المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جده عن معقل بن يسار، قال معاوية: كنت مع معقل - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي - جـ ٦

[أحمد بن الصديق الغماري]

الفصل: جده عن معقل بن يسار، قال معاوية: كنت مع معقل

جده عن معقل بن يسار، قال معاوية: كنت مع معقل في بعض الطرقات فمر بأذى فأماطه فرأيت مثله فنحيته فقال: ما حملك على ذلك، قلت: رأيتك صنعت فصنعت، فقال:"سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول" فذكره، قال الهيثمى: سنده حسن اهـ. ومن ثم رمز المصنف لحسنه.

قلت: هذا خطأ من وجوه، أحدها: قال البخارى [ص 205، رقم 593]:

حدثنا عبد اللَّه بن محمد ثنا الخليل بن أحمد ثنا المستنير بن أخضر ثنى معاوية ابن قرة قال: كنت مع معقل المزنى. . . الحديث.

فهو عند البخارى من رواية المستنير عن جده معاوية لا عن أبيه عن جده.

ثانيها: أن الذي وقع ذلك عنده هو الطبرانى [20/ 217، رقم 502]، فحمل الشارح رواية البخارى على روايته بدون تحقيق، ولما ذكره الحافظ المنذرى [3/ 618، رقم 9] كذلك قال: هكذا رواه الطبرانى ثم ذكر رواية البخارى وقال: هذا هو الصواب.

ثالثها: قوله: ومن ثم رمز المصنف لحسنه، فإنه تقول باطل، بل رمز لحسنه على حسب ما اقتضاه نظره أو تقليدًا للحافظ المنذرى أو غيره، فمن أين جزم بأنه حكم بذلك تبعًا للنور الهيثمى؟

‌فائدة

ورد هذا الحديث من وجه آخر من حديث معاذ بن جبل، قال أبو بكر يعقوب ابن أحمد الصيرفى في فوائده:

حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد البحيرى الحافظ ثنا أبو محمد عبد اللَّه بن محمد الصيدلانى ثنا محمد بن غالب تمتام ثنا النضر بن شميل (1) ثنا يحيى بن سعيد الأنصارى عن سعيد بن المسيب عن معاذ بن جبل قال: "سمعت رسول

(1) كتب المؤلف على حاشية الصفحة "بشير" ووضع فوقه رمز كأنه ضبة.

ص: 214

اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من أماط أذى عن طريق المسلمين كتب اللَّه له حسنة، ومن كتب اللَّه له حسنة أدخله الجنة".

3337/ 8529 - "مَنْ أمَّ قَوْمًا وفيهم مَنْ هو أقرأُ منه لكتابِ اللَّه وأعلَم لم يزلْ في سِفالٍ إلى يومِ القيامِة".

(عق) عن ابن عمر

قال في الكبير وقد حرف كلمة سفال ما نصه: بكسر الثاء المثلثة وفتح الفاء، أى هبوط، ثم قال: هو من حديث الهيثم بن عتاب عن ابن عمر، قال في الميزان: لا يعرف، وقال عبد الحق: مجهول، وقال العقيلى: حديث غير محفوظ، ثم ساق له هذا الخبر، فما أوهمه المصنف أن مخرجه العقيلى خرجه وسلمه غير جيد.

قلت: العقيلى كتابه خاص بالرجال الضعفاء، ولا يذكر فيه إلا الأحاديث الضعيفة، فالعزو إليه يغنى عن البيان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمصنف له قاعدة في كتابه هذا أنه لا يتعرض لنقل كلام المخرجين، ثم من جهة ثالثة قد رمز لضعفه وذلك يكفي عن التعرض لو كان ذلك من شرطه أو من شرط العقيلى، فلو أعرض الشارح عن هذه المشاغبات الباطلة وأقبل على ما يهمه لما وقع في هذه الأخطاء الفاحشة التي ابتلى بها حتى في الضروريات من اللغة العربية، إذ لا يحرف "سفال" بـ "ثفال" إلا من بلغ النهاية في ذلك، رزقنا اللَّه حسن الأدب آمين.

