المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابع والثلاثون بعد المئة: لغات العرب - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٦

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد السادس عشر

- ‌الفصل الثامن والعشرون بعد المئة: القصص

- ‌الفصل التاسع والعشرون بعد المئة: الطب والبيطرة

- ‌الفصل الثلاثون بعد المئة: الهندسة والنوء

- ‌مدخل

- ‌النوء والتوقيت:

- ‌الكسوف والخسوف:

- ‌التوقيت:

- ‌الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة: الوقت والزمان

- ‌مدخل

- ‌الفصول الأربعة:

- ‌الشهور:

- ‌الأسبوع:

- ‌الأيام:

- ‌الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة: الأشهر الحرم

- ‌مدخل

- ‌الشهور الحل:

- ‌الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة: النسيء

- ‌مدخل

- ‌مبدأ النسيء:

- ‌الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة:‌‌ التقاويموالتواريخ

- ‌ التقاويم

- ‌الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة: اللغات السامية

- ‌الفصل السادس والثلاثون بعد المئة: العربية لسان آدم في الجنة

- ‌مدخل

- ‌المترادفات:

- ‌الفصل السابع والثلاثون بعد المئة: لغات العرب

- ‌الفصل الثامن والثلاثون بعد المئة: لغة القرآن

- ‌مدخل

- ‌القراءات السبع:

- ‌الفصل التاسع والثلاثون بعد المئة: العربية الفصحى

- ‌الفصل الأربعون بعد المئة: اللسان العربي

- ‌مدخل

- ‌العربية الشمالية والعربية الجنوبية:

- ‌أفصح العرب:

- ‌الفصل الحادي والأربعون بعد المئة: المعربات

- ‌مدخل

- ‌معرفة المعرب:

- ‌أقسام الأسماء الأعجمية:

- ‌إبدال الحروف:

- ‌الفصل الثاني والأربعون بعد المئة: النثر

- ‌مدخل

- ‌السجع:

- ‌الفصل الثالث والأربعون بعد المئة: الخطابة

- ‌فهرس الجزء السادس عشر:

الفصل: ‌الفصل السابع والثلاثون بعد المئة: لغات العرب

‌الفصل السابع والثلاثون بعد المئة: لغات العرب

قال "الطبري" في تفسيره: "كانت العرب وإن جمع جميعها اسم أنهم عرب، فهم مختلفوا الألسن بالبيان متباينو المنطق والكلام"1. وأن ألسنتهم كانت كثيرة كثرة يُعجز عن إحصائها2. وقد ذكر غيره مثل ذلك، ذكر أن لغات العرب كانت متباينة، وأن بعضها كانت بعيدة بعدًا كبيرًا عن عربيتنا، كالألسنة العربية الجنوبية ومنها الحميرية. قال "ابن جني":"وبعد فلسنا نشك في بُعد لغة حمير ونحوها عن لغة بني نزار"3، وقال "أبو عمرو بن العلاء":"ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا". وذكر "ابن فارس"، أن ولد "إسماعيل"، يريد بهم العدنانية "يعيرون ولد قحطان أنهم ليسوا عربًا ويحتجون عليهم بأن لسانهم الحميرية، وأنهم يسمون اللحية بغير اسمها مع قول الله -جل ثناؤه- في قصة من قال: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، وأنهم يسمون الذئب القلوب مع قوله: وأخاف أن يأكله الذئب وما أشبه ذلك"4.

وقد عرف ذلك الكتبة "الكلاسيكيون" وغيرهم. فذكر مؤلف كتاب

1 تفسير الطبري "1/ 9"، "بولاق".

2 تفسير الطبري "1/ 15".

3 الخصائص "1/ 392"، "وقال أبو عمرو بن العلاء: ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا"، ابن سلام، طبقات "4 وما بعدها".

4 الصاحبي "55".

ص: 196

"الطواف حول البحر الأريتري""Periplus mare Erythrae" أن سكان سواحل البحر الأحمر الذين كانوا يقيمون بين مدينة "Leuke Kome"، وميناء "Muza" يتكلمون بلهجات مختلفة ولغات متباينة، قلّ منهم من يفهمها عن الثاني، وبعضها بعيد عن بعض بعدًا كبيرًا1. وقد عاش مؤلف هذا الكتاب في القرن الأول للميلاد، والساحل الذي ذكره هو ساحل الحجاز.

وأصبح اليوم من الأمور المعروفة أن أهل العربية الجنوبية كانوا يتكلمون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، بدليل هذه النصوص الجاهلية التي عثر عليها في تلك الأرضين، وهي بلسان مباين لعربيتنا، حيث تبين من دراستها وفحصها أنها كتبت بعربية تختلف عن عربية الشعر الجاهلي، وبقواعد تختلف عن قواعد هذه اللغة2. وهي لو قرئت على عربي من عرب هذا اليوم، حتى إن كان من العربية الجنوبية، فإنه لن يفهم منها شيئًا، لأنها كتبت بعربية بعيدة عن عربية هذا اليوم، وقد ماتت تلك العربية بسبب تغلب عربية القرآن عليها.

كما عثر في العربية الغربية وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب على نصوص معينية ولحيانية وثمودية وغيرها، وهي مختلفة بعضها عن بعض، ومختلفة أيضًا عن "العربية" لغة القرآن الكريم.

ومع إدراك الرواة وعلماء اللغة وجود الخلاف في ألسنة العرب، فإنهم لم يدونوا اللهجات على أنها لهجات مستقلة ذات طابع لغوي خاص، لها قواعد نحوية وصرفية، تختلف اختلافًا متباينًا عن نحو وصرف عربية القرآن الكريم، وإنما "تناقلوا من ذلك أشياء كانت لعهد الإسلام، وأشياء أصابوها في أشعار العرب مما صحت روايته قبيل ذلك. أما سواد ما كتبوه، فقد شافهوا به العرب في بواديها وسمعوه منهم، وهو بلا ريب من بقايا اللهجات التي كانت لعهد الجاهلية"3.

على أنهم لم يدونوا من كل ذلك إلا كفاية الحاجة القليلة في تصاريف الكلام أو ما تنهض به أدلة الاختلاف بين العلماء المتناظرين من شواهد في الغريب والنادر وفي القواعد. أما تدوين اللهجات على أنها أصل من أصول اللغة، وأما تسجيل

1 The Periplus of the Erythrean Sea، 24

2 الصفة "134".

3 الرافعي، تاريخ آداب العرب "1/ 123 وما بعدها".

ص: 197

قواعد صرف ونحو تلك اللهجات، فهذا ما لم يحفل به أحد، ولم يقدم عليه عالم فيما نعلم من أخبار الكتب التي وصلت إلينا، لأن أكبر غرضهم من جمع اللغة وتدوينها يرجع إلى علوم القرآن والحديث، ولغتهما اللغة الفصحى، اللغة التي تعلو على اللغات، أما ما دونها فلغات دونها في المنزلة والفصاحة، وألسنة شاذة غير فصيحة، ليس من اللائق بالعالم إضاعة وقته في البحث عنها، وفي التنقيب في قواعد نحوها وصرفها، وهي فوق ذلك لغات بطون وعشائر وقبائل ومواضع، ليس لها أتباع كثيرون، وقد أقبلوا على استعمال عربية الإسلام، وفي إحياء العربيات الأخرى إحياء للجاهلية1.

"رأينا علماء اللغة وأهل العربية قد طرحوا أمثلة اختلاف اللغات في كتبهم، فلا قيمة لها عندهم إلا حيث يطلبها الشاهد وتقتضيها النادرة في عُرض كلامهم، لأنهم لم يعتبروها اعتبارًا تأريخيًّا، فقد عاصروا أهلها، واستغنوا بهذه المعاصرة عن توريث تأريخها لمن بعدهم، ولو أن منهم من نصب نفسه لجمع هذه الاختلافات وإفرادها بالتدوين بعد استقصائها من لهجات العرب، وتمييز أنواعها بحسب المقاربة والمباعدة، والنظر في أنساب القبائل التي تتقارب في لهجاتها والتي تتباعد، وتعيين منازل كل طائفة من جزيرة العرب والرجوع مع تأريخها إلى عهدها الأول الذي يتوارث علمه شيوخ القبيلة وأهل أنسابها لخرج من ذلك علم صحيح في تأريخ اللغة وأدوار نشأتها الاجتماعية، يُرجع إليه على تطاول الأيام وتقادم الأزمنة، ولكان هذا يعد أصلًا فيما يمكن أن يسمى تأريخ آداب العرب، يفرعون منه ويحتذون مثاله في الشعر وغيره من ضروب الأدب.

ولكن القوم انصرفوا عن هذا وأمثاله لاعتقادهم أصالة اللغة، وأنها خلقت كاملة بالوحي والتوقيف، وأن أفصح اللهجات إنما هي لهجة إسماعيل عليه السلام، وهي العربية القديمة الجيدة كما قال سيبويه"2.

"وعلى هذا اعتبروا لهجات العرب لعهدهم كأنها أنواع منحطة خرجت عن أصلها القرشي بما طرأ عليها من تقادم العهد وعبث التأريخ، فلم يجيئوا ببعضها إلا شاهدًا على الفصاحة الأصلية في العربية وخلوها من التنافر والشذوذ، وتمامًا

1 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 123 وما بعدها".

2 الرافعي "1/ 133 وما بعدها".

ص: 198

على الذي جمعوه من أصول العربية، وتفصيلًا لكل شيء إلا التأريخ"1

"ومع أن الرواة قد وضعوا كتبًا كثيرة ومصنفات ممتعة في قبائل العرب ومنازلها وأنسابها وأسمائها واشتقاق الأسماء وألقابها ومدحها وأشعارها وفرسانها وأيامها، ونحو ذلك مما يرجع إلى التأريخ المتحدد، فلو أنهم اعتقدوا اللغات بسبب من ذلك ولم يعرفوها بالوصف الديني الثابت الذي لا يتغير في حقيقته، لأجروها مجرى غيرها من آثار التأريخ، ولكن ذلك الزمن قد طوي بأهله، ولحق فرعه بأصله، فبقي ذلك الخطأ التأريخي كأن صوابه من بعض التأريخ الذي هو حديثُ الغيب! "2.

