الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قاعدة جليلة في المتابعات والشواهد]
قلت: هذا باطل، بل لا شيء من هذا عندهم أصلا وهم أعلا وأجل من أن ينطقوا بمثل هذا الباطل المخالف للعقل والنقل، فإن الكذاب إذا روى خبرا ظن كذبه ولم يقبل منه، فإذا وافقه عليه ثقه معروف بالصدق زال ما كان يخشى من كذبه، وصار الخبر مقبولا صحيحا عقلا، لأنه إذا كان خبر الصادق مقبولا بدون موافقة الكذاب فلا تفيده موافقة الكذاب ردا، بل تزيده قوة، وهذا هو المنقول عن أهل الحديث والأصول، وكم حديث رواه الوضاعون وهو مخرج في الصحيحين من غير طريقهم؟ فتجد الحديث الواحد مذكورا في كتب الضعفاء محكوما على راويه بأنه كذاب، مع أن الحديث نفسه في صحيح البخارى، إما من ذلك الوجه الذي أتى به ذلك الكذاب أو من وجه آخر إلا أن المتن واحد، وكم حديث حكم ابن الجوزى بوضعه واتهم به راويا كذابا فتعقبه الحفاظ بأنه قد تابعه الثقات عليه، والمقصود أن ما قاله الشارح من أبطل الباطل الدال على أنه أبعد خلق اللَّه عن معرفة هذا الفن، فلا أدرى كيف اجترأ على كتابة شرح على شرح النخبة للحافظ مع الجهل التام بالفن، والواقع أنه سمع شيئًا ولم يتقنه ولا عرف المراد منه فاشتبه الأمر فيه عليه، وذلك أن المقرر عندهم في المتابعات والشواهد أنها تفيد الحديث قوة إذا كان المتابع بالكسر أقوى من المتابع بالفتح، أما إذا كان كل منهما في درجة واحدة أو كان المتابع بالكسر أضعف من المتابع فلا، فإذا روى الحديث كذاب وضاع عن مالك عن نافع مثلا والتمسنا له متابعا فوجدنا وضاعا آخر مثله رواه عن مالك أيضًا أو عن الليث عن نافع فهذه المتابعة لا تفيد شيئًا، لأن الوضاعين يسرقون الأحاديث ويركبون لها أسانيد
أخرى فلا يعتبر بمتابعتهم ولو تعددت، وإنما يعتبر بمتابعة الضعيف الذي لم يتهم بكذب بل بسوء حفظ ونحوه.
والمصنف ذكر لحديث الباب شاهدين ضعيفين قد نقلهما الشارح بعد هذا مع الحديث الذي ذكره في المتن فأتى بالصواب واتبع ما هو المقرر لتقوية الأحاديث.
3406/ 8723 - "مَنْ زَنَى زُنى بِهِ وَلو بِحيطَانِ دارِهِ".
ابن النجار عن أنس
قلت: وقع في بعض النسخ المطبوعة من المتن رمز الصحة على هذا الحديث، وذلك باطل بل لم يرمز له المصنف بشيء.
والحديث منكر، وقد ورد في معناه حديث إلا أنه موضوع لأنه من رواية وضاع، قال أبو نعيم في ترجمة الحسين بن عبد اللَّه بن حمران الرقى (1):
حدثنا محمد بن على بن عاصم ثنا عبد اللَّه بن محمد بن الحسين المعدل الأصبهانى ثنا الحسين بن عبد اللَّه بن حمران ثنا إسحاق بن نجيح ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما زنى عبد فأدمن على الزنا إلا ابتلى به أهل بيته"، فإسحاق بن نجيح الملطى كذاب.
3407/ 8724 - "مَنْ زَنَّى أمةً لَمْ يرها تزنى جلدهُ اللَّه يومَ القيامة بسوطٍ مِنْ نَارٍ".
(حم) عن أبي ذر
قال في الكبير: رمز لحسنه، وفيه عبيد اللَّه بن أبي جعفر، أورده الذهبى في الضعفاء وقال: قال أحمد: ليس بقوى.
(1) انظر أخبار أصبهان (1/ 278).
قلت: الذهبى لم يقل فيه ذلك، بل قال: صدوق موثق، وقال أحمد: ليس بقوى، وروى عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: ليس به بأس كان يتفقه، وقال أبو حاتم والنسائى وغيرهما: ثقة، وقال ابن يونس: كان عالما زاهدا عابدا اهـ.
فهذا الرجل إذا من شرط الصحيح لا من شرط الحسن، وهو متفق على الاحتجاج به، روى له الشيخان والأربعة، ولكن الشارح لبعده عن معرفة الفن يظن أن الحديث لا يحكم له بالحسن فضلا عن الصحة حتى لا يقال في راويه أدنى كلمة جرح، وذلك تقريبا غير موجود في رجال الحديث إلا نادرا جدا.
والمصنف لم يقتصر على الحكم بحسنه لأجل هذا، فإنه من رجال الصحيح كما ذكرت لك، ولكن شيخه الحمصى وشيخ شيخه أبا طالب لا يعرفان، وهذا على ما وقع في مسند أحمد فإنه قال [5/ 155]:
حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ليث بن سعد عن عبيد اللَّه بن أبي جعفر عن الحمصى عن أبي طالب عن أبي ذر.
لكن رواه البخارى في الكنى من التاريخ الكبير عن يحيى بن بكير [8/ 45]: ثنا الليث عن عبيد اللَّه بن أبي جعفرِ عن أبي طالب، بدون ذكر الحمصى بينهما.
