الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاوية: لقد لمَّظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان. فبطيئاً ما تُعَظمون ثم قال: اكتبوا لها برد مالها والعدل عليها، قالت: ألي خاصة، أم لقومي عامة؟ قال ما أنت وقومك؟ قالت هي والله إذن الفحشاء إذن الفحشاء واللؤم! إن لم يكن عدلا شاملا وإلا والله فأنا كسائر قومي. قال: اكتبوا لها ولقومها.
أم الخير بنت الحريش البارقية
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة: أن أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سُراقة البارقية، رحلة محمودة الصحبة، غير مذمومة العاقبة، واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً، وبالشر شرا. فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها فأقرأها إياه، فقالت أما أنا فغير زائغة عن طاعة، ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري، وتجري مجرى النفس يغلي بها غلي المرجل بحب البُلْسُنِ يوقد بجذل السمر. فلما حملها وأراد مفارقتها قال: يا أم الخير إن معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل بقولك فيَّ. بالخير خيراً، وبالشر شرا، فانظري كيف تكونين؟ قالت: يا هذا لا يُطمعك والله برَّك بي في تزويقي الباطل، ولا تؤيسك معرفتك إياي أن أقول فيك غير الحق، فسارت خير مسير. فلما قدمت معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً، ثم أذن لها في اليوم الرابع وجمع لها الناس، فدخلت عليه، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقال وعليك السلام. وبالرغم والله منك دعوتني بهذا الاسم! فقالت مه يا هذا! فإن بديهة السلطان مُدْحِضَة لما يجب علمه. فقال صدقت يا خالة، وكيف رأيت مسيرك، قالت لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفِدت إلى مُلك جَزل وعطاء
بذل. فأنا في عيش أنيق، عند ملك رفيق. فقال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم وأعنت عليكم، قالت: مه يا هذا! لك والله من دحض المقال ما تُرْدى عاقبته، قال ليس
لهذا أردناك. قالت: إنما أجرى في ميدانك، إذا أجريت شيئاً أجريته فاسأل عما بدا لك. قال: كيف كان كلامك يوم قتل عَّمار بن ياسر! قالت: لم أكن والله رويته قبل، ولا زَوَّرْته بعد وإنما كانت كلمات نفثهنّ لساني حين الصدمة. فإن شئت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت. قال: لا أشاء ذلك. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أيكم حفظ كلام أم الخير فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد، قال هاتهِ! قال نعم، كأني بها، يا أمير المؤمنين وعليها بُرد زَبيدي كشيف الحاشية، وهي على جمل أرمك وقد أحيط حولها حَوَاء وبيدها سوط مُنْتَشرُ الضَّفْر، وهي كالفحل يهدرُ في شقشقتهِ تقول: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم، إن الله قد أوضح الحق، وأبان الدليل، ونوّر السبيل، ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مُدلهمة. فإلى أين تريدون رجمكم الله، أفراراً عن أمير المؤمنين أم فراراً من المؤمنين؟ أم فراراً من الزحف؟ أم رغبة عن الاسم؟ أم ارتداد عن الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول:(ولَنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين على الهدى واردد الحق إلى أهله. هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصي الوفي والصديق الأكبر
إنها إحن بَدرية وأحقاد جاهلية. وصغائن أُحُدية، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس. ثم قالت: قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون. صبراً معشر الأنصار والمهاجرين. قاتلوا عن بصيرة من ربكم وثبات من دينكم. وكأني بكم غداً لقد لقيتم أهل الشام كَحُمر مستنفرة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى، عما قليل لَيُصْبحُن نادمين، حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة. إنه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل؛ ومن لم يسكنه الجنة نزل
النار: أيها الناس إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها؛ واستبطئوا مدة الآخرة فسعوا لها. والله أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق؛ وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه. فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته؛ خلق من طينته، وتفرع من نبعته؛ وخصه بسره؛ وجعله باب مدينته. وعلم المسلمين، وأبان ببغضه المنافقين فلم يزال كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته، ويمضي على سنن استقامته لا يعرج لراحته الدَّاب. هاهو مفلق الهام، ومكسر الأصنام، إذ صلى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أُحد، وفرق جمع هوازن فيالها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً، ورِدة وشقاقاً. وقد اجتهدت في القول، وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقال معاوية: يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي، والله لو قتلتك
ما حرجتُ في ذلك. قالت والله ما يسوءني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه. قال هيهات يا كثيرة الفضول: ما تقولين في عثمان بن عفان؟ قالت وما عسيت أن أقول فيه؟ استخلفه الناس وهم عنه راضون، وقتلوه وهم له كارهون. فقال معاوية إيها يا أم الخير! هذا والله أصلك الذي تبنين عليه قالت لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً. ما أردت لعثمان نقصاً وإن كان لسباقاً إلى الخيرات، وأنه لرفيع الدرجة. قال: فما تقولين في طلحة بن عبيد الله قالت وما عسى أن أقول لكم في طلحة؟ اغتيل في مأمنه، وأتى من حيث لم يحذر، وقد وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة. وقال فما تقولين في الزبير قالت يا هذا لا تدعني كرجيع الصبيغ يُعرك في المِركن قال حقا لتقولن ذلك وقد عزمت عليك. قالت وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة. ولقد كان سابقاً إلى كل مكرمة في الإسلام، وإني أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشاً تحدث أنك أحلمها، وأسألك تسعني بفضل حلمك، وأن تعفني من هذه المسائل، وخذ فيما شئت من غيرها قال نعم وكرامة. قد أعفيتك، وردها مكة إلى بلدها.