المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بوائق الغيرة الغيرة ضرب من ضروب الأثرة، لا بد منه لحياطة - المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها - جـ ٢

[عبد الله العفيفي]

فهرس الكتاب

- ‌المرأة العربية في عهد إسلامها

- ‌تمهيد

- ‌المرأة والدين

- ‌المرأة العربية في ظل الإسلام

- ‌دور العظمة

- ‌المرأة العربية بين العهدين

- ‌الوليدة المسلمة

- ‌فوارق النساء

- ‌بوائق الغيرة

- ‌السباء

- ‌توريث البنات

- ‌حقوق المرأة في الإسلام

- ‌هي والرجل

- ‌كرامتها

- ‌حريتها وحرمة رأيها

- ‌ تعدد الزوجات

- ‌الطلاق

- ‌حريتها العامة

- ‌المرأة العربية

- ‌بين التأثر بالإسلام والتأثير في نهضته

- ‌تأثرها بالإسلام

- ‌نسيبة بنت كعب المازنية

- ‌خَوْلَة بنت الأَزْوَرِ

- ‌صفية بنت عبد المطلب

- ‌ليلى بنت طريف

- ‌غزالة الحرَورية

- ‌تأثير المرأة العربية في نهضة الإسلام وحضارته

- ‌أثرها في تصريف الحوادث

- ‌حديث النبوة

- ‌خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد

- ‌حديث الهجرة

- ‌رُقَيْقَةُ بنت صيفيّ وأسماء بنت أبي بكر

- ‌حديث الخلافة

- ‌أو المرأة المسلمة بين الحرب والسياسة

- ‌فاطمة وأبو بكر

- ‌عائشة وعُثمان وعليٌ

- ‌نائلة بنت الفُرَافصة وعليٌّ بن أبي طالب

- ‌نصراء عليّ من النساء

- ‌المرأة والخوارج

- ‌أثرها في تكوين الرجل

- ‌أو الأم العربية المسلمة

- ‌أثرها في العلم والأدب

- ‌أثارة من قولها

- ‌نثار من النثر

- ‌حفيدة رسول الله تفحم أهل العراق

- ‌بين الوفاء للرأي والمضاء فيه

- ‌صواحب علي في مجلس معاوية

- ‌سورة بنت عمارة

- ‌أم الخير بنت الحريش البارقية

- ‌الزرقاء بنت عدي

- ‌بكارة الهلالية

- ‌عكرشة بنت الأطروش

- ‌جروة بنت غالب

- ‌الكلمات الخالدة

- ‌قوة الحجة وحسن البيان

- ‌بين القبور

- ‌بين الرجاء والدعاء

- ‌الكلم القصار

- ‌عيون من الشعر

- ‌الحنين إلى الوطن

- ‌عهد الطفولة

- ‌في البكاء

- ‌بكاء الأبناء

- ‌بكاء الآباء

- ‌بكاء الاخوة

- ‌رثاء الأزواج

- ‌في التذمم من الأزواج

- ‌في الأنفة والإباء

- ‌آخر صفحة في كتاب العظائم

- ‌زبيدة بنت جعفر

الفصل: ‌ ‌بوائق الغيرة الغيرة ضرب من ضروب الأثرة، لا بد منه لحياطة

‌بوائق الغيرة

الغيرة ضرب من ضروب الأثرة، لا بد منه لحياطة الشرف، وصيانة العرض وهي مثار الحمية والحفيظة فيمن لا حمية ولا حفيظة له. وإنما تقبل - بل تجب - إذا خاف الرجل على شرفه أن ينثلم، وعرضه أن يهان. فأما أن تقتاد الرجل في كل آنة، وتفزعه في كل موطن، فهي خَبْل ووسواس، وأولى بها أن تدنى إليه الشر من حيث يتقيه. ولقد مُنى العرب في جاهليتهم باتقاد الغيرة حتى جاوزوا بها طورها. وحتى قادت فريقاً منهم إلى قذف زوجته في عرضها، لهاجس اعتاده، أو خلجة من الشك نفذت إليه. فرفعوا خصومتهم، واحتكموا في أعراضهم إلى فريق الكهان والكواهن، وهم بَشَر يقذفون الغيب برجم الظنون، فيخطئون ويصيبون.

وإن من أشد ضروب الوهم، وأفدح أثقال الظلم، أن ترى العربي يريد السفر، فيعمد إلى شجرة فيعقد بين غصنين منها، فإن عاد وكان الغصنان على حالهما، زعم أنها لم تخنه، وإلا فقد خانته. وذلك ما يسمونه بالرتيمة. كأن عرض المرأة، بل عرض الأسرة بل عرض الحي الذي نشأت المرأة بين ربوعه ودرجت بين مدارجه مُرْتَهن بغصنين تعصف بهما الريح، أو تعبث بهما الأيدي، فتفرق بينهما.