وقد ذكر الحافظ في التعجيل أبا طالب عن أبي ذر قال: وعنه الحمصى، ثم قال: كذا رأيته في المسند، ووقع في الكنى لأبي أحمد تبعا للبخارى الجهضمى، ولم يذكر له اسما ولا حالا ولا لأبي طالب، وفي الثقات لابن حبان: أبو طالب الضبعى عن ابن عباس وعنه قتادة، فما أدرى هو هذا أو غيره اهـ.
قلت: البخارى لم يقل في أبي طالب لا الجهضمى ولا غيره، فكأن الحافظ لم يقف على كنى البخارى، وإنما الذي ذكره بـ "الضبعى" هو الدولابى في الكنى وسماه دينارا ثم قال: سمعت العباس بن محمد يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: اسم أبي طالب الذي يروى عنه قتادة "دينار" وفي موضع آخر قال: سمعت يحيى يقول: وقيل أن قتادة يقول: حدثنى أبو طالب الحجام، فقال: نعم هكذا كان يقول: حدثنى أبو طالب الضبعى وكان حجاما اهـ.
قلت: وفي مصنف ابن أبي شيبة عن وكيع عن شبة عن قتادة عن أبي طالب الحجام وكان ثقة عن ابن عباس فذكر حديثا، فالظاهر أنه هو وأن الحمصى تحرف عن الضبعى، والواقع تقديم النسبة على الكنية، فكأنه قال: عن الضبعى أبي طالب فحرف الضبعى بالحمصى وزيدت كلمة "عن" -أعنى في المسند- بدليل سلامة سند البخارى من ذلك.
3408/ 8725 - "مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا عَلَّمَهُ اللَّهُ بِلا تَعَلُّمٍ، وَهَدَاهُ بَلا هِدَايَةِ، وَجَعَلَهُ بَصِيرًا وَكَشَفَ عَنْهُ العَمَى".
(حل) عن على
قال الشارح: وفيه ضعيف.
قلت: هذا من تهور الشارح، فإنه لما رأى المصنف رمز له بعلامة الضعيف قال: وفيه ضعيف، وإلا فهو قد وقف على إسناده في الحلية لأنه عين في الكبير موضعه من الحلية، وحيث أنه وقف على إسناده فلو عرف أن فيه ضعيفا لسماه على عادته، والواقع أن جل رجال سند الحديث لا يعرفون لا بضعف ولا بغيره، قال أبو نعيم [1/ 72]:
حدثنا أبو ذر محمد بن الحسين بن يوسف الوراق ثنا محمد بن الحسين بن حفص ثنا على بن حفص العبسى ثنا نصير بن حمزة عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه متصلا إلى على عليه السلام.
ثم إن هذا الحديث له شواهد متعددة تدل على ثبوته، قال أبو نعيم في الحلية [8/ 135]:
حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن جعفر ثنا عبد اللَّه بن محمد بن العباس ثنا سلمة ابن شبيب ثنا إسماعيل بن عاصم ثنا إبراهيم بن الأشعث عن فضيل بن عياض عن عمران بن حسان عن الحسن قال: "خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم فقال: هل منكم أحد يريد أن يذهب اللَّه عنه العمى ويجعله بصيرا، ألا من رغب في الدنيا وطال أمله فيها أعمى اللَّه قلبه على قدر ذلك، ومن زهد في الدنيا وقصر أمله فيها أعطاه اللَّه تعالى علما بغير تعلم وهدى بغير هداية" الحديث، فهذا مما سمعه الحسن البصرى عن على عليه السلام كما ورد عنه أن كل ما لم يسم فيه صحابيه فهو مما سمعه من على.
وقال أبو نعيم عقب الحديث: لا أعلم رواه بهذا اللفظ إلا الفضيل عن عمران، وعمران يعد في أصحاب الحسن لم يتابع على هذا الحديث كذا قال، وتبعه الحافظ فذكر عمران بن حسان في اللسان، ونقل كلام أبي نعيم فيه ولم يزد سوى قوله: وإبراهيم راويه عن فضيل ضعيف اهـ.
وهذا غريب منهما ولاسيما أبي نعيم، فإن هذا الرجل انقلب اسمه عليه، فإنه ذكره قبل ذلك باسم حسان بن عمران، فقال في الجزء السادس بعد ترجمة على بن على الرفاعى ما نصه [6/ 312]: وقد روى عن عدة من كبار أهل البصرة، كان المنظور إليهم في العبادة والترهب، والتشمر للعقبى والتأهب، لم ينقل كلامهم ولا انتشر في ديوان الناقلين أحوالهم، منهم من تقدم ذكرهم، ومنهم من تأخر مثل حسان بن عمران، ثم قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن أبان حدثنى أبي ثنا أبو بكر بن سفيان ثنا محمد بن على بن شقيق ثنا إبراهيم بن الأشعث ثنا الفضيل بن عياض عن حسان بن عمران عن الحسن قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم" فذكر الحديث نفسه، ثم قال: غريب من حديث الحسن، لم يروه عنه إلا حسان مرسلا، ولا أعلم عنه راويا إلا الفضل بن عياض.
وقال الديلمى في "مسند الفردوس"[4/ 360، رقم 6580]:
أخبرنا أحمد بن نصر أخبرنا طاهر بن ماهلة أخبرنا صالح بن أحمد إجازة، ذكر عبد الرحمن بن الحسن وجدت في كتاب جدى أحمد بن محمد بن عبيد حدثنا أبي ثنا بشير بن زاذان ثنا عمر بن صبح عن سعيد بن المسيب عن أبي ذر رفعه:"ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت اللَّه الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسان، وبصره عيب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام".
