المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: معرفة الراوي المضطرب: - المقترب في بيان المضطرب

[أحمد بن عمر بازمول]

فهرس الكتاب

- ‌مفتاح ومصطلحات ورموز الرسالة

- ‌مقدمة الرسالة

- ‌القسم الأول: الحديث المضطرب تعريفا ودراسة

- ‌تمهيد

- ‌الخبر باعتبار طرقه، اسباب الضغف في الحديث، أنواع المخالفة

- ‌(أهمية معرفة المضطرب)

- ‌الباب الأول: الاضطراب لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الأول: الاضطراب لغة

- ‌الفصل الثاني: المضطرب اصطلاحاً

- ‌الفصل الثالث: أنواع الاضطراب وحكم كل نوع

- ‌الفصل الرابع: التصنيف في المضطرب:

- ‌الباب الثاني: حكم الاختلاف على الراوي وأثره على الراوي والمروي ومعرفة الراوي المضطرب

- ‌الفصل الأول: مذاهب العلماء في الاختلاف على الراوي

- ‌الفصل الثاني: أثره على السند والمتن

- ‌الفصل الثالث: معرفة الراوي المضطرب:

- ‌الباب الثالث: قاعدة الاضطراب سندا، متنا، سندا ومتنا

- ‌الفصل الأول: قاعدة الاضطراب في السند

- ‌المبحث الأول: منهج المحدثين في زيادة الثقة مع قاعدةفي الرواة المختلفين

- ‌المبحث الثاني: الاضطراب بتعارض الوصل والإرسال

- ‌المبحث الثالث: تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الرابع: تعارض الرفع والوقف

- ‌المبحث الخامس: الاضطراب بزيادة رجل في أحد الإسنادين

- ‌المبحث السادس: الاضطراب في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌المبحث السابع: الاضطراب في تعيين الراوي

- ‌الفصل الثاني: قاعدة الاضطراب في المتن

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: أن يكون المخرج مختلفاً

- ‌المبحث الثاني: أن يكون المخرج واحداً

- ‌الفصل الثالث: قاعدة الاضطراب سنداً ومتناً

- ‌القسم الثاني: الرواة الموصوفون الاضطراب مطلقا أو بقيد

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: الرواة الموصوفون بالاضطراب مطلقاً

- ‌الباب الثاني: الرواة الموصوفون بالاضطراب بقيد

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثالث: معرفة الراوي المضطرب:

‌الفصل الثالث: معرفة الراوي المضطرب:

الاضطراب علة خفية تقدح في ثبوت الحديث. والعلة تدرك بجمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته قال أبو بكر الخطيب: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه. وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم من الإتقان والضبط"1 اهـ.

وقال عبد الله بن المبارك: "إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض" 2 اهـ.

وكان حفاظ الحديث يهتمون كثيراً بجمع طرق الحديث الواحد لا للتكثير بل لمعرفة الخطأ من الصواب قال يحيى بن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً؛ ما عقلناه"اهـ 3 أي لم ندرك موضع الخطأ من الصواب.

وقال علي بن المديني: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه" 4 اهـ.

وقال أحمد بن حنبل: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضاً"5 اهـ.

وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري 6: "كل حديث لا يكون عندي من

1 الجامع لأخلاق الراوي (2/295) وانظر التمييز (209) لمسلم.

2 الجامع لأخلاق الراوي (2/296) وانظر معرفة الرجال (2/39- ابن محرز) لابن معين.

3 التاريخ (4/271 - الدوري) ومن طريقه ابن حبان في المجروحين (1/33) وكذا الحاكم في المدخل (32) وأخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/212) .

4 الجامع لأخلاق الراوي (2/212) .

5 نفس المصدر.

6 الإمام الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الجوهري ت249هـ. النبلاء (12/149) .

ص: 98

مائة وجه، فأنا فيه يتيم"1. يريد طرقه وعلله واختلاف ألفاظه2.

وكان إدراك العلة أحب عليهم من استفادة عشرين حديثاً يقول عبد الرحمن بن مهدي: "لأنْ أعرف علة حديث هو عندي أحب إليّ من أن أكتب عشرين حديثاً ليس عندي"3.