3338/ 8531 - "مَنْ أَمَر بمعرُوفٍ فليَكنْ أمرُه بمَعُروفٍ".

(هب) عن ابن عمرو

قال الشارح في الكبير بعد أن حرف رمز الشعب إلى رمز السنن، فأتى بطامة توقع الناظر في الخطإ الفاحش ما نصه: رواه البيهقى من طريق الحاكم، وفيه سلام بن ميمون. . . إلخ ما قال.

ص: 215

وهذا التعبير خطأ فإن الحاكم شيخ البيهقى، فالقاعدة أن يقول: عن الحاكم، لأن قوله: من طريق الحاكم يوهم أن بينهما وسائط، مع أنه يعكس أحيانًا فيعبر عمن بينه المخرج وبينه وسائط بقوله: عن فلان.

ثم إن الحديث له طريق آخر أنظف من هذا خرجه القضاعى في مسند الشهاب [1/ 285، رقم 465] من طريق على بن معبد في الطاعة والمعصية:

ثنا بقية بن الوليد عن إسحاق بن مالك الحضرمى عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

وهذا الطريق وإن كان ضعيفًا إلا أنه أقوى من طريق البيهقى [6/ 99، رقم 7603]، والشارح يلوم المصنف كثيرًا في مثل هذا، فلم لم يستدرك هذا الطريق لا سيما وقد رتب هو أحاديث مسند الشهاب، لكنه لما لم يكن حافظًا ولا من أهل الفن لم يعرف كيف يكشف عن الحديث من كتاب، لأن لفظه:"من كان آمرًا بمعروف فليكن أمره ذلك بمعروف"، فليس هذا في حرف "من" مع "الألف"، ولكنه مع "الكاف"، فلذلك خفى عليه.

3339/ 8533 - "مَنْ أَمْسكَ بِركابِ أخيهِ المسْلِمِ لا يرجُوُه ولا يخَافُه غُفِرَ لَه".

(طب) عن ابن عباس

قال في الكبير: قال الهيثمى: فيه حفص بن عمر المازنى ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

قلت: خرج له الدارقطنى، وقال: الياسوفى لا يعرف.

والحديث رواه أبو نعيم في الحلية عن الطبرانى [3/ 212]:

حدثنا أحمد بن داود المكى ثنا حفص بن عمر المزنى ثنا جعفر بن سليمان حدثنى أبي سليمان بن على بن عبد اللَّه بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس به.

ص: 216

ثم قال أبو نعيم: تفرد له على وعنه سليمان وعنه ابنه جعفر، ما كتبناه إلا من حديث حفص بن عمر المزنى.

قلت: كذا وقع في الأصل المزنى بدون أنس، ولم ينفرد به كما يوهمه كلام أبي نعيم الحافظ، بل تابعه حسين المقرى فقد رواه الدولابى في الكنى [2/ 99] في حرف "العين" عن النسائى، ولعله في كناه أيضًا قال: أنبأنا الفضل بن سهل حدثنى أبو محمد عبد اللَّه بن حرب ثنا حسين المقرى عن جعفر بن سليمان به.

3340/ 8534 - "مَن انْتَسبَ إلى تِسعةِ آباء كُفَّارٍ يُريدُ بِهم عِزا وكَرمًا كان عَاشِرَهمْ في النَّار".

(حم) عن أبي ريحانة

قال في الكبير: أبو ريحانة اثنان: مدنى وسعدى، فكان ينبغى تمييزه.

قلت: ولم لم تميزه أنت وأنت الشارح وتلك وظيفتك لا وظيفة لك غيرها، فإذا عجزت ولم تعرف أيهما هو، لأنه كذلك وقع في الحديث، فالتمس مثل ذلك لغيرك.

ثم قال: قال الهيثمى: رجاله ثقاته، ومن ثم رمز المصنف لحسنه.