ويستمر "الرافعي" في حديثه هذا، فيقول:"نقول هذا وقد قرأنا ما بين أيدينا من كتب الفهرست والتراجم والطبقات على كثرتها، وتبينا ما يسرد فيها من أسماء الكتب والأصناف، عسى أن نجد من آثار أحد الرواة أو العلماء ما يدل على وضع كتاب في تأريخ لهجات العرب وتمييز لغاتها على الوجه الذي أومأنا إليه، أو ما عسى أن نستدل به على أنهم كانوا يعتبرون ذلك اعتبارًا تأريخيًّا؛ ولكنّا خرجنا منها على حساب ما دخلنا فيها: صفر في صفر؛ ولم يزدنا تعدادُ أسماء الكتب علمًا بموت هذا العلم وأنه لا كتب له، للسبب الذي شرحناه من اعتبارهم أصالة العربية"3.

وفي كتاب "الفهرست" لابن النديم، وفي المؤلفات الأخرى أسماء كتب وضعها علماء اللغة في اللغات، من ذلك "كتاب اللغات" ليونس بن حبيب "183هـ" من علماء العربية، وكان أعلم الناس بتصاريف النحو4، و"كتاب اللغات" لأبي زيد الأنصاري "215هـ"5، و"كتاب اللغات" للأصمعي "213هـ"، "217هـ"6، و"كتاب اللغات" لابن دريد "321هـ"7، و"كتاب

1 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 134".

2 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 134".

3 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 134 وما بعدها".

4 الفهرست "ص69".

5 الفهرست "87".

6 الفهرست "88".

7 الفهرست "97".

ص: 199

اللغات" لأبي عمرو الشيباني "213هـ"1، و"كتاب مجرد الغريب" على مثال العين وعلى غير ترتيبه، "وأوله هذا كتاب ألفه في غريب كلام العرب ولغاتها على عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين"، وهو لعلي بن الحسن ويكنى أبا الحسن الهنائي2 و"كتاب الاستعانة بالشعر وما جاء في اللغات" لعمر بن شبة "262هـ"3، إلى غير ذلك من مؤلفات دونت في هذا الباب.

لكننا لا نستطيع أن نتحدث عما عالجته من موضوعات وعما ورد فيها من بحوث، بسبب أننا لا نملك نسخًا منها، فلا ندري إذا كانت قد وضعت في خصائص لغات العرب من نحو وصرف ومفردات، أم أنها ألفت في الشواذ والنوادر وفي الأضداد واختلاف الألفاظ، وما يتعاور الأبنية من الاختلاف الصرفي والنحوي، لأن كل وجه من ذلك إنما هو أثر من لغة. والأصح، أنها لم توضع في خصائص لغات الجاهليين وفي قواعد نحوها وصرفها لضبطها، كالذي فعلوه في دراسة عربية القرآن الكريم، فهذا عمل كبير، يحتاج إلى استقراء وتتبع لألسنة العرب في الجاهلية وعند ظهور الإسلام، وإنما كانت قد ألفت فيما جاء في الشعر الجاهلي وفي نوادر الأعراب وكلامهم من اختلاف وتغير وشواذ، مما يغاير لغة القرآن الكريم. ودليل ذلك، أننا نرى أن المؤلفات التي نقلت من تلك الكتب في باب لغات العرب، لم تتحدث بشيء عن أصول نحو وصرف تلك اللغات، وإنما تحدثت عن أمور ذكرت أنها خرجت فيها على قواعد العربية الفصحى، وشذت بها عنها، مما يدل على أن علماء اللغة لم يوجهوا عنايتهم نحو تلك اللغات لدرسها بذاتها دراسة مستقلة، كما فعلوا بالنسبة للعربية الفصحى وإنما أرادوا إظهار بعض مواضع خلافها مع العربية، أو مواضع الاتفاق معها لإثبات قاعدة نحوية أو صرفية، أو لإظهار سمو هذه العربية وعلوها على العربيات الأخرى من حيث السليقة والذوق والسلامة.

وقد بني سبب إهمالهم اللهجات الأخرى، على اعتقادهم أنها لهجات رديئة فاسدة، وأن اللغة الفصحى هي اللغة الوحيدة التي يجب حفظ قواعدها والعناية بها، لأنها لغة القرآن الكريم، وأن البحث في اللهجات الأخرى يؤدي إلى تثبيت

1 الفهرست "107".

2 الفهرست "130".

3 الفهرست "169".

ص: 200

لغات فاسدة إلى جانب لغة الوحي، ولم يكن هذا عملًا مطاقًا ولا مقبولًا بالنسبة إلى ذلك الوقت. ولذلك انحصر عملهم في المجال اللغوي على التوسع والتبسط في هذه اللغة التي أسموها اللغة العالية أو الفصحى، وعلى ما تحتها من لهجات، وما اختلفت فيه بعضها عن بعض، وهي لهجات كانت قريبة من مواطن علماء اللغة، أما اللهجات البعيدة عنهم، فلم تنل منهم أية رعاية أو عناية، ونجد مواضع الاختلاف مسجلة في كتب اللغات والنحو وشواهده وفي كتب النوادر والغريب، ومجالس العلماء، حيث كانوا يتباحثون في أمور اللغة والشعر وأيام العرب وما كان يتلذذ بسماعه الخلفاء والحكام الذين كانوا يثيبون من يستمعون إليه، مما حمل العلماء وأهل الأخبار على تطلب الغريب والتنقير عن الشارد والهارب للتفوق به على أصحاب الحرفة المتنافسين فيما بينهم في عرض بضاعتهم على أصحاب الحكم والمال.

وأجمل ما ذكره هنا علماء العربية من مواضع اختلاف العربيات الأخرى عن العربية المحضة في الأمور الآتية:

أحدها الاختلاف في الحركات، نحو نَسْتعين ونِستعين بفتح النون وكسرها.

فهي مفتوحة في لغة قريش، وأسد وغيرهم يكسرها، ونحو الحَصاد والحِصاد.

والوجه الآخر، الاختلاف في الحركة والسكون نحو مَعَكم ومَعْكم.

ووجه آخر هو الاختلاف في إبدال الحروف، نحو: أولئك وأولالِك.

ومنها قولهم: أن زيدًا وعنَّ زيدًا.

ومن ذلك: الاختلاف في الهمز والتليين نحو مستهزئون ومُسْتهزوْن.

ومنه: الاختلاف في التقديم والتأخير، نحو: صاعقة وصاقعة.

ومنها: الاختلاف في الحذف والإثبات، نحو استحييت واستحيت، وصددت وأصددتُ.

ومنها: الاختلاف في الحرف الصحيح يبدل حرفًا مُعْتلًّا، نحو أمّا زيد، وأيما زيد.

ومنها: الاختلاف في الإمالة والتفخيم، مثل: قضى ورمى، فبعضهم يفخّم وبعضهم يميل.

ومنها: الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول، ومنهم من يضم، نحو اشتروا الضلالة.

ص: 201

ومنها: الاختلاف في التذكير والتأنيث؛ فإن من العرب من يقول: هذه البقر، وهذه النخل، ومنهم من يقول: هذا البقر، وهذا النخل.

ومنها: الاختلاف في الإدغام نحو: مهتدون ومُهَدّون.

ومنها: الاختلاف في الإعراب نحو: ما زيدٌ قائمًا، وما زيد قائم، وإن هذين، وإن هذان. وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب.

ومنها: الاختلاف في التحقيق والاختلاس نحو: يأمرُكم ويأمرْكم، وعُفِيَ له، وعُفْى له.

ومنها: الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث مثل: هذه أمَّهْ، وهذه أمّت.

ومنها: الاختلاف في الزيادة نحو: أنظُرُ، وأنْظُورُ.

ومن الاختلاف اختلاف التضادّ، وذلك كقول حمِير للقائم: ثب، أي: اقعد، وثب بمعنى اقفز1.

ومنها الاختلاف في الكلمة، فقد يقع فيها ثلاث لغات، نحو: الزُّجاج، والزَّجاج، والزِّجاج. وقد يقع في الكلمة أربع لغات، نحو الصِّداقِ، والصَّداق، والصُّدقة، والصَّدقة. ويكون فيها خمس لغات، نحو: الشَّمال، والشَّمْلَ، والشَّمْأل، والشَّيْمَل، والشَّمَل. ويكون فيها ستُ لغات، نحو: قُسْطاس، وقِسْطاس، وقَسْطاس، وقستاط، وقِستاط، وقُستاط، وقِسَّاط، ولا يكون أكثر من هذا2.

ومنها الاختلاف في صورة الجمع، نحو أسرى وأسارى، ومنها الاختلاف في التحقيق والاختلاس، نحو يأمرُكم ويأمرْكم، وعُفي وعفي له. ومنها الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث مثل: هذه أمه وهذه أمت. ومنها الاختلاف في الزيادة نحو: انظر انظور3.

وقد أشار "أبو العلاء" المعري في رسالة الغفران إلى أن "عدي بن زيد" العبادي، كان يجعل "الجيم1""كافًا"، فيقول:"يا مكبور" يريد "يا مجبور"، وهي لغة رديئة يستعملها أهل اليمن. وجاء في بعض الأحاديث

1 المزهر "1/ 255 وما بعدها"، الصاحبي "43، 48 وما بعدها".

2 المزهر "1/ 260".

3 الصاحبي "50"، المزهر "1/ 256".

ص: 202

إن الحارث بن هانئ بن أبي شمر بن جبلة الكندي، استلحم يوم ساباط، فنادى: يا حُكْر يا حُكْر، يريد يا حجر بن عدي الأدبر، فعطف عليه فاستنفذه، ويكب في موضع يجب"1. و"الحارث بن هانئ" من كندة، وهو من الصحابة، وكندة من العربية الجنوبية في الأصل2، فلا يستبعد منه نطق الجيم كافًا على الطريقة المصرية في الوقت الحاضر، إذ يقول العرب الجنوبيون "هكر" في موضع "هجر"، ولكن "عدي بن زيد" من "تميم"، وليست "تميم" من العربية الجنوبية، ثم إن "المعري"، يقول عنه: "فيقول عدي بعباديته يا مكبور لقد رزقت ما يكب أن يشغلك عن القريض"3، أي: "يا مجبور لقد رزقت ما يجب أن يشغلك عن القريض" فجعل قلب الجيم كافًا من سمات لغة العباديين.

