وفي عتقها الثاني: من قال: أول بطن تضعينه فهو حر، فوضعت توأمين فهما حران. وفيها أيضاً: من قال: ثلث مالي لولدي فلان، وقد علم أنه لا ولد له؛ جاز وينتظر أيولد له أم لا؟ ويساوى فيه بين الذكر والأنثى.
وفيها: من أوصى بمال لعبد أجنبي فلسيده انتزاعه.
اللخمي: القياس أن لا ينتزع؛ لأن القصد بالوصية انتفاع العبد، ولو لم يرد ذلك لأوصى به لسيده.
قلت: حكم مالك السيد تسلطه على انتزاع ما ثبت ملك عبده إياه، فليس لأجنبي إبطال حقه في ذلك.
وفيها: لا تجوز وصية الرجل عبد وارثه إلا بالتافه، كالثوب ونحوه مما يريد به ناحية العبد، لا نفع سيده، كعبد كان خدمه ونحوه.
الشيخ في الموازية عن ابن القاسم وأشهب: كالثوب والدينار.
وإن أوصى له بالشيء الكثير، وعلى العبد دين يستغرقه، أو يبقى منه ما لا يتهم فيه؛ فذلك جائز.
التونسي: وفيه نظر؛ لأن زوال الدين عن عبده يزيد في ثمنه، فينتفع الوارث بذلك، إلا أن يكون بقاء الدين عليه، وهو مأذون له تاجر لا ينقص من ثمنه كثيرا، وزواله لا يزيد في ثمنه فيصح الجواب.
الشيخ: لأشهب في المجموعة: وتجوز لمكاتب وارثه بالتافه لا بالكثير، إلا أن يكون المكاتب مليا يقدر أن يؤدي؛ فذلك جائز.
اللخمي عن أشهب: إن لم يقدر على الأداء إلا بالوصية، والأداء أفضل لسيده؛ لم تجز، وإن كان العجز أفضل؛ جازت، وأرى أن تجوز مطلقا؛ لأن القصد بها خروج المكاتب من الرق.
واختلف فيمن زوج ابنته في مرضه وضمن مهرها قيل: الضمان جائز وهي وصية للزوج، وإن صارت المنفعة للابنة، وقيل: لا تجوز والأول أحسن.
وفيها: إن أوصى لعبد ابنه ولا وارث له غيره؛ جاز، وليس للوارث انتزاعه ويباع بما له، ولمن اشتراه انتزاعه.
اللخمي: وقال أشهب: يقر ذلك بيد العبد حتى ينتفع به، ويطول زمانه ولا ينتزعوه، وإن باعوه قبل طول زمانه.
واستحسنت في الكثير ما ذكرت لك؛ لأن القياس، إما أن ينتزعوه مكانه أو لا ينتزعوه أبدا، وأن ينتزعوه بحال أحسن، وكذا أرى في المشتري أن لا ينتزعه؛ لأن
بيعه على أن لا ينتزعه كانتزاع الوارث، فقد يكون ثمنه خمسون دينارا، أو في يده خمسون، فإن بيع بماله على أن ينتزعه كان ثمنه مائة أو ما يقاربها، فكان البائع هو المنتزع إذا سلطه على ذلك، وأخذ له ثمنا، ولو بيع على أنه في يده كالحبس لم يزد في ثمنه كبير شيء.
وفيها: قال مالك: من أوصى لعبده بثلث ماله، وقيمة الثلث؛ عتق جميعه، وما فضل من الثلث كان للعبد، وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمله، ابن القاسم: إن لم يجمله، وللعبد مال استتم منه عتق نفسه.
وروى ابن وهب: إن أوصى له بثلث ماله، أو سدسه، جعل ذلك في رقبة العبد، فإن كانت قيمته السدس؛ خرج حرا.
قال مالك: وإن لم يترك غير العبد، وأوصى له بثلث ماله وبيد العبد؛ يعتق منه.
قلت: وثالثها للصقلي وغيره عن المغيرة: لا يعتق إلا ثلثه فقط؛ لأن ما ملك من ثلث نفسه لا يملك رده، فهو كمن ورث بعض من يعتق عليه، فإنه لا يقوم عليه.
قلت: ففي عتقه فيما يجب له من الثلث، فإن قصر عن قيمته؛ استتم بما بيده من مال.
وروى ابن وهب فيها: لا يستتم به، وثالثها للمغيرة: لا يعتق منه غير الثلث مطلقاً.
قلت: نقله ابن رشد في رسم أسلم آخر شرب خمراً من سماع ابن القاسم عن ابن وهب خلاف روايته عن المغيرة.
الصقلي لعيسى عن ابن القاسم: إن أوصى بعتق ربع عبده لم يقوم على العبد باقيه؛ لأن السيد هو المعتق، بخلاف إذا أوصى لعبده بربع نفسه هذا يقوم باقيه على نفسه.
قال مالك: لأنه لو كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما حظه قوم عليه ما بقى.
قلت: يبطل هذه الأخيرة ما تقدم في وجه قول المغيرة.
ومن المجموعة قال عبد الملك: إن قال: ثلث عبدي له، ومائة دينار فليس له أخذ المائة في نفسه عتقاً بعتق ثلثه، ويرث ثلثاه ويطال له بالمال أهل الوصايا.
وإن قال: ثلثي لعبدي؛ عتق جميعه في ثلثه، أو ما حمل منه الثلث، وما فضل له.
قال مالك: وأنا أقوله، وقال لي المغيرة: وابن دينار بعتق ثلثه، ويحاص بما بقي أهل الوصايا.
