الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عائشة وعُثمان وعليٌ
تقضت أيام أبي بكر وعمر والمسلمون في أمنة من الفرقة. وقد فرغوا للجليل العظيم من أمرهم. فردوا المرتدين، إلى حظيرة الدين. ثم فتحوا العراق وفارس والشام ومصر وما وراءهن. حتى أصبحت الدولة الإسلامية يومئذ أورف الدول ظلا، وأسمقها بناء. ثم أعقبتها أيام عثمان، فبدأت الأرض تمور بالفتنة.
لقد كان عمر صُلباً شديداً لا يبالي أن يُقَنع بِدرَّته وجه الشريف العظيم إذا مال به القصد، وحاد عن الطريق. وكان عثمان حييا خجولا. يبتدر الرجل الهفوة بين يديه فيندي جبينه، ويحمرّ وجهه. ومحال يروض الناس هذا بعد ذاك.
وكانت من عثمان إلى المسلمين هفوات ساقها الضعف، فأسخطتهم، وأحفظت قلوبهم: منها أنه استعان على عمله بالأحداث من بني أمية، فأخذوا يخسفونه بعامة المسلمين، ويضربونهم بالسياط، ويعذبونهم بالمَسَاحي المُكْوَاة. حتى دوى الصوت من الحجاز إلى العراق إلى مصر بأن عثمان خليفة مستضعف وأن سواه أولى منه بخلافة المسلمين.
وكان مصدر هذا الصوت من سُدَّة عائشة أم المؤمنين. فتجاوبت أصداؤه وانشعبت جِواؤه.
ضاعف الثائرون ذلك الصوت وجوَّفوه، فكل يقول: قالت عائشة، وكتبت عائشة. حتى اتخذوا اسمها سبيلا إلا الإغراء بدم الخليفة المظلوم، كما اتخذوا اسم عليّ في
ذلك بهتاناً وإثما مبيناً. على أن كليهما أراد النَّصفة للمسلمين باستصلاح الخليفة أو اعتزاله، فكان ما جرى به القضاء. وقتل عثمان في بيته مظلوماً مخذولاً. واستَحَلَّ الثائرون منه الحُرم الثلاث: حرمة الخلافة، وحرمة البلد الحرام، وحرمة الشهر الحرام.
أبصرت أم المؤمنين ذلك، وأبصرت قَتلة عثمان يذهبون إلى ديارهم موفورين وحسبت الهوادة في القصاص، فانصدع قلبها وذابت حشاشتها.
وإن يك عثمان قد مات مظلوماً، فقد عاش من بعده عليٌ مظلوماً. ومن أشدَّ مظلمته أن تُؤلّب أم المؤمنين عليه المسلمين. وأن تقود الجنود إلى قتاله، في وقعة الجمل، لأنها اتهمته بالممالأة على عثمان، كما اتهمها الناس بذلك.
وفي موقعة الجمل ترامى جند عائشة على الموت كأن لهم فيه أربَا، حياطة لحرم رسول الله، وذياداً عنها، حتى لقد قتل حولها عشرون ألفا، وقُطعت على زمام هودجها سبعمائة يد، وكلما نُزعت عنه كف نَزَعت إليه أخرى. وكانت خاتمة القتال سقوط الجمل بما غشيه من النبال، وما أصاب قوائمه من السيوف ثم احتمل الهودج إلى دار عبد الله بن بُديَل، وهو أقرب الدور إلى ساحة القتال ومن هنالك آبت إلى المدينة بعد أن أحسن أمير المؤمنين مآبها، وبعث في رفقتها سبعين من نساء صحابته.
رحم الله أم المؤمنين، لقد اشتَفَت من الداء بالداء. أما والله ما نفست على ابن عم ورسول الله خلافته، ولا وجدت عليه قديم أمره. لقد كانت تدعو الناس إليه يوم قتل عثمان، لأنها تعلمه أحق الناس بالأمر، وأقربهم قرابة من رسول الله. ولكنها رأت حقاًّ ضائعاً، ودماً مطولا، وألسنة مرجفة، ووسطاء سوء، فتعجلت ما رأته واجبا، ولو صبرت لكان خيراً وأبقى، ولعمري لهي آثر عند الله وأبرَّ ممن رأي وضح الحق في زمرة عليّ قعد عنه، ونَكَل عن نصرته، وإنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى.