المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع والعشرون بعد المئة: الطب والبيطرة - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٦

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد السادس عشر

- ‌الفصل الثامن والعشرون بعد المئة: القصص

- ‌الفصل التاسع والعشرون بعد المئة: الطب والبيطرة

- ‌الفصل الثلاثون بعد المئة: الهندسة والنوء

- ‌مدخل

- ‌النوء والتوقيت:

- ‌الكسوف والخسوف:

- ‌التوقيت:

- ‌الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة: الوقت والزمان

- ‌مدخل

- ‌الفصول الأربعة:

- ‌الشهور:

- ‌الأسبوع:

- ‌الأيام:

- ‌الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة: الأشهر الحرم

- ‌مدخل

- ‌الشهور الحل:

- ‌الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة: النسيء

- ‌مدخل

- ‌مبدأ النسيء:

- ‌الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة:‌‌ التقاويموالتواريخ

- ‌ التقاويم

- ‌الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة: اللغات السامية

- ‌الفصل السادس والثلاثون بعد المئة: العربية لسان آدم في الجنة

- ‌مدخل

- ‌المترادفات:

- ‌الفصل السابع والثلاثون بعد المئة: لغات العرب

- ‌الفصل الثامن والثلاثون بعد المئة: لغة القرآن

- ‌مدخل

- ‌القراءات السبع:

- ‌الفصل التاسع والثلاثون بعد المئة: العربية الفصحى

- ‌الفصل الأربعون بعد المئة: اللسان العربي

- ‌مدخل

- ‌العربية الشمالية والعربية الجنوبية:

- ‌أفصح العرب:

- ‌الفصل الحادي والأربعون بعد المئة: المعربات

- ‌مدخل

- ‌معرفة المعرب:

- ‌أقسام الأسماء الأعجمية:

- ‌إبدال الحروف:

- ‌الفصل الثاني والأربعون بعد المئة: النثر

- ‌مدخل

- ‌السجع:

- ‌الفصل الثالث والأربعون بعد المئة: الخطابة

- ‌فهرس الجزء السادس عشر:

الفصل: ‌الفصل التاسع والعشرون بعد المئة: الطب والبيطرة

‌الفصل التاسع والعشرون بعد المئة: الطب والبيطرة

الفصل التاسع والعشرون بعد المائة: الطب والبيطرة

والطب من العلوم المطلوبة في كل زمان ومكان، لما له من صلة بحياة الإنسان.

ولعلماء اللغة آراء في معنى "الطب" وقد ذكروا أن من المجاز: الطب بمعنى السحر، قال ابن الأسلت:

ألا من مبلغ حسان عني

أطب كان داؤك أم جنون1

فوجدوا أن بين الطب والسحر صلة. وهو تعبير عن مداواة الأمراض في السابق بالسحر، فقد كان الساحر طبيبًا، يداوي المرض ويشفي المريض بسحره، وكذلك كان الكهان يداوون المرضى، ولا زال الناس يعتقدون بأثر السحر في مداواة المرض، فيراجعون من يدعي العلم بالسحر لنيل الشفاء2.

وكان الطب، في ذلك الزمان، شرف، فللطبيب مكانة كبيرة عند الجاهليين.

قال "المرتضى" في حديثه عن زهير بن جناب: "كان سيد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم. والطب في ذلك الزمان

1 وورد: "أسحر كان طبك"، تاج العروس "1/ 351"، "طب".

2 إرشاد الساري "8/ 360".

ص: 14

شرف، وحازي قومه، والحُزاة الكهان"1. فهو قد جمع خلالًا كثيرة وفي جملتها الطب والكهانة. وقد كان الكهان يداوون المرضى، فكان كهنة مصر يعالجون المرضى ويطببونهم، لاعتقادهم أن الأمراض هي من الآلهة، تصيب الإنسان فلا تشفيه منها إلا التوسلات إليها بإشفائه، وحيث أن المقربين إليها هم الكهنة، لذلك لجأ المرضى إليهم لإشفائهم. ونجد في النصوص العربية الجنوبية توسلات كثيرة وتضرعات إلى الآلهة، لأن تمنّ على المتوسلين إليها بالصحة والعافية، وبالشفاء من الأمراض التي نزلت بهم، وأن تحميهم من الأوبئة التي تفشت بين الناس، فأخذت تميتهم.

ولا بد وأن يكون السحرة والحزاة والكهنة في الجاهلية، هم الذين مارسوا الطب، وعالجوا المرضى، بالسحر وبالأدعية، أو بالأدوية التي أخذوها عمن سبقهم ومن تجاربهم الخاصة. ونحن نأسف لأن نقول إن النصوص الجاهلية لم تعطنا حتى الآن نصوصًا طبية، أو نصوصًا فيها وصفات أدوية الشفاء من الأمراض.

والطب، هو من فروع العلم المحظوظة بالنسبة إلى فروع العلم الأخرى عند الجاهليين. فقد أشير إليه، وأشير إلى اسم نفر من الأطباء، هم: الحارث بن كلدة الثقفي، والنضر بن الحارث، و"ابن أبي رمثة التميمي" و"ضماد" وكلهم ممن عاصر الرسول وأدرك زمانه، وبفضل هذه المعاصرة، ذكرت أسماؤهم في كتب الحديث والسير والأخبار، ولولاها لكان شأنهم شأن غيرهم ممن لم يصل اسمهم إلى أحد، فصاروا نسيًا منسيًّا.

وذكر أن رجلًا جاء إلى النبي، فرأى بين كتفيه خاتم النبوة. فقال: إن أذنت لي عالجتها فإني طبيب. فقال له النبي، طبيبها الذي خلقها، معناه العالم بها خالقها الذي خلقها لا أنت2.

أما الحارث بن كلدة الثقفي، فإنه من ثقيف ومن أهل الطائف. ذكر أنه سافر إلى البلاد، وتعلم الطب بناحية فارس على رجل من أهل جُنْدَيْسابور، وغيرها.

1 أمالي "1/ 238".

2 اللسان "1/ 553"، "طبب"، تاج العروس "1/ 352"، "طبب"،"فان يك بك طب داويتك، فإني أطب العرب"، الطبري "2/ 297".

ص: 15

وتمرن هناك، وطب بأرض فارس، وعالج وحصل له بذلك مال، وعرف الداء والدواء. وكان صاحب حسّ مرهف، وموسيقيًّا يضرب بالعود. تعلم ذلك بفارس واليمن.

قيل: إن سعد بن أبي وقاص مرض بمكة، فعاده رسول الله، فقال له:"ادع الحارث، فإنه يتطبب". فعاده الحارث وداواه فشفاه. ونسبوا له كلامًا مع كسرى أنوشروان. وقيل: إنه هو القائل: "الطب: الأزم، والبطنة بيت الدواء، والحِميَةُ رأس الدواء، وعودوا كل بدن ما اعتاد"، وأشياء أخرى تنسب إلى فلاسفة متقدمين، ولحكماء من العرب غير الحارث1.

وقيل: إن من حكمه: "خير الدواء الأزم، وشرّ الدواء إدخال الطعام على الطعام". وقيل: إنه وصى ولده بقوله: "يا بني عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال. إن الله جعلك إنسانًا فلا تجعل نفسك بهيمة، واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة، فقد قال بعض الحكماء: إذا كنت بطينًا فعد نفسك مع الزمنى"2. ومن حكمه قوله: "لا تنكحوا من النساء إلا الشابة، ولا تأكلوا من الحيوان إلا الفتى، ولا من الفاكهة إلا النضيج"3.

وقد نسبوا إلى الحارث كتابًا، هو كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنوشروان4، ولم يشيروا إلى مضمونه ومحتوياته وحجمه. والظاهر أنه هذه المحاورة التي دبجوها في ترجمته، ونسبوها إليه، وزعموا أن كسرى أمر بتدوين ما نطق به5.

1 عيون الأنباء لابن أبي اصيبعة "1/ 109 وما بعدها"، أخبار الحكماء "ص111 وما بعدها"، ابن صاعد "ص47"، ابن جلجل "ص54 وما بعدها"، ابن القفطي تاريخ الحكماء "ص161 وما بعدها"، ابن العبري "ص156 وما بعدها"، ابن حجر، الإصابة "1/ 288"، بلوغ الأرب "3/ 328 وما بعدها"، شرح ديوان لبيد "ص102".

2 الجمان في تشبيهات القرآن "256".

3 المحاسن والأضداد "110".

4 عيون الأنباء "1/ 110 وما بعدها".

5 ابن أبي أصيبعة "1/ 112"، بلوغ الأرب "3/ 328 وما بعدها"، العقد الفريد "6/ 373".

ص: 16

وقد ذكر أن الحارث بن كلدة كان شاعرًا ذا حكمة في شعره، وقد أورد الآحدي له أبياتًا في أثناء ترجمته له1 وذكره "أبو العلاء المعري" في "رسالة الغفران"، ونسب له قوله:

فما عسل ببارد ماء مزنٍ

على ظمأُ لشاربه يُشاب

بأشهى من لقيكم إلينا

فكيف لنا به ومتى الإياب2

وذكر الأخباريون، أن "الحارث" هذا، كان قد داوى الملك "أبا جبر" الكندي، وكان ملكًا شديد البأس، فخرج إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشًا من الأساورة، فلما بلغوا "كاظمة" سمّوه، ثم تركوه وعادوا، فسار "أبو جبر" إلى "الطائف"، ليداويه "الحارث بن كلدة" ويشفيه، فداواه فبرئ وارتحل يريد اليمن فنكس ومات. فرثته عمته "كبشة"3.

وقد عاصر رسول الله، وفي بعض الروايات أنه أسلم ومات مسلمًا في خلافة "عمر"، وأنه أكل مع "أبي بكر" وأنه شهد أن "أبا بكر" مات مسمومًا4 وأنه خرج مع النساء حينما حاصر المسلمون الطائف سنة تسع للهجرة. وأنه عاش إلى أيام معاوية في رواية. وأن "آل نافع" و"آل أبي بكرة" كانوا يزعمون أنهم من نسله5.

وأما النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي فهو ابن خالة الرسول. وكان النضر قد سافر البلاد أيضًا كأبيه، واجتمع بالأفاضل والعلماء بمكة وغيرها، وعاشر الأخبار والكهنة، واشتغل وحصل من العلوم القديمة، واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة، وتعلم من أبيه ما كان يعلمه من الطب وغيره وكان يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي، ويحسده، ويكثر الأذى له، ويتكلم فيه بأشياء كثيرة، ويحط من قدره عند أهل مكة. فلما كانت وقعة بدر، كان على رأس

1 المؤتلف والمختلف "ص172".

2 "166"، "تحقيق بنت الشاطئ".

3 نزهة الجليس "1/ 484".

4 الطبري "3/ 419""ذكر مرض أبي بكر ووفاته".

5 الاشتقاق "ص185"، مختصر ابن العبري "ص156"، أخبار الحكماء، لابن القفطي "161"، Die Araber IV، S. 33

ص: 17

المشركين، فوقع أسيرًا، ولما كان الرسول بالصفراء أو الأثيل، أمر بقتله، فقتل1.

وقد نسب بعض أهل الأخبار "النضر بن الحارث" على هذه الصورة: "النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار"2، وقالوا: إنه من أشراف قريش وأسيادها، وكان من مطعمي "بني عبد الدار"3، ونصوا أنه "كان من كفار قريش شديد العداوة لرسول الله"4، وأنه كان ابن خالة الرسول، ولهذا فلا يمكن أن يكون هذا النضر ابنًا للحارث بن كلدة الثقفي، الذي هو "الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج" على رواية من ضبط نسبه من أهل الأخبار5. ثم إن "الحارث بن كلدة الثقفي"، لم يخلف إلا ابنة يقال لها: أزدة، على ما ذكره "أبو عبيدة"6، لذلك فلا يمكن أن يكون "النضر بن الحارث" ابنًا له، كما ذهب إلى ذلك "ابن أبي أصبيعة" وغيره7، لا سيما وأن "ابن أبي أصبيعة" نفسه قد جعله في عداد المشركين من قريش الذين آذوا الرسول، وذكر أنه ابن خالة النبي، وأنه آذاه وساهم مع المشركين في معركة بدر، فأسر. وأن أخته "قتيلة" قد رثته بشعر دوّنه، كما دوّنه غيره8.

