المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثرها في العلم والأدب - المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها - جـ ٢

[عبد الله العفيفي]

فهرس الكتاب

- ‌المرأة العربية في عهد إسلامها

- ‌تمهيد

- ‌المرأة والدين

- ‌المرأة العربية في ظل الإسلام

- ‌دور العظمة

- ‌المرأة العربية بين العهدين

- ‌الوليدة المسلمة

- ‌فوارق النساء

- ‌بوائق الغيرة

- ‌السباء

- ‌توريث البنات

- ‌حقوق المرأة في الإسلام

- ‌هي والرجل

- ‌كرامتها

- ‌حريتها وحرمة رأيها

- ‌ تعدد الزوجات

- ‌الطلاق

- ‌حريتها العامة

- ‌المرأة العربية

- ‌بين التأثر بالإسلام والتأثير في نهضته

- ‌تأثرها بالإسلام

- ‌نسيبة بنت كعب المازنية

- ‌خَوْلَة بنت الأَزْوَرِ

- ‌صفية بنت عبد المطلب

- ‌ليلى بنت طريف

- ‌غزالة الحرَورية

- ‌تأثير المرأة العربية في نهضة الإسلام وحضارته

- ‌أثرها في تصريف الحوادث

- ‌حديث النبوة

- ‌خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد

- ‌حديث الهجرة

- ‌رُقَيْقَةُ بنت صيفيّ وأسماء بنت أبي بكر

- ‌حديث الخلافة

- ‌أو المرأة المسلمة بين الحرب والسياسة

- ‌فاطمة وأبو بكر

- ‌عائشة وعُثمان وعليٌ

- ‌نائلة بنت الفُرَافصة وعليٌّ بن أبي طالب

- ‌نصراء عليّ من النساء

- ‌المرأة والخوارج

- ‌أثرها في تكوين الرجل

- ‌أو الأم العربية المسلمة

- ‌أثرها في العلم والأدب

- ‌أثارة من قولها

- ‌نثار من النثر

- ‌حفيدة رسول الله تفحم أهل العراق

- ‌بين الوفاء للرأي والمضاء فيه

- ‌صواحب علي في مجلس معاوية

- ‌سورة بنت عمارة

- ‌أم الخير بنت الحريش البارقية

- ‌الزرقاء بنت عدي

- ‌بكارة الهلالية

- ‌عكرشة بنت الأطروش

- ‌جروة بنت غالب

- ‌الكلمات الخالدة

- ‌قوة الحجة وحسن البيان

- ‌بين القبور

- ‌بين الرجاء والدعاء

- ‌الكلم القصار

- ‌عيون من الشعر

- ‌الحنين إلى الوطن

- ‌عهد الطفولة

- ‌في البكاء

- ‌بكاء الأبناء

- ‌بكاء الآباء

- ‌بكاء الاخوة

- ‌رثاء الأزواج

- ‌في التذمم من الأزواج

- ‌في الأنفة والإباء

- ‌آخر صفحة في كتاب العظائم

- ‌زبيدة بنت جعفر

الفصل: ‌أثرها في العلم والأدب

‌أثرها في العلم والأدب

تصدت المرأة لفنون العلم وشئون الأدب جميعاً وأمعنت في كل ذلك إمعاناً أعيا على الرجل دركه في مواطن كثيرة.

وبرغم ما مهد للرجل من مشاكل المسائل، وهيئ له من وسائل الكشف والاستنباط فقد كان للمرأة - على لحاقها بالرجل في كل ما أسلفناه - مظهر خلقي كريم في العلم والتهليم.

أجل لقد امتازت العالمة المسلمة بالصدق في العلم، والأمانة في الرواية والحيدة عن مواقع التهم ومساقط الظُّن مما لم يوفق إليه كثيرون من الرجال.

ومعاذ الله أن نقول ذلك محاباة أو مشايعة لموضوع كتابنا. فنحن أولاء ضاربون لك مثلا من إقرار عظماء بما نقول:

الحافظ الذهبي المتوفى سنة ثماني وأربعين وسبعمائة ثقة من ثقات المسلمين وعظيم من عظماء المحدّثين ألف كتابه ميزان الاعتدال في نقد رجال الحديث خرّج فيه أربعة آلاف متهم من المحدثين، ثم اتبع قوله بتلك الجملة التي كتبها بخطه الواضح وقلمه العريض فقال وما علمت من النساء من اُّتهمت ولا من تركوها ولعل قائلا يقول: وما للنساء ورواية الحديث؟ وهل تركهن الذهبي إلا من قلة أو ذلة؟

ونقول نحن إن حديث رسول الله منذ عهد عائشة أم المؤمنين حتى عهد الذهبي ما

حفظ ولا روي بمثل ما حفظ في قلوب النساء وروى على ألسنتهن.