ولخص بعض العلماء الوجوه التي تتخالف بها لغات العرب، في سبعة أنحاء لا تزيد ولا تنقص: الوجه الأول إبدال لفظ بلفظ كالحوت بالسمك وبالعكس، وكالعهن المنفوش، قرأها "ابن مسعود" كالصوف المنفوش. الثاني: إبدال حرف بحرف كالتابوت والتابوه. الثالث: تقديم وتأخير ما في الكلمة، نحو: سلب زيد ثوبه، وسلب ثوب زيد. وأما في الحروف نحو: أفلم ييأس الذين، وأفلم يايس. الرابع زيادة حرف أو نقصانه نحو: ماليه وسلطانيه، وفَلا تَكُ في مِرْية. الخامس: اختلاف حركات البناء نحو تحسين بفتح السين وكسرها.

السادس: اختلاف الأعراب نحو ما هذا بشر بالرفع. السابع: التفخيم والإمالة.

وهذا اختلاف في اللحن والتزيين لا في نفس اللغة. والتفخيم أعلى وأشهر عند فصحاء العرب. فهذه الوجوه السبعة التي بها اختلفت لغات العرب4.

وجمع "مصطفى صادق الرافعي" أنواع الاختلاف الواردة في كتب اللغة، فحصرها في خمسة أقسام:

1 رسالة الغفران "201".

2 الإصابة "1/ 292"، "رقم 1502".

3 رسالة الغفران "1/ 200".

4 تفسير النيسابوري "1/ 22"، "حاشية على تفسير الطبري. بولاق".

ص: 203

1-

لغات منسوبة ملقبة.

2-

لغات منسوبة غير ملقبة تجري في إبدال الحروف.

3-

لغات من ذلك في تغير الحركات.

4-

لغات غير منسوبة ولا ملقبة.

5-

لغة أو لثغة في منطق العرب1.

النوع الأول:

وقد عدّه علماء اللغة من مستبشع اللغات، ومستقبح الألفاظ، ولذلك أطلقوا على اللغات التي تمارسها: اللغات المذمومة2، من ذلك:

"الكشكشة" وهي إبدال الشين من كاف المخاطب للمؤنث خاصة، كعليش ومنش وبش، في عليكِ، ومنكِ، وبكِ، في موضع التأنيث، أو زيادة شين بعد الكاف المجرورة. تقول عليكش، واليكش، وبكش، ومنكش، وذلك في الوقف خاصة. ولا تقول عليكش بالنصب. وقد حكى كذا كش بالنصب. وإنما زادوا الشين بعد الكاف المجرورة لتبين كسرة الكاف فتؤكد التأنيث، وذلك لأن الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفى في الوقت فاحتاطوا للبيان أن أبدلوها شيئًا، فإذا وصلوا حذفوا لبيان الحركة، ومنهم من يجري الوصل مجرى الوقف فيبدل فيها أيضًا. وربما زادوا على الواو في الوقف شيئًا حرصًا على البيان أيضًا، فإذا وصلوا حذفوا الجميع وربما ألحقوا الشين فيه. وذكر أن "الكشكشة" في بني أسد وفي ربيعة. "وفي حديث معاوية تياسروا عن كشكشة تميم، أي: إبدالهم الشين من كاف الخطاب مع المؤنث"3.

"والكشكشة في ربيعة ومضر. يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينًا.

فيقولون: رأيتكش ومررت بكش. والكسكسة فيهم أيضًا، يجعلون بعد الكاف أو مكانها سينًا في المذكر"4. وورد: "والكسكسة لغة لتميم لا لبكر، كما

1 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 137 وما بعدها".

2 الصاحبي "53"، المزهر "1/ 222 وما بعدها".

3 تاج العروس "4/ 345"، "كشش"، الصاحبي "53"، المزهر "1/ 222 وما بعدها".

4 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس"، تأريخ آداب العرب "1/ 138"، "لمصطفى صادق الرافعي"، المزهر "1/ 221".

ص: 204

زعمه ابن عباد، وإنما لهم الكشكشة بإعجام الشين. هو إلحاقهم بكاف المؤنث سينًا عند الوقف دون الوصل. يقال: أكرمتكس ومررت بكس، أي: أكرمتك ومررت بك. ومنهم من يبدل السين من كاف الخطاب، فيقول أبوس وأمس، أي: أبوك وأمك. وبه فسر حديث معاوية رضي الله عنه تياسروا عن كسكسة بكر. وقيل: الكسكسة لهوازن"1. "ومنهم من يجلعها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف؛ فيقول: مِنْش وعَلَيْش"2.

والديش بالكسر: الديك، لغة فيه عند من يقلب الكاف شيئًا، شبه كافه بكاف المؤنث لكسرتها3.

وذكر "السيوطي" أن الكسكسة في ربيعة ومضر، يجعلون بعد الكاف أو مكانها في خطاب المذكر سينًا4. وذكر بعضهم أن الكشكشة في لغة تميم، والكسكسة في لغة بكر. وذكر بعضهم أن الكسكسة لبكر لا لربيعة ومضر، وهي زيادة سين بعد كاف الخطاب في المؤنث لا في المذكر5.

"والوتم في لغة اليمن، بجعل الكاف شينًا مطلقًا. كلبيش اللهم لبيش.

ومن العرب من يجعل الكاف جيمًا كالجعبة يريد الكعبة"6. وقيل: "الوتم في لغة اليمن، تجعل السين تاء كالنات في الناس"7. "والشنشنة في لغة اليمن، تجعل الكاف شينًا مطلقًا كلبيش اللهم لبيش، أي: لبيك"8.

وقد استشهد علماء اللغة على الوتم بشعر نسبوه إلى "علباء بن أرقم" هو:

يا قبح الله بني السعلات

عمرو بن يربوع شرار الناتِ

ليسوا أعفاء ولا أكيات

1 تاج العروس "4/ 234"، "كسَّ"، الصاحبي "53".

2 المزهر "1/ 221"، "النوع الحادي عشر".

3 تاج العروس "4/ 312"، "الديش".

4 المزهر "1/ 221".

5 الرافعي "1/ 138".

6 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس".

7 المزهر "1/ 222".

8 المزهر "1/ 222".

ص: 205

فاستعمل النات بدل الناس، والأكيات بدل الأكياس. ولكن الشاعر من "بكر" لا من حمير1.

و"الفحفحة في لغة هذيل، يجعلون الحاء عينًا. والوكم والوهم كلاهما في لغة بني كلب. من الأول يقولون: عليكِمِ وبكِمِ، حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة في موضع عليكم وبكم، ومن الثاني يقولون: منهِم وعنهِم وبينهِم، وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة"2. "وهم يكمون بكسر الكاف من يكمون، أي يقولون: السلام عليكم بكسر الكاف"3. ومن أمثلة الفحفحة قولهم: عياة في موضع حياة، وعلى لغتهم قرأ "ابن مسعود" عَتّى عِين في قوله تعالى:{حَتَّى حِين} . فكتب إليه "عمر" إن القرآن لم ينزل على لغة هذيل، فأقرئ الناس بلغة قريش4. ومن الفحفحة قولهم: العسن في الحسن، واللعم في اللحم. وذكر أن ثقيفًا كانت تفحفح في كلامها، فتقول: عتى في موضع حتى.

وقد ورد في "تاج العروس"، أن "الوكم""لغة أهل الروم الآن"5، ولعل هذه اللغة إنما جاءتهم من "كلب"، وهم من عرب بلاد الشأم القدماء.

"قال الفرّاء: حتى لغة قريش وجميع العرب إلا هذيلًا وثقيفًا، فإنهم يقولون: عتى. قال: وأنشدني بعض أهل اليمامة:

لا أضع الدلو ولا أصلّي

عتى أرى جلّتها تولي

صوادرًا مثل قباب التلِّ

قال أبو عبيدة: من العرب من يقول: أقم عنّي عتى آتيك، وأتى آتيك؛ بمعنى حتى آتيك، وهي لغة هذيل"6.

و"العجعجة" في قضاعة كالعنعنة في تميم. يحولون الياء جيمًا مع العين.

1 شوقي ضيف، العصر الجاهلي "123".

2 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس"، المزهر "1/ 222".

3 تاج العروس "9/ 69"، "وكم".

4 الفائق "2/ 113".

5 تاج العروس "9/ 69"، "وكم".

6 الفائق "2/ 114".

ص: 206

يقولون: هذا راعج خرج معج، أي: راعي خرج معي1. وقيل: "العجعجة في قضاعة. يجعلون الياء المشددة جيمًا. يقولون في تميمي: تميمج"2. وكانت قضاعة إذا تكلموا غمغموا، فلا تكاد تظهر حروفهم. وقد سمى العلماء ذلك غمغمة قضاعة3.

والاستنطاء، قول أنطى بدل أعطى. "قال الجوهري: هي لغة اليمن وقال غيره: هي لغة سعد بن بكر. والجمع بينهما أنه يجوز كونها لهما"، وقيل: "هي لغة سعد بن بكر، وهذيل، والأزد، وقيس، والأنصار يجعلون للعين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء وهؤلاء من قبائل اليمن، ما عدا هذيل. وقد شرفها النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى الشعبي أنه صلى الله عليه وسلم، قال لرجل:"أنطه كذا وكذا"، أي: أعطه. وفي حديث آخر أن مال الله مسئول ومنطى. أي: معطى. وفي حديث الدعاء: لا مانع لما أنطيت.

وفي حديث آخر: اليد المنطية خير من اليد السفلى. وفي كتابه لوائل: وأنطوا الثبجة. وفي كتابه لتميم الداري: هذا ما أنطى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. ويسمون هذا الانطاء الشريف. وهو محفوظ عند أولاده. وقرئ بها شاذًّا: إنّا انطيناك الكوثر"4.

وعرفت لغة "بهراء" بوجود "التلتلة" بها. وتلتلة بهراء كسرهم تاء تفعلون.

مثل كسر تاء تعلم، في موضع الفتح. وكسر التاء من "تكتب"5. وذلك أنهم يكسرون أحرف المضارعة مطلقاز "ونسب ابن فارس في فقه اللغة هذا الكسر لأسد وقيس، إلا أنه جعله عامًّا في أوائل الألفاظ، فمثل له يقوله: مثل تِعلمون وتِعلم وشِعير وبِعير"6.

وعرفت "القطعة في لغة طيء: وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فيقولون في

1 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس"، "2/ 71"، "عج"، المزهر "1/ 222".

2 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس"، المزهر "1/ 222".

3 الرافعي "1/ 139".

4 تاج العروس "10/ 372"، "نطا"، المزهر "1/ 222".

5 تاج العروس "7/ 241"، "تل".

6 الرافعي "1/ 140".