ابن أبي زيد: وما وقع له كان بيده، وقال ابن القاسم: من أوصى لعبده بثلث، ولأجنبي بثلث ماله؛ تحاصاً بما صار للعبد عتق فيه، وما صار للأجنبي أخذه، ولم أجد العبد؛ لأنه عتق على نفسه.
الصقلي: فصار أوصى لعبده بثلثه ويحاص بما فضل، ولا فرق في التحقيق بين أن يكون أوصى له بثلثه ويثلث نفسه ومائة دينار؛ لأن المعنى في الوجهين يؤول لمعنى واحد، وإذا أوجب أن يعتق في بقية الثلث؛ وجب أن يعتق في المائة الواجب أنه يعتق فيه يجب أن يكون مبدأ.
وسمع عيسى ابن القاسم مثل ما تقدم من قولها لابن القاسم، وزاد: لو أوصى بعتق ثلثه وأوصى له ببقية ثلثه أو بدنانير مسماة؛ لم يعتق منه غلا ثلث، وكانت له الوصية دنانير أو غير ذلك.
ابن رشد: لا خلاف أنه لا يعتق على العبد بقيته، إلا فيما أوصى به من بقية الثلث، ولا من الدنانير التي أوصى له بها ولا في مال إن كان له سواه.
ومثله في سماع يحيى وفيه نظر؛ لأن ثلثي رقبته من بقية ماله، فإذا أوصى له بثلث فقد بقية ماله أوصى له بثلث ثلثي رقبته، فوجب على قياس قوله: أن يعتق على نفسه ثلث ثلثيه؛ لأنه قد ملكه ذلك، وإذا عتق على نفسه شيء منه وجب أن يقوم عليه بقيته في ماله، وبين أن يوصي له بعتق ثلثه وببقية ثلث ماله، وهما يفترقان في وجه القياس على ما بينا.
وسمع أيضاً: من أوصى لعبده بثلث ماله، وبعتق عبد آخر فالموصى بعتقه مبدأ؛ لأنه على الميت معتق، والآخر إنما يعتق على نفسه.
ابن رشد: هذا بين على مذهبه، وعلى قياس قول ابن وهب: إنما يعتق ثلث العبد
بوصية الميت لا على العبد؛ ولذا لا يقوم بقيته في بقية الثلث، إذ لا تبدأ الوصية بعتق العبد عتق ثلثه، وأن يسهم بينهما وأما على بقية ثلثه فيبدأ على كل حال اتفاقا لأنها وصية بمال. وفي نوازل سحنون من أوصى لعبده بثلث ماله، وللعبد ولد قدم عتق العبد في الثلث، فإن بقي منه شيء دخل فيه الابن بالعتق بالغا ما بلغ.
ابن رشد: على قياس قول ابن القاسم في رسم أسلم، قيل: هذا فيمن أوصى لعبده بثلث ماله، وأوصى بوصايا أن العبد مبدأ على الوصايا، وعلى رواية أبي زيد: أنه لا يبدأ على الوصايا ويتاحصان، لا يبدأ الأب على الابن ويعتق من الأب ثلثه؛ لأنه من مال الميت الذي أوصى له بثلثه، ثم يعتق من كل واحد منهما في بقية الثلث ما حمل منه بالسوية، كمن أعتق شقصاً له في عبدين، وليس له من المال ما يقوما فيه معاً فيقوم منهما معاً ما حمله بالحصص لا يبدأ أحدهما على صاحبه.
الشيخ عن أشهب في المجموعة: من أوصى لرجل قد مات، وعلم بموته؛ فذلك لورثته ولدين عليه، وذكره اللخمي غير معزو كأنه المذهب.
وحكى عن مختصر ابن عبد الحكم: أن الوصية باطلة وليس فيها لوارث أو غريم شيء.
ابن عبد السلام: ولم يبعد تخريجه في الوصية لقنطرة أو مسجد.
قلت: يرد بوضوح قصد الوصيين لهما بأنهما لمنفعة عموم المسلمين، فهي وصية لهم، بخلاف الوارث والغريم.
وقلت: الشيخ عن ابن كنانة: إن علم الموصي بموت الموصى له، فليشهد أنه رجع، فإن لم يشهد فلا شيء لورثة الموصى له.
قال ابن الحاجب وابن شاس: تصح الوصية لميت علم الموصي بموته' فتصرف في دينه أو كقاراته وإلا فلو رثته، فقبله ابن هارون.
وقال ابن عبد السلام: فيه نظر؛ لأن المذهب في الكفارات والزكاة التي فرط فيها الميت لا تخرج من ثلثه وجوباً، إلا أن يوصى بها.
قلت: لما ذكر الشيخ قول أشهب؛ فذلك لورثته ولدين عليه، قال: هذا إن جهل.
أمر الوصية، وإن علم أنها لزكاة فرط فيها؛ فلا شيء لورثة الميت فيها، أو لدين عليه فيتصرف بها في وجه الزكاة.
من أوصى بزكاته لمن ظنهم فقراء، وهم أغنياء؛ فوصيته باطلة، وإن علم بموته بعد الوصية نفذت لورثة الموصى له، وقضي بها دينه.
وفيها: وكذا وصيته لميت، ولا يعلم بموته فوصيته باطلة، وإن علم بموته بعد الوصية؛ نفذت لورثة الموصى له، وقضي بها دينه.
الشيخ: روى ابن وَهْب في المجموعة: وصية المسلم للكافر جائرة، وقاله ابن القاسم، قال أشهب: ولو كان أجنبياً.