ص: 138

ذلكم الحافظ ابن عساكر المتوفى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، أوثق رواة الحديث عقدة، وأصدقهم حديثاً - حتى لقبوه بحافظ الأمة - كان له من شيوخه وأساتذته بضع وثمانون من النساء.

فهل سمع الناس في عصر من العصور، وأمة من الأمم أن عالماً واحداً يتلقى عن بضع وثمانين امرأة علماً واحدا؟ فكم ترى منهن من لم يلقها أو يأخذ عنها والرجل لم يجاوز الجزء الشرقي من الدولة الإسلامية، فلم تطأ أرض مصر، ولا بلاد المغرب، ولا الأندلس، وهي أحفل ما تكون بذوات العلم والرأي من النساء.

والحق الذي لا مراء فيه أن مزال النفس، ومنازع التهم، ونزعات الريب لا تجد مسرباً إلا في صدور الرجال، فإن دواعيها موفورة فيهم، مؤتشبة بين جوانبهم. فلهم من منازعة السياسة، ومجاذبة الرياسة، ومناصرة الآراء ومؤازرة الأهواء، والزلفى عند الملوك ومساومة قلوب العامة، ما لا سبيل إلى نفس المرأة وكل ذلك مما يميل بالرأي ويصدع ركن العقيدة.

ولم تقف التهمة بالرجل عند حدّ الدين وحده، بل لقد طمس أناس من الرجال معالم الشعر والأدب والتاريخ ووصف الأمم والمواطن وأسرار الكون ومظاهر الطبيعة. وإذا هان على المرء أن يكذب على الله، فأهون ما يكون أن يكذب على كل شيء سواه.

وإذا كان الصدق في النقل والعصمة من الهوى مما دعم قواعد الأثر العلمي للمرأة المسلمة وشاد جوانبه، فقد كان لها من صفاء فطرتها وقوة فطنها عماد وقوّة.

إن الذين يقولون بالفوارق في المقدرة بين الرجل والمرأة لينتقض رأيهم إذا هم استمعوا حديث النهضة العلمية الإسلامية.

ص: 139

لقد لحق النبي بربه وعائشة أم المؤمنين لم تَخْطُ إلى التاسعة عشرة، على أنها

ملأت أرجاء الأرض علما. فهي في رواية الحديث نسيج وحدها ولم يكن بين أصحاب رسول الله من كان أروى منها ومن أبي هريرة، على أنها كانت أدق منه وأوثق.

وكانت من أنفذ الناس رأياً في أصول الدين ودقائق الكتاب المبين. وكان زعماء الصحابة إذا أشكلت عليهم الفرائض فزعوا إليها فحسرت حُجُبها وكشفت سُحُبَها.

ولم يكن نفاذ رأيها ورجاحة كفتها وقفا على الدين وحده. فكذلك كان أمرها في رواية الشعر والأدب والتاريخ، وكذلك كان نفاذها في الطب وعلم الكواكب والأنواء والأنساب وما إلى كل ذلك، وذلك عروة بن الزبير فقيه المسلمين يقول: ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر منم عائشة.

وإليك فاسمع هذا الحديث ثم انظر إلى أي مدى بلغت عائشة من الإحاطة بحوادث الأمم ومشكلات التاريخ.

لما وفد المسلمون إلى الحبشة مهاجرين أوطنهم النجاشي موطناً كريماً فأوفدت إليه قريش عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بأعز ما لديهم من طرائف وتلاد. وفي أنفسهم أن يبرأ من ذمة اللاجئين إليه ويعيدهم على أعقابهم، فردّ النجاشي على القوم هداياهم وقال: لا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرّشوة حين رد عليّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه فحفظ الناس ذلك القول من ملك الحبشة ولم يعرفوا معناه حتى كانت عائشة هي التي حدّثته خبره مما تعلم من تاريخ الحبشة فقالت: إن أبا النجاشي كان ملك قومه ولم يكن له ولدا سواه. وكان للنجاشي عم له اثنا عشر رجلا كلهم من صلبه.

