الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الغدر:
وقد حفظ أهل الأخبار أسماء رجال عرفوا بالغدر. وقد قال بعضهم: أعرف الناس بالغدر "آل الأشعث بن قيس بن معد يكرب"، وذكر أن الغدر إرث فيهم انتقل بهم إلى الإسلام1. وضربوا المثل بغدر الضيزن بأبيها صاحب الحصن2.
ومن الوفاء: الوفاء بالعهود والمواثيق، فلا يجوز لمن أعطى عهدًا وميثاقًا الغدر بهما والتنصل من الوفاء بهما. والوفاء من أنبل الخصال التي يتخلق بها إنسان، وهو من المثل العليا عند العرب ومن أخلاق "الإنسان الفاضل" عندهم. وقد أوفى "حنظلة الطائي" بعهده الذي أعطاه للملك "النعمان" يوم بؤسه بأن يعود إليه؛ ليرى الملك رأيه في قتله. فعاد وهو يعلم أن الملك سيقتله؛ لأنه أعطاه قولًا بالعودة، وجعل "شريكًا" نديم الملك ضامنًا له بالعودة. فلما عاد واستمع الملك إلى قصة وفائه، أبطل عادته في قتل أول من كان يظهر أمامه يوم بؤسه؛ إكرامًا لعمله3. ورأى "السموءل"، ابنه وهو في أيدي أحد ملوك الغساسنة أو ملوك كندة، وهو يناديه بوجوب دفع ما عنده من دروع وأسلحة مودعة عنده، من دروع وأسلحة "امرئ القيس"، فقال له: "ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت". فذبح ولده واحتسب السموءل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، ولم يسلم الوديعة إلا إلى ورثة امرئ القيس4.
وقد دون أهل الأخبار أسماء أناس عرفوا بالوفاء، منهم "أوفى بن
1 نهاية الأرب "3/ 365".
2 نهاية الأرب "3/ 366".
3 المستطرف في كل فن مستظرف "1/ 199 وما بعدها"، "عبد الحميد أحمد الحنفي".
4 المحبر "348 وما بعدها".
مطر المازني"، جاوره رجل ومعه امرأة له، فأعجبت قيسًا أخاه، فقتل زوجها غيلة، فبلغ ذلك "أوفى" فقتل قيسًا بجاره1، و"الحارث بن عباد"، وكان من وفائه أنه أسر يوم "قضة" "عدي بن ربيعة" أخا مهلهل وهو لا يعرفه، فقال له: دلني على عدي، فقال له عدي: إن دللتك عليه فأنا آمن؟ فأعطاه ذلك. فقال له: فأنا عدي، فخلى سبيله2.
ومن أوفياء العرب "عوف بن محلم الشيباني"، وهو من مشاهير سادات العرب. وكان من وفائه أن "مروان بن زنباع العبسي" كان قد وتر "عمرو بن هند" فجعل على نفسه ألا يؤمنه حتى يضع يده في يده. وإن "مروان" غزا "بكر بن وائل" فأسر، ولم يكن آسره منيعًا، فطلب من أم آسره أن توصله إلى "عوف بن محلم"، ولها منه مائة بعير، فحمل إلى "عوف"، ولاذ بقبته، وبلغ "عمرو بن هند" مكانه، فبعث يطلبه، فأبى عوف أن يسلمه إلأ أن يؤمنه. ثم أخذه عوف إلى "عمرو بن هند"، وجعل يده بين يد عمرو ويد مروان، وأصلح بينهما، فعفا "عمرو" عنه وآمن مروان. فقال عمرو:"لا حر بوادي عوف"، فذهبت مثلًا3.
وعد "مروان بن زنباع" من أوفياء العرب؛ لأنه وفى بعهده الذي أعطاه لأم آسره، وكان قد أعطاه عودًا التقطه من الأرض ليكون رمز وفائه، على أن توصله إلى "محلم". فلما أوصلته دفع إليها المائة بعير، كما تعهد لها بذلك4.
وضرب المثل بوفاء "عمير بن سلمى الحنفي"، وله قصة في الوفاء تشبه قصة "أوفى بن مطر المازني". وذكروا أن من وفائه أن رجلًا من "بني عامر بن كلاب" استجار بعمير وكانت معه امرأة جملية، فرآها "قرين بن سلمى الحنفي" أخو عمير، وصار يتحدث إليها حتى بلغ ذلك زوجها، فنهاها فخافته فانتهت. فلما رأى "قرين" ذلك وثب على زوجها فقتله، وعمير غائب، فأتى أخو المقتول قبر "سلمى" فعاذ به. فقدم "عمير بن سلمى"،
1 المحبر "348".
2 المحبر "348".
3 المحبر "349 وما بعدها"، الاشتقاق "215"، الأمثال للميداني "2/ 531".
4 المحبر "351".
فأخذ أخاه. وبلغ وجوه "بني حنيفة" الخبر، فأتوه فكلموه، فأبى إلا أن يقتله أو يعفو عنه جاره، وأبى أخو المقتول أخذ دية أخيه القتيل ولو ضُوعفت، فأخذ عندئذ "عمير" أخاه وقتله لغدره بجاره1.
ومن الأوفياء "أبو حنبل: جارية بن مر الطائي ثم الحنبلي". وكان من وفائه أن "امرأ القيس بن حجر الكندي" كان جارًا "لعامر بن جوين الطائي"، فقبَّل "عامر" امرأة "امرئ القيس"، فأعلمته ذلك فارتحل إلى "جارية" ليستجير به. فلم يجده، ووجد ابنًا له أجاره، فلما جاء "جارية" ورأى كثرة أموال "امرئ القيس" طمع فيها، وعزم على الغدر بـ"امرئ القيس" ثم فكر في أمره ورأى أن الغدر عار، فعقد له جواره، ثم أخذه إلى "عامر بن جوين"، فقال لامرئ القيس: قبل امرأته كما قبل امرأتك، ففعل2.
ومنهم "المعلى الطائي"، أحد "بني تيم" من جديلة، وهم "مصابيح الظلام". وكان "المنذر" يطلب امرأ القيس، فلجأ إلى "المعلى" فأجاره، وبلغ المنذر مكان "امرئ القيس" فركب حتى أتى منزل المعلى، ولم يكن المعلى موجودًا، وأبى ابنه تسليم امرئ القيس إلى المنذر ومنعوه3.
ومن الأوفياء "عصيمة بن خالد بن سنان بن منقر"، وكان "النعمان" قد غضب على "بني عامر بن صعصعة"، فقتل منهم ناسًا وشردهم، فألجأهم "عصيمة" وأجارهم، فبعث إليه النعمان:"ابعث إليَّ بعبيدي" فأبى ونادى في قومه شعاره "كوثر"، وأقبل "النعمان" فأهوى "عصيمة" بالرمح إلى معرفة فرسه، ورجع الملك خائبًا. ثم كسا "عصيمة""بني عامر" وبلغهم مأمنهم4.
وقد عد الوفاء محمدة وواجبًا، ولأجل توكيد الوفاء وترسيخه كانوا يضعون رهنًا، قد يكون ثمينًا مثل أبناء سادات القبائل، يقدمونهم رهينة لدى
1 المحبر "ص352".
2 المحبر "352 وما بعدها".
3 المحبر "353 وما بعدها".
4 المحبر "354".