وما دوّنه عنه، دوّنه غيره من ترجمة "النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار" القرشي، وتجده مذكورًا مع شعر الرثاء في كتاب "نسب قريش"

1 عيون الأنباء "1/ 113 وما بعدها"، البلاذري "1/ 141"، شمس العلوم "1/ 79" بلوغ الأرب "3/ 335 وما بعدها"، الاشتقاق "ص99". شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد "3/ 348"، البيان والتبيين "2/ 236"، "4/ 43"، "عبد السلام هارون"، البلدان "1/ 112"، شرح ديوان الحماسة، للتبريزي. حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي "4/ 41".

2 نسب قريش، للزبيري "255"، ابن هشام، سيرة "1/ 320"، "النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف".

3 سيرة ابن هشام "1/ 320"، "2/ 320".

4 الاشتقاق "99".

5 الاشتقاق "185".

6 الاشتقاق "185".

7 عيون الأنباء "167"، "النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي".

8 عيون الأنباء "167 وما بعدها"، سيرة ابن هشام "2/ 297 وما بعدها".

ص: 18

للزبيري1. وهو من العلماء بنسب قريش ومن المتقدمين على "ابن أبي أصبيعة"2.

وفي رواية يرجع سندها إلى "الكلبي" و"مقاتل"، أن في حق "النضر ابن الحارث"، نزلت الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث} 3. فقد قيل:"إنه كان يخرج تاجرًا إلى فارس، فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشًا، ويقول لهم: إن محمدًا، عليه السلام، يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن"4. وقد نزلت في حقه ثماني آيات5، يفهم من تفسير علماء التفسير لها، أنه كان ذكيًّا لبقًا و"شيطانًا" من شياطين قريش، له علم بالشعر وبأخبار الأمم، يراجع أحبار اليهود وعلماء النصرانية، ليزيد بذلك علمًا على علمه، وكان يعتقد لذكائه وعلمه أنه أحق بالدعوة من النبي، وحسده وصار يعاكسه في كل مكان.

ووصف بأنه صاحب أحاديث ونظر في كتب الفرس. كان يحدث، ثم يقول: أينا أحسن حديثًا: أنا أم محمد؟ ويقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. وقيل: إنه كان يقول: إنما يعينه على ما يأتي به في كتابه هذا جبر، غلام الأسود بن المطلب، وعداس غلام شيبة بن ربيعة، ويقال: غلام عتبة ابن ربيعة، وغيرهما. فأنزل الله:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} 6، وكذلك {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} 7، وروي أنه كان يحدث قومه أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار8.

وعلى هذا، فلم يكن النضر، في عداد الأطباء، وإنما كان في عداد الواقفين

1 "ص255".

2 "156- 236هـ".

3 سورة لقمان، الآية6.

4 أسباب النزول "259"، "سورة لقمان".

5 سيرة ابن هشام "1/ 320 وما بعدها".

6 النحل، الآية 103.

7 الفرقان، الآية 4 وما بعدها، البلاذري "1/ 141".

8 ابن هشام "1/ 320".

ص: 19

على أساطير الفرس ولغتهم، ولا تستبعد مع ذلك عنه مزاولة الطب، لأن المثقفين في ذلك الوقت، كانوا يعالجون ويدرسون مختلف العلوم والمعرفة.

وأما ابن أبي رمثة التميمي، فكان طبيبًا على عهد الرسول مُزاولًا لأعمال اليد وصناعة الجراح1. ولم يذكروا عنه شيئًا غير هذا المذكور. وذك من الأطباء طبيب يقال له: ابن حديم، من تيم الرباب. قيل: إنه حاز على شهرة واسعة بين الجاهليين، وأنه ذكر في شعر لأوس بن حجر، هو:

فهل لكم فيها إليّ فإنني

طبيب بما أعيا النطاسي حِذيما2

وزعم أنه كان أطب العرب، وأنه كان أطب من الحارث بن كلدة، حتى ضرب بطبّه المثل، فقيل: أطب من حذيم. وذكر أنه كان بارعًا في الكي، فقيل: أطب في الكي من ابن حذيم3. وقيل: هو أنه كان من "تيم الرباب" وكان متطببًا عالمًا، وهو أقدم من الحارث بن كلدة. وقد جعله بعضهم "ابن حذام""ابن حمام" الشاعر المذكور في شعر "امرئ القيس"، وهو خطأ ورد من باب التصحيف4.

ويظهر من كتب الحديث والأخبار والتراجم، أن هناك نفرًا آخرين مارسوا التطبيب في أيام النبي. فقد أشير إلى نفر من قبيلة أنمار، زاولوا الطب في أيام الرسول5. وذكر أن النبي بعث إلى أُبي بن كعب طبيبًا، فقطع له عرقًا، وكواه عليه6.

وأشير إلى اسم طبيب آخر، عرف بـ"ضماد بن ثعلبة الأزدي"، ذكر أنه كان يداوي، وأنه جاء إلى رسول الله7. وأنه كان صديقًا للنبي في الجاهلية،

1 عيون الأطباء لابن أبي أصيبعة "1/ 116"، ابن جلجل "ص57"، ابن صاعد "ص47"، ابن القفطي "436"، تهذيب التهذيب "12/ 97"، مسند ابن حنبل "4/ 163"، اللسان "6/ 232".

2 تاج العروس "8/ 338"، "حذم".

3 بلوغ الأرب "3/ 337".

4 الخزانة "2/ 232"، "بولاق".

5 ابن جلجل "ص54".

6 ابن جلجل "ص58"، زاد المعاد "3/ 84".

7 نهاية الأرب "18/ 7 وما بعدها"، "17/ 350".

ص: 20

وكان من أزد شنوءة. وكان رجلًا يتطبب ويرقي ويطلب العلم، ويداوي من الريح. وقد أسلم. وكان محترمًا مقدرًا. ذكر أن بعثًا بعثه رسول الله أو أبو بكر، مرّ ببلاد ضماد، فلما جاوزوا تلك الأرض. وقف أميرهم، فقال: أعزم على كل رجل أصاب شيئًا من أهل هذه الأرض إلا ردّه، لمكانة هذا الرجل ولشرفه ولصداقته للرسول1. "وروي أنه قدم مكة معتمرًا، فسمع كفار قريش يقولون: محمد مجنون، فقال: لو أتيت هذا الرجل فداويته. فجاءه فقال له: يا محمد إني أداوي من الريح، فإن شئت داويتك لعل الله ينفعك، فتشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحمد الله وتكلم بكلمات فأعجب ذلك ضمادًا، فقال: أعدها علي، فأعادها عليه فقال: لم أسمع مثل هذا الكلام قط، لقد سمعت الكهنة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل هذا قط"2.

ولا يستبعد تعلم هؤلاء الأطباء في جنديسابور مركز الطب والعلوم في الامبراطورية الساسانية أو في أماكن من بلاد الشأم، فقد كان الطبيب الحاذق محتاجًا في هذا اليوم إلى تعلم هذا العلم في أماكن متعددة للاستفادة من تجارب الأطباء. وقد كان السفر متصلًا غير منقطع، فلا يستبعد قدوم الأطباء وطلاب الطب من جزيرة العرب إلى هذه الأماكن للتعلم فيها.

واشتغلت النساء بالمعالجة والتطبيب أيضًا. فقد قامت "رفيدة" تداوي جرحى المسلمين يوم ذهابهم إلى "بني قريظة"3. وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وكانت لها خيمة في المسجد، مسجد الرسول بيثرب تداوي بها الجرحى. ولما جرح "سعد بن معاذ" يوم الخندق، قال رسول الله:"اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب"، وكان الرسول يزوره في خيمتها في الصباح وفي المساء4.

واشتهرت "زينب"، وهي من "بني أود" بالطب. كانت تطبب وتعالج العين والجراح5.

1 الإصابة "2/ 202"، "رقم 4177"، الاستيعاب "2/ 209"، حاشية على الإصابة.

2 ابن سعد، طبقات "4/ 241".

3 نهاية الأرب "17/ 191".

4 الإصابة "4/ 295"، "رقم 424".

5 زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية "1/ 40"، "1957م".

ص: 21

والوجع المرض المؤلم1، والعرب تسمي كل مرض وجعًا2، ويعبر عنه بالمقام كذلك3. وذكر أن "الوعك" الحمّى أو ألمها وأذاها ومغثها في البدن، وذكر أن الوعك لا يكون إلا من الحمى دون سائر الأمراض4.

وقد عالج الأطباء الجروح بوضع الخرق بعضها فوق بعض على الجرح، أي: بتضميده بها، ويقال لذلك:"الغميل". وكانوا إذا أرادوا تعريق المريض، غملوه5، أي: غطوه بالثياب ليعرق، فيشفى من البرد والزكام. والضماد العصابة أوالخرقة تشد فوق الجرح أو الرأس. أو أي موضع من الجسم يشتكى من وجود ألم به، فكانوا يضمدون الرأس للصداع، كما كانوا يضمدون العين، بوضع الدواء في العين، أو على الخرقة ثم تضميد العين بها، ورد أن "طلحة" ضمد عينيه بالصبر، كذلك كانوا يضعون الأدهان على الضماد، لتضميد الجروح، أو الأورام أو موضع الألم6.

ويذكر علماء اللغة أن "النطاسي"، العالم الشديد النظر في الأمور7، فهي بمعنى الحاذق. ويقال: طبيب نطيس ونطاسي، وورد: نطس الأطباء. وهي أكثر ما ترد مع الأطباء، للدلالة على الحذق والفهم في هذه الصناعة. وذكر علماء اللغة أن اللفظة من المعربات، عربت من أصل "نسطاس"، وهي من لغة الروم. والنُطس الأطباء الحذاق، والعالم بالطب بالرومية8.

ولعدم وصول كتب أو صحف أو أحجار لها علاقة بالطب عند الجاهليين، اضطررنا إلى أخذ معارفنا في الطب من الموارد الإسلامية، مثل كتب التفسير والحديث والأدب، ففيها إشارات إلى بعض الأمراض، وفي بعضها إشارات إلى معالجة بعض منها. هذا، وتفيدنا الموارد الأعجمية في هذا الباب كثيرًا،

1 تاج العروس "5/ 533"، "وجع".

2 إرشاد الساري "8/ 343".

3 تاج العروس "8/ 336"، "سقم".

4 إرشاد الساري "8/ 343"، تاج العروس "7/ 192"، "وعك".

5 تاج العروس "8/ 50"، "غمل".

6 تاج العروس "2/ 405 وما بعدها"، "ضمد".

7 بلوغ الأرب "3/ 338".

8 تاج العروس "4/ 258"، "نسطاس"، "نطس"، "6/ 310"

ص: 22

لورود أمراض فيها وطرق معالجة، كانت معروفة وشائعة في الشرق الأوسط قبل الإسلام. ونجد في المعجمات الخاصة بالعهدين القديم والجديد وفي تواريخ الطب القديم معلومات ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلينا، لأنها تعيننا على تكوين رأي في الطب عند الجاهليين.

والمذكورون، هم أطباء نشأوا في المدن، وأقاموا في الحضر، وتعلموا من أطباء محترفين. أما الأعراب، فقد كان لهم أطباء، ولكن طبهم، هو طب العرف والعادة. طب موروث، يداوي بالوصفات التي داوى بها الآباء والأجداد، دون تغيير وتبديل وجدل ونقاش. ولهذا، فهو طب بدائي تقليدي موروث، يعتمد في مداواته على قدرة القبيلة، وعلى ما يجده الطبيب حوله من نبات وأعشاب وحيوان ونار فيداوي بها. وما زال الأعراب على طبهم هذا، يداوون به على نحو ما داوى أجدادهم وأجداد أجدادهم في الإسلام وقبل الإسلام.

