الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له حكمًا كثيرة وأمثالًا، هي من الأمثال التي ينسبونها في العادة إلى الحكماء1.
وذكروا من أمثلة حلمه أنه كان قاعدًا يومًا بفناء داره، محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه، حتى أُُتي بمكتوف ورجل مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، فما قطع كلامه حتى انتهى، ثم كلم ابن أخيه وأنبه وعفا عنه، ثم قال لابن آخر له: وارِ أخاك وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها، فإنها غريبة. إلى قصص آخر من هذا القبيل2.
1 الفاخر "242"، الثعالبي، ثمار "4، 85، 92".
2 نهاية الأرب "6/ 50 وما بعدها".
النسب:
النسب هو جرثومة العصبية وأساسها؛ ولهذا حرص العربي على حفظ نسبه، ولا يزال يحرص عليه، فيروي لك شجرة نسبه حفظًا ويرفعها إلى جملة أجداد.
وقد وجد السياح أعرابًا سردوا لهم نسبهم سردًا من غير كتاب مكتوب، إلى عشرات من الأجداد، وقد تأكدوا بعد فحوص واختبارات أن ما قيل لهم وسرد عليهم كان صحيحا في الغالب.
وأما أهل المدر، فإن حرصهم على حفظ نسبهم، وإن لم يكن حرص أهل الوبر، غير أن فيهم من يحفظ شجرة نسبه، وفيهم من يحتفظ بها مكتوبة، وقد شهد على صحتها جماعة من النسابين. وفي جملة من يعتني بنسبه اعتناءً كبيرًا، ويأبى الزواج من غير الأسر الكفوءة له، السادة المنتمون إلى الرسول من ذوي الجاه والحسب والنسب، والأشراف السادات من أهل الحضر والوبر.
وحفظ النسب هذا هو استمرار لما كان عليه الجاهليون من حرص على حفظ أنسابهم. وإذا كنا لا نملك اليوم جرائد جاهلية في النسب، فإن في بعض الكتابات الجاهلية تأييدًا لما نقول؛ فبين أيدينا في هذا اليوم كتابات جاهلية ذكرت أسماء جملة أجداد لأشخاص دونوا أسماءهم في تلك الكتابات، وقد دون على شاهد قبر "معنو""معن"، اسم أبيه وجدين من أجداده1. كما عثر على
1 F.Altheim und. Stiehl، Die Araber، I، S.، 280.
أسماء عشرة أجداد في بعض الكتابات الصفوية1. وهنالك أمثلة أخرى من هذا القبيل، تثبت عناية العرب في الجاهلية بتدوين أنسابهم وحفظها، وهي من أهم المزايا التي حافظ عليها العرب إلى هذا اليوم.
ويبدأ النسب بالأب في الغالب، وبـ"الأم" في الأقل في حالات تتغلب فيها شهرة الأم على شهرة الأب، ويكون "البيت" إذن جرثومة النسب، وحين ينسب إنسان يقول: إنه "ابن فلان". ويشمل نسب البيت الأب والأولاد والبنات والزوجة أو الزوجات، وهم أكثر الناس التصاقًا بالأب، وقد يقال: إنه من "بيت فلان" تعبيرًا عن الانتساب إلى رئيس ذلك البيت. وقد عرف بعض علماء اللغة النسب: أنه القرابة، أو هو في الآباء خاصة، وأن النسب: أن تذكر الرجل فتقول: هو فلان ابن فلان، وذكر أنه يكون من قبل الأم والأب2.
والبيت هو بيت أب. ولما كان المجتمع مجتمع بيوت، صار النظام فيه نظامًا أبويًّا، السلطة العليا فيه للأب، إليه يُنتسب وهو المسئول قانونًا عن العائلة، يتساوى في ذلك مجتمع الحضر ومجتمع أهل الوبر.
ويذكر أهل الأخبار أن العرب تنسب ولد المرأة إلى زوجها الذي يخلف عليها بعد أبيهم، وذلك عنى حسان بن ثابت بقوله:
ضربوًا عليًّا يوم بدر ضربة
…
دانت لوقعتها جميع نزار
أراد بني عليّ هؤلاء من كنانة، وهم بنو عبد مناة. وإنما قيل لهم: بنو على عزوة إلى علي بن مسعود الأزدي، وهو أخو عبد مناة لأمه، فخلف على أم ولد عبد مناة. وهم: بكر وعامر ومرة وأمهم: هند بنت بكر بن وائل النزارية، فرباهم في حجره فنسبوا إليه3.
وإذا توفي والد وله مولود في بطن زوجته، أو كان طفلًا رضيعًا وكان له
1 Littmann، Thamud und Safa، 1940، S، 98، Inschriften، 4، 5، S. 121، Die Araber، I، S. 280.
2 تاج العروس "4/ 260 وما بعدها"، "طبعة الكويت"، "ن س ب".
3 تاج العروس "10/ 253"، "علو".