وقال أبو نعيم في "التاريخ"[1/ 127]:
حدثنا أبو سعيد الحسين بن محمد بن على ثنا أحمد بن محمد بن مسعدة الفزارى الأصبهانى ببغداد ثنا يوسف بن حمدان القزوينى ثنا عبد اللَّه بن زياد بقزوين ثنا إسماعيل بن عياض عن إسماعيل بن عبد اللَّه اللخمى عن مهاجر عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من رغب في الدنيا وأطال فيها رغبته أعمى اللَّه قلبه على قدر رغبته فيها، ومن زهد في الدنيا وقصر فيها أمله أعطاه اللَّه علما من غير تعلم، وهدى من غير هداية".
وقال في "التاريخ" أيضًا [2/ 353]:
حدثنا أبي حدثنا أحمد بن جعفر بن هانئ ثنا أبو محمد يعقوب بن يوسف بن معدان ثنا أبو عبيدة السرى بن يحيى بن السرى ثنا شعيب بن إبراهيم التيمى ثنا سيف بن عمر الأسدى عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر بن لوذان السلمى الأنصارى، وكان فيمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع عماله إلى اليمن أن
النبي صلى الله عليه وسلم أوصى معاذ بن جبل حين بعثه وقال له: "تواضع يرفعك اللَّه، واستدق الدنيا يلقك الحكمة فإنه من تواضع للَّه واستدق الدنيا أظهر اللَّه الحكمة من قلبه على لسانه، واحذر الهوى فإنه قابد الأشقياء إلى النار".
3409/ 8726 - "مَنْ سَاءَ خُلُقهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ، وَمَنْ كَثُرَ هَمهُ سَقُمَ بَدَنهُ، وَمَنْ لاحَى الرِّجَالَ ذَهَبَتْ كَرَامَتُهُ وَسَقَطتْ مُرُوءتُهُ".
الحارث وابن السنى وأبو نعيم
قال الشارح في الكبير: كلاهما في الطب.
ثم قال في الصغير: ابن السنى في عمل اليوم والليلة، وأبو نعيم في الطب.
وقال في الكبير: فيه سلام أو أبو سلام الخراسانى، قال أبو حاتم: متروك.
قلت: أما قوله في الصغير: ابن السنى في عمل اليوم والليلة فباطل، بل الحديث ليس من موضوع اليوم والليلة، وإنما خرجه ابن السنى كأبي نعيم في الطب النبوى.
وأما سلام أو أبو سلام فهو كذلك في الإسناد إلا أنه عن أبي هريرة والذي قال فيه أبو حاتم: متروك هو سلام الطويل، وهو متأخر إلا أن يكون في هذا انقطاع.
قال الحارث بن أبي أسامة [2/ 819، رقم 853]:
حدثنا الحليس الحنظلى التميمى البصرى ثنا حفص بن عمر عن سلام أو أبي سلام الخراسانى عن أبي هريرة به، وحفص ابن عمر فيه مقال.
وقد رواه الطوسى في أماليه من طريق حفص بن عمر بن ميمون القرشى بسند آخر من حديث على عليه السلام، فإن كان المذكور في سند الحارث غير حفص بن عمر القرشى هذا وإلا فهو اضطراب منه.
قال الطوسى:
أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو الطيب النعمان بن أحمد بن نعيم القاضى الواسطى ثنا محمد بن شعبة بن خوال ثنا حفص بن عمر بن ميمون القرشى الأبلى أخبرنا عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن أبي طالب أخبرنى أبو جعفر محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن آبائه عن على عليه السلام به مثله، وزاد: ثم قال صلى الله عليه وسلم: "لم يزل جبريل ينهانى عن ملاحاتى الرجال كما ينهانى عن شرب الخمر وعبادة الأوثان"، ولينظر في رجاله.
3410/ 8727 - "مَنْ سَألَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ".
(م. 4) عن سهل بن حنيف
قال في الكبير: رواه هؤلاء في الجهاد من حديث سهل بن أسعد بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده سهل بن حنيف، ولم يخرجه البخارى واستدركه الحاكم فوهم، وسهل هذا تابعى ثقة واسم أبيه أسعد صحابى ولد في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسماه باسم جده لأمه أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكناه بكنيته، وجده سهل بن حنيف شهد بدرا، وليس في الصحابة سهل بن حنيف غيره، ومن لطائف إسناد الحديث أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده اهـ.
ثم بعد هذا قال في الصغير: عن سعد بن حنيف وهو تابعى خلافا لما يوهمه صنيع المؤلف.
قلت: فانظر إلى هذا وتعجب، فلو لم يكن إلا أنه كتب بيده عزو الحديث إلى صحيح مسلم لمنعه ذلك من أن يظن أنه مرسل ويوهم المؤلف بالباطل، فكيف وهو كتب في الكبير سند الحديث وترجم لصحابيه، ولكن حبك الشئ يعمى ويصم، فحبه الانتقاد على المؤلف بالباطل أعماه عن رؤية الصواب.
وفي الباب عن أنس قال الأبنوسى في فوائده:
أخبرنا أبو القاسم على بن عبد الرحمن بن الحسن بن على بن عليك ثنا والدى أبو سعيد حافظ وقته ثنا أبو طاهر بن خزيمة أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون البزار أنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد اللَّه السراج ثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندى ثنا شيبان بن فروخ الأيلى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "من سأل اللَّه الشهادة أعطيها ولو على فراشه".
ورواه مسلم في الصحيح [3/ 1517، رقم 1908/ 156] عن شيبان بن فروخ بلفظ: "من طلب"، وكذا أحمد [5/ 244]، وسيأتى للمصنف.
3411/ 8730 - "مَنْ سأَلَ مِن غيرِ فقرٍ فكأنَّما يأكلُ الجمرَ".
(حم) وابن خزيمة والضياء عن حبشى بن جنادة
قال في الكبير: قال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح.