وليس لطب البادية اتصال بالطب الخارجي، إلا ما كان من طب القبائل القاطنة على مقربة من الحواضر، أو القبائل التي كان لها اتصال مباشر منتظم أو غير منتظم بالعالم الخارجي. فقد تسرب إلى علم "العوارف" فيها نفح من الطب الغريب، عالج به "عوارف" القبيلة، واستمروا على المعالجة به، حتى صار سنة لهم وطبًّا قبليًّا. ومن أهم صفات الطب القبلي، أنه طب لا يثق إلا بنفسه، ولا يرى الشفاء إلا من أطبائه وبأدويته المتعارفة عنده والمريض الأعرابي لا يعمل إلا بطب أصحاب الخبرة من الشيبة والعجائز الذين عرفوا بممارستهم معالجة المرضى وللسن عندهم قيمة في نجاح المعالجة والحصول على الشفاء، فالسن تجربة وعلم.

ولذلك فللمسن المعالج الذي يرجع إليه عند الشكاية من الألم والمرض، تأثير كبير على المريض من الناحية النفسية، لاعتقاده بأن السنين تزيد في خبرة الإنسان وتضيف إلى علمه القديم علمًا جديدًا. لذلك يثق المرضى به، مع أن طب الأعراب، لا يعرف البحث والمطالعة لزيادة العلم، ولا يركن إلى التجديد بالحصول على معارف طبية جديدة، بدراسة أثر أعشاب البادية بصورة مستمرة في شفاء المرضى واستخلاف النتائج من مراقبة تأثير الدواء على حالة المريض.

وقد عرف طب البادية بـ"طب الأعراب" وبطب البادية، وعرف دواء الأعراب بدواء أهل البادية. وهو دواء نابت من محيطهم يستند على المعالجة بالأعشاب وبالرماد وبالألبان وبأبوال الإبل وبالخرز. ومن أدويتهم "النهاء" دواء

ص: 23

يكون بالبادية يتعالجون به ويشربونه. ويظهر أنه من حجر يقول له "النهاء"، وهو حجر أبيض أرخى من الرخام، يكون بالبادية، ويجاء به من البحر.

وضرب من الخرز1.

و"العقار" و"العقاقير" الأدوية. وقيل: ما يتداوى به من النبات أو أصولها والشجر2. و"العُقار" في الآرامية ما يتداوى به من النبات، أي: دواء3.

وطب مثل هذا، لا يمكن أن يأتي بنتائج إيجابية في معالجة الأمراض الصعبة العسيرة، وفي حالات مرضية مهمة جدًّا في نظر بعض الناس، ولا سيما مشايخ القبائل، كالعقم وتقوية الشهوة الجنسية، ولهذا كانوا يلجأون إلى أطباء الحضر.

وقد أدرك الرهبان والمبشرون أثر هذه الحالات المرضية، ولا سيما الأمراض النفسية منها في نفوس أولئك الرؤساء، وجلهم ممن درس الطب وقرأ الكتب المؤلفة فيه ومارسه عمليًّا، فذهبوا بأنفسهم إلى القبائل للتبشير، وعالجوا الرؤساء معالجة نفسانية في الغالب، وأثروا فيهم، ونجحوا في مثل هذه الحالات في كسب عطفهم عليهم وتأييدهم لهم، وفي الدخول في جوارهم، للقيام بالتبشير. ونجد في النتف الباقية عن حياة المبشرين الذين بشروا بين العرب قصصًا من هذا النوع روي في معالجة بعض الرؤساء، يذكر أنهم نجحوا في معالجتهم وأن نجاحهم هذا هو كرامة ومعاجز قد تمت بفضل الله ومنّة المسيح.

ويكون الشفاء عند العرب في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار. وإذا عجز الطبيب من إشفاء مريضه بما عنده من وسائل لجأ إلى "الكي"، ولذلك جاء:"آخر الدواء الكي". وكان أهل الجاهلية يرون أنه يحسم الداء بطبعه فيبادرون إليه قبل حصول الاضطرار إليه ويعالجون به أكثر الأمراض. وروي في الحديث قوله: "الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي ثمن الكيّ"4.

والعسل من الأدوية والصفات التي أمر بها الأطباء في معالجة بعض الأمراض، ولا سيما أمراض المعدة، عولج به وحده، وعولج به ممزوجًا بمواد أخرى،

1 تاج العروس "10/ 382"، "نهى".

2 تاج العروس "3/ 417"، "عقر".

3 غرائب اللغة "196".

4 إرشاد الساري "8/ 361""كتاب الطب".

ص: 24

لتكوين عجائن ولصقات منه1. واستعملت العجائن المكونة من الدقيق والتمر والسمن في معالجة أمراض الجلد وآلام المفاصل، والنزلات. كذلك استعملت لصقات كونت من مواد أخرى في معالجة مثل هذه الأمراض. والمناقيع هي من طرق المعالجة أيضًا، ومنها مناقيع الخل والزيوت.

وقد ورد في رواية: أن الرسول أرسل عكّة عسل إلى لبيد الشاعر الشهير حين علم بمرضه، فشرب منها، وبرئ2، وفي هذا الخبر دلالة على تداويهم بالعسل.

وقد أقام أهل مكة والحجاز وزنًا كبيرًا للمداواة بالعسل. ونجد في كتب الحديث وفي كتب الأدب والأخبار إشارات إلى هذه المداواة. وقد استعملوا العسل في مداواة "المبطون" الذي يشتكي بطنه من الإسهال المفرط، ومن سوء الهضم، لإخراج الفضول المجتمعة في المعدة وفي الأمعاء3.

وفي جملة معالجات الأطباء ووصفاتهم للمرضى، استعمال الحجامة، أي: استخراج مقدار من الدم بكأس يسحب هواؤها بالمص، فيخرج الدم من الشروط التي عملت في ظهر الرقبة. وقد استخدموها في معالجة الرأس والشقيقة والصداع4 والفصد، واستعمال ديدان خاصة لامتصاص الدم5. والشقيقة: صداع يصيب شقي الرأس، وإن أصاب الصداع قنة الرأس أحدث داء البيضة. وأما الصداع فهو عام6.

والفصد: هو شق العرق لإخراج مقدار من الدم للمعالجة من بعض الأمراض.

1 عمدة القاري "21/ 232"، "عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل" العقد الفريد "6/ 273".

2 شرح ديوان لبيد "ص25 مقدمة".

3 إرشاد الساري "8/ 378، 363".

4 عمدة القاري "21/ 242 وما بعدها"، "أن عيينة بن حصن دخل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يحجم في فأس رأسه فقال: ما هذا؟ قال: هذا خير ما تداويتم به الحجامة والكي"، العقد الفريد "6/ 275 وما بعدها"، إرشاد الساري "8/ 370".

5 عمدة القاري "21/ 230 وما بعدها".

6 إرشاد الساري "8/ 370".

ص: 25

وقد عرف عند العرب كما عرف عند غيرهم1. وقد داووا الصبيان بـ"الفصيدة".

تمر يعجن ويُشاب، أي: يخلط بدم2. والظاهر أن هذا الدم، هو من دم الفصد.

وقد كان الجاهليون يأكلون دم الحيوان، يجففونه بعد خلطه مع مادة أخرى، أو وضعه في أمعاء ليجف فيؤكل، أو مع الشعر ثم يأكلونه، ومنهم من كان يشرب الدم، للقوة. و"وفي حديث عكرمة: كان طعام أهل الجاهلية العلهز. قال ابن الأثير: هو طعام من الدم والوبر". وذلك أن يخلط الدم بالوبر، أو الصوف ينفش ويشرب بالدماء ويشوى ويؤكل. وقد نسب أكله إلى الفقراء وإلى أيام المجاعة، وزعم أنهم كانوا يخلطون فيه القردان، أو دم الحلم. ونسب أكله إلى القحطانيين، وذلك في شعر هجاء، هو:

وإن قرى قحطان قرف وعلهز

فأقبح بهذا ويح نفسك من فعل3

وهو من الشعر المنبعث عن عاطفة العصبية ولا شك.

وكان الفصد عند العرب من جملة وسائل القتل التي تستعمل في قتل الملوك والأشراف. تمييزًا لهم عن السوقة وسواد الناس الذين يقتلون بحد السيف. فقد كان الشريف إذا سقط في أيدي عدوه ووجد نفسه أنه مقتول لا محالة، أوصى بإسقائه الخمر، حتى يسكر، فيخف بذلك ألمه ثم يفصد عرق اليد فيخرج منه الدم حتى يموت ميتة الأشراف.

واستعمل الكي في معالجة أمراض المفاصل، مثل الرَثْيَة "الروماتزم"، وقد برع في ذلك الأعراب بصورة خاصة وهو معالجة أخذ بها أطباء أهل الوبر أيضًا، وطريقتهم هي كي الجزء المريض بحديدة محماة، أو بحجر محمى. وقد استعمل الكي أيضًا في معالجة الجروح والقروح ووجع الرأس. وفي العربية مثل قديم، له علاقة به، هو: آخر الدواء الكي. فالكي إذن معالجة يلجأ إليها حينما يعيا الدواء عن الشفاء. واستعمل في معالجة الاستسقاء، بالكي على البطن4. وينسب أهل الأخبار المثل المذكور إلى "لقمان بن عاد"5، وفي نسبتهم هذه المعالجة إليه

1 اللسان "3/ 336"، "فصد".

2 اللسان "2/ 336"، "فصد"، تاج العروس "2/ 453"، "فصد".

3 تاج العروس "4/ 61"، "العلهز".

4 الفاخر "ص58، 126".

5 الزمخشري، المستقصى في أمثال العرب "1/ 3"، "حيدر آباد الدكن 1962م".

ص: 26

دلالة على قدمها عند العرب. وهي معالجة لا زال الأعراب يستعملونها في مداواة أمراض عديدة عندهم، لا سيما في معالجة أمراض الروماتزم. وقد ورد أن "خباب بن الأرت" اكتوى في بطنه سبع كيات1.

و"الرِثية" وجع المفاصل واليدين والرجلين، وقيل: وجع الركبتين والمفاصل، أو ورم وظلاع في القوائم، أو هو كل ما منعك من الالتفات أو الانبعاث من كبر أو وجع2.

وقد استعملوا "الكي" للشوكة. والشوكة حمرة تظهر في الوجه وغيره من الجسد. وقد كوي "أسعد بن زرارة" من الشوكة3. وقيل: الشوكة داء كالطاعون، وكانوا يسكنون الشوكة بالرقى كذلك4.

والبصل والثوم والكمون والكرفس والخردل هي من النباتات التي عولج بها، فاستعمل البصل لمعالجة النزلات الصدرية وبعض أنواع الحميات وللقضاء على الديدان في داخل الجسم. واستعمل الثوم لمعالجة أمراض المعدة والديدان أيضًا، وفي معالجة أمراض القلب5. واستعمل الكمون في معالجة النزلات الصدرية كذلك. وهو من الأدوية المعروفة عند غير العرب أيضًا، فقد كان العبرانيون يستطبون به6، وكانوا يحصلون عليه بواسطة الفينيقيين والعرب. وأحسنه هو الكمون المستورد من "سيلان"7. وعالجوا به في الأدرار، وفي مطاردة الريح في المعدة وللهضم8.

وعولج بالسنا بالشبرم وبالزبيب، ويرون أن الزبيب يُذهب النّصب، ويشد العصب، ويطفئ العصب، ويصفي اللون، وبالسفرجل ويرون أنه يشد القلب، ويطيب النفس ويذهب بطخاء الصدر9. وعالجوا بالتين، استعملوه لمعالجة الإمساك والكبد والطحال10، وعالجوا بالرمان11.

1 إرشاد الساري "8/ 356".

2 تاج العروس "10/ 144"، "رثى".

3 الطبري "2/ 398"، النهاية لابن الأثير "4/ 240 وما بعدها".

4 تاج العروس "7/ 152"، "شوك"، اللسان "10/ 455"، "شوك".

5 "الثوم: ويسمى ترياق البدو"، شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الأول "ص270".

6 The Bible Dictinary، I، P. 257

7 تاج العروس "9/ 322"، "كمن".

