الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: حِرْص العلماء وشغفهم بالكتب، قراءةً وتحصيلاً
لقد أبدأ العلماء وأعادوا في بيان قيمة كتب العلم، وعظيم أثرها، وجلالة موقعها، ولهم في ذلك عبارات مشهورة نثرًا وشعرًا، نجد كثيرًا منها في مقدمة كتاب ((الحيوان)) (1) للجاحظ، وفي ثنايا كتبه، وفي ((تقييد العلم)) ، و ((الجامع
…
)) للخطيب، و ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر، وفي مطاوي كتب ((أدب الطلب)) وكتب ((التراجم والسير)) ومقدِّمات المصنفات التي تتحدث عن (خزائن الكتب)(2) فلا نُعيد ما قالوه، فهو مبتذلٌ في مظانِّه، إلا أني لم أشأْ إخلاء هذا الكتاب من لُمَعٍ منه (وهو مَظِنَّة ذلك)، فاخترتُ بضع كلماتٍ أُراهِا من أحسنِ ما قيل:
قال الجاحظ (255) في ((الحيوان)) (3) : ((من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب ألذّ عنده من إنفاق عُشَّاق القِيان، والمُسْتهترين (4) بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغًا رضيًّا، وليس ينتفع بانفاقه حتى يُؤْثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابيِّ فرسَه باللبن على عِياله، وحتى يُؤمِّل في
(1) وقد أُفْرِدت هذه المقدمة عن الكتاب من قديم، منها نسخة قديمة بخط ابن البواب، وأخرى بخط الصفدي (764) وعُنْوِن لها بعناوين مختلفة، وأُفْرِدت حديثًا وطُبِعَت.
(2)
مثل كتاب فيليب دي طرّازي، وكوركيس عوّاد، وغيرها.
(3)
(1/ 55) .
(4)
المُسْتَهْتِر: الموْلَع بالشيءِ المنهمك فيه.
العلم ما يؤمِّل الأعرابيُّ في فرسِه)) .
وذكر الإمام أبو محمد بن حزم (456) في ((رسالة مراتب العلوم)) (1) دَعَائِمَ العلم، فعدَّ منها ((الاستكثارُ من الكتب، فلن يخلوَ كتابٌ من فائدة (2) وزيادة علمٍ يجدَها فيه إذا احتاجَ إليه، ولا سبيل إلى حفظ المرء لجميع علمِه الذي يختصّ به، فإذ لا سبيل إلى ذلك، فالكتب نِعْم الخِزانة له إذا طُلِب.
ولولا الكتب لضاعت العلوم ولم توجَد، وهذا خطأٌ ممن ذمَّ الاكثار منها، ولو أُخِذَ برأيه، لتَلِفَت العلوم، ولجاذبهم الجهَّال فيها، وادَّعوا ما شاءوا!! فلولا شهادة الكتب لاستوت دعوى العالم والجاهل)) اهـ.
وعُذِلَ بعضُ العلماء في كثرة شراء الكتب، فقال (3) :
وقائلةٍ أنفقتَ في الكُتْبِ ما حَوَت
…
يمينُك من مالٍ فقلتُ: دعيني (4)
لعلِّي أرى فيها كتابًا يَدُلُّني
…
لأخْذِ كتابي آمِنًا بيميني
وفي كلِّ ما سيأتي من الأخبار والقصص لسانٌ ناطق، وبيانٌ مُشرق،
(1) ضمن ((رسائل ابن حزم)) : (4/ 77) .
(2)
وهذه القاعدة (لن يخلو كتابٌ من فائدة) ذكرها ابن الجوزي -أيضًا- في ((صيد الخاطر)) : (ص/ 411) وهو يُرشد الطالب قال ((وليجتهد في مجالسة العلماء
…
وتحصيل الكتب، فلا يخلو كتابٌ من فائدة)) اهـ. وانظر فلسفة عباس العقَّاد لهذه القاعدة في كتابه ((أنا)) :(ص/ 89) وهو ترجمته لنفسه، جُمِع بعد موته. وذكرها وفصل القول فيها الأستاذ محمود الطناحي في ((الموجز)) :(ص/ 24- 35) وهو مهم.
(3)
هو سلمان بن عبد الحميد ابن الحموي الحنبلي (ت 805) من شيوخ الحافظ ابن حجر، ذكره في ((المجتمع)) :(1/ 601)، و ((السحب الوابلة)) :(2/ 406) ، و ((الجوهر المنضد)) رقم 53.
(4)
وقع في ((الجوهر)) ، وحاشية السحب:((وعيني)) ! وهو تحريف.