ص: 207

مثل: يا أبا الحكم، يا أبا الحكا. وهي غير الترخيم المعروف في كتب النحو؛ لأن هذا مقصور على حذف آخر الاسم المنادى، أما القطعة فتتناول سائر أبنية الكلام"1

ومن لغة تميم كسر الشين في شهيد، وكذا كل فعيل حلقي العين سواء كان وصفًا كهذا، واسمًا جامدًا كرغيف وبعير. "قال الهمداني في إعراب القرآن: أهل الحجاز وبنو أسد يقولون: رحيم ورغيف وبعير بفتح أوائلهن. وقيس وربيعة وتميم يقولون: رحيم ورغيف وبعير بكسر أوائلهن. وقال السهيل في الروض: الكسر لغة تميم في كل فعيل عين فعله همزة أو غيرها من حروف الحلق، فيكسرون أوله كرحيم وشهيد. وفي شرح الدريدية لابن خالويه: كل اسم على فعيل ثانية حرف حلق يجوز فيه اتباع الفاء العين كبعير وشعير ورغيف ورحيم. وحكى الشيخ النووي في تحريره عن الليث أن قومًا من العرب يقولون ذلك، وإن لم يكن عينه حرف حلق ككبير وكريم وجليل ونحوه. قلت: وهم بنو تميم كما تقدم"2.

ومما اختلفت به تميم عن قريش أنها تذكر السوق والسبيل والطريق والزقاق والصراط والكلاء، وهو سوق البصرة، أما أهل الحجاز فيذكرون الكل3.

ومن ميزات لهجة تميم، أنها تنطق بالهمزة إذ وقعت في أول الكلمة عينًا.

فيقولون في أسلم: عسلم ويسمي العلماء ذلك "العنعنة". "وعنعنة تميم إبدالهم العين من الهمزة. يقولون: عن موضع أن". "قال الفراء: لغة قريش ومن جاورهم أن، وتميم وقيس وأسد ومن جاورهم يجعلون ألف أن إذا كانت مفتوحة عينًا. يقولون: أشهد عنك رسول الله، فإذا كسروا رجعوا إلى الألف. وفي حديث قيلة: تحسب عين نائمة، وفي حديث حصين بن مشمت أخبرنا فلان عنّ فلانًا حدثه. أي: أن فلانًا حدثه. قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: كأنهم يفعلونه لبحح في أصواتهم. والعرب تقول: لأنك ولعنك، بمعنى لعلك. قال ابن الأعرابي لعنك لبني تميم، وبنو تيم الله بن ثعلبة يقولون: رعنك. ومن

1 الرافعي "1/ 140".

2 تاج العروس "2/ 391"، "شهد".

3 تاج العروس "6/ 371، 387"، "زق"، "ساق".

ص: 208

العرب من يقول: رغنك بمعنى لعلك"1. "قال الفراء: العنعنة في قيس وتميم.

تجعل الهمزة المبدوء بها عينًا، فيقولون في أنك: عنك وفي أسلم: عسلم"2.

وذكر أن العنعنة في كثير من العرب، في لغة قيس وتميم، وقيل: في لغة قضاعة أيضًا، وفي لغة أسد ومن جاورهم، يجعلون الهمزة المبدوء بها عينًا، فيقولون في أنك: عنك، وفي أسلم عسلم، وفي أُذُن عُذن، وفي ظننت أنك ذاهب، ظننت عنك ذاهب3.

ومن مواضع الاختلاف بين لغة أهل الحجاز، ولغة تميم، الاختلاف في عمل ما وليس النافيتين. وتردد الكلمة بين الإدغام والفك، وبين الإتمام والنقص، أو بين الصحة والإعلال والإعراب والبناء، فمثلًا أهل الحجاز يفكون المثلين من المضارع المجزوم بالسكون وأمره. وتميم تقولهما بالإدغام، وخثعم وزبيد تنقص نون من الجارة، فيقولون: خرجت ملبيت في قولهم: خرجت من البيت وغيرهم يتمها4.

و"ضللت" بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع. وهذه هي اللغة الفصيحة، وهي لغة نجد. و"ضللت تضل مثل مللت تمل، أي: بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، وهي لغة الحجاز والعالية. وروى كراع عن "بني تميم" كسر الضاد في الأخيرة أيضًا. قال اللحياني: وبهما قرئ قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} الأخيرة قراءة أبي حيوة، وقرأ يحيى بن وثاب أضل بكسر الهمزة وفتح الضاد. وهي لغة تميم. قال ابن سيده: وكان يحيى بن وثاب يقرأ كل شيء في القرآن ضللت وضللنا بكسر اللام. ورجل ضال تال"5. و"الضلالة والتلالة"6.

واللخلخانية العجمة في المنطق، وهو العجز عن أرداف الكلام بعضه ببعض.

ورجل لخلخاني غير فصيح. ويعرض ذلك في لغة أعراب الشحر وعمان. كقولهم

1 تاج العروس "9/ 283"، "عنن".

2 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس في بيان الأفصح".

3 المزهر "1/ 221"، الصاحبي "53".

4 محمد هاشم عطية، الأدب العربي وتأريخه "39".

5 تاج العروس "7/ 411"، "ضلل".

6 تاج العروس "7/ 241"، "تل".

ص: 209

في ما شاء الله مشا الله1. والطمطمانية تعرض في لغة حمير، كقولهم طابم هوا، أي: طاب الهواء2. "وطمطمانية حمير بالضم ما في لغتها من الكلمات المنكرة، تشبيهًا لها بكلام العجم. وفي صفة قريش ليس فيهم طمطمانية حمير، أي: الألفاظ المنكرة المشبهة بكلام العجم"3. وذكر أن الطمطمانية كانت أيضًا عند بعض عشائر طيء، "وهي إبدال لام التعريف ميمًا. فيقولون في السهم والبر والصيام: امسهم، وامبر، وامصيام، وهذا ليس إبدالًا، وإنما هي لهجة يمنية، إذ كانوا يُعرّفون بالألف والميم، ولعل في ذلك ما يدل على صحة ما ذهب إليه النسّابون من أن طيء قبيلة يمنية"4. ولكن حمير لا تعرف بالألف والميم، وإنما تعرف بـ"أن" "ن"، تضع هذه الأداة في آخر الكلمة التي يراد تعريفها ولهذا، أخطأ من ذهب إلى أن هذه الطمطمانية إبدالًا، أو "ليس إبدالًا، وإنما هي لهجة يمنية، إذ كانوا يعرفون بالألف والميم"5، لما ذكرته من أن التعريف يلحق في الحميرية أواخر الكلم، ولا يكون في أولها، ويكون بالأداة "ن" "أن"، لا بالألف واللام، كما هو الحال في عربيتنا، وأن التنكير عندهم يكون بإلحاق حرف "الميم" أواخر الألفاظ التي يراد تنكيرها، ولم يصل إلى علمي أن أحدًا من الباحثين عثر على نص جاهلي في العربية الجنوبية عرف بـ"ال" أداة التعريف في عربية القرآن الكريم.

ومن الشائع بين الناس، أن الرسول قال:"ليس ممبرم صيامم فم سفر"، أي:"ليس من البر الصيام في السفر" 6، وعندي أن هذا الحديث من الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة، وقد وضع ليكون شاهدًا على "الطمطمانية" المذكورة، جاءوا به شاهدًا على تكلم الرسول بلسان حمير، ولكن لسان حمير لم يكن يعرّف الغير معرف بهذه الأداة من التعريف، وقد يكون لهجة من لهجات بعض القبائل على نحو ما نسب إلى بعض عشائر طيء، كما ذكرت ذلك قبل قليل.

1 تاج العروس "2/ 277"، "لخ"، المزهر "1/ 223".

2 تاج العروس "1/ 8"، "المقصد الخامس"، "طاب امهواء: أي: طاب الهواء"، المزهر "1/ 223"، "معرفة الرديء المذموم من اللغات".

3 تاج العروس "8/ 381"، "طم".

4 شوقي ضيف، العصر الجاهلي "123".

5 شوقي ضيف "123".

6 تاج العروس "3/ 37"، "برر".

ص: 210

ومن العرب من يجعل الكاف جيمًا كالجعبة يريد الكعبة. ومنهم من يستعمل الحرف الذي بين القاف والكاف كما في لغة تميم، والذي بين الجيم والكاف في لغة اليمن، وإبدال الياء جيمًا في الإضافة نحو غلامج، وفي النسب نحو بصَرج وكوفج1. ومن ذلك الحرف الذي بين الباء والفاء، مثل بور إذا اضطروا قالوا: فور2.

ومن النوع الثاني، وهو الخاص بلغات منسوبة غير ملقبة عند العلماء:

إبدال "فقيم" الياء جيمًا، ولغتهم في ذلك أعم من لغة قضاعة التي مرت في النوع الأول، لأنها غير مقيدة، فيقولون في بُختي: وعليّ؟ بُختجّ وعلجٌّ.

وحجتج في حجتي، وبج في موضع بي. "وقال ابن فارس في فقه اللغة: إن الياء تجعل جيمًا في النسب عند بني تميم، يقولون: غلامج، أي: غلامي، وكذلك الياء المشددة تحول جيمًا في النسب، يقولون: بَصرِّج وكوفِّج في بصريّ وكوفي. وعكس هذه اللغة في تميم -على ما نقله صاحب المخصص- وذلك أنهم يقولون: صِهْرِيٌ والصهاري، في صهريج والصهاريج"3.

في لغة مازن يبدلون الميم باء والباء ميمًا، فيقولون في بكر: مكر، وفي اطمئن اطبئن، ويقولون: با اسمك؟ مكان ما اسمك؟.

وفي لغة طيء يبدلون تاء الجمع هاء إذا وقفوا عليها، إلحاقًا لها بتاء المفرد؛ وقد سمع من بعضهم: دفن البناه من المكرماه، يريد: دفن البنات من المكرمات.

وحكى قول بعضهم: كيف البنون والبناهن وكيف الإخوه والأخواه؟

وفي لغة طيء أيضًا يقلبون الياء ألفًا بعد إبدال الكسرة التي قبلها فتحة، وذلك من كل ماضي ثلاثي مكسور العين، ولو كانت الكسرة عارضة كما لو كان الفعل مبنيًّا للمجهول، فيقولون في رضى وهدى: رضا وهُدى، بل ينطقون بها قول العرب: فرس حَظِيّة بظيّة فيقولون: حظاة بظاة، وكذلك الناصاة، في الناصية.