وقال في الصغير: إسناده صحيح.
قلت: لا يلزم من قول الحافظ الهيثمى: رجاله رجال الصحيح أن يكون سنده صحيحا لأن بينهما فرقا، ولذلك يعدل الحافظ المذكور عن قوله في الأحاديث: سنده صحيح إلى قوله: رجاله رجال الصحيح ليبقى في حل من تبعة العلل التي تضعف الحديث وتسقطه ولو مع ثقة الرجال، وهذا الحديث قال فيه البخارى: فيه نظر، فقال في ترجمة حبشى بن جنادة [3/ 127، 128]: قال مالك بن إسماعيل:
حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشى بن جنادة، فذكر الحديث، ثم قال: وقال مالك: حدثنا شريك، قلت: لأبي إسحاق أين سمعت من حبشى؟ قال: وقف على مجلسنا فحدثنا، قال البخارى: في إسناده نظر.
3412/ 8732 - "مَنْ سُئِلَ عنْ عِلمٍ فَكَتمُه ألجمَه اللَّه يومَ القِيامِة بلجامٍ من نارٍ".
(حم. 4. ك) عن أبي هريرة
قال في الكبير: قال الترمذى: حسن، وقال الحاكم: صحيح، وقال المنذرى: في طرقه كلها مقال: إلا أن طريق أبي داود حسن، وأشار ابن القطان إلى أن فيه انقطاعا، وللحديث عن أبي هريرة طرق عشرة سردها ابن الجوزى ووهاها، وفي اللسان كالميزان عن العقيلى هذا الحديث لا يعرف إلا لحماد بن محمد وأنه لا يصح اهـ.
قال الذهبى في الكبائر: إسناده صحيح رواه عطاء عن أبي هريرة، وأشار بذلك إلى أن رجاله ثقات، لكن فيه انقطاع. . . إلخ.
قلت: فيه خبط وخلط وقلب للحقائق في كلام الحفاظ وتناقض واضطراب يوجب حيرة الناظر فلا يعرف صواب القول من خطئه ولا حقه من باطله، وبيان ذلك من وجوه، الأول: عبارة المنذرى في مختصر السنن، وقد روى عن أبي هريرة من طرق فيها مقال.
والطريق الذي خرج به أبو داود الحديث طريق حسن، فإنه رواه [3/ 321، رقم 3658] عن التبوذكى، وقد احتج به البخارى ومسلم عن حماد ابن سلمة، وقد احتج به مسلم واستشهد به البخارى عن على بن الحكم البنانى.
قال الإمام أحمد: ليس به بأس، وقال أبو حاتم الرازى: لا بأس به صالح الحديث عن عطاء بن أبي رباح، وقد اتفق الإمامان على الاحتجاج به، وقد روى هذا الحديث أيضًا عن رواية عبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عباس وعبد اللَّه بن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وأبي سعيد
الخدرى وجابر بن عبد اللَّه وأنس بن مالك وعمرو بن عبسة وعلى بن طلق، وفي كل منهما مقال اهـ.
الثانى: قوله: وأشار ابن القطان إلى أن فيه انقطاعا، يوهم أنه قال ذلك وأطلق، مع أنه بين في كلامه وفصل وأتى بطريق آخر غير منقطع، ونصه في كتاب "الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" لابن القطان:
ذكر عبد الحق هذا الحديث في أحكامه من جهة أبي داود، وسكت عنه، وفيه علة، وذلك أن أبا داود رواه من حديث حماد بن سلمة [3/ 321، رقم 3658]:
أنا على بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة.
وقد تابع حماد بن سلمة على هذا عمارة بن راذان كما هو عند الترمذى [5/ 29، رقم 2649] وابن ماجه [1/ 96، رقم 261]، وخالفهما عبد الوارث بن سعيد، وهو ثقة، فرواه عن على بن الحكم عن رجل عن عطاء عن أبي هريرة، فأدخل بين على بن الحكم وعطاء رجلا مجهولا يقال أنه حجاج بن أرطأه.
وهذا ظاهر الانقطاع، إذ لو سمعه على بن الحكم من عطاء، ما رواه عن رجل عنه إلا أن يكون قد صرح بسماعه من عطاء بأن يقول: حدثنا أو أخبرنا أو سمعت ونحو ذلك، فحينئذ نقول: إنه سمعه منه مرة ورواه أخرى بواسطة، فحدث به على الوجهين، أما إذا كان الأول معنعنا فإن زيادة رجل بينهما دليل انقطاعه، قال: وحديث أبي هريرة هذا حسن الإسناد، رواه قاسم بن أصبغ في كتابه:
حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص ثنا محمد بن أبي السرى العسقلانى ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا، فذكره. قال: وهؤلاء كلهم ثقات اهـ.
ولم يتنبه ابن القطان لتصريح على بن الحكم بالسماع في رواية ابن ماجه إلا أن يكون لم يقف عليه.
الثالث: قوله: وفي اللسان كالميزان عن العقيلى هذا الحديث لا يعرف إلا لحماد. . . إلخ، يوهم أن العقيلى يقول هذا عن حديث أبي هريرة المتحدث عنه، والواقع أنه يقوله عن حديث طلق بن على، ولذلك جاء التناقض بين الكلامين، كلام الشارح الذي حكاه عن ابن الجوزى أنه أورده من عشرة طرق، وكلام العقيلى الذي يقول: لا يعرف إلا لحماد، قال الذهبى: حماد ابن محمد عن مبارك بن فضالة ضعفه صالح بن محمد الحافظ، وقال العقيلى [1/ 313، رقم 384]: حماد بن محمد الفزارى لم يصح حديثه لا يعرف إلا به:
ثنا معاذ بن المثنى وسعد بن إسرائيل والحسن بن على الفارسى قالوا: حدثنا حماد بن محمد ثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق بن على عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"، فكلام العقيلى في حديث آخر غير الحديث الذي يتكلم الشارح عليه.