W. Smith، A Dictionary of the Bible، I، P. 330

8 تاج العروس "9/ 322"، "كمن".

9 العقد الفريد "6/ 271 وما بعدها".

10 تاج العروس "9/ 154"، "التين".

11 تاج العروس "9/ 219"، "رمان".

ص: 27

و "الحُلْبَة" من النبات الذي عولج به في أمراض كثيرة، فعولج به أمراض الصدر مثل الربو والسعال والبلغم، وعولج به الكبد والمثانة والبواسير وآلام الظهر.

وذكر أن "الحلبة" طعام أهل اليمن عامة، وبالغوا في فوائدها حتى رووا أن حديثًا ورد فيها:"لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها ولو بوزنها ذهبا"1.

وتطيب بالسعوط والنشوق. وقد استعملوا لذلك جملة مواد، منها: دهن الخردل، ودهن البان، والقسط الهندي والبحري، وبالعود الهندي والكافور. وقد استخدم العود الهندي في معالجة ذات الجنب2. ويرى بعض الباحثين أن النشوق من أصل آرامي هو "نسكو Nosko" من Nsk بمعنى أسال في شيء، أي: دواء يسكب في الأنف3. واستخدم "السُنبل"، وهو نبات طيب الرائحة في التداوي كذلك، ويعرف بـ"سنبل" في السريانية أيضًا4.

وذكر أن "السعوط" اسم الدواء يصب في الأنف. وذلك بأن يوضع الدواء في إناء يجعل فيه السعوط ويصب منه في الأنف، ويقال للإناء: المسعط والسعيط والمُسعط5. ويستعمل السعوط من مختلف الدهون. وقد استعمل في مداواة "العذرة"، وهو وجع يأخذ الطفل في حلقه، يهيج من الدم أو في "الخرم" الذي هو بين الأنف والحلق، وهو سقوط اللهاة. وقيل: قرحة تخرج بين الأنف والحلق تعرض للصبيان غالبًا عند طلوع العذرة. وهي خمس كواكب تحت الشعرى.

أي العبور وتطلع وسط الحر6.

و"القسط" عود يجاء به من الهند، فعرف لذلك بالقسط الهندي، وعود يؤتى به من اليمن، ويعرف بالقسط البحري. وعود عرف بـ"قسط أظفار" وقسط عرف بـ"القسط المر" وهو كثير ببلاد الشأم. ويقال للقسط:"الكست" و"كشط". وذكر أن الرسول أشار إلى "القسط" فقال: "عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية: يستعط به من العذرة ويلد به من ذات

1 تاج العروس "2/ 312"، "طبعة الكويت"، "1/ 222"، "حلب".

2 عمدة القاري "21/ 238 وما بعدها"، العقد الفريد "6/ 275".

3 غرائب اللغة "ص207".

4 غرائب اللغة "ص189".

5 اللسان "7/ 314 وما بعدها"، "سعط".

6 إرشاد الساري "8/ 367".

ص: 28

الجنب1. وقد استعمل القسط بخورًا ودواء. وهو من نبات أصله من الهند، يقال له:"قسطس"، وهو معروف عند غير العرب أيضًا ويداوى به2.

وعالجوا بـ"العيد"، شجر جبلي ضمدوا بلحائه الجرح الطري فيلتئم3.

وبـ"السنى"، نبت يتداوى به. وقد جاء ذكره في الحديث. وقد خلطوه بالحناء لتقوية اللون وتسويده4. وداووا بـ"السعتر" "الصعتر"5، وبالقرطم، في معالجة أمراض عديدة6.

وقد كانت النساء تعالج الصبيان من العذرة بالغمز، وذلك أن المرأة كانت تأخذ خرقة فتفتلها فتلًا شديدًا وتدخلها في حلق الصبي وتعصر عليه، فينفجر منه دم أسود وربما أقرحته7.

وعرف "الدرياق""الترياق" في التطبيب به. استعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين، والعرب تسمي الخمر "ترياقًا" و"درياقًا" لأنها تذهب بالهم.

و"الترياق"، فارسي معرب ويقال: درياق. بالدال أيضًا وفي الحديث: "إن في عجوة العالية ترياقًا". الترياق ما يستعمل لدفع السُمّ من الأدوية والمعاجين"8.

والبلسم، من المواد المهمة في المعالجات الطبية، وقد اشتهر كثيًرا في الطب القديم، ليس عند العرب فقط، ولكن عند أكثر الأمم الأخرى. اشتهر في معالجة الجروح خاصة، إذ هو مادة صمغية تضمد بها الجراحات. ووطنه بلاد الحبشة، واشتهر من أنواعه الجيدة "بلسم جلعاد" عند العبرانيين، وهو ذو رائحة عطرة. وقد مدحه الأطباء وأثنوا عليه في معالجة الأمراض والجروح9.

وذكر علماء اللغة أن "البلسم"، هو "البلسام" وهو البرسام، والموم.

1 إرشاد الساري "8/ 367"، اللسان "7/ 379".

2 غرائب اللغة "265".

3 تاج العروس "2/ 438"، "عود".

4 تاج العروس "10/ 185"، "سنى".

5 تاج العروس "3/ 269"، "السعتر".

6 تاج العروس "9/ 24"، "قرطم".

7 إرشاد الساري "8/ 369".

8 اللسان "10/ 32"، "ترق".

9 قاموس الكتاب المقدس "1/ 245". Hastings، P. 872، f

ص: 29

والبلنسم: القطران1. و"البلسم" هو "بلسمون"، و"بلسان" Valsamor2.

وقد استعمل لحاء "العقد" لتضميد الجرح الطري، فيلتحم لخاصية فيه3. وعالجوا بـ"البان"، وهو شجر معروف، ذكر في شعر "امرئ القيس"، ولحب ثمره دهن، وحبه نافع للبرش، والنمش، والكلف، والحصف، والبهق، والسفعة، والجرب، وتقشر الجلد، واستعمل في الإسلام لمداواة أمراض عديدة4.

و"السفوف" كل دواء يؤخذ غير معجون، مثل سفوف حب الرمان وغيره5.

وترد اللفظة في الآرامية بالمعنى نفسه، وهي من المعربات عنها6.

واستعملت الزيوت في معالجة عدد من الأمراض والجروح، فاستعملت في معالجة البطنة مثلًا. وقد تخلط بغيرها، كالخمر أو الخل أو الملح، وقد تغلى ثم توضع على الجرح لقطع النزيف منه ولتعقيمه. والمعالجة بالزيوت، قديمة معروفة عند المصريين والعبرانيين واليونان وغيرهم، أشير إليها في كثير من الموارد القديمة7 وعولج "الباسور" بدهنه بزيت الزيتون8.

وعالجوا باستعمال "الحبّة السوداء". استعملوها قليلًا، وأكلًا ولطوخًا، كما سحقوها وخلطوها بالزيت لاستعمالها قطرات في معالجة أمراض الأنف. وقد كانوا يبالغون في منافعها، فاستعملوها في معالجة أمراض كثير باطنية وخارجية9 وذكرو أن الرسول قال:"إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام"، والسام: الموت10.

وعولج بالألبان، ولا سيما ألبان الإبل. وهم يفضلون لبن الإبل على سائر

1 تاج العروس "8/ 206"، "بلسم".

2 غرائب اللغة "255".

3 تاج العروس "2/ 427"، "عقد"، "2/ 438"، "عود".

4 تاج العروس "8/ 147"، "بون".

5 تاج العروس "6/ 139"، "سف".

6 غرائب اللغة "187".

7 The Bible dicti.، Vol.، II، P. 154

8 العقد الفريد "6/ 274".

9 عمدة القاري "21/ 235 وما بعدها".

10 إرشاد الساري "8/ 365 وما بعدها".

ص: 30

الألبان1. وقد عولج به مختلف الأمراض، ومن ذلك "السقم"2.

وعالجوا بأبوال الإبل أيضًا. وورد في شعر "لبيد بن ربيعة العامري" أنهم عالجوا ببول الإبل وكانوا يغلونها أحيانًا ليشربها المريض3.

وعولج بـ"التلبينة"، حساء من نخالة ولبن وعسل، وقيل: حساء يتخذ من ماء النخالة فيه لبن. وذكر أنها تُجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن وتنظف المعدة4. وعالجوا بالحساء لغسل البطن وتنظيفها من سوء الهضم5.

وعولج بإهراق الماء على المريض، وذلك في أمراض الحمى، وفي الأمراض التي يشعر المريض بأن في جمسه حرارة والتهابًا، فيجلس على كرسي ويصب الماء عليه، حتى يخفف من شدة حرارة المريض6. كما عولجت الحمى بنصح المريض بالإكثار من شرب الماء البارد وغسل الأطراف7.

وللمحافظة على الأسنان ولظهورها بيضاء نظيفة، استعملوا السواك وبعض الأعواد لاستخراج الفضلات التي تتخلل الأسنان، وما زال الحجاج يستوردون المساويك من مكة. وقد اشتهرت مكة منذ الجاهلية بالسواك، يستخرج من أغصان أشجار تنبت هناك، لأغصانها رائحة طيبة، وتساعد على تبييض الأسنان. ومن المواد التي عملت منها المساويك: البشام، والضرو، والعثم، والأراك، والعُرجون، والجريد، والإسحل8.

وقد حث الإسلام على تنظيف الأسنان بالمسواك. ورد في الحديث: "السواك مطهرة للفم" أي: يطهر الفم. وأشير إلى المسواك في الشعر، إذ ورد:

وكأن طعم الزنجبيل ولذة

صهباء ساك بها المسحر فاها

1 عمدة القاري "21/ 234 وما بعدها".

2 إرشاد الساري "8/ 364".

3 شرح ديوان لبيد "ص116"، عمدة القاري "21/ 234 وما بعدها"، إرشاد الساري "8/ 364 وما بعدها".

4 إرشاد الساري "8/ 366 وما بعدها"، اللسان "13/ 376"، "لبن".

5 إرشاد الساري "8/ 366 وما بعدها".

6 إرشاد الساري "8/ 377".

7 إرشاد الساري "8/ 381".

8 البيان "3/ 114".

ص: 31

وهو للشاعر "عدي بن الرقاع"، وورد في شعر آخر:

إذا أخذت مسواكها ميحت به

رضابًا كطعم الزنجبيل المعسل1

واستعمل الإثمد والكحل في معالجة الرمد2، كما استعملوا قطرات من أدوية استحضروها مثل ماء الكمأة في معالجة أمراض العين3. وذكر أن الإثمد يحدّ البصر، ويقوي النظر4.

والكحل، من جملة مواد تطبيب العيون، ومن جملة وسائل الزينة كذلك.

يستعمله الرجال والنساء. وقد كان معروفًا عند الشعوب الأخرى، يصنع من حرق اللبان أو قشور اللوز، ومن السخام المتبقي من حرق بعض الدهون والزيوت5.

وقد عرفت مكة بصنع الكحل قبل الإسلام، ولا تزال مشهورة به. وقد كان الناس يحملون المكاحل في جيوبهم ويحتفظون بها في بيوتهم، يعملونها من القرون أو المعادن، ويبالغ الأغنياء منهم في زخرفتها وفي تزيينها للتبجح بها عند إخراجها أمام الناس6.

ونصحوا بتنقيط نقط من ماء بارد في العين عند النهوض من النوم، لجلائها وإزالة الغشاوة عنها، كما نصحوا بوضع القدمين واليدين في ماء بارد أو حار، وذلك لمعالجة العين، ولمعالجة القدمين واليدين أيضًا. وقد عرف العبرانيون هذه المعالجة كذلك7.

وكانوا يعالجون الماء الأسود الذي يحدث في العين بالنقب، أي: القدح. وقد ورد في حديث "أبي بكر" أنه اشتكى عينه فكره أن ينقبها8. و"الناقب".

1 تاج العروس "7/ 146"، "سوك".

2 عمدة القاري "21/ 245"، إرشاد الساري "8/ 373".

3 عمدة القاري "21/ 248"، "أن الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، وهي شفاء من السم"، العقد الفريد "6/ 272".