ولا يستغرب مثل هذا الكلام؛ لأن من الأحاديث ما تخفى علته فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد4، فها هو الإمام أبو الحسن علي ابن عبدلله المديني - الذي قال فيه أبو حاتم الرازي:"كان علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل5 - يقول: ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة"6.

إذا عُلِمَ هذا، فكذلك الراوي الذي أخطأ، أو اضطرب في الحديث، لا نستطيع إدراكه إلا بعد جمع طرق الحديث.

والحفاظ عندما يحكمون بأن المخطئ في هذا الحديث هو فلان، إنما يحكمون بعد وقوفهم على الروايات المختلفة.

ومما يدل على ذلك أن يحيى بن معين جاء إلى عفّان؛ ليسمع منه كتب حماد بن سلمة؟

1 ت. بغداد (6/94) للخطيب. وانظر النبلاء (12/150) .

2 النبلاء (13/190) للذهبي وانظر الجامع لأخلاق الراوي (2/177) .

3 معرفة علوم الحديث (112) للحاكم ومن طريقه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/295) . وانظر منه (1/191) .

4 الجامع لأخلاق الراوي (2/257) .

5 الجرح (6/194) .

6 الجامع لأخلاق الراوي (2/257) .

ص: 99

فقال له: ما سمعتها من أحدٍ؟

قال: نعم، حدثني سبعة عشر نفساً عن حماد بن سلمة.

فقال: والله لا حدثتُك!

فقال: إنما هو دِرهم. وانحدر إلى البصرة وأسمع من التَّبوذكي!!

فقال: شأنك.

فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى موسى بن إسماعيل.

فقال له موسى: لم تسمع هذه الكتب عن أحد؟

قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر نفساً وأنت الثامن عشر

فقال: وماذا تصنع بهذا؟

فقال: إن حماد بن سلمة كان يخطئ؛ فأردت أن أميز خطأه من خطأ غيره.

فإذا رأيتُ أصحابه قد اجتمعوا على شيء علمت أن الخطأ من حماد نفسه!

وإذا اجتمعوا على شيء عنه، وقال واحد منهم بخلافهم، علمت أن الخطأ منه لا من حمّاد.

فأميز بين ما أخطأ هو بنفسه، وبين ما أخطئ عليه1.

1 المجروحين (1/32) لابن حبان وانظر الإعلام بسنته (2ق99/أ) لمغلطاي.

ص: 100

فهذا النص يفيد؛ بأن معرفة الراوي المخطئ تكون بعد جمع طرق الحديث ودراستها.

فهذه هي الطريقة الرئيسة لمعرفة الراوي المخطئ مع طريقتين اثنتين هما:

1) أن يصرح الراوي بنفسه بأنه أخطأ أو لم يضبط.

2) أن يصرح الراوي عنه بأنه هو المخطئ.

وهناك طرق أخرى؛ لمعرفة الراوي المخطئ.

وإليك بيانها:

الطريقة الأولى: أن يُصرِّح الراوي المخطئ بنفسه بأنه اضطرب أو شك أولم يضبط:

قال ابن حزم: "لا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه:

إما تثبت الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه.

وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه فلان.

وإما بأن توجب المشاهدة بأنه أخطأ"1 اهـ.

وكان يزيد بن هارون يقول في مجلسه الأعظم غير مرة حديث كذا وكذا أخطأت فيه2.

وقال ابن محرز: وسمعت يحيى وقال له عبد الوهاب بن باذام: أيما أكثر جرير أو أبوعوانة؟.

1 الإحكام في أصول الأحكام (1/137) .

2 الكفاية (146) .

ص: 101

فقال: أبو عوانة أثبت منه.

فقال له عبد الوهاب بن باذام: يا أبا زكريا جرير صاحب كتاب!

فقال: أبوعوانة أثبت منه، قال لهم - يعني جرير -: اضطرب عليَّ حديث الأشعث وعاصم فقلت لبهز - يعني ابن أسد البصري - فخلصها لي وكانت في دفتر واحد1.