الرابع: قوله عقب قوله العقيلى: وإنه لا يصح، قال الذهبى في الكبائر: إسناده صحيح، من إلصاق التناقض بالذهبى، فإنه الحاكى عن العقيلى لا يصح والمقر له على ذلك، فكيف يقول في الكبائر: إنه صحيح؟
والواقع هو ما قررناه وأن ذلك من حديث آخر غير حديث أبي هريرة، فذاك غير صحيح من رواية طلق، وهذا صحيح من رواية أبي هريرة.
الخامس: قوله: وأشار -يعنى الذهبى- بذلك إلى أن رجاله ثقات، لكن فيه انقطاع، يضيق الصدر عن التعبير بما يلزم الشارح على هذا الهراء، فقول الحافظ في الحديث: إسناده صحيح معناه أن رجاله ثقات، وأنه سالم من العلل كلها لا يوجد فيه انقطاع ولا إرسال ولا اضطراب ولا شذوذ،
بخلاف ما لو قالوا: رجاله ثقات أو رجال الصحيح ولم يصرحوا بصحة السند، فإن الأمر يبقى محتملا والمجال واسعا لأن توجد فيه علة أو علل مع ثقة الرجال، فكيف يظن بالذهبى أنه صرح بصحة إسناده مع اعترافه بانقطاعه؟ وحيث جرى ذكر رواة هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، بل إحدى عشر بزيادة عائشة رضي الله عنها على ما سبق في كلام الحافظ المنذرى، فلنشر إلى تخريجها باختصار تكميلا للفائدة. وأما الأسانيد فذكرناها في الجزء الذي خصصناه لطرق هذا الحديث (1).
فحديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رواه الطبرانى في "الأوسط"[5027]، و"الكبير"[13/ 20، رقم 33]، وابن حبان في الصحيح [1/ 298، رقم 96] والحاكم في "المستدرك"[1/ 102، رقم 346]، وصححه على شرطهما، وقال: ليس له علة، والخطيب في "التاريخ"[5/ 38]، وابن عبد البر في "العلم"[1/ 10، رقم 8].
وحديث عبد اللَّه بن عباس رواه أبو يعلى [4/ 458، رقم 2585]، والخطيب في التاريخ [(5/ 160)، (7/ 406)] من طريقين عن أبي عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وله طرق أخرى عند الطبرانى [(5/ 11، رقم 10845)، (145/ 11، رقم 11310)]، وأبي نعيم في الرياضة، والعقيلى في الضعفاء [4/ 206]، وابن عبد البر في "العلم"[1/ 20، رقم 12].
وحديث أبي سعيد رواه ابن ماجه في السنن [1/ 97، رقم 265]، وفيه محمد بن داب، كذبه ابن حبان وغيره.
وحديث جابر رواه أبو عمرو بن حمدان في الثانى من فوائد الحاج، والخطيب
(1) للمؤلف رحمه الله جزء في هذا الحديث سماه: "رفع المنار لحديث من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار".
في "التاريخ"[(7/ 198)، (9/ 92)]، وابن عساكر في "تبيين كذب المفترى" والعقيلى في "الضعفاء"[3/ 426]، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان"[1/ 297].
وحديث أنس رواه النسائى، وأبو نعيم في "الحلية"، وفي "التاريخ"[1/ 297]، وابن الجوزى في "العلل"[1/ 92، رقم 126] من طرق كلها ضعيفة.
وحديث عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب أخرجه الطبرانى في "الأوسط"، وابن عدى في "الكامل"[2/ 372]، وابن الجوزى في العلل [1/ 90، رقم 121]، وهو عنده من وجه آخر غير الوجه الذي خرجه منه الطبرانى وابن عدى.
وحديث عبد اللَّه بن مسعود رواه الطبرانى في "الكبير"[10/ 125، رقم 10089]، وابن عدى في الكامل [3/ 206]، والخطيب في التاريخ [6/ 77]، وفيه سوار بن مصعب متروك، ورواه الطبرانى في "الأوسط"، والطوسى في أماليه، وابن الجوزى في العلل [1/ 88، رقم 115] من وجوه أخرى.
وحديث عمرو بن عبسة رواه ابن الجوزى [1/ 93، رقم 129].
وحديث طلق بن على أخرجه الطبرانى [8/ 401، رقم 8251]، والعقيلى [1/ 313]، وابن عدى [1/ 353]، والخطيب [8/ 156]، وسبق الكلام عليه.
وحديث عائشة رواه العقيلى في "الضعفاء"[1/ 234] من رواية الحسن بن
على السنوى (1)، وقال: إنه مجهول بالنقل عن عطاء عن عائشة.
3413/ 8733 - "مَنْ سَبَّ العَرَبَ فَأُلَئِكَ هُمُ المُشْرِكُونَ".
(هب) عن عمر
قال في الكبير: رواه (هب) من حديث مطرف بن معقل عن ثابت البنانى عن عمر بن الخطاب، فظاهر صنيع المصنف أن البيهقى خرجه وأقره، والأمر بخلافه، فإنه عقبه بقوله: تفرد به معقل هذا وهو منكر الإسناد، هذا لفظه، وفي كلام الذهبى إشارة إلى أن هذا الخبر موضوع، فإنه قال في الضعفاء والمناكير: مطرف بن معقل عن ثابت له حديث موضوع، ثم رأيته صرح بذلك في الميزان فقال: مطرف بن معقل له حديث موضوع، ثم ساق هذا الخبر بعينه.