ومن لغتهم أنهم يحذفون الياء من الفعل المعتل بها إذا أُكّد بالنون، فيقولون

1 المزهر "1/ 222 وما بعدها".

2 الصاحبي "54".

3 الرافعي "1/ 141 وما بعدها".

ص: 211

في اخشَينَّ وارمين: اخشنّ وارمنَّ. وجاء في الحديث على لغتهم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها".

وتنسب هذه اللغة إلى فزارة أيضًا.

وورد في بعض الروايات أنهم يبدلون الهمزة في بعض المواضع هاء، فيقولون: هِنْ فعلت، يريدون: إن فعلت1.

وورد أن بعض "طيء" كان يقلب "العين" همزة، فيقول: دأني بدلًا من دعني.

وفي لغة تميم أنهم يجيئون باسم المفعول من الفعل الثلاثي إذا كانت عينه ياء على أصل الوزن بدون حذف، فيقولون في نحو مَبيِع: مبيوع، ولكنهم لا يفعلون ذلك إذا كانت عين الفعل واوًا إلا ما ندر، بل يتبعون فيه لغة الحجازيين، نحو: مقول، ومصوغ.

وفي لغة هذيل لا يبقون ألف المقصور على حالها عند الإضافة إلى ياء المتكلم، بل يقلبونها ياء ثم يدغمونها، توصلًا إلى كسر ما قبل الياء، فيقولون في عصاي وهواي: عَصِيّ وهَويّ. ولا يفعلون ذلك إذا كانت الألف في آخر الاسم للتثنية، كما في نحو "فَتَياي"، بل يوافقون اللغات الأخرى.

وفي لغة فزارة وبعض قيس، أنهم يقلبون الألف في الوقف ياء، فيقولون: الهُديْ وأفعى وحبلى، في مكان الهدى وأفعى وحبلى.

ومن تميم من يقلب هذه الألف واوًا، فيقول: الهُدّوْ، وأفعو، وحُبلَو.

ومنهم من يقلبها همزة، فيقول: الهُدأ وأفعأ وحُبلأ.

في لغة خثعم وزَبيد يحذفون نون "مِنْ" الجارة إذا وليها ساكن. وقد شاعت هذه اللغة في الشعر واستخفها كثير من الشعراء فتعاوروها2.

في لغة "بلحرث""بلحارث" يحذفون الألف من "على" الجارة واللام الساكنة التي تليها، فيقولون في على الأرض: علأرض.

في لغة قيس وربيعة وأسد، وأهل نجد من بني تميم، يقصرون "أولاء" التي يشار بها للجمع ويلحقون بها "لامًا"، فيقولون: أولالِك.

1 الرافعي "1/ 142".

2 الرافعي "1/ 143 وما بعدها".

ص: 212

في لغات أسماء الموصول:

بلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذين واللتين في حالة الرفع.

وتميم وقيس يثبتون هذه النون ولكنهم يشددونها، فيقولون: اللذانّ واللتانّ، وذلك في أحوال الإعراب الثلاث.

وطيء تقول في الذي: ذو، وفي التي ذات، ولا يغيرونهما في أحوال الإعراب الثلاث رفعًا ونصبًا وجرًّا1. وقد عرفت بـ"ذي" الطائية. وترد "ذ""ذو" هذه بهذا المعنى في الصفوية واللحيانية والثمودية.

في لغة ربيعة يقفون على الاسم المنون بالسكون في كل أحوال الإعراب، فيقولون: رأيت خالدْ، ومررت بخالدْ، وهذا خالدْ، وغيرهم يشاركهم إلا في النصب.

وفي لغة الأزد يبدلون التنوين في الوقف من جنس حركة آخر الكلمة، فيقولون:

جاء خالدو، ومررت بخالدي.

وفي لغة سعد يضعفون الحرف الأخير من الكلمة الموقوف عليها إلا إذا كان هذا الحرف همزة أو كان ما قبله ساكنًا، فيقولون: هذا خالدّ، ولا يضعفون في مثل رشأ وبكر.

في لغة بلحرث وخثعم وكنانة، يقلبون الياء بعد الفتحة ألفًا، فيقولون في إليك وعليك ولديه: إلاكَ، وعلاك، ولداه، ومن لغتهم أيضًا إعراب المثنى بالألف مطلقًا، رفعًا ونصبًا وجرًّا، وذلك لقلبهم كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفان فيقولون: جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان.

وورد في بعض الروايات أن بني سعد بن زيد مناة، ولخم ومن قاربها، يبدلون الحاء هاءً، فيقولون في مدحته، مدهته. وأن بني أسعد بن زيد مناة ومن وليهم يبدلون من الهاء فاء، فيقولون: فودج في موضع هودج.

وورد أن أزد شنوءة تقول: تفكهون، وتميم يقولون: تفكنون، بمعنى تعجبون2.

وورد أن "الكلابيين" يلحقون علامة الإنكار في آخر الكلمة، وذلك في

1 الرافعي "1/ 144".

2 الرافعي "1/ 145 وما بعدها".

ص: 213

الاستفهام إذا أنكروا أن يكون رأي المتكلم على ما ذكر في كلامه أو يكون على خلاف ما ذكر.

فإذا قلتَ: رأيت زيدًا، وأنكر السامع أن تكون رأيته، قال: زيدًا إنيه! بقطع الألف وتبيين النون، وبعضهم يقول: زيد نيه! كأنه ينكر أن يكون رأيك على ما ذكرت1.

وذكر "الرافعي" الأمور التالية على النوع الثالث، من تغيير الحركات في الكلمة الواحدة حسب اختلاف اللهجات:

هَلُمّ في لغة أهل الحجاز تلزم حالة واحدة بمنزلة رويد، على اختلاف ما تسند إليه مفردًا أو مثنى أو جمعًا، مذكرًا أو مؤنثًا؛ وتلزم في كل ذلك الفتح؛ وفي لغة نجد من بني تميم تتغير بحسب الإسناد، فيقولون: هلمَّ يا رجل، وهلمي، وهلما، وهلمّوا، وهلمُمْنَ؛ وإذا اسندت لمفرد لا يكسرونها. فلا يقولون: هَلِمَّ يا رجل، ولكنها تكثر في لغة كعب وغنى.

وفي لغة تميم يكسرون أول فَعِيل وفَعِل إذا كان ثانيهما حرفًا من حروف الحلق الستة، فيقولون في لئيم ونحيف ورغيف وبخيل: لِئيم، ونحيف بكسر الأول، ويقولون: هذا رجل لِعِبٌ، ورجل مِحِكٌ، كل ذلك بالكسر وغيرهم بفتحه.

في لغة خزاعة يكسرون لام الجر مطلقًا مع الظاهر والضمير، وغيرهم يكسرها مع الظاهر ويفتحها مع الضمير غير ياء المتكلم؛ فيقولون: المال لِكَ ولِهُ.

هاء الغائب مضمومة في لغة أهل الحجاز مطلقًا إذا وقعت بعد ياء ساكنة، فيقولون: لَدَيْهُ وعَلَيْهُ؛ ولغة غيرهم كسرها.

في لغة الحجازيين يحكوم الاسم المعرفة في الاستفهام إذا كان علما كما نُطق به، فإذا قيل: جاء زيد، ورأيت زيدًا، ومررت بزيد، يقولون: من زيدُ؟ ومن زيدًا؟ ومن زيد؟ أما إذا كان غير علم: كجاءني الرجل، أو كان علمًا موصوفًا: كزيد الفاضل، فلا يستفهمون إلا بالرفع، يقولون: من الرجلُ؟ ومن زيدٌ الفاضل؟ في الأحوال الثلاث.

1 الرافعي "1/ 146 وما بعدها".

ص: 214

وإذا استفهموا عن النكرة المعربة ووقفوا على أداة الاستفهام، جاءوا في السؤال بلفظة "مَن" ولكنهم في حالة الرفع يُلحقون بها واوًا لمجانسة الضمة في النكرة المستفهم عنها، ويلحقون بها ألفًا في حالة النصب، وياء في حالة الجر، فإذا قلت: جاءني رجل، ونظرت رجلًا، ومررت برجل، يقولون في الاستفهام عنه: مَنُو؟ ومَنا؟ ومني؟ وكذلك يلحقون بها علامة التأنيث والتثنية والجمع. فيقولون: مَنَه؟ في الاستفهام عن المؤنثة، ومنان؟ ومنين؟ للمثنى المذكر، ومَنَتان؟ ومَنتين؟ للمثنى المؤنث: ومنون؟ ومنين؟ للجمع المذكر، ومنات؟ للجمع المؤنث. وهذا كله إذا كان المستفهم واقفًا، فإذا وصل أداة الاستفهام جردها عن العلامة، فيقول: مَن يا فتى؟ في كل الأحوال.

وبعض الحجازيين لا يفرق بين المفرد وغيره في الاستفهام، فيقول: مَنو، ومنا، ومَني، إفرادًا وتثنية وجمعًا في التذكير والتأنيث.

وحفظ عن أهل الحجاز أنهم يعاقبون أحيانًا بين الواو والياء، فيجعلون إحداهما مكان الأخرى، فيقولون في الصواغ: الصياغ، وقد دوخوا الرجل وديخوه. وسمع عن بعض أهل العالية قولهم: لا ينفعني ذلك ولا يضورني، أي: يضيرني، وسمع عن قوم قولهم: في سريع الأوبة: سريع الأيبة. ومنهم من يقول في المصايب: مصاوب، ويقول حكوت الكلام، أي: حكيته. وأهل العالية يقولون: القصوى، ويقول أهل نجد: القصيا.

وقد وردت أفعال ثلاثية تُحكى لاماتها بالواو والياء، مثل عزوت وعزيت، وكنوت وكنيت. وهي قريب من مائة لفظة.

في لغة بكر بن وائل وأناس كثير من بني تميم، يسكنون المتحرك استخفافًا، فيقولون في فَخِذ، والرّجُل، وكَرُمَ، وعَلِمَ: فَخْذن وكرْم، والرّجْل، وعَلْمَ. وهذه اللغة هي في كثير من تغلب. ثم إذا تناسبت الضمتان أو الكسرتان في كلمة خففوا أيضًا، فيقولون في العُنُق والإبلِ، العُنْق، والإبْل.

وحكي أن في لغة أزد السراة تسكين ضمير النصب المتصل1.

1 الرافعي "1/ 151 وما بعدها".