وفي مسند الشافعي: "أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع أخبرني عبد الله ابن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح - أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح.

قال الشافعي رحمه الله: أنا شككت"2.

الطريقة الثانية: أن ينص في أحد الأسانيد؛ بأن فلاناً أخطأ، أو شك، أو اضطرب:

وهي طريقة صريحة؛ لبيان الراوي المخطئ، وذلك لمباشرة الراوي لذلك الاختلاف بنفسه والراوي أدرى بمروياته من غيره.

من ذلك ما قاله الحميدي: ثنا سفيان ثنا عاصم بن عبيد الله عن عبد الله ابن عامر عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابع بين الحج والعمرة؛ فإن المتابعة بينهما يزيدان في الأجل. وينفيان الفقر والذنوب. كما ينفي الكير الخبث".

1 معرفة الرجال (1/114)

(2/57ترتيب المسند) .

ص: 102

قال سفيان: "هذا حديث حدثناه عبد الكريم الجَزَرِي عن عبدة عن عاصم فلما قدم عبدة أتينا لنسأله عنه؟ فقال: إنما حدثنيه عاصم. وهذا عاصم حاضر فذهبنا إلى عاصم. فسألناه فحدثناه به هكذا، ثم سمعته منه بعد ذلك: فمرة يقفه على عمر ولا يذكر فيه عن أبيه. وأكثر ذلك كان يحدثه عن عبد الله بن عامر عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم"1 اهـ.

وقال يعقوب بن شيبة: "ولا نرى هذا الاضطراب إلا من عاصم. وقد بين ابن عيينة ذلك في حديثه"2 اهـ.

وقال الدارقطني: "رواه سفيان بن عيينة عن عاصم فجود إسناده. وبين أن عاصماً كان يضطرب فيه فمرة ينقص من إسناده رجلاً ومرة يزيد فيه ومرة يقفه على عمر"3 اهـ.

الطريقة الثالثة: أن يختلف الحفاظ على الراوي المقبول. فيعلم أنه منه.

وذلك أن الحفاظ إذا لم يختلفوا على الراوي المقبول؛ دلّ على حفظه لحديثه. قال عبد الرحمن بن مهدي: "إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ"4.

وإذا اختلفوا عليه دلّ على أنه لم يضبط قال الإمام أحمد بن حنبل عن عبد الله بن عمير الكوفي: "مضطرب جداً في حديثه، اختلف عنه الحفاظ".

1 أخرجه الحميدي في المسند (1/10) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/260) .

2 أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/259) .

3 العلل (2/129) للدارقطني.

4 أخرجه الخطيب في الكفاية (435) .

ص: 103

قال أبو داود: يعني فيما رووا عنه1.

وذكر الدارقطني حديثاً فيه اضطراب رواه عبد الملك بن عمير ثم قال: "ويشبه أن يكون الاضطراب في هذا الإسناد من عبد الملك بن عمير؛ لكثرة اختلاف الثقات عنه في الإسناد"2.

وذكر الدارقطني أيضاً حديثاً اضطرب فيه الرواة ثم قال: "وليس فيها شيء أقطع على صحته؛ لأنَّ الأعمش اضطرب فيه وكل من رواه عنه ثقة"3اهـ.

الطريقة الرابعة: أن يتفق الرواة عنه على شيء فيعلم أن الخطأ منه.

والفرق بين هذه الطريقة والسابقة أن الراوي في الطريقة السابقة يروي الحديث على أوجه مختلفة والرواة عنه ثقات فيعلم أنه هو المخطئ. وأمّا في هذه الطريقة فيروي وجهاً ويتفق الرواة عنه على ذلك الوجه فيعلم أنه هو المخطئ.

قال ابن معين عن حماد وتلامذته: "إذا رأيت أصحابه قد اجتمعوا على شيء علمت أن الخطأ من حماد نفسه"4.

ومن ذلك هُشيم بن بُشير الواسطي روى حديثاً فاختلف الرواة عليه، فعلق بعضهم الوهم بهشيم، فتعقبه ابن دقيق العيد بقوله:"وهذا الوهم إنما يلزم هشيماً إذا اتفقوا عليه فيه"5.

