الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقريب من هذا ما جاء في سِيَر بعض العلماء، فهم مع شدة تطلُّبهم للعلم من بادِىء أمرهم حتى أوفوا فيه إلى الغاية، فاستكثروا ما شاءوا، ومع تقدُّم أعمارِهم ودنوِّ آجالهم هم مع ذلك= يَجِدون من الرغبة في العلم، والشغف به، أكثر مما يجده الشَّاب اليافِع المُمْتلىء قُوَّةً ونشاطًا!!.
*
خبر ابن عقيل الحنبلي (513)
ففي ترجمة (1) أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ت (513) رحمه الله أنه قال: ((إني لأجد من حِرْصي على العلم، وأنا في عَشْرِ الثمانين أشدّ مما كنت أجده وأنا ابنُ عشرين سنة)) .
*
خبر ابن الجوزي (597)
وهذا العلامة المتفنِّن، صاحب التصانيف، أبو الفرج ابن الجوزي (567) يقرأ في آخر عمره وهو في (الثمانين) القراءات العشر على ابن الباقلاني، مع ابنه يوسف (2) .
قال الذهبي -معلِّقًا-: ((فانظر إلى هذه الهمة العالية!)) اهـ.
*
خبر مرتضى الزبيدي (1205)
قال العلامة عبد الحي الكَتَّاني في ((فهرس الفهارس والأثبات)) (3) في
(1) في ((الذيل على طبقات الحنابلة)) : (1/ 146) .
(2)
((السير)) : (21/ 377) . وابن الباقلاني هو: عبد الله بن منصور بن عمران أبو بكر الرَّبَعي الواسطي المقرىء ت (593)، انظر ((معرفة القراء)) :(2/ 870 رقم 827) .
(3)
(1/ 536 - 537) .
ترجمة العلامة اللغوي المحدِّث محمد مرتضَى الزَّبيدي: ((ومع كثرة شيوخ المترجَم كثرةً مَهُوْلَةً بالنسبة إلى مشايخه ومُعاصِريه= كان غير مُكْتَفٍ بما عنده، بل دائم التطلّب والأخذ، ومكاتبة من بالآفاق، حتى أني رأيتُ بخطِّه في كناشة ابن عبد السلام الناصري استدعاءً كتبَه لمن يلقاه ابنُ عبد السلام المذكور (وذكر نصَّه، وفيه: استجازة كل من يلقاه من الشيوخ والعلماء بتاريخ 1197) .
قال (الكتاني) : وإن تعجب فاعجب لهذه الهمة، والحِرص من هذا الحافظ العظيم الشأن، وعدم شَبَعه، وكثرة نَهَمِه، فإنه عاش بعدما كتب هذا الاستدعاء نحو الثمان سنوات.
وهذا نظيرُ ما وجدته من كَتْب اسم الحافظ ابن الأبّار (658) في استدعاءٍ مؤرَّخ بقريب من سنةِ وفاته! ومنهومان لا يشبعان: طالب علمٍ وطالب دنيا)) . انتهى كلام الكتاني.
أقول: ولئن عدَّ الذهبيُّ والكتانيُّ ما وقع لهؤلاء العلماء من النهمة الشديدة، والحرص العظيم، والهِمَّة العالية= فَلَعَمْري إن طلبه، والحرص عليه، والمذاكرة به في ساعة الاحتضار، ووقتِ النزْعِ لأعظم دلالة من ذلك وأوضح.
فلله تلك الهمم والعزائم!!