قلت: ومن قال لك أنه رمز لحسنه تقليدًا للهيثمى لا اجتهادًا منه، هذا لعجب.

وبعد فأبو ريحانة هو شمعون الأتصارى، وهو معروف مشهور لا يلتبس بغيره إلا على الشارح.

والحديث خرجه أيضًا البخارى في التاريخ الكبير [2/ 355، رقم 2733] وأبو نعيم في موضعين من تاريخ أصبهان [1/ 325 و 2/ 363]، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين، كلهم من طريق حميد الكندى عن عبادة بن

ص: 217

نسى عن أبي ريحانة به.

وقال البخارى: لا أراه إلا مرسلًا، يريد أنه منقطع وأن عبادة بن نسى لم يدرك أبا ريحانة.

3341/ 8536 - "مَنِ انتَهبَ فليْسَ مِنَّا".

(حم. ت) والضياء عن أنس، (حم. د. هـ) والضياء عن جابر

قال في الكبير: قال الديلمى: وفي الباب عمران بن حصين وغيره.

قلت: أخرجه الطحاوى في مشكل الآثار (2/ 130) من حديث عمران بن حصين [3/ 356، رقم 1312] ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة [3/ 355، رقم 1311] ومن حديث جابر بن عبد اللَّه [3/ 3557، رقم 1313] ومن حديث أنس بن مالك [3/ 358، رقم 1317].

3342/ 8538 - "مَنْ أنظَرَ مُعْسِرًا إلى ميْسرَتِه أنظَرَه اللَّه بذَنبِه إلى تَوْبَتِه".

(طب) عن ابن عباس

قال الشارح: وضعفه الأزدى.

قلت: هذا خطأ فاحش يوهم أن الحديث خرجه الأزدى وضعفه، والواقع أن الأزدى ما ذكر الحديث ولا تعرض له أصلًا، وإنما ضعف راويًا وقع في سند هذا الحديث، والشارح نفسه نقل ذلك في الكبير فقال: قال الهيثمى [4/ 134]: فيه الحكم بن الجارود، وقد ضعفه الأزدى، وشيخ الحكم وشيخ شيخه لم أعرفهما اهـ. فانظر إلى هذا التهور الغريب.

وبعد، فالحديث له طريق آخر من حديث جابر بن عبد اللَّه، قال الدينورى في المجالسة:

ص: 218

حدثنا على بن سعيد بن عثمان البغدادى ثنا أبو الأشعث ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد اللَّه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انظر معسرًا إلى ميسرة أنظره اللَّه من ذنبه إلى توبته".

3343/ 8540 - "مَنْ أُنعم عَليه نعْمة فليَحْمدِ اللَّه ومن استْبطَأ الرِزقَ فليَستغْفرِ اللَّه، ومن حزبه أمرٌ فليَقُلْ: لا حَوْل ولَا قوةَ إلا باللَّهِ".

(هب) عن على

قال في الكبير: رواه البيهقى من حديث سعيد بن داود الزنبرى عن ابن أبي حازم عن عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على به، قال ابن أبي حازم وعبد العزيز: كنا جلوسًا فدخل الثورى فقال له جعفر: إنك رجل يطلبك السلطان وأنا يتبعنى السلطان، فقم غير مطرود، قال سفيان: فحدث لأقوم، قال جعفر: أخبرنى أبي عن جدى فذكره، قال الشارح: وظاهر صنيع المصنف أن البيهقى خرجه وسلمه، والأمر بخلافه بل عقبة ببيان حالة فقال: تفود به الزنبرى عنه، والمحفوظ أنه من قول جعفر، وقد روى من وجه آخر ضعيف اهـ. قال: والزنبرى هذا أورده الذهبى في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة وغيره، وقال أبو زرعة: سئ الحفظ.