1 سؤالات أبي داود (295رقم354) وانظر العلل (118) رواية المروذي وغيره.

2 العلل (2/125) وانظر المهروانيات (173) وتعجيل المنفعة (1/723) لابن حجر.

3 العلل (4ق8/ أ) .

4 المجروحين (1/32) لابن حبان.

5 نصب الراية (1/97) للزيلعي وانظر علل الخلال (215 - المنتخب) .

ص: 104

الطريقة الخامسة: أن يتفق الرواة المقبولون على الراوي المقبول على وجه فيرويه واحد عنه بخلافهم فيكون الخطأ من الراوي لا منه.

قال ابن معين في روايات أصحاب حماد بن سلمة عنه: "إذا اجتمعوا على شيء عنه وقال واحد منهم بخلافهم علمت أن الخطأ منه لا من حماد"1.

وقال مسلم في معرض بيانه للسمة والعلامة التي يعرف بها الخطأ في رواية ناقل الحديث: "أن يروي نفرٌ من حفاظ الناس عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد، [مجتمعين] على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى فيرويه آخر سواهم عمّن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ. فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد. وإن كان حافظاً.

على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم"2.

وقيل لابن معين: "اختلاف يحيى بن أبي كثير منه؟

قال: من أصحابه"3.

وقال أبو داود: "قلت لأحمد: اختلاف أحاديث الزهري؟

1 المجروحين (1/32) .

2 التمييز (172) وانظر توضيح المشتبه (1/156) لابن ناصر الدين الدمشقي.

3 التاريخ (4/458الدوري) ومعرفة الرجال (1/116- ابن محرز) .

ص: 105

قال منها ما روى عن رجلين.

ومنها: ما جاء عن أصحابه - يعني الوهم"1.

وقال الحسين بن إدريس سمعت محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي يقول فيه - أي إبراهيم بن طهمان الخراساني - ضعيف مضطرب الحديث.

قال فذكرته لصالح يعني جَزَرة؟

فقال: ابن عمار من أين يعرف حديث إبراهيم؟ إنما وقع إليه حديث إبراهيم في الجمعة2 - يعني الحديث الذي رواه ابن عمار عن المعافى بن عمران عن إبراهيم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة: أول جمعة جمعت بجواثا.

قال صالح: والغلط فيه من غير إبراهيم؛ لأن جماعة رووه عنه عن أبي جمرة عن ابن عباس وكذا هو في تصنيفه وهو الصواب.

وتفرد المعافى بذكر محمد بن زياد فعلم أن الغلط منه لا من إبراهيم"3.

الطريقة السادسة: أن يكون الرواة في درجة القبول لكنهم يتفاوتون في الضبط، فيلصق بأقلهم ضبطاً.

قال ابن الجنيد: "قال رجل ليحيى وأنا أسمع: روى جرير عن حبيب بن أبي عمرة والشيباني أحاديث كأنه يقول: منكرة! فقال يحيى: حبيب بن أبي

1 سؤالات أبي داود (219) . وانظر الأحاديث التي خولف فيها مالك (44،77) للدارقطني.

2 أخرجه النسائي في السنن الكبرى (1/515 رقم 1655) عن ابن عَمّار عنه به.

3 التهذيب (1/113) وانظر الضعفاء (4/176) للعقيلي والأسامي والكنى (2/264) لأبي أحمد الحاكم.

ص: 106

عمرة والشيباني ثقتان لعل هذا من جرير"1 اهـ.

وقال المروذي للإمام أحمد: "يحيى بن يمان ومؤمل إذا اختلفا؟

قال: دع ذا كأنه لين أمرهما. ثم قال: مؤمل كان يخطئ"2 اهـ.

وقال ابن القطان في معرض رده على من ألصق الخطأ بثقة مع وجود من هو أقل ضبطاً منه: "ليس ينبغي أن يحمل على حميد وهو ثقة بلا خلاف، في شيء جاء به عنه من يختلف فيه"3.