ص: 140

فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا الملك وولينا لأَمِنَّا على الملُكِ أن يضيع وعلى الملك أن ينقطع عَقِبة. فعدوا على ملكهم فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حيناً. وكان ولد القتيل أيداً حازماً، لبيبا، أديبا، فغلب عمه على الملك وأوجس القوم أن يثب على الملك فيأخذهم بأبيه،

فحملوا الملك على بيعه من تاجر بستمائة درهم، فقذفه التاجر في سفينة وانطلق به، حتى إذا كان العَشِي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحب الخريف فخرج الملك يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعت الحبشة إلى ولده هو مُحْمقٌ لا خير في ولده. ثم علموا أن لا مفزع لهم إلا إلى ملكهم القتيل، فخرجوا يطلبونه، فجاءوا به من صاحبه، فعقدوا عليه التاج. وعز على التاجر أن يضيع ماله وتذهب صفقته فاقتضى القوم حقه فجحده إياه، فشكا أمره إلى ذلك الملك فقال: لَتُعْطُنَّهُ ماله أو لَيَضَعَنَّ غلامه يده فليذهبن به حيث شاء، فقالوا: بل نعطه ماله. قالت: فلذلك يقول ما أخذ الله مني رشوة حين ردّ عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه.

ذلك هو الحديث الذي خفي عن ثلاثة وثمانين رجلا، وابتدرته عائشة حين سئلت عنه. وكانت رضي الله عنها تحسن أن تقرأ ولم يكن يعرف ذلك إلا عدد محدود من أصحاب رسول الله.

وكان زوجات رسول الله جميعاً قسيمات عائشة في إذاعة العلم وإفاضة الدين على المسلمين.

وكما كانت عائشة أم المؤمنين تجيد القراءة كانت حَفْصَة أمّ المؤمنين تحسن

ص: 141

الكتابة وكانت الشفاء بنت عبد الله بن شمس القرشية هي التي علمتها إياها.

ولم يكن أمهات المؤمنين بدعا من نساء هذا العصر. فقد عقد محمد بن سعد جزءا من كتاب الطبقات الكبيرة لروايات الحديث من النساء أتى فيه على نيَّف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله، أو عن الثقات من أصحابه، وروى عنهنّ أعلام الدين وأئمة المسلمين.

وهل تجد موطناً أوثق، ومرتقي أسمق، ومنزلة أوثق، من أنّ علي بن أبي طالب وهو العَلم الأشم الذي لا يدانيه أحد في علمه وحكمته، وقربه من رسول الله

وقرابته يتلقى الحديث على مولاه لرسول الله كانت تقوم على خدمته، وهي ميمونة بنت سعد فكيف بمن دون على أحد؟ وما من أعلام الإسلام إلا دونه.

على أنّ رواية الحديث ومعاناة التشريع لم تكونا كل ما للنساء من هَمّ، فقد كان لهنّ في الأدب العربي شأن لا يدرك وغاية لا ترام.

ص: 142

ومما حدثوا عنه أن عائشة بنت طلحة وفدت على هشام بن عبد الملك فقال لهاما أوفدك؟ قالت حبست السماء مطر، ومنع السلطان الحق قال. إني سأعرفه حقك. ثم بعث إلى مشايخ بني أمية فقال: إن عائشة عندي فاسمروا عندي الليلة لليلة، فحضروا، فما تذاكروا شيئاً من أخبار العرب وأشعارها وأيامها إلا أفاضت معهم فيه، وما طلع نجم ولا أغار إلا سمته فقال لها هشام أما الأول فلا أنكره وأما النجوم فمن أين لك؟ قالت أخذتها عن خالتي عائشة. فأمر لها بمائة ألف درهم وردها إلى المدينة.

ودونك فاستمع حديث الحجاج عن نسائه، قال:

عندي أربع نسوة: هند بنت المهَلب. وهند بنت أسماء بن خارجة، وأم الجُلاس بنت عبد الرحمن بن أسَيد وأمة الرحمن بنت جرير بن عبد الله البُجلي. فأما ليلتي بنت المهلب فليلة فتى بين فتيان، يلعب ويلعبون، وأما ليلتي عند هند بنت أسماء فليلة ملك بين الملوك، وأما ليلتي عند أم الجلاس فليلة أعرابي مع أعراب في حديثهم وأشعارهم، وأما ليلتي عند أمة الرحمن بنت جرير فليلة عالم بين العلماء والفقهاء.

ومن حديث الذي نورده الآن عليك إلى أي مدى بلغت المرأة من رواية الشعر، والوقوف على مراميه، ونفاذ البديهة في اجتلابه وقت الحاجة إليه.