ابن حبيب عن أَصْبَغ: تجوز للذمي ولا تجوز لحربي؛ لأنها قوة لهم وترجع ميراثاً لا صدقة.
وروى ابن وَهْب: من نذر صدقة على كافر لزمه.
الباجي: قال عبد الوهاب: تجوز الوصية للمشركين، ولو كانوا أهل حرب.
وفي المجموعة: من أوصى لبعض أهل الحرب، وقال: فإن أجيز ذلك، وإلا فهو في السبيل لم تجز هذا في سبيل ولا غيره، ويورث، وهذا يقتضي أن الوصية للحربي لا تجوز.
قلت: قيد ابن رُشْد إطلاق قول أشهب فجوازها للذمي لكونه ذا نسب من جوار أو يد سلفت.
وفيها: وإن أوصى له بعد ضربه وعلم به، فإن كانت الضربة خطأ؛ جازت الوصية في المال والدية، وأما في العمد؛ فتجوز في ماله دون الدية؛ لأن قول الدية كمن لم يعلم به.
اللخمي: قال محمد في الخطأ: هي في المال والدية، علم أو لم يعلم به، قاله إن أوصى له بعد الجناية عمداً، أو لم يعلم أنه قاتله.
قال محمد: هي نافذة له علم أو لم يعلم.
الصقلي: ولو أنفذ قاتله مقاتلة كقطعه نخاعه، أو مصرانه وبقي حياً يتكلم فقبل
أولاده الدية، فعلمها فأوصى فيها وصاياه؛ لأنه مال طرأ له، وعلم به قبل زهوق نفسه، فوجب أن تجوز وصاياه فيه.
وفيها: والموصى له إذا قتل خطأ؛ جازت الوصية في ماله دون الدية، وإن قتله عمداً فلا وصية له في مال، ولا دية كمن قتل مورثه خطأ، فإن يرث من المال دون الدية.
وإن قتله عمداً، لم يرث من مال ولا دية، قال محمد: لأن الدية أديت عنه، فهو يؤدي فيها فلا يؤدي عن نفسه.
اللخمي: قوله بمنزلة الميراث غير بين؛ لأن منع الميراث من الدية شرع، ولو أوصى بأن يورث منها ما جاز، ولو أوصى لغير الوارث أن يعطي ثلث الدية؛ جاز والاعتراض؛ لأنه لا يأخذ مما يؤدي غير صحيح.
فلو أوصى لغريمه بثلث ماله، كان للغريم من الدين الذي عليه ثلثه.
ولما ذكر الصقلي تعليل محمد، قال: وسواء مات بالفور أو حيي وعرف ما هو فيه، بخلاف ما لو أوصى لغير القاتل بعد أن حيي وعرف ما هو فيه، أن الوصايا تدخل في المال والدية؛ لأن الموصى له ليست الدية عليه.
وساوى بعض أصحابنا بينهما، وهو خطأ، وكذا في العمد إن مات مكانه؛ بطلت الوصية له، وإن حيي ولم يغير وصيته فقيل: تكون وصيته ثابتة؛ لأن سكوته عنها كالمجيز لها فوجب أن تجوز في مال، وقيل: بطلت حتى يبتدئ في إجازتها بلفظ آخر، كما قال في المدونَّة: إذا قتل المدبر سيده فحيي بعد ضربه إياه فمات؛ إن تدبيره يبطل حتى يجدده، وعلى ما تقدم يكون بسكوته كأنه مجيز لما تقدم من التدبير.
الشيخ لأشهب في الموازيَّة والمجموعة: من أوصى لمعتق وقتله بعد الوصية؛ نفذت وصيته ولا تهمة عليه، وكذا الصبي والمعتوه أعذرهما وقد يؤاخذ الصبي بفعله.
ولو أوصى لمكاتب رجل فقتله سيد المكاتب، فإن كان ضعيفاً عن أداء الكتابة وعجزه أفضل لسيده بطلت الوصية، وإن كان قوياً على الأداء وعجزه أفضل لسيده لكثرة ثمنه، وقلة ما بقي عليه؛ فالوصية جائزة، فلو قتله خطأ جازت له من ماله بكل
حال، واستحسن هاهنا أن يكون من ثلث عقله.
وقال في الموازيَّة: ولو أوصى لعبد رجل أو مدبره أو معتقه إلى أجل أو معتق بعضه له، فقتل سيده الموصي؛ بطلت الوصية، إلا أن يكون بالتافه لا يتهم السيد فيه؛ فتنفذ في العمد والخطأ، وإن كان شيء له بال؛ بطلت في العمد، وتجوز في الخطأ في ثلث ماله.
واستحسن أن تكون هاهنا في ثلث عقله، ولو قتل الموصي ابن الموصي له، أو أبوه أو عبده، أو أم ولده عمداً، أو خطأ؛ فالوصية ماضية.
ولو وهب لرجل في مرضه هبة فقتله الموهوب؛ فالهبة جائزة من الثلث، قتله عمداً أو خطأ، إن كانت بتلاً عاش أو مات؛ لأن قتله أو ضربه، لو عاش كانت من رأس ماله، وهي الآن من ثلثه، ولو أقر له بدين في مرضه فقتله؛ فالدين له ثابت.
محمد: ولو كثر الدين؛ لأنه ليس بقتله ثبت الدين.
قلت: إن كان الدين مؤجلاً في حلوله بموته نظر.
قال: (ولو أقر لوارثه بدين أو وهب له هبة بتلاً فقتله الوارث؛ فلا شيء له وذلك بخلاف الأجنبي).