وسئل الدارقطني: عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات. مثل أن يروي الثوري حديثاً ويخالفه فيه مالك. والطريق إلى كل واحد منهما صحيح؟

فقال: "ينظر ما اجتمع عليه ثقتان يحكم بصحته أو جاء بلفظة زائدة مثبتة يقبل منه تلك الزيادة. ويحكم لأكثرهم حفظاً [والخطأ يبنى على من دونه] 4اه.

الطريقة السابعة: أن يكون الرواة في درجة القبول إلا راوياً ضعيفاً فيلصق به:

وذلك؛ لأن الراوي الضعيف مظنة الوهم والخطأ5، بخلاف الراوي المقبول فتوهيمه يحتاج إلى دليل.

1 سؤالات ابن الجنيد (478رقم837) .

2 العلل (60رقم53) وانظر العلل (11/317) للدارقطني.

3 بيان الوهم (3/368) وانظر منه (5/276) وانظر العلل (7/20) للدارقطني.

4 سؤالات السلمي (364) وما بين القوسين أصلحته من النكت (2/180) للزركشي والنكت (2/689) للحافظ والأجوبة المرضية (1/201) للسخاوي.

5 انظر نصب الراية (3/8) .

ص: 107

قال ابن أبي حاتم: الحسين بن إدريس الأنصاري المعروف بابن خرم الهروي روى عن خالد بن الهياج بن بِسْطام. كتب إليّ بجزء من حديثه عن خالد ابن الهياج بن بسطام فأول حديث منه باطل، وحديث الثاني باطل وحديث الثالث ذكرته لعلي بن الحسين بن الجُنيد؟

فقال لي: احلف بالطلاق، إنّه حديث ليس له أصل.

وكذا هو عندي. فلا أدري (البلاء) منه أو من خالد بن هَيَّاج بن بِسْطام1. فعلق عليه الحافظ الذهبي بقوله: "قلت بل من خالد؛ فإنه ذو مناكير عن أبيه. وأمّا الحسين فثقة حافظ"2.

قال الخليلي: في ترجمة عيسى بن موسى البخاري المعروف بغُنْجار: إنما يقع الاضطراب من تلامذته وضعفاء شيوخه لا منه3.

وذكر الدارقطني حديثاً من طريق عمرو بن دينار البصري فيه اضطراب. فقال: "ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من عمرو بن دينار؛ لأنه ضعيف قليل الضبط"4.

وقال يعقوب بن شيبة في معرض بيانه للراوي المخطئ في حديث: "رواه عاصم بن عبيد الله وهو مضطرب الحديث. فاختلف عنه فيه. ولا نرى هذا الاضطراب إلا من عاصم"5 اهـ.

1 الجرح (3/47) وما بين القوسين من النبلاء (14/114) .

2 النبلاء (14/114) وانظر الجرح (3/457) . والتنقيح (2/230) لابن عبد الهادي.

3 الإرشاد في معرفة علماء الحديث (3/955) . وانظر الميزان (3/651) للذهبي.

4 العلل (2/49- 50) وانظر منه (2/229) .

5 تاريخ دمشق (25/259) لابن عساكر باختصار. وانظر شرح العلل (2/864) . لابن رجب.

ص: 108

وذكر الدارقطني حديثاً اضطرب فيه الرواة ثم قال: "أبو حمزة مضطرب الحديث. والاضطراب في الحديث من قبله. والله أعلم"1 اهـ.

وذكر الذهبي حديثاً منكراً رواته ثقات إلا راو ضعيفاً، فألصقه به قائلاً:"إن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه عمداً أو خطأ"2 اهـ.

الطريقة الثامنة: أن يكون في السند ضعفاء فيلصق بأضعفهم، وإلصاق الخطأ به؛ لأن مظنة الوهم والخطأ منه أكثر من غيره.

أخرج ابن عدي في الكامل من طريق حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الهر من متاع البيت"3.

ثم قال: "والحكم بن أبان وإن كان فيه لين؛ فإن حفص هذا الين منه بكثير. والبلاء من حفص، لا من الحكم 4.

وأخرج الدارقطني في السنن من طريق محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد في غير بيتها إن شاءت".

ثم قال: "لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف ومحبوب هذا ضعيف أيضاً"5.

1 العلل (2/159) وانظر منه (6/39) و (5/113) والميزان (1/548) .

