الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى اقتادوا الجيوش من صوب خراسان، فصدعوا بها ملك بني مروان. على أن يد المرأة لم تترك مقادة تلك الثورة المبيحة المُنيحة.
هنالك قيض الله لعظيم بني هاشم من ملأت قلبه عزماً، ويده مالا، ونهجه وضحاً ونوراً وتلك هي زوجه أم سَلَمة ابنة يعقوب بن سلمة.
كانت أم سلمة قبل أن تصير إلى السفاح زوجاً لعبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. فكانت لذلك أعرف الناس بِسرّ بني أمية، وأوقعهم على خبيئة أمورهم فلما هلك عنها اجتمع لديها تراث زوجها وأبيها، وكلاهما كان غنيا موفور الغنى. فأما ما ملكت من سماحة الرأي ورجاحة العقل، فكان أوفر من مالها وأتم.
أرسلت أم سلمة مولاتها إلى السفاح تخطبه، وحّملتها سبعمائة دينار تقدمها إليه إن شكا الفاقة إليها. فلما عرضت الجارية أمر مولاتها، قال: أنا مملق لا مال عندي. فقدمت إليه هدية سيدتها. وهنالك سارع السفاح إلى الزوجة المواتية بمالها. وكان ما لقيه من نفاذ رأيها وإحكام تدبيرها، أتم وأوفى. فلم يكن يصدر إلا عن رأيها ومشورتها، وبها عرف مواطن الداء من أعدائه، وإليها كانت إفاءته في خلافته:
المرأة والخوارج
الخوارج قوم يبتغون الكمال في الخلافة، فهم يريدون الإمام العادل الثَّبت، الذي يقوم بإجماع المسلمين، وينزل من الأمر على شورى المسلمين. ذلك مبدؤهم الذي خرجوا به، وقاتلوا الناس عليه. على أنهم أسرفوا فيه وغلوا غلوّاً كبيراً، حتى
حسبوا كل وزر كفراً يُقاتل مقترفه، ويقتل عليه. وكانوا في أول أمرهم قطعة من جند على. فلما رضى بالتحكيم في خلافته؛ قالوا: علام يقتتل المسلمون وأمراؤهم في شك من أمرهم؟! ومنذ ذلك اليوم انفصلوا عن علي، واستجازوا قتاله؛ وقتال من بعده من الخلفاء.
وحجتهم في الخروج على علي داحضة. فقد يكون التحكيم مما يبعثه اليقين بالحق، والثقة بالعناية. كذلك شرع الخوارج لأنفسهم قتال كل خليفة لأنه أتخذ خلافة رسول الله تراثاً عن أبيه. وحَسبَ المسلمون سواه هملا، فساقهم بغير عهد منهم ولا رضي. ذلك ما يقوله له الخوارج. ومهما يكن من أمرهم فقد استبسلوا في سبيل غايتهم وأصبحوا مضارب الأمثال في البسالة والجسارة.
وأوضح ظاهرة تراها في فريق الخوارج نباهة المرأة، ونزوعها منازع القادة الكفاءة، وقيامها في الطرف القصي من تفدية الغرض، والتضحية في سبيله.
وكم احتمل نساء الخوارج من ولاة العراق وسفاحيه من نكال ووبال، وتمزيق أوصال. فلم يكن شيء من ذلك يروعهنّ، ولا يثَلم غرضهنّ، أو يحول غايتهنّ، حتى تقاد المرأة إلى القتل صابرة راضية.
ولقد ظهر من الخوارج رجلان عظيمان، قاما واحداً بعد واحد. كلاهما اجتمع عليه القوم، وكلاهما لقب بإمرة المؤمنين. وكلاهما استمدّ من امرأته الجليل من رأيه: والشديد ممن قوته.
أما أوّلهما فقطري بن الفجاءة؛ كانت زوجه أم حكيم من أتم النساء ذكاء ومضاء
وجمال وجه، ونفاذ رأي، وقوة بيان. ومن قوله فيها:
لعمرك إني في الحياة لزاهد
…
وفي العيش ما لم ألق أم حكيم
من الخَفِرات البيض لم يُرَ مثلها
…
شفاء لذي بَثّ ولا لسقيم
لعْمرُك إِني يوم الأطم وجهها
…
على نائبات الدهر جِدُّ لئيم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت
…
طعان فتى في الحرب غير ذميم
حتى يقول:
فلو شَهِدتنا يوم ذاك وخيلنا
…
تبيح من الكفار كل حريم
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم
…
بجنات عدن عنده ونعيم
وأما الثاني فشبيب بن يزيد، وزوجه غزالة الحروية. وقد أسلفنا ذكرها وأفردنا خبرها.
وكانت أمه جهيزة بالمكان الأوفى من الشجاعة. وكانت هي وغزالة ذكرها إلا في أخطر المواقف من الموقعة.
وقالوا إن عِمران بن حِطان كان رجلا من أهل السُنة، فتزوج امرأة من الشراة إلا في أخطر المواقف من المواقعة.
وقالوا إن عمران بن حِطان كان رجلا من أهل السنة، فتزوج امرأة من الشراة من عشيرته وقال أردها عن مذهبها فذهب هي به.
وكان أخطر ما قام به الخوارج قتلهم عليا عليه السلام، قتله عبد الله مُلجم؛ وما أغراه بذلك إلا أمه وإلا زوجه قَطَام ابنة علقمة التي طلبت صداقاً لها:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة
…
وضرب على بالحسام المسمم
ولعلك ذاكر ما فصلنا من حديث ليلى بنت طريف في عهد الرشيد مما يبين لك هو وأشباهه أن المرأة والرجل في تلكم الأيام كانا عودي سرحة واحدة وشبلي عرين واحد.