الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن مفاخر القبائل اعتزالها القبائل الأخرى وعدم مخالطتها قبيلة ثانية. وتفخر الأحياء بحردها أيضًا، فيقال "حي حريد منفرد"، ومعناه: معتزل عن جماعة القبيلة، لا يخالطهم في ارتحاله وحلوله لعزته؛ لأنه لا ينزل في قوم من ضعف وذلة لما هو عليه من القوة والكثرة1.
وذكر أن القوم الذين يكون أمرهم واحدًا يعرفون بـ"الخليط"، وذلك أنهم كانوا ينتجعون أيام الكلأ، فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد، فتقع بينهم ألفة، ويكونون يدًا واحدة. فإذا افترقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك وريعوا2.
وهناك قبائل ضعيفة، لم تتمكن أن تعيش وحدها؛ لذلك تحالفت مع غيرها من قبائل أقوى منها، واندمجت بها، كما يندمج الأشخاص بالقبائل، بالحلف أو بالجوار أو بالموالاة. وعند انضمام الأحياء والعشائر والقبائل الضعيفة إلى الأقوى منها بطريقة من الطرق، يتم ذلك بطقوس دينية على نحو ما سأتحدث عنه في عقد الأحلاف، بسبب أن العقود في نظر العرب تستوجب البر بها والوفاء؛ ولهذا تعقد في ظروف خاصة أمام الكهنة وفي المعابد.
1 وفي هذا المعنى قول جرير:
نبني على سنن العدو بيوتنا
…
لا نستجير ولا نحل حريدا
تاج العروس "2/ 333 وما بعدها"، "حرد".
2 ديوان بشر بن أبي خازم "129"، تاج العروس "5/ 132"، "خلط"، نهاية الأرب "18/ 9".
ألقاب بعض القبائل:
ولقد لُقبت بعض القبائل بألقاب؛ فقد قيل: مازن غسان أرباب الملوك، وحمير أرباب العرب، وكندة كندة الملوك، ومذحج الطعان، وهمدان أحلاس الخيل، والأزد أسد البأس، والذهلان: أحدهما ذهل شيبان بن ثعلبة ويشكر، والآخر ضبيعة وذهل بن ثعلبة، واللهزمتان: إحداهما عجل وتيم اللات، والأخرى قيس بن ثعلبة وعنزة، وكلهم من بكر بن وائل، إلا عنزة بن ربيعة1.
1 العمدة "2/ 194".
وبعض هذه الألقاب حسنة جميلة، وبعضها ألقاب تشير إلى قوة وبأس وشدة، وبعض منها مقبول لا بأس به، وهي ألقاب كانت القبائل الملقبة بها تفاخر وتتباهى بها، أو تقبلها ولا ترى فيها أي بأس. وهي على العموم إما أن تكون قد نبعت من القبيلة، كأن ينعت سيد قبيلة قبيلته بنعت، فتتمسك به، أو أن ينعتها بذلك شاعر منها أو شاعر من قبيلة أخرى، فيذهب هذا النعت بين الناس، ويصير سمة للقبيلة. غير أن في الألقاب بعضًا آخر يشير إلى استصغار شأن القبيلة التي نعتت به، مثل "القين"1، و"الأجارب"2، و"الأقارع"3، و"قراد"4، وما شاكل ذلك من ألقاب تحولت إلى مسميات، أي: تحول اللقب فصار اسم علم. وهي نعوت يظهر أن مصدرها شعر الهجاء والقبائل المعادية المنتابزة بالألقاب، وقد شاعت وثبتت؛ لأنها أثرت في القبائل المهجوة وآلمتها، فتمسك قائلوها بها، وشاعت بين الناس حتى نسي سبب قولها، وصارت اسم علم للقبيلة، ولم ير من جاء بعد ذلك بأسًا من الانتماء إلى القبيلة المنبوزة به.
