الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا ريبَ أن هذا التنوع المعرفي لم يتَّأتَّ من فراغ وبطاله، ولكنه جُمِع بطول السَّهر، واغتنام العمر، ومنادمة الكتاب والاستِغناء به عن الصّحاب والأحباب.
علماء يعرفون علومًا لا يعرفها أهل عصرهم
وإن تَعْجَب فَعَجَبٌ ما وجدته في تراجم بعض العلماء، وما ذُكر من سَعَة اطلاعهم وتنوُّع معارفهم، بل تصريح جماعةٍ منهم بمعرفتهم لعلومٍ لا يعرفها أهلُ عصرهم، بل لا يعرفون أسماءها!! وإليك ما وجدت:
1-
كان ابن الخشَّاب النحوي الحنبلي ت (567) يقول: إني متقنٌ في ثمانية علوم، ما يسألني أحدٌ عن علم منها، ولا أجد لها أهلاً!! (1) .
2-
وكان أبو البقاء السُّبْكي ت (777) يقول: أعرف عشرين علمًا، لم يسألني عنها بالقاهرة أحد (2) !!.
3-
وقال محمد بن أبي بكر بن جَمَاعة ت (819) : أعرف خمسة عشر علمًا، لا يعرف علماء عصري أسماءها!! (3) .
4-
ويُروى أن محمد بن أحمد بن عثمان بن عليم المالكي ت (842) قال: أعرف عشرين علمًا ما سُئلْتُ عن مسألةٍ منها!! (4) .
5-
وكان أحمد بُو نافع الفاسي ت (1260) يقول: عندي أربعة
(1)((الذيل على طبقات الحنابلة)) : (1/ 317) .
(2)
((درَّة الحِجال)) : (2/ 132) .
(3)
((البدر الطالع)) : (2/ 148) .
(4)
((البدر الطالع)) : (2/ 113) ، وكان مع هذا ربما احتاج فيبيع بعض نفائس كتبه!.
وعشرون علمًا، لم يسألني عنها أحدٌ!! (1) .
6-
وفي ترجمة أبي الطيب عبد المنعم الكندي ت (435) ، حكى بعضُهم أَنَّه دخلَ عليه، فوجَدَه ينظر في اثني عشر علمًا، وكان له حظ من الحسابِ والهندسةِ والعلوم القديمةِ (2) .
7-
وانظر ما ذكره الجبرتي المؤرِّخ (3) عن والده العلامة حسن الجبرتي الكبير ت (1188) من تفنُّنه في علوم الشرع، ثم اعتكافه عشر سنوات (1144- 1154) لدراسة (العلوم التجريبية) من الهندسة والكيمياء والفلك والصنائع الحضارية كلِّها، حتى النِّجارة والخِراطة والحِدادة والسَّمكرة والتجليد والنقش والموازين، حتى صار بيته زاخِرًا بكلِّ أداةٍ في صناعةٍ وكلِّ آلةٍ
…
فتزوَّد من العلم والْحَق بالرَّكب.
قال الماوردي في ((أدب الدنيا والدين)) (4) -وهو يرشد الطالب-: ((ولا يَقْنَع من العلم بما أدرك، لأن القناعة فيه زهدٌ، والزُّهد فيه تركٌ،
(1)((فهرس الفهارس)) : (1/ 124) .
(2)
((ترتيب المدارك)) : (8/ 67) . و ((معالم الإيمان)) : (3/ 184) .
(3)
((تاريخ الجبرتي)) : (1/ 397)، وانظر:((رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)) : (ص/ 82- 85) للعلامة محمود شاكر رحمه الله وهو مهم.
وذكر أبو المواهب الحنبلي في ((مشيخته)) : (ص/ 89) في ترجمة شيخه أيوب ابن أحمد الحنفي الخلوتي ت (1071) أنه كان يقول: أعرف ثمانين عِلْمًا!!.
أقول: الظاهر أن هذه (الثمانين) من علوم أهل التصوُّف (العلوم الباطنة) التي هي عَيْن الجهل بالله وشرعه!!.
(4)
(ص/ 125) .
والتركُ له جهلٌ!.
وقد قال بعض الحكماء: عليكَ بالعلمٍ والإكثار منه، فإن قليلَه أشبه شيءٍ بقليل الخير، وكثيره أشبه شيءٍ بكثيره، ولن يعيب الخير إلا القِلَّة، فأمّا كثرتُه فإنها أُمنِية)) اهـ.
ومن فوائد الاستمرار في طلبه ودوام التزيد منه ما ذكره ابن الجوزي في ((صيد الخاطر)) (1) قال: ((أفضل الأشياء التزيّد من العلم، فإنه من اقتصرَ على ما يعلمه فظنَّه كافيًا اسْتَبَدَّ بِرأْيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعًا من الاستفادة. والمذاكرة تبيِّن له خطأه
…
)) .
(1)(ص/ 158) .
وأنشد بعضهم في طلب الاستزادة من العلم، وعدم الاقتصار على فنٍّ:
احرص على كلِّ علمٍ تبلغ الأملا
…
ولا تواصل لعلمٍ واحدٍ كسلا
النحلُ لما رَعَتْ من كلِّ فاكهةٍ
…
أبدت لنا الجوهرين: الشمعَ والعَسَلَا
الشمع بالليل نورٌ يُسْتضاءُ به
…
والشهدُ يُبري بإذن البارىءِ العِلَلَا
من ((درة الحِجال)) : (3/ 49) .