قلت: روى أبو أمامه الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة حجة الوداع: "إن الله أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على الله" الحديث أخرجه الترمذي وصححه.
وروى الدارقطني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة"، رواه ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، وعطاء هذا لم يرو ابن عباس ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، قال عبد الحق: والمقطوع هو المشهور.
قلت: يونس بن راشد الجزري قاضي حران صدوق، قاله الذهبي والمزني، وفي الموطأ: قال مالك: السنة عندنا التي لا خلاف فيه أنه لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يجيزها ورثته، وإن أجاز بعضهم؛ جاز له حق من أجاز.
قلت: وعلى نقل ابن فتوح عن عبد الملك: ليس لوارث أن يجيز ما زاده الموصي على الثلث؛ لأنه عقد فاسد للنهي عنه يتخرج مثله في الوصية للوارث.
اللخمي: إن أوصى بأكثر من ثلثه فأجاز الابن وعليه دين، فقال ابن القاسم: للغرماء رد ذلك.
قال ابن القُصَّار: إن أجاز الوارث ما أوصى به الميت من الزيادة، أو الوصية للوارث كان ذلك تنفيذاً لفعل الميت، لا ابتداء عطية من الوارث، والأول أحسن وهو أصل.
أشهب في كتاب محمد: وإن أجاز الوارث ولا دين عليه، فلم يقبض ذلك الموصى له حتى استدان الوارث أو مات، كان غرماء الولد وورثته أحق بها؛ لأنها هبة لم تجز عنه.
وقال أشهب: يبدأ بوصية الأب قبل دين الابن، والأول أحسن.
وفيها: من أوصى بثلثه لوارث، وقال: إن لم يجزه باقي الورثة فهو في السبيل؛ لم يجز ذلكن وهو من الضرر.
الشيخ عن أشهب في المجموعة: إلا أن يجيز ذلك الورثة للوارث؛ فيجوز.
أبو عمر في الكافي: رواه ابن أبي أويس عن مالك، وروى ابن القاسم عنه: أنها مردودة.
الشيخ عن أشهب: إن أوصى لبعض أهل الحرب، وقال: إن أجيز ذلك وإلا فهي في سبيل الله؛ لم تجز في سبيل الله ولا غيره.
وفيها: لو قال: داري في السبيل إلا أن ينفذها الورثة لأبني؛ فذلك نافذ على ما أوصى الشيخ، وقاله ابن وَهْب، والمدنيون وابن كنانة، وابن نافع وأَصْبَغ استحساناً قائلاً وفيه مغمز.
وقال أشهب: لا تجوز، وهو من الضرر كالأول، أَصْبَغ: وهو القياس، وفيها وفي الموطأ والعتبيَّة: قال مالك: إن أذن الورثة للصحيح أن يوصي بأكثر من ثلثه، لم يلزمهم ذلك إذا مات؛ لأنهم أذنوا في وقت لا منع لهم.
أبو عمر: هذا مشهور مذهبه، وعنه أن يلزمهم.
ابن زرقون في الموازيَّة: من قال: ما أرث من فلان صدقة عليك، وفلان صحيح؛ لزمه ذلك إن كان في غير يمين فهذا مثل ذلك.
قلت: زاد اللخمي: والأول أشهر، وهذا أقيس، كمن أوجب الصدقة بما يملك إلى أجل، أو في بلد سماه أو بعتق ذلك أو بطلاق من يتزوج فيه.
وخرج ابن الحاجب في نوازله على ما في الموطأ: إن رد ما أوصى له به في صحة الموصي، ثم قبله بعد موته، صح قبوله؛ لأنه لم تجب له الوصية إلا بموت الموصي.
وسمع ابن القاسم: من استأذن وارثه في وصيته بأكثر من ثلثه، وهو يريد الغزو أو السفر فأذن له فمات الموصي؛ لزم وارثه ما أجازه كالمريض.
أَصْبَغ: ورجع عنه ابن وَهْب إلى أنه لا تلزمه إجازته، أَصْبَغ: وهو الصواب.
ابن رُشْد: ومثله قول ابن القاسم في سمَاع عبد الملك: من أقر عند خروجه لحج أو غزو أو سفر بدين لزوجته أو لبعض ولده، أو تصدق على ابنه الصغير بصدقة؛ إن ذلك كله جائز، وإن مات من سفره ذلك؛ لأنه حكم له في كل ذلك بحكم الصحيح فلم يتهمه.
وفيها: قلت: من أوصى في مرضه بأكثر من ثلثه، فأجاز ورثته ذلك قبل موته من غير أن يطلب الميت ذلك، أو طلبهم فأجازوا، ثم رجعوا بعد موته. قال: قال مالك: إن استأذنهم في مرضه فأذنوا له ثم رجعوا بعد موته، فمن كان بائناً من ولد أخ أو ابن عم؛ فليس ذلك لهم، ومن كان في عياله من ولد قد احتلم وبناته وزوجاته، فذلك لهم، وكذا ابن العم الوارث إن كان ذا حاجة إليه، ويخاف إن منعه، وصح أن يضر به في منعه رفده، إلا أن يجيزوا بعد الموت فلا رجوع لهم بعد ذلك.
أبو عمر: وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يلزم الورثة إجازتهم في المرض.
الباجي: وقال عبد الملك في المجموعة: في مريض باع عبداً بأقل من ثمنه بأمر بين، لا إجازة للورثة قبل الموت، إذ لعل غيرهم يرثه.