قلت: فيه أمور، الأول: الكذب على ظاهر صنيع المصنف، فإنه رمز له بعلامة الضعيف كما رمز لاسم مخرجه.
الثانى: أن شرطه في الكتاب أنه لا ينقل كلام المخرجين.
الثالث: أن قوله: من حديث مطوف بن معقل عن ثابت البنانى عن عمر خطأ فاحش، فإن ثابتا البنانى ما أدرك عمر ولا روى عنه.
الرابع: أن الحديث ذكره الذهبى في الميزان [4/ 126] من رواية ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمصنف رواه من حديث عمر بن الخطاب.
الخامس: أن الحديث من رواية مطرف بن معقل عن ثابت، فكيف يقول البيهقى: تفرد به معقل، وهو ما رواه ولا سمه، وإنما رواه ولده مطرف؟
(1) في المطبوع من الضعفاء للعقيلى: الحسن بن على الشروى.
السادس: أنه ذكر مغفلا بالغين المعجمة والفاء، وإنما هو معقل بالعين المهملة والقاف.
السابع: أن الحافظ تعقب الذهبى في الميزان، فإن الذهبى قال: مطرف بن معقل عن ثابت البنانى له حديث موضوع، معمر بن محمد بن معمر البلخى: ثنا مكى بن إبراهيم ثنا مطرف بن معقل عن ثابت عن أنس مرفوعًا: "من سب العرب فأولئك هم المشركون"، قال معمر: خصنى مكى بهذا الحديث اهـ.
فقال الحافظ في اللسان [6/ 48، 49، رقم 183]: هكذا أورده العقيلى [4/ 217] من رواية معمر، وقال: إنه منكر الحديث، وكذا ابن عدى [6/ 379] وقال: إنه منكر، ونقل عن ابن عقدة أنه بصرى شقرى وذكر له حديث آخر، وقال: لا أعرف له غيرهما، وفي الثقات لابن حبان مطرف بن معقل الأشقرى عن الشعبى والحسن وعنه النضر بن شميل، فيحتمل أن يكون هو ذا، ثم تبين أنه هو، وهو بصرى يكنى أبا بكر، وروى أيضًا عن الحسن وابن سنان والشعبى وقتادة، وروى عنه ابن عيينة وابن مهدى وعبد الصمد ابن عبد الوارث ومسلم بن إبراهيم وغيرهم، قال يحيى بن معين: ثقة.
وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا أبي أخبرنا سهل بن يوسف عن مطرف بن معقل الشقرى -وكان ثقة- وذكر مجاهد أنه قرأ على عبد اللَّه بن كثير ومعروف بن مشكان صاحب ابن كثير وغيرهما، وأخذ عند القراءة نصر بن على الجهضمى. وغيره إذا تقرر هذا فالآفة في ذلك الحديث من غيره اهـ. كلام الحافظ في اللسان.
وقد غفل عن كون الذهبى نفسه حكى توثيق "مطرف" المذكور وذلك في ترجمة معمر بن محمد العوفى فإنه قال: معمر بن محمد بن معمر أبو شهاب العوفى البلخى عن عمر شهاب بن معمر ومكى بن إبراهيم، وعاش
دهرا وهو صدوق إن شاء اللَّه وله ما ينكر، قال النسائى: أنكروا عليه حديثه عن مكى عن مطرف بن معمر عن ثابت عن أنس عن عمر مرفوعًا: "من سب العرب فأولئك هم المشركون"، مطرف وثق اهـ.
ثم لما نقل الحافظ هذا في اللسان قال: وقد تقدم هذا الحديث في ترجمة مطرف وحكم عليه المؤلف بالوضع، وما ذكر من وثق مطرفا، وقد ذكرنا بالظن أن ابن حبان ذكره في الثقات، وأما معمر فذكره أيضًا ابن حبان في الثقات اهـ.
قلت: ونسى الحافظ أنه جزم بثقته، وأنه هو الذي ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه أيضًا ابن معين وغيره، والمقصود أن من طعن في الحديث فإنما يطعن ليه بالوهم ويرجم بالظن لاستبعاده معنى الحديث وذلك باطل، بل الحديث صحيح لا غبار عليه ورجاله ثقات كلهم.
وقد أخرجه أيضًا الخطيب في "التاريخ"[10/ 295] عن شيخه على بن أحمد الرزاز عن أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن متويه البلخى وكان ثقة:
حدثنا أبو شهاب معمر بن محمد العوفى به، فرجاله كلهم ثقات، فلا معنى للقول بضعفه فضلا عن نكارته ووضعه مع النقل والعقل يشهدان له، فقد روى أحمد [5/ 440، 441] والترمذى [5/ 723، رقم 3927] وحسنه، والحاكم [4/ 86، رقم 6995] وقال: صحيح الإسناد من حديث سلمان الفارسى رضي الله عنه قال: قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان لا تبغضنى نتفارق دينك، قلت: يا رسول اللَّه كيف أبغضك وبك هدانى اللَّه؟ قال: تبغض العرب فتبغضنى". فهذا حديث ثابت يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن
بغض العرب بغض له، وأن في ذلك مفارقة الدين وهى الكفر والشرك باللَّه كما في الحديث الآخر فهما متفقان.
وأما من جهة العقل فإن من يسب العرب لا يخلو أن يسبهم لأجل ظهور هذا الدين الحنيف على يدهم، فلا يشك في كفره حتى الكفرة والمجوس، أو لغرض آخر فيدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيكفر أيضًا، فمعنى الحديث ظاهر لا نكارة فيه، وإنما المحدثون قوم لا يفهمون.