قلت: فيه أمور، الأول: الزنبرى هو بفتح الزاي المعجمة والباء الموحدة وبينهما نون ساكنة وآخره راء مهملة، والشارح ذكره مرارًا باسم بلفظ النسبة إلى الزبير، وإن كان في الأصل المطبوع حرف بلفظ: الزبيدى آخره قال مهملة نسبة إلى زبيد.

الثانى: قال في الإسناد: عن ابن أبي حازم عن عبد العزيز، فجعل الثانى شيخًا للأول، ثم قال: قال ابن أبي حازم وعبد العزيز: كنا جلوسًا، وهذا حقه أن يقول في الإسناد عن ابن أبي حازم وعبد العزيز بواو العطف، ثم قال في آخر الكلام: وعبد العزيز قال أبو زرعة: سئ الحفظ، وهذا يدل على

ص: 219

أحد الغلطين، إما غلط صناعى لأنهما إذا رويا القصة معًا وشاهداها فلا وجه لتضعيف الراوى مع مشاركة غيره له، وإما أن يكون الواقع أن عبد العزيز بن أبي حازم رواه عن عبد العزيز بن محمد، فيكون هذا من الخبط والتخليط.

الثالث: قوله: وظاهر صنيع المصنف أن البيهقى خرجه [1/ 441، رقم 651] وسلمه سخافة سود بها الكتاب من أوله إلى آخره، والواقع أن المصنف لا ينقل كلام المخرجين ولا يلزمه ذلك لا في هذا الكتاب ولا في غيره وإنما هذا الرجل يكرر ذلك ويلزمه ما لا يلزمه ويأتى بهذا الباطل في صورة اعتراض.

الرابع: أن كلام البيهقى ليس وحيًا يتلى حتى يلتزم المصنف اتباعه فيه، بل قد يكون البيهقى واهمًا في كثير من أحكامه على الأحاديث، فلا يعتبره الحفاظ الذين منهم المصنف، ومن ذلك كلامه على هذا الحديث.

الخامس: تعرضه لجرح عبد العزيز بن محمد من قبيل الجهل التام بالحديث، فإنه الإِمام الحافظ الكبير الدراوردى الثقة المتفق على ثقته، وأخرج حديثه في الصحيحين وغيرهما من كتب الصحة، وهو قرين الإِمام مالك في السن والحفظ والمعرفة، وقد أثنى عليه مالك ووثقه، فذكر كلام أبي زرعة فيه جهل تام وبعد كلى عن معرفة صناعة الحديث فلو لم يدخل نفسه هذا الشارح في الفضول واقتصر على التقليد ونقل كلام الحفاظ لكان أولى به.

السادس: للحديث طريق آخر، قال أبو عبد اللَّه محمد بن إسحاق بن منده في مسند إبراهيم بن أدهم:

أخبرنا محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الإخميمى بمصر ثنا غسان بن سليمان ثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الجزرى عن سفيان عن إبراهيم بن أدهم عن محمد ابن على عن أبيه عن جده عن على عليه السلام به مثله، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن الجزرى اتهمه ابن حبان [2/ 35].

ص: 220

3344/ 8542 - "مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً في سَبِيل اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ".

(حم. ت. ن. ك) عن خريم بن فاتك

وحرفه الشارح في الشرحين معًا.

وقال في الكبير: خزيم بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين بغير هاء، قال: وهو خزيم بن الأخزم بن شداد. . . إلخ.

قلت: وهذا من العجائب، وكان واللَّه من حق من يجهل مثل هذا الاسم الذي يعرفه صغار طلبة الحديث، بل وبعض المتنورين من العوام ألَّا يتجاسر بالانتقاد ولا سيما بالباطل على أكابر الحفاظ والعلماء كالمصنف، فالصحابى مشهور جدًا وهو خريم بالراء المهملة، وكذلك والده أخرم بالراء المهملة، لا يشك فيه طالب علم.

3345/ 8543 - "مَنْ أَهَانَ قُرشيا أهَانهُ اللَّهُ".

