الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم: إن للمرأة لَشُعْبة من الرجل ما هي له في شيء.
ولعمرك إن في قول رسول الله لبلاغاً أوثرت المرأة به وأبرت فيه من فرط الحنو على زوجها، وفضل الوفاء له بعد موته.
ذلك موقف الرجل والمرأة من الشريعة الإسلامية. وهو شهيد بأنهما قسيمان في تدبير المنزل وشئون الحياة وعند الله وبين يدي رسول الله.
كرامتها
لئن قرن الإسلام بين الرجل والمرأة في عامة المواطن لقد عرف نصيبها من رقة القلب، ودقة الوجدان. وأنها مناط شرف الرجل، ومواطن عرضه، فاختصها بنصيب من الحرمة والكرامة لم يظفر بمثله نظراؤها من الرجال.
إن كرامة المرأة في الإسلام تتناول شخصها وسيرتها، وتشمل مشهدها ومغيبها. فمن حقها أن تكون هي في موطن الرعاية والعناية، وان يكون اسمها بمنجاة من لغو القول، ومنال اللسان.
لقد كانت المرأة في عهد الإسلام - كما كانت في الجاهلية - تجير الخائف وتفك
العاني، وذلك كله إلى تجِلَّة واحترام، بلغت منهما غايتهما.
فقد أجارت أم هانئ بنت أبي طالب رجلين من أحمأها كتب عليهما القتل، وذلك بحمل حديثها في سبيل ذلك. قالت:
لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فرَّ إلى رجلان من أحمائي من بني مخزوم. فدخل علىَّ عليٌّ بن أبي طالب أخي فقال: والله لأقتلنهما. فأغلقت عليهما باب بيتي: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً وأهلاً
يا أم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي. فقال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ وأمّنّا مَّنْ أمّنت فلا يقتلهما.
وافتكت زينب بنت رسول الله إسار زوجها في الجاهلية أبي العاص بن الربيع - وكان من أسرى بدر - فأطلق بغير فداء ورُد عليه ماله. على أصِلتها به، وزواجها منه قد فصلهما الإسلام قبل ذلك
وكم كانت فاطمة بنت رسول الله إذا أهَلَّتْ مقْبلة على أبيها قام لها عن مجلسه وأخذ يدها فقبلها.
أما كرامة سيرتها، وصيانة اسمها، فذلك ما لا نحسب شريعة من الشرائع حاطتهما بمثل حياطة الإسلام لهما. وحسبك أن الله سبحانه وتعالى اشتد في كتابه الكريم على قاذفي النساء في أعراضهن بأشد مما اشتدّ على القتلة وقطاع الطريق، فقد قال سبحانه وتعالى في سورة النور:(والذِينَ يَرمْقُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ يَأْتُوا بِأَرْبَعةِ شُهَدَاءَ فاْجلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلدَةً ولا تَقْبَلوا لَهمْ شَهَادَةً أَبَداً وأُولئِك هُمُ الفَاسِقون).
فجعل سبحانه وتعالى للقاذف عقوبة ثمانين جلدة ثم دعم هذه العقوبة بأخرى أشد وأخزى، وهي اتهامه أبد الدهر في ذمته، واطرح شهادته، فلا تقبل له شهادة أبدا ثم وسمه بعد ذلك بِسمَة هي شر الثلاثة جميعاً، وهي سمة الفسق، ووصمة الفجور.
لم يكن كل ذلك عقاب أولئك الأئمة الجناة، فقد عاود الله أمرهم بعد ذلك بما هو أشد وأهول من تمزيق ألسنتهم فقال:
(إِنَّ الذِينَ يَرْمُونَ المحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المٌؤمْناتِ لعِنُوا في الدُّنيَا والآخِرَةِ ولَهمْ عَذَابٌ عَظيمٌ، يَوْمَ تشْهَدٌ عَلَيْهِمْ أَلسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهم وأَرْجُلهُمْ بِما كانوا يَعْملُون، يَوْمَئذٍ يوَفَّيهِمُ اللهُ دِينَهُمْ ويَعْلَمون أَنّ هُوَ الحقَُّ المبين).