3414/ 8734 - "مَنْ سَبَّ أَصْحَابِى فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
(طب) عن ابن عباس
قال الشارح: بإسناد ضعيف، ورمز المصنف لحسنه ممنوع.
وقال في الكبير: رمز لحسنه، قال الهيثمى: فيه عبد اللَّه بن خراش، وهو ضعيف.
قلت: عبد اللَّه بن خراش وثقه ابن حبان، ومع ذلك فأحاديث "لعن من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وردت من طرق متعددة، كادت تبلغ حد التواتر، فإنها رويت أيضًا من حديث جابر وابن عمر وأنس وعائشة وأبي سعيد الخدرى وأبي هريرة وعويم بن ساعدة وعمر بن الخطاب وعطاء مرسلا وغيرهم، وكلها شاهدة لابن عباس.
3415/ 8741 - "مَنْ سَتَر أَخَاهُ المُسْلمَ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَفْضَحْهُ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
(حم) عن رجل
قال في الكبير: وقضية تصرف المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وليس كذلك، بل هو في البخارى في "المظالم والإكراه"، ومسلم في
"الأدب" ولفظهما عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "ستره اللَّه في الدنيا والآخرة".
وكذا أبو داود والنسائى في الرجم، فضرب المؤلف عن ذلك كله صفحا، واقتصاره على أحمد غير جيد، على أن فيه عند أحمد مع كون صحابيه مجهولا مسلم بن أبي الدبال عن أبي سنان المدنى، قال البيهقى: ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات.
قلت: فيه أمور، الأول: أنه لم يخرجه أحد ممن ذكر باللفظ الذي ذكر ولا باللفظ المذكور هنا، وإنما هذا كله من تلبيس الشارح وتدليسه.
قال البخارى في "المظالم"[3/ 168، رقم 2442]:
حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن سالما أخبره أن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أخبره أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج اللَّه عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللَّه يوم القيامة".
فحديث الباب وقع قطعة في آخر هذا الحديث الذي هو حديث آخر من رواية صحابى آخر، وهكذا هو عند مسلم ومن ذكرهم الشارح.
وذكره البخارى في الإكراه [9/ 28، رقم 6951] بهذا السند، إلا أنه لم يسقه بتمامه ولا ذكر القطعة الأخيرة منه الموجودة هنا حديثا مستقلا، فليس هو في الإكراه كما يزعم الشارح.
الثانى: قوله: فليس فيما آثره. . . إلخ (1)، كذب من جهة وتدليس من أخرى، فاللفظ المذكور هنا إن راعينا الزيادة في الألفاظ كما أراد الشارح أن
(1) انظر فيض القدير (6/ 149).
يفهم الناس أنه فهمه كذلك، ففيه من الزيادة ذكر "الأخ" وذكر "الدنيا" وذكر "فلم يفضحه".
وأما التدليس، فهو يعلم أن المقصود خلاف هذا، وأن المراد أن هذا حديث مستقل هكذا رواه الراوى، وذلك قطعة من آخر الحديث لا يمكن أن يذكره هكذا حديثا مستقلا ولا الشارح في كتبه المسروقة من كتب المصنف كالجامع الأزهر وكنوز الحقائق ونحوها ولكنه يريد أن يلزم المؤلف بما لا يصح أن يصدر من عاقل.
الثالث: قوله: وممن رواه أيضًا من الستة الترمذى في الحدود عن أبي هريرة بلفظ: "ستره اللَّه في الدنيا والآخرة. . . إلخ"، تدليس وتلبيس.
قال الترمذى [4/ 34، رقم 1425]: ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن الأعمش (ح)
وقال أبو داود [4/ 287، رقم 4946]:
حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة المعز قالا: حدثنا أبو معاوية زاد عثمان وجرير الرازى (ح)
وثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا أسباط عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
فحديث الباب وقع قطعة في وسط هذا الحديث، والمصنف لا يذكر إلا الأحاديث المستقلة باللفظ التي وقعت به عند مخرجيها.
الثالث: كثيرا ما يطبل الشارح ويرمز بمسألة العزو إلى الصحيحين أو أحدهما
وأنه مقدم على غيرهما، وهذا الحديث في صحيح مسلم ووجوده عنده أشهر من نار على علم بين أهل الحديث.
قال مسلم [4/ 2074، رقم 2699/ 38]:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمى وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمدانى، واللفظ ليحيى قالوا: أنا أبو معاوية عن الأعمش به مثله، وزاد بعد قوله:"واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه""ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللَّه به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه يتلون كتاب اللَّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم اللَّه فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
الرابع: ليس في سنن النسائى الصغرى التي هي من الكتب الستة، كتاب الرجم أصلا.
الخامس: الخبط والتخليط، فالمصنف ذكر حديث الرجل من الصحابة، وهو تعقب عليه بحديث ابن عمر ولم يسمه تدليسا، ثم بحديث أبي هريرة، فهى ثلاثة أحاديث متباينة عند أهل الحديث.
السادس: قوله: مع كون صحابيه مجهولا جهل بما عند أهل الحديث والأصول من أن جهالة الصحابى لا تضر لأنهم كلهم ثقات عدول.
السابع: قوله: على أن فيه عند أحمد مسلم بن أبي الدبال عن أبي سنان المدنى. . . إلخ، باطل ما فيه هذان الرجلان، ولا ذكر ذلك الحافظ الهيثمى بل قال ذلك عن حديث شهاب المذكور في المتن قبل هذا مباشرة ونصه: وعن شهاب رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا ميتا".
رواه الطبرانى من طريق مسلم بن أبي الدبال عن أبي سنان المدنى ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات اهـ.