ص: 143

قالوا إن رجلا من العرب نزل بامرأة من بني عامر فأكرمته وأحسنت قراه، فلما هم بالرحيل أنشد ذلك البيت - وهو مما هجى بني عامر -:

لعمرك ما تبلي سرابيل عامر

من اللؤم ما دامت عليها جلودها

حتى إذا سمعته قالت لجارتها قولي له ألم نحسن إليك ونفعل ونفعل؟ هل رأيت تقصيراً؟ قال لا. قالت فما حملك على البيت؟ قال جرى على لساني. فخرجت إليه جارية من بعض الأخبية فحدثته حتى أنس واطمأن ثم قالت له ممن أنت يا ابن عم؟ قال رجل من تميم. قالت أتعرف الذي يقول:

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا

ولو سلكت سبل المكارم ضَلّتِ

أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى

خلال المخازي عن تميم تَجَلَّتِ

قال: والله ما أنا من تميم، قالت: ما أقبح هذا الكذب بأهله! فمن أنت؟ قال: من بني عجِل. قالت أفتعرف القائل؟

أرى الناس يعطون الجزيل وإنما

عطاء بني عجل ثلاث وأربع

إذا مات عجليّ بأرض فإنما

يخط له فيها ذراع وإصبع

قال: لا والله ما أنا منم بني عجل، قالت: فمن؟ قال: من بني عبس. قالت: أفتعرف القائل؟

إذا عبسية ولدت غلاماً

فبشرها بلؤم مستفاد

قال: والله ما أنا من بني عبس، قالت: فمن؟ قال: من بْجيْلة، قالت: أفتعرف القائل؟

سألنا عن بُجيلة حين جاءت

لتخبر أين قَرَّ بِها القرار

فما تدري بجيلة إذ سألنا

أقحطان أبوها أم نزار

فقد وقعت بجيلة بَيْنَ بَيْن

وقد خُلعت كما خلع العذار

ص: 144

قال لا والله ما أنا من بجيلة. قالت فممن؟ قال من بني نمير. قالت أفتعرف القائل؟

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

قال والله ما أنا من بني نمير، قالت فممن؟ قال من بني باهلة. قالت أفتعرف

القائل؟

إذا نصّ الكرام إلى المعالي

تنحى الباهليّ عن الزحام

إذا ولدت حليلة باهليّ

غلاماً زِيدَ في عدد اللئام

ولو كان الخليفة باهليا

لقصر عن مساماة الكرام

وعرض الباهلي وإن توّقي

عليه مثل منديل الطعام

قال لا والله ما أنا باهلة. قالت فممن؟ قال من خزاعة. قالت أفتعرف القائل؟

إذا فخرت خزاعة. قالت فممن؟ قال من بني أمية. قالت أفتعرف القائل؟

وهي من أمية بنيانها

فهان على الناس فقدانها

وكانت أمية فيما مضى

جريا على الله سلطانها

فلا آل حرب أطاعوا الإله

ولم يتق الله مروانها

قال لا والله ما أنا من بني أمية. قالت فممن؟ قال من همدان. قالت: أفتعرف القائل؟

إذا همدان دارت يوم حرب

رحاها فوق هامات الرجال

رايتهم يحثون المطايا

سراعا هاربين من القتال

ص: 145

قال لا والله ما أنا من همدان. قالت فممن؟ قال من النخع. قالت أفتعرف القائل؟

إذا النخع اللئام عدوا جميعاً

تدكدت الجبال من الزحام

وما تغني إذا صدقت فتيلا

ولا هي في الصميم من الكرام

قال لا والله ما أنا من النخع. قالت فممن؟ قال من لخَم. قالت أفتعرف القائل؟

إذا ما اجتبي قوم لفضل قديمهم

تباعد فخر الجود عن لخم أجمعا

قال لا والله ما أنا من لخم. قالت فممن؟ قال من كلب. قالت أفتعرف القائل؟

فلا تقربن كلباً ولا باب دارها

ولايطمعن ساريري ضوء نارها

قال والله ما أنا من كلب. قالت فممن؟ قال من سُليم. قالت أفتعرف القائل؟

إذا ما سليم جئتها في ملمة

رجعت كما قد جئت نادماً

قال والله ما أنا من سليم. قالت فممن؟ قال من الموالي. قالت أفتعرف القائل؟

ألا من أراد اللؤم والفحش والخنا

فعند الموالي الجيدُ والكتفانِ

قال لا والله ما أنا من الموالي. قالت فممن؟ قال رجل من الشيطان الرجيم قالت أفتعرف القائل؟

ألا يا عباد الله هذا عدوكم

وذا ابن عدو الله إبليس خاسئاً

حتى إذا ضاقت بالرجل مناسبه، وأعيت عليه مذاهبه، قال لها الله الله! أقيليني العثرة فوالله ما ابتليت بمثلك قط. ثم خرج خاسئاً وهو حسير

ذلك حديث الصبية العربية التي لم تَعدُ بعد طور الحداثة، وتلك قوة بديهتها ودقة فطنتها وحضور جوابها. وأخذها المآخذ على خصمها. وفي الحديث كما رواه المسعودي هناتٌ للقبائل ومغامز ضربنا الصفح عنها.

