الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق المرأة في الإسلام
هي والرجل
المرأة بين يدي الإسلام قسيمة الرجل، لها من الحق ما له، وعليها ما عليه ولا فضل إلا أن يقوم الرجل بماله من قوة الَجلْدَ، وبسيط اليد، واتساع الحيلة، فيلي رياستها. فهو بذلك وليها، يحوطها بقوّته، ويذود عنها بدمه، وينفق من كاسب يده. فأما فيما سوى ذلك، فهما في السراء والبأساء على سواء.
ذلك ما أجمله الله، وضم أطرافه، وجمع حواشيه بقوله تباركت آيته:(ولَهنَّ مِثْلُ الذِي عَليْهِنَّ بالمعْرُوفِ وللِرَّجالِ عَليْهِنَّ دَرَجَة).
تلك هي الرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس، وجحود الحق.
وفي سبيل تلك التسوية الشاملة، جعل الله الخبيثات أكفاء الخبيثين، والطيبات أكفاء الطيبين. فإذا تم للناس أن يكونا كذلك فلا نزاع بين زوجين. لأن شر الخبيثين يدفع بعضه بعضا، ويطمس بعضه آثار بعض، فيكون كل على حَذَر من صاحبه.
فإني رأيت الشر للشر ما حيا
…
كما خط في القرطاس سطر على سطر
أما الطيبان فأين للشر أن يدب بينهما، أو يجد السبيل إليهما؟
وكما قرن الله سبحانه وتعالى بينهما في شؤون الحياة كذلك قرن بينهما في حسن المثوبة وادَّخار الأجر، وارتقاء الدرجات العلى في الآخرة.
فإذا احتمل الرجل نار الهجير، واصطلى جمرة الحرب، وتناثرت أوصاله تحت
ظلال السيوف، فليس ذلك بزائد مثقال حبة المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها، وأحسنت القيام على بنيها. وفي حديث مسلم عن أسماء بنت يزيد الأنصاري ما ينبئك أنّ بعض ما قلناه يعدل الرجل كله. قال:
إن أسماء أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله. أنا وافدة النساء إليك. إنّ الله عز وجل بعثتك إلى الرجال والنساء
كافة، فآمنا بك وبإلهك. إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل. وإنّ أحدكم إذا خرج حاجاً. أو معتمرا، أو مجاهدا. حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنُشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلمة ثم قال: هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا. يا رسول الله ما ظننا أنّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا!. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: افهمي أيتها المرأة وأعلمي مَنْ خلفك من النساء، إنّ حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله.
فانصرفت المرأة وهي تُهلل، حتى وصلت إلى نساء قومها من العرب، وعرضت عليهن ما قاله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرحن وآمن جميعهن.
وقد عز على النساء أن يكون وقت النبي صلى الله عليه وسلم للرجال دونهن فسألته أن يختصهن بيوم من كل أسبوع. فأجابهن صلى الله عليه وسلم إلى ما طلبن. فإذا كان يومهن غدون على رسول الله. فجلسن إليه، فأَقبل عليهن، يجيب السائلة، ويهدي الحائرة، ويأخذ بأيديهن جميعاً إلى النهج القويم، والصراط المستقيم.
وكلن صلى الله عليه وسلم في مجلسه هذا على أتم ما يكون من الرحمة والرفق فلا يشق عليهن، ولا يكلفهن فوق ما تحتمل نفوسهن.
أخذ عليهن عند مبايعته لهن ذات مرة ألا يُنحْنَ على الموتى، فقالت عجوز ممن حضرن يا رسول الله إن ناساً أسعدوني على مصيبة أصابتني؛ وأنهم أصابتهم مصيبة، فأنا أريد أسعدهم. قال انطلقي فأسعديهم. فذهبت ثم عادت فبايعته.
وأستأُذن عليه عمر بن الخطاب وهن بين يديه، فابتدرن الحجاب. فلما دخل عمر تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما يضحكك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رآك النساء فتبادرن الحجاب. فالتفت عمر إليهن وقال: يا عدوات أنفسهن تَهبْنَني ولا تهبن رسول الله؟ قلن: أنت أفظ وأغلط من رسول الله.