4 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الأول، "ص261"، "عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يحد البصر، وينبت الشعر، العقد الفريد "6/ 273".

5 The Bible diction، vol، II، p. 234.

6 Hastigns، Dict، vol، I، p. 814.

7 Ency. Of Relig. Konwledge، vol، III، p. 1456.

8 تاج العروس "1/ 493""نقب".

ص: 32

و"الناقبة" داء يعرض للإنسان من طول الضجعة، وقيل: هي القرحة التي تخرج بالجنب1. وعالجوا الماء الأبيض باستعمال الأشياء الرفيعة الحادة مثل السكين أو العاقول، لرفع الغشاء الرقيق وسحبه عن العين، بعد اكتمال نزول الماء بها.

ولقطع نزيف الدم المنبعث من الجروح، استعملوا الرماد2، والزيوت المغلية تسكب على الجرح، لقطع نزيف الدم. أما النزيف النازل من الأنف، وهو الرعاف، فقد استخدموا الماء البارد لقطعه. وقد عرفوا كذلك ربط الجروح بشدة حتى يقف الدم فينقطع، واستعملوا الضماد والمناديل لمنع الدم من الخروج، ومن ذلك قولهم: ضمد الجرح، أي: شده3. واستعملوا حرق الحصير والمواد القابلة للاشتعال لاستعمال رمادها لقطع النزيف4، أو وضع الملح على الجرح لإيقاف نزيف الدم منه. ولمعرفة عمق الجروح ومقدار غورها، استعملوا آلة يسمونها المسبار5. والسِّبار6، فتيل يجعل في الجرح7. ويعبرون عن مداواة الجرح بقولهم: أسَا الجُرحَ، أي: داواه وشفاه8.

وقد عولج الإمساك بالحقن، أي: حقن المريض، وباستعمال المسهلات لتليين المعدة9.

والباسور من الأمراض المعروفة عند الجاهليين، وقد أشير إليه في كتب الحديث10.

"وفي حديث عمران بن حصين، وكان مبسورًا، أي: به بواسير". واللفظة معربة. والبواسير جمع "باسور"11. والناسور علة تحدث في حوالي المقعدة، وعلة تحدث في المآفي، وفي اللثة12.

1 تاج العروس "1/ 493"، "نقب".

2 عمدة القاري "21/ 253"، صحيح مسلم "5/ 178".

3 غرائب اللغة "ص193".

4 إرشاد الساري "8/ 380".

5 المغرب "240".

6 ككتاب، المعاني الكبير "2/ 983".

7 شرح القاموس "3/ 253".

8 غرائب اللغة "ص172".

9 المغرب "133"، تاج العروس "9/ 182"، "حقن".

10 صحيح البخاري "2/ 481"، الجمهرة "1/ 255"، المعرب للجواليقي "58".

11 تاج العروس "3/ 42"، "بسر".

12 تاج العروس "3/ 564"، "نسر".

ص: 33

وعولجت الأورام التي تصيب الجلد بالمناقيع واللصقات، ولا سيما اللصقات الحارة، كي تعجل في إخراج الصديد من العضو المتورم. واستعملت هذه اللصقات من سحق بعض الحبوب ذات المادة الدهنية، مثل حب الكتان أو حب البخور، وبعد سحقها توضع على النار ثم تفرغ في قماش لتوضع فوق الورم لإزالته، وتحويله إلى صديد. واستعملت من مواد أخرى مثل التمر مع الزبد وأمثالها، وكلها على أساس أن الدفء الذي يكون فيها يسبب زوال الورم وتحوُّل الدم الفاسد إلى صديد يخرج أو يجف.

واستعمل "الزقوم" في معالجة الجروح. وهو مرّ شديد المرارة، وأشير إلى "شجرة الزقوم" و"شجر من زقوم" في القرآن الكريم1، ولما نزلت الآية لم تعرف قريش معنى الكلمة، "فقال أبو جهل: إن هذا الشجر ما ينبت في بلادنا، فمن منكم يعرف الزقوم؟ فقال رجل قدم علهم من أفريقية: الزقوم بلغة أفريقية: الزبد بالتمر. فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي لنا زبدًا وتمرًا نزدقمه، فجعلوا يأكلون منه ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة! "2.

والزقوم نبات بالبادية له زهر ياسميني الشكل. وقيل: شجرة غبراء صغيرة الورق مدورتها لا شوك لها ذفرة مرة لها كعابر في سوقها كثيرة ولها وريد ضعيف جدًّا يجرسه النحل ونورتها بيضاء ورأس ورقها قبيح جدًّا. وفي أريحا شجرة يقال لها: الزقوم لها ثمر كالتمر حلو عفص، ولنواه دهن عظيم المنافع في تحليل الرياح الباردة وأمراض البلغم وأوجاع المفاصل والنقس وعرق النسا، وذكر أن أصلها من الهند، جاءت به بنو أمية من أرض الهند وزرعته بأريحا3.

وعولجت كسور العظام بالجبائر، وبالدلك، ووضع المناقيع فوق العضو المصاب عظمه بالكسر، والجبيرة: العيدان التي تجبر بها العظام، وذلك بعد جبر المجبر لها4.

ومن المصطلحات الطبية المتعارفة عند الجاهليين: "البطنة"، وهي التخمة.

1 الصافات، الآية62، الدخان، الآية43، الواقعة، الآية52.

2 تاج العروس "8/ 326"، "زقم".

3 تاج العروس "8/ 326"، "زقم".

4 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الثاني "ص297".

ص: 34

وتعالج بالحمية وبالمنتقعات والحقن. وقد عرف الجاهليون أثر المعدة في الصحة العامة، فعدت بيت الداء، والحمية رأس كل دواء.

والأمراض التي تعرض لها الجاهليون عديدة، منها: العمى، والعَوَر، والتهاب العيون، والرمد، ومنها: ما يصيب الجلد، مثل البرص والوضح، والبهق، والحكة، والدمامل، والبثور، والجرب، والقرح، ومنها أمراض داخلية، مثل أوجاع المعدة والكبد واليَرَقان والصداع والشقيقة، وذات الجنب وأوجاع المفاصل والعظام، والفالج، والسل، والحمى، وأمراض أجهزة البول والحمى والبُرَداء. وأمراض القلب والرعشة والجنون والأمراض العصبية الأخرى وغير ذلك من أمراض لا تزال معروفة.

ومن الأمراض المعروفة عند الجاهليين البرص، وهو مرض يصيب الجلد، وهو غير الجذام ويطلقون عليه "الوضح" كذلك، لبياض يظهر في ظاهر البدن1 ومنه قيل لجذيمة الأبرش: جذيمة الوضاح2. وقد كان معروفًا في الشرق الأدنى، وأشير إليه في التوراة، وهو نوع من "البسورياس" Psoriasis أو "اللبرا"3 Lepra، Leprosy. ويظهر أنه كان كثير الانتشار، ومن أصيب به "الحرث ابن حلزة اليشكري"4، وجماعة آخرون من الأشراف والمعروفين ذكرهم أهل الأخبار5.

وقد نعت البرص ببعض النعوت، فقيل لمن به برص:"المحجل"6، و"الوضاح"، و"الوضح" البرص. وقد كان الناس يكرهون مجالسة البُرْص خشية العدوى، فكان الملك "عمرو بن هند" يتجنب مؤاكلة البُرص، ويأمر بنضح الأمكنة التي يجلسون عليها حذر العدوى7. وكانت قريش قد أخرجت "أبا عزة، عمرو

1 تاج العروس "4/ 373".

2 "ويكنى به عن البرص، ومنه قيل لجذيمة الأبرش: الوضاح. وسيأتي الكلام عليه وفي الحديث: "رجل بكفه وضح"، أي: برص" تاج العروس "2/ 247".

3 قاموس الكتاب المقدس "1/ 220 وما بعدها".

The Univer. Jewish Ency.، 7، P. 434

4 شرح المعلقات السبع، للزوزني "دار صادر""ص154".

5 المحبر "ص299 وما بعدها".

6 المحبر "ص301".

7 شرح المعلقات السبع، للزوزني "ص154".

ص: 35

ابن عبد الله بن عمير بن وهيب بن حذافة"، وهو من البُرص، من مكة مخافة العدوى، فكان يكون بالليل في شُعَف الجبال، وبالنهار يستظل بالشجر1.

وأما الجذام، فإنه من الأمراض المعدية، وقد كان معروفًا بين الجاهليين، وقد ورد النهي عن الاختلاط بالمجذومين في حديث:"فر من المجذوم فرارك من الأسد" مما يدل على شدة عدواه واختلاط المجذومين بين الناس في ذلك العهد. وذك علماء اللغة أن الجذام علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها، وربما انتهى إلى تقطع الأعضاء وسقوطها عن تقرح2.

و"البهق"، هو مرض جلدي أيضًا، يترك بياضًا في الموضع المصاب من الجسد، وهو "زرعة" في العبرانية. ويدعى3 Laprosy.

وقد كانت أمراض الجلد من الأمراض المتفشية بالنسبة إلى تلك الأزمنة، لقلة العناية الطبية وللفقر وعدم توفر وسائل النظافة والتظيف بين معظم الناس. ولسوء تغذيتهم بسبب فقرهم العام.

و"السفعة" من أمراض الجلد، وهي سواد أو حمرة يعلوها سواد أو صفرة، تظهر في الوجه. وقد علل حدوثها بإصابة العين4. والثؤلول، بثر صغير صلب على صور شتى تصيب الجسد5. وقد مات "أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب" من ثؤلول كان برأسه، حلقه حلاق فقطعه فمات منه6.

ومن الأمراض الخطيرة التي أشير إليها في كتب الحديث والأخبار: الحمى، وقد كانت شديدة الانتشار في المدينة7، حتى أضعفت أجسام معظم أهل المدينة والمهاجرين. وهي علة يستحر بها الجسم وقد أهلكت كثيرًا من الناس، ولذلك

1 المحبر "ص300 وما بعدها".

2 تاج العروس "8/ 223"، تفسير الطبري "30/ 200".

3 Hastings، A Dictinary of Chirst and The Gospels، II، p. 24.

4 إرشاد الساري "8/ 390".

5 تاج العروس "7/ 243"، "تثألل".

6 الإصابة "4/ 90"، "رقم 538".

7 "والحمى والحمة: علة يستحر بها الجسم من الحمم، قيل: سميت لما فيها من الحرارة المفرطة، ومنه الحديث: الحمى من فيح جهنم"، تاج العروس "8/ 261""حمم".

ص: 36

قيل: الحُمى رائد الموت، أو بريد الموت، وقيل: باب الموت1. وقد اشتهرت خيبر بنوع خاص من الحمى عرف باسمها، فقيل: حمى خيبرية وحمى خيبر وحمى خيبري2. وذكر علماء اللغة أسماء للحمى تحكي صفاتها وكيفية ظهورها وتحكمها في البدن، فقالوا: حمى الغب، وذلك إذا أخذت المريض يومًا وتركته يومًا3، وحمى الربع، وحمى الصالب، وهي الحمى التي يكون معها صداع، والنافض، والراجف التي تكون معها رعدة ونفضة، وحمى مغبطة ومردمة، أي: دائمة عليه لا تقلع، وتسمى الحمى المطبقة أيضًا، والوعك الحمى، وحمى الروح، وحمى الدِقّ أن يغمى عليه في الحمى، والورد هو يوم الحمى. ويقال للعرق الذي يتصبب من الحمى: الرُحَضاء، ولأول ما يحس بالحمى: المسّى4.

ويقال في السريانية للحمى: "حمتو" Hemto بمعنى حرارة5.

وذكر أن "حمى صالب"، أو "الصالب" حمى معها حرّ شديد وليس معها برد. وقال بعض علماء اللغة: الصالب من الحمى الحارة خلاف النافض.

وقيل: هي التي فيها رعدة وقشعريرة6. و"الحمة" في تعريف العلماء علة يستحر بها الجسم، سميت لما فيها من الحرارة المفرطة، وإما لما يعرض فيها من الحميم، وهو العرق. ورد في الحديث: الحمى من فيح جهنم7.

