الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس لها يومئذ إلا أن تشير عليه بالزواج، حتى تؤدي حق الأمومة.
وقد ذكر المؤلف ألا أثر للغيرة، ولا للخصومة بين زوجات الزوج الواحد ولا شك أننا بما وقر في نفوسنا من الأوهام الباطلة، نقول باستحالة ذلك.
والحق أنا لم نقل بالاستحالة إلا لأننا نرجع في حكمنا إلى حِسَّنا وعواطفنا. فأما عواطف غيرنا فلسنا بآبهين بها، ولا مقيمين لها وزناً.
الطلاق
تلك هي قاعدة الحياة الزوجية في الإسلام (إمْساكٌ بِمعْروفٍ أَو تَسْرِيح بإِحْسانٍ) فإن محيت أية المعروف فدبت النعرة، وساءت العشرة؛ واتسع وامتنع التوفيق سواء أكان سبيل ذلك الزوجَ، أو الزوجة، أوهما معاً فما خير تلك الحياة، وما فضل البقاء عليها؟ وقد جعل الله الزواج مبعث الودّ والرحمة، لا سبيل التَّعَسِ؛ وبؤس الحياة لذلك أبيح الطلاق.
ولقد يكون الطلاق من حق المرأة اشتراطه في عقد زواجها. فأما إذا لم تَقُله فهو حق الرجل وحده. وإنما أطلق هذا للرجل دونها لأنه يملك من كظم الغيظ؛ وطول
الأناة؛ ما لا تملك.
على أَن الإسلام لم يدع ذلك الحق دون أن يُضَيَّق مذاهبه، ويأخذ على النفس سبيل الوصول إليه؛ وقد هيأ لذلك من الوسائل ما نحن سائقون لك شيئاً منه وذلك هو:
1 -
الترغيب في محاسنة الزوجات، والرضا منهن بخير ما فيهن. وضمان الخير الكثير فيما عساه يكره منهن. وقد أسلفنا من ذلك ما فيه الغناء.
2 -
نعي الطلاق على المطلقين ونقمته منهن. ومن ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من حلال أبغض إلى الله من الطلاق. ويقول: ما خلق الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق. ويقول: لا تطلّقُوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذوّاقين ولا الذواقات.
3 -
التحكيم في الخصومة بين الزوجين إذا بدر النزاع، وبدأ الشقاق. وفي ذلك يقول الله جل ذكره:(وإنْ خِفْتُمْ شْقَاقَ بيْنِهما فَابَعثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلهِ وحَكَمَاً مِنْ أَهْلهَا إنْ يُرِيدا إصْلَاحاً يُوَفقِ الله بَيَنهُما إن الله كان بَما تَعْمَلُون خَبِيراً) وذلك أمر للمسلمين جميعاً يقوم به أولياؤهم، والقائمون بالأمر فيهم.
4 -
جعل الله للمرأة بعد الطلاق عِدّة تعتدُّها في بيته وهي وفاء الحمل للحامل حتى تضع، وثلاثة اشهر لمن سواها؛ وبين أثناء تلك المدّة يراجع الرجل نفسه؛ وتفيء المرأة إلى عقلها؛ فإن نزعا إلى عهدهما القديم في هذا العهد القصير، راجع الرجل زوجته؛ وكان ذلك خيراً وأبقى. وفي ذلك يقول الله جلت آياته:(يَا أَيُّها النَّبيُّ إذاَ طَلّقْتُمُ النساءِ فَطَلَّقُوهُنَّ لِعِدّتِهنَّ وأحْصُوا العِدَّةَ واتَّقُوا الله رَبَّكُم لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهنِّ ولا يَخْرُجْنَ إلَاّ أنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشةٍ مُبيَّنةٍ وتِلك حُدُودُ الله ومَنّ يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظَلَم نَفْسَهُ لا تَدرِي لَعَلّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أمْرَاً).
أما الأمر الذي لعل الله يحدثه؛ فمعاودة الرأي؛ ومراجعة النفس بعد رياضتها؛ وردّ جماحها وإسلاس قيادتها؛ بعد ذلك الهجر القصير الأمد.
فإذا استكملت العدّة فله أن يعيدها إلى فيئه؛ أو أن يِبتّ فراقها؛ إن لم يكن إلى التوفيق سبيل، فذلك حيث يقول جل ذكره: (فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ
فاَمْسِكوهُنَّ بِمعْرُوفٍ أوْ فارِقوهُنَّ بِمعْرُوفٍ وأَشْهِدُوا ذَوَى عَدلٍ منْكُمْ وأقِيمُوا الشَّهَادَةَ للِهِ).
وللرجل أن يعاود زوجته بعد أن يطلقها مرتين، فإن عاد إلى الثالثة حيل بينه وبينها فلا يعود إليها حتى يخلفه غيره عليها، تأديباً له، وإذلالا لنفسه.
وقد أمر الله الرجال بمجاملة زوجاتهم، والرفق بهن، وبذل كل ما يستطيعون بذله في سبيل مرضاتهن في أيام عدتهن، فذلك حيث يقول:(أسْكِنوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجَدِكُمْ ولا تُضارُوهُنَّ لِتُضَيقُوا عَلَيْهنَّ وإنْ كُنَّ أُولات حَملٍ فأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ لكُمْ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ وأْتمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْروفٍ وإن تَعَاسَرتُمْ فَسَتُرْضُع لهُ أُخْرى لِينُفقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ومَنْ قُدِرَ عَليْه رزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتاه الله لا يُكلفُ الله نَفْساً إلا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسراً).
ثم لقد فرض الله على الرجل أن يرُد إليها بقية ما سماه من مهرها حين طلاقها وحرم عليه أن يسترد شيئاً مما أجتلب لها كائناً ما كان ذاك المجتلب. وفي ذلك يقول الله جلتْ آياته (وإن أَرَدتُمُ استِبْدَال زَوجٍ مَكانَ زوْجٍ وآتَيْتُمْ إحداهُنَّ قِنطاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئاً أتأْخُذُونَهُ بُهْتاناً مُبيناً وكيْفَ تأخُذُونَهُ وقَدْ أفْضى بَعْضُكُم إلى بَعضٍ وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً).
من ذلك كله تعلم ان الطلاق في الإسلام، لا يدينه نظام غيره دقة وإبداعاً. فلا هو بالمغلق المحظور حتى يكون أحد الزوجين شجاً في حلق صاحبه وغُلَاّ في عنقه، وكبلا في يديه وقيداً في قدميه. ولا هو بالسهل الهين فيتخذه