الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليكم عهد الله وميثاقه ألا تقربوه بسوء حتى تكلموه وتخرجوا. فوضع السلاح، فلم يكن إلا وضعه. ودخل عليه القوم يقدمهم محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، ودعوه باللقب فقال: أنا عبد الله وخليفته عثمان. فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت
في العظم. فسقَطتُ عليه، وقد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون أن يقطعوا رأسه، فيذهبوا به، فأتتني ابنة شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي، فوُطئنا وطئا شديداً، وعرينا من حُليّنا، وحرمة أمير المؤمنين أعظم، فقتلوا أمير المؤمنين مقهوراً على فراشه؟.
وقد أرسلت إليكم بثوبه عليه دمه، فإنه والله إن كان أثم من قتله، فما سَلم منم خذله. فانظر أين أنتم من الله وأنا أشتكي كل ما مسنا إلى الله عز وجل، وأستصرخ بصالحي عباده. فرحم الله عثمان، ولعن قتلته، وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة وشفي منهم الصدور.
ذلك هو الكتاب الذي اجتمع لسماعه خمسون ألف شيخ من شيوخ الشام يصيحون ويعجون بالبكاء تحت قميص عثمان، وأصابع نائلة، ويتقاسمون فيها بينهم ألا يمسوا غسلا حتى يقتلوا عليّاً، أو تفنى أرواحهم.
نصراء عليّ من النساء
وبرغم خصومة تينك المرأتين لعلي كرم الله وجهه، كان جنده أحفل الأجناد بذوات القول الفصل، والرأي الجزل من النساء، ولهن في صفين مقامات ومواقف، أشجت حلوق العدو وصكت أسماعهم، وروعت نفوسهم.
ومن هؤلاء بكارة الهلالية، وسدودة ابنة عمارة، وآمنة بنت الشريد، وأم سنان بنت خيثمة، وكثيرات من نظائهرهن وأشباههن، ممن أوتين جوامع الكلم، وجمعن أشتات الحكم ولنا إليهن عودة عند الكلام على مقالاتهن، بين ازدحام الصفوف، وتحت ظلال السيوف.
ولما تبدّلت الأيام بعهد عليّ عهد معاوية، كانت بلاد العراق مجالات الشيعة، ومباءات الفتن، وموطن الانتفاض عليه. فرماها بداهيتي العرب، المغيرة بن شعبة، وزياد بن أبي سفيان، واحدا بعد واحد، وأوصاهما أن يلعنا علياًّ على
المنابر، وأن يتخذا السيف حَكَما بينهما وبين الناس. فقام في وجههما حُجْرُ بن المجامع تعْقَدُ بنجوة من أعين الرقباء. وما زال أمر حجر يستطير، وصوته يعلو، حتى اننتزعه زياد من العراق، وقاده إلى معاوية، فقتله.
وكانت هند بنت يزيد الأنصارية ممن شايعنه وناصَرْنه وأعنّهُ. وهي امرأة قَلّ أن تدانيها امراءة، في بُعد الرأي، وقوة البيان.
ومن قولها ترثي حجراً:
ترفّع أيها القمر المنير
…
تبصّ هل ترى حجْراً يسير
يسير إلى معاوية بن حرب
…
ليقتله كما زعم الأمير
تجبرت الجبابر بعد حجر
…
وطلب لها الخَوَرْنقُ والسّدِير
وأصبحت البلاد لها مُحُولا
…
كأن لم يحيها بَرقْ مطير
ألا ياحُجْرُ حُجْرُ بني عديّ
…
تلقّتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أدري عديا
…
وشيخاً في دمشق له زئير
يَرى قتل الخيار عليه حقاً
…
له من شر أمتته وزير
فإن يهلك فكل زعيم قوم
…
من الدنيا هُلك يصير
ثم لما اقترف الخليفة المجرم الطاغية يزيد بن معاوية فعلته، بحفدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام المختار بن أبي عبيدة الثقفي للانتقام له، والاشتفاء من قَتَلته، كان النساء في عونه ورفقته. وبهن وبمن إليهن من الرجال أوقع القاضية بالبغاة المعتدين على أنه أخذ بالشبهة، وأسرف في الدماء. فقصده مصعب بن الزبير، وغلبه على أمره. حتى ضرب عليه النطاق حول قصره بالكوفة. وفي تلك الساعة الضائقة المرهقة، خلاه رفاقه، فلم يبقى إلا الأوفياء المخلصون، وقليل ما هم، على أن النساء بَدَ أ، فعالهن كعادتهن في كل خطب فدح وجدٍ نبا. فلقد كانت المرأة تخرج من منزلها معها الطعام واللّطف والماء قد ائتزرت عليه،
والتفعت فوقه، وأرسلت خمارها على وجهها وصدرها، كأنما تريد المسجد الأعظم للصلاة، أو تقصد النّفلة لذوات قرباها، فإذا دنت من القصر فتح لها الباب، فدخلت فتركت ما معها، ثم خرجت لِطيَّتها.
وكان في الكوفة بيتان لامرأتين إليهما غلاة الشيعة، فيتسامرون ويتآمرون وهاتان المرآتان هما هند بنت المتكلفة الناعطية، وليلى بنت قمامة المدَنية.
وكانت ليلى لا تليق شيئاً ممن مالها في سبيل نشر دعوتها، وبث مبدئها. وكانت تبغض أخاها رفاعة بن قمامة لاقتصاده وفتور أرْيَحيه.
ومن هنالك خفقت نسمة التشيع، فانتظمت نغمتها بلاد فارس وخراسان وما وراءهما. وكان ذلك مما هيأ لآل رسول الله تنظيم دعوتهم، وإقامة دعامتهم