وقد لاقى الرسول8 والصحابة شدة من "حمى" المدينة وقد ذكر أن "أبا بكر" كان إذا أصابته الحمى –وكانت تزوره مناوبة- قال:

كل امرئ مصبح في أهله

والموت أدنى من شراك نعله

1 تاج العروس "8/ 261"، "حمم".

2 "قال الشاعر الأخنس بن شهاب:

كما اعتاد محمومًا بخيبر صالب" تاج العروس "3/169".

3 تاج العروس "1/ 403"، "غب".

4 بلوغ الأرب "3/ 339 وما بعدها".

5 غرائب اللغة "ص179".

6 تاج العروس "1/ 338"، "صلب".

7 تاج العروس "8/ 261"، "حمم".

8 إرشاد الساري "8/ 349 وما بعدها".

ص: 37

وكان بلال، أقلعت عنه الحمى، يقول:

ألا ليتَ شعري هل أبيتن ليلة

بوادٍ وحولي اذخر وجليل

وهل أردن يومًا مياه مجنة

وهل تبدون لي شامة وطفيل

وكان عامر بن فهيرة، يقول:

قد وجدت الموت قبل ذوقه

كل امرئ مجاهد بطوقه

كالثور يحمي جسمه بروقه1

إلى غير ذلك مما يخبر عن شدة وقع تلك الحمى في أجساد المهاجرين، ولما رأى الرسول ما حل بصحابته من هذه الحمى ومن ضجرهم من الإقامة بيثرب بسببها توسل إلى الله أن يخفف عنهم أذاها وأن يزيل عنها هذا المرض وأن يبرأها منه2.

ويقسم العرب الحمى إلى نوعين: حمى يشعر الإنسان فيها بحرارة شديدة تصيب الجسم، قد تجعله يتصبب عرقًا من شدة وقع الحمى على الجسم، ولا يكون معها برد، وقد يصاب المريض بها بصداع ووجع شديد في الرأس، وحمى يشعر الإنسان فيها بنفضة ورعدة وقشعريرة، يقال لها:"نافض" و"النافض"، و"حمى نافض"3، وهي: حمى الرعدة، لوجود رعدة وقشعريرة بها تصيب الجسم4. ويقول العرب لقرة الحمى ومسها في أول، عدتها: "العرواء"، وقيل: أول ما تأخذ من الرعدة5. ويقال لهذه الحمى: "الراجف"؛ لأنها ذات رعدة ترجف مفاصل من هي به6. و"القعقاع"، وهي حمى نافض تقعقع الأضراس7.

و"القفة"8.

1 إرشاد الساري "8/ 347".

2 "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة" إرشاد الساري "8/ 347".

3 تاج العروس "5/ 92"، "نفض".

4 تاج العروس "2/ 354"، "رعد".

5 تاج العروس "10/ 239"، "عرى".

6 تاج العروس "6/ 113"، "رجف".

7 تاج العروس "5/ 477"، "قع".

8 تاج العروس "6/ 225"، "قف".

ص: 38

وقد كانت الحمى منتشرة في المواضع التي تكون فيها الينابيع والمستنقعات والمياه الآسنة الواقفة وما شاكل ذلك من أمكنة، ولما كان العرب في حاجة شديدة إلى الماء، كانوا يشربون منها اضطرارًا، فأصيبوا بسبب ذلك بأنواع من الأمراض.

وقد كانت وسائل مقاومة البعوض الناقل للحمى غير معروفة، كما أن وسائل العناية بالصحة وتنظيف الجسم لم تكن متوفرة عندهم بسبب فقر أكثرهم، لذلك صارت أجسامهم معرضة لمختلف الأمراض، ولا سيما أهل المدر الذين لم تكن بيوتهم صحية، ولا مياههم نقية، وكانت بيوتهم ضيقة غير صحية، فكانوا يصابون بالسل وبالأمراض الأخرى، أكثر من الأعراب المتباعدين في السكن، والذين لا يعرفون البعوض، ويستنشقون الهواء النقي، وتقيهم الشمس من شر الجراثيم.

والذبحة: وهي داء يأخذ بالحلق، وقد كان معروفًا بين الجاهليين، وكانوا يعالجونها بالكي. ذكر أن الرسول كوى "أسعد بن زرارة" في حلقه من "الذبحة"، وقيل:"الشوكة"1. وأنه عاد "البراء بن معرور"، وأخذته الذبحة، فأمر من لعطه بالنار2.

وقد أشير إلى مرض عرف بـ"خبط" في نصوص المسند، وقد فسر أنه برد شديد في الرأس3.

وقد كانت الأوبئة تفتك بالناس فتكًا، فكان الأغنياء والموسرون يفرون من الأماكن المزدحمة إلى أماكن بعيدة، ويلجأون إلى الصحارى ابتعادًا عن المصابين بها. وكانوا يرجعون أسبابها وأسباب الأمراض عمومًا إلى غضب الآلهة على الناس، وإلى أرواح شريرة تصيب الجسم من الأكل والشرب، وإلى أنواع من الهوام والحشرات. ومن أشهر أنواع هذه الأوبئة الطاعون والجدري والهيضة.

والطاعون المرض العام والوباء، وقد أشير إليه في كتب الحديث. ويظهر أنه كان منتشرًا معروفًا في الحجاز وفي سائر أنحاء جزيرة العرب آنئذ4. وقد جعل

1 اللسان "2/ 438"، "ذبح"، الإصابة "1/ 50"، "رقم 111".

2 اللسان "2/ 438"، "ذبح".

3 Mahran، P. 437

4 تاج العروس "9/ 269"، "طاعون عمواس" في أيام عمر، إرشاد الساري "8/ 483 وما بعدها".

ص: 39

بعض العلماء الطاعون نوعًا من أنواع الوباء، وفرَّق بينهما بعض علماء اللغة، وجعلوا الوباء المرض العام عامة، مهما كان، مثل انتشار الحمى والجدري والطاعون والنزلات والحكة والأورام. وقد ذكرت الأوبئة في كتب الحديث1.

و"الدبل" الطاعون2.

ونسب الجاهليون حدوث الطاعون إلى "وخز الجن"، فهو يقع لأن الجن تطعن الشخص وتخزه فيصاب بالطاعون. وقد أشار إلى هذا الرأي "حسان بن ثابت"، أشار إليه في أثناء حديثه عن أعاصير نزلت بـ"بصرى" وبـ"رمح" وعن "دخان نار"، حتى أثرت في كل قصر ومنزل في ذينك المكانين، ثم أعقب ذلك "وخز جن بأرض الروم"3، أي: بلاد الشأم وفيها المكانان المذكوران إذ كانت تحت حكم الروم، كما أشار إلى هذه الفكرة شاعر آخر اسمه "الغساني"4.

ونجد في كتابات المسند إشارات إلى أوبئة تكتسح البلاد فتفني عددًا كبيرًا من الناس. فنجد فيها أن فلانًا يحمد آلهته لأنها منت عليه بالعافية وأنقذته من الوباء الذي تفشى في أيامه فأهلك الناس. وقد كان القدراء من الناس يهربون من الأرضين الموبوءة إلى أرضين أخرى بعيدة سالمة ليتخلصوا من الوباء. ونجد في الكتابة الموسومة بـ"CIH 343" رجلًا اسمه "يحمد" يشكر إلهه "تألب ريام"، لأنه من عليه بالعافية وشفاه من المرض الذي نزل به في وباء انتشر فيما بين "هوزن""هوزان""هوازن" و"سهرتن""سهرت". وقد كانت الأوبئة تكتسح المناطق الواقعة عند قواعد الجبال وفي المناطق الحارة الرطبة، ولا سيما التهائم. وتقع "هوزن""هوزان""هوازن" عند مرتفعات "حراز"5.

وقد كانت الحروب من المصادر التي غذت العربية الجنوبية بمادة دسمة من الأوبئة. فقد كانت تأتي على عدد كبير من الناس، فتتركهم جثثًا تتعفن على ظاهر الأرض، كما كانت تأتي على مواطن السكن ومواضع المياه وتأتي على كل

1 شرح القاموس "1/ 130".

2 تاج العروس "7/ 317"، "دبل".

3 فأعجل القوم عن حاجاتهم شغل

من وخز جن بأرض الروم منكور

البرقوقي "ص219".

4 البرقوقي "ص219"، ديوان حسان "ص79"، "هرشفلد".

5 Beitrage

ص: 40

ما يملكه الناس، وتزيد في مشكلة الفقر مشكلة، وتبعد الناس عن النظافة، فتهيء بذلك للأوبئة أمكنة جيدة، لتلعب بها كيف تشاء. ودليل ذلك ما نجده في كتابات المسند من إشارات إلى أمراض وأوبئة تعم المناطق المنكوبة بالحروب، حيث تكتسح من الأحياء، ما لم يتمكن السيف من اكتساحه منهم.

وذكر الأخباريون نوعًا من البثور يخرج بالبدن، دعوه: العدسة، عرفوه أنه: بثرة صغيرة شبيهة بالعدسة، تخرج بالبدن مفرقة، كالطاعون، فتقتل غالبًا، وقلما يسلم منها. وقد رمي بها أبو لهب فمات. والظاهر أن هذا المرض كان منتشرًا بمكة، فقد روي أن قريشًا كانت تتقي العدسة، وتخاف عدواها1.

وقد كان الجاهليون يعرفون عدوى بعض الأمراض، فكانوا يتجنبونها ولا يقتربون من المريض المصاب بها، ويطلقون عليها العدوى2، فكانوا إذا أصيبوا بأوبئة، فروا إلى أماكن بعيدة سليمة تهربًا منها، وحجروا على المريض، لئلا يقرب منهم، فينتقل المرض إليهم. وذلك لما كانت الجاهلية تعتقده في بعض الأمراض من أنها تعدي بطبعها، مثل الجذام3.

والحصبة: من الأمراض المعروفة عند الجاهليين4. وكذلك الجُدَري. وقد ذكر بعض الأخباريين أن أول جدري ظهر هو ما أصيب به أبرهة5. وهو قول من هذه الأقوال المعروفة عند الأخباريين، فالجدري من الأمراض القديمة المعروفة عند الجاهليين قبل أبرهة بزمان.

وذكر أن العرب عالجت الحصبة والجدري بمرار الشجر، وبالحنظل والحرمل6.

و"السل" من الأمراض المعروفة بين الجاهليين. ذكر بعض أهل الأخبار أنه عرف بـ"داء الياس"، لأن "الياس بن مضر" أول من مات من السل، فسمي بذلك، وسمي بـ"ياس"7.

1 تاج العروس "4/ 186"، الاشتقاق "ص143".

2 شرح القاموس "10/ 234".

3 إرشاد الساري "8/ 373".

4 شرح القاموس "1/ 214".

5 شرح القاموس "3/ 89".

6 الاشتقاق "ص101".

7 الروض الأنف "1/ 7"، تاج العروس "7/ 378"، "سلل".

ص: 41

ومن العلل: اليرقان، والصداع، و"الشقيقة"، وهو وجع يكون في شق الرأس، و"السعال" وجع في الصدر، والزكام، والزحير، والحصر وهو انقباض البطن، والأسر وهو احتباس البول والحصى في مجرى البول، والحكة، والحصف، والحمرة، والشرى، والحماق، والقُوَباء، والثؤلول، والعُرّ وهو الجرب الأبيض، وداء الثعلب ويصيب الشعر، وداء الفيل ويعتري الرجلين، والدوار، والهيفة، وتسمى الفضجة، والنملة، وهي بثور صغار مع ورم يسير ثم تتقرح فتسعى وتتسع، وتسمى أيضًا الذباب، والجنون والخدر، والفالج، والحزاز وهي القشرة التي تصيب الرأس، والحدبة، والطرش، والطلق، والجشاء، والباسور، والناسور، والبهق، والكلف، والمغس، والمغص، والاستسقاء، والإغماء، والاختلاج، والبخر، والفواق، والجشاءة، والقلس1.