وقد رمت بعض القبائل قبيلة إياد بالفسو، وعيرتها به، حتى إذا كان أحد رجالها بعكاظ، ومعه بردا حبرة، قام فقال: من يشتري من عار الفسو بهذين البردين؟ فقام عبد الله بن بيدرة أحد "مَهْو" حي من عبد القيس، فقال: هاتها، واشهدوا أني اشتريتُ عار الفسو من إياد لعبد القيس بالبردين. فلما أتى رحله وسُئل عن البردين، قال: اشتريت لكم بهما عار الدهر، فوثبت عبد القيس وقالت:
إن الفساة قبلنا إياد
…
ونحن لا نفسو ولا نكاد
وتفرق الناس عن عكاظ بابتياع عبد القيس عار الفسو. ثم إن هذا العار زال عن إياد ولصق بعبد القيس، فهُجُوا به كثيرًا. وضرب المثل بـ"عبد الله بن بيدرة"، فقيل:"شيخ مَهْو"، ضرب به المثل في الخسران، وقيل: أخسر صفقة من شيخ مهو5.
1 تاج العروس "9/ 316"، "قان".
2 تاج العروس "1/ 181"، "جرب".
3 تاج العروس "5/ 446"، "قرع".
4 تاج العروس "2/ 465"، "قرد".
5 الثعالبي، ثمار "106".
وبعض هذه النعوت قيل في الإسلام، من ذلك رُمي "تميم" بالبخل واللؤم؛ بسبب هجاء الطرماح لها وقوله فيها:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
…
ولو سلكت سبل المكارم ضلت1
ونجد لجرير وللفرزدق وللأحابيش ولغيرهم ذمًّا في قبائل الشعراء المتهاجين.
ومن القبائل الملقبة: الأحابيش وقد تحدثت عنهم، والمطيبون والأحلاف وهم من قريش، وقد تحدثت عنهم أيضًا، والأراقم، وهم: جشم، ومالك، وعمرو بن ثعلبة، ومعاوية، والحارث، بنو بكر بن حبيب بن غنم بن ثعلب بن وائل2، وهم أحياء من ثعلب، جعلهم بعضهم ستة، هم: جشم ومالك وعمرو وثعلبة ومعاوية والحارث، بنو بكر بن حبيب بن غنم بن ثعلب بن وائل. وقال بعض علماء اللغة: الأراقم: بطون من بني تغلب يجمعهم هذا الاسم، قيل: سموا بذلك؛ لأن ناظرًا نظر إليهم تحت الدثار وهم صغار، فقال: كأن أعينهم أعين الأراقم، فلج عليهم اللقب3.
وعرفت بعض القبائل بـ"البراجم"، وهم خمسة بطون من بني حنظلة: قيس، وغالب، وعمرو، وكُلفة، والظليم، وهو مرة. قيل: إنهم إنما سموا بذلك؛ لأنهم تبرجموا على إخوتهم: يربوع وربيعة ومالك، وكلهم أبوهم حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرة4. وذكر أيضا أنهم إنما سموا البراجم؛ وذلك لأن أباهم قبض أصابعه، وقال: كونوا كبراجم يدي هذه، أي: لا تفرقوا، وذلك أعز لكم. وقيل: لا، وإنما سموا بذلك؛ لأنهم تحالفوا أن يكونوا كبراجم الأصابع في الاجتماع5.
وعرف "الثعلبات" بهذه التسمية؛ لأنهم بطون، اسم كل بطن منهم "ثعلبة"، وهم: ثعلبة بن سعد بن ضبة، وثعلبة بن سعد بن ذبيان، وثعلبة بن عدي
1 أمالي المرتضى "1/ 289".
2 العمدة "2/ 194".
3 تاج العروس "8/ 317"، "رقم".
4 العمدة "2/ 195".
5 تاج العروس "8/ 199"، "البرجمة".
فزارة، وأضاف إليهم قوم: ثعلبة بن يربوع1، ويقال لهم "الثعالب" أيضًا. وهم قبائل شتى، فثعلبة في "بني أسد"، وثعلبة في تميم، وثعلبة في ربيعة، وثعلبة في قيس، ومنهما الثعلبتان من طيء، وهما: ثعلبة بن جذعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة من طيء، وثعلبة بن رومان بن جندب المذكور. وذكر أن الثعالب في طيء يقال لهم مصابيح الظلام، كالربائع في تميم2.