أما أسباب تلك الغيرة الموبقة، فقد قطعها الإسلام، إلا أن تكون عن علم وبينة فأما حكم الرّيب؛ واحتكام الشبهات فذلك ما ليس من الدين في شيء.

وقد فرض الله جل ذكره على من رمى امرأته في عرضها أن يشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، فيما قال وادعى. والخامسة أن لعنة الله عليه

ص: 24

إن كان من الكاذبين. فإن لم يصدع بتلك الشهادات الخمس. فعقوبته عقوبة قاذف المحصنات يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبداً، وهو الله من الفاسقين.

وهنالك حديثين حَدَّث بهما البخاري عن نبي الله صلى الله عليه وسلم يكشفان عن

مواطن الغيرة حقها وباطلها، وما ورد من حكم الله ورسوله فيها.

فالأول حديث المغيرة قال:

قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفحَ - أي غير مائل عرضاً - فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَتحبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه. والله أغير مني، وممن أجل غَيْرَة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

وأما الثاني فحديثه عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي ولدت غلاماً أسود. فقال هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال ما ألوانها؟ قال: حُمْر. قال: أفيها أوْرق؟ قال: نعم. قال: فأنَّى كان ذلك؟ قال: أراهُ عِرْقٌ نزعه. قال: فلعل ابنك هذا نزعه العرق.

ص: 25

فانظر كيف شرع النبي صلى الله عليه وسلم شرعة وَضَّاحة صافية لا مجال فيها لنزعات الوهم، وعثرات الوسواس، وكيف اتَّقاها ووَقى الناس شرها من التباس الشك واحتكام الظنون.

إن في دفع النبي صلى الله عليه وسلم شر التهمة عن امرأة الأعرابي لدليلاً لا يقبل الشك على براءتها، وطهارة عرضها. فما كان الرجل فاعلا لو كان في عهد جاهليته ولم يهتد بِقَبس من نور النبوّة؟ ليس بين يديه إلا أن يفتك بها ويروي غليل نفسه بنقيع دمها، أو أن يتلمس العرّافين والمنجمين ليُلقوا إليه بالكلمة الحمقاء فيكون لها ما بعدها. وليس وراء الحالتين إلا عار الدهر، وذلّ الأبد.

لذلك تحامى المسلمون مواطن الظَن، ومداحض التهم، حتى عدُّ الاعتساف في الغيرة سِمَة من الحمق، لا يستحقٌ صاحبها أن يُسَوَّد أو يطاع. ومن ذلك ما قال معاوية ابن أبي سفيان: ثلاث من السؤدد: الصلع، واندحاق البطن، وترك الإفراط في الغيرة.

وقد ظهر في المسلمون كثيرون ذُّموا التورُّط في الغيرة، وتوكيل الريب والظنون بالمرأة؛ ومما سار من القول في ذلك، وحفل بوضوح الرأي فيه، قول مسكين الدارمي:

وإني امرؤ لا آلف البيت قاعداً

إلى جنب عِرسي لا أفرطها شبرا

ولا مقسم لا أبرح الدهر بيتها

لأجله قبل الممات لها قبرا

ص: 26

إذا هي لم تحصن أمام قبابها

فليس بمنجيها بنائي لها قصرا

ولا حاملي ظني ولا قيل قائل

على حائط حتى أحيك بها خبرا

فهبني امرؤ راعيت ما دمت شاهداً

فكيف إذا ما سرت من بيتها شهرا

وقوله:

ألا أيها الغائر المستشيط

علام تغار إذا لم تغر

فما خير عرس إذا خفتها

وما خير بيت إذا لم يزر

تغار على الناس أن ينظروا

وهل يفتن الصالحات النظر

فإني سأخلي لها بيتها

فتحفظ لي نفسها أو تذر

إذا الله يعطه ودّها

فلن يعطي الودّ سوط ممرّ

ومن ذا يراعي له عرسه

إذا ضمه والمطي السفر

وقوله:

ما أحسن الغيرة في حينها

وأقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متهماً عرسه

مناصباً فيها بوهم الظنون

يوشك أن يغريها بالذي

يخاف أو ينصبها للعيون

حسبك من تحصينها ضمها

منك إلى خلق كريم ودين

لا تظهرن منك على عورة

فيتبع المقرون حبل القرين

ولعمرك ما كان مسكين في شيء من سقوط الهمة؛ وفتور العزيمة، ولؤم الحسب

حتى يقال ضعف أن يملك امرأته فقال ما قال؛ فاللهم لا. فإنه هو السيد البطل الحكيم وحسبك منه قوله:

ص: 27