ص: 146

ولقد أثمرت رواية الشعر في تلك النفوس الصافية النقية ثمراً جَنِيا فكانت المرأة ناقدة لا تباري، وشاعرة لا تجاري، وبنقدها وصوعها تبوّأ الشعر العربي تلك المنزلة التي لا تطاول روعة وجمالا.

ولئن ثار الخلائف من بني أمية في نفوس الشعراء روحاً خبيثة من التنابر والأحقاد فأثابوهم على المخزيات والمنتديات يترامون بها، ويتهالكون عليها لقد دافع عقائل العرب تلك الروح بنفاذ نقدهن، ولطف مآخذهن، وجلال المعنى وكفى. وكانت سيدة الناقدين سُكينة بنت الحسين. فهي حَكَمُ الشعراء الذي لا يرد حكمه ولا يَفيل رأيه ولا تبدو مزلته، وكانوا يفدون على دارها من كل صوب وحدب وكلهم قد عقد يده على خير ما قال، وليس بينهم إلا من كان حديثه طوال طريقه عما عسى السيدة أن تقوله وتحكم به، لأنه سيكون بين المتأدّبين وبغاة الشعر يقيناً لا شك فيه.

اجتمع إليها ذات مرة جرير والفرزْدَق وكُثَيَّر وجميل ونُصيب فنقدت لكل شعره وأخذت عليه المآخذ. ثم أثابت كلا بألف دينار فخرجوا بخمسة آلاف دينار وما كان الخليفة ليظفرهم حتى يجمعوا فيه من الفضائل ما تفرق في الأبرار والمقرّبين، والكرام الكاتبين، والقادة الفاتحين.

كذلك كانت مثوبتها للمغنين. وكان بصرها بمذاهب الغناء وضروب الإيقاع كبصرها بأعطاف الشعر وقطاف الأدب.

وكانت عائشة بنت طلحة تتأثر خطوات سُكينة في نقد الشعر والغناء، والاجتماع بالمغنين والشعراء، والرواة والأدباء، وذوي الرأي والسناء، فتحدّث كلا بما عني به، وخلق له، حتى لا تدع له مجالا يقول فيه.

ص: 147

وكانت عمرة الجُمَحِية - من سرَاة بني جُمَح - يجتمع إليها الشعراء والرواة في دارها، فتستمع لكل، وتوازن بينهم جميعاً.

وكثير من هؤلاء خصصن بنقد الشعر فيه قوة الخيال، وروعة الجمال ومن عيون هؤلاء أسماء وعُلَيَّة ابنتا المهدي وأختا الرشيد في الدولة العباسية، وحفصه بنت الحاج الركونية - من شريفات غرناطة وحسيباتها - وولاّدة بنت الخليفة المستكفي في الأندلس.

ونحن أولئك مرسلو القول في تبسط العقائل للشعراء وتأثير رأيهن وحكمهن في أنفسهم.

وكان أبو محْجَن نُصيب بن ربَاح مولى أسود حالك السواد. فاضت به عاطفة الشعر فظهر له فيه أثر حميد. وهو الذي نسوق عنه ذلك الحديث:

قال إنه خرج هو وكُثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء، فقال هل لكم في أن نركب جميعاً فنسير حتى نأتي العقيق فنمتع فيه أبصارنا؟ فقالوا نعم. فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب،

وتنكروا. ثم ساروا حتى أتوا العقيق، فجعلوا يتصفحون ويرون بعض ما يشتهون. حتى رفع لهم سواد عظيم فأموه، حتى أتوه، فإذا وصائف ورجال من الموالي ونساء بارزات، فسألنهم أن ينزلوا فاستحوا أن يجيبوهن من أول وهلة، فقالوا لا نستطيع أن نمضي في حاجة لنا، فخلفنهم أن يرجعوا إليهن ففعلوا، وأتوا فسألنهن النزول فنزلوا، ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت ادخلو، فدخلنا على امرأة جميلة برزة على فرش لها، فرحبت وحيت، وإذا كراسي موضوعة. فجلسنا جميعاً في صف واحد كل إنسان على كرسي، فقالت

ص: 148

إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا - كناية عن ضرب العود - وإن شئتم بدأنا بالغداء. فقلنا بل تَدْعين بالصبي يفوتنا الغداء، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلا - كلا ولا - حتى جاءت جارية جميلة فرحبت بهم وحيتهم فقالت لها مولاتها خذي ويحكم من قول نصيب عافى الله أبا محجن:

ألا هل من البين من بُدّ

وهل مثل أيام بمنقطع السعد

تمنيت أيامي أولئك والمني

على عهد ما تعيد ولا تبدي

قال نصيب فغنته فجاءت به كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ وأشجى صوت.