وأما "الرباب" فهم: ضبة بن أد بن طابخة، وتيم، وعدي، وعوف، وهوعكل، وثور، وكل هؤلاء بنو عبد مناة بن أد بن طابخة3. قيل: إنهم إنما سموا بذلك لتفرقهم، وقيل: سموا ربابًا لترابهم، أي: تعاهدهم وتحالفهم على تميم، وقيل: سموا بذلك؛ لأنهم أدخلوا أيديهم في رُبّ، وتعاقدوا وتحالفوا عليه، فصاروا يدًا واحدة4.
وأما "الأجارب"، فهم خمسة بطون من "بني سعد"، وهم: ربيعة، ومالك، والحارث، وعبد العزى، وبنو حمار5. وورد الأجارب: حي من بني سعد بن بكر من قيس عيلان، وإذا قيل: الأجربان، فهما: عبس وذبيان6.
و"الحرام"، هم: بنو كعب بن سعد بن زيد مناة7. وذكر أن في العرب بطونًا ينسبون إلى "آل حرام"، منهم بطن في تميم وبطن في جذام وبطن في بكر بن وائل. وهناك بطون أخرى عُرفت بـ"حرام"8.
وأما "الضباب"، فهم "بنو عمرو بن معاوية بن كلاب". قال بعض أهل الأنساب: إنهم أربعة بطون من "بني كلاب"، وقال بعض آخر: إنهم أكثر، وأوصلوهم إلى أربعة عشر بطنًا9.
1 العمدة "2/ 195".
2 تاج العروس "1/ 165"، "ثعلب".
3 العمدة "2/ 195".
4 تاج العروس "1/ 264"، "ربب".
5 العمدة "2/ 195".
6 تاج العروس "2/ 181"، "جرب".
7 العمدة "2/ 195".
8 تاج العروس "8/ 243"، "حرم".
9 العمدة "2/ 195"، تاج العروس "1/ 345"، "ضبب".
واشتهرت بعض القبائل والعشائر والبيوت بنعوت لازمتها في الجاهلية وامتدت إلى الإسلام، فقد عرف بنو مخزوم وبنو جعفر بن كلاب بالتيه والكبر، حتى قيل:"أربعة لن يكونوا ومحال أن يكونوا: زبيدي سخي، ومخزومي متواضع، وهاشمي شحيح، وقريشي يحب آل محمد"1.
واشتهرت "طيء" بالجود؛ لكون حاتم وأوس بن حارثة بن لأم منهم2. وعرفت "باهلة" باللؤم، حتى ضرب بها المثل في اللؤم، فقيل: لؤم باهلة3. واشتهر "بنو ثعل" بالرمي، وذكروا بذلك في شعر لامرئ القيس4. واكتسبت "مدلج" شهرة واسعة في القيافة، إذ اختصت بها من بين سائر العرب5. وبرز "بنو لهب" في العيافة، فهم أزجر العرب وأعينهم6. وعرفت "إياد" بخطبائها، وملوك غسان بثريدهم، الذي قيل له: "ثريدة غسان"7. وعرفت كندة بغلاء مهور بناتهم8، وعرفت "خزاعة" بالجوع والأحاديث، قيل لزهمان: ما تقول في خزاعة؟ قال: جوع وأحاديث9، أي: فقر ودعاوى فارعة وأضغاث أحلام.
وعرفت بعض القبائل بـ"الضبيعات"، وهي:"ضبيعة بن قيس بن ثعلبة" أشرفهن، و"ضبيعة أضجم بن ربيعة بن نزار"، و"ضبيعة بن عجل بن لجيم"10. وذكر أيضًا أن في العرب قبائل تنسب إلى "ضبيعة":"ضبيعة بن ربيعة بن نزار"، وهو المعروف بـ"الأضجم"، و"ضبيعة بن أسد بن ربيعة"، قال بعضهم: إنما ضبيعة أضجم، و"ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن بكر بن وائل"، وهو أبو رقاش أم مالك وزيد مناة ابني شيبان، وهم رهط الأعشى: ميمون بن قيس، و"ضبيعة بن عجل بن
1 الثعالبي، ثمار القلوب "117".
2 الثعالبي، ثمار القلوب "117".
3 المصدر نفسه "119".
4 كذلك "120".
5 الثعالبي، ثمار القلوب "120 وما بعدها".
6 المصدر نفسه "121".
7 كذلك "122 وما بعدها".
8 كذلك "123".
9 البيان "1/ 9"، "لجنة".
10 المحبر "335".