أما سند هذا الحديث عند أحمد فهو قوله [5/ 375]:
حدثنا مؤمل بن إسماعيل أبو عبد الرحمن ثنا حماد ثنا عبد الملك بن عمير عن هبيب عن عمه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه ليس فيه "فلم يفضحه" في الموضع الذي رأيته فيه من المسند، ولعله ذكره في موضع آخر.
3416/ 8744 - "مَنْ سرَّهُ أن يحبَّ اللَّهَ ورسولَهُ فلْيقرأْ في المصحفِ".
(حل. هب) عن ابن مسعود
قال في الكبير: ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقى خرجه، وسكت عليه والأمر بخلافه، فإنه ذكره مقرونا بحاله فقال: هذا منكر تفرد به أبو سهل الحر بن مالك عن شعبة. . . إلخ.
قلت: هذا كذب على ظاهر صنيع المصنف، فإنه رمز له بعلامة الضعيف كما ذكرناه عند كل سخافة مثل هذه.
والحديث خرجه أيضًا ابن شاهين في الترغيب [2/ 212، رقم 190] قال: ثنا محمد بن مخلد العطار ثنا إبراهيم بن جابر أنبأنا الحر بن مالك بن سهل البصرى ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود به.
3417/ 8745 - "مَنْ سرَّه أن يَجدَ حَلاوةَ الإيمانِ فليُحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا للَّه".
(حم. ك) عن أبي هريرة
قال في الكبير: رواه (ك) من حديث شعبة عن أبي بلج عن أبي هريرة، ثم قال: صحيح احتج مسلم بأبى بلج، قال الذهبى: قلت: لم يحتج به وقد
وثق، وقال البخارى فيه: نظر اهـ. وقال الحافظ العراقى في أماليه: حديث أحمد صحيح، وهو من غير طريق الحاكم.
قلت: هذا باطل لا يقوله الحافظ العراقى جزما، فإن الحديث سنده عندهما واحد.
قال أحمد [2/ 298]: حدثنا محمد بن جعفر وهاشم قالا: حدثنا شعبة عن يحيى بن سليم عن عمرو بن ميمون عن أبي هريرة.
وقال الحاكم [1/ 3، رقم 3]: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو داود ثنا شعبة عن أبي بلج (ح)
وأخبرنا أحمد بن يعقوب الثقفى ثنا عمر بن حفص السدوسى ثنا عاصم بن على ثنا شعبة عن يحيى بن سليم -وهو بلج- به.
وهكذا رواه أبو داود الطيالسى في مسنده [ص 326، رقم 2495] عن شعبة، وأبو نعيم في "الحلية"[4/ 153، 154] من طريق إبراهيم بن إسحاق الحربى: ثنا عاصم بن على ثنا شعبة به.
ورواه القضاعى في مسند الشهاب [1/ 270، رقم 440] من طريق على بن الجعد: ثنا شعبة به، فليس له إلا سند واحد، فكيف يقول العراقى ما نقله عنه الشارح من الباطل؟ كلا لقد أعاذه اللَّه منه.
3418/ 8746 - "مَنْ سرَّه أن يَسلَم فليَلزَمِ الصَمْتَ".
(هب) عن أنس
قال في الكبير: قال العراقى كالمنذرى: إسناده ضعيف، وذلك لأن فيه محمد ابن إسماعيل بن أبي فديك، قال ابن سعد: ليس بحجة، وقال الهيثمى: فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى وهو متروك، وفي الميزان عن الأزدى: عمر الوقاصى منكر الحديث، وعن أبي حاتم: مجهول، وله حديث باطل، وساق وهذا الخبر.
قلت: تعرض الشارح للكلام على الإسناد فضول منه لاسيما بعد أن ينقل كلام الحفاظ على سند الحديث، فمحمد بن إسماعيل بن أبي فديك ثقة متفق عليه من رجال الستة لا يعلل به الحديث في مثل هذا الموطن، والغريب أن يرى ثناء الذهبى عليه وتوثيقه له وحكايته ذلك عن الجمهور، ثم يذكر ما قيل فيه مع ذلك لظنه أن الثقة هو الذي لم يتكلم فيه ببنت شفة كأنه ملك، فالذهبى قال فيه: صدوق مشهور محتج به في الكتب الستة، قال ابن سعد وحده: ليس بحجة ووثقه جماعة، وعمر الوقاصى لا وجود له في الرجال وإنما الموجود في سند الحديث عمر بن حفص شيخ ابن أبي فديك والراوى عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى.
وقد ذكر ابن أبي حاتم في العلل [2/ 239، رقم 2207] أنه سأل أباه عن هذا الحديث فقال: عمر بن حفص مجهول، والحديث باطل اهـ.
وهذا تعنت من أبي حاتم وتسرع إلى الحكم بالبطلان بدون موجب، إذ لا يلزم من كون الراوى مجهولا أن يكون حديثه باطلا، فقد توبع عليه، قال أبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ ثنى أحمد بن الخطاب بن مهران ثنا معمر بن سهل ثنا عمر بن مهران القاضى عن الوقاصى به.
فلم يبق مما يعلل به الحديث إلا هو فإنه متروك، كما فعل الحافظ الهيثمى العارف بالفن، فكان مقتضى العقل والحكمة أن الشارح ينقل كلامه ولا يزيد من عنده ما يظهر المعرفة أكثر منه فيوقع نفسه في هذه المهاوى المهلكة.
ثم إنه استدرك من المخرجين أيضًا أبو الشيخ وابن أبي الدنيا، ولم يبين اسم الكتاب المخرج فيه لهما، أما ابن أبي الدنيا فقد يدرك العارف المطلع معرفة الكتاب وهو كتاب الصمت له [ص 39، رقم 11]، وأما أبو الشيخ فلا.