(حم. ك) عن عثمان

قال في الكبير: وهذا رواه الطبرانى وأبو يعلى والبزار، قال الهيثمى: ورجالهم ثقات، وفي الحديث قصة، ورواه الترمذى باللفظ المزبور وكان المصنف ذهل عنه.

قلت: ما رواه الترمذى أصلا، لا باللفظ المزبور ولا بغيره (1)، وما ذهل المصنف، ولكن جهل الشارح من كون الحافظ الهيثمى ذكر الحديث في مجمع الزوائد [10/ 27] كما نقل هو نفسه كلامه على إسناده، والهيثمى لا يذكر

(1) أخرجه الترمذى (5/ 714، رقم 3905) عن محمد بن سعد عن أبيه مرفوعًا بلفظ: "من يرد هوان قريش أهانه اللَّه".

ص: 221

إلا الزوائد على الكتب الستة، ولا يورد حديثا وقع فيها إلا سهوا، فكيف لو راجع الأطراف، أو اعتمد عزو المصنف الحافظ، ثم إن قوله: وفي الحديث قصة، يوهم أنها وقعت في نفس الحديث مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هي سبب وروده، أو نحو ذلك، والواقع بخلافه، فإنها وقعت في سند الحديث، فإن عبيد اللَّه بن عمر بن موسى "قال: كنت عند سليمان بن على، فدخل شيخ من قريش، فقال سليمان: انظر الشيخ فأقعده مقعدا صالحا، فإن لقريش حقا، فقلت: أيها الامير ألا أحدثك بحديث بلغنى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: قلت: بلى، قلت بلغنى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"من أهان قريشا أهانه اللَّه"، قال: سبحان اللَّه ما أحسن هذا، من حدثك هذا؟، قال: قلت: حدثنيه ربيعة بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن عمرو بن عثمان ابن عفان قال: قال أبي: يا بنى إن وليت من أمر الناس شيئًا فأكرم قريشا، فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"من أهان قريشا" الحديث.

3346/ 8544 - "مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ".

(هـ) عن أم سلمة

قاله الشارح: إسناده حسن.

وقال في الكبير: وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله، والأمر بخلافه، بل بقيته عند أبي داود "ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة"، فحذفه غير جيد، ثم إن المصنف رمز لحسنه، وفيه محمد بن إسحاق، وفيه كلام ولفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه "كانت كفارة لما قبلها من الذنوب"، ثم إن عزوه لابن ماجه يؤذن بأنه تفرد به عن الستة، وليس كذلك، بل رواه أبو داود باللفظ المزبور عن أم سلمة، وكأن رمز المصنف بالهاء سبق قلم من الدال، ثم إن فيه يحيى بن سفيان الخنسى، قال

ص: 222

أبو حاتم: ليس يحتج به، وقال الذهبى: وثق، وقال المنذرى: اختلف فيه يعنى في إسناده ومتنه.

قلت: فيه أمور، الأول: قوله: وقضية صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله، والأمر بخلافه، بل بقيته عند أبي داود. . . إلخ. هدرمة فارغة، فإن المصنف لم يعز الحديث لأبي داود، بل عزاه لابن ماجه [2/ 999، رقم 3001] فكيف يدخل حديثا في حديث ورواية في رواية ويعزو إلى ابن ماجه ما لم يخرجه، فيكون كأنه المناوى الشارح -سامحه اللَّه- والمصنف أجل وأعلا من ذلك، وقد برأه اللَّه تعالى مما هو دون ذلك بألف مرحلة، فكيف بهذا؟!.

الثانى: قوله: "ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة"، هكذا ذكره بواو العطف، والحديث عند أبي داود [2/ 143، رقم 1741] بأو التي للشك، مع التصريح بذلك من الواوى، وهو قوله:"غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة"، شك عبد اللَّه أيتهما قال، فخلط هذا بذاك وقلب متن الحديث هو الذي ليس بجيد لا اتباع المصنف للواجب عليه وتحوى الصواب كما يريد منه الشارح أن يدخل حديثا في حديث، ورواية أبي داود في رواية ابن ماجه، مع أنه لم يذكر أبا داود.