وعرفت القُوبَاء بأنها الحزازة، وذكر أنه كانت بوجه أبيض بن حمال بن مرثد بن ذي لحيان المأربي السَّبئي حزازة، توسعت فالتقمت أنفه2. والقوباء هوالذي يظهر في الجسد ويخرج عليه، يتقشر ويتسع، يزعمون أنه يعالج بالريق. وقالوا:

يا عجبًا لهذه الفليقة

هل تغلبن القوباء بالريقة3

ودم الملوك، دواء ينفع ويفيد في معالجة من يعضه كلب كَلِب في نظر الجاهليين. فإذا أصيب إنسان بداء الكلب، فشفاؤه بمعالجته بدم الملوك. وقد عرفه "ابن دريد" بقوله: "والكلب داء يصيب الناس والإبل شبيه بالجنون.

وكانت العرب في الجاهلية إذا أصاب الرجل الكلب، قطروا له دم رجل من بني ماء السماء، وهو عامر بن ثعلبة الأزدي، فيسقى، فكان يشفى منه. قال الشاعر: دماؤهم من الكلب الشفاء"4.

وكانوا إذا خافوا على المرأة الحامل، ووجدوا أن ولدها ميت في بطنها،

1 بلوغ الأرب "3/ 339 وما بعدها".

2 الإصابة "1/ 17".

3 تاج العروس "1/ 441"، "قوب".

4 الاشتقاق "ص14".

ص: 42

استخرجوه منها. وجوزوا قيام الرجل بذلك. وعبروا عن ذلك بـ"السطو"1.

ويلعب التطبيب بالسحر والرقي والتعويذ دورًا خطيرًا في حياة الجاهليين، كما يظهر ذلك من الأخبار الواردة في كتب الحديث والأدب، حتى عد السحر نوعًا من الطب2. وقد منع الإسلام أكثرها وحرمها، ومع ذلك بقية حية مستعملة بين الأعراب والجهلة من أهل القرى الذين لا تساعدهم أحوالهم المعاشية على مراجعة الأطباء. ويقوم هذا التطبيب على التأثير في المريض، واستعمال بعض الحرز أو عظام بعض الحيوانات والسحر، بحجة وجود علاقة بين المرض والأرواح، وأن هذا النوع من التطبيب يطرد الروح الخبيثة التي تدخل الجسم فتصيبه بالمرض من ذلك الجسم. وهذا الرأي في المرض، رأي شرقي قديم، سيطر على كل الشعوب القديمة. فقد كان في رأي الأطباء، أن المرض روح شريرة تستولي على الجسم المريض بدخولها فيه، وأن واجب الطبيب العمل بعلمه وبفنه لإخراج الروح الشريرة من الجسم3.

وفي جملة الوسائل التي استعملت لمكافحة المرض والتغلب على الأرواح الشريرة أو النظر، أي: إصابة الإنسان بالعين من حاسد تصيب عينه إصابة مؤذية، الاستعانة بالرقى والتعاويذ. وقد كان العبرانيون يطلقون على التعاويذ لفظة "حرط"4، وهي أنواع، بعضها على هيئة قلب يعلق بسلسلة في العنق، ويتهدل القلب إلى الصدر، فيكون من جملة وسائل الزينة، وبعضها يربط بالعضد وفي مواضع أخرى من الجسم.

ولم يقتصر الجاهليون في اتخاذ هذه الوسائل على حماية أنفسهم فقط، بل اتخذوها لحماية ما يملكونه أيضًا من حيوان وزرع وملك، فعلقوا العظام أو المعادن أو نعل الحيوان مثل نعل الفرس، ورسموا العين واليد على الجدر وفوق الأبواب، لحمايتها من العيون المؤذية ومن حسد الحاسدين، ولا يزال الناس يستعملونها لحماية أنفسهم ومقتنياتهم من الإصابة بأذى العين وبحسد الحاسدين.

1 تاج العروس "10/ 177"، "سطا".

2 عمدة القاري "21/ 263 وما بعدها" شرح القاموس "1/ 351.

3 A. Jeremias، Altorientalische Geisteskultur، S. 55. FF، The Universal Jewish Ency، vol، 7 pp. 434.

4 Hastigns Dict، vol. I، p. 88.

ص: 43

والجنون وسائر الأمراض العصبية معروفة بين الجاهليين أيضًا، وهم يعدونها من الأمراض التي تحدث للإنسان بسبب دخول الجنون والشياطين في جسد الإنسان فتتملكه، ولا يمكن شفاء من إصابة مس من الجنون أو لوثة في العقل، إلا بإخراج الأرواح المسيطرة على المريض من جسده، ولذلك كان علاج هذه الأمراض من واجب الكهان والسحرة في الغالب، بسبب كونها أمراضًا لم تقع من آفة في الجسد، وإنما وقعت من عارض خارجي، هو دخول الأرواح إلى الأجساد، ومهمة إخراج تلك الأرواح من وظائف المذكورين.

وقد عالج العرب الجنون والخيل بشرب دماء من دماء الملوك. ومن أقوالهم: دماء الملوك شفاء من عضة الكَلِب الكلب والجنون والخبل. ومعالجة داء الكلب، بلعق دم الملوك أو الأشراف من الأدوية المشهورة عند الجاهليين في مداواة هذا المرض. ونسب إلى "الخليل بن أحمد" "أنه قال: دواء عضة الكَلْب الكَلِب الذراريح والعدس والشراب العتيق. وقد ذكر كيف صنَعته وكم يُشرب منه وكيف يتعالج به"1. وذكر أهل الأخبار أن "الأسود بن أوس بن الحُمرة" أتى "النجاشي" فعلمه دواء الكَلَب، وقد ورث ولده هذا الدواء. ومن ولده "المحل". وقد داوى "عتيبة بن مرداس" فأخرج منه مثل جراء الكلب2.

و"الأسود بن أوس"، هو من "بني الحمرة"، وهم من "ثعلبة بن يربوع". وقد ذكر "ابن دريد"، أن "الأسود بن أوس" تعلم من "النجاشي"، دواء الكلب، وأن نسله يداوون به العرب إلى اليوم، أي: إلى يومه، وقد صار منهم اليوم إلى "بني المحل"، فهو فيهم أيضًا3.

وقد ظن الجاهليون أن النوم يؤدي إلى امتداد السم في جسد اللديغ، فكانوا يعلقون الجلاجل والحلي على اللديغ ثم تحرك لئلا ينام فيدب السم في جسده4.

ويقولون: إنه إذا علق عليه أفاق، فيلقون عليه الأسورة والرعاث، ويتركونها عليه سبعة أيام ويمنع من النوم. قال النابغة:

1 عيون الأخبار "2/ 79".

2 عيون الأخبار "2/ 80".

3 الاشتقاق "138".

4 المعاني الكبير "2/ 1008".

ص: 44

يسهد في وقت العشاء سليمها

لحلى النساء في يديه قعاقع1

وفي جملة داووا به الخدر الذي يصيب الرجل، أنهم كانوا يذكرون أحب الناس إلى الشخص، فيذهب الخدر عنه2.

وزعموا أنه إذا ظهرت بشفة الغلام بثور، يأخذ منخلًا على رأسه ويمر بين بيوت الحي، وينادي: الحلأ الحلأ، فيلقى في منخله من ههنا ثمرة، ومن ههنا كسرة، ومن ثم بضعة لحم، فإذا امتلأ، نثره بين الكلاب، فيذهب عنه البثر، وذلك البثر يسمى: الحلأ3.

وإذا أراد أحدهم دخول قرية، فخاف وباءها، أو جنها، فله سبيل سهل يحميه ويقيه، هو أن يقف على باب القرية والموضع الذي يريد دخوله، ثم ينهق نهيق الحمار، ثم يعلق عليه كعب أرنب، فيدخل عندئذ الموضع دون خوف.

فقد فعل ما يتقي به الأذى والسوء ويسمون ذلك التعشير قال عروة بن الورد.

لعمري لئن عشرت من خشية الردى

نهاق الحمير إنني لجزوع4

وإذا أرادت المرأة المقلاة أن يعيش ولدها، ففي إمكانها ذلك إذا تخطت القتيل الشريف سبع مرات، وعندئذ يعيش ولدها. وفي ذلك يقول بشر بن أبي خازم:

تظل مقاليت النساء يطأنه

يقلن ألا يُلقى على المرء مئزر5

والجاهليون، مثل غيرهم من شعوب ذلك الزمن، وفي جملتهم العبرانيون، كانوا يرون أن الأمراض هي غضب يسلطه الآلهة على الإنسان لتنتقم منه، لسبب ما، مثل عدم قيام المريض بواجباته تجاهها، ولهذا كانوا يسرعون بتقديم النذور والقرابين إليها ترضية لها. ويرد المرض إليهم، بتسلط الهوام وبعض الديدان والأرواح الشريرة على الإنسان، فتصيبه بالمرض. ولهذا كان الطب من واجب

1 نهاية الأرب "3/ 124".

2 نهاية الأرب "3/ 125".

3 نهاية الأرب "3/ 125".

4 نهاية الأرب "3/ 125"، بلوغ الأرب "2/ 315".

5 نهاية الأرب "3/ 124".

ص: 45

الكهان ورجال الدين بالدرجة الأولى، هم يداوون المريض ويعطونه الوصفات التي يعتقدون أن فيها الشفاء للمريض، كما كانوا يعتقدون بالنظر، أي: بإصابة الإنسان، فيلحقه المرض1.

وقد مارس التطبيب بين العرب المبشرون، وذلك بعد الميلاد بالطبع، وأكثرهم من الأعاجم، وكانوا قد درسوا الطب وتعلموه على الطريقة اليونانية في الغالب، فلما أرسلوا إلى بلاد العرب أو جاءوا هم أنفسهم للتبشير، مارسوا تطبيب المرضى، وقد شفوا جماعة من سادات القبائل، وأثر شفاؤهم هذا عليهم فاعتنقوا النصرانية.

واشتهر "العباديون" بالتطبيب كذلك2، ولعل ذلك بعامل تنصرهم، فقد كان أكثر رجال الدين النصارى يدرسون مختلف العلوم، وفي جملة ذلك الطب، ومنهم من ترجم كتب العلوم اليونانية إلى السريانية، فدرس العباديون هذه العلوم. وكان طبهم مبنيًّا على العلوم والتجارب السابقة، ومتقدمًا جدًّا بالنسبة إلى طب أهل البادية، لذلك نجح المبشرون والنصارى في معالجة أمراض الأعراب، ولا سيما سادتهم، الذين صاروا يقصدونهم لنيل الشفاء على أيديهم. ومن ثم اشتهر النصارى بالطب، ولما جاء الإسلام، كان أكثر الأطباء من النصارى، وعلى أيديهم تخرج الأطباء المسلمون.

وقد استخدم الجاهليون النساء لتمريض الجرحى في غزوهم وغاراتهم، وقد فعل المسلمون فعلهم. قالت "بنت معوذ بن عفراء":"كنا نغزو مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة"3.

وقد كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى، وكان الرسول والصحابة يتفقدون المرضى النازلين به4.

وليس في الموارد المتوفرة لدينا ما يدل على إقدام الأطباء الجاهليين على التشريح، للاستفادة منه في زيادة علمهم بالطب. وقد كانت شعوب الشرق الأدنى تنفر من تشريح الإنسان، وتعده مثلة وإهانة للمتوفى. وعملًا مخالفًا لأحكام الدين،

1 Hastings. Dict. Of. The Bible، P. 597. ff.

2 الفاخر "ص58".

3 إرشاد الساري "8/ 361".

4 كتاب الجهاد.

ص: 46

ولذلك نهت عنه1. والجاهليون لا يختلفون من هذه الناحية عن غيرهم إن لم يزيدوا عليهم في هذه الأمور التي يعدونها حرمة وكرامة للإنسان. وتشريح الميت وتقطيع بعض أجزاء جسمه، اعتداء على حرمة الميت، وإهانة له ولأهله الأحياء، ولهذا لا نطمع في الحصول على موارد قد تفيد بوجود خبرة علمية عند الأطباء الجاهليين ناتجة من تجاربهم وبحوثهم التي حصلوا عليها من التشريح.