الصقلي ليحيى بن يحيى عن ابن القاسم: إن أذن له ورثته في مرضهن ثم صح وأقر وصيته ثم مرض فمات لم يلزمهم ذلك الإذن؛ لأنه صح، واستغنى عن إذنهم حتى يأذنوا في المرض الثاني. قال ابن كنانة: ويحلفون ما سكتوا عنه تغير ذلك رضي بهز
الباجي: يريد: رضى به في المرض الثاني، قال ابن الحاجب: فإن كان في المرض ولم تتخلل صحة فكالموت على الأشهر، إلا أن يتبين عذره من كونه عليه نفقته أو دينه أو سلطانه.
ابن عبد السلام: قصاراه توقع إكراه بالمال، وفي اعتبار الإكراه به، وإن كان محققاً قولان.
قلتك يرد بأن القول بالغاً الإكراه بالمال، إنما يلزم في الذي إن فعل اختياراً لزم اتفاقاً وهو حق لفاعله، قال: فعله والوارث مختلف في لزوم إجازته، وهي فيما لا يملكه في الحال.
عياض: قوله: في الموصي في مرضه، بأكثر من ثلثه فأجاز ذلك ورثته من غير أ، يطلب ذلك منهم، أو طلبه ثم أجاب عن مسألة طلب ذلك منهم، ولم يفسر إذا لم يطلب ذلك وتبرعوا به.
فقال بعض الصقليين: جوابه في الوجهين سواء؛ لأنهم يقولون بادرنا بالإجازة لتطيب نفسه، وخوفنا منه أن لم نبادر؛ وقال بعض القرويين: إن أجازوا قبل استئذانهم لم يكن لهم رجوع، كان في عياله أو لم يكن، وإليه نحا التونسي وغيره.
وفيها: (ولا يجوز إذن البكر ولا السفيه)، الصقلي: قال ابن كنانة: إلا المعنسة فيلزمها، وإذن الزوجة في مرضه لا يلزمها لخوفه منه إن صح، وليس التي يسلمها زوجها ذلك كالتي تبدأ الإجازة، فينظر الإمام في ذلك.
أشهب: ليس كل زوجة لها أن ترجع، رب زوجة لا ترهب منه، ولا تخافه فلا رجوع لهذه، وكذا ابن كبير وغير سفيه، وهو في عيال أبيه لا رجوع له إن كان لا يخدع،
وقال ابن القاسم: لهؤلاء أن يرجعوا إن كانوا في عياله.
الباجي: قال عبد الوهاب: لا يلزم الإذن من كان في عياله، ولا من له عليه دين يخاف أن يلزمه به، أو يكون سلطاناً يرهبه.
وروى ابن القاسم وابن وَهْب في المجموعة: إن استوهب المريض وارثه ميراثه ففعلن ثم لم يقض فيه شيئاً؛ رد إلى واهبه.
قال عنه ابن وَهْب: إلا أن يكون سمى له من وهب له من ورثته، فذلك ماض.
زاد الباجي: وهو معنى ما في الموطأ.
الباجي: ومن أوصى لوارث، فأنفذ ذلك، ثم قال بعض الورثة: لم أعلم أن الوصية لا تجوز له، فروى محمد: يحلف ما علم، ويكون له نصيب منه.
قلت: ومثله سمع عيسى ابن القاسم في كتاب الهبات وفي الشفعة منها، ومن عوض من صدقة، وقال: ظننت أن ذلك يلزمني فليرجع في العوض إن كان قائماً، وإن فات فلا شيء له.
وقال ابن رُشْد: في رسم العرية وسمَاع عيسى من كتاب العتق: هذا أصل اختلف فيه، وهو من دفع ما لا يجب عليه جاهلاً، ثم أراد الرجوع فيه.
منه مسألة كتاب الشفعة: فذكر المسألة قال: ولها نظائر كثيرة، في المدَونَّة والعتبيَّة، وأشبعنا القول فيها في رسم أوصى من سمَاع عيسى من الصدقات والهبات، ويتحصل فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: لا رجوع له فيما أنفذ بحال، وإن علم أنه جهل إذ لا عذر له في الجهل.
والثاني: له الرجوع إن ادعى الجهل، وأشبه ما ادعاه مع يمينه على ذلك، وقيل: بغير يمين.
والثالث: أنه ليس له أن يرجع في ذلك إلا أن يعلم أنه جهل بدليل يقيمه على ذلكن وهو قول سَحنون في نوازله من كتاب الصدقات.
قلت: عزا الأول في سمَاع عيسى لظاهر قول ابن القاسم في آخر الوصايا من المدَونَّة، في الابن الذي ليس في عيال الرجل بإذن له في مرضه في الوصية بأكثر من
الثلث، ثم ينفذ ذلك بعد موته أنه ليس له أن يرجع في ذلك. ظاهره: وإن كان جاهلاً يظن أن إذنه له في مرضه جائز عليه، وعزا الثاني لسمَاع عيسى، وقال في قوله في السماع: مع يمينه، بغير يمين تهمة فيحلف فيها إلا أن يحقق عليه الدعوى بأنهم أنفذوها بعد علمهم أن ذلك لا يلزمهم، فيجب عليهم اليمين اتفاقاً.
قال: ولسَحنون في نظير هذه المسألة أنهم لا يصدقون في دعوى الجهل، فقال له السائل: أقم البينة أنه قال: هذه الصدقة لا يجوز لك منها إلا الثلث، فقال له: إن أقمت البينة بهذا فلك الرجوع فيما أخذ منك، فلم يصدقه في دعوى الجهالة إلا بدليل يصدق قوله، وهو إقامة البينة على ما زعم أنهم غروه به وقالوه له.