الثالث: قوله: رمز لحسنه وفيه محمد بن إسحاق وفيه كلام، فضول من جهة، وكلام لا يقصد منه حقيقة، وإنما يراد به الإكثار من تخطئة المصنف بالباطل، وإلا لما اقتصر هو في الصغير على تحسينه، وأيضًا فابن إسحاق ثقة، وأوثق من الثقة، وحديثه صحيح، وقد صححه الحافظ المنذرى في الترغيب [2/ 190، رقم 2،1، 3].

ص: 223

الرابع: قوله: ولفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه: "كانت كفارة لما قبلها من الذنوب" لا يخلو أن يكون وقف عليه في سنن ابن ماجه نفسه، أو في غيره، فإن كان الأول فهو كذب أو تلبيس ولابد، وإن كان الثانى فلا معنى للتعقب بما لم يتحقق منه بالوقوف عليه في أصله، والواقع أن ابن ماجه خرج اللفظين فقال أولا [2/ 999، رقم 3001]:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثنى سليمان بن سحيم عن أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "قال: من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له".

ثم قال [2/ 999، رقم 3002]:

حدثنا محمد بن المصفى الحمصى ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن أبي سفيان عن أمه أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت [له] (1) كفارة لما قبلها من الذنوب"، قالت: فخرجت أمى من بيت المقدس بعمرة. فابن ماجه خرج اللفظين، والمصنف إنما أراد اللفظ الأول، فلا وجه للتعقب عليه.

الخامس: قوله: ثم إن عزوه لابن ماجه يؤذن بأنه تفرد به عن الستة. . . إلخ باطل، فإن المصنف ذكر في الأصل -الذي هو الجامع الكبير- رواية أبي داود بلفظ:"من أهل بحج أو عمرة" بالشك، وعزاها لأحمد وأبي داود، ثم ذكر الرواية المذكورة هنا، وعزاها لابن ماجه، ثم ذكر رواية ابن ماجه الثانية، وعزاها له أيضًا، ولكنه في

(1) الزيادة من سنن ابن ماجه.

ص: 224

هذا الكتاب المختصر اقتصر على رواية ابن ماجه الأولى فقط، فلا وهم ولا ذهول، والعجب أن الشارح ما رأى هذه الروايات الثلاث إلا في كتاب الجامع الكبير للمصنف، ومنه ينقل، ثم يرجع فينسب إليه الوهم والذهول.

السادس: قوله: وكأن رمز المصنف بالهاء سبق قلم من الدال، كلام في غاية السقوط، فإنه كان يكون كذلك لو لم يخرجه ابن ماجه أصلا، وإنما خرجه أبو داود، أما والحديث خرجه ابن ماجه باعترافه كما يقول: أنه وقف عليه، فلا معنى لما يقول.

السابع: قوله: ثم إن فيه يحيى بن سفيان، باطل أيضًا، فإن يحيى المذكور لا وجود له في سند الرواية المذكورة هنا كما سبق، وإنما هو في سند الرواية الأخرى كما ذكرته أيضًا.

الثامن: قوله: يحيى بن سفيان بدون أداة الكنية في الأب غلط، وإنما هو يحيى بن أبي سفيان.

التاسع: قوله: الخنسى، غلط بل هو الأخنسى بالألف نسبة إلى جده أخنس.

العاشر: قوله: قال: أبو حاتم لا يحتج به، باطل لا أصل له، ولم يقل أبو حاتم ذلك، بل قال: شيخ من شيوخ المدينة، ليس بالمشهور، فحرف الشارح هذا إلى قوله: ليس بحجة ليتم له ما أراد من معارضة حكم المصنف ولو بالكذب، والرجل قد ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكره الذهبى في الميزان.