ولم يرد إلينا أي شيء مفيد في الكتابات الجاهلية عن الطب والأطباء، وإن أملنا الوحيد في الحصول على معارف عن الطب، متوقف على المستقبل يوم يقوم علماء الآثار بالتنقيب تنقيبًا علميًّا عميقًا في باطن الأطلال الأثرية، للكشف عن تاريخ الماضين. وعندئذ يكون من الممكن العثور على نصوص قد تكشف النقاب عن الطب الجاهلي وعن العلوم الأخرى وعن مختلف نواحي الثقافة عند الجاهليين.

ويقال للمرض "مرضم" أي: مرض في الكتابات الجاهلية2. وتؤدي لفظة "حلصم" "حلظم" "حلظ" معنى مرض وباء3. ويتبين من بعض الكتابات أن أوبئة شديدة وأمراضًا مهلكة كانت تقع في بعض الأحيان، فتفتك بالناس. وقد كانوا يتجنبونها بالتضرع إلى الآلهة للرحمة بهم وتخليصهم من الضر، كما كانوا يتركون المدن والأماكن المزدحمة إلى محلات بعيدة مكشوفة غير موبوءة حتى ينكشف الوباء. وفي جملة هذه الأوبئة الطاعون.

ويعبر عن المرض في المسند بلفظة أخرى هي "شين"، وهي في معنى "شعين" sha'en في الأثيوبية و"سيعون" Se'on في العبرانية و"شينو" Shenu في البابلية4، وذلك كما في هذا النص السبئي:"تشين شين ارجلهو"5، أي

1 Hastings، Dict، p. 598.

2 Rhodokanakis، Katab. Texte، II، S. 33، Jamme، Sabaen Inscriptions، p. 441.

3 خليل يحيى نامي، نشر نقوش سامية قديمة من جنوب بلاد العرب وشرقها، "ص36"، السطر السادس من النص رقم22.

Rhodokanakis، Kata. Texte، II، S. 33، CIH، 407، Mardtmann und Mittwoch، alt. Inscri، S. 47.

4 Repe. Epi. Semi، Tome VII، Prjm. Livr، p. 30. F. Num. 3991.

5 المصدر نفسه، الفقرة: 7

ص: 47

المرض الذي مرض أرجله، و"تشين" بمعنى المرض. وكما في هذه الجملة:

"بن هوت تشين"1، أي:"في هذا المرض" و "من هذا المرض".

وتعني "شين" أذى ومكروه ومعنى سوء كذلك، وهي في عربيتنا العراقية "الزين" أي: الحسن، فنقول: زين وشين، أي: حسن وقبيح، أو جيد ومكروه.

ووردت لفظة "عوس" بمعنى وباء أو طاعون. وأما "خوم"، فنؤدي معنى "وخم" و"خامة"، ويراد بها انتشار الأمراض والأوبئة، أي: وباء. جاء في بعض النصوص "عوس ذكون بأرضن"، أي:"الأوبئة التي انتشرت بالأرضين"2. وورد "خوم وعوس وموت كون بأرضن"3، أي: "الوخامة" "الوخم" والأوبئة والوَفَيات التي تفشت في الأرض. ورد "كن ضلم وعوسم باشعبن وهكرن"، أي:"وكانت أو وتفشت أمراض وأوبئة بالقبائل والمدن"4.

وورد "خوم ذكين بكل أرضن"، أي:"الوخامة "أوبئة" تفشت في كل أرض"5. ويفهم من هذه النصوص أن العربية الجنوبية، كانت معرضة لأوبئة عامة، تأتي فتكتسح البلاد اكتساحًا، تميت الأعراب، أبناء القبائل، كما تميت أهل المدن، فتشمل مناطق واسعة من البلاد. وقد كانت تظهر خاصة بعد الحروب التي كانت تفني القرى والمدن، وتدمر مواضع المياه، وتترك الجثث ملقاة على سطح الأرض حتى تنتن وتجيف، فتتفشى منها الأمراض، وتظهر الأوبئة، وتتسرب إلى مواضع نائية لتضيف إلى خسائر الحرب خسائر أخرى فادحة في الأرواح.

وقد وردت في نصوص ثمودية إشارات إلى أمراض كانت معروفة في ذلك الوقت6.

1 المصدر نفسه، الفقرة:12.

2 خليل يحيى نامي، نقوش عربية جنوبية، مجلة كلية الآداب، القاهرة 1937، "ص1، 13 قسم2، 16"، "1954""ص21 وما بعدها".

CIH 81، 4، Jamme 645، Ma. Mb. 275.

3 Ja 645، 13-14.

4 CIH 541، 72-73.

5 Rep. Epig، 4138، 4-5.

6 Grimme، S. 40.

ص: 48

وفي العربية ألفاظ عديدة تعبر عن الأوجاع والآلام والأمراض والأسقام التي تصيب الإنسان، وتستعمل للتعبير عن منزلة ودرجة من درجات الأمراض التي تصيبه، من نفسية وغير نفسية. وتحديد مدلولاتها وحدودها، يفيدنا كثيرًا في تكوين رأي في مدى تأثر الجاهليين بالنواحي الطبية والنفسية في ذلك العهد.

وقد كان الختان شائعًا بين العرب، ويستعمل "الموسى" للختان، ولوقف الدم تستعمل أدوية خاصة من مراهم ومواد، كما يستعمل الضماد أيضًا. ولم يكن الختان من أعمال الطبيب. إنما يقوم به الختّان، والحلاقون والحجامون.

وقد عرف الجاهليون طريقة تغطية بعض العيوب أو الإصابات التي تلحق بأعضاء الجسم، بالاستعانة بالوسائل الصناعية. فشدوا الأسنان وقووها بالذهب، وذلك بصنع أسلاك منه تربط الأسنان، أو بوضع لوح منه في محل الأسنان الساقطة1.

واتخذوا أنوفًا من ذهب، لتغطية الأنف المقطوع، كالذي روي عن عرفجة بن أسعد من أنه اتخذ أنفًا من ذهب، وكان قد أصيب أنفه "يوم الطلاب" في الجاهلية2.

وتخصص نفر من الجاهليين بمعالجة الحيوان، وهم البياطرة، يعالجون أمراضها فيصفون الأدوية، يقال للواحد منهم: البطير والبيطر والبيطار، وقد أشير إليهم في أشعار الجاهليين3. ويعالجون الجروح التي تصيبها وفي جملة ما كانوا يعالجون به الكي والمعالجة باستعمال القطران، وذلك بطلي الحيوان المريض به4. ومن هذه الأمراض الجرب. ويقال للحيوان المطلي بالقطران "المقطور" أما إذا كان أنثى، مثل ناقة، فيقال:"مقطورة"5. ويقال: إن الجرب، هو العُرّ.

والعُرّ بثر في الإبل، ويعالج بالقطران. قال علقمة الفحل:

قد أدبر العر عنها وهي شاملها

من ناصع القطران الصرف تدسيم6

1 المعارف "ص82".

2 العقد الفريد "6/ 354"، الطبقات، لابن سعد "7/ 45".

3 تاج العروس "3/ 51"، "بطر".

4 تاج العروس "3/ 500"، "قطر".

5 شرح ديوان لبيد "ص122".

6 الفاخر "ص66".

ص: 49

وكان بعضهم إذا وقع العُرّ في إبلهم، "اعترضوا بعيرًا صحيحًا من تلك الإبل، فكووا مشفره وعضده وفخذه، يرون أنهم إذا فعلوا ذلك ذهب العُرّ عن إبلهم". ويقال: إنهم كانوا يفعلون ذلك، ويقولون: تؤمن معه العدوى قال النابغة:

وكلفني ذنب امرئ وتركته

كذي العُرّ يكوى غيره وهو راتع1

والهناء: ضرب من القطران تطلى به الإبل، لمعالجة الجرب وغير ذلك.

ويقال للجرب عند أول ظهوره: النقب2. ويقال للبعير المهنوء بالقطران "المشوف"3.

وعالجوا أمراض الجلد التي تصاب بها الإبل بطليها بالنفط. ويقال لذلك: "الكحيل"4.

ومن الأمراض التي تصيب "الإبل" مرض "الدبرة"، يظهر في سنام الإبل؛ فلا يزال يأكل سنامه حتى يُحَبَّ، أي: يقطع، وإلا نزل على السناسن فيصيبها ويموت الحيوان. وإذا كان السنام مكشوفًا، فإن الطيور تنقره فيتأذى الحيوان ويتألم وقد يموت، ولعل ذلك هو الذي حمل الجاهليين على التشاؤم من "الأخيل" وبعض الطيور الأخرى التي كانت تحط على ظهور الإبل فتنقر سنامها. ويقال للجمل الذي يقطع سنامه:"الأجب"5.

ومن الأمراض التي كانت تصيب الإبل "السواف"، وقد عرف بأنه داء يصيب الإبل فتهلك6. و"الجارود"، وهو مرض معد، إذا فشا أهلك الإبل. وقد ظهر في "بكر بن وائل"، فأهلك إبلها وهم يعلمون أنه من

1 نهاية الأرب "3/ 123"، اللسان "6/ 230 وما بعدها"، صبح الأعشى "1/ 398 وما بعدها"، بلوغ الأرب 2/ 306".

2 البيان "1/ 107".

3 شرح ديوان لبيد "ص115".

4 تاج العروس "1/ 332"، "صبب".

5 شرح ديوان لبيد "ص1".

6 الاشتقاق "2/ 311".

ص: 50

الأمراض التي تعدي، وتنتقل بالعدوى1. وذكر أهل الأخبار أن "الجارود العبدي"، وهو رجل من الصحابة من عبد القيس، إنما سمي "جارودًا" لأنه فر بإبله إلى أخواله من "بني شيبان" وبإبله داء، ففشا ذلك الداء في إبل أخواله فأهلكها، وفيه يقول الشاعر:

لقد جرّد الجارودُ بكر بن وائل

ولذلك سمي المشئوم جارودًا2

ومن أمراض الدواب مرض يقال له: "العقل"، يصيب رِجل الدابة، إذا مشت ظلعت، وأكثر ما يعتري في الشاء3. ومرض "الحلمة"، دودة تقع في جلدة الشاة الأعلى وجلدها الأسفل، وقيل: دودة تقع في الجلد فتأكله، فإذا دبغ وهي موضع الأكل وبقي رقيقًا. وقيل: القراد أول ما يكون صغيرًا قمقامة، ثم يصير حمنانة، ثم يصير قرادًا، ثم حلمة4.

وكانوا ينقون رحم الفرس أو الناقة من النطف، ويخرجون الولد من بطن الفرس أو الناقة ويعبر عن ذلك بلفظة "مسى"5.

ويذهب بعض الباحثين إلى أن لفظة "بيطار"، هي من أصل يوناني، هو6 Ippiyatros.

ومن الذين عرفوا بين الجاهليين بمعرفتهم بالبيطرة "العاص بن وائل"، وكان يعالج الخيل والإبل7. وقد برع البياطرة بمعرفتهم خاصة بالخيل والإبل؛ لأنها أثمن أموال العرب. وعناية العرب بالخيل، هي التي حملت الإسلاميين على وضع مؤلفات خاصة فيها. ومن جملة من ألف في الخيل "أبو عبيدة".

1 الاشتقاق "ص198".

2 اللسان "3/ 116"، "صادر"، "جرد".

3 اللسان "11/ 463"، تاج العروس "8/ 28"، "عقل".

4 تاج العروس "8/ 256"، "حلم".

5 تاج العروس "10/ 342"، "مسى".

6 غرائب اللغة "ص256".

7 المعارف "576"، "إخراج ثروت عكاشة".

ص: 51

و"أبو زيد الأنصاري" و"الأصمعي" وآخرون1. وللأصمعي كتاب في الإبل2، ولأبي عبيدة كتاب في الإبل كذلك3. ولأبي زيد الأنصاري كتاب في هذا الموضوع أيضًا. ولأحمد بن حاتم مثله، وقد ألف غيرهم في الإبل وفي حيوانات أخرى4. وقد طبعت بعض هذه الكتب.

1 الفهرست "ص85 وما بعدها".

2 الفهرست "ص88".

3 الفهرست "ص86".

4 الفهرست "ص87 وما بعدها".

ص: 52