2 النبلاء (6/132) .

3 حديث ضعيف: انظر السلسلة الضعيفة (4/21 رقم 1512) للألباني.

4 الكامل (2/386) وانظر معجم شيوخ ابن عساكر (ق 141/ب) .

5 السنن (3/315) .

ص: 109

قال ابن القطان معلقاً: "وعطاء مختلط وأبو مالك أضعفهم، فلذلك أعله الدارقطني به"1.

الطريقة التاسعة: أن يكون في السند ضعيفان فأكثر فيلصق بهم:

قال ابن أبي حاتم الرازي: "روى معاذ بن معاذ العنبري عن الشُعَيْثي عن الحارث بن بدل قال: "شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين".

وروى بكر بن بكار عن الشعيثي هذا الحديث.

روى مرة عن الحارث بن سليم بن بدل قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا من تخليط بكر بن بكار فإنه سيئ الحديث ضعيف الحفظ ومن تخليط الشعيثي فإنه ضعيف الحديث"2.

وقال ابن عساكر في معرض بيانه لعلة حديث: "هذا حديث منكر مركب على إسناد صحيح والحمل فيه على أبي حامد أو الخالدي فإنهما يأتيان بالعجائب"3 اهـ.

وقال ابن حبان البستي: "إذا روى ضعيفان خبراً موضوعاً لا يتهيأ الزاقه بأحدهما دون الآخر إلا بعد السبر"4.

(فائدة) قال الزركشي: "إذا اشتمل الإسناد على ضعيف ومجهول.

1 نصب الراية (3/264) وانظر بيان الوهم (3/127) .

2 الجرح (3/69) وانظر عجالة الإملاء على الترغيب والترهيب (408) للناجي.

3 معجم شيوخ ابن عساكر (ق 216/أ)

4 المجروحين (1/314) وانظر منه (2/110،240) ، وانظر بيان الوهم (3/89) لابن القطان والأجوبة المرضية (1/17) للسخاوي.

ص: 110

فقال ابن القطان: إعلاله بالمجهول أولى.

وقال صاحب الإنصاف: إعلاله بالضعيف أولى من إعلاله بالمجهول؛ لأنه ربما يعرف فيعدل1.

وإذا اشتمل الحديث على ضعفاء فذكر الأعلى أولى من ذكر من دونه من الضعفاء؛ لأنه إذا اقتصر على السافل، فربما يرويه ثقة عن الضعيف2، فإذا ذكر الضعيف السافل ارتفع ضعف الحديث برواية المعدل بخلاف ذكر الضعيف الأعلى؛ فإن المدار حينئذ عليه3.

وهذا يسلكه عبد الحق في أحكامه كثيراً. ويعترض عليه ابن القطان فإنه يقصر الجناية على واحد دون غيره والذي سلكه عبد الحق حسن لما قلناه4") 5 اهـ.

الطريقة العاشرة: أن ينص أحد الحفاظ على أن الخطأ من فلان. وهذا مبني على سعة إطلاعهم. واتساع أفقهم، ومعرفتهم بالرجال. وأحاديث كل واحد منهم.

قال ابن أبي حاتم في العلل:

1 إذا عرف فعدل فلا إشكال من إعلاله بالضعيف أمّا وهو مجهول فيعل الحديث بهما إلا إذا توبع أحدهما وإن كان الضعيف مظنة الوهم فيه أكثر والله أعلم.

2 هذا إذا توبع أمّا إذا لم يتابع فذكرهم جميعاً أولى وانظر بيان الوهم (3/127) لابن القطان.

3 أحياناً يكون المدار على أكثر من ضعيف.

4 أي أن الضعيف السافل قد يتابع بخلاف الذي عليه مدار السند.

5 النكت (2/223) للزركشي بتصرف.

ص: 111

"سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة فرأى عندها مخنثاً الحديث؟

قال أبي: هذا خطأ اضطرب فيه حماد. إنما هو هشام عن أبيه عن أم سلمة.

وليس عن هشام عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة إلا ذاك الواحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد) 1.