ثم قالت لها خذي أيضاً من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن:

أرق المحب سُهُدُه

لطوارق الهم التي ترده

وذكرت من رقت له كبدي

وَأبى فليس ترق لي كبده

لا قومه قومي ولا بلدي

فنكون جيناً جيرة بلده

ووجدت وجداً لم يكن أحد

من أجله بصبابة يجده

قال فجاءت به أحسن من الأول فكدت أطير سروراً. ثم قالت لها خذي من قول أبي محجن عافى أبا محجن:

فيالك من ليل تمتعت طوله

وهل طائف من نائم متمع

نعم إن ذا شجو متي يلق شجوه

ولو نائماً مستعتب أو مودّع

له حاجة قد طالما قد أسرها

من الناس في صدور بها يتصدع

تحملها طول الزمان لعلها

يكون لها يوما من الدهر منزع

قال فجاءني والله شيء حيرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء وسروراً باختيارها الغناء في شعري وما سمعت فيه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها، ثم قالت لها: خذي من قول أبي محجن عافى أبا محجن:

ص: 149

يا أيها الركب إني غير تابعكم

جتى تلموا وأنتم بي ملمونا

فما أرى مثلكم ركباً كشكلكم

يدعوهمو هوى إلا يعوجونا

أم خبروني عن داء بعلمكم

وأعلم الناس بالداء الأطبونا

قال نصيب فو الله لقد زهوت بما سمعت زهواً خيل إلى أني من قريش، وأنّ الخلافة لي، ثم قالت حسبك يا بنية. هات الطعام يا غلام. فوثب الأحوص وكُثَيرٌ وقالا: لا والله لا نطعم لك طعاماً، ولا نجلس لك في مجالس. فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا. وقدّمت شعر هذا على أشعارنا، وأسمعت الغناء فيه، وإن في أشعارنا لما يفضل شعره، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا فقالت: فأي شعر كما أفضل من شعره؟! أقولك يا أحوص كذا كذا، وقولك يا كثير كذا كذا، وذكرت لهما أبياتاً أساءا فيها إلى النساء فخرجا مغضبين! واحتبستني فتغديت عندها، وأمرت لي بثلاثمائة دينار وحُلتين وطيب، ثم دفعت إلي مائتي دينار، وقالت ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلا فهي لك. فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصة. فأما الأحوص فقبلها، وأما كثير فلم يقبلها، فأخذتها وانصرفت. قال عبد الله بن إسماعيل فسألت نصيباً: ممن المرأة؟ فقال من بني أمية ولا أذكر أسمها ما حييت.

وإذا نحن وازنا بين ثلاثة الشعراء وجدنا الأحوص وكُثَيَّراً قد ذهبا من ورقة القول، ودقة النسيج كل مذهب. على أن الحق الذي لا يماريان فيه أنّ شاعر

حديثنا أشرفهم، وأكرمهم خلقا، وأنباهم عن هجر الكلام ومن أجل ذلك آثرته المرأة وأثابته وأنبهت شعره وذكره.

ص: 150

كل ذلك بينا تجد عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي يضع خمسمائة دينار بين يديه وعنده من الشعراء جرير والفرزدق والأخطل لتكون مثوبة لمن يكون أشد مدحاً لنفسه فيمن سواه.

وعلى ذكر كثير ونقد شعره نقول إنه خرج ذات مرة إلى البادية فدفع به طريقه إلى خباء لقطام علقمه فنزل بها وعرفها بنفسه فقالت له أنت كثير؟ أنت الذي تقول:

فما روضة بالحزن باكرها الندى

يمج الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزة مَوْهِناً

إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها

قال: نعم. قالت: وهل أبقيت لعزة من الفضل فوق ما لهذه اللبنة الملقاة؟ أو لا تراها إذا أوقد المندل الرطب فوقها عبق منها ما يعبق من عزة؟ هلا قلت كما قال امرؤ القيس:

ألم ترياني كلما جئت طارقاً

وجدت بها طيباً وإن لم تَطَّيب

فخرج كثير واستحيا بعد أن ملأ فخراً بنفسه.

