الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرفت ما أنا بصاحب هذا. حتى إذا يئست منه، احتجزت بثوبها، واحتملت عموداً ونزلت إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال: ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب.
ليلى بنت طريف
أخت القائد البطل الثائر الوليد بن طريف الشيباني.
كان أخوها الوليد بقية أبطال الخوارج الذين خرجوا على الخلفاء، وراعوا جندهم وحطموا كتائبهم.
خرج الوليد على الرشيد فأمعن في جنده فتكا وقتلا. وكلما ساق إليه الرشيد فريقاً كان كهشيم في ضرام النَّار. فرماه بعد أن أعياه بقائده يزيد بن مزيد الشيباني.
فظهر يزيد عليه فقتله. فخلفته على قيادة جنده أخته ليلى. فأطبقت بهم على جند الرشيد، حتى خلعت قلوبهم، ومزقت أوصالهم: لا تكون هذه إلا أخت الوليد لأن فعلها بفعله أشبه. حتى إذا أبصر يزيد الوهن في جنده، قال: دعوها. ثم خرج إليه
وضرب الرمح قطاة فرسها، وقال: اعزبي الله عليك، فقد فضحت العشيرة، فاستحيت وانصرفت. وأقامت بعد ذلك بنجوة عن العيون، تبكي أخاها، بمراث تستنزف العبرات وتستثير الزفرات.
غزالة الحرَورية
زوج القائد البطل المخوف شبيب بن يزيد، قائد الخوارج وبطلهم، والقائم بالأمر فيهم.
وهي إحدى القادة الكفاءة الذين دوخوا البلاد، وروعوا الجيوش، وملئوا القلوب أثراً، والأفواه خبراً، والأرض عبراً.
وكانت هي وزوجها يليان قيادة الخوارج. وكان الحجاج بن يوسف مبيد العراق، وسفاك بني أمية، يستمع خبرها، فيمتلئ قلبه رعباً ووهلا.
وقد حدثوا: أنه خرج في جنده، وكله شاكي السلاح، مستكمل العدة، مرهوب الصولة، فعرضت له غزالة في أربعين، وهو في أربعة آلاف. فما لبث أن اختلط عليه الأمر، وخلع قلبه الفزع، وولى هارباً يخلط في قوله، وهو أعرف الناس بمواطن القول وأرفقهم بأساليب الكلام. ولكنه عُقل قلبه، فعقل لسانه. وفي ذلك كتب عمران بن حطان إلى الحجاج، وكان الحجاج قد لجّ في طلبه:
أسد علىَّ وفي الحروب نعامة
…
وبداء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى
…
بل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة بعساكر
…
تركت كتائبه كأمس الدابر
وبلغ من جسارتها، وقوة قلبها، أنها أقسمت لَتُصلين في مسجد الكوفة ركعتين، تقرأ في الأولى سورة البقرة، وفي الثانية آل عمران، والكوفة يومئذ معقل الحجاج، ودار إمرته ومجتمع قوّته.
وقد برت غزالة بقسمها. ودخلت مسجد الكوفة هي وزوجها. ولبثت تصلي
ركعتين تستنفذان نصف النهار. ولما أنبئ الحجاج بها، وتحصن واستوثق من رتاج بيته.
وقد رمى الحجاج غزالة بخمسة جيوش، وهي تلتهمهم التهاماً، حتى أصبحت طِباق العراق ترجف لاسمها. وفي ذلك يقول أيمن بن خُزَيم.
أتينا بهم مائة فارس
…
من السافكين الخرام العبيطا
وهم مائتا ألف ذي مَوْنَسٍ
…
يئط العراقان منهم أطيطا
رأيت غزالة إن طرَّحَتْ
…
بمكة هودجها والغبيطا
سمت للعراقين في جمعها
…
فلاقى العراقان بطيطا
ألا يستحي الله أهل العرا
…
ق أن قلدوا الغانيات السموطا
وخيل غزالة تسبي النساء
…
وتحوي النهاب وتحوي النبيطا
وقتلت غزالة في موقعة الكوفة بين شبيب وبين الحجاج، غافلتها فرقة من جند الحجاج من ورائها بينما كانت تخوض في صدور جنده.
ومن بعد قُوَّض جند شبيب وعفا أثره.
وبعد فذلك شيء من حديث النساء في الحروب أفضنا فيه بعض القول لعلم أن المرأة لم تدع للرجل فضيلة يَثْنى عطفه بها. وما كان سيئ من ذلك لجفوة في الخُلق. ولا نبوة في الطبع، وهن الخَفِرات اللواتي يفرن من المدينة ويرتمين على الموت. وما كانت شجاعتهن أثراً من الغلظة إلى الدماء، ولكنها كما أسلفنا قوة فاضت بها وفْرَتَ الصبر وابتعثتها قوة اليقين. وإذا كانت أثبت من الرجل إيماناً، وأصبر منه على ريب الزمان، فما لها لا تكون في ساعة المحنة أبسل منه وأشد؟
وإذا كان العرب يقولون: الشجاعة صبر ساعة فلم لا تكون أشجع الناس عند البلاء وهي أصبرهم على البلاء؟
ونحن لا ندع القول في شجاعة النساء يمر، حتى نختمه بحديثين. ومنهما تعلم إلى
حدّ بلغ ثبات المرأة، ووفور ثقتها بنفسها، واستمكانها من موقفها.
أما أولهما ما حدث سعد عن أنس بن مالك، قال:
شهدت أم سليم حُنينا مع رسول الله، ومعها خنجر قد حزمته على وسطها، وإنها يومئذ حامل بعبد اله بن أبي طلحة، فقال أبو طلحة: يا رسول الله إن أم سليم معها خنجر فقالت: يا رسول الله اتخذه إن دنا أحد مني أحد ممن المشركين بَقرت بطنه، أقتل به الطلقاء، وأضرب أعناقهم إن انهزموا بك.
فتبسم رسول الله فقال: يا أم سليم، إن الله قد كفى وأحسن وأما الثاني فما رواه الجاحظ في البيان والتبيين قالك.
كان حبيب بن مسلمة الفهري رجلا غزَّاء للترك، فخرج ذات مرة إلى بعض غزواته فقالت له امرأته: أي موعدك؟ قال: سرادق الطاغية، أو الجنة إن شاء الله تعالى. قالت إني لأرجو أن أسبقك إلى أي الموضعين كنت به. فجاء، فوجدها في سرادق الطاغية، تقاتل الترك.