الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينبغي أن ننبِّه هنا إلى أن اكتمال الملكة في العلوم السابقة الذكر (علوم المقاصد) مرهونٌ باكتمال الفهم والاستيعاب لعدد من العلوم الآلية المساعدة، كعلوم العربية، وأصول الفقه، والمصطلح
…
، فبعض تلك العلوم يجب تعلّمه وجوبَ الوسائل، إذ يتوقف فهم كلام الله ورسوله على فهم بعض مسائلها، فهي من قبيل (ما لا يتم الواجب إلا به) ، فهذا ما يجب، وأما ما لا يجب، فما لا تأثير له، وما لا ينبني عليه عمل، ولا ريب أنه بمقدار أَخْذ العالمِ من العلوم المساعدة، وتمكنه منها -خاصَّة فيما يتوقَّف فهم الخطاب عليه، وليس من الأبحاث المقررة أو التي هي فَضْلَة-، يكون أقدر على الاجتهاد والاستنباط (1) ، فإن العلوم اخذٌ بعضها برقاب بعضٍ (2) .
الثاني:
الموازنة بين قراءة الكتب والأخذ عن الشيوخ
أَخْذ العلم له طريقان:
أحدهما: طريق المشافهة، وهو أخذه عن أهله العلماء به، وهذا هو الأصل الأصيل في تَلَقِّي العلوم، وهذه طريقة السلف، قبل تدوين الكتب وبعدها، وليس هنا مجال الحديث عن هذه الطريقة.
الثانية: أخذه عن الكتب والمصنفات، وهي دواوين العلم وخزائنه.
(1)((إعلام الموقِّعين)) : (1/ 5)، و ((فضل علم السلف على علم الخلف)) :(ص/ 67- 69، 64- 65) . و ((مسائل في طلب العلم وأقسامه)) : (ص/ 205) للذهبي ضمن ((ست رسائل)) و ((الفوائد)) : (ص/ 111، 254) .
(2)
انظر ((مفتاح دار السعادة)) : (1/ 482- 486) وهو مهم.
وهاهنا يُنبَّه إلى أمور:
1 -
لابُد من الموازنة والمزاوجة بين أخذ العلم من الكتب وأخذه من العلماء، فإن العلم وإن كان موْدعًا في بطون الكتب، إلا أن مفاتِحَهُ بأيدي الرجال، كما في المقولة المشهورة (1) .
فلا أقلَّ من أخذ مختصر في كلِّ علمٍ على عالم به متخصِّص فيه (2) ، فبعد أن يُحَصِّل الطالب قاعدةَ الفن وأصوله (3) ، فَلْيَبْنِ عليه حينئذٍ، مع التدرُّج والترقِّي بالقراءة في مطوَّلاته وشروحه، وليحرص مع ذلك كلِّه على مُسَائلَةِ أهل الفن ومذاكرتهم، فإنه كما قال الإمام النووي ((مذاكرة حَاذِقٍ في الفنِّ ساعةَ أنفع من المطالعة والحفظ ساعاتٍ بل أيَّامًا)) (4) .
ولا ينبغي للطالب أن يبالغ في مقدار القراءة والأخذ عن الشيوخ ليقيسَ نفسَه بما سلف من العصور، إذ كان الشيخ والطالب في تفرُّغ تَامّ للقراءة والإقراء، مع قطع العلائق والعوائق، وتمام الأهلية من الجهتين،
(1) ذكر الشاطبي في ((الموافقات)) : (5/ 53) عن الجرمي أنه قال: ((أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من ((كتاب سيبويه)) اهـ. وانظر شرح الشاطبي لهذا القول.
(2)
((الموافقات)) : (1/ 140)، وفي ((السير)) :(7/ 114) في ترجمة الأوزاعي قال: ((كان هذا العلم كريمًا، يتلاقاه الرّجال بينهم، فلما دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله)) . وانظر شرح الذهبي لها.
(3)
أَخْذ العلم على المتخصِّص فيه هو الأولى والأسْلَم، ولا تصدِّق إذا قيل لك: إن فلانًا متخصِّص في كلِّ فنّ أو في أغلب الفنون! هذا في القدماء، وفي المُحْدَثين أولى وأحرى، ومن يدّعي المعرفة بجميع الفنون فأحد رجلين، إما منادٍ على نفسِه بالجهالة، أو لا يدري ما التخصّص!!.
(3)
وهو ما عبَّر عنه الشاطبي بقوله: ((أن يحصل له من فَهْم مقاصد ذلك العلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله، ما يتمّ له به النظر في الكتب)) اهـ ((الموافقات)) : (1/ 147) .
(4)
((شرح مسلم)) : (1/ 48) .
وهذا من نقص العلم وقبضه، إذ قبضه بقبض العلماء، وإلا فالكتب أكثر انتشارًا وتداولاً من ذي قبل.
2 -
ينبغي التمعُّن في اختيار المتن الذي يُرَاد حفظه أو درسه، ليكون مناسبًا للطَّالب من أغلب الوجوه على الأقل، حتى لا ينتقل منه إلى غيره، فإن كثرة التنقل في الكتب دليل على ملل الطالب وعدم فلاحه غالبًا.
3 -
ليحرص الطالب أشدَّ الحرص على كتب المتقدمين والمحققين من أهل العلم، أما المتقدمين، فواضح، وأمّا المحققين، فلا يخلو كلُّ عصر من قائم لله بحجة من أولئك العلماء المحققين (1) ، أصحاب التصانيف النافعة المحرَّرة، في كل الفنون الإسلامية، وتمتاز هذه الكتب بالتأصيل العلمي، وتدليل المسائل، وتحريرها، والاعتناء بما يَنْبَني عليه عملٌ، والبعد عن المجادلات اللفظية، والمُمَاحكات الكلامية التي لا أثر لها في العلم نفسِه، وهذه بعض الأمثلة من عصور مختلفة ليستدل بها على غيرها:
(كابن جرير (310) ، والخطيب البغدادي (463) ، وابن عبد البر (463) ، والبغوي (516) ، وابن قدامة (620) ، والنووي (676) ، وابن دقيق العيد (702) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية (728) ، وابن القيم (751) ، وابن كثير (774) ، وابن رجب (795) ، والعراقي (806) ، والحافظ ابن حجر (852) ، وغيرهم (2) .
(1) انظر صفة العالم المحقق في ((الموافقات)) : (1/ 139- 145) .
(2)
وانظر ((حلية طالب العلم)) : (ص/ 55) .