أعمام، تركه أعمامه عند أمه حتى يكبر، ثم يأخذه أعمامه، وقد تأتي أمه معه. ولكن العادة أن الأم تبع أهلها أي: عشيرتها، فإذا توفي زوجها وهي من عشيرة أخرى، تركت عشيرته لتعود إلى عشيرتها، فإذا كبر المولود خُيِّر بين البقاء مع أمه أو الالتحاق بأعمامه، أي: بعشيرة والده. والأغلب أن يختار الولد عشيرة الوالد؛ لأن نسب الولد من نسب والده، فيلتحق المولود بعشيرة الأب، وتقدم عشيرته على عشيرة الأم، إذ يشعر أن عشيرة أمه وإن كانت قريبة منه، إلا أن قربه منها ليس كقربه من عشيرة والده، وقد يعير باختياره عشيرة أمه عشيرة له. ولدينا أمثلة تشير إلى تعيير الأولاد أولادًا آخرين؛ لالتحاقهم بعشيرة أمهم وتركهم عشيرة والدهم، كالذي كان من أمر عبد المطلب يوم كان طفلًا، إذ عيره أطفال عشيرة أمه بلجوئه إلى عشيرتهم، إذ لا عشيرة له، ولو كانت له عشيرة للحق بها؛ مما حمله على ترك يثرب والرجوع إلى أعمامه بمكة. فالعم في نظرهم بمنزلة الوالد، وهو أقرب الناس إليه، وهو وريثه في العصبات. وبهذه الحجة احتج العباسيون على العلويين في تقدمهم عليهم بحق الخلافة.
ومن هنا نجد العرب يوصون بأولاد العم خيرًا، وألا يتهاتروا معهم ولا يختلفوا مهما وقع بينهم من خلاف. وفي هذا المعنى يقول أبو الطمحان:
إذا كان في صدر ابن عمك إحنة
…
فلا تستثرها سوف يبدو دفينها1
وللخئولة مكانة كبيرة في العصبة عند العرب، قد تقوى على العمومة، فإذا هلك إنسان وكان إخوته على خلاف مع زوجته أو كان حالهم ضعيفًا قامت الخئولة مقام العمومة في رعاية الأولاد وحمايتهم ومدهم بالعصبية. بل قد نجد أن عصبية الخئولة أقوى عند العرب في الغالب من عصبية العمومة، وفي تأريخ الجاهلية والإسلام أمثلة كثيرة على ذلك.
ومن حسن حظ الإنسان في الجاهلية أن يكون له أعمام وأخوال كثيرون، خاصة إذا كانوا أصحاب جاه وسيادة؛ لأنه سيعتز بهم، ويفتخر بكثرتهم. وكان الجاهليون يقولون: رجل معم ورجل مخوِل وأخول، إذا كان له أعمام
1 أمالي المرتضى "1/ 259".
وأخوال، ويقال: كريم الأعمام والأخوال، على سبيل المدح والتقدير1. ومنه قول امرئ القيس: بجيد معم في العشيرة مخول. وقول الشاعر:
تروح بالعشي بكل خرق
…
كريم الأعممين وكل خال2
والنسب نسب أهل، ويقوم على الدم القريب، ونسب قبيلة، ويقوم على العصبية للدم الأبعد، دم جد القبيلة يجري في عروق المنتسبين إليه.
والعرب من حيث النسب صرحاء وحلفاء وجيران وموالٍ وشركاء يستلحقون بالنسب. أما الصريح، فهو المحض من كل شيء، والخالص النسب، ويقال: جاء بنو فلان صريحة إذا لم يخالطهم غيرهم3.
والنسب إذن نسب آباء، وهو نسب الصرحاء الخلص من العرب المنحدرين من صلب جد القبيلة، على حد تعبير أهل الأنساب، ونسب حلف أو جوار، أي: نسب استلحاق. والغالب أن يتحول نسب الاستلحاق إلى نسب صريح، حين تطول إقامة الدخيل بين من دخل بينهم، فينسى أصله، ويأخذ أحفاده نسب من دخل جدهم فيهم، ويشمل ذلك نسب القبائل أيضًا. ونجد في كتب أهل الأخبار أمثلة كثيرة من أمثلة تحول الأنساب، حيث نجدها تنص على دخول نسب فلان في نسب بني فلان، ونسب قبيلة في نسب قبيلة أخرى.
ويقال للقوم الذين ينتسبون إلى من ليسوا منهم "الدخل"، والدخيل هو الرجل الغريب الذي ينتسب إلى قوم ليس هو بواحد منهم. وذكر أيضًا أن "الدخل" بمعنى الخاصة، وأيضًا الحشوة الذين يدخلون في قوم وليسوا منهم، أي: في المعنى المتقدم4.
وفي كتب أهل الأخبار أمثلة عديدة على تنقل الأنساب وإثبات نسب قوم في قوم ليسوا منهم لغاية ومأرب، وقع ذلك في الجاهلية وفي الإسلام. قال "الكندي": "كان أبو رجب الخولاني وفلان وفلان يتحرشون أهل الحرس
1 تاج العروس "7/ 312"، "خول".
2 تاج العروس "8/ 409"، "عمَّ".
3 اللسان "2/ 509"، "صرح"، بلوغ الأرب "3/ 191 وما بعدها".
4 تاج العروس "7/ 320 وما بعدها"، "دخل".