وإن في حديث الإفك، وما فاض الله في شأنه. لموعظة وذكرى لقوم يعقلون. فإن ناساً لم يبرءوا بعد من وضر الجاهلية نالوا من اسم عائشة أم المؤمنين بألسنتهم، وأعقبهم جماعة المنافقين فذهبوا بالقول كل مذهب، واحتجز بقية
المؤمنين أنفسهم عن الخوض حيث يخوض الناس. فأنزل الله في سبيل ذلك تلك الآيات الكريمة، تبرئة للمرأة الطاهرة. وفيها أهال سخطه لعنته على المرجفين وأرسل لومه وتأنيبه لمن سواهم ممن سمعوا قولهم فلم يردوهم، ولا برئوا إلى الله منهم قال جلت آياته:
(إِنَّ الذِينَ جاءوا بالإْفكِ عُصْبَة مِنكُم لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لكُم بَل هُو خَيْر لكُم، لِكُلَّ امْرِئٍ مِنْهمْ ما اكتَسَبَ مِن الإثْم والذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لهَ عَذابٌ عَظِيمٌ، لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوه ظنَّ المؤمِنونَ والمؤْمِناتُ بأَنفُسِهمْ خَيْراً، وقالوا هذا إِفكٌ مُبين، لولا جَاءوُا عَلْيهِ بأَرْبَعةِ شُهَداءِ فإذْ لمْ يأْتُوا بالشُّهَدَاءِ فأُولئِكَ عنْدَ الله هُم الكاذِبون، ولوَلا فضْل الله عليْكُم ورْحَمتُهُ في الدُّنيا والآخِرةَ لَمَسَّكُم فيما أَفْضُّتمْ فيهِ عذَابٌ عظِيم، إِذ تلقَّوْنهُ بأَلسنَتِكمُ وتقولُون بأَفواهِكم ما ليْسَ لكم بهِ عِلْم وتَحَسبونهُ هيَّناً وهو عندَ الله عَظِيم، ولَولا إِذ سَمِعْتُمُوهُ قُلتُم ما يكُونُ لنَا أَن نتكّلَّمَ بِهذَا سُبحَانكَ هذا بُهتَان عَظِيم يَعِظكُمُ الله أن تعودُوا لِمثْلِه أَبَدا إِن كنْتمْ مُؤمِنين، ويُبيَّنُ الله لكم الآيات والله عليم حَكِيم، إِن الذِينَ يُحبونَ أَن تشيع الفَاحشَةُ في الذِينَ آمنوا لَهْم عذَابٌ أَلِيم في الدُّنْيا والآخِرَةِ والله يعْلمُ وأَنتم لا تعْلَمونَ، ولَولا فْضل اللهِ عَليْكُمْ ورحْمَتُهُ وأَنَّ اللهَ رؤُوف رحِيمٌ).
ذلك قول الله وحكمه في طغَمَة الأفاكين المرجفين. الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بين الناس، فلا يزالون يلهثون، يبتغون بألسنتهم ما أكنته البيوت من أعراض الحرائر. فهل يسمع حفدتهم وورثتهم وهم قوم شَجى بهم حلق هذا البلد،
وضاق صدره وأظلم المشرق من جوّه؟ ينفس الرجل منهم على الرجل علمه، أو ينقم منه رأيه، أو يحقد عليه ظهور أمره ونباهة شأنه، فلا يجد وسيلة للنيل منه، إلا أن يلغ في عرضه، ويعيث في كرامة أهله. وربما أبصر الرجل منهم عرضه مصدوعاً، وشرفه مشدوها. فلا سبيل له إلا أن يتخذ لسانه كشباة العقرب، يصيب به يميناً وشمالا، عساه يدرأ عنه العيون المحدقة ويكف دونه غرب الألسنة المتوثبة. وسواء أحقت تلك الأراجيف أم أفكت، فإن ذيوعها في أمة من الأمم مما يؤول إلى سوء القدوة، وضعف النخوة وإغضاء العين على القذى، وتوطين النفس على المهانة، أسوة بمن قيل فيهم، وتعلة بمن سمع عنهم.