وعلى قول أشهب في سمَاع أَصْبَغ في كتاب النكاح فيمن زوج ابنته على أنها بكر فزعم أنه وجدها ثيباً: لا عذرة لها إنها تلزمه، ولا شيء له أن الجاهل في هذا لا يعذر بالجهل.
ومثل قول سَحنون في نوازله من كتاب العيوب: فيمن يشتري العبد فيقول للتاجر هل فيه عيب؟ فيقول: هو قائم العينين. فسأل عن قائم العينين، فيقال: هو الذي لا يبصر؛ أن البيع له لازم ولا رد له.
وفيها: من أوصى لوارث ثم حدث من يحجبه؛ جازت إن مات، لأن تركه لها بعد علمه بمن يحجبه إجازة لها.
وسمع يحيى ابن القاسم: من أوصت لزوجها ثم ماتت، وقد طلقها إن علمت بطلاقها؛ فوصيتها جائزة، وإن لم تعلم لم تجز؛ لأنها أوصت يوم أوصت، وهي تظن أنه يرثها، والوصية للوارث لا تجوز.
سَحنون: وقال أشهب: هي جائزة، وإن لم تعلم وأخبرت علي المخزومي وابن أبي حازم وابن كنانة وابن نافع: إن وصيتهما له جائزة.
ابن رُشْد: قول ابن القاسم: صحيح واعتلاله ضعيف.
ولو قال: لا تجوز وصيتها له إلا أن تعلم بطلاقه إياها؛ لأنها إذا أوصت له لما بينهما من حرمة الزوجية ومودتها، فأرادت أن تزيده على ميراثه، ولعلها لو علمت أنه
طلقها لم توص له بشيء، فالأطهر قول أشهب، والأظهر في التي أوصت لزوجها، ثم طلقها قول ابن القاسم، وروى ابن القاسم مثل قول أشهب.
وفيها: من أوصى لامرأة ثم تزوجها بعد صحته، ثم مات؛ بطلت وصيته.
اللخمي: وإن تزوجها في مرضه لم تبطل الوصية وكذا إن أوصى لها في المرض وتزوجها في المرض؛ لأنه النكاح فاسد وهي غير وارثة وإن تزوجها في الصحة ثم طلقها في المرض ثم أوصى لها، فالوصية باطلة؛ لأن الطلاق برضاها أو بغير رضاها، إن كان سؤال منها أن لا ميراث لها، ولها الوصية إن كانت مثل ميراثها فأقل.
محمد: ولو وهب أخاه هبة بتلها له في مرضهن وقبضها الأخ ثم مات الولد وصار الأخ وارث؛ لبطلت الهبة؛ لأنها إنما تخرج من الثلث.
وسمع عيسى بن القاسم: من أوصى لأقاربه بثلث ماله، قال: قال مالك: هي لقرابته من قبل أبيه، ولا شيء لقرابته من قبل أمه، إلا أن لا يكون له قرابة من قبل الرجال، فيكون لقرابته من قبل النساء.
قال عيسى وقال أشهب: استحب أن يدخل فيه قرابته من قبل الرجال والنساء لأبيه وأمه.
ابن رُشْد: إن لم يكن له يوم أوصى قرابة من قبل أبيه، فالوصية لقرابته من قبل أمه اتفاقاً.
فإن كان له يوم أوصى قرابة من قبل أبيه، فقال ابن القاسم وروى: لا يدخل في ذلك قرابة أمه.
قال: وإن لم يبق منهم إلا خال أو خالة فلا شيء لهم.
وقال أشهب: يدخل في ذلك قرابة أمه وأبيه.
ابن زرقون: إن أوصى ولا قرابة له من قبل أبيه، فالوصية لقرابة أمه اتفاقاً. وإن كان له قرابة يوم الوصية من قبل الابن فاختلف على ثلاثة أقوال:
قال ابن القاسم: لا يدخل فيه القرابة من قبل الأم بحال.
وروى الأخوان: دخولهم بكل حال، وقال عيسى: لا يدخلون إلا أن لا يبقى من قرابة الأب أحد.
الباجي: قال أشهب: لا يدخل في ذلك قرابته الوارثون استحساناً، وليس بقياس، وكأنه أراد غير الوارث كالموصي للفقراء بمال، ولرجل فقير بمال فلا يدخل مع الفقراء في مالهم، رواه أحمد، فأراد أشهب باستحسان التخصيص بعرف الاستعمال، والقياس عنده حمل اللفظ على عمومه، فاعرف مقصده في الاستحسان والقياس.
قال ابن الحاجب تابعاً لابن شاس: ولو أوصى لأقارب فلان، دخل الوارث وغيره من الجهتين بخلاف أقاربه للقرينة الشرعية، ويؤثر في الجميع ذو الحاجة وإن كان أبعد.
قلت: ظاهر لفظها إطلاق عدم دخوله وارث الموصي من القرابة، خلاف ما يأتي من رواية ابن حبيب: إن من يرثه كمن لا يرثه، فيحمل لفظ ابن الحاجب على الوارث بالفعل، ولفظ الرواية على الوارث بالسبب دون الفعل كابن العم والأخ للأم مع الولد الذكر أو الأنثى، ولا أعرف لفظهما إلا لوجيز الغزالي، وزاد: وقيل: يوزع فيبطل حظ الوارث ويصح الباقي.
قلت: وفي حمل نقل ابن شاس، والرواية على القولين اللذين ذكرهما الغزالي احتمال، والأظهر إن علم الموصي أنها لا تجوز لوارثه وزعت وإلا فلا.