ص: 215

ولبعض القبائل لغات في كلمات: فتميم نجد يقولون نِهرٌ، للغدير، وغيرهم يفتحها. والوَتر في العدد حجازية، والوِتر بالكسر في الذّحل: الثأر، وتميم تكسرهما جميعًا، وأهل العالية يفتحون في العدد فقط.

ويقال وَتِدْ، ووتَدْ، وأهل نجد يدغمونها فيقولون: وَدٌ. وبعض الكلابيين يقولون: الدِّواء، وغيرهم يفتحها. والعرب يقولون: شُواظٌ من نار، والكلابيون يكسرون الشين.

والحجازيون يقولون: لعمري، وتميم تقول: وعملي. واللص في لغة طيء، وغيرهم يقول: اللِّصت1.

وهناك لغات في الإعراب:

فتستعمل "هذيل""متى" بمعنى "مِنْ" ويجرون بها، سمع من بعضهم قوله: أخَرَجها متى كُمَّه، أي: من كُمه.

وفي لغة تميم ينصبون تمييز "كم" الخبرية مفردًا، ولغة غيرهم وجوب جره وجواز إفراده وجمعه، فيقال: كم درهم عندك، وكم عبيد ملكت! وتميم يقولون: كم درهمًا، وكم عبدًا!.

في لغة الحجازيين ينصب الخبر بعد "ما" النافية نحو: ما هذا بشرًا، وتميم يرفعونه.

في لغة أهل العالية ينصبون الخبر بعد إن النافية، سمع من بعضهم قوله: إن أحدٌ خيرًا من أحدٍ إلا بالعافية.

الحجازيون ينصبون خبر ليس مطلقًا، وبنو تميم يرفعونه إذا اقترن بإلا، فيقول الحجازيون: ليس الطيب إلا المسكَ، وبنو تميم: إلا المسكُ.

في لغة بني أسد يصرفون ما لا ينصرف فيما عِلّة منعه الوصفية وزيادة النون، فيقولون: لست بسكران، ويلحقون مؤنثه التاء، فيقولون: سكرانة.

في لغة ربيعة وغنم يبنون "مع" الظرفية على السكون، فيقولون: ذهبتُ مَعْهُ، وإذا وليها ساكن يكسرنها للتخلص من التقاء الساكنين، فيقولون: ذهبت معِ الرجلِ.

1 الرافعي "1/ 152".

ص: 216

في لغة "بني قيس بن ثعلبة" يعربون "لَدُن" الظرفية، وعلى لغتهم قرئ "من لدنِه علمًا"، وغيرهم يبنْيها.

الحجازيون يبنون الأعلام التي على وزْن فعَال: كحذام، وقطام، على الكسر في كل حالات الإعراب؛ وتميم تعربها ما لم يكن آخرها راء وتمنعها من الصرف للعَلَمية والعدل، فإذا كان آخرها راء كوبار، اسم قبيلة وظفار اسم مدينة فهم فيها كالحجازيين.

وتعرب هذيل "الذين" اسم الموصول إعراب جمع المذكر السالم، فيقولون:

نحن الَّذون صبحوا الصّباحا

يوم النخيل غارة ملحاحا

ومن لغة هذيل أيضًا، فتح الياء والواو في مثل بَيْضات، وهيآت، وعَورات، فيقولون: بَيَضات، وهَيآت، وعَوَرات، وبقية العرب على إسكانها1.

وذكر "الرافعي" بعض الأمثلة على المثال الرابع من قبيل: إبدالهم أواخر بعض الكلمات المجرورة ياء، كقولهم في الثعالب والأرانب والضفادع: الثعال والأراني والضفادي. وقد يبدلون بعض الحروف ياء كقولهم في سادس: سادي، وفي خامس: خامي2.

ومن العرب من يجعل الكاف جيمًا، فيقول مثلًا: الجعبة، في الكعبة، وبعضهم ينطق بالتاء طاء: كأفلطني، في أفلتني، وهي لغة تميمية.

وتقول بعض العرب: أردت عَنْ تفعل كذا، وبعضهم يقول: لألّني، في "لعلّني" وفي لعل لغات يقولها بعض العرب دون بعض، وهي: لعلي، ولعلني، وعلّي، وعلّني، ولعنّي، ولفني، ورَعَنَ، ورعنّ، وعنّ، وأن، ولعاء.

وورد تلعثم وتلعزم في لغة بعض الناس، وتضيفت الشمس للغروب، وتصيفت3.

وفي "عند" لغات، هي: عِندي، وعُندي، وعَندي، وفي لدن ثماني

1 الرافعي "1/ 153 وما بعدها".

2 الرافعي "1/ 155".

3 الرافعي "1/ 157".

ص: 217

لغات، وهي لَدُن، ولُدُن، ولَدَى، ولَدُ، ولَدْن، ولُدْن، ولَدْ، ولَدَى؛ وفي "الذي": الذين واللِذ، واللّذ، واللذيُّ، وفي التثنية اللذانِ، واللذانَ، واللذا، وفي الجمع: الذين، والذون، والملاءون، واللاءو، واللائي -بإثبات الياء في كل حال- والألى؛ وللمؤنث اللائي، واللاء، واللاتي: واللتِ، واللتْ، واللتان، واللتا، واللتانِّ، وجمع التي اللاتي، واللات، واللواتي، واللوات، واللوان واللاء، واللاتِ1.

ومن لغات "هو" و"هي": هُوْ، وهِيْ، وهُوّ، وهِيّ وهُ، هِـ.

ومن لغات لا جرم: لا جرَ، ولا ذا جرم، ولا ذاجر، ولا إن ذا جرم، ولا عِنْ ذا جرم.

ومن لغات نعم، حرف الإيجاب: نَعِمْ، ونِعِم، ونَحَم.

وبعض العرب يبدل هاء التأنيث تاء في الوقف، فيقول: هذه أمت، في أمة، وبقرت في بقرة، وآيت في آية2.

وذكر "الرافعي" أن النوع الخامس، هو النوع الخاص باللثغة من المتكلم. كالألفاظ التي وردت بالراء والغين وبحروف أخرى3.

ومن مواضع الاختلاف التي ذكرها "الرافعي"، والتي وقعت في القرآن بسبب القراءات: تحقيق الهمز وتخفيفه، والمد والقصر، والفتح والإمالة وما بينهما، والإظهار والإدغام، وضم الهاء وكسرها من عليهم وإليهم وإلحاق الواو فيهما وفي لفظتي منهُمُو وعَنهُمُو، وإلحاق الياء في إليه وعليه وفيه، ونحو ذلك، فكان كل أهل لحن يقرءونه بلحونهم4.

والتضجيع: الإمالة، وكانت تميم وقيس وأسد تميل إلى إمالة الألف، وكان الحجازيون ينطقونها بتفخيم فلا يُميلون، ويظهر أن ذلك لم يكن عامًّا في القبيلة الواحدة، فقد كان بعض منها يميل وبعض منها لا يميل، وفي ذلك قول سيبويه:

1 الرافعي "1/ 157 وما بعدها".

2 الرافعي "1/ 159".

3 الرافعي "1/ 159 وما بعدها".

4 الرافعي "2/ 49".

ص: 218

"اعلم أنه ليس كل من أمال الألفات وافق غيره من العرب ممن يميل، ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه، فينصب بعضٌ ما يميل صاحبه، ويميل بعضٌ ما ينصب صاحبه. وكذلك من كان النصب في لغته لا يوافق غيره ممن ينصب، ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأولين في الكسر "الإمالة" فإذا رأيت عربيًّا كذلك فلا ترينه خلط في لغته ولكن هذا من أمرهم"1.

وذك "ابن فارس"، إن من اختلاف العرب في لغاتهم، اختلافهم "في التذكير والتأنيث، فإن من العرب من يقول: هذه البقر، ومنهم من يقول: هذا البقر، وهذه النخيل، وهذا النخيل"، واختلافهم "في الإعراب، نحو: ما زيد قائمًا، وما زيد قائم، وإن هذين، وإن هذان، وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب"، واختلافهم "في صورة الجمع، نحو أسرى وأسارى"2.

وفي هذه اللغة فسر المفسرون الآية: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} ، إذ قالوا: إنها نزلت على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، "وهم يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:

فأطرق أطراق الشجاع ولو يرى

مساغًا لناباه الشجاع لصمما3

ويظهر من اختلاف العلماء -الذي رأيناه- في نسبة الأمور المذكورة إلى ألسنة القبائل وفي عدم اتفاقهم في كثير من الحالات في تثبيت اللغات المذكورة إلى قبيلة معينة أو حصرها في قبائل وترددهم في أقوالهم، إن ما ذكروه من اختلاف لم يكن حاصل دراسة استقرائية عميقة، وإنما هو حاصل اتصال بأفراد أو بعدد قليل من الأعراب ومن المدعين بالعلم في ألسنة العرب، ولهذا نجد التناقض باديًا في أقوالهم، وصارت دراساتهم المتقدمة ناقصة غير كاملة، لا تتناول إلا أمورًا جانبية لا تمس صلب اللغة ولا تنال قواعدها في الصميم. وعلى علماء اللغة في الوقت الحاضر واجب الخروج على الجادة القديمة التي يسيرون عليها اليوم في دراسة

1 العصر الجاهلي، دكتور شوقي ضيف "122".

2 الصاحبي "49 وما بعدها".

3 تفسير الطبري "16/ 136".

ص: 219

اللغة، بالذهاب بأنفسهم من جديد إلى مواطن اللغة، للأخذ من أحجارها المكتوبة إن وجدت ومن ألسنة الأحياء الباقين، أخذًا علميًّا مقرونًا بدراسات حديثة مبنية على تسجيل الأصوات، للاستعانة بها في الكشف عن لغات العرب بأسلوب علمي حديث.

ويلاحظ أيضًا أن علماء اللغة، قد جمعوا بعض الملاحظات التي ظهرت لهم، من دراساتهم للغة أهل الحجاز، وللغة تميم. فسجلوها في كتب اللغة والقواعد، وقد أشرت إليها فيما تقدم بإيجاز. وإذا قلت أهل الحجاز، فلا أعني لغة قريش وحدها، وإنما لغات القبائل الحجازية، التي تكوّن مجموعة القبائل الساكنة في الحجاز. فإن العلماء حين شرعوا بتدوين اللغة، وجدوا أن لغة أهل مكة لم تعد صافية نقية بسبب اختلاط أهلها بالأعاجم، وظهور الفساد على لسانهم، لذلك، لا نجد لهم ذكرًا بارزًا عند علماء اللغة، وإنما حل محلهم مصطلح: أهل الحجاز.