الحادى عشر: قوله: وقال المنذرى: اختلف فيه -يعنى في إسناده-، ومتنه هو كما قال، وهذا الكلام ذكره في اختصار سنن أبي داود، الذي يتكلم فيه على الإسناد، ولكنه صححه في الترغيب، واعتمد تصحيح من صححه، وهو أقرب إلى الشارح من اختصار السنن، والنقل منه أولى لأنه من مشهور

ص: 225

الكتب، ومما ألف الحافظ المنذرى متأخرا، وقد صدر رواية ابن ماجه المذكورة هنا مختصرة، وقال: رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

قال: وفي رواية له: "من أهل بعمرة من بيت المقدس كان كفارة لما قبلها من الذنوب".

قال: ورواه ابن حبان في صحيحه [9/ 14، رقم 3701]، ولفظه:"من أهل من المسجد الأقصى بعمرة غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال: ورواه أبو داود والبيهقى [5/ 30]، ولفظهما:"من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة"، شك الراوى. . . إلخ.

فكان الأولى نقل هذا واعتماده دون كلامه في اختصار السنن، أو الجمع بينهما على الأقل، ثم إن الحافظ المنذرى أشار بالاختلاف إلى ما ذكره البخارى في "التاريخ الكبير" في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن يحنس، فهو الذي أشار إلى طرقه واختلاف الرواة فيه، فانظره إن شئت (1/ 160) من الجزء الأول.

3347/ 8545 - "مَنْ بَاتَ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ مَاتَ مِن لَيْلَتِهِ مَاتَ شَهِيدًا".

ابن السنى عن أنس

قلت: سكت الشارح في الشرحين على هذا الحديث، ولم يتعرض لرمز المصنف له بعلامة الضعيف، كأنه لم يجد ما يغمز به كلامه، والحديث فيه ضعيفان، سليمان بن سلمة الخبائرى، وشيخه يونس بن عطاء الصدائى فكلاهما متروك بل متهم.

ص: 226

3348/ 8547 - "مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَليهِ حِجَابٌ فَقد بَرِئتْ مِنهُ الذمة".

(خد. د) عن على بن شيبان

قال الشارح: وفيه مجهولان.

وقال في الكبير: رمز المصنف لحسنه، وفيه كما قال الذهبى: أبو عمران الجونى، لا يعرف، وفيه عبد الرحمن بن على هذا، قال ابن القطان: هو مجهول.

قلت: كل هذا باطل لا أصل له، فالذهبى لو سكر وغاب عقله لما قال في أبي عمران الجونى: لا يعرف، بل لا يصدر هذا من إنسان شم رائحة العلم، بل ممن يتكلم وعقله حاضر معه وهو ينطق ويعرف ما يقول، بل لا يصدر هذا إلا من المناوى وحده، فأبو عمران الجونى إمام مشهور ثقة أشهر بين أهل الحديث من نار على علم، احتج به الستة كلهم وهو من سادات التابعين أدرك جماعة من الصحابة، وروى عنه الأئمة مثل شعبة والحمادان وطبقتهم، ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائى وابن سعد وابن حبان، وذكره أبو نعيم في الحلية ووصفه بقوله: ومنهم الواعظ اليقظان موقظ الوسنان ومنفر الشيطان الجونى أبو عمران. . . إلخ ما قال.

فعجبا لهذا الشارح، ما أشد غفلته؟!.

والعجب أنه نفسه ترجم لأبي عمران الجونى في طبقات الصوفية، ثم هو الآن ينسب لإمام العلماء بالرجال أنه يقول عن أشهر مشاهيرهم: إنه لا يعرف، وبعد هذا كله فاعلم أن أبا عمران لا يوجد في سند هذا الحديث (1).

وأما عبد الرحمن بن على فباطل أيضًا ما حكاه فيه، فقد ذكره ابن حبان في

(1) يوجد هنا كشط في المخطوطة مقداره نصف سطر.

ص: 227

الثقات، واحتج به في صحيحه، وقال العجلى: تابعى ثقة، ووثقه أيضًا أبو العرب التميمى، وابن حزم -شيخ المتشددين- في الرجال، وهو الذي لا يعدو كلامه ابن القطان، فكيف يقول: فيه مجهول؟!