وبعد فقد درج المسلمون بعد أن سمعوا من آيات الله ما سمعوا على تنزيه المرأة وتكرمة اسمها، وصيانة سيرتها، واتهام أنفسهم دون اتهامها، فقد مَرّ عمر بن الخطاب في هدأة من الليل، بدار إحدى نساء المدينة، فسمعها تتغنى بقولها:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
…
أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
فلم يعد - وهو أمضى المسلمين في ذات الله - إلا إلى نصر بن حجاج - وكان كأجمل الناس وجها - فنفاه إلى البصرة حتى لا تتمناه امرأة غير هذه.
وكانت في رجال قريش صرامة على نسائهم. ومنهم من كان يعمد إليهن بالأذى فأمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ضرب في حياته امرأة ولا خادماً. وهو الذي يقول: اتقوا الله في النساء واستوصوا بالنساء خيراً وكان كأغضب ما يكون إذا سمع بامرأة يضربها زوجها.
وقد حَدَّث ابن سعد في طبقاته جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد
ضربها زوجها ضرباً شديداً. فقام رسول الله فأنكر ذلك وقال: يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد، ثم قال يظل يعانقها ولا يستحي. وحدّث هو أيضاً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب النساء. فقيل: يا رسول الله إنهن قد فسدن. فقال: اضربوهن ولا يضرب إلا شراركم. وتلك لعمري أشد وأوكد من المنع ومن ذا الذي يرضي أن يحتسب عند الله ورسوله من الأشرار؟
على أثر ذلك انقطعت تلك السنة الموبقة من قريش، فلم يقترفها إلا رجل لا يأبه بشرع، ولا يركن إلى دين، أما أَهل المدينة من الأوس والخزرج فكأنهم قد خلقوا من طبع رسول الله ومودته ورحمته. فكانوا من أشد الناس تكرمة لنسائهم ورفقاً بهن. بل لقد كانت لهن بينهم صولة لا تقهر، وسلطان لا يرام. وقد تأثرت طباع المسلمين جميعاً بطباع أنصار رسول الله، لمنزلتهم من الدين، مكانهم من عاصمة الإسلام. كما ريضت نفوسهم بقول نبيهم الكريم، صلى الله عليه وسلم. فتجملوا بمواتاة زوجاتهن وموادعتهن، وكف الأذى عنهن. وفي ذلك يقول شُريح صاحب قضاء المسلمين في عهد عمر بن الخطاب ومن أعقبه من الخلفاء:
رأيت رجالا يضربون نساءهم
…
فُشلت يميني حين أضرب زينبا
ولم يقف الإسلام من كرامة المرأة ورعايتها موقف المكتفي بكف الأذى عنها فحسب بل كان مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفيها، والحرص على سرورها واجتلاب ما يفرحها، ويشرح صدرها. فقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتيان الحبشة فلعبوا بحرابهم بين يديه في المسجد، ودعا عائشة رضي
الله عنها فوطأ لها عاتقه وحاط وجهها بيده وأشهدها ذلك المنظر البهيج فلا تزال ترقبه حتى تسأم، فتتركه، ثم تعود إليه.
وحدّثت عائشة أنّ أبا بكر دخل عليها وبين يديها قينتان تغنيان وتلعبان بالدف يوم العيد، وعلى مقربة منها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانتهزها أبو بكر. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها يا أبا بكر، فإنّ لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا.
وروى ابن عبد ربه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: أهديتم الفتاة إلى بعلها؟ قالت: نعم. قال: فبعثتم معها من يغني؟ قالت: لا. قال: أو علمت أنّ الأنصار قوم يعجبهم الغزل؟ ألا بعثتم معها من يقول:
أتيناككم أتيناكم
…
فحيونا نحييكم
ولولا الحبة السمرا
…
ءُ لم نحلل بواديكم
وحدّث البخاري عن الربيَّع بنت معوذة بن عفراء قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُني عليّ. فجلس على فرراش. فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف، حتى قالت إحداهنّ: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعي هذا وقولي بالذي تقولين.
وحدث هو أيضاً عن أنس بن مالك قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم نساء وصبيانا مقبلين من عرس. فقام ممتنا فقال: اللهم أنتم من أحب الناس إليّ.