الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحِب، واغتنام لقاء الفُضَلاء والعلماء، وإن بَعُدت أقطارُهم، وذلك كان دأب السَّلف الصالح، وبسبب ذلك وصلَ المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السَّعي الناحج، فَرَسخت في العلوم لهم أقدامٌ، وصحَّ لهم من الذِّكر والأجر أفضلُ الأقسام)) اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (1) : ((وموسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السِّيادة المحلّ الأعلى من طلب العلم وركوب البحر لأجله
…
و [فيه -أي الحديث-] : ركوب البحر في طلب العلم، بل في طلب الاستكثار منه)) اهـ.
وذكر الماوردي (2) عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لو كان أحدٌ يكتفي من العلم لاكتفى منه موسى -على نبينا وعليه السلام- لمَّا قال: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[الكهف/ 66] .
أقول: فهذه حال الأنبياء، والعلماءُ ورثتهم، ولم يَرِثوا منهم إلا العلم، فطلبوه وحصَّلوه وتعبوا في سبيله، فأخذوا بحظ وافرٍ.
شيءٌ من حال الصحابة في الازدياد منه
لقد لحظَ الصحابةُ رضي الله عنهم ماكان عليه قدوتهم صلى الله عليه وسلم من
= كلام نفيس لولا طوله نقلته.
(1)
(1/ 202، 204)، وانظر ((عمدة القاري)) :(2/64)، و ((إكمال المعلم)) :(7/ 367) .
(2)
في ((أدب الدنيا والدين)) : (ص/ 124)، ونَسَبَه في ((البيان والتبيُّن)) :(1/ 258) إلى قتادة.
حِرْصٍ على العلم، فاقتفوا أثره، وضربوا أمثلة نادرة في الحرص عليه والتفاني من أجله.
فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا تلى قولَه تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) قال: ((اللهم زِدْني عِلْمًا وإيمانًا ويقينًا)) (1) .
وقد بلغ رضي الله عنه من شِدَّة اجتهاده وطلبه أن قال: ((والله الذي لا إله غيره، ما أُنزلت سورةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آيةٌ من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أُنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلمَ مني بكتاب الله تبلُغُه الإبل لركبتُ إليه)) (2) .
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه حافظ الصحابة يصفه صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم، فقد عَقَد البخاريُّ في ((صحيحه)) (3) :(بابٌ الحرصُ على الحديث) وذكر فيه حديثَ أبي هريرة رضي الله عنه وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن أسْعد الناس بشفاعته؟ وقوله له: ((لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أن لا يسألني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّلَ منكَ، لِمَا رأيتُ من حِرْصِكَ على الحديثِ
…
)) .
قال البدر العيني في ((عمدة القاري)) (4) : ((فيه الحرص على العلموالخير، فإن الحريص يبلغ بحرصه إلى البحث عن الغوامض ودقيق المعاني، لأن الظواهر يستوي الناسُ في السؤال عنها، لاعتراضها
(1) أخرجه سعيد بن منصور، وعَبْد بن حُميد كما في ((الدر المنثور)) :(4/ 553) .
(2)
أخرجه البخاري رقم (5002) ، ومسلم رقم (2463) .
(3)
((الفتح)) : (1/ 233) .
(4)
(2/ 128) .
أفكارهم، وما لَطُفَ من المعاني لا يسأل عنها إلا الراسخ فيكون ذلك سببًا للفائدة، ويترتب عليها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) اهـ.
وهذا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما يرحل من المدينة النبوية إلى مصر -مَسِيرة شهر على البعير- من أجل سماع حديثٍ واحد، خاف أن يموتَ ولم يَسْمَعْه (1) .
وأخرج الدارمي (2) بسندٍ صحيح عن عبد الله بن بريدة: ((أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحلَ إلى فَضَالَة بن عُبيد وهو بمصر، فقدمَ عليه، فقال: أما إني لم آتِكَ زائرًا، ولكن سمعتُ أنا وأنتَ حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوتُ أن يكون عندك منه علم
…
وعدَّد الحافظ في ((الفتح)) : (1/ 210) أمثلة ثم قال: ((وتتبُّع ذلك يكثُر)) .
(1) أخرجه أحمد: (3/ 495)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) :(ص/ 287)، وعلَّقه مجزومًا به في ((الصحيح)) (الفتح) :(1/ 208)، والحاكم:(2/ 427)، والخطيب في ((الرحلة)) :(ص/ 109- 114) من طريق عبد الله ابن محمد بن عقيل عن جابرٍ به، وابن عقيلٍ مُتكلَّم فيه من قِبَل حفظه.
وله طريق أخرى عن الحجَّاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به. أخرجه الطبراني في ((مسند الشاميين)) :(1/ 104) ، وتمَّام في ((الفوائد)) رقم (928) .
قال الحافظ في ((الفتح)) : (1/ 209) : ((إسناده صحيح)) .
وله طريق ثالثة عن أبي الجارود العبسي عن جابر. أخرجه الخطيب في ((الرحلة)) : (ص/ 115) ، وضعفه الحافظ في ((الفتح)) .
(2)
((السنن)) : (1/ 151)، والخطيب في ((الرحلة)) :(ص/ 124- 125) كلاهما من طريق يزيد بن هارون عن الجُريري به.