وإن من أعجب الأشياء أن تضع زوج أحد الشاعرين المتكافئين قوة وشيعة رأيها في كفة خصمه وتلك هي النور بنت أعين زوج الفرزدق همام بن غالب. سألها زوجها رأيها فيه وفي جرير فقالت: إن جريراً شاركك في مره وانفرد دونك في حلوه.

ص: 151

وما ظنك بامرأة تستمع بيوتاً من الشعر نفسها لقائلها بعد أن تكون قد رسخت منه وامتنعت عليه؟ ذلك ما كان من إحدى أدبيات العرب وجميلاتهم مع نصيب بن رباح فقد رامها نصيب فعزت عليه، بل لقد سخرت منه حين كلمها ودلف إليها

فقالت له: ما أظرفك يا أسود! وأغضب ذلك نصيباً فانصرف عنها، فقال:

فإن أك حالكا فالمسك أحوى

وما لسود جلدي من دواء

ولي كرم عن الفحشاء ناء

كبعد الأرض عن جوّ السماء

فإن ترضي فردّي قول راض

وإن تأبى فنحن على السواء

تلك شواهد موجزة مجملة عما للمرأة العربية المسلمة في الأدب من نفاذ وبراعة، ورجاحة وسماحة، وصفاء فطرة، ومضاء بديهية، وكريم مثوبة، وقوة عارضة، وصولة واستبسال، في حياطة مواطن الشرف والجمال من الشعر. وكان بودّنا لو ملأنا للقارئ أيدينا ممن ذلك الثمر الحلو الجني لولا خشية التياث القصد وترامي الطريق.

ولئن نضرت جوانب الأدب العربي بموقف المرأة، وضاءت مذاهبه، ورقت مشاربه، لقد فاضت مشارعه، وتدفقت متالعه، وزكت فنونه، وتهدلت غصونه، بما أثمرت قريحتها، وانحسر عنه لبها من نثر الكلام وشعره.

لقد وردت المرأة مناهل القول جميعاً. على أنها لم تجاوز الصافي الفرات منها، فكان قولها قطعاً من قلبها ومشاعرها. فهي إذا خطبت، أو كتبت، شافهت، أو نظمت، لم تعد ما تؤمن به، وتهفوا إليه. أما سفال القول من إغراق في المدح، وإقذاع في الهجاء، ومجون في الغزل، وذهاب في الخمر، وسخف في الدين، فذلك ما تركت الرجل يستأثر به ويتسكع فيه.

ص: 152

لا نكذب الحق فقد ظهر من الشواعر أخذن بطرف من ذلك اللغو. على أن هؤلاء لسن في شيء من موضوع كتابنا. فهن نوازح من الجواري جيء بهن إلى مدن العراق والشام والأندلس مما والاهن من الأقطار فتصدين لرجال العرب بما شئن من دعابة وتأنق، فظهر كثير من السرف والتهتك على مقالهن، حتى لقد سترن بذلك الانحسار تلك الملاحة الروحية المعنوية في المرأة العربية، فتضاءلت

وتراجعت وقذف بها ذلك السيل الأتي إلى مكان سحيق، وسنفرد القول في ذلك في الجزء الثالث من كتابنا إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة العربية قد استمدت وحي البلاغة وسحر البيان من صبيب قلبها وخطرات سرائرها، فإن الرجل لم يستمد ذلك كله إلا من المرأة نفسها.

وهل رأيت شاعراً ممن طار شعرهم كل مطار. وسار ذكرهم كل مسار يستمد خواطر شعره، أو يصطفي الحرّ السني من معناه وخياله إلا من المرأة؟.

وكم قصيدة من تلك التي قيلت في العظائم وقدمت إلى العظماء لم تكن المرأة إلا مطلع أمرها ومنبلج فجرها؟

نقف الآن إلى ذلك الحدّ من منزلة المرأة في الأدب العربي وإنا لعائدون إليه إن شاء الله فيما نختاره لها من شئون وفنونه. ونأخذ ببقية القول في أثرها العلمي فنقول.

لم تقف بالمرأة العربية قريحتها عند حدّ النبوغ في التشريع الإسلامي، والأدب العربي. فقد أخذت بنصيب موفور من النهضة التي استحدثها المسلمون عَمَّن سواهم من الأمم ذوات التاريخ الحافل والمجد القديم.