ومن أبدع مظاهر رفق الله ورسوله بالنساء، أنه صلى الله عليه وسلم وقف بينهن وقد جئن يبايعنه على أن يأتمرن بأوامر الله ويجتنبن نواهيه؛ فقال عليه الصلاة والسلام: فيما استطعتن وأطقتن. فقالت الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا.
أما حياته صلى الله عليه وسلم في بيته بين نسائه فقد كانت المثل الأعلى في المؤادة والموادعة، والمواتاة؛ وترك الكلفة، وبذل المعونة؛ واجتناب هُجر الكلام ومره. وهو الذي يقول: خيركم لأهله؛ وأنا خيركم لأهلي
وسئلت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته؟ فقالت كان في مهنة أهله حتى يخرج إلى الصلاة. تريد بذلك أنه يعاونهن ويعمل عهن.
وكان من التبسط ورفع الكلفة إلى حد أن يستبق هو وامرأته. كما حدثوا عن عائشة رضي الله عنها.
وكانت فاطمة بنت رسول الله تتولى الطحين والعجين بينما علي رضى الله عنه ينزع الماء ويحتمله ويهيئه.
وكما كان الرجل يجاذب المرأة أمْرَ العمل. وتدبير المنزل. كذلك كانت تجاذبه شؤون العالم. وجد الحياة.
ففي ساحات الوغى؛ وبين مشتجر القنا. وتحت ظلال السيوف. كانت المرأة تسير مع الرجل جانباً لجنب؛ تروي ظمأه. وتأسو جرحه. وتجبر كسره وترقأُ دمه وتثير حميته وتهيج حفيظته. وربما شبت حَر القتال؛ واصطلت جمرة الحرب،
وصالت بين الصفوف وعرضت نحرها للحتوف؛ وصدرها للسيوف. فكانت لها مواطن صادقات؛ ومواقع صالحات؛ سنخصها بشيء من القول في مواطن آخر إن شاء الله.
وقد طويت صحف السيَّر والسُّنن والتاريخ على كثير من فضليات النساء خرجن في رفقة رسول الله إلى غزواته ليداوين المرضى. ويأَسون الجرحى. ويسقين الماء، ورحن بأجر المجاهدين في سبيل الله. وإليك طائفة من أسمائهن وأعمالهن:
1 -
فمنهن أمية بنت قيس الغفارية قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار؛ فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك
هذا - وهو يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا. فقال: على بركة الله.
2 -
أم سنان الأسلمية: جاءت إلى رسول الله وهو خارج إلى خيبر فقالت: يا رسول الله أخرج معك في وجهك هذا، أخرز السقاء، وأداوي المريض والجريح إن كانت جراح - ولا تكون - وأبصر الرّحل. فقال رسول الله: أخرجي على بركة الله، فإن لك صواحب قد كلمتني وأذنت لهن من قومك ومن غيرهم، فإن شئت فمع قومك، وإن شئت فمعنا. قلت. قال: فكوني مع أم سلمة زوجتي. قالت: فكنت معها.
3 -
حَمْنَة بنت جحش: أخت أم المؤمنين زينب. حضرت أُحُداً. وكانت تروي الظَِّماء، وتأسوا الجراح.
4 -
أم أيمن: مولاة رسول الله وحاضنته. حضرت أُحدُاً. وكانت تسقي العطشى، وتداوي الجرحى.
5 -
كُعَيْبة بنت سعد الأسلمية: تقام لها خيمة في المسجد، تداوي فيها المرضى، وتأسو الجرحى. وكان سعد بن معاذ حين رمى يوم الخندق عندها تداوي جراحه،
حتى مات رضي الله عنه.
6 -
الرُّبَيّع بنت معوذ. قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسقي القوم ونخدمهم، ونداوي الجرحى، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة وأشباه أولئك ونظائرهن كثير.
كذلك كان أمرها فيما سوى الحرب من العظائم. فقلما رأينا عظيماً من عظماء المسلمين لم يصدر في كثير من المواطن عن رأي المرأة.
فكث عليه وسلم يصدر عيراً ما كان رسول الله صلى
فكثيراً ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدر عن رأي زوجه خديجة رضي الله عنها. وكمثل ذلك صدور عبد الله بن الزبير عن رأي أمه أسماء، وصدور الوليد بن عبد الملك عن رأي زوجه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وصدور السفاح عن رأي زوجه أمّ سَلَمَة، صدور الرشيد عن رأي زوجه زبيدة وأمثال هؤلاء في الإسلام جمّ كثير.