اللخمي: قال أشهب: ولا يفضل الأقرب وأسعدهم به أحوجهم، وقال ابن كنانة: إن قال صدقة؛ لم يعط إلا الفقراء، وإن لم يقل صدقة؛ فأغنياؤهم وفقراؤهم سواء.
قلت: في النوادر روى محمد بن الموَّاز وابن عبدوس: من أوصى لأقاربه قسم الأقرب فالأقرب.
ابن رُشْد: قول أشهب في الموازيَّة: يبدأ بالفقراء، ويعطي بعد الأغنياء فرأى قسم ذلك على الاجتهاد.
واختلف قول ابن القاسم في ذلك في المدَوَّنة للذي يوصي لأخواله وأولادهم.
الباجي: لو كان بعض أقاربه مسلمين ونصارى، فقال أشهب: يسوي بينهم، ولعيسى عن ابن القاسم: الرجال والنساء في ذلك سواء.
ولعل هذا على قول من يرى دخول المؤنث في جمع المذكر، أو لأن ذلك عرف الاستعمال.
الباجي عن أشهب في المجموعة: قوله: لذي رحمي كقوله لذي قرابتي.
ابن حبيب: قوله: لقرابته أو لرحمه، أو لذي رحمه أو أهله أو لأهل بيته، فقول مالك وأصحابه: إنه لكل قرابته من قبل أبيه وأمه ومن لا يرثه.
الشيخ: قوله: لقرابته وذوي رحمه وأهله.
قال ابن الماجِشُون: فيه في موضع آخر من الواضحة، يقسم بينهم على الاجتهاد ويؤثر الأقرب فالأقرب والأحوج فالأحوج، إن اتسع المال ولابد من عمومهم كلهم، فإن ضاق المال سوى بينهم؛ لأنهم كلهم قرابة.
وسمع أَصْبَغ ابن القاسم: من قال: ثلث مالي للأقرب فالأقرب، وترك أباه وجده وأخاه وعمه؛ قسم ذلك على قدر حاجتهم، ويفضل الأقرب شيء.
وإن كان غنياً على وجه ما أوصى به، ولا يكثر له، وغن كان ما أوصى به على هذه الوصية إنما هو حبس، فالأخ أولى وحده لا يدخل معه غيره.
ابن رُشْد: قوله: (يقسم ذلك عليهم على قدر حاجتهم)؛ معناه: إن لم يكونوا ورثة، فالأب لا شيء له في هذه الوصية.
وكذا في الموازيَّة: يقسم بقدر حاجتهم، ويفضل الأقرب فالأقرب.
قال محمد: قال مالك: لم يكونوا ورثة، وولد الأخ وإن سفل أقرب من الجد، وهذا على ترتيب القرب في الولاء، وسكت عن الأخ للأم، وفي دخوله خلاف تقدم.
وما ذكره من التفضيل، قيل: سوى بينهم على اختلاف قول مالك في المدَوَّنة، فيمن أوصى لأخواله وأولادهم.
وقوله في الحبس: لا يدخل مع الأخ غيره؛ معناه: إن كانت وصية سكنى الأقرب فالأقرب.
ولو كانت بغلة حبس يقسم عليهم الأقرب فالأقرب دخل الأبعد مع الأقرب فالأقرب.
ولو كانت بغلة حبس يقسم عليهم الأقرب فالأقرب دخل الأبعد مع الأقرب بالاجتهاد. وفي مسائل التبدئة: ومنها: من قال: ثلث مالي لفلان وللمساكين، أو في السبيل والفقراء واليتامى، قسم بينهم بالاجتهاد لا أثلاثاً ولا أنصافاً.
وفي آخر الوصايا الثاني: من قال ثلثي لفلان وفلان، وأحدهما غني والآخر فقير، فالثلث بينهما نصفان، إن مات أحدهما بعد موت الموصي ورث نصيبه ورثته. وفيها: إن كانت الوصية لقوم مجهولين، لا يعرف عددهم لكثرتهم كقوله: على بني تميم، أو للمساكين، فإنما يكون ذلك لمن حضر القسم منهم.
وسمع ابن القاسم في كتاب الصدقات: من تصدق بشيء من ماله على بني فلان، كقوله: على بني زهرة، وفيهم الغائب ومن لا يعرف؛ قسم بين من كان منهم معروفاً حاضراً أو غائباً، فإن جاء أحد بعد ذلك لم يكن يعرف مكانه، رد عليه الآخرون قدر حصته.
ابن رُشْد: معناه: أن بني الرجل الذي أوصى لهم إن كان يحاط بعددهم لقلتهم، فهم العدد الذين يقسم عليهم بالسوية، حاضرهم وغائبهم على هذه الرواية، وأحد قولي ابن القاسم في المدَوَّنة، ورواية ابن وَهْب فيها: وإن كان بنو فلان الموصى لهم لا يحاط بعددهم، لكثرتهم كبني زهرة فنظر؛ لأن بني زهرة لا يحاط بهم فيقول على ما يصح، فيقال: لم يرد مثل بني زهرة، فلا خلاف أنهم كالمسكين يقسم بينهم بالاجتهاد على من أدرك القسم منهم، ولا شيء لمن غاب إن أتى بعد ذلكن ففي قوله في هذه الرواية: مثل بني زهرة بن كلاب مرة الذي ينتسب إليه الزهريون. كان عددهم لا يحاط بهم، وإنما أراد لبني فلان لامرأة تسمى زهرة، ولو قال: لبني فلان، وسماهم بأسمائهم؛ قسم بينهم بالسوية حاضرهم وغائبهم، ومن قدم من غائب منهم كل واحد، رجع على كل واحد حتى يستوي في حقه.