وأخصن ما عنين به الطب، فهنّ فوق ما ورثنه عن أمهاتهن من أسْو الجراح، وجبر العظام، برعن إلى غير حدّ في بقية فروع الطب مما نقوله عن اليونان

ص: 153

والسريان والهند، حتى كانت بغداد وقرطبة وما سواهما من مدن العراق والأندلس مسارح للكثيرات منهن ممن خصصن بعلاج الأجسام ما ظهر منها وما بطن.

ومن هؤلاء أخت الحفيد بن زهر الأندلسي وابنتها. فقد حدّث صاحب طبقات الأطباء عن نفوذهن في فروع الطب جميعاً وفي أمراض النساء خاصة، وكان المنصور بن أبي عامر وارث الخلافة الأموية بالأندلس لا يدعو لنسائه وعامة أهله غيرهما.

ومنهن زينب طبيبة بني أود وكان أخص ما برعت فيه علاج العين بالجراحة أو إجراء العمليات الجراحية للعين.

وغير أولئك كثيرات وسنختصهن ببحث طويل في الجزء الثالث من هذا الكتاب. ولا يفوتنا أن نختم حديثنا بشيء مما كتبه الكاتب الفيلسوف العظيم جوستاف لوبون في كتابه حضارة عن المرأة المسلمة وأثرها العلمي، قال:

أما نباهة شأن المرأة وسمو مكانها في عصور العرب الواهية، فما ينبئ عنه عدد اللواتي امتزن بنفاذهن في العلوم والآداب من نساء العرب

ولقد نبغ منهن عدد موفور في العهد الأموي بالأندلس والعباسي ببلاد المشرق. ولنذكر من بين أولئك وَلَاّدَة بنت المستكفي بالله أمير المؤمنين بالأندلس.

كتب كوند مجملا عمن كتب من مؤرخي العرب عن الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر قال: كان هذا الخليفة وسط ما يحيط به من بدائع الزهراء وعجائبها يسره أن يستمع الغناء مما كانت تصوغه جاريته وصاحبة سره مُزنة من الأناشيد العذبة الرقيقة. ومن أولئك الناهضات النابهات عائشة إحدى

ص: 154

بنات السَّراة بقرطبة.

وهي التي يقول ابن حيان عنها إنها أجمل وأعقل وأعلم نساء عصرها وصفية وكانت من أفتن النساء بجمالها وأدراهن بفنون الشعر.

ومما قال بعض المؤرخون عن الْحَكَم بن الناصر في ذلك العهد الذي أولع فيه أهل الأندلس بالشعر وجنوا قطاف الفنون والعلوم كان النساء في عزلتهن يقبلن على الدرس وينصرفن إليه وأكثرهن قد امتاز بمضاء الذكاء وانفساح مدى العلم، وكان في قصر الخليفة بين نسائه لُبنى تلك التي جمعت إلى جمالها الساحر إحاطتها بالنحو والشعر والرياضة وما سوى ذلك من علوم وفنون. وكانت تكتب رسائل الخليفة بأسلوب يملأ النفس روعة وخط يملأ العين جمالا، فهي كاتبة قصره، ومنشئة رسائله، ولم يكن بين نساء القصر من يساميها عقلا وفطنة ورشاقة لفظ،

وسماحة قافية، وفاطمة وَمَثلُها في رجاحة العقل وسماحة القول مَثَل لبنى. وكان شعرها كفاء نثرها وفي كليهما أمعنت حتى بلغت غاية لا تنال، وكان العلماء والشعراء يطربون لشعرها وما فيه من أنق وإبداع. ولها مكتبة جمعت أجل الكتب وأنفسها.

ومنهن خديجة وهي التي جمعت إلى عذوبة المنطق وروعة الشعر، رخامة الصوت والذهاب في فنون الغناء، ومريم التي كانت تغدو على بنات سادات إشبيليه فتعلمهن القريض، وكان لها في التعليم ذكر نابه وشهرة ذائعة. وقد تخرج في مدرستها طائفة عظيمة من شهيرات النساء. وراضية ويدعونها - الكوكب الزاهي - وهي التي وهبها الناصر لابنه الحكم. وكانت آية العصر في الأدب والتاريخ. وقد تنقلت في بلاد المشرق أثر موت الحكم فكانت موطن الإجلال والإكبار من العلماء جميعاً.

أما بعد: فذاك حديث النهضة العلمية الإسلامية وتلك آثار المرأة فيها ومآثرها عليها، فهل رأيت في أمة قديمها وحديثها؟ اللهم إنها حكمة الله ملأ بها أحناء تلك الصدور، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

ص: 155