وإنا لذاكرون في هذا الموطن موقف الحجاج من أم البنين حين أشار على الوليد بن عبد الملك بالامتناع عن مجاذبة النساء سياسة الملك وتدبير الحروب.
قال ابن عبد ربه:
قدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك وعليه درع وعمامة سوداءَ وقوس عربية، وكنانة. فبعثت إليه أم البنين: من هذا الأعرابي المستلئم في السلاح عندك وأنت في غِلالة؟ فبعث إليها: هذا الحجاج بن يوسف. فأعادت الرسول إليه تقول، واله لأن يخلو بك ملك الموت أحب إلىَّ من أن يخلو بك الحجاج، فأخبره
الوليد بذلك وهو يمازحه. فقال: يا أمير الممنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول، فأما المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة. فلا تطلعها على سرك. ومكايدة عدوك. فلما دخل عليها أخبرها بمقالة الحجاج. فقالت: حاجتي أن تأمره غداً يأتيني مسلماً.
ففعل ذلك. فأتاها الحجاج. فحجبته، فلم يزل قائما. ثم قالت له؛ إيه حجاج! أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتلك عبد الله بن الزبير وابن الأشعث؟ أما والله أنّ الله علم أنك شرار خلقه، ما ابتلاك برمي الكعبة، وقتل ابن ذات النطاقين، أوّل مولود في الإسلام، وأمّا نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء، وبلوغ أوطاره منهنّ، فإن كنّ ينفرجنّ عن مثلك، فما أحقه بالأخذ عنك وإن كنّ ينفرجن عن مثله، فغير قابل لقولك. أما والله لقد نَفَضَ كساء أمير المؤمنين الطيب عن غدائرهنّ. بعثك في أعطية أهل الشام حتى كنت في أضيق من الفْرق، قد أضْلتك رماحهم، وأثخنتك صفاحهم، وحتى كان أمير المؤمنين أَحب إليهم من آبائهم وأبنائهم. فما نجاك الله من عدوّ أمير المؤمنين إلا بحبهم إياه.
ولله درّ إذا نظر إليك، وسنان غزالة بين كتفيك:
أسد علّى وفي الحروب نعامة
…
ربداء تجفل من صفير الصافر
هلَاّ برزت إلى غزالة في الوغى
…
بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة جمعه بعساكر
…
تركت كتائبه كأمس الدابر
ثم قالت: اخرج فخرج مذموماً مدحورا!. . .
على أن للمرأة حالتين أَبَرَّتْ فيهما - بحكم الإسلام وشهادته - على الرجل وهاتان هما حالتا الأمومة والزوجية، وهما أمثل حالات المرأة، وأظهرها لكرم خلالها وجلال سجاياها، وأنهضها ببناء الكون، وأتما لنعمة الله على الإنسان.
فأما أولى الحالتين، فشاهدها ما حدث البخاري عن أبي هريرة قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال أمَك. قال ثم من؟: قال أمّك: ثم من؟ قال: أبوك.
فانظر كيف أنّ صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم آثرها بتقديم القول، ثم لم
يكفه ذلك في بيان ما لها من فضل السبق، وشرف المنزلة، فاختصها من قلب ولدها بثلاثة أضعاف نصيب أبيه منه.
وأمّا الثانية فشاهدها ما ذكره ابن سعد في حديث حَمْنة بنت جحش قال:
قام النساء حين رجع رسول الله من أُحُد يسألن الناس عن أهلهن فلم يُخْبَرْن حتى أتين رسول الله صلى اله عليه وسلم، فلا تسأله واحدة إلا أخبرها. فجاءته حَمنة بنت جحش. فقال: يا حمنة، احتسبي أخاك عبد الله بن جحش. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمه الله وغفر له. قم قال: يا حمنة احتسبي خالك حمزة ابن عبد المطلب. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمه الله وغفر له. ثم قال يا حمنة احتسبي زوجك مُصعب بن عمير. فقالت: يا حرباه. فقال النبي صلى الله عليه