ويظهر أن عرب "تميم" من علماء اللغة، ووجود عدد من عشائرها في العراق على مقربة من المصريين، ونزول رجال منها البصرة والكوفة، ثم اشتهار رجال من تميم بالفصاحة والبلاغة والخطابة قبل الإسلام، كل هذه وأمور أخرى مكّنت العلماء من تسجيل ملاحظات كثيرة عن لغة تميم، زادت بكثير عن الملاحظات التي دونتها عن القبائل الأخرى، وقد ذكر العلماء في مقابلها ما كان يختلف فيه أهل الحجاز عنهم، فتجمعت لدينا بذلك ملاحظات لغوية ونحوية ميزت لهجات تميم عن لهجات "أهل الحجاز"، وبعض القبائل الأخرى. وقد دخلت هذه الفروق في قراءة القرآن، فقرأ بعض القراء على لغة الحجازيين وقرأ بعض آخر الآيات نفسها على لهجة تميم. كل قرأ على لسانه وتمسك بقراءته، وقد ساعد ذلك عدم وجود الحركات الضابطة للحروف، ولو كانت هناك حركات في مبدأ التدوين تضم الحرف أو تكسره أو تفتحه، لضاق نطاق هذا الاختلاف إذ كان على الناس القراءة وفقًا للمصحف المحرك المشكل الذي اتخذ إمامًا لهم، ولكن عدم وجود مصحف إمام استعمل الشكل والإعجام، سهّل ظهور القراءات.

والخلاف بين "أهل الحجاز""لغة أهل الحجاز" وبين "تميم"، هو خلاف في إطار مجموعة واحدة من القبائل، هي مجموعة "مضر". فالقبائل الحجازية التي ذكروها هي قبائل مضرية، و"تميم" من قبائل مضر كذلك،

ص: 220

في عرف أهل الأنساب. وكان بين أهل مكة، أي:"قريشا"، وبين "تميم" اتصال وثيق قبل الإسلام، وكانت بينهم مصاهرة، وقد عرفت "تميم" واشتهرت بالفصاحة، ولو أخذنا برأي أهل الأخبار، وبما ذكروه عن فصاحة "تميم" وعن كثرة وجود الخطباء والشعراء فيهم، وعن حكومتهم في "عكاظ"، وبما ذكروه عن "قريش" فإننا نخرج بنتيجة هي أن "تميمًا"، كانت أكثر شهرة في بضاعة الكلام من "قريش"، وهي نتيجة تناقض زعمهم أن قريش كانت أصفى العرب لغة، وأن لسانها هو اللسان العربي الفصيح الذي نزل به القرآن، وأنها كانت تجتبى أحسن الألفاظ وأعذبها من بين سائر لغات العرب حتى صار لسانها أفصح الألسنة، وذلك بدليل استشهاد علماء اللغة بلغة تميم من نثر وشعر في شواهدهم وأدلتهم على قواعد اللغة، كثرة لا تقاس بها الشواهد التي استشهد بها العلماء على ضبط اللغة والقواعد، المنتزعة من لسان قريش.

ولو استقصينا ما دوّنه علماء اللغة عن مواطن الاختلاف بين لغات العرب نصل إلى نتيجة أخرى، هي أن لغات كثير من القبائل تميل إلى ترجيح كفة "لغة تميم" على لغة أهل الحجاز، ففي الفتح والكسر، كما في "الوتَر" و"الوتر"، نجد الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس1.

وقد قرأ بالقراءتين في سورة: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} 2.

قال "الطبري": "واختلف القراء في قراءة قوله: والوتر، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وبعض قراء الكوفة بكسر الواو. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مستفيضتان معروفتان في قراءة الأمصار، ولغتان مشهورتان في العرب فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب"3. فنرى من رواية "الطبري" المذكورة أن غالبية القراء، إنما قرأت بقراءة تميم وأسد وقيس، وإن كانت القراءة الثانية التي هي بالفتح لغة مكة صحيحة.

والقبائل: "تميم" و"قيس" و"أسد"، هي من القبائل التي أكثر علماء العربية أخذ اللغة عنها، ونصوا على اسمها بالذات، فقالوا: "والذين

1 الأمالي، للقالي "1/ 13".

2 سورة الفجر، الرقم 89، الآية3.

3 تفسير الطبري "30/ 110"

ص: 221

عنهم نُقلت اللغة العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي، من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم"1. فهي في مقدمة القبائل التي ركن إليها علماء اللغة في أخذ اللغة عنهم، يليهم هذيل، فكنانة، وبعض الطائيين.

ومعنى هذا أن بناء العربية، الذي قام به علماء اللغة، إنما أخذ معظم مادته من لغات القبائل الثلاث المذكورة، وهي قبائل أقامت في مواضع متجاورة منذ القدم، وكانت بطونها قد توغلت في بوادي العراق في الجاهلية القريبة من الإسلام وفي الإسلام، وفي البحرين ونجد وبعض مناطق اليمامة. فهي تكوّن جزءًا كبيرًا من جزيرة العرب والعراق.

ولتجاور القبائل الثلاث المذكورة في القديم، أثر كبير في تشابك اللغات وفي تقاربها، لأن للجوار أثرًا خطيرًا في تطور اللغة ونموها. ونحن في حاجة اليوم إلى وضع صورة مضبوطة لتوزع القبائل في الجاهلية في جزيرة العرب وبادية الشام على مر الأدوار، لنتمكن بواسطتها من تتبع الأثر السياسي والثقافي لهذه القبائل وذلك فيما قبل الإسلام، ومن دراسة ما ذكره علماء اللغة من فروق بين اللغات بصورة علمية دقيقة مضبوطة، بتسجيل كل ما ذكروه وإحصائه بالضبط، ثم تطبيق ما ذكروه على مواطن هذه القبائل التي ضبطت ضبطًا صحيحًا على هذه الصورة.

ونجد في كتب اللغة والمعاجم أمورًا لغوية كثيرة، مبعثرة لم يشر إليها العلماء إلا عرضًا، مثل قول بني أسد "ييجع" بكسر أوله، مع عدم قولهم "يِعلم" استثقالًا للكسرة على الياء وأمثال ذلك2، مما يحتاج إلى جمع وتصفية للوقوف على قديم اللغات.

وقد عرفت "بنو أسد" ببروزها في شقي الكلام: الشعر والنثر. "قال يونس بن حبيب: ليس في بني أسد إلا خطيب، أو شاعر، أو قائف، أو زاجر، أو كاهن، أو فارس. قال: وليس في هذيل إلا شاعر أو رام،

1 المزهر "1/ 211".

2 تاج العروس "5/ 533"، "وجع".

ص: 222

أو شديد العدو1"1. وهي قبيلة شهيرة. أرى أنها قبيلة "Asateni" المذكورة في جغرافية "بطلميوس"، بين "Iodistae" التي تقع أرضها شمال "Asateni"، وهي "جديس"، وقبيلة "Mnasemanes" التي تقع منازلها في شمال غربها في خريطة بطلميوس، وبين "Laeeni" و"Thaemae" الواقعتين إلى الشرق منها، وموضع "Baeti fi. Fontes" الواقع إلى الجنوب وقبيلة "Thanuitae" التي تقع منازها جنوبي هذا الموضع، ثم موضع "Salma"، وهو في الخريطة موضعان: موضع يقع شمالي "Mnasaemanes"، وموضع يقع جنوب غربي2 "Baeti fl. Fontes".

وأما "هذيل"، فمواطنهم "جبال هذيل"3، وهم جيران "سعد بن بكر"4 وجيران "كنانة"5، و"هوازن"، وهي كلها من القبائل التي أثنى العلماء على لغتها. وهذيل من قبائل مضر، ومن القبائل التي أعرقت في الشعر6، وقد استشهد العلماء بشعر شعرائها في اللغة وفي القواعد، ومن هنا عدت في القبائل التي أخذ علماء العربية اللغة منها. وأما "سعد بن بكر"، و"كنانة"، و"هوازن" فهي مثل "قريش" و"هذيل" من مجموعة "خندف" من "مضر".

وأما "بعض الطائيين" الذين أخذ عنهم علماء العربيةِ العربيةَ، فقد نص العلماء على أسمائهم حين استشهدوا بشعر شعرائها. وطيئ، من القبائل اليمانية في عرف النسابين. وهم من القبائل القديمة التي كان لها شأن يذكر قبل الإسلام، بدليل أن "بني إرم" والفرس، أطلقوا على العرب عمومًا كلمة "طيايه""طيايو" من أصل "طيء" اسم هذه القبيلة. وأن العبرانيين أطلقوا "طبعًا""ط ي ي ع ا"، "طيايا""طياية" في مرادف "عرب" مما يدل على أنها كانت أقوى قبائل العرب

1 البيان والتبيين "1/ 174".

2 راجع خريطة "بطلميوس"، جواد علي تأريخ العرب قبل الاسلام "3/ 371".

3 بلاد العرب، للأصفهاني "14 وما بعدها، 20 وما بعدها، 23 وما بعدها، 25 وما بعدها، 32".

4 المصدر نفسه "ص13 وما بعدها".

5 كذلك "ص19 وما بعدها، 21 وما بعدها".

6 تاج العروس "8/ 166".

ص: 223

قبل الإسلام بزمن طويل1، وربما كان هذا شأنهم قبل الميلاد.

ولا يفهم من أقوال علماء اللغة عن لغتهم، أنها كانت ذات صلة بالعربيات الجنوبية، وأما ما ذكروه من "ذي" التي نعتوها بـ"ذي" الطائية، فليس لها صلة بـ"ذ" الواردة في العربيات الجنوبية، وإنما هي سمة خاصة بلهجة "طيء" التي هي من العربية الشمالية، أو من مجموعة عربية "ال" في اصطلاحي الذي أطلقته على العربية الشمالية، لامتيازها بأداة التعريف هذه عن بقية اللهجات العربية التي استعملت أداة أخرى للتعريف. ولهذا فإن قبيلة "طيء" هي قبيلة عربية من القبائل المتكلمة بعربية "ال"، وإن عدّ النسابون نسبها من الجنوب.