وكيف يكون مجهولا، وقد روى عنه ابنه يزيد، وعبد اللَّه بن بدر الحنفى، ووعلة بن عبد الرحمن، والجهالة ترتفع برواية اثنين، فكيف مع انضمام توثيق الحفاظ المتعددين له.

ثم إن الحديث له طريق آخر مرفوع، أخرجه البخارى في "الأدب المفرد" أيضًا قال [ص 395، رقم 1199]:

حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا الحارث بن عمير قال: حدثنى أبو عمران عن زهير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات على إجار فوقع منه فمات برئت منه الذمة، ومن ركب البحر حين يرتج -يعنى يغتلم (1) - فهلك برئت منه الذمة".

وهكذا رواه أحمد [5/ 79] والبيهقى في الشعب [4/ 179، رقم 4725]، وحسنه الحافظ المنذرى [4/ 56، رقم 4]، وهذا الحديث هو الذي في سنده أبو عمران الجونى، أما حديث المتن الذي زعم الشارح أنه من رواية أبي عمران فقال البخارى [ص 395، رقم 1197]:

حدثنا محمد بن المثنى ثنا سالم بن نوح أخبرنا عمر -رجل من بنى حنيفة- هو ابن جابر عن وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب عن عبد الرحمن بن على عن أبيه به.

وبهذا السند رواه أبو داود [4/ 311، رقم 5040] عن محمد بن المثنى أيضًا، وله شاهد موقوف على أبي أيوب الأنصارى.

أخرجه البخارى في "الأدب المفرد"[ص 395، رقم 1198] أيضًا من حديث

(1) في القاموس المحيط: "اغتلم": "هاج".

ص: 228

على بن عمارة قال: جاء أبو أيوب الأنصارى فصعدت به على سطح أفلح فنزل وقال: كدت أن أبيت الليلة ولا ذمة لى.

3349/ 8548 - "مَنْ بَاتَ وَفي يَدِهِ غمر فَأصَابَهُ شَيءٌ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ".

(خد. ت. ك) عن أبي هريرة

قال في الكبير: وقضية تصرف المصنف أن الترمذى تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه، بل رواه أبو داود، قال ابن حجر: بسند صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة رفعه، "من بات وفي يده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه"، فزاد على الترمذى قوله:"ولم يغسله" مع صحة إسناده، والقاعدة عندهم أن أبا داود مقدم في العزو إليه على الترمذى فإهماله العزو إليه مع صحة إسناده وزيادة متنه من سوء التصرف.

قلت: المصنف له وضع مخصوص في كتابه وهو مراعاة الحروف في أوائل الأحاديث وأوائل الكلمات، فرواية الترمذى [4/ 289، رقم 1859] المذكورة هنا بلفظ: "من بات" فذكرها في حرف "من" بعدها "باء" بعدها "ألف"، وأما رواية أبي داود فهى بلفظ:"من نام" فموضعها حرف "من" بعدها "نون"، وكذلك فعل المصنف في الكبير وفي ذيل الصغير أيضًا، فذكر هذا ثم أعاده في حرف "من" مع "النون" وعزاه لأحمد [2/ 263] وأبي داود، والشارح يعرف هذا جيدًا ويتحققه يقينًا ولكنه يتغافل.

ثم هو يهرب من نقل الحديث من مصدره، والمؤلف الذي خرج فيه وهو "سنن أبي داود"، لأنه لو نقله منه لافتضح، وكذلك لا ينقله عمن يراعى الألفاظ غالبًا كالحافظ المنذرى في الترغيب وينقب عمن لا يراعى إلا متن الحديث ويحمل رواية بعض المخرجين على البعض الآخر، فيلبس بذلك على القارئين، كما نقل هذا الحديث عن الحافظ وترك نقله من السنن أو من الترغيب للمنذرى.

ص: 229