وذكر الدارقطني حديثاً فيه وهم ثم قال: "وأحسب أن الوهم من الباغندي لا ممن فوقه؛ لأن شيخ الباغندي من الثقات قليل الخطأ"2 اهـ.

الطريقة الحادية عشرة: أن يتوقف فلا يدرى ممن الغلط؟

وذلك يكون؛ لقلة الإطلاع على طرق أكثر، تظهر موطن الغلط ومنشأه، أو لكثرة الاختلافات.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يعقوب بن كاسب عن مغيرة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر نذراً لم يسعه فكفارته كفارة اليمين"، وذكر الحديث.

فقالا: رواه وكيع عن مغيرة فأوقفه والموقوف صحيح.

1 العلل (2/237) حديث أم سلمة أخرجه البخاري في الصحيح (8/43 رقم 4324 ـ فتح) وحديث عمر بن أبي سلمة أخرجه البخاري في الصحيح (1/468 رقم 354 ـ فتح) .

2 العلل (11/317)

ص: 112

قلت لهما: الوهم ممن هو؟ قالا: ما ندري من مغيرة أو من ابن كاسب1.

وذكر للإمام أحمد "حديث الحسين الجعفي عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر: "أسلم سالمها الله" فأنكره إنكاراً شديداً. وقال: هذا عبد الله بن دينار عن ابن عمر انظر الوهم من قبل من هو"2.

وذكر الحاكم حديثاً فيه وهم. ثم قال: "لقد جهدت جهدي أن أقف على الواهم فيه من هو فلم أقف عليه اللهم إلا أن أكبر الظن على ابن بيان البصري على أنه صدوق مقبول" 3 اهـ.

وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث فيه اضطراب؟

فقال أبوحاتم: الناس يضطربون في حديث العلاء

فقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي فأيهما الصحيح منهما؟.

قال: هو مضطرب.

فأعدت عليه فلم يزدني على قوله هو مضطرب4.

1 العلل (1/441) . وانظر العلل (6/151) للدارقطني والأنساب (5/260) للسمعاني. والرواية الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (3/72 رقم 12181ـ العلمية) ، وانظر (8/210 ـ 211) من إرواء الغليل.

2 العلل (148رقم264- المروذي) وانظر التاريخ (3/560- الدوري) لابن معين. حديث جابر أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/316) . وحديث ابن عمر أخرجه أحمد في المسند (2/60) والترمذي في السنن (5/729) وإسناده صحيح.

3 معرفة علوم الحديث (59) وانظر الرواة عن سعيد بن منصور (60) لأبي نعيم.

4 العلل (1/291) .

ص: 113

(فائدة) أحياناً تختلف أقوال النقاد في تعيين الراوي المخطئ.

قال الزيلعي في معرض بيانه لحديث فيه وهم. واختلف ممن الوَهْم: "قد اضطرب كلامهم فمنهم من ينسب الوهم في رفعه لسعيد. ومنهم من ينسبه للتَرجمُاني الراوي عن سعيد. والله أعلم"1 اهـ.

والعمل عندها أن ينظر فيه على ما سبق من الطرق وإلا يتوقف.

وهذه الطرق لا تعني أن هذا الراوي هو المخطئ يقيناً2. بل تفيد غلبة الظن3. فإذا قالوا أخطأ فلان، فلا يتعين خطؤه في نفسه الأمر. بل هو راجح الاحتمال فيعتمد4. وذلك؛ لأن كُلّ طريقة من الطرق السابقة هي مظنة الخطأ في ذلك الراوي.

فالحكم عليه بالخطأ. إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع؛ إذ قد يسلم من الخطأ 5. لكن لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك. وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاماً؛ وذهنه ثاقباً؛ وفهمه قوياً؛ ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة 6.

1 نصب الراية (2/163) .

2 إلا إذا صرح بنفسه.

3 انظر السنن الكبرى (1/306) للبيهقي.

4 انظر فتح الباري (1/585) للحافظ.

5 كأن يتابع وانظر مثالاً لراو ألصق الخطأ به فتوبع فبرئت عهدته من الخطأ في نصب الراية (3/190) .

6 انظر نزهة النظر (118) للحافظ.

ص: 114