قال ابن الحاجب: إن أوصى بثلثه لزيد، وللفقراء أعطي بالاجتهاد بحسب فقره.
فإن مات قبل أن يقسم له شيء لورثته؛ فلا شيء لورثته، والثلث للمساكين.
ابن عبد السلام: وهذا يحسن إن كان زيد فقيراً، وإن كان غنياً فينبغي أن يكون سهمه مملوكاً له بموت الموصي قبله هو، أو وارثه.
قلت: ظاهر المدَوَّنة: سواء كان غنياً أو فقيراً، أو لأن ظاهر قول المذهب: أن مناط وجوب الوصية للموصى له بموت، إنما هو لعين الموصى له؛ لغناه، والتعيين هنا لغو لقرينة تسوية الموصي بين المعين وغيره.
الشيخ في المجموعة: قال عبد الملك: من أوصى لجيرانه؛ أعطي الجار الذي اسم المنزل له، ولا يعطى أتباعه ولا الصبيان، ولا ابنته البكر، ولا الضعيف ولا خدمه وتعطى زوجته وولده الكبير البائن عنه بالنفقة، والجار المملوك إن كان يسكن بيتاً على حدته، أعطي كان سيده جاراً أو لا. ولابن سَحنون عنه: يعطى ولده الأصاغر، وأبكار بناته.
الشيخ في المجموعة: قال عبد الملك: من أوصى لجيرانه فهو من المجهولين، من وجد يوم القسم جاراً دخل في ذلك، وكذا لو انتقل بعضهم أو كلهم، وحدث غيرهم وبلغ صغير، وبلغت البكر فذلك لمن حضر القسم، وكذا إن كان ذا جيران قليلين فكثروا، وكذلك إن كانت غلة تقسم؛ فهي لمن حضر القسم في كل غلة.
قال: وفي المجموعة: قال عبد الملك: حد الجوار الذي لا شك فيه ما كان يواجهه، وما وراء ذلك مما لصق بالمنزل من ورائه وجنباته، وتباعد ما بين العدوتين، حتى يكون بينهما السوق المتسع؛ فإنما الجوار فيما دنا من إحدى العدوتين، وقد تكون دار عظمى ذات مساكن كثيرة، كدار معاوية وكثير بن الصلت، فإذا أوصى بعض أهلها لجيرانه اقتصر له على أهلها، وإن سكنها ربها وهو الموصي، فإن شغل أكثرها وسكن منها معه غيره فيها، فالوصية لمن كان خارجها إلا لمن فيها.
وإن سكن أقلها؛ فالوصية لمن في الدار فقط، ولو شغلها كلها بالكراء؛ فالوصية للخارجين منها من جيرانهما، وقال: مثله كله سَحنون: قال عبد الملك: وجوار البادية أوسع من هذا، وأشد براحاً إذا لم يكن دونه أقرب منه للموصي، ورب جار على أميال
إذا لم يكن دونه جيران، إذا جمعهم الماء في المورد والمسرح للماشية، ويقدر ما يجتهد فيه، ولابن سَحنون عنه الجوار في القرى: أن كل قرية صغيرة ليس لها اتصال في البناء والكثرة من الأهل والحارثات؛ فهم جيران، وإن كانت كثيرة البناء كقلسانية؛ فهي كالمدينة في الجوار. ولابن سَحنون في رسم أسلم من سمَاع عيسى: لا تدخل الموالي في الوصية للقرابة اتفاقاً.
وفي دخولهم في الوصية للقبيلة، ثالثها: إن قال: لتميم ولبني تميم لا يدخلون، لابن القاسم، ولابن الماجِشُون، مع روايته وتفرقة أشهب: وهي ضعيفة، إذ من القبائل ما لا يحسن أن يقال فيه: من بني تميم فلان كجهينة، ومزينة، وربيعة وقيس.
وإن أوصى لمساكينه دخل فيهم مواليه، قاله ابن القاسم وابن وَهْب.
اللخمي: يدخل في مواليه أمهات أولاده، ومدبره إن خرج من ثلثه، والمعتق لأجل، والمكاتب، إذا انقضى الأجل وأدى المكاتب أخذ ذلكن وإن مات قبل الأجل أو عجز المكاتب رجع حقهما لبقية الموالي، والأول أحسن.
قلت: عزاه ابن رُشْد في رسم سلعة سماع من سمَاع عيسى لمحمد: عن ابن القاسم قال: والقولان جاز؛ لأنه على اختلاف عن المدَوَّنة قوله: فيمن أوصى لأخواله وأولادهم مرة، حملهم على التعيين، وهو قوله في هذا السماع، ومرة حملهم محمل المجهولين، وهو قوله في الموازيَّة، وفي السمَاع المذكور: إن ولاء أشقاص العبيد يدخلون مع الموالي بأشقاص ولائهم، فإذا أعطى التام الولاء ديناراً أعطي من له نصف ولاء نصف دينار، ومن له ثلث ولا ثلث دينار.
قال ابن حبيب: فإن لم يكن له مع مثله بعض ولاء من هو تام الولاء استثنوا في الوصية، وإن تفاضلوا في قدر الولاء.
اللخمي: من قال: لموالي وله موالي من فوق وموال من أسفل، فقال ابن القاسم: الوصية للأسفل.
قال أشهب: بينهما نصفين ولو اختلف العدد، وإن كان أحد القسمين ثلاثة فما فوق، والآخر واحداً أو اثنين من فوق أو هل أسفل، وإن كان أحد القسمين واحداً