وما ذكرته من فروق واختلاف، فإنما هو مما يتناول الاختلاف الكائن بين اللهجات العربية الشمالية، وأكثره مما يتناول لهجات القبائل في عهد التدوين، في الأيام التي ظهر فيها الوعي بوجوب تسجيل علوم اللغة وضبطها، فكان أن أخذ علماء اللغة من الفصحاء وممن اشتهر بالعلم باللغة من الصحابة والتابعين، كما أخذوا من الأعراب الذين كانوا يفدون على البصرة والكوفة، وهم من قبائل مختلفة، لكنهم على الأكثر من أعراب البوادي القريبة من العراق، ومن القبائل الضاربة في البادية، فقد ذهب قوم من علماء اللغة إلى البادية معدن اللغة للأخذ من ألسنة أهلها مباشرة، ولاستقراء لهجاتها للتوصل بذلك إلى معرفة اللغة والقواعد. فكان من هذا الجمع ومن مراجعة القرآن والشعر والحديث، هذا المدون في الكتب من علوم العربية. فهو كله إذن تدوين ظهر في الإسلام.

ولكننا لا نستطيع أن نتحدث عن ذهاب عدد كبير من العلماء إلى البوادي لدراسة لهجات القبائل، كما لا نستطيع التحدث عن الطرق والأساليب التي سلكوها في جمع اللغة وفي البحث عنها وأخذها من أفواه أصحابها، لعدم وجود شيء من ذلك في الموارد الموجودة لدينا الآن. نعم لقد ذكروا أن أقدم من ذهب إلى البادية: يونس بن حبيب "183هـ"، و"خلف الأحمر""180"، و"الخليل بن أحمد""175هـ"، و"أبو زيد" الأنصاري "215هـ"، و"الكسائي""189هـ" الذي ذهب إلى وادي الحجاز ونجد وتهامة، ورجع وقد أنفد خمس

1 الجزء الأول من هذا الكتاب "ص31".

ص: 224

عشرة قنينة من الحبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ1، ولكننا لا نعرف شيئًا عن بحوثهم وعن استقراءاتهم ولا عن طرقهم التي اتبعوها في بحثهم وتنقيرهم عن اللغة، والأغلب أنها تناولت الغريب والشعر، ثم إننا لا نستطيع التحدث عن هذه الرحلات بشيء من الاطمئنان والثقة، لما قد يكون في كلام رواتها من المبالغة والإضافة والافتعال بسبب العصبية إلى المدينة وإلى العلماء.

ويلاحظ أن معظم الملاحظات المدونة عن اللغات تناولت قبائل ألِف علماء العربية الأخذ عنها والاستشهاد بكلامها، وهي قبائل يرجع النسابون نسبها على طريقتهم إلى "معد"، ويظهر من ملاحظات العلماء عن لهجاتها أنها كانت تتكلم بلهجات متقاربة، ترجع إلى المجموعة التي تستعمل "ال" أداة للتعريف. أما القبائل التي رجع أهل النسب نسبها إلى قحطان، والتي استشهد بشعرها فهي: الأزد، وحمير، وبعض طيء، وخثعم. أما كندة، ومنها الشاعر "امرؤ القيس"، فلا نجد لها ذكرًا في هذه اللغات، وإن استشهد بشعر شاعرها وبشعر غيره من شعراء هذه القبيلة، وقد أشير إلى اليمن، ولكنهم لم يذكروا قصدهم منها، ويظهر أنهم أرادوا بهم أعراب اليمن، وهم مهاجرون في الأصل هاجروا من باطن الجزيرة إلى اليمن بعد أن ضعف الحكم فيها على أثر تدخل الحبش في شئون اليمن وتقاتل الملوك بعضهم مع بعض، مما أفسح المجال للأعراب بدخول العربية الجنوبية، فكوّنوا قوة خطيرة فيها، أشير إليها في كتابات المسند بـ"وأعربهم". "وأعربهمو" كما أشرت إلى ذلك في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.

ولا تزال بعض اللهجات باقية، تتكلم بها القبائل على سليقتها الأولى، وآسف لأن أقول: إن علماء العربية في الوقت الحاضر، لم يوجهوا عنايتهم نحوها لدراستها قبل انقراضها وزوالها، مع أن دراستها من الأمور الضرورية بالنسبة لهم، لأنها تساعد في تعيين أصول العربيات وفي تثبيت المجموعات اللغوية العربية، وقد نستنبط منها أمورًا علمية كثيرة فات على علماء العربية القدامى يومئذ تسجيلها، لأنها لا تزال باقية، فبواسطة الطرق الحديثة في البحث يمكن العثور على ما فات على أولئك العلماء من أمور.

1 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 344 وما بعدها".

ص: 225

وقد لاحظ "فؤاد حمزة"، أن أهل نجد أصرح في الوقت الحاضر لغة من أهل الحجاز، لقرب هؤلاء من الحرمين واختلاطهم بالأجانب، وبعد أولئك عن كل تلك العوامل. ولكن أفصح اللهجات وأقربها إلى الفصحى هي اللهجات اليمانية الواقعة ما بين جنوبي الحجاز واليمن. وقد ذكر أنهم يتكلمون الألفاظ من مخارجها الصحيحة، ويتكلمون بما هو أقرب إلى الفصيح من سواه. ويتكلم بعض البداة منهم بكلم معرب فصيح1.

ولاحظ أن لغات القبائل لا تزال مختلفة، فمنهم من يقلب "الجيم" ياء فيقول:"المسيد"، بدلًا من "المسجد" وهم قوم من اليمن والنمور في وادي محرم، ومنهم من يقلب القاف والكاف "تس"، فيقول:"حكى""حتسى"، وهم من أهل نجد، ومنهم من يقلب "الكاف""تش"، فيقول:"بكى""بتش"، ومنهم من يقلب "القاف""كافًا" مفخمة، فيقول:"كال" في موضع "قال"، وهي من لغات أهل نجد، ومنهم من يقلب "الكاف""سينًا"، فيقول:"عبيسي"، في موضع "عبيكي" ومنهم من يقلب "القاف""جيمًا"، فيقول:"العجير" في موضع "العقير"، ومنهم من يقلب "الظاء""لامًا"، فيقول:"اللهر" في موضع "الظهر"، ومنهم من يقلب "الضاد""لامًا"، فيقول:"الليف" في موضع "الضيف"، ومنهم من يجعل "الياء" بين الألف والياء، فيقول:"امطاير" في موضع "مطير"2.

ويلاحظ أن قبائل العراق لا تزال تستعمل مثل هذه اللهجات وغيرها، فيستعمل بعضها حرف العين في موضع الهمزة، فيقولون:"سعال" في موضع "سؤال" وتستعمل بعض القبائل حرف "الياء" في موضع "الميم"، فتقول:"يومن"، في موضع "مومن"، أي:"مؤمن"، وغير ذلك، وتستعمل بعضها الياء في موضع "الجيم"، فتقول:"ريال" في موضع "رجَّال"، أي:"رجل".

وذكر أن أهل اليمن يستعملون "الميم" في موضع "ال" أداة التعريف، فيقولون:"أم بيت" في موضع "البيت"3. وقد أشير في الحديث إلى هذه

1 قلب جزيرة العرب "99".

2 قلب جزيرة العرب "100".

3 قلب جزيرة العرب "100".

ص: 226

اللغة، ويظهر أنها لغة خاصة، ربما كانت حاصل إدغام حرف الجر "من" في الكلمة التي دخلت عليها، فـ "أم بيت"، هي "من البيت" أو أنها لهجة من اللهجات التي تكلم بها أهل اليمن الشماليون، جعلت "الميم" أداة للتعريف.

لأننا نعلم -كما سبق أن ذكرت- أن حرف "الميم" أداة للتنكير في اللهجات العربية الجنوبية، فيقال:"بيتم" في موضع "بيت"، وتلحق آخر الاسم. أما أداة التعريف فحرف "ن" يلحق آخر الكلمة كذلك، ولا يدخل على أولها كما في "ال"، يقال:"بيتن" في موضع "البيت"، و"ملكن" في مقابل "الملك".

وذكر "فؤاد حمزة" أن قبيلة "فهم"، وتقع منازلها اليوم بين بني ثقيف شمالًا والجحادلة غربًا، تتكلم بعربية قريبة جدًّا من العربية الفصحى، وهي مشهورة بالفصاحة1.

وفي العربية الجنوبية قبائل تتكلم اليوم بلهجات يرجع نسبها إلى اللهجات العربية الجنوبية القديمة؛ لأن في ألفاظها وفي تراكيب جملها، ودراستها في هذا اليوم، ضرورة لازمة لمن يريد الوقوف على تأريخ اللغة العربية قبل الإسلام، ومن الضروري كذلك وجوب دراسة اللهجات "الشحرية" و"المهرية" و"السواحلية" و"السقطرية"، ولهجات السواحل الأفريقية المقابلة لجزيرة العرب للوقوف على تطور اللغات العربية الجنوبية، وعلى حل رموزها التي لا تزال مغلقة غير معروفة عند علماء هذا اليوم. لما لهذه اللهجات من صلات بالعربيات المذكورة.

وأرى من الضروري دراسة اللهجات العربية الحالية في كل مكان من أمكنة جزيرة العرب، ولا سيما في المواضع التي استخرج العلماء من باطنها نصوصًا مدونة بلهجات عربية قديمة، مثل أعالي الحجاز لنتمكن بهذه الدراسة من حل معضلات تلك الكتابات ومن تكوين رأي علمي واضح عن تطوّر تلك اللهجات فيما قبل الإسلام.

وأرى من الضروري في هذا اليوم وجوب تأليف معجم لغوي، يضم اللهجات العربية القديمة، أي: اللهجات الجاهلية التي وردت في النصوص الجاهلية، للوقوف عليها، ولا سيما على اللفظ الغريب منها، ومقارنتها بالألفاظ التي ترد في اللهجات

1 قلب جزيرة العرب "178".

ص: 227

العربية الأخرى لإحياء ما يمكن إحياؤه من الميت منها، واستعماله في هذا اليوم، للأشياء التي قصرت العربية الفصحى عن وضع مسميات لها، أو أن مسمياتها حوشية، لا تنسجم مع الذوق، وإدخال الألفاظ الواردة في النصوص في المعاجم الموسعة العلمية التي تؤرخ الألفاظ، بأن تشير إلى ورودها لأول مرة في الشعر أو في النصوص الجاهلية. كما أرى من الضروري وجوب العناية بدراسة ما ذكره العلماء عن اللهجات دراسة علمية نقدية تقوم على المقابلة والمطابقة والمقارنة باللغات الأخرى مع تسجيل قواعدها حسبما أمكن.

ص: 228